رواية للهوى رأي اخر الفصل الثامن
في صباح جديد، وأولى أيام عملها التي اتخذته من أول ما خطت بقدميها الشركة على محمل الجد وبحماس على إثبات نفسها، لا تنكر فيروز أبدًا أنه لولا عمها ما كانت شركة مثل هذه لتقبلها كموظفة دون خبرة، حتى دون أن تحصل على شهادتها الجامعية، لكنها ستطبق كل ما تعلمته ودرسته في السنوات التي قضتها في كليتها واختصاصها في إدارة الأعمال، مع وعد لنفسها أن يأتي اليوم الذي تستأنف فيه تكملة دراستها.
وبما أنها لم تملك مكتبًا خاصًا بها، فقد شاركت أسيل بمكتبها مؤقتًا.
دخلت أسيل وارتمت بنفسها على مقعدها متأففة بعدما ألقت مجموعة من الملفات على سطح المكتب بحنق، فتساءلت فيروز بانتباه إليها:
مالك يا أسيل؟
أجابتها وهي تلوي فمها بعدم رضا:
شايفة الملفات دي؟ المحاسب الباشا نسي يوصلهم لشركة عمران، فاتدبست أنا اللي أوصلهم، وهو علشان نسي أشيل شغله أنا، ليه؟ مش كفاية اللي فوق دماغي!
صمتت فيروز لبعض الوقت، وقالت متسائلة:
_ ما ينفعش أي حد غيرك يروح؟
_ لا، ورق مهم وحسابات خاصة.
قالت فيروز مقترحة لعلها تساعد بشيء:
_ طب هاتي الشغل بتاعك أعملهولك أنا، وإنتِ وصِّلي الملفات.
نظرت الأخيرة لساعة يدها قائلة وهي تقف بضيق:
_ وإنتِ إيه ذنبك يا فيروز؟ وبعدين ميعاد الانصراف جه، يلا بينا.
استقامت وجذبت حقيبتها، وبتردد قالت:
_ طب أسيل، روحي إنتِ مشوارك وأنا هركب أي حاجة توصلني البيت.
ضحكت أسيل بخفوت:
_ يلا فيروز، الله يهديكِ، إنتِ تعرفي حاجة هنا؟ إنتِ هتيجي معايا وأمرك إلى الله.
...... .........
توقفت السيارة أمام أحد المباني ذات الواجهة الزجاجية الضخمة ولافتة كبيرة بالبنط العريض باسم صاحبها، التي انتبهت فيروز لها، فالتفتت لابنة عمها متسائلة بتوجس:
_ أسيل، دي شركة قاسم عمران؟
أومأت أسيل برأسها، بينما ارتبكت فيروز وهتفت بها معترضة:
_ إنتِ ليه ما قلتليش إنها بتاعته؟ أنا مش عايزة أتقابل معاه.
توقفت أسيل بسيارتها:
_ ما قلتلك يا فيروز شركة عمران.
_ أوف، ماخدتش بالي والله.
جذبت أسيل مجموعة الملفات من المقعد الخلفي وقالت:
_ خلاص، خليكي إنتِ هنا وأنا هاطلعهم بسرعة وأنزلك.
أومأت فيروز برأسها، فكان اقتراحًا مناسبًا لعدم دخولها شركته بقدميها، لو كانت تعلم لما أتت، لكنها في الأخير أتت وانتهى الأمر...
...... . ........
جالسة على مكتبها، وقدماها فوق الأخرى تحركهما برتابة، وأصابعها تعمل على لوحة المفاتيح بسرعة ومهارة، وعيناها مرتكزتان على شاشة الحاسوب بتركيز.
لكن لحظة... لحظة، وضيقت حاجبيها لاستنشاقها ذلك العطر الذي حُرمت من صاحبه أسبوعًا بأكمله. رفعت رأسها اتجاه الباب ووجدته، واقفًا بشموخ ويداه في جيبي بنطاله ناظرًا اتجاهها.
هل تلك اللمعة التي رآها بعينيها... حقيقية؟!
ذلك التوهج مع اتساع عينيها وحركتها السريعة في الوقوف... لهفة!
أخذ نفسًا عميقًا واتجه إليها، ثم وقف قبالتها، وعيناه تدوران بملامحها وعينيها... شوق! ربما.
لم يتبادلا الكلمات ربما لدقائق، تخطت دهب دهشتها وحل محلها الحنين والشوق لغيابه، غياب جعله يتقلب على الجمر لجهلها بحالته بعد خروجها من المشفى بعد أن علمت بقدوم والدته...
أعينهما مترابطتان، وكلاهما منجذب لسحر الآخر...
