رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل التاسع و التسعون 99 بقلم سهام صادق


 رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل التاسع و التسعون

أقترب "عزيز" من النافذة الكبيرة التي تعكس من خلالها جمال مدينة أسطنبول وأزدحامها أيضًا. ظل لدقائق واقفًا بثبات لا تتحرك إلا جفونه التي يطبقها كُلما أقتحم صوتها الحزين - في مكالمتهم ليلة أمس- رأسه وعتابها له لعدم معرفتها عن رحلة سفره وكأنها لا شئ بحياته. 
تركها تتحدث وتُعاتب حتى أزاحت عن قلبها غضبها اللين الذي يضيع فور أن تجده صامتًا ومتقبلًا ثورتها عليه. 

تنهد تنهيدة طويلة أخرج فيها ضيق صدره ثم أغلق عينيه هاربًا من ضجيج الأفكار المُزدحمة برأسه والتي يَعْتصِر معها فؤاده آلمًا وحزنًا ومشاعر أخرى تثقل كتفيه وتشتت عقله ولأول مره يُدرك أن صلابة الأنسان وقوة أيمانه تَتَزعْزع عند أول اختبار حقيقي يضع فيه كل آماله وأحلامه ويرغب في نيله بشدة.

أهتزت أجفانه مع فتحهما وعودته للتحديق بالسيارات التي تسير بأنتظام عبر الشارع كما يسير المارة. 

_ أكون قاسي معاكي إزاي يا "ليلى"، إزاي أقولك إني ممكن مخلفش بعد ما خليتك نفسك يكون عندنا طفل، ده أنا شوفت الفرحة في عينك وأنتي بتقوليلي إنك أطمنتي على نفسك ومافيش حاجة تمنع... 

وتوقف عن الكلام الذي يخرج ثقيلًا منه ثم أبتلع مرارة ريقه. 

_ حركت غريزة الأمومة بألحاحي إن نفسي في طفل ودلوقتي جاي أطفيها وأقولك أتحملي معايا رحلة علاجي وأصبري... 

ألتمعت الدموع في مقلتيه عندما تذكر تلك الليلة التي أخبرته فيها أن لا شئ بها يعيق الأنجاب وأنها بخير. 

_ يمكن يكون في أمل بس ليه أظلمك معايا وأسرق عمرك في الأنتظار وأشوفك يوم بعد يوم بتنطفي قدامي...

وبحرقة ولَوَّع تمتم. 

_ سامحيني يا "ليلى"، غصب عني أختارت الهروب ، مكنتش قادر أبص في عينك وأقولك إني مهزوم من الدنيا كلها ، كان نفسي أعيط في حضنك لكن إزاي أقدر أعملها وأنا عيشت عمري كله الأيد اللي بتطبطب وبتمسح دموع غيرها....

وبصعوبة واصل حديثه بعدما أخذ نفسًا عميقًا طرد معه ضعفه. 

_ لازم أستمر في قسوتي وبعدي ، و زي ما خليتك تحبيني لازم أخليكي تكرهيني...

والدمعه التي حبسها في عينيه ، أنسابت بملوحتها وأرتجف قلب صاحبها معها. 

_ مش هقدر أقولك أبعدي عني لكن هسيبك أنتي تختاري البعد يا "ليلى".. 

أنفتح الباب فجأة ودخل "نيهان" الغرفة ضجرًا من أفعال زوجته الجنونية. 

_ أشعر أن هذا الطفل عقاب لي، متى تلد حتى أرتاح لقد سئمت. 
ثم وضع يديه على رأسه وأردف بتأفف.

_ يأتي هذا الطفل وبعدها سأشجعها على تحقيق ذاتها حتى لا تفكر في الأنجاب مرة أخرى. 

وزفر أنفاسه وأستمر في تدليك جبينه. 

_ "عزيز" أنصحك ألا تفكر في الأمر، عيش حياتك يا رجل... أنت صديقي وحقًا جميع التقلبات النسائية المزاجية لحضرتهن تأتي أثناء الحمل وكُلما عبرت عن ضيقك تخبرك أن تحمل الطفل عنها حتى تُجرب مدى تضحيتها العظيمة. 

وبصياح اِستكمل "نيهان" حديثه وهو يتهاوىٰ بجسده على الأريكة القريبة من النافذة.

_ هذه حكمة رب العباد، هن يحملن الأطفال في رحمهن، ستجعلني أفقد عقلي ، أستغفر الله. 

أخفض "عزيز" رأسه مُطبقًا شفتيه حتى لا تخرج منه تلك الآه التي مزقت روحه. 

_ "عزيز" فيما أنت شارد ، لقد تعبت منك أنت أيضًا، أمرك يحيرني وأشعر أن بك شئ تخفيه عني. 

تمالك  عزيز" تخبطه وحزنه وأتجه نحو طاولة المكتب قائلًا دون أن ينظر إليه. 

_ خلينا نشوف شغلنا يا" نيهان" ، وضع المصنع بدء يتحسن الحمدلله. 

داعبت أبتسامة واسعة شفتيّ" نيهان" ولم ينتبه على تحشرج صوت" عزيز". 

_ أنت تعمل بجد منذ أن أتيت حتى تعيد للمصنع مكانته ،حقًا" عزيز" لم أجد رجلًا مخلصًا في عمله مثلك لذلك أخبرتك هذه المرة بضرورة حضورك. 

هزَّ "عزيز" رأسه وهو ينظر إلى الأوراق التي أمامه وقد أراد الهرب منذ أن أتى بأنشغاله بالعمل وعدم الثرثرة نحو أمورهم الخاصة حتى لا يبدء "نيهان" في أسئلته وحديثه الذي يعرفه. 

_ أمتى صفقة الأقمشة هنستلمها ، لازم تعرف التأخير جاي منين يا "نيهان". 

وهكذا يعيش "عزيز" أيامه الثقيلة ، ساعات طويلة يقضيها بالعمل وهلك جسده وذهنه حتى لا يُفكر في شئ ويعتاد على عدم وجودها بجانبه، ليكون الهجر سهلًا عند عودته. 

تفرس "نيهان" وجهه قبل أن يُغادر الغرفة مغمغمًا مع نفسه. 
_ بالتأكيد أمر "سيف" ما يشغل عقلك...

... 
ألتقطت "ليلى" تلك القطعة التي تحتاج للتطريز مُتنهدة، فأسرعت "عايدة" برفع رأسها نحوها وتركت ما بيده مُتسائلة. 

_ فيكي إيه يا "ليلى"؟ 
ولم تنتظرها لترد عليها وألتقطت من يديها ما تقوم بتطريزة قائلة بأمر:

_ قومي معايا كفاية شغل وتعالي نعمل حاجة نشربها وندردش.

نظرت "ليلى" نحو ما عليهن إنجازه من عمل لكن "عايدة" لم تتركها  وجذبتها من ذراعها حتى تنهض. 

_ مش عايزه أسمع كلمة، قومي خلينا نرتاح. 

أستجابت "ليلى" لها وتحركت معها إلى المطبخ تتساءل. 

_ طب هنعمل إيه نشربه ولا نبدء نحضر الأكل. 

أبتسمت "عايدة" وأرادت المزاح معها حتى تُخرجها من تلك الحالة التي تفهم سببها. 

_ تعرفي أحلى حاجة حصلت من سفر "عزيز" بيه إننا رجعنا نفطر ونتغدا ونتعشا سوا وتنامي كمان عندنا... 
وأبتعلت "عايدة" غصتها حتى لا تأتي بذكرى "عزيز" زوجها الراحل وتزيد من أوجاعهن. 

