رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل السابع و التسعون بقلم سهام صادق
أخذها الحنين نحو ما مضى من العمر بحلوه ومره، نحو الأوجاع نحو الضحكات نحو فرحتها الحقيقية في ذلك اليوم الذي تَكَلَّلَ فيه زواجها بــ ولادة "صالح" ، الحفيد الصبي الذي أدخل البهجة المفقودة لقصرهم الواسع.
حياتها وأحلامها مُنْذُ ذلِكَ الحِيْن تغيرت وفتح لها السيد "شاكر" ذراعيه يدعوها بأبنته الحبيية الغالية وقد وقعت في فخ هذا الحب ودفعت ثمنه غاليًا وأصبح دورها في حياة طفلها مقتصر على ما يُحدده هو لها و لم تعهد في حياتها رجلًا مُتجبِّرًا ذو عقل صلد إلاَّ سِواهُ.
أنسابت دموع "حورية" مع حنينها لطفولة "صالح" التي لم تعيشها إلا بتلك الصور والتي كانت شغوفة بألتقاطها له لتكون ذكريات سعيدة لهم كعائلة يتذكروها كُلما مرت السنين.
والدموع التي أنسابت على خديها في صمت أصبحت مسموعة مع خروج صوت شهقاتها عاليًا وقد أخترق ذاكرتها ذكرى قريبة عندما رأى "صالح" تلك الصور ورمقها بنظرة ساخرة وكأنه يُخبرها أن هذا فقط ما صنعته له ، مجرد صور يظهروا فيها عائلة سعيدة مترابطة يحسدونه أقرانه عليها.
_ "حورية" هانم، دكتورة "حورية"، أفتحي الباب ، أعمل إيه أنا دلوقتي عشان تردي عليا.
هتفت بها الدادة "نعمات" بيأس، فهي الخادمة المُقربة منها وقد أصاب قلبها الفزع عليها.
_ يا دكتورة ردي عليا، ده أنتِ من صباح ربنا قفله على نفسك.
أستمرت "نعمات" بطرق الباب والنداء عليها.
_ سبيني يا دادة "نعمات" لوحدي...
كادت أن تُخبرها "نعمات" إنها لا تستطيع تركها خاصة بعد أن سمعت صوت بكائها.
_ من فضلك يا دادة ...
ابتعدت "نعمات" عن باب الغرفة ثم أطرقت رأسها حزنًا ، فما عساها أن تفعل لسيدتها التي لم ترى منها إلا خيرًا.
_ أنا هكلم الدكتور "صفوان" تاني يمكن المرادي يرد عليا، لا لا أكلم "صالح" وأقوله إنها من الصبح منهارة وقفله على نفسها.
أسرعت برفع هاتفها أمام عينيها حتى تبحث عن رقمه لكن لا تعلم لِما يديها خانتها وأتجهت نحو أخر شخص أتى إلى ذهنها الآن.
...
زفرت "زينب" أنفاسها بضجر ثم ألقت القلم الذي بيدها داخل الدفتر الذي تُحضر به الدرس الذي عليها أن تُدرسه بالغد لطلابها بالمعهد وقد بدأت أخيرًا دورة جديدة لتعليم اللغة التي تقوم بتدريسها.
_ شوفتي أخر المرقعة إيه، اه أنا حاسه إن عقلي واقف، أقوم أشوف "يزيد" خلص الهوم ورك بتاعه ولا لسا، حتى هو مش عجبني الفترة ديه.
هتفت بها ثم لطمت طاولة المكتب الذي تضع عليه جهاز الحاسوب ودفترها وبعض الكتب التي تُساعدها على أستذكار اللغة الفرنسية وتعلم بعض المهارات التربوية التي تجعلها مميزة في مهنتها.
_ فوقي كده يا "زوزو" وبلاش دلع وأنتخه.
وعندما أقتحم ذهنها بعض الدلال الذي أصبحت تعيشه على يديه، تهاوت بجسدها مرة أخرى على المقعد الموجود ورائها.
_ يا ترى الدلع مجرد وقت وهينتهي ولا هيفضل طول عمره يدلعني زي ما وعدني.
وأنفلتت من شفتيها تنهيدة طويلة ثم أتسعت أبتسامتها.
_ هو يدلعني حبه وأنا أدلعه حبه والدنيا هتمشي حلو.
وخرجت من شفتيها ضحكة رقيعة لا تستوعب كيف ضحكتها.
_ لأ أنا أتغيرت خالص وبقيت أحب الأستعباط.
_ "زوزو" ، "زوزو"...
صاح الصغير باسمها مُندفعًا لداخل الغرفة دون طرق الباب لتنتفض من مكانها بفزع.
_ في حاجة حصلت ولا إيه، عملت إيه قولي..
نظر لها "يزيد" بأستغراب وأشار إلى هاتفه الذي يحمله.
_ معملتش حاجه يا "زوزو"، ديه ناني "نعمات" عايزاكي.
وضعت "زينب" يدها على موضع قلبها حتى هدء من خفقانه ونظرت إليه بنظرة تحمل دهشتها.
_ دادة "نعمات" عايزه تكلمني؟
أوْمأ الصغير برأسه وأقترب منها.
_ أيوة يا "زوزو" ، كلميها بسرعة.
لم تدع عقلها في تساؤلاته وألتقطت منه الهاتف ليأتيها صوت "نعمات" مع خروج أنفاسها بلهاث.
_ ست "زينب" ألحقيني.
....
أغلقت "عايدة" باب غرفتها،فنظرت إليها "ليلى" بحاجبين معقودين وغرابة.
_ مش عايزه "سعيد" يسمع كلامنا، أنتِ عارفاه مش هيسبنا في حالنا.
أسترخت ملامح "ليلى" وأنفكت عقدة حاجبيها وأبتسمت.
_ هو الموضوع سر أوي كده.
تساءلت بحيرة ، فهزت "عايدة" رأسها قائلة بنبرة صوت حانية.
_ تعالي أقعدي جانبي الأول وقوليلي من يومين كنتي عايزه تقوليلي على موضوع وأتحرجتي تتكلمي فيها حتى أمبارح حسيت إنك عايزة تتكلمي معايا في حاجة شغله بالك.
تنهدت "ليلى"بزفرة طويلة وجلست جوارها على الفراش.
_ أنا عملت أختبار حمل أمبارح...
