رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل المائة
اختنقت "ليلى" بالعبرات عندما رأت تناثُر حبات العِقْدُ الذي تقوم بصناعته كـ حُلي للتزين. حدقت بالحبات الصغيرة التي تلألأت بعدما أستقرت بأماكن متفرقة على أرضية الغرفة. توقف صدى صوت حركتهم ثم نظرت نحو يديها الفارغتين مُجْفلة ومشتته تتساءل ، كيف ستعيد صناعة تلك القطعة ثانية حتى تُسلمها لصاحبتها بالغد ضمن مجموعة من القطع الأخرى.
أرتعشت أهدابها وشفتيها ثم جثت على ركبتيها، لتلتقط حبات العِقْدُ وقد غشت الدموع عينيها.
انسابت دموعها بسخاء على خديها وهي تتحرك على ركبتيها حتى تُجمع ما تناثر حولها ،فـ جسدت صورتها لوحة من الضياع والضعف ورغم أن الأمر لا يستحق ذُعرها إلا إنها كانت تلتقط كل ما تقع عليه يديها بفرحة وبكاء.
_ قربنا نجمعهم يا "ليلى" وكده كده معانا فصوص تانية تشبهها وهنقدر نعمله من تاني قبل ما "عزيز" يرجع... بسرعة خلينا نجمع كل حاجة ونرتب الأوضة ، أكيد النهاردة "عزيز" مش هيتأخر زي كل يوم...
وفجأة خرجت شهقة ضعيفة من شفتيها وأنْبطحت مُستندة بسَّاعِديها حتى تتفادى أرتطام وجهها بالأرض وتمنع أنفلات ما جمعته من بين أصابعها ولكن كل شئ حدث عكس ما أرادت وأنفلتت حبات العِقْدُ مُجددًا.
دقائق مرت وهي على هذا الوضع تنظر بأعين تحجرت بهما الدموع نحو ما أنفلت من يديها ثم أسدلت جفنيها حتى تسمح لدموعها أن تسقط على إحدى خيباتها.
_ وقعوا منك عشان أنتِ غبيه وخيبة يا "ليلى" ، أيوة أنتِ غبية...
تحشرج صوتها ولَعِقَت دموعها وأستندت على مرفقيها حتى تنهض ورددت بوجع.
_ أنا غبية و مبعرفش أعمل حاجة في حياتي غير إني أبص على الناس من بعيد، ليه أنا كده.. ليه؟
وتحركت نحو الفراش وجلست عليه تُمرر عينيها نحو كل ركن من أركان الغرفة ثم أغلقت عينيها بقوة حتى تطرد أصواتهن عن رأسها.
وللحظات تركت نفسها لشيطانها وأقتحمت المخاوف رأسها ، فهل كما أخبرتها "سلوى" قبل زواجها من "عزيز" إنها بالنسبة له كقطعة حلوى ووقت أن يضيع مذاقها سيتركها لأنها بالنهاية لا تنتمي لعالمه وأنها مجرد فتاة عاشت تحت كَنَف ورعاية من تبنوها وعندما عثرت على أهل لها ... وجدت عمها يعمل لديه ويعيش بمسكن صغير في حديقه منزله الواسع.
أنتفضت من على الفراش بفزع وهزت رأسها سريعًا ثم وضعت يدها على قلبها حتى تخبره بما يُطمئنه ويضيع عنه شتاته وحزنه من جفاء الحبيب.
_ لا ، لا... "عزيز" بيحبني هو بس مضغوط في شغله.. هو قالي كده... قالي أنا مشغول الفترة ديه وطبيعي يرجع كل يوم متأخر، أوعي يا "ليلى" تصدقي كلامهم، "عزيز" مش كده، "عزيز" مش كده.
وحتى تُقنع قلبها ألا يسقط في حفرة من شك لن يخرج منه، أخذت تُردد هذا الكلام وفي عينيها ترقرقت الدموع.
وما حيلة المرء أمام ضعف نفسه إلا لملمت ما تعبثر منه.
_ قومي يا "ليلى" أجهزي له زي كل ليلة، خليكي زي ما بيحب يشوفك، ماما" عائشة" كانت ديمًا تقولي الست الشاطرة مبتضيعش جوزها من أيدها وبتخلي علطول مشتاق ليها..، أيوة أنا هنضف الأوضة بسرعة ومش مهم أكمل الشغل وأعتذر بكره من الزبونة وأجل ميعاد التسليم ، أهم حاجة دلوقتي أجهز نفسي وأستنا "عزيز" وأحاول المرادي أكون جريئة واقوله إنه وحشني أوي هو ممكن يكون مش واخد باله لأن دماغه مشغوله في حاجات كتير...
...