_ يا سلام لو" عزيز" بيه يطول أسبوع كمان بس نقول إيه في ناس مش قادرة على البعد... 

توهج وجه "ليلى" بشوق وأخفضت رأسها. 

_ وحشني أوي، وحاسه الأسبوع اللي عدى من غير وجوده كأنه سنه. 

أنفرج ثغر "عايدة" بأبتسامة خفيفة ،فأردفت "ليلى" بنبرة صوت شجيّة. 

_ أمبارح لما كلمني أتخنقت معاه وعتبته إنه سافر من غير ما يقولي...مقدرتش أفضل مخبيه زعلي منه وأنا بقول لنفسي بلاش تنكدي عليه وهو بعيد ولما يرجع أتعاتبوا براحتكم ، هو أنا كده غلطانة. 

خفق قلب "عايدة" وهي ترى نظرتها البريئة إليها بعدما سألتها، هل أخطأت في تصرفها. 

_ قوليلي لو أنا غلطانه مش هزعل منك... 

أسرعت "عايدة" بأحتضانها بكل قوتها و حنانها. 

_ لأ يا حببتي أنتِ مش غلطانه وحقك تقوليله كل حاجة وأي شعور جواكي هو جوزك وأقرب حد ليكي دلوقتي وعلى فكرة بقى هو ميلاقيش زي قلبك الحلو يا "لولو". 

دمعت عيناها ، فـ زوجة عمها دائمًا ما تلمس فؤادها بحديثها اللين الذي يغمرها بالأطمئنان وينفض عنها كل حزن. 

_ بصي بقى يرجع من السفر وتقرصي ودنه قرصة خفيفه كده عشان سافر من غير ما يقولك. 

أبتعدت "ليلى" عن حضنها و أومأت برأسها قائلة:

_ قالي إنه عنده مشاكل في شغله هناك يعني زي ما "سيف" فهمني... 

تحركت "عايدة" نحو البراد وفتحته حتى تجلب الحليب منه. 

_ ما قولنا ليكي الكلام ده في الأول لكن أنتِ لازم تسمعي من "عزيز" بيه عشان تصدقي...

أرتبكت وتذكرت معانتهم معاها الأيام الماضية وقد مر على غيابه أسبوعًا. 

_ ما أنا أرتحت لما قولتله إني زعلانه منه وقلبي مش هيصفا له غير لما يرجع ويصالحني وكفايه عليه يومين زيادة على غيابه فوق الأسبوع. 

تجلجلت ضحكات العم "سعيد" الذي دلف للتو المطبخ. 

_ قلبك حنين يا "لولو" مش زي ناس كانت لما تقلب بتقلب بحق ، تعالي أما أحكيلك عن مواقف "عايدة" وجبروتها مع عمك.. يا ساتر كانت شرانية معاه وياما صالحتهم على بعض لكن ولا مرة كانوا بيقدروا حاكم عمك "سعيد" ديما بيوفق بين الناس... قلبي طيب زي طيبة قلبك كده... 

فتحت "عايدة" فمها وهي ترى شقيقها يُلقي بكلامه الذي دائمًا ما يظهرها فيه سيئة لتكتم "ليلى" صوت ضحكتها. 

_ هاتي أيدك وخلينا نقعد في الجنينة ونشوف الورد بتاعنا يا وردة بيتنا... 

ورغم أستياء "عايدة" من أفعاله إلا أن الراحة غمرت قلبها وهي تستمع إلى صوت ضحكات "ليلى" . 

.... 
أعتدلت "لبنى" في رقدتها على فراشها بعدما أستمعت إلى صوت والد زوجها وهو يتساءل، هل يستطيع الدخول. 

_ تعالا يا جدي، تعالي يا "زينب" أتفضلوا. 

دخل "علي" حفيده أولًا وأتبعه "نائل" وجواره "زينب". 

_ كده يا "لبنى" تخضينا عليكي ،مالك يا مرات أبني.. شكل جواز "أشرقت" أثر فيكي، لأ نرجعها ليكي من شهر العسل. 

اِفتر ثغر "لبنى" عن ابتسامة مهزوزة وترقرقت الدموع في عينيها ،فتنهد "علي" قائلًا بسأم:

_ شوفت يا جدي ، أهو الواحد مش عارف يعمل إيه ليها والهانم أصلًا هي وجوزها قافلين تليفوناتهم ومش عارفين نوصل ليهم ونعرف هما في أنهي بلد دلوقتي. 

نظر "نائل" إلى "لبنى" بنظرة ثاقبة ، فأشاحت  وجهها وأبتعلت ريقها. 

_ هي بتتصل بيا تطمني عليها وبعدين تقفل التليفون، أصل جوزها مش عايزها تشغل بالها بحد غيره.... 

تحرك "نائل" نحو الأريكة الموجودة بالغرفة وجلس عليها زافرًا أنفاسه وقد تلاعب الشك برأسه. 

توترت "زينب" ونظرت نحو زوجة عمها التي أطرقت رأسها. 

_ ألف سلامة عليكي يا طنط "لبنى"، هو "علي" بس بيقول كده من زعله عليكي ميعرفش إن ده شوية تعب وهيروحوا بسرعة أول ما تخدي أشرقت في حضنك. 

ولأن الجميع يعلم أرتباطها الشديد بأبنتها ، فسّروا سبب مرضها نحو هذا... 

أبتسمت "لبنى" بوهن وأتجهت بأنظارها نحوها. 

_ تعالي يا "زينب" ساعديني أقوم من على السرير عايزة أحرك رجلي شوية. 

ضاقت حدقتيَّ  نائل" بدهشة ونظر" علي" نحو "زينب" التي لم تلقىٰ يومًا من والدته إلا معاملة جافة. 

تقابلت عينين" زينب" بعينين جدها لها ثم أسرعت نحو" لبنى" وعلى شفتيها أبتسامة. 

.... 
زفر" صالح" أنفاسه بضيق بعد أن غادرت سكرتيرته غرفة مكتبه ثم شَرَعَ بتحريك رابطة عنقه بحنق. 

_ يومين وزهقت، دور رجل الأعمال مش حاسس نفسي فيه... 

وبمقت أردف بعدما أزاح الأوراق التي أمامه. 

_ قدرت تجر رجلي ليك يا جدي لكن أهم حاجة إنك نفذت شروطي وكده كده على رأي" زينب" مسيري هتجبر إني أمسك شغل العيلة كله ومش هيكون عندي رفاهية الأختيار. 

وعندما أتى حديثها الذي لا يعكس شخصيتها، فهي تشعره إنه أمام أمرأة أفسدها دلال والدها وعليه كزوج أن يُكمل ما أفسده. 

_ أنا عرفت دلوقتي أنا محتاج إيه، محتاج جرعة دلال منها... 

أسرع بألتقاط هاتفه ونهض وعلى شفتيه أبتسامة عريضة متذكرًا الدلال الذي تلقاه منها هذا الصباح عندما أخبرها بضجره من هذا العمل الذي أجبره عليه جده بسبب ما تواجهه الشركة من أزمة مالية وأمور أخرى لا يستطيع الأفصاح عنها.
تنهد ثم أسبل جفنيه منتظرًا ردها عليه. 

أتجهت أنظار "لبنى" نحو هاتف "زينب" الذي تركته على المنضدة الصغيرة التي أمامها، دققت بالأسم الذي تُدلل به "زينب" زوجها والصورة التي تجمعهم في رحلتهم بأسوان. 