كان صوت موسى الذي اخترق الصمت بينهما قائلًا:
_ ما فيش حمد الله على السلامة؟
رمشت دهب بعينيها عدة مرات، ثم أجابت بصوت خرج على غير عادته:
_ طبعًا، حمد الله على سلامتك.
أومأ لها متابعًا:
_ الشغل كان كله عليكي الفترة اللي فاتت، أنا عارف إنك قدها.
أزاحت خصلة خلف أذنها قائلة:
_ ده شغلي.
حك أنفه متحدثًا:
_ ويوم المستشفى، تعبتك.
ليت كل التعب كذلك، ليت كل التعب أن أكون بجوارك...
كلمات قالتها دهب لنفسها، ومشاعر تخشى أن تفضحها عيناها بها، وهو أمامها بكل ذلك الهدوء كعادته، ينظر إليها بتمعن أكثر من اللازم، وهذا يجعلها ترتبك... على غير عادتها.
تحرك من أمامها أخيرًا لمكتبه مع طلبه لقهوته المعتادة... المظبوطة.
ارتمت على مقعدها، ماسحة وجهها، وابتسامة ناعمة شقت ثغرها، وقلب يقفز فرحًا وراحة لقدومه أخيرًا.
...................
بخطوات واثقة اتجهت أسيل لمكتب المساعدة الخاصة ، توقفت أمامها متسائلة
_ قاسم بيه موجود
نظرت لها المساعد
_ مين حضرتك
_ أنا أسيل كمال، بنت الشريك الرسمي لمجموعة عمران
استقامت المساعدة بترحاب مشيرة للمقعد بجانب المكتب
_ أهلا بحضرتك يافندم اتفضلي
رفضت أسيل بتهذيب
_ عايزة أقابل قاسم بيه
_ للأسف قاسم بيه لسه خارج حالا وماعنديش ميعاد بحضور حضرتك
نفخت أسيل وهتفت
_ معايا ورق مهم ولازم أسلمه ليه شخصيًا، أعمل أنا إيه دلوقتي
..............
زفرت فيروز بملل، خرجت من السيارة ونظرت للمكان من حولها، هادئ وليس متكدسًا بالمباني السكنية، نظرت لساعة يدها مرة أخرى تتمنى خروج أسيل في أقرب وقت، لو تعلم أنها آتية بمقر عمله لما أتت وأصرت، مرتابة منه ومما يصدره حضوره المهيب من حولها، ومن نفسها وما يجعلها تهتز بداخلها من كلامه ونظراته وخصوصًا آخر حديث بينهما، تنهدت رافعة رأسها للسماء كم تشتاق لوالدتها ودفئها، شعرت بحمايتها لها يوم ما كادت أن تفقد شرفها على يد المدعو رامي، شعرت فجأة بوحدتها وتخبطها في عالم آخر لم يشبه عالمها.
_ انتظرت الصدفة الرابعة، لكن أكيد ماكنتش أتخيلها تكون قدام شركتي
أغمضت فيروز عينيها بشدة دون أن تلتفت لصاحب الصوت وصاحب أفكارها الذي خلفها، لكنه ابتسم أشبه بابتسامة انتصار وقال قاسم
_ ياترى إيه سبب حضورك الكريم
التفتت إليه ببطء، شعرها يطير من حولها في كل اتجاه من شدة الهواء، فحجب عينيها عنه للحظة قبل أن تزيحه وتهتف بصوت بدا ثابتًا عكس عينيها التي تدور بكل شيء عداه
_ أكيد مش جاية ليك مخصوص
ارتفع حاجباه بابتسامة على وجهه، أشار للحرس من خلفه بالابتعاد فامتثلوا لرغبته، فوضع إحدى يديه في جيب بنطاله وعينيه تلاحق عينيها
_ أمال بتعملي إيه هنا
تململت فيروز وبضيق مجيبة
_ أسيل كانت جايلك بورق وأنا كنت مستنياها هنا
أومأ برأسه وصمت لحظة متسائلًا
و ليه ماطلعتيش معاها
أشاحت بوجهها للجهة الأخرى وشعرها يعبث به الهواء فيجعلها لوحة رقيقة وناعمة،
مسح على شعره الأسود القصير وأردف قاسم بنبرة متسليه
_ فيروز أوعي تكوني بتهربي من الصدفة الرابعة
زفرت بارتباك ورغبة في إنهاء النقاش معه فقالت مختصرة
_ تقدر تقول كده
ضحك قاسم فجأة وهو يقول بتسلية
_ يعني جاية شركتي ومش عايزة تشوفيني، قولي ماتكدبيش جاية مخصوص علشاني صح
التفتت إليه، ونظرت إليه بعينيها باستنكار، وقد حدث ما أراد، وأمسك بعينيها المتهربة عنه، عينيها باتساعها ورغم سوادها القاتم، إلا أنها دافئة جدًا ومتحيرة جدًا جدًا، وخائفة!
