رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل السادس و التسعون بقلم سهام صادق
كم عدد الرجال الذين مروا بحياتها ؟ سؤالًا ألقاه عليها "هشام" بسخرية مُبطنة وبرقت معها عيناه بنظرة مُسْتَخِفة ثم بعدها أسترخى في جلوسه واضعًا ساق على الأخرى بعد أن حرك مقعده إلى الوراء قليلًا.
نظرته إليها وأنتظاره لمعرفة ردها عن أمر لا تعلم عنه شئ، سوى إنها أستيقظت ذات صباح على صراخ خالتها بوالدها وهي تسأله ما الذنب الذي أقترفته أبنة شقيقتها، تلك التي تتم بعد عامها الخامس عشر حتى يحدث لها ما حدث.
« ضيعتها يا "عدنان" ، قولتلك سيبهالي أربيها وأبعدها عن حياتك وشرها... منك لله، منك لله.. أقولها إيه لما تصحا وتفوق وتسألني عن وجع جسمها ،أقولها إيه لما تكبر ويتقدم ليها واحد يحبها ويجي يخرجها من حياتنا القذرة، ضيعتها منك لله.»
أستمرت خالتها بالصراخ ولا صوت تسمعه من والدها إلى أن سقطت خالتها أسفل قدميه تبكى بحرقة وتلطم على صدرها من قهرتها وقسوة المشهد المصور الذي رأته ولم تستطيع تكملته.
« عملوها إزاي ،عملوها في طفلة لسا معالم جسمها مبنتش إزاي ، اه يا قلبي... مش هرتاح غير لما يموتوا قدام عيني.»
وأخيرًا خرج صوت والدها بعدما أنطلقت صيحة قوية من حنجرته.
« خلاص يا "إلهام"، أنا مش ناقص كلام وكفاية اللي أنا في بدل ما أروح أقتلها وأخلص من عارها.»
« أعملها يا "عدنان" ،أعملها وأنا أدفعك التمن غالي.. مش كفاية اللي عملته فيا وفــ أختي، منك لله.»
وفي لحظة باغتته بنهوضها ثم دفعها له حتى صار المشهد ليس صوتً فقط بل أصبح أمام عينيها، خالتها تضرب صدر والدها بكل قوتها وتمزق له كل ما تطوله يديها.
« ياريتني ما دعيت عليك، أهي الدعوة جات فيها هي، أقول لأختي إيه ،أقولها إن ضيعت ولادها من أيدى ، "مراد" وقلبه بقى قاسي وحجر وشبهك ، طيب سيبولي "زينة"... كنتوا سيبتوهالي... كنت هسافر بيها ونرتاح من شرك.»
وأختنقت أنفاسها فجأة ونظرت إليه بنظرة واهنة، جعلته يندفع إليها بلهفة.
« "إلهام"، فيكي إيه.»
والضعف الذي لم تبصر عليه والدها يومًا ، رأته يحتل قسمات وجهه أمام خالتها.
« لو "زينة" حصلها حاجة أنا ممكن أموت يا "عدنان" ، أنت السبب إني مقدرش أخلف ،عايز ليه تدمر كل حاجة حلوة في حياتي.»
أطبق "عدنان" جفنيه بقوة متذكرًا لحظة سقوطها من أعلى الدرج أثناء أحد مشاجراته هو و "سمر" شقيقتها.
« متحملنيش ذنبك طول العمر يا "إلهام" وأنتِ عارفه كويس إنك وقعتي لوحدك.»
إنها حقيقة تعلمها لكن عليها أن تُذكره دائمًا بذنبها العالق في رقبته حتى تذيقه من مرارة وجعها و "عدنان" لا يوجعه شئ إلا رؤية نظرة بُغض وسخط منها.
« عايزه حق "زينة" وتسيبها تعيش معايا ، كفاية اللي شفته أمها معاك.»
وبعدها أتضحت الصورة كاملة ببشاعتها، لقد نال حرمة جسدها الصغير ثلاث رجال، ثلاث رجال أرادوا الأنتقام من والدها ،فــ نالوا أنتقامهم منها وضاعت هي في ظلام حالك وكابوس لا يُغادر ذاكرتها وقد نسج لها عقلها المشهد بكل قسوة.
صمتها وتحديقها به بتلك النظرة التي ترتعش معها أهدابها ثم أهتزاز كوب العصير بصورة واضحة مع أرتجاف يديها بطريقة تثير الذعر، جعله يعتدل في وضع جلوسه.
سقط الكوب من يدها وأنسكب الكثير منه على البِنْطال الذي ترتديه ثم بعدها خرجت صرختها.
أنتفض "هشام" من مقعده في اللحظة التي أنتفض فيها جسدها بالكامل وأنحنت نحو شظايا الكوب المكسور وأخذت تلتقط منه القطع بيدين مرتعشتين.
_ "زينة" بتعملي إيه، قومي هتتعوري...
وأردف بصياح بعدما أنفلتت من شفتيها صرخة خافتة.
_ شوفتي عورتي نفسك إزاي؟
نفض يدها مما ألتقطته وأجتذبها بعيدًا مثلما يجتذب الأباء صغارهم عن مكان الأذى.
دمعت عيناها من الألم حينما أنتشل قطعة الزجاج الصغيرة التي بالكاد أستطاع رؤيته.
_ خلاص طلعناها، تعالي نحط أيدك تحت المية وبعدين هتلاقي الألم بدء يخف...
وبقية الكلام قد ضاع وهو يراها تسقط برأسها على ذراعه صارخًا بخوف.
_ "زينة"..
...
تداركت "سيلين" مكان وقوفها سريعًا وتوارت بجسدها حتى لا ينتبه "عدنان" عليها.
_ خلي عين رجالتنا عليها لكن من بعيد لبعيد مش عايزها تحس إن حد مراقبها، مفهوم.
رد الطرف الآخر وهو يُلقي بنظرة خاطفة نحو المنزل الذي يمتلكه سيده في مدينة مرسى مطروح.
أطلق "عدنان" زفرة طويلة بعدما تلقى الرد ثم تهاوى بجسده على الأريكة القريبة منه مُتمتمًا.
_ عكتها على الآخر وسيبني أصلحها يا "مراد".
أفتر ثغر "سيلين" عن أبتسامة واسعة مُتهكمة، فالآن علمت أين ذهبت العروس التي هجرها زوجها في ليلة زفافها و لا تستطيع الظهور أمام إحد وعليها الاختباء لعدة أيام حتى يتم إيجاد حلًا لمشكلتها.