لم تنتظر "عايدة" أنا تواصل كلامها وهتفت بلهفة وفرح.
_ فرحي قلبي وقوليلي إنك حامل..
أبتلعت "ليلى" لعابها ثم أخفضت رأسها ، فــ علمت "عايدة" الرد وأنطفأت لهفتها.
_ أنا عايزة أكشف وأشوف سبب التأخير.
وبصعوبة أردفت.
_ كنت مأجله موضوع الدكتور لأني خايفة يكون العيب عندي...
خرج الكلام منها بمرارة تجرعته هي أولًا لتتذكر "عايدة" رحلة علاجها هي و "عزيز" زوجها ثم أسرعت بألتقاط يديها.
_ إن شاء الله هيكون التأخير مجرد وقت يا حببتي وهشيل عيالك وأربيهم معاكي ويقولولي يا تيتة "عايدة".
ودمعت عينين "عايدة" وقبل أن تُشاركها "ليلى" البكاء الذي هي بارعة فيه ، ضمتها "عايدة" إليها بحنان.
_ عايزين نتفائل بالخير يا "ليلى".
...
أقتربت "نعمات" من "زينب" بأنفاس هادرة تُحاول إلتقاطها فور أن فتحت لها الخادمة الباب.
_ كويس إنك جيتي بسرعة يا ست "زينب".
نظرت "زينب" نحو "يزيد" الذي ظهر على ملامح وجهه الخوف.
_ من فضلك خدي "يزيد" الجنينه يلعب فيها.
زمَّ "يزيد" شفتيه بعبوس ونظر نحو الخادمة التي فتحت لهم الباب.
_ لأ يا "زوزو" عايزه أطلع معاكي عند نانا حورية.
داعبت خده بيدها ونظرت إليه بنظرة صار يفهمها.
_ "يزيد" حبيبي أسمع الكلام وشوية صغيرين هننزل أنا ونانا حورية ليك.
_ حاضر.
سلوك الصغير وأعطاء يده ليد الخادمة جعل "نعمات" تنظر إليهم بفاه مفتوح.
_ قوليلي يا دادة مالها دكتورة "حورية" قلقتيني عليها.
أنتبهت "نعمات" على سؤالها وتنهدت بقلة حيلة.
_ والله يا بنتي ما عارفه فيها إيه، الدكتور "صفوان" مش بيرد على التلفيون وشكله عنده عملية والباشا الكبير خرج من ساعتين وهو والدكتورة الفترة ديه مش على وفاق وقولت لو اتصلت بـ "صالح" اكيد مش هيرد عليا كمان لانك عارفه مش بيهتم بالتليفون طول ما هو في الشغل.
سارت "زينب" أمامها بعدما طالت ثرثرتها وقد شعرت بأرتياح شديد لمعرفتها أن الجد "شاكر" غير موجود بالقصر.
_ خلاص يا دادة أنا طالعه ليها وهطمنك يا رب بس تفتح ليا الباب.
توقفت "حورية" عن التقليب بين الصور والتي أفترشت بهما أرضية الغرفة.
_ دكتورة "حورية"، أنا "زينب" من فضلك أفتحي ليا الباب عايزه أطمن عليكي ،دادة "نعمات" قالتلي إنك مش كويسة ، أرجوكي ردي عليا.
حدقت "حورية" نحو الباب لتستمر "زينب" في ندائها بأن تفتح لها الباب.
...
نهضت "ليلى" من جوار "عايدة" بعدما منحتها بعض الأمان.
_ كنت عايزه أقعد عشان أخلص الشغل اللي ورانا لكن "عزيز" موجود في الفيلا ولو أتأخرت شوية كمان هنلاقي قصادنا، ده بقى زي الأطفال أغيب شوية عن عينه يفضل يدور عليا ويسألني أختفيتي و روحتي فين.
وبشفتين مذمومتين أردفت.
_ هو أنا بروح مكان غير هنا أو لو خرجت معاكي نشتري حاجة.
ألتقطت "عايدة" يدها وأبتسمت.
_ معلش يا لولو أستحملي، بكره يبقى في طفل وتلهي نفسك معاه وهو غصب عنه هيتلهي عنك شوية.
رمقتها "ليلى" بنظرة تحمل الأمل نحو هذا اليوم ثم تنهدت.
_ نفسي يكون عندي صحاب، أنا قطعت علاقتي بـ "سلوى" و"عبير" بعد ما نصحتيني أخر مرة حتى مبقتش أرد عليهم ، تعرفي نفسي أتواصل مع "زينب" وجدها سيادة اللواء لكن يعني...
قطعت "عايدة" حديثها بعدما فهمت سبب توقفها عن الكلام.
_ "عزيز" بيه مش عايز دايرتك توسع مع الناس...
وبهدوء وحكمة أستطردت بنبرة لينة حتى لا تزيد عليها بؤسها.
_ لو "زينب" كانت قربت منك كنت قولتلك أتكلمي معاه لكن هي كمان بعدت يا حببتي.
أحتل الحزن ملامحها وبصوت خافت تمتمت.
_ عندك حق..
شعرت "عايدة" أنها تحتاج لحضن أخر منها لعلها تُخفف من شعور الوحدة داخلها.
_ أحنا أه عيلة واحدة وليكي عليا مع كل مشوار نروح فيه للدكتورة عشان متابعة الحمل أخدك ونتمشى شوية.
تقابلت عيناها بعينين "عايدة" وخفق قلبها بتوق.
_ يا رب الدكتورة تبشرنا بكره.
...
دمعت عينين" زينب" من شدة الضحك وهي تستمع لتلك الحكاية التي تخص "صالح" قبل إلتقاط إحدى الصور له.
_ مش قادرة أتخيل يا طنط إن "صالح" طفل متوحش.
أبتسمت "حورية" وهزت رأسها ثم تنهدت ببطء.
_ لأ خالص مكنش شقي ،حبيبي كان طفل هادي ومطيع وسابق سنه لكن المُصَوِّر فضل يشده من خدوده لحد ما لقى إنه يعاقبه بنفس الطريقه لكن بطريقة أشرس.
تجلجلت ضحكات "زينب" عاليًا ،فنظر إليها "يزيد" الذي شاركهم جلستهم وأخذ يتفحص صور والده معهم رغم إنه رأها من قبل مع جدته.