توهجت بشرتها دون إرادتها، وكيف لا، وعينيه بانعكاس الشمس عليها ولونها الأخضر بلون الزيتون متوهجتين وخطيرتين، تنظر إليها بتلك الطريقة، ورجل بهيبته رغم صغر سنه بحضوره الطاغي ومكانته وحراسته المتأهبة من خلفه، يقف في الشارع يتحدث مع فتاة مثلها ويحسب لها عدد لقاءاتهم القدرية.
ظلا في تشابك غير مرئي بعينيهما وهالة تجذب كلاهما للآخر، حتى قطع اتصالهما صوت صرير عالٍ لسيارة ضخمة سوداء ويخرج من نوافذها رجال لمنتصف خصرهم، تأهب رجال قاسم واندفعوا سريعًا إليه ليجذبوه بعيدًا لحمايته، لكنه لم يتحرك دون أن يمسك فيروز من يدها ويجذبها إليه في المقدمة وهو من خلفها ومن خلفه يحاوطه حراسه حتى اختفوا خلف سيارته كدرع لهما، ودوي صوت طلقتين عشوائيتين
وردها حراس قاسم بعدة طلقات حتى ابتعدوا فارين...
كانت فيروز تنتفض خوفًا ورهبة وقاسم يحاوطها بجسده بحماية وكانت سيارته درعًا لهم من الطلقات العشوائية ومن خلفهم حراسه يحاوطونهم، وعندما دوي صوت الطلقات صرخت فيروز ودست نفسها في أحضان قاسم أكثر وقد وصل بها الهلع مبلغه وظنت أنها على مشارف الموت، جذب قاسم رأسها لصدره مطمئنها ببعض الكلمات التي لم تصل لأذنها بسبب صراخها المستمر، رفع رأسه هادرًا بأحد الحرس الذي هرول إليه وأبلغه بإنهاء الأمر وفرارهم.
تنفس قاسم الصعداء أن الأمر لم يزد سوءًا عن هذا حتى لا يصاب أحدهم، خصوصًا تلك التي بين ذراعيه، والغريب والمنافي لهيبة الموقف الآن، مسد قاسم بيده على رأسها وشعرها بهدوء، وبصوت خافت طمأنها بنهاية الأمر، هدأت انتفاضة جسدها ومازالت قابعة بين ذراعيه وهو كل ثانية وأخرى يشد عليها، تململت فيروز وابتعدت فأزاح يديه عنها على مضض، نظرت حولها وقد تجمع بعض من المارة والموظفين والحرس يحاوطونهم، ثم رفعت عينيها الباكية إليه ورعشة أصابتها كليًا، أخفضت عينيها بسرعة غير مصدقة أنها كانت في أحضانه منذ لحظات، أحضانه هو!
تململت تنوي الهروب لكن يده التي أمسكت يدها منعتها من التحرك دون إرادته هو.
.............
بغرفة مكتب قاسم وإصراره الصامت على وجود فيروز القابعة على إحدى المقاعد الجلدية المريحة، في غرفة لم ترَ في فخامتها من قبل، واسعة جدًا واجهتها بالكامل من الزجاج الأسود المقوى، مكتب فخم وغرفة منفصلة عنه بباب ومن فتحته أدركت أنها غرفة الاجتماعات والتي تكفي لأكثر من مئة شخص،
تنظر إليه وللاتصالات الهاتفية له كل دقيقة في استغراب لانتشار خبر الحادث بتلك السرعة.
لم تجد سببًا لوجودها للآن فاستقامت واقفة، فخرج صوته الهادئ
_ رايحة فين
أجابته فيروز بوضوح
_ ماشيه، أنا هاقعد ليه هنا
تحرك قاسم إليها ووقف أمامها مباشرة
_ مش هاينفع أسيبك تمشي لوحدك
عقدت حاجبيها وهتفت
_ ليه، زمان أسيل قلقانة عليا وهاروح معاها
_ فيروز أنا مش هاكون مطمن حتى لو كنتي مع أسيل
_ تطمن على إيه، اللي حصل تحت مايخصنيش أنا، شوف إنت ليك مشاكل مع مين ولا عملت فيه إيه وصلته لكده
نظر لها لبرهة وبخفوت تساءل
_ هو إنتي شايفاني شخص مؤذي لدرجة إني أستاهل محاولة قتل زي دي
أخفضت رأسها عنه وبتعب أجابت
_ أنا ماعرفكش علشان أحكم عليك، أنا ماقدرش أحكم على أي حاجة، عالمكم ده صعب وكله صراعات، عاملين زي سمك القرش لو ماعرفتوش تاكلوا بعض بتاكلوا اللي أضعف منكم
ألقت بكلماتها دفعة واحدة بوجهه، نظرت له بترقب، رأت وجهه ثابتًا إلا من حركة بجانب صدغه ودكون عينيه، مادهاها لتقولك تلك الكلمات، أ لم يكن خروجها بسلام أفضل!