أستمر الهاتف بالرنين وقد لفت أنتباه الجد الذي عاد إلى حجرة الضيافه مستندًا على ذراع حفيده بعدما أنتهوا من صلاة الظُّهْر. 

_ ده تليفون "زينب"... 

أرتفع صوت الجد بالنداء على "زينب" التي أتت إليه مهرولة وهي تحمل في يديها صينية طعام لزوجة عمها التي صارت مؤخرًا لا تتناول إلا القليل من الطعام كما أخبرها "علي" وطلب منها أن تُحاول إطعامها ربما تنجح بالأمر كما نجحت من مساعدتها بالأستحمام وتمشيط شعرها والخروج من الغرفة والجلوس بينهم. 

_ أيوة يا جدو، كنت بحضر صينية الأكل لـ طنط "لبنى" ، أكيد مش هتكسف أيدى. 

رمقتها "لبنى" خلسة بعدما وضعت صينية الطعام أمامها. 

_ جوزك كان بيرن عليكي... 

قالتها "لبنى" بصوت خافت ، فأسرع الجد قائلاً:

_ خدي تليفونك وكلمي جوزك ، شوفي يا حببتي عايز إيه... 

حركت "زينب" رأسها في اللحظة التي بدء فيها الهاتف بالرنين للمرة الثالثة. 

_ يا بنتي ردي على الراجل بدل ما تتعلقي في البيت. 

صاح بها "علي" بمشاكسة، فضحكت وخرجت سريعًا من غرفة الضيافة. 

_ عندك حق، أصلًا "صالح" بيتقمص بسرعه زي الأطفال... 

ضحك الجد وشاركه "علي" بالضحك ، فحدقت بهما لبنى بنظرة طويلة لم يقطعها إلا عودة "هشام" إلى المنزل. 

_ مش معقول سيادة اللواء عندنا، أنا مصدقتش لما شوفت عربيتك تحت... 

ربت "نائل" على كتفه وقال مُعاتبًا له. 

_ إزاي تسيب مراتك بعد الفرح وتسافر، أنت مش شايفها محتاجة وجودك جانبها. 

تلاقت عينين "هشام" بزوجته التي طأطأت رأسها بشرود يُحيره. 

_ يا سيادة اللواء هما أربع أيام ورجعت بسرعة وقولتلها لو مش عايزاني اسافر قولي وأجل سافري لقيتها مش معترضة، ده غير "علي" موجود معاها 

ثم هتف حانقًا. 

_ وكمان أنا شايف زعلها من جواز "أشرقت" وبعدها عنها مبالغ فيه، مش كل أم تجوز بنتها بتزعل كده...
 
رفعت "لبنى" رأسها وتمنت لو خرجت صيحتها المحبوسة من صدرها وأخبرته بما تحمله عنه.

_ ماما بتدلع علينا يا بابا، يعني هي متستحقش دلعك... 

تقابلت نظراتهم، فأبتسم "هشام" وأقترب منها مُحتضنًا كتفيها وفي داخله شعور الذنب على الجرم الذي فعله. 

_ حقها طبعًا تدلع وعشان كده هاخدها يومين بورسعيد ،أنا عارف إنها بتحب تروحها.... 

ثم نظر حوله متسائلًا :

_ الخدامة قالتلي إن "زينب" جات معاك يا سيادة اللواء، راحت فين مش شايفها. 

_ بتكلم "صالح" في التليفون، هتلاقيها داخله علينا دلوقتي بعد ما تخلص مكالمة العشاق. 
خرج صوت "علي" بدعابة أسعدت قلب الجد ، حرك "هشام" رأسه غير مُعلقًا على الأمر، فهتفت  لبنى" وهي تُقاوم رجفة قلبها. 

_" هشام" دخلني أوضتنا  ، عايزة أستريح مش قادرة أقعد أكتر من كده، عن أذنك يا بابا البيت بيتك طبعًا.... 

نفذ لها" هشام" طلبها دون تساؤل بعد أن رمقه والده بنظرة فهمها.

وقفت "زينب" مكانها مُندهشة وهي ترى عمها أمامها يسند زوجته ويسير بها خارج الغرفة ولم تمس صينية الطعام. 

_ أزيك يا "زينب".... 
تمتم بها "هشام" بلطف ليهتف "نائل" بها. 

_ تعالي يا حببتي جانبي هنقعد شوية مع عمك ونمشي علطول. 

...
 
في إحدى الملاهي الليلية في أثينا ، جلس "مراد" بجانب أحد أصدقائه.

_ مش عارف قدرت تعملها إزاي، تسيب عروستك وتيجي عشان تخلص صفقة أسلـ.ـحة.. يا سيدي كنت أتبسط معاها شوية يمكن تودع الدنيا. 

ضحك "مراد" بمْلءِ شِدْقيهِ ودفع كأس الخمر نحو شفتيه مُرتشفًا ما تبقى منه. 

_ أهي تكون أرتاحت مني ، ده أكيد موتي أمنيتها الوحيدة في الحياة دلوقتي. 

قطب الجالس حاجبيه ثم تساءل بشك. 

_ تتمنى موتك ، لا كده الموضوع كبير أوي.. 

وتذكر صفقة الآثار التي مرت بسلام ليلة عقد القران  وأردف بجبين مقطب. 

_ أوعىٰ تقولي إنها أكتشفت اللي عملته ليلة كتب الكتاب، ده إحنا بجد لعبناها صح يومها... بنت مستشار والحفلة مليانه ناس تقيله في البلد وبنسلم ونستلم العرايس.. 

قهقه "مراد" بعلو صوته ثم أشار لأحدى فتيات النادي الليلي أن تقترب منه وقام بتقبيلها. 

_ إحنا هنا عشان نتسبط وناخد كام صوره حلوه يا "عماد" ، صور بقى صاحبك وهو بيستمتع بالجمال اللي في أيده... 

.... 
جحظت عينين "أشرقت" وسقط الكوب الذي ترتشف منه الماء من يدها عندما رأت تلك الصورة التي أرسلها لها وقد أتت فور أن فتحت هاتفها حتى تُهاتف والدتها على أمل أن تُجيب عليها هذه المرة وتسمع صوتها. 

_ أه يا ابن... 
صرخت بعلو صوتها وهي تلعنه إلى أن أعلن هاتفها عن الرنين بالرقم الذي أرسل منه الرسالة. 

تجمدت ملامح "مراد" عندما أستمع إلى تهديدها. 

_ هخونك يا "مراد" وأول حد هخونك معاه واحد من رجالتك ، أنت كده كده ضيعتني وخلتني محرومة من أهلي ومرمية زي الكـ.ـلبة... هفضحك وأقول للناس كلها إنك مش راجل وهتشوف من النهاردة نسخة جديدة مني أنتِ اللي عملتها. 

وبعينين دامعتين أستطردت. 

_ هما خلوني واحدة أنانية وعايزة ديما اللي في أيد غيري وأنت حولتني لـ ست عاهـ. ـرة... 

أنقطعت المكالمة التي أنهارت فيها جميع قواها وأحتضنت جسدها بذراعيها لا تُصدق ما قالته له حتى تثأر لكرامتها. 

شعر "مراد" بفوران الدماء في رأسه ليدفع تلك التي تجلس على فخذيه عنه ونهض وهو يضع هاتفه على أذنه منتظرًا رد أحدهم. 

....
 
