رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل السبعون 70 بقلم اسماء حميدة


 رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل السبعون 

كانت عيناها مسمرتين على الباب الذي بدا وكأنه قد استقال من فكرة الفتح   باب أغلقته الحياة لا بالمفتاح بل بالخذلان.
لحظتها ضاع الأمل من صدرها ففي كل مرة ظنت فيها أنها ستخرج سالمة انتهى بها الأمر تتذوق ذات المرارة كأن القدر يعيد بث الحلقة الأخيرة من مسلسل مأساوي دون كلل.
لكن هذه المرة كانت مختلفة...
في المرة الأخيرة لم تخرج خالية اليدين فقط بل خرجت وقد نزف رحمها حلما صغيرا لم يمنح فرصة الصراخ الأولى.
طفلها... طواه الغياب قبل أن تلفه ببطانية زرقاء فهل ستلحق به الآن
هل جاء موعد خروجها الأخير من هذا العالم
ومض في ذهنها مشهد محفور بجمر لا يخبو...
أحمد حين جاء متأخرا نصف ساعة. نصف ساعة كفيلة بتغيير لون الحياة.
أنقذ مارينا وتركها تغرق في الماء والأسئلة.
سألته حينها بصوت مقهور كأن حبالها الصوتية قد اختنقت بندبة القلب  
 لماذا اخترت إنقاذها أولا  
فأجابها بلا رجفة وكأن الرد محفوظ في جيب سترته  
 لأنك تعرفين السباحة... أما هي   فلا.  
كلماته سقطت عليها كجدار من ثلج.
وفي تلك اللحظة لم تعد قادرة على احتواء الدموع التي تجمعت في عينيها فانسكبت عندما تعبت من العناد هو لم يرها امرأة تحمل قلبين بل ظنها كائنا أسطوريا لا يهزم.
لكن الحقيقة أنها لم تكن سوى جسد يئن من الضعف  امرأة حامل... اختنقت ساقاها في شبكة صيد

بينما كان هو يظن أن الأمواج لا تجرح من اعتاد السباحة.
ظنها جبلا... لا يهوي.
أما هي فكانت تمشي فوق حافة زجاجية كل خطوة تقربها من الانكسار.
ظن أنها قادرة على احتمال الدش البارد وأن أقصى ما سيحدث هو أن تصاب بزكام عابر.
لكنه لم يعلم أن الزكام نفسه قادر على قتل من أنهكه الكيماوي وتركه هشا كأوراق الخريف في قبضة رياح جاحدة.
لقد كان واثقا... واثقا لحد الغرور كأن الكون في جيبه والنجاة ملك يده لكن الغرور لا يمسك المجاذيف ولا يعيد الروح لمن غرقت في لامبالاته.
أما هي... فلم تعد تطلب شيئا.
تجر نفسها من يوم إلى يوم كما تجر المشنوق خطواته إلى الساحة.
ما عادت ترى من الحياة سوى صورة أبيها جيف... وجه وحيد بقي في ذاكرتها كنقطة ضوء في مرآة مغبرة.
كانت هناك...
جسد ينتظر.
كتمثال نسي في معبد قديم.
كسجينة بلا تهمة   مصلوبة على صبر متهالك.
رأسها منحن   وعيناها مفتوحتان تنتظران أن يطرق الموت الباب... ذاك الباب الذي أغلقه أحمد ولم يعد.
مر زمن بدا أطول من اللازم... كأن الدقائق تجلد الحائط   وكأن عقارب الساعة كانت تتلذذ بتعذيب روحها.
ثم فجأة   انفرج الباب بصوت حاد كأنه أنين متأخر لباب يرفض الشفقة...
رفعت رأسها ببطء   كأن الجاذبية تسحب عينيها إلى الأرض   لتجد أمامها هيكلا بشريا طويلا يتقدم من العتمة  خطواته تقطع الصمت
كصوت حذاء على بلاط كنيسة مهجورة.
أجبرت جفونها أن تقاوم النوم   أن تظل مشرعة كأبواب النجاة   رغم أن جسدها أنهكه كل شيء.
تقدم واقترب حتى صار ظله يغطي ملامحها.
قال بصوت هادئ بارد كحافة سكين  
 سارة... هل أدركت الآن خطأك  
خطؤها
أي خطأ
هل كان الخطأ أنها أحبته
أم أنها وثقت في يديه قبل أن تتأكد أن قلبه حي
راودتها ضحكة مجنونة   مكبوتة  ساخرة   لكن فمها كان أشبه بشق صامت في جدار.
كل عضلة في وجهها خانتها   إلا عينيها... كانتا تصرخان.
حاولت أن تنطق   لكن الكلمات خرجت على استحياء   كسمكة تحتضر خارج الماء.
همست  
 أحمد... كنت مخطئة. 
ابتسم...
ابتسامة في الظلام لا ترى   لكنها تحس  وكأن الشيطان قد قرر أن يبتسم أخيرا.
وفي طرفة عين   فك قيدها كما لو كان يحل شريط هدية.
سقط جسدها بعدها مثل ورقة مبللة لا تملك حتى رفاهية الاصطدام بالأرض وتمتمت بنبرة ميتة  
 كان لقائي بك في هذه الحياة... خطأ فادحا أخطأت عندما وقعت لوغد مثلك  
ثم ومع الضوء الذي أضاءه برنت   بدا كل شيء عار أمام الحقيقة.
كانت الدماء قد رسمت خارطة وجع على معصميها تحفر طريقا للهروب عبر جلدها.
أدرك أحمد في لحظة أن الفتاة التي كانت تخاف من وخزة إبرة   لم
تتردد في تمزيق نفسها الآن.
كم تغيرت...
كم صارت غريبة عن النسخة التي كانت تثرثر بالوجع من جرح بسيط.
رفعها بذراعيه.
شعرها المبلل التصق بوجهها   ووجهها كان أبيض كقطعة خزف نسيت في العاصفة.
كانت خفيفة إلى حد يثير القلق   وكأنها تخلت
عن وزن الروح.
شيء ما ضاق في صدره.
شيء لم يعرف اسمه.
ارتبك   تلعثم قلبه   وتساءل في داخله  
 أكانت تسبح في بحر يناير ذات يوم كيف إذا... كيف ينهكها دش بارد  
قال بنبرة جافة تخنقها الغصة  
 سارة... توقفي عن التمثيل.  
لكنه لم يجد ردا...
فالجثة التي بين ذراعيه لم تبتسم   لم تغضب  لم ترتجف... فقط صمتت.
اقترب من وجهها ولمس خدها بأطراف أصابعه المرتعشة.
كان باردا... باردا كقبر مفتوح تحت المطر.
صرخ مرتعشا   كأن الخوف قد استعاد صوته  
 أحضروا الطبيب! الآن!  
اندفع برنت مرتجفا   واتصل بطبيب العائلة بصوت متقطع.
أما أحمد   فكان يسابق نبضها المتراجع.
خلع عنها ثيابها المبللة بارتباك لا يخلو من الذنب  وبدأ محاولات إسعافها بجنون المحكوم عليه بالإعدام وهو ينقب في جدران زنزانته بأظافره.
ولحسن الحظ كان لا يزال بها نبض... ضئيل   باهت   لكنه حي.
أنفاسها كانت أشبه بشهقات شبح لكنها موجودة.
وهو في تلك
اللحظة أدرك أن الذنب لا يغتفر أحيانا  حتى لو تنفس من جديد من ظننا رحيله.


تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1