وعندما وصلت بها أفكارها إلى تلك النقطة، برقت عيناها بالتسلية وهي تتخيل أبنة المستشار صاحبة الحسب والنسب الكريم تقضي أيامها وحيدة ومكلومة.
_ عرفت دلوقتي ليه ملقتهاش في الفندق، يا خسارة بجد.. كان نفسي أشوف شكلها.
همست بها لنفسها بصوت خافت ثم أخفت أبتسامتها ومررت أصابعها بين خصلات شعرها وتحركت إلى داخل الغرفة.
_ "عدنان" معقول اللي أنا سمعته، "مراد" سافر وساب عروسته... أنت مش قولت...
أخرسها "عدنان" بنظرة من عينيه، فوضعت يدها على شفتيها وأشاحت وجهها عنه.
_ كلام كتير في الموضوع ده مش عايز وأي كلام يخرج من هنا... أنتِ الوحيدة اللي هتتحاسبي يا "سيلين".
تجهم وجهها ونظرت إليه بضيق.
_ أشمعنا أنا بتقولي الكلام ده يا "عدنان".
أحتدت نظرة عيناه وأقترب منها ،فتراجعت إلى الوراء مُرتجفة ثم أزدردت لعابها وهدرت أنفاسها من شدة الخوف وفي رأسها بدء يدور سؤال واحد، هل أنكشف سرها وعرف بأنها أقامت علاقة مع أبنه قبل زواجها منه وبنبرة صوت مُتعلثمة تساءلت.
_ أنت بتبصلي كده ليه "عدنان" وكأني عدوتك.
أجتذبها "عدنان" من ذراعها قاطبًا حاجبيه بغضب.
_ روحتي الفندق ليه ؟ أنطقي.
تساءل بها بنبرة مُخيفة وهو يهزها بقوة ، فازاحت يديه عنها مُتَبَرِّمة.
_ عايز تعرف روحت ليه الفندق الصبح ، لأني شمتانه فيها... أنت مكنتش بتشوف نظرة التعالي و دور الملكة وكأنها من نسل الملوك.
رفع أحد حاجبيه مُستنكرًا ،فصاحت وهي تُدلك ذراعها.
_ ها أرتحت كده؟
أقترب منها، فأبتعدت عنه لكنه ألتقطها من ذراعها مجددًا غير عابئ بصرختها.
_ كرهك ليها تدفني جواكي لأنها قريب هتيجي تعيش وسطينا وحذاري أعرف حاجه تخليني أقلب عليكي وعلى أبنك.
...
حدقت "ليلى" بتلك العصا البلاستيكية لوهلة ثم أسرعت بغلق عينيها حتى تستطيع تهدأت دقات قلبها وتمالك أنفاسها الهادرة بسبب ترقبها وخوفها من نتيجة الأختبار، فـ تلهف "عزيز" على طفلٍا وتكرار الأمر مرارًا أمامها جعلها مُتلهفة مثله وفي داخلها تمنت أن ترزق بطفلٍا تأتي معه البهجة لهذا البيت.
بدأت تعد الدقائق وهي مغمضة العينين ثم فتحتهما ببطء وأنتظرت لدقيقة حتى تظهر النتيجة التي خاب معها أملها.
طأطأت رأسها بخيبة أمل ثم أخذت نفسًا عميقًا و رفرفت بأهدابها لمرات عدة.
_ كان نفسي أفرح عزيز".
وأبتلعت غصتها وأردفت بحسرة.
_ أنا من ساعت ما دخلت حياتهم والبيت بقى كئيب وكل حاجه حلوة فيه بتروح حتى عمي راح...
غمغمت بكلام نفضته عن رأسها سريعًا ، فما الذي تتحدث عنه.
_ أنتِ بتقولي إيه يا" ليلى" ، مش قولنا نبطل نظرة التشاؤم وديما نحط الأمل جوانا..
ولن تنكر دور "عزيز" في هذا الأمر وعندها أتاها صوته وهو يطرق باب الحمام ويحاول فتحه.
_ "ليلى"، في إيه مالك...كل ده في الحمام ومش سامع صوت مية حتى، "ليلى" ردي عليا.
هتف بها مذعوًا وقد أنهى مكالمته الطويلة للتو مع الحاج "عبدالرحمن".
جحظت عيناها وهي تسمع طرقاته القوية على الباب ، أنحشر الكلام في حلقها وتوقف عقلها عن التفكير.
_ "ليلى"، ردي عليا... هكسر الباب.
هلعه عليها بتلك الطريقة أتى من سقوطها بالأمس أمام عينيه.
وعندما بدء بالفعل يضرب الباب بكتفه، لطمت خديها حتى تفيق وتستوعب المأْزِق الذي وضعت نفسها فيه.
خبأت ما بيدها في أقرب مكان أمامها وأسرعت بفتح الباب.
أرتطم جسدها بجسده حينما أنفتح الباب ليلتقفها بوَجِل بين ذراعيه مُتسائلًا.
_ فيكي إيه، وشك أصفر كده ليه ؟
ثم ضاقت حدقتاه عندما وقعت عيناه على شعرها ووجهها ولا أثر للمياة عليهما.
أنتبهت على نظرته إليها وأسرعت بالرد قبل أن تجد نفسها أمام سؤال أخر منه يزيد من ربكتها وتوترها.
_ بطني كانت وجعاني لأني أكلت شيكولاته كتير الصبح وتقريبا كده...
وقطعت كلامها وهي تخفض رأسها حرجًا ثم بدأت تفرك يديها ببعضهما.
للحظة أستمر بتحديقه بها ثم زفر أنفاسه بغيظ.
_ قوليلي أعمل فيكي إيه ، أنا لسا مخضوض وخايف عليكي بعد وقوعك قدامي فجأة ، أفرض دلوقتي حصل نفس الشئ هعرف إزاي وأنتِ قفله باب الحمام بالمفتاح ولا كأنك مش في أوضتك ومع جوزك.
ألقى الكلام بنبرة صوت عالية، زادت من توترها...فهي بالفعل لا توصد باب الحمام بإحكام.
_ "عزيز" أنا قدامك اه كويسة ، أنا بس سرحت شويه ومع ألم بطني حسيت مش قادرة أرد عليك.
لم يلقىٰ تبريرها إستحسانًا لديه ، فتمتم بوجه ممتقع.