توقف "سيف" مكانه مُترددًا قبل أن يتخذ قراره و يقترب منها وقد صار متأثرًا بحزنها على غياب عمه الذي أمتدت رحلة عمله أكثر من أسبوعين دون حتى أن يودعها.

_ على فكرة البيت بقى كئيب.

هتف بها "سيف" ثم جلس على المقعد المقابل لها ، فأسرعت "ليلى" بمسح دموعها. 

أندهش "سيف من رؤية دموعها وتساءل بحيرة. 

_ معقول بتعيطي يا" ليلى" عشان عمي غاب عنك كام يوم.. 

_ مكلمنيش من تلت أيام وكل ما أتصل عليه ألاقي تليفونه مقفول ، وأهو مر أكتر من أسبوعين ومقالش راجع أمتى... هو أنت متعرفش هو راجع أمتى يا" سيف". 

أرتجف قلب" سيف" ونظر إليها وهو لا يستوعب ما يسمعه ويراه بعينيه. 

_ مش متعوده على غيابه المدة ديه كلها ، قلبي بيقولي "عزيز" في حاجة. 

أصاب الهلع ملامح 'سيف" ثم نفض عن رأسه الأمر،
 فهو تحدث مع عمه بالصباح ليخبره بتفاصيل سير العمل بـ معارض الأثاث. 

_ عمي بخير يا  ليلى"، متقلقيش... 

قطعت حديثه مُتسائلة بلهفة أزادت من حيرة "سيف". 

_ هو بيكلمك، لو بيكلمك... ليه مش بيكلمني؟ 

أرتبك "سيف" وأشاح بوجهه عنها. 

_ لأ مبيكلمنيش من تلت أيام زيك، شكله مشغول أوي... إيه رأيك نتصل بي دلوقتي. 

داعبت شفتيها أبتسامة واسعة و أسرعت بسحب مقعدها لتقترب منه. 

_ أتصل من فضلك يا "سيف" يمكن يرد عليك. 

ألتقط "سيف" فعلتها بطرف عينه وأبتسم بتوتر ثم خفق قلبه من رؤيتها تتلهف على سماع صوت عمه. 

_ التليفون مقفول ، مش قولتلك شكله مشغول أوي. 

أختفت اللهفة عن ملامحها وكادت أن تنهض لكن تفاجأت بألتقاطه لـذراعها. 

_ تيجي نخرج بالعربية وأه تشمي شوية هوا. 

أبتسمت "كارولين" وقبضت بيديها على سياج الشرفة وهي ترى سيارة "سيف" تُغادر المنزل بعدما أصطحب "ليلى" معه للخارج. 

_ بالتأكيد هي محرومة من زوجها و زوجي أصبح له دور الآن، أتمنى أن تُفتن بك "سيف" وتخون عمك حتى يُصدق هذا الرجل الشريف أن زوجته مثل أغلب النساء تحركهن غرائزهن. 

....
 
خرجت "شهد" من الغرفة التي تعمل بها ضمن عدد من الموظفين ثم بدأت تجذب تنورتها القصيرة إلى أسفل حتى تُداري عُري ساقيها. 

ألتفت حولها ؛ فهي مازالت لم تعتاد على تلك الملابس المُتحررة والتي تختارها لها "لميس" عندما تذهب إلى منزلها بالصباح حتى تترك لديها كُتبها وتُبدل ثيابها. 

شعرت بالخزي لأنها كذبت على والدتها وأوهمتها إنها لم تعد تُفكر بعرض العمل وستواصل دراسة الطب حتى تُحقق أمنية والدها. 

_ سامحيني يا ماما أنتِ أضطرتيني أكذب عليكي، وأهو لحد دلوقتي محدش أكتشف موضوع شغلي... 

سارت بتوتر نحو غرفة "سمية" حتى تعرف سبب أستدعائها لها. 

أشارت لها السكرتيرة المنشغلة بعملها أن تدخل لتنهض "سمية" عند رؤيتها. 

رفرفت "شهد" بأهدابها ثم تسارعت دقات قلبها حينما باغتتها "سمية" بأحتضانها ، تهتف بآسف وأعتذار. 

_ "سيف" لازم يصلح غلطته ويتجوزك.... 

... 

أغلقت "زينب" باب الشقة بعدما أخذت من عامل التوصيل ما قامت بشرائه. 

حدقت بالعُلبة التي وضعتها أمامها وتساءلت. 

_ معقول أسمع كلام "هدير" و "نسمة" وأشتري الحاجات ديه... 

أشتعلت حرارة وجنتيها وحركت رأسها برفض. 

_ لأ ،" صالح" هيفهمني غلط وهو ما بيصدق...أنا هرجع الحاجات ديه لـ "هدير" وحلال عليها الفلوس. 

ثم دفعت العُلبة من أمامها وزفرت أنفاسها بتذمر. 

_ ما تفتحي العلبة يا "زوزو" وأتفرجي وكده كده
" يزيد" مش هنا و "صالح" بقى يتأخر عن ميعاد رجوعه... 

🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤
🌻ظنها دمية بين أصابعه🌻

كانت كعصفورًا صغيرًا تلمع الحياة بعينيه من وراء قفصه الواسع وحينَ أعطاه صاحبه حريته.. أنطلق مبتعدًا نحو الأضواء اللامعة التي أجتذبت عينيه عندما كان في قفصه الذي ظنه ضيقًا عليه ويستحق الأفضل.

« يتزوجها "سيف" حتى يُصلح ما أقترفه بحقها تلك الليلة ، يتزوجها لأنه فعل فعلة شنيعة وهي كأم لا تقبلها لكن عليها الصبر إلى أن ينتهي من زواجه وأن تظل محتفظة بتلك الفضيحة كما أحتفظت بها حتى اليوم.»

أختنقت "شهد" عندما تردد صدى كلمة فضيحة وعليهم إصلاحها ، فهي نفضت تلك الليلة عن ذاكرتها حتى تعود لرفع رأسها أمام الجميع وأولهم هو دون أن تشعر بالخزي.

_ لأ محصلش حاجة بينا ، أنا معملتش حاجة غلط.

تقهقرت "سمية" إلى الوراء بعدما أنتفضت "شهد" مبتعدة عنها.

_ أنا معملتش حاجة وحشة ، معملتش حاجة.

رددتها ببكاء، فأجتذب الأمر لوهلة دهشة "سمية".

_ هو كان سكران، مكنتش أعرف إنه بيشرب، هو قالي إنه مش فاكر حاجة وأنا كمان لازم مفتكرش وننسى الليله ديه...

قطبت "سمية" حاجبيها حينما بدأت تستوعب ما حدث تلك الليلة عكس ما صورته لها "كارولين".

_ هو فعلا نسي ومبقاش يحبني زي زمان وأنا خلاص مبقتش أحبه ومش عايزاه...

تجهمت ملامح "سمية" وأنفكت عقدة حاجبيها ، فما الذي تخبرها به تلك الحمقاء التي صارت سـ.ـلاحها الأخير مع عزيز.
 
اشْتدَّ بكاء "شهد" ، فأشاحات "سمية" بوجهها عنها حتى تتدبر حالها وتجد ما يعيد الخيط لدميتها الصغيرة.

مسحت "شهد" دموعها و أسرعت بلهفة نحو "سمية" قائلة برجاء:

_ أرجوكي يا طنط "سمية" متقوليش حاجة لأبيه عزيز" ، أصلا مافيش حاجة حصلت بينا غير يعني...
 
