رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل الثاني والتسعون 92 بقلم اسماء حميدة


 رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل الثاني والتسعون

كانت الليلة تنبض بالأنوار المبهرة والابتسامات اللامعة ليلة العشاء الخيري الذي تولت تنظيمه عائلة كروسبي بكامل هيئتها مدعية النبل بينما خلف الكواليس كانت تتلوى تحت عباءة من الضائقة المالية. أعلن رسميا أن عشرة بالمئة من عائدات المزاد ستخصص للأعمال الخيرية لكن العارفين بشؤون العائلة لم تنطل عليهم هذه المراوغة... لقد شموا رائحة الخوف تتسلل من بين سطور الدعوات المذهبة وقرأوا خلف الكلمات نحن نغرق... نبيع ما تبقى من مجدنا كي لا نفضح.
لطالما عرف السيد كروسبي الأب بشغفه بجمع النفائس رجل يهوى الكنوز المخفية كما يهوى الأطفال دمى أحلامهم لذا كان مستبعدا أن يفرط بتلك الكنوز إلا إن ضاقت عليه الأرض بما رحبت.
لذا حين انتشر الخبر بأن مزاد الليلة قد يطال حتى منزل سارة لم يتردد الفضوليون في الحضور حتى أولئك الذين

لا يملكون سوى عيون متلهفة وقلب يتقافز خلف أضواء القاعات.
وصلت سارة برفقة إيفرلي في توقيت مثالي توقيت العتمة التي تسبق فلاشات الفضيحة بثوان.
أخرجت إيف رأسها من نافذة السيارة وعيناها تلمعان كما لو أنها طفلة أمام بوابة مدينة الملاهي.
قالت بحماسة لا تخلو من العبث
اصعدي! وإن ضللتني هناك احجزي لي مكانا في الصف الأول... أريد أن أراقب انكساراتهم من مقعد ملوكي.
ابتسمت سارة محاولة أن تكبت ضحكة تسربت منها كشهقة من قلب موجوع وردت
حسنا سأفعل... لكن لا تلومي إلا نفسك إن وقعت في حب الفوضى هناك.
كانت إيفرلي تخفي قلقها خلف ستار من السخرية فما من يد دافئة في قاعات كهذه فقط ألسنة باردة وعيون حادة كالخناجر.
لم يسبق لإيفرلي حضور مناسبات كهذه ومع ذلك تخيلت أنهما تستطيعان الحصول على مقعد عبر حسن الحظ أو الابتسامة لكنها لم
تكن تعلم أن مقاعد مثل هذه لا تمنح بل تشترى بثمن المكانة أو حجم التبرعات.
لحسن الحظ كانت سارة قد طلبت من إيفرلي دفع التبرع مسبقا فحجز لها مقعد أنيق على حافة الطبقات اللامعة. كانت التفاصيل معدة سلفا لا فوضى في حفلات الثراء... حتى الكراسي تنسق حسب الرتبة الاجتماعية لا حسب حرارة القلوب.
لكن الحظ لا يطرق بابا إلا ويترك على عتبته اختبارا وحين اقتربت سارة من المدخل تذكرت أن الدعوة ما تزال في يد إيف والقدر لم يمنحها فرصة لالتقاطها.
أوقفها الحارس بنظرة حيادية ونبرة خالية من اللوم سألها بصرامة لا تخلو من المهنية
آنسة هل تحملين رسالة الدعوة
حدقت سارة فيه بذهول لحظي ثم أجابت بصدق خال من التبرير
إنها مع صديقتي ستصل حالا.
لم يكن الحارس متعجرفا بل كان يؤدي وظيفته كما يليق بسور بارد يحرس أبواب المظاهر. نظر إلى سترتها
المغطاة بالريش المبعثر كما لو أنه يرى طائرا ضل طريقه في حفل مخصص للتماسيح لم تكن السترة أنيقة كانت مكسوة برقع من الكبرياء المرهق... والعيون التي مرت بجوارها كانت تهمس بلغة لا تنطق
من هذه
أجاب الحارس بنبرة حازمة
أعتذر عليك انتظار صديقتك. لا يمكنني السماح لك بالدخول دون دعوة.
أومأت سارة برأسها ولم تجادله إذ أدركت أنه ليس سوى ترس صغير في آلة ضخمة لا ترحم آلة لا تدار بالرحمة بل بالقوانين والبروتوكولات الباردة.
وقفت على طرف السجاد الأحمر كأنها ظل نزع عن الجسد ووقف يتأمل جسده من بعيد بينما راحت نظرات البعض تنفذ إلى جلدها كالإبر لكنها كعادتها قومت ظهرها رافعة ذقنها بكبرياء ورسمت على شفتيها ابتسامة وهمية كأنها تقف فوق خشبة المسرح وتؤدي دور امرأة لا تكترث فيما بداخلها كانت تنتظر صديقتها كما ينتظر الجندي صوت الرصاصة