_ باب الحمام ميتقفلش بالطريقة ديه تاني ، مفهوم.
نبرة صوته الحازمة التي صارت لا تليق به أمامها وفي وضع كهذا جعلتها تبتسم وتترك أمر خيبتها جانبًا.
_ أمرك يُطاع يا سيدي.
أبتسم رغمًا عنه واجتذبها إلى صدره وبصوت رخيم تساءل بعد أن أنتظمت دقات قلبه.
_ وجع بطنك خف دلوقتي.
هزت رأسها وهي تتنعم بدفئ حضنه الذي أمتصت به تخبطها وإحباطها.
_ وطبعًا من هزة رأسك أفهم إنك كويسة وأنتِ أصلا حتى لو تعبانه مبتقوليش ، قوليلي أعمل معاكي إيه.
زمَّت شفتيها بعبوس ورفعت عيناها إليه.
_ طب نطلع من الحمام وأنا أحلفلك إن وجع بطني خف...
وأستطردت وهي تمد شفتيها إلى الأمام.
_ أنا مش عارفة عقلي كان فين وأنا باكل شيكولاته كتير على الصبح.
دَّلالها أمامه داعب قلبه الذي أصبح يُفتن من أمور كهذه.
_ هحاول أصدقك المرادي.
قالها وقد ترك ليديه حرية الحركة على جسدها هامسًا بصوت خافت.
_ وحشتيني
وأردف سريعًا بنبرة صادقة.
_ لكن طبعًا لو تعبانه...
توقف الرد على طرف لسانها عندما طرق العم "سعيد" باب الغرفة.
_ يا بيه، في ضيفة مش مرحب بيها في أنتظارك.. أبلغها إنك مش فاضي.
...
تنهد "عزيز" بيأس من أفعال العم سعيد ونظر إليه بتساؤل.
_ رايح فين يا عم "سعيد".
ألتوت شفتي العم "سعيد" ورمقه بنظرة إستنكار.
_ داخل معاك أوضة المكتب ، أنت مسمعتش "ليلى" وهي بتوصيني مسيبكش للحظة مع العقربة...
وأنخفضت نبرة صوته عندما نعتها بهذا اللقب الذي يرى صورتها عليه.
حك "عزيز" رأسه ثم زفر أنفاسه مُتأففًا.
_ عم "سعيد"، أنا مش طلبت منك تعمل المشروب السحري بتاعك لـ "ليلى" عشان معدتها تعباها ولا أنت نسيت.
تأفف العم" سعيد" بضجر ونظر جهة الغرفة التي تجلس بها "سمية".
_ ماشي يا بيه، هسمع الكلام المرادي ما أنت ليك في رقبتي حق من أمبارح.
أبتسم "عزيز" وأشار إليه بالتحرك جهة المطبخ.
_ على المطبخ يا عم "سعيد".
سار العم "سعيد" من أمامه مجبورًا ثم تحرك "عزيز" نحو غرفة مكتبه التي أتجهت إليها سمية عند دلوفها.
غزت رائحة عطره القوية أنفها ، فأنهت مكالمتها و ألتفت إليه مبتسمة وقبل أن يسألها عن سبب زيارتها تمتمت بنبرة ناعمة.
_ ألف سلامه عليك يا "عزيز"، أول ما عرفت بتعبك جيت أطمن عليك.
_ مكنش له داعي زيارتك يا" سمية"، كنتي تقدري توصلي سؤالك عن طريق "سيف".
داعبت شفتيها أبتسامة عريضة ثم صدحت صوت قهقهتها.
_ وتفتكر غلاوتك عندي بالسؤال بس يا "عزيز"، لا، لا أنت متعرفش غلاوتك في قلبي إزاي، ده غير إني عرفت بتعبك من "بيسان" مش "سيف".
بنبرة حازمة صاح بها "عزيز" .
_ سمية" ، بلاش أسلوبك ده لأني عارفه وعموما كويس إنك جيتيلي بنفسك محتاج مشورتك في شئ...
قطعت حديثه ونظرت إليه.
_ مش معقول يا" عزيز" تكون مستني زيارتي.
أشاح وجهه عنها ثم زفر أنفاسه بضجر، فأقتربت منه.
_ قلقتني يا" عزيز" ،في حاجة قلقاك...
لطم كفوف يديه ببعضهما ثم أشار نحو الأريكة التي تتخذ ركنًا من الغرفة.
_ أقعدي يا "سمية".
أسرعت بالجلوس في المكان الذي أشار إليه وفي داخلها تمنت أن يكون أحتياجه لمشُورتها بأن تُخلصه من تلك الفتاة التي تزوجها.
أنتظرت أن يجلس لكنه ظل واقفًا دون أن ينظر إليها.
_ أنتِ شغلك كله في العقارات وليكي معارفك...
تلاشت أبتسامتها، فهذا الحديث لم تنتظره منه.
_ أنا محتاج تشوفيلي فيلا قريبة من هنا لأن أنا و "سيف"...
نهضت من مكانها دون أن تتركه يواصل كلامه وأرتفعت نبرة صوتها.
_ بقى عايز تخرج أبني من البيت يا "عزيز" ، أنا قولت من الأول هيجي وقت وتنسى فيه ولاد أخوك ومتفكرش غير في نفسك ومراتك.
وأردفت بوجه مُحتقن بعدما أستمعت إلى طلبه الذي لم تكتمل صورته بالنسبه لها.
_ قولي يا "عزيز" هي الهانم بقت حامل وعشان كده عايزه تأمن مستقبلها معاك.
أشتعلت عيناه غضبًا وصاح بها.
_ "سمية"، هتسمعيني للأخر ولا تاخدي بعضك وتمشي وأنا أقدر كويس أشوف حد يشوفلي طلبي.
قهقهت بعلو صوتها.
_ لأ شكل الموضوع كبير ومحتاجه أسمع حاجات تانية تثبتلي إن ولادي بقوا بره حساباتك خلاص.
صراخه عليها هذه المرة كان أقوى، فتجمدت يدين العم "سعيد" على تلك الصينية التي يحمل عليها فنجانين القهوة ثم برقت عيناه بالغضب وهو يستمع إلى بقية حديثها المسموم الذي مزجته بمزاح ثقيل يشبهها.
_ أهدى كده يا "عزيز"، من حقك برضو يكون عندك ولاد، ده أنت قربت تكون جد و "نيرة" كلها كام شهر وتولد وأنت لسا بتفكر تكون أب.