أستدارت" سمية" نحوها وأجتذبتها من كتفيها تهزها برفق حتى تواصل حديثها.

_ قولي يا "شهد" حصل إيه بالظبط متخافيش سرك في أمان وهساعدك كمان توصلي لأبني لانه بيحبك...

_ بيحبني!!!

تمتمت بها "شهد" مع بريق تلألأ في بؤبؤين عينيها لتتسع أبتسامة "سمية" بمكر لم تُبصره تلك التي رفرف قلبها مع سماع كلمه لم تُصدقها.

_ أيوة بيحبك يا "شهد" ومن زمان كمان.

تسارعت أنفاسها وخرج صوتها مهزوزًا ومازالت لا تُصدق ما سمعته.

_ طب و "بيسان".

حدجتها "سمية" بنظرة ثاقبة ثم ضحكت وأبتعدت عنها ، فأرتجف قلب "شهد" بوجِل.

_ فيكي مين يكتم السر يا "شهد"...

أومأت "شهد" برأسها دون أن يخرج صوت لها، فأطلقت "سمية" زفرة طويلة أتبعها دسَّ السيجارة بين شفتيها ثم أشعالها بقدَّاحتها.

_ بصراحة أنا اللي كنت بحاول أقرب "بيسان" منه ومن قبل كمان ما يتجوز "كارولين"...

وبنظرة حملت دهائها رمقت "شهد" التي توهجت عيناها.

_ هو يا حبيبي مكنش يقدر يقول إنه بيحبك لأنك لسا صغيرة والمستقبل لسا قدامك...

أزدادت دقات قلب "شهد" خفقانًا وهزت رأسها رافضة ، فهي لا تُريد أن تتعلق بسراب.

_ لكن هو قالي إنه بيحبني زي "نيرة" و عايزنى أحافظ على الصورة ديه في عينه...

قاطعتها "سمية" وأتجهت إليها حتى تتقابل نظراتهن وتزيد من جرعة حديثها المسموم.

_ بيقولك كده يا حببتي بسبب بنت عمك هو للأسف كرهكم بعد جواز "عزيز" منها...

وبأسف أردفت "سمية" بنبرة حزينة بعد أن حركت رأسها بأمتعاض.

_ بجد البنت ديه وشها وحش عليكم يا "شهد" مش هترتاحوا غير لما تخلصوا من وجودها وتبعد عنكم..

....

حدقت "زينب" بنظرة ذاهلة نحو أوراق اللعب التي أخبرتها "هدير" زميلاتها أنها مجرد لعبة ضمن مجموعة من الألعاب التي تكسر روتين الحياة الزوجية ما دام لا ترغب بشراء ملابس النوم منها لكثرة ما لديها.

أستمرت "زينب" بالتحديق بفاه مفتوح خاصة في لعبة الأوراق دون عن الأغراض الأخرى التي أشترتها من عطور وأشياء تناسب تلك الليالي التي ستُقرر فيها تدليل نفسها و زوجها الوسيم الذي يشبه فنانين الستينات بجماله الأستقراطي كما صاروا يشبهونه متسائلين دائمًا لها كيف حظيت بزوج مثله وكأنه كنز ثمين فازت به ورغمًا عنها أنطلقت ضحكة قوية وساخرة من شفتيها.

_ ده أنا كنت محظوظة حظ ، أه لو يعرفوا الصدمة إزاي أخدتها وأستوعبتها بعد ما قاومت كسرة قلبي.

وتحولت ضحكتها البائسة لأبتسامة باهتة ، فـ ذكرى ليلة عُرسها لن تنساها مهما مضى من العمر بحلوه ومره معه.

أسرعت بمسح الدمعة التي أنفلتت من طرف عينيها ثم رمقت هاتفها الذي بدء بالرنين ولم تكن سوى "نسمة" زميلتها.

تنهدت ثم جمعت سريعًا تلك الأوراق التي كانت على حجرها وأجابت عليها.

_ أستلمتي الحاجات يا "زوزو" ، أنا جوزي أول ما قولتله أدفع الفلوس لعامل التوصيل مش عايزه أقولك على ملامح وشه، الراجل بصيلي بصة اِستنكار وقالي أنتِ هتخيبي يا ست هانم ، ألعاب زوجية إيه اللي نلعبها عشان نجدد شغف حُبنا.

وببؤس أردفت بعدما القت بنظرة مستاءة نحو ما دفعت ثمنه من أموالها الخاصة.

_ وقالي مش دافع تمنه وقومي كملي الأكل ، "زينب" هي ردة فعل جوزك كانت إيه ولا لسا معرفش... بس أكيد مش هيكون زي سي "محمود" جوزي ما جوزك أبن ذوات وأكيد الحاجات ديه عندهم متفرقش معاهم فيها دفع الفلوس.

لم تشعر زينب بنفسها إلا وهي تقهقه بصوت عالي.

_ أنتِ بتضحكي ليه يا "زينب"، أوعي تقوليلي إنه عمل زي جوزي... معقول لأ كده كلهم نفس النوعية.

توقفت "زينب" عن الضحك ونظرت نحو ما أشترته بنظرة كئيبة.

_ لأ لسا معرفش يا "نسمة" ومش ناوية أطبق نصايح "هدير" وزيك بالظبط دفعت من فلوسي...

زمت "نسمة" شفتيها ثم أطلقت زفرة عميقة.

_ هو إحنا حظنا كده ليه يا "زوزو" حتى أبن الذوات طلع زيهم..

وكعادة "نسمة" تُحب الثرثرة نحو البُؤْس والحظ السيء إلا إنها طيبة القلب وتُذكرها ببعض خصال "سما" أبنة عمها والتي أبتعدت عنها مؤخرًا ولا تعرف سبب لهذا وفي أخر لقاء بينهن أخبرتها إنها تنتظر عودة صديقتها إليها.

_ " زينب" متشجعيني بكام كلمة حلوين ناحية حنفي جوزي قصدي" محمود" جوزي وأهو أتجاوز عن كلامه السم وقلبي يصفاله ونطبق نصايح "هدير" يمكن يعرف فوايد الدلع ويتأكد إنه لازم من وقت لتاني ندور على نفسنا ونكسر روتين الحياة الزوجية شديدة الملل....

وهذه المرة دمعت عيناي" زينب" من شدة الضحك الذي شعرت معه بآلم في معدتها لتهتف بنبرة صوت متقطعة .

_ حاضر يا "نسمة" هشجعك عشان تدلعي سي "محمود" جوزك.

وتجلجلت منها ضحكة رقيعةٌ لو أستمع إليها "صالح" لجتذبها من خصلات شعرها.

...

أنسحب "صالح" من ذلك الاجتماع الذي أصابه بالسأْم وقد أقتصر على جده والسيد "إبراهيم" و "عدنان الهتيمي" ذلك الرجل الذي لا يرتاح له ولا يرتاح لأبنه.

تحركت عيناي "عدنان" معه ثم تساءل.

_ شكله مش مبسوط من كلامنا على الأستثمار في قطعة الأرض ديه.

تقابلت عيناي "شاكر" بعينين السيد "إبراهيم" أحد رجاله المخلصين ومن ضمن من يمنحهم صلاحيات في بعض قرارته ويدير بعض الأعمال معه.

_ هو لسا بس متعودتش على الشغل، أنت عارف طول عمره حياته في مجال الطيران وأكتر حاجة بيحبها مهنته.

قالها السيد "إبراهيم" بعدما سمح له "شاكر" بتولي مهمة الرد عنه.