_ يقوم يعضه من خده لحد ما يجيب دم، لا "صالح" كان متوحش
_ لأ يا "زوزو" بابي مش متوحش ومش بيحب يعض لكن أنتِ بتعملي كده.
وبأجفان مسبلة ببراءة واصل كلامه ثم نظر إلى جدته.
_ حتى خربشتي بابي في ضهره.
جحظت عيناها عندما بدأت تفهم ما يقصده ليُسرع "يزيد" نحو جدته ضاحكًا.
_ "زوزو" بتخربش بابي في ضهره.
_ "يزيد"
صرخت "زينب" به حانقة ثم هربت بعينيها بعيدًا عن أنظار "حورية" التي داعبت شفتيها ابتسامة واسعة.
_ وأنت ليه أتهمت "زوزو" يا حبيبي وشيفها إنها خربشة ضهر بابي ، ما يمكن تكون قطة خربشته.
ألقت "حورية" كلامها ثم نظرت نحو "زينب" بعبث وتمالكت نفسها حتى لا تصدح صوت ضحكاتها وتزيد من حرجها.
_ "زوزو" بتنام جانب بابي مش القطة يا نانا.
أشتعل وجه "زينب" بالأحمرار، لتجذب "حورية" الصغير إلى حضنها.
_ أنا بقول تيجي تعيش معايا أنا وجدو "صفوان" الفترة ديه يا حبيبي لحد ما "زوزو" تجيب لينا نونو حلو شبهك كده.
أشاحت "زينب" وجهها عنهم بعد خرج صوت "يزيد" مُتذمرًا.
_ لأ أنا هفضل معاهم لحد ما يجيبوا ليا نونو وأجيبه معايا ونلعب هنا في الجنينة.
والأستحسان الذي رأته "حورية" اليوم على وجه "زينب" عندما ذكرت أمر الأطفال جعلها تتراجع عن كل ما فكرت فيه منذ الأمس.
....
كوب من العصير أخذته إليه وهي تصعد إلى غرفتهم التي يعمل بها بدلا من غرفة مكتبه.
_ عملتلك عصير بدل الشاي تشربه من غير جدال.
ضحك "عزيز" وألتقط منها كوب العصير وقال مازحًا.
_ هاتي يا ماما "ليلى" هشربه كله لأني بسمع الكلام.
بنظرة حانية رمقته ثم داعبت خصلات شعره.
_ "عزيز" هو إحنا ممكن نأجل سفرنا للمزرعة يومين كمان.
توقف "عزيز" عن إرتشاف العصير ونظر إليها بنظرة ثاقبة، فأسرعت بدفع الكوب نحو شفتيه برفق حتى يواصل أرتشاف ما به.
_ مرات عمي عندها ميعاد عند دكتور العظام بكره عايزه أروح معاها وأطمن عليها ، أنت عارف إن من ساعت وفاة عمي مش بتخرج لوحدها.
ضاقت حدقتيّ "عزيز" ،فداعبت هذه المرة خديه.
_ نأجلها يومين يا "عزيز".
أبتلع "عزيز" بقية العصير ثم زفر أنفاسه بقوة.
_ والله شكلها هتتأجل خالص يا "ليلى"، عموما القرار قرارك لأن روحتنا للمزرعة عشان تغيري جو.
صدح صوتها بسعادة وأحتضنته ثم همست بجراءة بدأت تُثير دهشته.
_ الليلة هكون زي ما أنت عايز ومش هقولك مكسوفة.
و "ليلى" الخجولة صارت جريئة على يديه وأصبحت تدهشه في علاقتهم وقد أصبح الأمر يدفعه إلى الخوف.
...
فُوجئ "صالح" من وجود "زينب" في منزل عائلته حتى هذا الوقت بل ووافقت على دعوة جده لتناول طعام العشاء معهم.
بنظرة خاطفة دارت عيناه بينهم ، "زينب" و والدته يجلسن سويًا ويتحدثن و جده يُشارك يزيد باللعب ويُمازحه.
تحرك نحوهم دون أن ينطق بأي حديث ، فـ تقابلت عيناه بعينين جده الذي أنتبه على وصوله.
_ كده ننادي على "نعمات" عشان تبلغهم في المطبخ إنهم يحضروا السفرة.
أبتسمت "زينب" عندما رأته و أسرعت نحوه.
_ تشنج رقبتك خف.
تساءلت بقلق، فهي بالصباح أنتبهت على تمريره لـ يده على عنقه وظهور الآلم على وجهه لكن أخفى هذا عنها وغادر إلى عمله بعدما أكد لها مرارًا إنه بخير.
_ أه يا جبيبتي بقيت أحسن.
أمتقعت ملامح "شاكر" عندما أبصر تقاربهم ثم أشاح وجهه عنهم ونظر نحو "يزيد" الذي صار عقله مشغولًا مع تلك الطائرة التي يُصلحها.
_ أستعجليهم في المطبخ يا دكتورة.
أخفت "حورية" أبتسامتها عندما رأت حنق والد زوجها من المشهد الذي أسعد فؤادها كأم.
_ دقايق والأكل يكون جاهز.
أطبق" صالح" جفنيه للحظة ثم أتجه نحو والدته وأحتضنها.
_ بقيتي أحسن دلوقتي...
ترقرقت الدموع في عينين "حورية" ورفعت رأسها إليه وعلى شفتيها أبتسامة عريضة.
_ طول ما أنا شيفاك يا حبيبي أنت و مراتك وأبنك بخير ،فأكيد هكون بخير.
نبرة صوت والدته المتحشرجة دفعته لضمها إلى حضنه بشدة وتقبيل رأسها.
_ أنا موجود جانبك وفي ضهرك.
عبارة جمعت كلمات منفردة لم تتوقع "حورية" أن تسمعها منه يومًا لترفع يدها و تُمررها على خده بأعين دامعة.
_ عارفة يا حبيبي ومتأكدة كمان.
والمشهد الجميل الذي ألتمعت فيه عينين "زينب" بالدموع دمره الصغير بصياحه.
_ بابي أنا كمان عايز حضن كبير زي نانا "حورية".
....
أغلقت "شهد" باب غرفتها عليها بأحكام ونظرت إلى هاتفها الذي أضاء باسم "لميس" صديقتها.
فتحت المكالمه وتحركت نحو الفراش ، فـ أرتفع صوت "لميس" عاليًا عبر الهاتف.