وبمكر أستطردت بعد أن أطلقت ضحكة قوية.
_ و يا ترى ده هيكون حمل كاذب وبتوهمك بي ولا أنت متأكد... أصل "عايدة" و "عزيز" في موضوع الخلفة طولوا أوي ،ده غير إني أسمع إن الناس اللي ربوها مكنوش بيخلفوا.
...
حدقت" زينب" بعنوان الطبيبة النسائية الذي حصلت عليه من "جيلان" و التي ألحت عليها معرفة السبب ومع إلحاحها أخبرتها إنها ترغب بالأطمئنان عن نفسها أولًا ثم يتم تأجيل الأنجاب بأرشادات طبية.
لم تعجب الفكرة "جيلان" وأخذت تبث لها مخاوفها ، فلِما لا تنجب طفلا وبعدها تؤجل أمر الأنجاب كما تشاء.
_ "زوزو"، "زوزو".
هتف بها الصغير وقد أندمج مع رسوماته، فتنهدت ثم أتجهت إليه.
_ في حاجه عايزها يا "يزيد" ومخلصتش ليه طبق الفاكهة بتاعك.
أرتسم العبوس على وجهه ورمق طبق الفاكهة قائلًا بتذمر.
_ "يزيد" شبع خلاص يا "زوزو"، هاتي نونو صغير ياكل بداله...
ألقاها الصغير على مسامعها بكل براءة ثم أستطر مُتسائلًا وعلى ثغره أبتسامة حلوة.
_ هو أنتِ هتجيبي ليا ولـ بابي نونو صغير أمتى يا "زوزو".
أرتجف قلبها بشعور لا تفهمه وأبتلعت لعابها ، فهي تُفكر في تأجيل أمر الأنجاب وتطلب من" صالح" في كل ليلة تجمعهم كأي زوج و زوجة أن يتوخى الحذر حتى لا يحدث حمل ورغم ضيقه و أنتباهها لتجهم وجهه إلا إنه يتجاوز عن سخافتها وطفولتها وقد أخبرها بالصباح أن تجد طبيبة حتى تعطيها ما يناسبها وتتوقف عن ذعرها.
_ نانا "حورية" قالتلي إنك هتجيبي ليا نونو صغير ألعب معاه يا "زوزو"، أنا بقيت شاطر وحلو وهكون أخ جميل.
قالها بنبرة صوت متلهفة، جعلت الدموع تتدفق داخل مقلتيها ثم نهض من مكانه وألتقط أحد رسوماته.
_ أنا عايز بنت حلوة زيك يا "زوزو" ونسميها "سارة" على أسم مامي، أنا مش فاكرها خالص... هو أنا ليه معنديش صورة معاها، زي ما أنا عندي صور كتير مع بابي ...
أنسابت دموعها التي حاولت مقاومتها أمامه لكن بالنهاية خانتها.
_ "زوزو"، أنتِ بتعيطي...
هزت رأسها وهي تجثو على ركبتيها أمامه وأحتضنت وجهه.
_ لأ أنا مش بعيط.
رمقها بنظرة مُستاءة وقال.
_ بتكذبي يا "زوزو".
تمتم بها الصغير بمزاح وهو يمسح دموعها ،فأسرعت بأحتضانه وفي نفسها كانت توعده إنه ستحقق له أمنيته إذ لم يكن هناك شئ يعيق حدوث هذا.
أنفتح باب الشقة في تلك اللحظة ودلف "صالح" وقبل أن ينادي عليهم ويلفت أنتباههم وجد صغيره يقفز أمامها بعدما أبتعد عن حضنها.
_ هنعد من أول النهاردة يا "زوزو"، وهخلي نانا وجدو يعدوا معانا..
يتبع...
رواية #ظنها_دمية_بين_أصابعه ❤️
نلتقي يوم الثلاثاء ليلا او الأربعاء صباحًا مع تكمله الجزء الثاني من الفصل وكله بالاجتهاد والحب ليكم 😃 😃 ♥️
اقتباس تكملة الجزء 2 من الفصل السادس والتسعون.
توقفت "عايدة" عن حياكة تلك القطعة التي بيدها والتي كانت تخرج فيها غضبها بعد مشاجرتها مع "شهد" وقد نالت منها صفعة قوية لا تتذكر إنها فعلتها معها من قبل.
_ مالك يا "سعيد"، رايح جاي لحد ما خيلتني، الله يكرمك يا اخويا لتقول إلى عايز تقوله لأما...
قاطعها بأشاحة وجهه عنها بعدما شعر بعدم قدرته على تحمل ما سمعه وقد قضى ليلته ساهدًا يسأل نفسه... هل كلام "سمية" صحيحًا و "ليلى" تحتاج إلى مشوار علاج طويل حتى تنجب طفلًا إلى سيده الذي صار يتوق بشدة إلى حدوث هذا.
_ اسمعيني يا "عايدة" وسيبك دلوقتي من بنتك قليلة الرباية اللي عايزه تسيب جامعتها وتروح تشتغل عند العقربة "سمية"....
تجمدت عيناي "عايدة" وأنتظرته يواصل كلامه. شعرت بالأختناق عندما وجدته يضع يديه على رأسه مهمومًا.
_ قول يا "سعيد" كلامك كله مره واحدة ،أنا مش حمل تنقيطك
قالتها بنبرة صوت مُرتجفة، فرمقها مُتنهدًا ثم جلس قبالتها قائلًا.
_ تاخدي "ليلى" بكره و تكشفي عليها عند الدكتورة ،خلينا نطمن إن البنت معندهاش حاجة تمنع الخلفة
أحتقنت ملامح "عايدة" وانتابها رغبة بالصراخ عليه.
_ حرام عليك يا "سعيد" هو أنا حمل فزع، ما قولتلك سيبهم براحتهم..
أنتفض جسدها بعدما أجفلها بلطم الطاولة وصياحه.
_ لأ المرادي لأ يا "عايدة"، العقربة بتشكك البيه إن "ليلى" ممكن تطلع زي أهلها وأنتِ عارفة وأنا عارف كويس إن زمان مكنش العيب عندك وفضلتي صابره مع "عزيز" لحد ما ربنا كرمكم...