_ وإنتي العالم بتاعك إيه، مسالم وطيب، مافهوش سمك قرش
كان صوته جادًا وكلماته حادة بها لهجة سخرية، لم تدرِ بأي إجابة تجيبه، لكن تهدلت كتفيها وببسمة باهتة قالت فيروز
_ بنداري جنب الحيط، مش طالبين غير الأمان وأربع حيطان، القروش اللي عندنا مش قوية زيكم، لكنها برضو قادرة تستقوي على اللي أضعف منها، وإحنا دايمًا الأضعف
ضيق قاسم عينيه قد شعر بحديثها بالألم، رفع يده برغبة شديدة لم يستطع تجاهلها ولامس وجنتها الشاحبة، فاتسعت عينيها وبتلقائية عادت خطوة للخلف، وثبتت يده المرفوعة في الهواء للحظات قبل أن تسقط بجانبه.
_ اعرفيني
رمشت بعينها عدة مرات باستغراب، فابتسم بسمة صغيرة جدًا وهو يومئ برأسه مؤكدًا
_ اعرفيني الأول وبعدين احكمي عليا
كانت نظرتها له وكأنها تتوسله ألا يفعل، فقط يتركها لسبيلها، ماذا يريد منها ومن حكم مثلها عليه
_ وهي واحدة زي رأيها هيفرق مع واحد زيك في إيه، إنت ماتعرفش أنا شوفت إيه ولا عشت إيه قبل ما أجي عالمكم، سبني لحالي
هتف قاسم بصوت عميق مجددًا كأنه لم يستمع لحديثها
_ عمري ما طلبتها من حد، ولا فرق معايا رأي حد فيا، لكن إنتي بالذات عايزك تشوفيني زي ما أنا
بدأت الحمرة تلون بشرتها الباهتة،
وتأثيره عليها يتسلل إليها يشعرها بـ... الشغف
واستشف هو إجابة من صمتها، قطعت صمتها دخول أسيل الراكض إليها دون أن تطرق على الباب بلهفة قلقة على فيروز، هتفت بها أسيل بقلق
_ فيروز إنتي كويسة، لسه عارفة حالًا باللي حصل الحمد لله إنك طلعتي هنا ياريتك طلعتي معايا من الأول
نظرت فيروز لها ثم إليه وأجابت بخفوت
_ أنا كويسة ماتخافيش
_ الحمد لله إنك بخير
فنظرت أسيل لقاسم المبتسم لها بسخرية قائلًا
_ شرفتي مكتبي اللي دخلتيه من غير استئذان يا آنسة أسيل
ضيقت أسيل عينيها وقالت بضيق
_ وجودك الفترة الأخيرة بقى ملازم للكوارث مش ملاحظ يا قاسم بيه
_ فعلا، حتى كوارث ياسين وخناقته كانت جنبي في نفس الصورة
لم تستطع فيروز أن تكتم ابتسامتها، بينما اغتاظت أسيل ولم تستطع الإجابة عليه فهتفت بفيروز
_ يالا نمشي من هنا
استوقفها بأمر وصوت جاد
_ الحرس هيوصلكم لحد البيت
كادت أسيل تعترض لمضايقته، لكن فيروز ضغطت على يدها وهزت برأسها موافقة، فلم يعد لديها القدرة على تحمل أي جدال آخر اليوم، نفخت أسيل على مضض وخرجت ومن خلفها فيروز التي دون إرادتها ألقت نظرة أخيرة عليه فقابلها بغمزة من إحدى عينيه جعلتها تسرع خلف ابنة عمها هروبًا من حضوره.
..........