_ أنا لسا شايفه رسالتك يا "شهد"، معقول عايزه نصيحتي في حاجة زي ديه.
ظنت "شهد" لوهلة أن "لميس" ستقف في صف والدتها وتدعم قرار رفضها لكن "لميس" أعطتها الرد الذي تُريده.
_ طبعًا وافقي على العرض، فيها إيه لم تأجلي الكلية سنه ، أه حتى تشوفي نفسك عايزة تدرسي إيه مش أهلك عايزين إيه.
خرجت زفرات "شهد" بتقطع ثم تساءلت بنبرة صوت أقرب للهمس.
_ ماما مصممه على رأيها يا "لميس" وهتكلم "عزيز" بيه يتدخل لو فضلت على رأي.
_ ديه حياتك أنتِ يا "شهد"، وديه فرصة ليكي عشان تطلعي لفوق... الشركة اللي بعتيلي أسمها ليها أسم كبير في السوق.
برقت عيناي "شهد" بنظرة حاقدة على حياتها خاصة بعدما أستطردت "لميس" في كلامها.
_ مامتك عايزاكي تفضلي طول عمرك عايشة تحت، شوفي بنت عمك بذكائها وصلت لفين لكن أنتِ سامحيني حتى الشخص اللي بتحبي مش شايفك ويوم ما هيتجوز بعد جوازه ما يفشل هيفكر في بنت صاحب شركة وسيدة أعمال ، أكيد شوفتي نظرته ليها يومها... عايزه أقولك إني حاسه إنهم على علاقه وقريب هينفصل عن مراته عشان يرتبط بيها وهتفضلي أنتِ يا "شهد" تتفرجي بس عليهم.
وحتى تجعل الحقد يتسلل داخلها أردفت بنبرة حزينة مصطنعة.
_ هتتوجعي أوي يا "شهد" المرادي، بنت عمك زوجة لـ
"عزيز الزهار" والبشمهندس الوسيم زوج لـ ليدي حلوه بنت ناس وأنتِ عايشة في حتت بيت صغير جوه جنينة الفيلا.
والأمر لم يكن يحتاج إلا للمزيد من الكلام لتُنهي "لميس" المكالمة معها وهي مبتسمة.
_ أما نشرف يا "شوشو" هتعملي إيه؟
...
بدأوا في تناول وجبتهم بصمت وقد أقتصرت مائدة الطعام عليهم ، شعرت "حورية" بالراحة لعدم وجود "رغد" التي لم تعد تُفضل وجودها بينهم.
_ تعرفوا يا ولاد جو المزرعة وحشني.
تمتم بها "شاكر" قاصدًا بعدما توقف عن مضغ الطعام ليقطب "صالح" جبينه ثم نظر إليه بنظرة متوجسة.
_ الجو هناك يرد الروح، بفكر أخد "نائل" ونرجع تاني هناك للهدوء.
ترك "صالح" بعنف كوب الماء الذي كاد أن يرتشف منه ،فاتجهت أنظار "زينب" و والدته إليه مُندهشين من حدة ملامحه.
لم يرفع "شاكر" عينيه عن طبقه وأستمر بحديثه ولم يخفى مبطنه عن "صالح" الذي زادت ملامح وجهه قتامة.
_ جدتك ليها ذكريات حلوه هناك ، هو "نائل" محكاش ليكي يا "زينب".
أبتلعت "زينب" ما تناولته من خضار ونظرت إليه بنظرة جعلت "صالح" يتأكد أن جده لعبها معه الليلة بذكاء.
....
غادرت "مروة" تلك البناية التي لم تتخيل أن يكون لها شقة بها ، فهي حاولت فقط أستئجار شقه لبضعة أشهر حتى تستطيع أصطياد حصان رابح جديد لها ولن تجد أفضل من "صالح الزيني".
_ الشقة يومين وتنقلي فيها يا هانم.
قالها المحامي الذي تولى دفع المال وتوقيع عقد البيع ، لتلتف "مروة" نحوه ثم غمزت له بطرف عينها.
_ مش هتقولي مين البيه بتاعك.
تحرك المحامي من أمامها متمتمًا.
_ أنا خلصت مهمتي، فرصة سعيدة يا هانم.
تتبعته "مروة" بنظرة فاحصة ثم ضحكت وهي تتبختر في مشيتها.
_ مسيره في يوم الراجل الخفي يظهر وحتى لو مظهرش مش فارق معايا، أهم حاجة بقيت قريبة من وريث عيلة الزيني.
....
أسترخت "سمية" في مقعدها وهي ترمق بأعين ثاقبة وماكرة ذلك الذي أتجه نحو باب الغرفة ثم ألتف ناحيتها قبل أن يفتح الباب وحرك رأسه إليها مؤكدًا على أتفاقهم الذي سينال من ورائه المال وعملًا في أحد الفروع التابعة للشركة بالخارج.
تجلجلت ضحكاتها بعد خروجه من غرفة مكتبها.
_ أما نشوف هتقدر تخلصني منها ولا هحتاج أتصرف بنفسي...
وبنبرة صوت يتخللها الوعيد.
_ بتلعبي على مين يا مرات أبني، آهو "عزيز" زود حقدي عليكي و فضيحة حلوة بقى أقدر أكسر بيها نفس "عزيز" ومش مشكله أكسر نفس أبني اللي أكيد عارف إنك في يوم هتخوني.
...
عادت "ليلى" من مشوارها والفرحة تملأ وجهها وقد أطمأن قلبها أخيرًا وأكدت لها الطبيبة أن لا شئ لديها يعيق أمر الأنجاب وحتى تزيل أي شك لديها ستفعل لها بعض الفحوصات لكن لا شئ يدفعها للقلق.
أنتظرت عودته بفارغ الصبر لساعتين حتى تُصارحه بكذبتها في أمر مشوارها وتخبره بما أخبرتها به الطبيبة، فهو أيضًا عليه إجراء بعض الفحوصات لتزيد طمأنتهم.
دخل "عزيز" الغرفة بأرهاق، فأندفعت إليه وطوقت عنقه بذراعيها وخرج الكلام منها دون ترتيب.
_ "عزيز" أنا كذبت عليك لما قولتلك إني رايحة مع مرات عمي لدكتور العظام.
تجمدت ملامح "عزيز" وأحتدت نظرته عند أعترافها بكذبتها التي تراها بسيطة لكن بالنسبة له يجدها بداية لطريق من الكذب بينهم لا يُحبه.