❤️
لقد أنقضى به العمر وهو غارق في مسئولية أولاد شقيقه ، يُراعي أموالهم ويحفظ لهم حقوقهم ، ينظر إليهم بأعين الأب و يفرح من كل قلبه عندما يراهم سعداء ويحزن إذا رأى أحدهم ينفلت من يديه و لم يكن يُفكر في الزواج لأنه بغض جميع النساء بسبب صورة أنعكست له من أحقر أمرأة تتلون بثوب لا يليق بها وحتى فطرته في أن يكون له طفلًا من صلبه لم يَصْبُو إليه وأكتفى بمشاعره نحو أبناء شقيقه وكفاحه لهم حتى يمنحهم عيشة رغدة كما تمنى لهم شقيقه لكن بعد كل هذا تصفه بالأنانية وتراه يبحث عن نفسه ويسعى للأستلاء على أموالهم.
والصدمة التي أحتلت وجهه للحظة وجعلته يقف مَشْدُوهًا ومعقود اللسان تحولت إلى غضب ساحق ليصدح صوته عاليًا.
_ ألزمي حدودك في الكلام عن مراتي يا "سمية"، حياتي وأموري الخاصة محدش له دخل فيها.
ازدادت تلك النيران المشتعلة داخلها تَأجُّجًا وقبل أن تنفرج شفتيها بكلامٍ آخر ، ألجَمها بنبرة أشد صرامة.
_ وخلينا بقى نقف عند نقطة ولاد أخويا وإني عايز أشوف حياتي وآمن لمراتي مستقبلها واستقل بيها ، حقي يا "سمية" ولا الحق بيجي عند صاحبه وبيتمنع...
نظرت إليه بنظرة مستخفة وأشاحت وجهها عنه وسرعان ما كان جسدها ينتفض على أثر صراخه.
_ سكتي ليه يا "سمية" هانم، لا خلينا نتحاسب عشان شكلك نسيتي القديم ،أوعي يا "سمية" تفتكري إن سكوتي ضعف وأنتِ عارفه ده كويس، أنا سكت عن حاجات كتير عشانهم هما ، مش عايزهم يتحسروا ولا عينهم تتكسر، لو عايزه نفتح في الدفاتر بقى ونشوف الحقوق ونحاسب بعضينا...
حدقت به بقوة بعدما تمالكت خوفها.
_ أنت قولت أهو يا "عزيز" لو فتحنا في الدفاتر هتكسر عينهم ،فخليها مقفوله أحسن.
قالتها بتبجح أعتاده منها ليبتسم ويهز رأسه.
_ وماله يا "سمية"، نفتح الدفاتر... هيتصدموا شوية في أمهم اللي بعتهم بأرخص تمن وسبيتهم لجدهم وعمهم يربوهم وفضلت تلف على راجل متجوز عشان تاخده من مراته بعد ما أوهمتها إنها صاحبتها وخايفه عليها ، لأ وجايه دلوقتي عايزه تجوز بنته لأبنها... نفتح يا "سميه" ونفتح أكتر كمان ونقول على علاقتك بــ....
جحظت عيناها ومعها جحظت عيناي العم "سعيد" الذي تراجع بخطواته مُرتجف اليدين ومصعوقًا بعد أن اخترق مسامعه حديثهم الذي جعلها ينظر حوله حتى يتأكد أن لا أحد يسمعهم غيره.
_ مالك يا "سمية" اتفزعتي أوي كده ، الترابيزه لو قلبتها هطولك أول واحدة لكن بقول بلاش خلينا زي ما أحنا متفقين، شرك ومكايدك تبعديهم عن ولاد أخويا وتطلعي مراتي من دماغك ومش كل شوية هفضل افكرك وتبعدي عننا شوية وبعدين ترجعي بالسم بتاعك.
_ غصب عني يا "عزيز" ، أنت عارف كويس إنك الراجل اللي أتمنيت أقدر أطوله ومطولتهوش.
تمتمت بها وهي تتغنج في وقفتها وقد تبدل الوضع سريعًا وعادت إلى "سمية"، المرأة الناعمة ،المرأة التي لا يعرف كيف عاش شقيقه معها وعشقها وكيف أستطاعت خداع "هارون" حتى هذا اليوم دون أن يستطيع اكتشاف خيانتها مع صديقه.
_ ولا عمرك هتعرفي تطوليني يا "سمية" و لآخر نفس في عمري هفضل كرهك ولو لعبتي لعبتك الأخيرة معايا وأنتِ عارفه قصدي كويس هدمرلك كل حاجه عملتيها.
ابتسمت وأومأت برأسها ، فمادام يقصد "سيف" لا مانع لديها ستترك أمره لأنها أستطاعت زرع حبه نحو "بيسان" ومهدت الطريق وستظل تمهد الطريق حتى يتزوجوا وترى حلمها يتحقق.
_ قولي يا "عزيز" عايز الفيلا فين وليه ؟
ارتفع أحد حاجبين "عزيز" بتهكم وأستدار بجسده حتى يبعد وجهه عن رؤيتها.
_ هتشربي حاجه يا "سمية" ولا هتنهي الزيارة اللطيفة بسرعة.
تلاشت تلك الأبتسامة التي رسمتها بصعوبة على شفتيها.
_ أنا بقول إنك مش فاضية ولا أنا فاضي.
سار من أمامها لتبرق عيناها بالحقد عليه وعلى نفسها التي مازالت تهواه.
_ آه صحيح مرات أبنك عايزه قرصة ودن مش هنعيد القديم من تاني وأفهميها بقى بنفسك.
والكلام يعرف كيف يُلقيه بحكمة وفطنة ، لتضيق حدقتاها وتحدق في خطواته ،فما الذي يقصده من حديثه.
غادرت "سمية" حانقة بعدما استطاعت التحكم بأنفعالاتها ، فتهديدات "عزيز" لها خاصة في أمر زوجة "هارون" الأولى وخيانتها مع صديقه تجعل هواجس الخوف تلتف حول عنقها.
_ جواز "بيسان" من "سيف" هيجبر "عزيز" على السكوت طول عمره مهما حصل، أيوة "سيف" لازم يتجوز "بيسان" وأنا نجحت يا "عزيز" في الخطوة ديه ،قدامي دلوقتي خطوة مراتك.
خاطبت نفسها وهي تتجه نحو سيارتها وقد نست أمر زيارتها لعائلة العم "سعيد" لكن رؤيتها لذلك العجوز يتحرك بالحديقة شاردًا جعلها تعقد ساعديها أمامها وتُحدق به ثم أفتر ثغرها عن ابتسامة ماكرة.