ألقى بجسده على الأريكة الجلدية ، وضع ذراعه على جبهته وأغمض عينيه رغبة في بعض الاسترخاء ، يومًا طويل وأحداثه متتالية وغير متوقعة، الغريب في الأمر أن محاولة قتله تقبلها بهدوء شديد أو يمكن لا مبالاة ، وما يستحوذ على تفكيره حقًا تلك التي بقدميها أتت إليه اليوم، وذلك الشعور الذي شعر به وهي بين ذراعيه رغم خطورة الموقف، لكنه للآن يشعر برائحتها في أنفه ولمسة يدها لساعده باقية على أثرها، ودون أن يدري ارتسمت على شفتيه بسمة صغيرة ، انقطعت بعد الدخول المفاجئ الأحمق لذلك الذي اقتحم خلوته هادرًا به موسى
_ ارتحت انت كده، شوفت وصلتهم لإيه حذرتك كتير قاسم وانت اللي في دماغك ما بيتغيرش
فتح عينيه إليه من تحت ذراعه دون أن يستقيم من مكانه
_ ايه الدخلة يا عم مانا قدامك اهو زي الفل
_ قاسم بلاش برودك ده معايا بلاش تستفزني بدل ما أسيبك وامشي
اعتدل على مضض وأشار إليه وكأنه يهدئه
_ ايه يا موسى مانا كويس قدامك ما حصلش حاجة
_ هايحصل يا قاسم زي ما حصل النهارده بكرة هايحصل تاني لو فضلت مصمم على طريقتك دي في الشغل
_ اي طريقة وأنا المفروض أعملهم ايه أقولهم اتفضلوا اقعدوا على الكرسي مكاني ولا الصفقات اهو خدوها على الجاهز، ده شغل وانت ابن سوق وفاهم علشان تبقى قوي ما تعملش حساب لحد
جلس موسى وتنهد من تفكيره المقاتل في العمل وقال محاوره
_ ما أنا ممكن أبقى قوي من غير ما أكسب عداوة حد، ما أقفلش عليه كل السكك وأوصله إنه يخلص عليا، خليك قوي وكاسب اللي حواليك برضو
_ ما حدش بيحب يشوف حد أحسن منه، وطول ما انت ناجح وبتطلع مهما عملت وسايست هايبقى ليك عدو
لوى موسى فمه بحنق متسائلًا لرأي صديقه المتصلب
_ وبعدين ناوي على ايه
ابتسم بثقة وعاد بظهره للخلف مجيبًا
_ هاسيبه يفكر إنه بعيد عن الصورة وأني ما أعرفش إن هو اللي وراها، لحد ما يطمن وبعدين أهاديه بحاجة تليق بقاسم عمران
_ وانت عارف هو مين
ضحك قاسم وقال
_ عيب عليك تسأل صاحبك سؤال زي ده
رغم علامات القلق والضيق من منطق صاحبه إلا أنه قال ناصحًا
_ طب خلي بالك من نفسك يا قاسم ما تفتحش صدرك كده، أنا خايف عليك
ربت على كتف موسى بأخوة وتقديرًا لمكانته عنده
_ عارف، سيبها على الله
ثم صمت لبرهة وبخفوت تساءل
_ دهب كويسة
أومأ له موسى في صمت متنهدا فأردف قاسم
_ عارف إني بضغط عليك بس، في أقرب وقت هادخل يمكن بس مش لاقي وقت مناسب
_ ما فيش وقت مناسب ووقت مش مناسب بين الإخوات يا قاسم، خد خطوة صدقني كل ما الوقت بيمر الفجوة بينكم بتكبر أكتر
أومأ له مؤيدًا في أول شيء من بداية جلستهم
عندك حق، بس تفتكر هي بتكرهني؟
صمت موسى قليلًا وعينيه على صاحبه وانتظاره لإجابة هو لا يعلمها، هو ودهب لم يحدث بينهما أي حوار خاص عن حياتهما الخاصة، ومتأكد أنها لم تعرف بصداقته مع أخيها، لذلك رد موسى بتساؤل آخر عليه
_ آخر مرة شوفتوا بعض امتى؟
ببسمة باهتة بلا معنى أجابه
_ كانت صغيرة أوي، كنت في إجازة لمصر أسبوع وراجع لندن تاني، أنا أكبرها بـ 10 سنين تقريبًا، كان عندي 18 سنة وهي 8 سنين، كانت جاية مع أمها علشان تشوفني المفروض، لكن عمتي ما نستش اللي عملته في أبويا فطردتها، يومها شوفتها وشوفت انبهارها بالأقصر... وشوفت كرهها ليا كمان
عم الصمت المكان بعد آخر كلمة قاسم قالها، وكان موسى للغرابة متفهمًا شعور صديقه لأنه يعلم شيئًا بداخله لا يعرفه غيره، وكل منهما شرد بعقله في شيء ما... بداخلهم.