_ قبل ما تتكلم وتزعق ليا خليني بس أقولك أنا ليه كذبت عليك في المشوار ده ، أنا روحت للدكتورة عشان أطمن...
تحولت حدة ملامحه للقلق مُتسائلًا.
_ تطمني على إيه يا "ليلى"، "ليلى" من فضلك قولي كلامك بسرعه لأن لو فضلتي بالتنقيط ده ردة فعلي مش هتعجبك.
تمايلت أمامه بدلال وخفة ، فعقد حاجبيه بغضب من تصرفها وهدوئها.
_ "ليلى" ، أنا على أخرى ....
أبتسمت بنعومة وأسرعت بوضع يدها على شفتيه.
_ روحت للدكتورة عشان أطمن ، مش أنت عايز طفل يا حبيبي.
توهجت عيناه وملامح وجهه وتمنى من كل قلبه أن ينال البُشْرَى التي ينتظرها.
_ الدكتورة طمنتني وقالتلي إن كل حاجه تمام معايا ولو مستعجلين أوي على موضوع الخلفة يعني ...
أصابت خيبة الأمل ملامحه وأبتعد عنها قائلًا بفتور.
_ كملي كلامك...
أطرقت رأسها بعدما شعرت بضيقه، فـ لسانها أنعقد عن الكلام.
_ "ليلى"، قوليلي الدكتورة قالتلك إيه لو مستعجلين على موضوع الخلفة....
🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤
يسألها ما الذي عليه فعله حتى يرزقون بطفلٍا ما دام لا شئ يعيق من ناحيتها ورغم أن الجواب واضحًا وقد رآه في نظرة عينيها له إلا إنه لا يستطيع إلا تكرار السؤال وأنتظار الرد منها ، وهل هي تملك الجرأة حتى تُخبره بحديث الطبيبة، فلِما لا يعفيها من اِستكمال بقية حديثها.
توترت "ليلى" وتحشرج صوتها ثم فركت يديها مُطأطأة الرأس.
_ قالتلي يعني، إنك لازم..
رفعت رأسها حتى ترى هل تواصل كلامها الذي ربما يفسره على نحو آخر لا تقصده بل هي تُريد إخباره بما أخبرتها به الطبيبة.
أسبلت جفونها وظلت تفرك يديها بتوتر بعدما رأت نظرته الثاقبة ووجهه الذي صار مُتصلبًا.
_ ده يعني كلام الدكتورة مش كلامي....
ولم تعد تسعفها الكلمات لتستمر في مواصلة كلامها الذي لم يزيده إلا سوءًا وغضبًا.
تلاقت عيناهم في نظرة سريعة أتبعها تنهيدة قوية خرجت من صدر "عزيز" ثم اِستدار بجسده وشرع في فك أزرار قميصه.
_ فهمت خلاص يا "ليلى".
أنهى حديثهم بعبارة واحدة واضحة وحازمة ثم أغلق عينيه بقوة حتى يعود إلى ثباته ولا يهتز من حديثها الذي تغلغلت في نبرته الفرحة والراحة بعد أن صارت متأكده أن تأخر أنجاب طفل لن يكون إلا لسببين واضحين وربما هو أحد الأسباب.
فتح عينيه عندما شعر بألتفاف ذراعيها حول خصره وأسنادها برأسها إلى ظهره.
_ "عزيز" مش أنت ديمًا تقولي وقت ما ربنا يريد كل حاجة بتحصل وإن فرحة الإنسان مش بتتأخر إلا لحكمة يعني أكيد ربنا مخبي لينا فرحة كبيرة.
وضع يديه على يديها رابتًا عليهما ومبتسمًا ، فاردفت بنبرة صوت هادئة ثم أطلقت بعدها ضحكة قصيرة وناعمة.
_ أنا قلبي بيقولي إني هكون حامل قريب وهنجيب بنوته حلوة شبهي ولا أنت عايز ولد.
اِفتر عن ثغر "عزيز" أبتسامة لم تصل وهجها لعينيه ثم أبتلع لعابه حتى يَجْلِي حنجرته وتخرج نبرة صوته رخيمة.
_ الكلام في الموضوع ده سابق لآوانه يا "ليلى".
ألتفت جهته سريعًا ونظرت إليه.
_ أنت كنت مستعجل على الموضوع أوي، حبيبي متخافش من حاجة ،إن شاء الله هتكون كل حاجة تمام والتأخير وقت مش أكتر بس نطمن...
أبتعد عنها بعد أن مرر يديه على خديها بلطف.
_ "ليلى"، أنا راجع مُرهق ممكن تحضريلي الحمام...
أسرعت نحو غرفة الملابس حتى تُحضر له قطع من ملابسه أولًا أمام نظرته الفاترة المصوبة على حركتها.
_ أسفه يا حبيبي مأخدتش بالي إنك راجع تعبان من مشوارك، بسرعة وتلاقي كل حاجة جهزه وهنزل أجيبلك العشا من تحت.
....
أبتعدت "أشرقت" عن الشرفة بعدما تأكدت من وجود الرجال التابعين لـ "عدنان الهتيمي" وقد تركهم لحمايتها بعدما أتى بها إلى هنا حتى يخفيها عن الأعين وتمضي المدة التي لا يشك بعدها أحدًا في شئ ولا تتعرض للقيل والقال ولا لحديث الصحافة التي تترصد للعائلات الكبيرة مثلهم كل ما يكون حدثً يُشعل الوسط ويثير الفضول وسينتهي كل هذا بأنهم سيكونوا على الألسنه وسيصبح الأمر فضيحة لعائلتها قبل عائلتهم لأنهم بمجتمع لا يُسقط الذنب إلا على المرأة.
«فضيحة!!» كلمة ترددت صداها في أذنيها ثم بعدها اِفتر ثغرها عن أبتسامة ساخرة لتتحول سريعًا لضحكات عالية أتبعها فيضان من الدموع.
_ ليه كسرتني ، عملت فيك إيه عشان تكسر نفسي الكسره ديه ، أنا مكنتش وحشة معاك أوي كده ، أنا حبيتك وسلمت نفسي ليك ، قولتلي إن ده حب وأنا كنت غبيه اوي.
وبصراخ أردفت.
_ إزاي كنت غبية ومحستش إنك بتمثل عليا وعايز تخدعني ، إزاي كنت عامية ومحستش بكذبك.