_ معقول كنت هنسى الدكتورة.
...
أستطاع "هشام" أخيرًا إلتقاط أنفاسه بعدما وجدها تفتح عيناها، أسرع بأزاحة قنينة العطر ه عن أنفها وتساءل بلهفة صادقة.
_ أنتِ كويسه، قومي خليني أخدك لأقرب عيادة دكتور.
نظرت إليه "زينة" بنظرة مشوشة ثم أغلقت عينيها بعد أن شعرت بثقل جفنيها وألم رأسها.
_ "زينة"، "زينة" أفتحي عينك وقومي معايا.
رددها بها بنبرة تحمل فزعه ثم وضع أحد ذراعيه أسفل ظهرها حتى يستطيع رفع جسدها.
_ رأسي بتوجعني من الصداع، حاسه إني سامعه أصوات كتير حواليا، خليك جانبي.
لم تنتظره ليتخذ ردة فعل على حديثها ووجدها تجذبه إلى جوارها ثم تشبثت به.
_ خطفوني عشان ينتقموا منه ، صرخت كتير ومحدش لحقني.. بابا السبب و "مراد" بقى وحش زيه.
همست بتلك الكلمات وهي تشد بقبضة يديها على قميصه. تجمدت ملامح "هشام" وأنعقد لسانه عن الكلام ثم أجتذبه حركة تشبثها به وكأنها تتحامى فيه من أحد وما أزاده دهشة وصدمة عندما حاول رفع جزعه العلوي قليلًا خرج صوتها بتحشرج ورجاء.
_ لأ متبعدش، متسبنيش ليهم.
....
زفرت "عايدة" نفسًا طويلًا قبل أن تُغادر المطبخ بكوب الماء الذي أرادته "سمية" وقد تفاجأت بزيارتها.
_ أتفضلى يا "سمية" هانم.
هتفت بها "عايدة" وهي تمد لها الصينية التي وضعت عليها كوب الماء ، فابتسمت "سمية" بلطف.
_ شكرًا يا "عايدة" ، معلش تعبتك.
أنكمش جبين "عايدة" بذهول ونظرت إليه بنظرة ألتقطتها عينين "سمية" سريعًا.
_ قوليلي يا "عايدة" عامله إيه، أنا اكتر حد حاسس بيكي.. صعب الواحده مننا تفقد شريك حياتها فجأة.
ورغم أن الألم ظهر بوضوح على ملامح "عايدة" إلا أن دهشتها لم تخفى عن عينين "سمية" التي أعتدلت في جلوسها وتظاهرت بحزنها.
_ مش محتاجه مني حاجة يا "عايدة"، أي حاجه أقدر أقدمها ليكم.
تحشرج صوت "عايدة" بالرد وتماسكت حتى لا تظهر أنهيارها، فهي تُحاول جاهدة الوقوف على قدميها من أجل عائلتها الصغيرة.
_ "عزيز" بيه مش مخلينا محتاجين حاجة.
_ طول عمره "عزيز" راجل كريم وشهم واكيد كرمه زاد عليكم مع جوازه من "ليلى".
أبتسمت "عايدة" بوهن وأدركت لحظتها أن "سمية" تحمل داخلها نوايا أخرى بعيدة تمامًا عن تعاطفها معهم والذي تدعيه من وراء هذه الزيارة.
_ طول عمره واقف معانا ومعيشنا في خيره وعمره ما حسسنا إننا مجرد ناس شغاله عنده وعايشين في بيته بإحسان منه.
أخفت "سمية" تلك الأبتسامة التي داعبت شفتيها تهكمًا على حديثها الذي يحمل عزة نفس لا تراها لديهم.
_ والحمدلله جوازه من "ليلى" زاد الرابط ما بينا.
قالتها "عايدة" وهي ترفع رأسها ، فألتقطت "سمية" كوب الماء حتى تبتلع ما لا تستطيع تحمله، فهي لا تطيق ذكر اسم "ليلى" أمامها.
حركت "سمية" رأسها وهي ترتشف من كوب الماء.
_ ديما بتعجبيني في عزة نفسك يا "عايدة" ، أنتِ ست مكافحة وتستاهلي تكوني نموذج يُحتذى بي ،ده غير طبعًا أنك أم مثالية و ما شاء الله "شهد" كلها كام سنه وتكون دكتورة.
أسبلت "عايدة" جفنيها مُتنهدة ، فهي تنتظر بكل لهفة أكتمال الحلم الذي تمنته هي و "عزيز" زوجها الذي تركهم دون أستكمال المشوار معهن.
_ شكلي قلبت عليكي المواجع.
أرتعشت شفتيّ "عايدة" وأنسابت دموعها لتترك "سمية" كوب الماء من يدها وأقتربت منها.
_ أهدي يا "عايدة" وخدي أمسحي دموعك ،أنتِ ست مؤمنه...
أنهمرت دموع "عايدة" ووضعت يدها على شفتيها حتى تكتم صوت بكائها.
_ كان نفسه يشوفها وهي بتتخرج وأول عيان تكشف عليه يكون هو.
تأثرت "سمية" لوهلة وأستمرت بالرّبت على كتفها قائلة:
_ لازم تكوني قوية عشان بنتك يا "عايدة" ، بقيتي دلوقتي في دور الأم والأب.
تمالكت "عايدة" ذرف دموعها وأشاحت وجهها عنها، فأبتسمت "سمية".
_ بصراحه يا "عايدة" زيارتي ديه ليها أسباب.
أندهشت "عايدة" ورفعت كفوف يديها عن وجهها بعدما جففت بهما دموعها لتتقابل عيناها الحزينة بعينين "سمية".
_ طبعا أول حاجة عشان أطمن عليكي إحنا برضو أهل...
هزت "عايدة" رأسها دون أقتناع بكلامها لتبتسم "سمية" وتواصل كلامها.
_ وتاني سبب لأني رشحتك في الشركة عندي إنك تفوزي بجايزة الأم المثالية.
خرجت "شهد" من غرفتها وقد لفت هذا الكلام أنتباهها.
_ كويس إني شوفتك يا "شهد"...
ألتفت "عايدة" برأسها ناحية أبنتها ثم نهضت، فأنشرح وجه "سمية"وتلكعت في إلقاء أخر ما لديها أمامهن.
_ والسبب الأخير عشان "شهد" لأني معجبة بذكائها...
...