هزَّ" عدنان" رأسه مُتفهمًا و ألتمعت عيناه بنظرة غامضة ،نظرة لم ينتبه إليها "شاكر".

...

نظرت "زينب" إلى هاتفها الذي ألقته على الطاولة أمامها ثم أستندت بذقنها على كفّها وتساءلت بحيرة وهي تهز ساقيها.

_ أسمع كلام "نسمه" وأتدلع وأدلعك ولا أنكد عليك يا "صالح" زي ما نكدت عليا أول ليلة جوازنا وأنا عشان قلبي طيب سامحتك...

أخذتها أفكارها نحو أوجاعها القديمة من عائلتها ومنه وكادت أن تبكي إلا  أن رنين هاتفها جعل جسدها ينتفض وتتوسع عيناها دهشة ثم تلفتت حول نفسها.

_ هو بيسمعني لما بتكلم عنه ولا إيه الحكاية؟

وعادت تتأكد من رنين هاتفها واسمه الظاهر على شاشة الهاتف والذي تدونه بزوجي العزيز.

ألتقطت هاتفها ولا تعلم لِما نبضات قلبها تسارعت هكذا وفور أن فتحت الخط تحدث.

_ بتعملي إيه دلوقتي، أحكيلي أي تفاصيل عن يومك من ساعت ما سيبتك.

عقدت حاجبيها ، فـ "صالح" منذ عمله مع جده تدهشها تصرفاته وكأنه طفلًا صغيرًا أجبر بالرضوخ على قرارت والديه. 

_ "صالح" فيك إيه، صوتك مش عجبني.

أخبرها سريعًا عن ضيقه من شراكتهم مع "عدنان الهتيمي".

_ أنا مبرتحش لـ "عدنان الهتيمي" ولا برتاح لأبنه ومش عارف ليه جدي عايز يبني المجمع السكني الجديد على أرضه.

نهضت "زينب" من مكان جلوسها وتناست وعيدها وذكرياتها المريرة معه قائلة: 

_ ما هو يا حبيبي لازم يكون في أسباب لعدم أرتياحك له عشان تقدر تتكلم  وتلاقي السبب مش مجرد شعور... 

وبأبتسامة واسعة أستطردت.

_ أنت مش في المطار ماشي على قوانين وضوابط دولية ، انت بتدير بيزنس كبير ، هو في رجل أعمال بيمشي ورا أحساسه.

توقف عن تحركه بالغرفة وقوس شفتيه مُتذمرًا.

_ مش عارف ليه يا "زينب" بحس وأنتِ بتكلميني كأنك بتكلمي "يزيد" وبتاخديني على قد عقلي.

ضحكت بعلو صوتها ،فـ جعلت قلبه يخفق بجنون لكن عيناه أحتدت عندما ظن أنها ربما لا تكون بالمنزل.

_  عارفه لو بتضحكي الضحكة ديه بره البيت هعلقك على باب الاوضة وهسيب "يزيد" يلعب كرة السلة على رأسك

داعبت شفتيها أبتسامة عريضة وسارت بغنج نحو المطبخ.

_  قلبك قاسي يا سيد الرجاله..

أغلق "صالح" عينيه المتوهجتين، مُتنهدًا بأستمتاع.

_ "زوزو" ما تغمضي عينك وأتخيلي معايا وأنتِ...

وبالفعل أخذ يصف لها ما تتخيله معه لينفتح الباب فجأة وينظر الجد له وقد ألتقطت أذنيه أحدى الكلمات الوقحة التي خرجت من لسان حفيده.

أمتقعت ملامح "شاكر" واخذ يضرب بعصاه الأرض من شدة ضيقه ، فهل وصل الحال بحفيده أن لا يكون صبورًا ويتحدث مع زوجته في أمور كهذه بالعمل.

أنهى "صالح" مكالمتهم وأستدار نحو جده قاطبًا حاجبيه وقبل أن يتساءل عن سبب اقتحامه لغرفة مكتبه بتلك الطريقة الهوجاء ، صاح الجد بغضب.

_ وهي مش صابره حتى هنا، طب خليها تشهل وتجبلك حتت عيل ، صحيح تربية واحدة...

أظلمت ملامح "صالح" ، فأبتلع "شاكر" بقية حديثه حتى لا يخسره بتلك الفترة التي يحارب فيها بكل قوته لأستعادته لجدران قلعته.

_ كلمة زيادة عنها وأنت عارف أنا ممكن أعمل إيه ، "زينب" خط أحمر يا جدي.

وبتهكم أتبع حديثه.

_ هو مش من الأدب يا "شاكر" باشا إنك تستأذن قبل دخولك، أنا مفهم السكرتيرة محدش يدخل عليا، شكلي كده هغيرها ما دام أوامري مبتتسمعش.

أشتعل وجه "شاكر" قتامة ، قابضًا على عصاه بقوة.

_ شكلك نسيت نفسك يا ولد..

ألتوت شفتي" صالح" بأبتسامة خبيثة وهو يرى جده يُغادر الغرفة ممتقع الوجه.

...

ألقت "زينب" بنظرة سريعة نحو ما أعدته لهذه الليلة التي قررت فيها أن تُخفف عنه أعباء عمله الذي أستشعرت بخنقته منه في كل يوم يُحادثها فيه حتى تدفعه إلى المواصلة.

الطعام أتمت تجهيزه على الطاولة، جهزت له الحمام  ووضعت حول حوض الأستحمام كل ما يحتاجه من زيوت عطرية تمنح جسده الأسترخاء وها هي الأن تُمرر يديها على ثوبها القصير مُبتسمة ومتوهجة الملامح ، فهي صارت عاشقة لرؤية لهفته عليها وهيامه بها.

أخذت نفسًا عميقًا وهي ترفع رأسها لتضيق حدقتاها وتُسرع في ألتقاط قنينة العطر وتنثر الكثير منها على جسدها.

_ "زينب"، "زينب"...

كرر ندائه عليها لمرات ، فـ ردت عليه بصوت ناعم.

_ أنا جايه، خليك واقف مكانك.

اِنكمشت ملامحه وألتف حول نفسه.

_ حاسس في دلع مستنيني...

قالها ثم أنفرج ثغره بأبتسامة ظهرت معها أسنانه ونادها مرة أخرى.

_ "زينب"...

تأكدت "زينب" للمرة الأخيرة من مظهرها الفاتن وأندفعت لخارج الغرفة قائلة:

_ أنا أهو...

جحظت عيناه على وسعهما وخفق قلبه بجنون وهو يتفرس هيئتها المُهلكة، فهل هذا بداية ما وعدته به من ليلة مميزة.

ترك حقيبة عمله تسقط من يده ثم أبتلع ريقه متسائلًا عن صغيره الذي تأكد من عدم وجوده لكنه يرغب بسماع هذا التأكيد منها حتى لا تضيع أحلامه.

_ "يزيد" فين؟

هربت بعينيها بعيدًا عنه حتى تستطيع إخراج صوتها.

_ طنط "حورية" قررت تاخده عندها كام يوم لأن وحشتها شقاوته وتنطيطه.

أومأ برأسه وأقترب منها بتمهل وكأنه يُعجبه توترها.

تلاقت عيناهم ، فأسرعت بإشاحة وجهها عنه لتُداعب شفيته أبتسامة مُتلاعبة.

_ أنا حضرت العشا...

خرج صوتها بخفوت وهي تقبض بيديها على قماش ثوب قميص نومها الناعم.