تنهدت "سما" بفتور وهي تنظر إلى الصور المعروضة على أحد تطبيقات التواصل لإحدى صديقاتها و التي تزوجت حديثًا وقد أعطاها الزواج وجهًا مُشرقًا ولمعة أعين باتت تُبصرها في عينين "زينب" أيضًا.
_ وأنا أمتى هعيش الشعور ده مع "مازن"، حاسه إني بدور في نفس الدايرة معاه ومبقتش فاهمة حاجة.
وألقت هاتفها من يدها ثم نهضت من الفراش حتى تخرج من غرفتها وتجلس مع والديها وشقيقها.
_ لأ يعني لأ ، أختك تتجوز الأول وبعدين تخطب زميلتك في الشغل وكلمه زيادة وأنت عارفني.
_ يعني إيه يا ماما، سامع يا بابا... أنا ذنبي إيه..بنتكم مهتمية بشغلها والجواز أصلًا مش في دماغها، أفضل أنا بقى مستنيها وتضيع البنت اللي بحبها من أيدي.
ألتوت شفتي "يسرا" وأشاحت بوجهها عنه حتى تُتابع مُسلسلها الدرامي المُفضل ، فنظر والده له بعدما زجر زوجته بنظرة حادة.
_ أختك قالت في واحد مُعجب بيها وقريب هيجي يتقدم ، أصبر بقى ولا أنت مش عايز تفرح بأختك يا "حاتم"...
تراجعت "سما" إلى غرفتها وأغلقت الباب ببطء حتى لا يشعر بها أحد ثم أبتلعت غصتها...فـ "مازن" أصبح يتحجج لها كُلما أخبرته أنها تُريد أن تجعل علاقتهم رسمية وأن يأتي إلى والديها ويقنعهم بحالته الاجتماعية كـ رجل مطلق ولديه طفل وسوف تفعل أي شئ من أجله أمام عائلتها لكنه يُخبرها بنفس العبارة إنه ليس مُستعدًا لتلك المواجهة العائلية وعليهم الصبر قليلًا لـ ربما تلين رأس والدتها وتوافق عليه دون محاولات الأقناع التي يراها لن تُثمر بشئ سوى فضح علاقتهم الهادئة.
دمعت عيناها وأطرقت رأسها ببؤس ، فهل ما تعيشه معه حب أم شئ هي وحده ما تُصنفه على هذا النحو لأن قلبها الأحمق أحب هذا الرجل دون عن غيره.
...
أستندت "ليلى" برأسها على ذراع الأريكة وقد ثقلت جفونها من شدة نُعاسها. حاولت فتح عينيها حتى تظل مُستيقظة لكن أنتهت محاولتها بالفشل وغفت.
توقف "عزيز" أمام باب الغرفة زافرًا أنفاسه بأرهاق ، فهو صار يقضي وقته بالعمل ولا يعود إلا في ساعة متأخرة مُتحججًا بتلك المشاكل التي تواجه مصنعه.
أختنقت أنفاسه داخل صدره آملًا أن تكون لا تنتظره ثم فتح الباب برفق ودلف بخطوات بطيئة وقد تحقق ما بات يرجوه كل ليلة.
أعتصر الآلم قلبه وهو يراها نائمة بتلك الوضيعة المُرهقة عكس الليالي السابقة التي كان يجدها فيها تحتضن وسادتها وتنعم بدفئ الفراش.
فتحت "ليلى" عينيها عند أقترابه منها وأبتسمت ثم همست اسمه.
_ "عزيز"...
خفق قلب "عزيز" بدقاتٍ هاردة وأسدل أجفانه سريعًا حتى لا ترى نظرة الكسرة والحسرة في عينيه.
رفع رأسه بعدما تمالك نفسه ليقطب حاجبيه عندما وجدها عادت إلى أحلامها السعيد وأحتضنت ذراع الأريكة وعلى ما يبدو إنها تُناديه في حُلمها.
وفي تلك اللحظة كتم آهاته حتى لا يصرخ ويبكي على شعور يُقيده ويلتف حول عنقه.
أطبق شفتيه ثم أخرج زفيرًا عميقًا من صدره وانْحَنَى جهتها، ليحملها بين ذراعيه ويتحرك بها نحو الفراش.
تمرَّغت في حضنه فور أن شعرت بيديه وفتحت عينيها مُجددًا تُغمغم باسمه وتخبره بأشتياقها له.
_ "عزيز" أنت وحشتني أوي، خليني في حضنك.
وضعها على الفراش مُتنهدًا بصوت مسموع ثم مرر يده على جانب خدها قائلًا بلين.
_ أرجعي نامي يا "ليلى" وأنا هاخد حمام سريع و أغير هدومي وهاجي أنام جانبك ، تمام..