تعجبت "زينب" من عدم تركيزه مع كلام "يزيد" وظنت أن مشهدهم ورؤيتهم بهذا التأثر سيُحرك فضوله الذي أعتادت عليه مؤخرًا معه لكن كل ما فعله معهم هو وضع قبلة على رأس كل واحدٍ منهم مُعتذرًا عن عدم تناول الطعام معهم ورغبته بالراحة.
_" يزيد" ، يا "يزيد"..
رفع" يزيد" عينيه عن دفتر الرسم خاصته الذي دسَّ رأسه فيه بعد أبتعاد والده عنهم ونظر إليها.
_ يووه بقى يا" زوزو" ، سيبيني أركز مش عارف أرسم مناخيرك.
أتسعت نظرة عيناها ذهولًا من رده وأقتربت منه تتساءل بصدمة.
_ يعني كل حاجه سهله معاك إلا مناخيري، لأ وريني بقى رسمتها إزاي.
وأسرعت بألتقاط تلك الرسمة التي وضع تركيزه عليها بالكامل.
_ هاتي الكشكول يا "زوزو" عايز أخلص الرسمة بسرعة عشان أوريها بكره لـ "عدي" ونشوف مين رسمك أحلى.
حدقت به بنظرة ذاهلة إلى أن بدأت تستوعب حديثه وتساءلت.
_ هو أنتوا بترسموني بالشكل ده.
بأبتسامه واسعة أجابها.
_ حلوه يا "زوزو" صح.
دارت بعينيها بينه وبين ما رسمته يديه برسمة بسيطة مضحكة ثم أبتسمت.
_ طب حاول تخليني حلوة ، أشمعنا "صالح" بيطلع معاك حلو و أنا لأ..
زمَّ "يزيد" شفتيه ونظر إليها ثم أخذ يهز رأسه.
_ مش عارف يا "زوزو"، يمكن عشان بابي حلو.
لم تجد ما تتحدث به ثم أنفلتت شهقة قوية من شفتيها تحمل تذمرها وأستياءها.
_ بابي حلو وأنا يعني مش حلوة ، طب إيه رأيك بقى هنخلي يقول رأيه ويقول مين الأحلى فينا.
تحرك "يزيد" أمامها راكضًا ومتلهفًا على معرفة رد والده الذي بالتأكيد سيقول الحقيقة لهم.
_ بابي، بابي....
أقتحامهم للغرفة فجأة أفزعه ليفتح عينيه مُنتفضًا.
_ في إيه؟
لم يحصل على رد واضحًا منهم بل وجدهم يندفعون إليه وكل واحدٍ أتخذ جهة من الفراش وجلس عليها.
_ كل ده عشان قولت تعبان وعايز أرتاح ساعة، أنا مش سيبكم حضنين بعض وبينكم حوار عد أرقام محولتش أفهمه.
أسرع "يزيد" بالرد بعدما تعلق به.
_ "زوزو" هتجيب لينا نونو قريب وأنا قولتلها نبدء كلنا نعد من النهاردة.
أرتبكت "زينب" وتورد خديها عندما رأت نظرته إليها، فخرج صوتها بحرج.
_ هو يعني يقصد....
قاطعها بعدما تفهم الأمر سريعًا ونظر إلى صغيره.
_ أنا عندي أتنين أطفال محتاجين يعقلوا ،لما تعقلوا نفكر في واحد جديد.
أخذ "يزيد" كلام والده على محمل الجد ونظر نحو "زينب" بوجه ممتعض.
_ شوفتي يا "زوزو"، بابي مش راضي نجيب نونو نلعب بي.
شعرت "زينب" بالتخبط ولا تعرف لِما أنحشر الكلام بحلقها.
_ "يزيد" ، ده كلام كبار وكلام الكبار قولنا كذا مره بلاش نتكلم فيه ولا عايزني أزعل منك.
نبرة صالح المُحْتدة أصابت "زينب" بالدهشة ،فأخفض" يزيد" رأسه مُتمتمًا.
_ آسف يا بابي.
كادت أن تتحدث وتبرر له كلام "يزيد" إلا أن نظرته لها جعلتها تبتلع كل ما أرادت التفوه به.
_ قولولي بقى فزعتوني من النوم ليه؟
أرادت الأنسحاب من جوارهم بعدما أدركت حماقتها في الأندفاع وراء "يزيد".
تحول بؤس وعبوس "يزيد" إلى المرح مرة أخرى ونظر جهة "زينب" مشيرًا إليها.
_ "زوزو" زعلانه مني عشان بقولها بابي أحلى منك...
وبصياح أردف بعدما غمز بطرف عينه إليها.
_ أوعي تكذب يا بابي...
هربت بعينيها عنهم وتحركت من على الفراش، فهي لا تريد أن تُحرجه ويضطر إلى الكذب.
_ "زوزو" طبعا أحلى مني ومنك يا أستاذ "يزيد" ولا أنت عندك أعتراض.
ضحك" يزيد" حينما بدء والده يُدغدغه وصاح بتأكيد.
_ "زوزو" احلى من بابي، كفاية بقى يا بابي بطني وجعتني
ألتمعت عيناها وخفق قلبها عندما رأت نظرته الحانية إليها.
_ أشمعنا "زوزو" مش بتعمل فيها كده،" يزيد" هيستحضر قوته الخارقة ويهرب من أيدك.
فتحت "زينب" فمها على أخره ورمقت "يزيد" بسخط.
_ ماشي يا "يزيد" حسابنا بعدين.
أرخى "صالح" يديه عنه، ليقفر الصغير من الفراش راكضًا بعد أن خلص نفسه من دغدغة والده صائحًا.
_ أعمل في "زوزو" زي ما عملت فيا يا "بابي" عشان هي مش بتسمع الكلام وشقية.
أنطلقت شهقة قوية من شفتيّ "زينب" وظنت أنه سينفذ كلامه لكن وجدته يقوم بتدليك رقبته.
_ أنت تعبان، في حاجة شاغله بالك.
تساءلت بها لأن حدسها يُخبرها بوجود شئ يزعجه ،فأبتسم وعدل من وضيعة جلوسه على الفراش.
_ روحتي للدكتوره النهاردة.
رمقته بنظرة ثاقبة.
_ سيبك من موضوع الدكتورة وأحكيلي إيه مضايقك.