رَجَّ صوت صراخها جدران المكان لتنظر حولها بنظرة قهر، هي وحيدة هنا، وحيدة حتى تمر أيام زواجها الأولى ويعود الزوج المُخادع.
_ عمري ما هسامحك يا "مراد"، هكسرك زي مكسرتني.
وتحشرج صوتها من البكاء ونظرت نحو كفوف يديها.
_ كسرت نفس ماما وحرمتها من الفرحة وخلتنا نوطي رأسنا قصادك.
...
نظرت "لبنى" إلى هاتفها ثم سقطت دموعها تسأل نفسها ،
هل كانت قاسية عليها ؟ كيف طاوعها قلبها أن تُخبرها أنها لا تُريد سماع صوتها وألا تُعاود الأتصال بها وعندما تعود من المكان الذي تركوها فيه وحيدة لا ترغب برؤية وجهها.
_ طاوعك قلبك يا "لبنى" تقوليها ، آه يا حرقة قلبي ، حاسه بنار جوايا ، وطيتي رأسك ورأسنا وأهو تركينك لوحدك مستنيه البيه يرجع من السفر.
ثم لطمت على فخذيها.
_ الحقير أختار يوم الفرح وحطنا تحت رحمته ، آه يا قلبي آه ،كسرتي فرحتي ليه بيكي ومخلياني مش قادرة أنطق ولا اقول سبب تعبي ودموعي.
...
أندمج "هارون" في مُشاهدة التلفاز وجواره جلست "سمية" مُحدقة بهاتفها وحانقة ثم تأففت بضجر.
_ البيه مش بيرد عليا، أنا قولت هدف "عزيز" يبعده عني من تاني.
رمقها "هارون" بنظرة سريعة وأخفى سعادته من اِبتعاد "سيف" عن الشركة وعن أبنته التي عادت تميل له.
_ وجود "سيف" مع عمه فترة تعبه، حق من حقوق "عزيز" عليه يا "سمية" وبصراحة أبنك محتاج تربية "عزيز" له من تاني لأن أنا نفسي مكنش بدء يعجبني سلوكه.
أحتدت ملامح "سمية" ونظرت إليه بعدما عاد يُحدق بالتلفاز.
_ وأبني مبقاش عجبك ليه يا "هارون"، أبني تتشرف بي في أي مكان ، حاسب على كلامك. "سيف" ده تربية "عزيز الزهار".
ضحك" هارون" رغمًا عنه ، فأزدادت ملامحها حدة ليُسرع في ألتقاط يدها قبل أن تنهض من جانبه.
_ أقعدي يا "سمية" مش هنتخانق على أخر الليل، أنا قولت إنه بدء ميعجبنيش لكن دلوقتي نظرتي له بدأت ترجع زي الأول وشايف إن تصرفه أثبت رجولته فيه ، الرجاله بتبان في المواقف ديه يا" سمية".
تلاشت حدة "سمية" قليلًا ورمقته بنظرة متفرسة ثم عادت لجلوسها جواره مُتسائلة.
_ يعني أنت شايف إن تصرفه صح؟
تنهد "هارون" وأحتضن وجهها مُقربً أنفاسه منها.
_ بصراحة أنا أستجدعت أبنك لما قالي إنه هينسحب من الشغل معانا مؤقتً لأن عمه محتاجه.
داعبت ابتسامة واسعة شفتيّ "سمية" ، فعلى ما يبدو أن فعلة "عزيز" أتت في صالحها.
_ الرجاله مش بتبان غير وقت الأزمات يا "سمية".
خرجت تنهيدة طويلة من شفتيها، هي الآن مُنشرحة الصدر.
_ أنا بتضايق لما "عزيز" بيحاول يبعده ، أنا ما بصدق يقرب مني.
أراد "هارون" أن يُسألها لِما لا تصب أهتمامها على "نيرة" أيضًا فهي تحتاجها أكثر منه لكنه تراجع وأشاح وجهه عنها قائلًا:
_ "نيرة" عاملة إيه في الحمل، هتولد هنا ولا فـ كندا.
ألقى "هارون" ما يُريد قوله بطريقة أخرى حتى تنتبه أن لها أبنة تعيش مُغتربة مع زوجها ولا تتلقىٰ منها أهتمامًا إلا ضئيلًا.
_ مش عارفة هي قررت إيه لكن أنا شايفة تولد في كندا أفضل.
أقتربت منهم "بيسان" وعلى وجهها أرتسمت الراحة والسعادة والتي كانت سببها تلك الصورة التى رأتها لـ "سيف" مع عُمال المعرض يتناولون طعام بسيط تشتهر به تلك المناطق التي لم تطأ قدميها فيها يومًا وقد عرضها على أحدى التطبيقات التي يمتلك عليها حساب إلكتروني خاص به وتُتابعه.
_ تسمحولي أشارككم القعدة الرومانسية ديه؟
هتفت بها بأبتسامة هادئة ، فأبتسم لها والدها وأتجهت" سمية" بأنظارها إليها.
_ تعالي يا حبيتي جانبي عشان عايز أبلغك بحاجة وأخد رأيك لأن "فارس" منتظر وبيقولي ديما بتتهربي منه وقت ما بتيجي سيرة تحديد ميعاد الفرح.
تجمدت ملامح "بيسان" ثم حدقت بوجه "سمية" ليقطب "هارون" حاجبيه وأحتدت نظرته مُتسائلًا.
_ شكل "فارس" كلامه صح.
أعتدلت "سمية" في جلوسها ونظرت إليه بعدما أشاحت عينيها عن "بيسان".
_ تقصد إيه "هارون"؟
دارت عينين "هارون" بينهن ، فهو يعلم أن أسرار أبنته معها.
_ خطيبها شاكك إننا غصبناها على الخطوبة وإن في حد في حياتها.
انتفضت "سمية" من جانبه بعدما وجدت "بيسان" تنظر إليها وتستنجد بها ، فهي من دفعتها لقبول الخِطبة رغم أن "فارس" لا يستحق هذا منها لكن مهما حاولت لا تستطيع أن تُحبه.
_ أنت واعي لكلامك يا "هارون"، إزاي تسمح له يتهم البنت بكلام زي كده ومن أمتى وإحنا بنجبرها على حاجة.
رمق" هارون" أبنته بنظرة جعلتها تخفض رأسها سريعًا.