ليكمل الهجوم أو يسقط.
في تلك اللحظة وصلت مارينا تتهادى كأميرة متملقة خرجت من إحدى لوحات النهضة ترافقها كاليستا وقد تشابكت ذراعهما لتعطيا إيحاء بالألفة الزائفة والود المصطنع.
سبق صوت كاليستا ظهورهما فاخترق أذن سارة كخنجر مغمس بالسم
مارينا رأيت الفستان في المقابلة الأخيرة... يقال إنه مرصع بثلاثة آلاف وستمائة وخمسين ماسة. وكل ماسة كما قال السيد أحمد تمثل يوما من حبه لك يا له من حب يحسد عليه!
تشنجت أصابع سارة وراحت تضغط على راحتيها تحاول أن تخرج الألم من جسدها بالقوة لكنها لم تشعر بشيء لم يكن هناك وجع ملموس بل صمت داخلي جم أشبه بفراغ مهول في قلبها يسحب كل ما حوله إلى الهاوية.
كانت تظن بل تؤمن أن فستان الأحلام قد صمم خصيصا لها وأن كل ماسة فيه حكاية خفية كتبتها أنامل أحمد لأجلها. أما الآن فصارت تلك الألماسات جمرات تلسع...
إذ تبين أن الفستان لم يكن لها بل نصب تذكاري لحب لم تكن هي بطلته.
كانت مارينا محاطة بنخبة من النساء الأنيقات كلوحات تتزين وجوههن بابتسامات مصقولة كالمرايا وعيونهن تزن الناس بميزان الذهب.
وحين التقت عيناها بعيني سارة أشاحت مارينا بنظرها عنها كأنها تطرد شبحا مزعجا من مرآتها لم ترد لتلك النظرات أن تفضح حكاية أحمد مع غريمتها حكاية دفنتها بين الحلي والكريستال.
أما كاليستا فكانت في عالم آخر من الاستعلاء لا تزال تكن لسارة ازدراء عتيقا زادته حرارة مارينا بالقرب منها اشتعالا.
قالت بصوت مشبع بالغل وعيناها تتفحصان سارة كما لو كانت حشرة على زجاج نافذة
أهذه هي عبقريو صفنا لما ملابسك بهذه الحالة البائسة من بعيد ظننتك... متسولة.
كادت كلماتها تدوي في أذني سارة كصفعة لولا أنها باتت بارعة في تجرع الإهانة بابتسامة صامتة أثارت
غضب الأخرى وفي تلك اللحظة قطع الحارس الاسترسال موجها سؤاله الذي بدا كطلقة رصاص في ممر مغلق إلى مارينا
سيدة ميلر هل تعرفين هذه المرأة إنها لا تملك بطاقة دعوة لكن إن كنت تعرفينها يمكنكما الدخول معا.
لم تتردد مارينا لم ترف لها عين وقالت ببرود أشبه بثلج ناعم يطفئ الجمر
لا... لا أعرفها
ثم أضافت كاليستا بنبرة مسمومة
ربما عليك فحص بصرك.. ألا ترى كم حالتها مزرية لا تترك المعدمين يتسللون إلى أحداث كهذه إنها ليلة رأس السنة وربما جاءت لسرقة شيء ما أتخيل أن ذلك لن يسر الإدارة.
أومأ الحارس برأسه في إذعان وكأن كاليستا غرست في روحه سهما من الخوف وقال
فهمت سيدتي أشكرك على تنبيهك.
تقدمت مارينا وكاليستا إلى الداخل ترافقهما نظرات الآخرين وأحذية من الكعب العالي تخطو بثقة فوق أرضية من الوجع.
وسارة كانت واقفة هناك كتمثال من
الرماد مبلل بالمطر تنتظر أن يأذن لها أحد بالدخول إلى عالم لم تعد تملكه.
لكن فجأة وقبل أن يتفوه الحارس بطلبه الصريح منها بالمغادرة لمحها برنت الذي قد خرج لتوه ليدخن وحين رأى المشهد تجمد لوهلة... ثم أسرع بخطى ثابتة كأنه ينقذ أحدهم من حافة الغرق.
توقف قالها برنت بصوته العميق وهو يقترب.
رفع الحارس رأسه إليه متراجعا خطوة ثم انحنى قليلا كعلامة الاحترام وبلا سؤال آخر فتح لها الباب.
دخلت سارة وقد تركت وراءها بقايا ابتسامة ممزقة كأنها تخطو لا نحو مأدبة فاخرة... بل نحو حلبة صراع جديدة تعرف فيها أن كل نظرة سهم وكل كلمة خنجر... لكنها الآن لن تنكسر بسهولة.


تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1