هزت رأسها رافضة وأحاطت عنقه بيديها.
_ لأ مش هنام ،أنا فوقت خلاص... هو أنت عايزني أنام يا "عزيز".
نظر إليها مدهوشًا عندما أجتذبته نحوها ثم قالتها صريحة له.
_ أنت وحشتني أوي أوي وعايزه جوزي، ينفع ولا هتقول تعبان...
ابتلع ريقه لمرات مُحدقًا بها وثقل لسانه عن الكلام.
_ "عزيز" رد عليا لدرجادي "ليلى" حبيبتك موحشتكش، أنت سفرت وغيبت عني كتير ومن ساعت ما رجعت وأنت مشغول وأنا بسامحك وعذراك ويقول لنفسي ضغط الشغل والمشاكل اللي عنده لكن يا حبيبي أنت وحشتني.
حرر "عزيز" أنفاسه المحبوسة بزفرة طويلة وأشاح بوجهه عنها.
_ "ليلى"، أنتِ مش قادرة تفتحي عينك.. بكره هرجع بدري تكوني فايقة ونسهر مع بعض.
تثاءبت ثم حركت رأسها رافضة وهتفت بلوم.
_ أنت كل يوم تقولي كده وبتكدب عليا وبفضل مستنياك وبعدين أنام...
تقابلت عيناهم ثم أعتدل من تلك الوضعية الصعبة التي يجلس عليها وضمها إلى صدره.
_ وعد هرجع قبل الساعة عشرة.
أبتعدت عن حضنه لكنه أسرع بدسَّ وجهها في صدره حتى لا ترى ملامح وجهه التي أتضح عليها حُرقة قلبه.
_ كتير أوي يا "عزيز" ، هو أحنا أمتى هنرجع نتعشا مع بعض أو نفطر، أنت كمان كنت بترجع ساعات كتير بدري تتغدا معايا.
أبتسم بوهن وأغمض عينيه يسأل نفسه ، من أين يأتي بالقوة أمامها وكيف سيجعلها تُبغضه بعد أن أذاقها وذاق معها حلاوة الحب وأمتزجت أرواحهم معًا.
_ فتره وهتعدي يا "ليلى" وكل حاجة هترجع لوضعها الطبيعي.
أسبلت أهدابها ثم هزت رأسها داخل حضنه.
_ خلاص أنا هستحمل معاك...
عبارتها أخترقت فؤاده وكأنها سهمًا قويًا يعرف طريقه وليته يملك القدرة على البوح ويشكو لها ضعفه وكسرة نفسه.
مر الوقت وهو مستندًا بظهره إلى ظهر الفراش وهي تغفو على صدره إلى أن أستطاع أخيرًا التحرك من جوارها و أندفع نحو الحمام واضعًا برأسه أسفل صنبور المياة واخْتلطت دموعه مع قطرات المياة.
....
_ أخوكى عايز يخطب زميلته في الشغل وبنات عمك أتجوزوا وأغلب بنات العيلة لأما متجوزين أو مخطوبين ،هنفضل بقى أحنا كده بنجري ورا الدكتور.
ابتلعت "سما" ما قضمته من تلك الجزرة التي بيدها وأستدارت إلى والدتها وحدقت بها ذاهلة.
_ بتبصيلي كده ليه ، أوعي تفتكري إني صدقتك لما أنكرتي علاقتك بالدكتور وقولتيلي مجرد معرفة سطحية يا ماما وأتعرفت عليه عن طريق "زينب" وجدو...
وبوجه حانق أردفت والدتها.
_ وهي المعرفة السطحية تخليكي تروحي بيته وتزوري أمه وتفسحي أبنه كل أجازه ليكي...
وبغضب صاحت "يسرا" وقد طفَح الكيْلُ.
_ يا خيبة أملك في بنتك "يسرا"، سُمعتك بقت على كل لسان ومرات خالك اللي كانت بتلح تاخدك لاخوها صرفت نظر ، هتاخد لاخوها واحده بتجري ورا مطلق.
_ ماما لو سامحتي، لاحظي إن كلامك صعب أوي وأصلًا مرات خالي عرفت منين كل ده.
أحتدت ملامح "يسرا" غير مُصدقًا أن أبنتها تسألها بهذا البرود عن معرفة زوجة خالها بعلاقتها بأسرة هذا الطبيب غير عابئة بسمعتها.
_ أنتِ يا بت باردة،شكل فعلا شغلك علمك البجاحة زي ما بسببه هتعنسي جانبي.
زفرت "سما" أنفاسها بضجر و تناولت حبة الموز التي بيدها الآخرى.