نبرة صوتها الناعمة وأقترابها منه بهذا الوضع ووضعها ليديها وتمريرهما على خديه بحنان ،كل هذا أضاع خنقته وضيقه من تسلط وأفعال جده وتمتم بمكر.
_ تعالي أعمليلي مساج لـ رقبتي وضهري....
تلاقت عيناهم وداعبت شفتيه أبتسامة عابثة وأردف بصوت رخيم.
_ "زوزو" ، عايزك تدلعيني شويه ونسيب أي كلام دلوقتي...
والدلع الذي يراه يليق بها ، أَفَاضَتْ عليه به بسخاء وكأنها الليلة "زينب" أخرى.
....
وضعت "عايدة" أطباق الفطور على الطاولة وفي قلبها غصة تُقاوم مرارتها ودموعً تخفيها كُلما وقعت عيناها على مقعد "عزيز" الفارغ.
_ صباح الخير يا ماما.
تمتمت بها "شهد" ،فألتفت "عايدة" نحوها وعلى ثغره أبتسامة حانية.
_ صباح الخير يا حببتي، يلا أفطري عشان تروحي جامعتك.
وحركت لها المقعد حتى تجلس عليه وتساءلت.
_ عندك كام محاضرة النهاردة.
تراجعت "شهد" بخطواتها إلى الوراء وفركت يديها ببعضهما.
_ ماما أنا هأجل السنادي.
قطبت "عايدة" جبينها وظنت إنها تتوهم ما سمعته.
_ تأجلي إيه مش فاهمه؟
أبتلعت "شهد" لعابها وهربت بعينيها بعيدًا حتى تستطيع قول كل ما لديها دون خوف.
_ أنا هقبل بعرض أبلة "سمية" ، أنا عايزه أشتغل وأعتمد على نفسي مش هنفضل طول عمرنا عايشين مجرد عاله وخدم هنا....
أنفلتت صرخة قوية من شفتيّ "شهد" وأسرعت بوضع يدها على خدها ثم أندفعت إلى غرفتها لا تُصدق أنها وبهذا العمر نالت صفعة من والدتها.
....
حدقت "حورية" برِيْبة نحو "رغد" التي أرتفع صوت ضحكاتها وقد شاركها "شاكر" الضحك وعلى ما يبدو إنهم منسجمون بالكلام.
_ نحضر الفطار ليكي فين يا دكتورة ، أصل "شاكر" بيه و "رغد" هانم فطروا في الجنينه سوا.
أستدارت "حورية" نحو الخادمة وخرجت نبرة صوتها بتساؤل.
_ فطروا سوا من أمتى؟
توترت الخادمة وفكرت سريعًا ثم أجابتها بعدما أخفضت رأسها.
_من ساعة تقريبًا.
أشارت لها "حورية" بالتحرك وردت بأقتضاب ووجه متجهم.
_ تمام روحي أنتِ.
أنصرفت الخادمة من أمامها لتزفر "حورية" أنفاسها بضيق ثم عادت تُحدق بمكان جلوسهم.
_ يا ترى يا عمي تهديدك لينا صح وبتفكر تلعب بـورقة "رغد" بعد ما "زينب" بقت بالنسبة ليك ورقة خسرانة ومش جاية على هواك.
....
خرج "سيف" من سيارته بحي السيدة زينب مُستاءً ثم رفع نظارته ونظر حوله.
تنهد بمقت، فهو حتى هذه اللحظة لا يُصدق قرار عمه في دفعها إلى هنا حتى يحل تلك المشاكل العالقة بين العمال وتأخر أنتاج الغرف التي تخرج من تحت يدين عاملين ماهرين بالحِرْفة.
أسرع أحد العاملين بالترحيب به وقد أندهش من معرفته به.
_ "سيف" بيه، نورت حي السيدة كله يا باشا.
....
توقف "قصي" عن ترتيب أغراضه بالحقيبة الخاصة به مُتنهدًا بعدما أقتحمت صورة "سما" وكلام جده رأسه.
_ معقول جدي يطلع كلامه صح وأن أنا محتاج أبص لـ "سما" بنظرة مختلفة.
وأرتسمت على شفتيه أبتسامة صغيرة أختفت في لحظتها عندما تذكر دموعها وحزنها على أخر.
_ ليه جاي دلوقتي تلفت نظري ليها يا جدي.... حفيدتك المحترمة مغرمة بــ راجل تاني.
...
توقفت "عايدة" عن حياكة تلك القطعة التي بيدها والتي كانت تخرج فيها غضبها بعد مشاجرتها مع "شهد" والتي نالت منها صفعة قوية لا تتذكر إنها فعلتها معها من قبل.
_ مالك يا "سعيد"، رايح جاي لحد ما خيلتني، الله يكرمك يا اخويا لتقول إلى عايز تقوله لأما...
قاطعها بعدما شعر بعدم قدرته على تحمل ما سمعه وقد قضى ليلته ساهدًا يسأل نفسه... هل كلام "سمية" صحيحًا و "ليلى" تحتاج إلى مشوار علاج طويل حتى تنجب طفلًا إلى سيده الذي صار يتوق بشدة إلى حدوث هذا.
_ اسمعيني يا "عايدة" وسيبك دلوقتي من بنتك قليلة الرباية اللي عايزه تسيب جامعتها وتروح تشتغل عند العقربة "سمية"....
تجمدت عيناي "عايدة" وأنتظرته يواصل كلامه. شعرت بالأختناق عندما وجدته يضع يديه على رأسه مهمومًا.
_ قول يا "سعيد" كلامك كله مره واحدة ،أنا مش حمل تنقيطك
قالتها بنبرة صوت مُرتجفة، فرمقها مُتنهدًا ثم جلس قبالتها قائلًا:
_ تاخدي "ليلى" بكره و تكشفي عليها عند الدكتورة ،خلينا نطمن إن البنت معندهاش حاجة تمنع الخلفة
أحتقنت ملامح "عايدة" وأنتابها رغبة بالصراخ عليه.
_ حرام عليك يا "سعيد" هو أنا حمل فزع، ما قولتلك سيبهم براحتهم..
أنتفض جسدها بعدما أجفلها بلطم الطاولة وصياحه.
_ لأ المرادي لأ يا "عايدة"، العقربة بتشكك البيه إن "ليلى" ممكن تطلع زيكم وتتأخر في الخلفة وأنتِ وأنا عارفين كويس إن زمان مكنش العيب عندك وفضلتي صابره مع "عزيز" لحد ما ربنا كرمكم...