_ تحددي ميعاد الفرح مع خطيبك مش هنطلع عيال مع الناس.
....
صباحه صارت تنعشه برائحتها الطيبة وأهتمامها قبل ذهابه إلى العمل وقد حَظِيَ أخيرًا من حظ صغيره وجدها ولم يعد حاقدًا عليهم.
_ أخيرًا نولت من الدلع و الأهتمام ، ده أنا كنت بدأت أغير من أبني.
ثم استطرد ضاحكًا ،فتوقفت عن شم رائحة عطر تلك القنينة التي بيدها والتي سيضع منها.
_ جدك بقى غيرتي منه بدأت من بدري.
اقتربت منه وقد قررت أن تنثر له من عطر القنينة الهادئ.
_ بتغير من ابنك وجدو يا "صالح".
زمَّ "صالح" شفتيه بأمتعاض.
_ سيادة اللواء أمره هين ، دلوقتي مشكلتي مع الأستاذ "يزيد" اللي بقى هادم عليا اللذات.
قهقهت "زينب" بقوة من تذمره.
_ فرحانة أنتِ ، أنا بسببه مش عارف أنول اللي في بالي.
ضمت حاجبيها ببعضهما وتساءلت بحيرة.
_ وإيه هو اللي في بالك ومش عارف تنوله؟
اتسعت أبتسامته وكاد أن يُحرك أصابعه لها ومن حركتهما ستفهم ما يُريد لكن "يزيد" أقتحم عليهم الغرفة صائحًا بعبوس.
_ "يزيد" مش هيلحق باص المدرسة وأنت السبب يا بابي.
زفر "صالح" أنفاسه ثم نظر إلى صغيره الذي ألتقط يد "زينب" ليسحبها ورائه.
_ بسرعة يا "زوزو"، سيبك من بابي دلوقتي...
ولم يكن أمامه إلا رفع ذراعيه عاليًا ثم الهبوط بهما على رأسه ليجذب بيديه خصلات شعره.
_ "صالح" أنا أخدت قراري خلاص هنعزم عيلتك مع عيلتي النهاردة و متقلقش من اللي أنت خايف منه يا حبيبي.
صاحت بها بعدما خرجت من الغرفة لتضيق حدقتاه لوهله ثم تنهد بقلة حيلة.
_ أتمنى تقدري تتعاملي مع "شاكر" باشا الفترة الجاية وأتمنى هو كمان يلعب معايا بشرف بدل ما أنا مبقتش فاهم هو عايز إيه المرادي.
خرج صوته في غَمْغَمَة خافتة ثم سحب نفسًا عميقًا وغادر الغرفة ورائهم.
...
تحرك "عزيز" بفتور بجانب أحد العاملين حتى يُطلعه على العيب الصغير بأحد غرف النوم وقد ألتقطته عين الزبون.
_ الزبون لفت نظرنا وهو بيتفرج وأنت معرفنا يا بيه أي عيب في أوضة حتى لو بسيط نبلغك لأننا مش بنغش الزبون بتاعنا.
تنهد "عزيز" رابتًا على ظهره.
_ مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا يا "صبحي".
أبتسم العامل "صبحي" ببشاشة.
_ ربنا يزيدك من فضله يا بيه ، بجد ياريت كل الناس زيك.
خرج دعائه بمحبه لامست قلبه "عزيز" وجعلته يطرد من رأسه ما يشغل عقله ويخنق روحه.
_ وريني العيب فين في الأوضة عشان نرجعها الورشة تاني لو لزم الأمر لكن لو نقدر هنا نصلح العيب نصلحه.
أبتعد" صبحي" بخطواته إلى الوراء حتى يسمح لـ "عزيز" رؤية ما لفت انتباه الزبون وجعله يتراجع عن شراء الغرفة.
_ الغرفة ديه لازم ترجع الورشة ، العيب فيها مش بسيط.
خرج صوت "عزيز" بجدية ثم ألتف بجسده حتى يبحث عن أحد العاملين.
أسرع ذلك العامل الذي أتى له من قبل بتلك التحلية البسيطة من تلك الأطباق التي توزع أحتفالًا بولادة طفلًا.
_ بتشاور ليا يا "عزيز" بيه.
أرتعشت أجفان "عزيز" ثم أخفض رأسه مُبتَلِعًا لعابه وقد ذكره هذا العامل بفرحته عندما أتاه مكتبه مبتهجًا يُخبره أن الله رزقه بطفلٍا بعد عدة سنوات من الأنتظار والأمل.
...
من ليلة واحدة فقط جعلته تلك الصغيرة مُشتهيًا لها وراغبًا فيها بطريقة لا يُصدقها عقله لكن بعد ما حدث لها أمامه ولا يفهم أسبابه أو حتى ذلك الكلام الذي غمغمت به وأنكرته عندما أستيقظت وعادت لوعيها.
_ بقيت دادي على كبر يا سيادة المستشار، تقريبًا "عدنان" كان حارم بنته من حنان الأب فحبت تعوضه معايا.
تمتم بها "هشام" ساخرًا ثم أطلق زفيرًا طويلًا وألقى بنظرة أخيرة نحو الأمواج التي تضرب الصخور مُقررًا العودة إلى الفندق.
دلف من باب الفندق، فأتجهت أنظار الموظف إليه والذي يقوم بأعطاء الزبائن مفتاح غرفهم.
أطرق الموظف رأسه سريعًا بعد أن تقابلت عيناه بعينيه ولم يفهم "هشام" سبب نظرته.
فتح باب الغرفة مُستاءً لتُسرع "زينة" إليه بمظهرها الفاتن وثوب نومها الذي أخفى المئزر القصير ما تحته من شئ أتضح لونه وما أسفله.
_ أنا طلبت منهم يطلعوا لينا العشا وجهزت نفسي قولت نحتفل بآخر ليلة لينا هنا....
باغتها "هشام" بألتقاطها من خصلات شعرها، فصرخت بقوة وهي لا تفهم سببً لفعلته.
_ وطبعًا فتحتي الباب وأنتِ بالمنظر ده ، والله أعلم في غيابي حصل إيه...
خرج صوتها مُتقطعًا ومُتألمًا لكن لم يترك شعرها بل أجتذبه إلى أسفل حتى صارت رأسها مرفوعة لأعلى.
_ رأسي بتوجعني، آه.. سيب شعري أنا مش فاهمه حاجة.