_ عشا إيه، أنا مش جعان...
أجابها وهو يلتهم تفاصيلها الأنثوية ،لتنظر إليه ثم تتجه بنظراتها نحو طاولة الطعام.

_ معقول مش جعان ، أنا عملتلك أصناف أكل بتحبها وحضرت ليك الحمام كمان....

لم تستطيع مواصلة كلامها وهي ترى نظرته التي ألتهمتها، تراجعت بخطواتها وقد فقدت جرائتها أمامه ، فأسرع بأجتذابها إليه.

_ هو أنتِ مش عملتي كل حاجة تبسطني، سبيني أنا بقى أبسط نفسي بطريقتي...

وقد كان له ما أراد، ليلة أطاحت بعقله وجعلته يبقى بجانبها حتى مساء اليوم التالي ولم يزيد هذا الأمر عند الجد إلا إشتعال غضبه وحقده عليها.

...

في الساعة الثالثة صباحًا، توقفت أحدى السيارات السوداء معتمة النوافذ و ورائها توقفت سيارة أخرى.

تأهب الرجال الواقفين بعدما تأكدوا من هوية السيارتين وطأطأوا رؤوسهم مُنتظرين ترجل رئيسهم من سيارته.

أطبق "مراد" شفتيه على سيجارته وفي عينيه أندلع الظلام والوعيد.

غادر السيارة مُلقيًا سيجارته ثم سحقها ،فأهتزت أجفان الواقفين خوفًا من بطشه.

_ مين فيكم دخل للمدام الفيلا.

تقدم أحدهم سريعًا وأخفض رأسه مُتمتمًا بخوف.

_ أنا يا باشا ، بلغتنا إن حنفية المطبخ مغرقة الفيلا.... كلمنا "عدنان" بيه قالنا واحد فيكم يدخل يشوف الوضع الأول وبعدين نكلم السباك لكن بصراحه....

أختفى صوت الواقف وأبتلع لعابه بعد أن اِنْهالت عليه صفعات "مراد".

_ يا باشا أنا ماليش ذنب، أنا بحكيلك كان ممكن يحصل إيه...

صدح صياح "مراد" بعدما ألتقطه من قميصه، فهو حتى هذه اللحظة لا يستوعب ما أقدمت على فعله من تهديد ظنه هراء منها لكن بالفعل حاولت إغواء أحد رجاله.

_ صوتك مسمعوش وتختفي من قدامى خالص بدل ما أنت عارف أقدر أخفيك إزاي ولو كلمة طلعت من هنا هدفنك، مفهوم.

إرتعب الواقفين وهم يرون بطش سيدهم الذي رغم سخائه معهم بالمال إلا إنه لا يرحم.

_ متخافش يا باشا، هفضل طول عمري من رجالتك وولائي ليك...

ثم سقط على ركبتيه أمامه.

_ والله ما رفعت عيني فيها، مقدرش أعمل كده...

بصق "مراد" ما بفمه بعيدًا دون النظر إلى أعين رجاله الذين أستبدلهم بعد أن دفع رجال والده من هنا بعدما فهم نواياها الخبيثة والتي أستبعد محاولتها في تنفيذها.

سيطر على غضبه وأشار لأحد رجاله بأن يفعل ما أمره به ويستبدل رجال الحراسة بآخرين لم يشهدوا على فجور زوجته.

«زوجتك حاولت إغواء أحد رجالك»  ترددت هذه العبارة في رأسه وقد أبلغه والده بفعلتها وضرورة عودته كما أن والد زوجته بدء يسأل عن سبب إغلاقهم لهواتفهم ومتى موعد عودتهم.

_ حاولتي تنفذي تهديدك يا "أشرقت" وأنا اللي كنت فاكر إنه مجرد تهديد، ماشي يا بنت المستشار يا صاحبة السمو والعفاف. 
غمغم بها وأندفع لداخل المنزل الذي تُشعل جميع مصابيحه كل ليلة قبل أن تغفو.

توقف "مراد" بالطابق الأرضي ينظر حوله ثم أسرع بصعود الدرج صارخًا بأسمها.

_ "أشرقت".

صوت صراخه أفزعها من نومتها وقد ظنت إنها أستيقظت على كابوسًا.

أحتضنت الوسادة التي كانت تنام عليها ليقف مدهوشًا عندما رأها ذابلة وباهتة الملامح.

أرتجفت شفتيها كحال يديها المحتضنه بهما وسادتها.

أقترب منها بملامح تحمل الشر والوعيد.

_ بتحاولي تغوي رجالتي ، فاكرة إنهم ممكن يخونوني...

أشاحت بوجهها عنه وهي تُبلل شفتيها بلسانها.

_ عشان أعرف أرجعك ، فضلت مستنية ترجع مرجعتش قولت أنفذ.

وعباءة التي كانت عليها أختفت بعدما بدأت تستوعب وجوده.
صرخت بألم عند أجتذبه لها من خصلات شعرها المشعثة.

_ تنفذي، ليه فكراني قرطاس.

وصرخة الألم تحولت لقهقهة عالية ثم أخذت تُردد كلمته.

_ قرطاس ، أيوة أنت قرطاس.

وبكل قوتها الواهية دفعته عنها.

_ أنت مش راجل وهنتقم منك يا "مراد"....

توقدت عيناه بالشر ورفع يده حتى ينهال عليه ضربًا لكن وقف مُتصلبًا عندما تجسدت أمامه صورة والدته.

....

غادر "سيف" المسجد بصحبة الحاج "عبدالرحمن" وبعض من العاملين بالمعرض والعاملين حولهم بالورش المُجاورة.

أطرق "سيف" رأسه بتأثر وأعين ترقرقت بهما الدموع ، فـ ربت الحاج "عبدالرحمن" على كتفه قائلًا بحنين وشوق.

_ من ساعت ماجيت الحي هنا وبقيت وسطينا بقيت أشم ريحة أبوك الله يرحمه في المكان.

بصوت متحشرج تمتم "سيف" بعدما رفع رأسه وقاوم حنينه لوالده الذي لم ينعم بحنانه سوى سنوات قليلة.

_ الله يرحمه يا حاج..

وأردف برجاء حتى يؤكد على قراره وما أبلغ به المسئول عن أمور المسجد.

_ وزي ما قولتلك أنا متكفل بتصليحات المسجد.

اِفتر ثغر الحاج "عبدالرحمن" عن أبتسامة خفيفة.

_ ربنا يجعله في ميزان حسناتك يا بني ويتقبل منك.

أطبق "سيف" جفنيه داعيًا الله داخله أن يتقبل منه ويعفو عنه ويرشده إلى طريق الصواب الذي مازال مذبذبًا فيه بين سوء النفس والصلاح.

_ يا رب يا حاج "عبدالرحمن"...

اِنشرحت ملامح الحاج" عبدالرحمن"، فـ "سيف" بدء يطلب الدعاء بعد أن كان يشعر بنفوره منه.

_ بدعيلك من قلبي يا أبن "سالم" ، ده أبن الغالي...

أبتسم "سيف" وتحرك نحو المعرض وبجانبه تحرك الحاج "عبدالرحمن" قاصدًا منزله.

_ "بيسان".
هتف "سيف" اسمها بصوت خافت بعدما انتبه على وجودها. ضاقت حدقتيّ الحاج "عبدالرحمن" ورفع رأسه ليتساءل بعد أن ألتقط بعينيه تلك السيارة وأستمع إلى أسم صاحبتها.

_ أنت تعرف صاحبة العربية ديه يا "سيف".

تنهد ونظر نحوها وقد وقفت جوار سيارتها مُرتبكة وتتلفت حولها.

_ أيوه يا حاج...

تمتم بها، فاندهش الحاج "عبدالرحمن" من رؤيته يتحرك نحو تلك الفتاة بخطوات سريعة تُعبر عن لهفته.

_ يا ترى مين "بيسان" ديه... 
تساءل الحاج "عبدالرحمن" مع نفسه ورغم أنه أستمع لأسمها من قبل وأخبره "عزيز" عنها إلا إنه لم يفلت الأسم أنتباهه.

...

أشاحت وجهها عن هاتفها بعدما بدء بالرنين بذلك الرقم الذي لا تعرف إلا صوت صاحبه.

زفرت أنفاسها بضيق وأجابت حتى لا تتلقىٰ منهم تهديدًا بكشف سرها وزَجَّها في السجن.

_ لأ كده هتزعلينا منك، مش قولنا تقربي منها.

أمتقعت ملامح مروة ونظرت إلى ساقها الذي تلف حوله الجبيرة.

_ ما أنا قولتلك إن الدكتور قايلي متحركش غير بعد أسبوعين.

تعالت ضحكات المتصل وقد كشف لها ما تخشى حدوثه.

_ شكلك عايزة تهربي المهمة من ساعت ما عرفتي إنها بنت "أسامة"، "أسامة" اللي كنتي سبب في موته وضايع فلوسه. 
...

أقتربت "ليلى" من غرفة "شهد" وهي تحمل الصينية التي وضعت عليها الطعام حتى تتناوله مع صديقتها "لميس".

أختفت تلك الأبتسامة التي رسمتها "ليلى" بصعوبة على شفتيها حتى لا تظهر أمام صديقة أبنة عمها عابسة الوجه.

_ هي بنت عمك مالها بتبتسم في وشي من غير نفس كده، ده أنا بقول عليها ذوق..

تركت "شهد" هاتفها الذي تُركز في مطالعته ونظرت إليها متأففة.

_ من ساعت ما أبيه "عزيز" سافر تركيا وهي كده ، كأن أول واحدة جوزها يسافر.

رفعت "لميس" أحد حاجبيها ثم تمددت بجسدها على الفراش قائلة:

_ هو لسا مسافر، "شهد" ده شكله زهق منها و بيحاول يطفشها.

حدقت بها "شهد" ثم عادت تنظر إلى هاتفها.

_ مأظنش، أبيه "عزيز" ميعملش كده...

_ بكرة تشوفي وتقولي كلامي صح ، هو أه بنت عمك جميلة بس جمالها بارد ميخليش الراجل ديما عنده رغبة فيها خصوصا بعد ما يوصل للشبع منها...

وبضحكة كتمتها "لميس" سريعًا أردفت.

_ أكيد أنتِ فهماني أقصد إيه يا "شوشو"...

شحب وجه "ليلى" وأهتزت يديها التي تمسك بهما صينية الطعام التي أعدتها لهن.

أتجهت إلى المطبخ وهي ترتجف ثم تركت صينية الطعام ومن حسن حظها أن زوجة عمها كانت بغرفتها ولم تنتبه على مغادرتها والدموع تغرق وجهها.

دخلت غرفتها تنظر إلى كل ركن بها صار مُوحِش ويخنقها.

_" عزيز" أنت فين؟ معقول كلامهم صح... لا لا" عزيز" بيحبني.

هتفت بها مرارًا لنفسها حتى تطرد أصواتهن وتحركت نحو الفراش وتهاوت عليه باكية.

_ أرجع بقى يا "عزيز" ، أرجوك أرجع.

ظلت لبعض الوقت وهي مُحدقة بسقف الغرفة ثم أغلقت جفنيها لتفتحهما بنفضة خفيفة عندما أرتفع رنين هاتفها.
ظنته هو لكن أصاب الأحباط ملامحها عندما وجدت أحدى زبائنها من تُهاتفها.

قضت ليلتها تحترق من القهر والحيرة ومن وقت إلى آخر تُحاول مهاتفته والجواب كما أعتادت تلك الأيام ، الهاتف مُغلق.

فكرت بأن تُهاتف "نارفين" زوجة "نيهان" لكن شعرت بالحرج وقررت أن تكتب له رسالة على الهاتف تطلب فيها أن يعود لأنها تحتاج لوجوده. 

بعد يومين من تلك الليلة الحزينة التي أصابت قلبها بالفتور وفقدان الشغف نحو كل ما تُحب وصارت مُنطفئة الوجه.

وقفت شاردة بالمطبخ وفي داخل رأسها يتردد حديثهن الذي قهرها.

_ حمدلله على السلامه يا "عزيز" بيه.

أرتفع صوت العم "سعيد" بتهليل وفرحة ثم صدح صوته بالنداء عليها حتى تخرج من المطبخ.

اِرتشعت يديها الممسكة بأناء الطهي الذي حملته للتو من على الموقد وألتفتت بجسدها يمينًا ويسارًا حتى تتأكد أن ما سمعته حقيقة وليس تَوهَّمًا.

نظرت إليها الخادمة التي تُعاونهم في شؤون المنزل وهتفت حتى تنبهها وتحمل عنها الأناء.

_ ست "ليلى"، هاتي عنك...

قاومت "ليلى" رعشة يديها وأبتعلت لعابها مُتسائلة. 

_ هو "عزيز" رجع، أنا سامعه صوته صح يا "منار"...

أبتسمت الواقفة وهزت رأسها بسعادة لسعادتها.

_ أه رجع يا ست "ليلى" وعم "سعيد" صوته فرحان برجوعه... أخرجي له بسرعه اكيد أنتي وحشتيه زي ما هو وحشك. 

اِفتر ثغر "ليلى" عن أبتسامة واسعة وأعطتها الأناء سريعًا.

_ أيوه هو "عزيز". 

هرولت "ليلى" لخارج المطبخ وهي تهتف باسمه غير مصدقه إنه استجاب لرجائها من أجل عودته بعد غياب دام شهرًا.

_ "عزيز" 

أبتسم العم "سعيد" وهو يراها تندفع صوب سيده بلهفة ثم أحتضنته بشوق ، شوق جعل جسد "عزيز" يهتز وأهدابه ترجف بضعف. 

_ وحشتني أوي يا "عزيز" ، كده تغيب عني كل ده.. 

أبتعد العم "سعيد" خجلًا من وقوفه بينهم وعاد أدراجه إلى المطبخ ، فرفعت رأسها إليه وأحتضنت وجهه هذه المرة. 

_ البيت كان وحش أوي من غيرك ، كل حاجة كنت وحشه. 

والصلابه التي غلف بها فؤاده الأيام الماضية أنهارت في لحظة، فأغلق عينيه بقوة متنهدًا وسرعان ما كان قلبه وجسده ينتفضان حينما بدأت توزع قبلاتها على وجهه. 

أين هي قوتك ؟ أين هو هذا القرار الذي أتخذته... هكذا حدثه عقله ليفتح عينيه ويشيح وجهه عنها.

_ "ليلى" أنا ورايا شغل مهم ولازم أروح المصنع...

تلاشى ذلك البريق اللامع في عينيها عندما ألقيٰ عليها حديثه الخشن ثم وضع قبلة على رأسها وسار من أمامها هاربًا نحو غرفتهم حتى يبدل ملابسه ويذهب إلى المصنع.... 

تعليقات