_ مش فاهمة، حاضر هفهمك ... أنا أتجوزتك بحتت ورقة عشان أمتع نفسي بيكي مش عشان أكون ليكي في صورة الأب يا بنت "عدنان"، حاولت أكون حنين ولطيف معاكي لكن اللي زيك دورهم معروف.
دفعها نحو الفراش مُحدقًا بما أظهره الثوب بعد أن أنفكت عقدة المئزر.
_ بكره هنرجع القاهرة وبعدها هقطع الورقة ومش عايز أشوف وشك تاني، مفهوم.
وقبل أن تستوعب شئ وتسأله ما الجرم الذي فعلته ليكون هذا عقابها... فهي أنتظرته حتى تعطيه جسدها برضى لكن ما تعيشه على يديه هذه اللحظة جعلها تطلق صرخة قوية كتمها بيده متمتمًا بتحذير.
_ صوتك مش عايز أسمعه، وأظن إنك بتحبي الحاجات ديه أوي.
....
صدحت الضحكات عاليًا وأندمجت العائلتين بالحديث والذكريات وكُلما تلاقت عيناه بعينيها تأكد أن سعادتها تأتي بأمور كهذه.
أبتسمت "زينب" ثم أسبلت جفنيها بخجل بعدما أتجه حديثهم عليها ، بأنها سيدة منزل مُنظمة وماهرة وقد أحسنت ضيافتهم.
_ بيتهيألي طالعه لجدتها شاطرة ولا إيه يا "نائل"؟
رفعت "زينب" عينيها التي تقابلت مع عينين عمتها "رحاب" والتي تلاشت أبتسامتها.
أختفت أبتسامته هو و والديه ،فهو كان متأكدًا أن جده لن ينهي الليلة بسلام دون أن يرمي بكلام يفهم مبطنه.
داعبت شفتيّ "نائل" أبتسامة عريضة ونظر نحو "زينب".
_ "زوزو" طالعه في كل حاجة تشبه جدتها ، أومال هي غالية أوي عندي ليه.
أشاحت" رحاب" بوجهها عن والدها ولم تُعقب على حديثه.
دمعت عينين "زينب" ونهضت من مكانها سريعًا حتى تجلس بين عمتها وجدها.
_ أنت أكيد نسيت تقولهم يا سيادة اللواء إني كمان أشبه عمتو "رحاب" وطباعي تشبهها.
وفي لحظة كانت تنشرح ملامح "رحاب" مجددًا وهي ترى سعي أبنة شقيقها حتى تُظهر لها محبتها وتؤكد لها أن محبة جدها لـ جدتها لا ذنب لها فيه.
أخفض "شاكر" رأسه هاربًا من نظرة "صالح" و "صفوان" له.
_ ياريت أطلع شاطرة زي تيتة "زوزو".
قوس "شاكر" شفتيه مُستنكرًا بعدما فهم إنها توجه الكلام إليه ثم رفع رأسه.
_ وهي شطارة الست في بيتها تزعل ده أنا حتى أختارتك لـ حفيدي عشان إنك شاطرة.
ضرب "صالح" بيديه على المقعد الجالس عليه ثم هتف.
_ جدي ممكن نغير كلامنا ونرجع لحديثنا الأول عن السياسية.
لم تُشجع العمة أقتراح "صالح" وقالت متذمرة.
_ لأ أنا كده أخد "زوزو" ودكتورة "حورية" و نروح نقعد بعيد عنكم.
رحبت "حورية" بأقتراحها ، فأسرع "شاكر" قائلًا:
_ إيه رأيكم نروح بكره المزرعة نقضي فيها اليوم كله، هي المزرعة موحشتكش يا "نائل".
وللمرة الثانية يحرز جده هدف أخر ويلفت أنتباه" زينب" نحو المزرعة التي شهدت على حب جدها وجدتها.
....
توقف "عزيز" بسيارته عند البناية التي يوجد بها عيادة أحد الأطباء المشهورين في مجال تخصصهم.
أبتلع ريقه ثم أطبق جفنيه مُتنهدًا، فهو أتى اليوم حتى يُريح عقله وقلبه من ذلك الشك التي صار يلف حباله حول عنقه.
_ أنت قلقان كده ليه يا "عزيز" ، لازم أنت كمان تطمن على نفسك...
...
رفعت "سمية" أحد حاجبيها وعلى شفتيها أبتسامة ثم أستدارت بجسدها وتحركت نحو غرفة مكتبها.
_ لأ ده طلع شاطر وبدء في مهمته بسرعة، أما نشوف هيعرف يجرك لـ السرير ولا هتطلعي ناصحه يا "كارولين".
ودلفت إلى غرفة مكتبها ومازالت تتحدث إلى نفسها إلى أن خرج صوتها بضيق.
_ أما نشوف بنت السواق هتقرر إيه، ما أنا لازم أجيبها تحت عيني وأحركها زي ما أنا عايزه.
...
ألقى "صالح" بالقلم الذي بيده متأففًا.
_ وماله يا "شاكر" باشا نلعبها مع بعض وأشوف أخرتها معاك إيه وعِند فيك هاخد المزرعة ومش هستنا لما "زينب" تجبلك حفيد وأتنازل ليها ، لااا هلعبها معاك زي ما لعبتها معايا.
...
غادر العيادة الثالثة لأشهر الأطباء وقد أكدوا له ما أخبره به زميل مهنتهم، يوجد أمل في حالته لكن يحتاج لوقت وصبر.
« وقت و صبر» وهل عمره يسمح لهذا ؟ وهل ستتحمل شابه صغيرة مثل "ليلى" الصبر معه ؟
تحرك نحو سيارته بخطواتٍ بطيئة وقد شعر برغبة عارمة في الصراخ ، فالحياة تضعه في أختبار آخر قاسي لكن من أين يأتي بهذا الصمود والقوة ليتردد صوت الطبيب داخل أذنيه.
" أهم حاجة في بداية مشوارنا مع العلاج.. إنك تكون متقبل كل حاجة و زوجتك تكون داعم ليك ، أكيد فهمني يا" عزيز" بيه"
وهل هو يستطيع إخبارها إنه ربما لا يكتب الله له ذرية على الأرض ؟
واليوم سقطت دموعه بحرقة وبكى بكاء الأطفال وهو يرفع رأسه إلى السماء.