_ مادام بقيتي متأكده من علاقتي بي وخايفة على سُمعتي ما توافقي يدخل البيت من بابه وتجاوزي عن موضوع إنه مُطلق وعنده ابن لأني معنديش مشكله...
استشاط وجه "يسرا" حنقًا لكنها اخفت غضبها وأقتربت منها ،فتراجعت "سما" إلى الوراء خوفًا من أجتذابها لها من خصلات شعرها.
_ موافقة، قوليله يجي يتقدم.
جحظت عينين "سما" ذهولًا لا تستوعب ما سمعته.
_ أنتِ موافقة بجد يا ماما، يعني خلاص معندكيش مشكله إنه مُطلق وعنده أبن...
رد والدتها جعلها تشعر بالريبة.
_ لو هيوافق على شروطنا ويشتريكي بالغالي زي ما عمل "صالح" وعيلته مع "زينب"، ليه لأ.
_ ماما، أنتِ بتقارني "مازن" بـ "صالح" ، قوليلي نعقلها إزاي... "صالح" من عيله كبيرة وتقيله أوي لكن "مازن" ظروفه تشبه ظروفنا عادي ، على قد مستوانا الأجتماعي.
امتعضت ملامح "يسرا" بأستنكار وهتفت حانقة.
_ ما أنا كان نفسي تتجوزي واحد مستواه أعلى مننا وأقعد وسط ستات العيلة أتكلم عن جوز بنتي ، أنتِ مش بتشوفي "لبنى" بتعمل إيه ، الحمدلله إن "زينب" الكل عارف إن أختيار أهل "صالح" ليها لأنهم عارفين وضعها وأهو بعرف أتكلم وأرد..
حركت "سما" رأسها بيأس وقلة حيلة.
_ الحمدلله "زينب" عايشه مبسوطة مع جوزها وبيحبها جدا ، أصل "زوزو" شاطرة وبتعرف تجذب الناس حواليها.
تجهم وجه" يسرا" ومن نظرة أبنتها لها تأكدت أنها تتعمد رمي الكلام إليها.
_ عايزه تغيظيني مش كده ، ياريت بس تكوني شاطرة زيها وتعرفي تجيبي الدكتور بتاعك ويجي يقابلنا ونشوف بقى الشطارة يا حضرت المضيفة...
....
دمعت عينين" زينب" من شدة السُعال وانسكب الماء الذي أرتشفته من شفتيها لتنظر إليها "نسمه" بفزع.
_ "زينب" أنتِ كويسه، أضربك على ضهرك ولا أعملك إيه... أنا مش عارفة أتصرف.
أشارت "زينب" إليها ألا تفعل شئ إلى أن أستطاعت إلتقاط أنفاسها.
_ أنا كنت حاسه روحي هتطلع.
ربتت "نسمه" على ظهرها وأعطتها زجاجة المياة.
_ خدي شربي على مهلك...
ألتقطت منها" زينب" الزجاجة وأرتشفت بضعة قطرات.
_ الحمدلله، الواحد كان ممكن يكون في خبر كان النهاردة.
تجلجلت ضحكات "نسمه" ووكزتها على ذراعها.
_ لأ كنتي هتكوني مع خبر إن...
رمقتها "زينب" بسخط ثم ضحكت.
_ والله يا "نسمة" نفسي أعرفك على "سما" بنت عمي نفسك الفصيلة بتاعت.
كادت أن تتحدث "نسمه" لكن "زينب" أسرعت بتجميع أغراضها وتحركت من أمامها.
_ عندي سيشن هتأخر عليه وده أول يوم ليا مع المجموعه الجديدة.
تحركت "نسمه" ورائها خطوتين ثم توقفت وخرج صوتها بصياح يتخلله الداعبة.
_ أيوة يا عم بقى يجي لينا ناس بالاسم، يطلبوا تدرسي ليهم.
أبتسمت "زينب" وشعرت بالسعادة لِما وصلت إليه ، فـ المجموعه التي ستُدرس لها اليوم جديدة وتقتصر على أربعة أفراد رغبوا أن تقوم هي بتدريسهم الدورة.
دخلت حجرة الدراسة الفارغة وجلست على المقعد المُخصص لها وأنتظرت قدوم الطُلاب الأربعة.
دقائق مرت إلى أن بدئوا بالدلوف و أستقروا في مقاعدهم لكن ما زال واحدًا مُتبقيًا حضوره.
_ كده فاضل واحد يا شباب ، هننتظر خمس دقايق وبعدين نبدء.
وألتفت بجسدها حتى تلتقط كشف الأسماء الذي تضعه بين صفحات أحد الكُتب لتتعرف على أسمائهم.
_ مساء الخير، معلش أتأخرت.
اِستدارت "زينب" نحو الصوت الأنثوي وتضيق حدقتاها بأستغراب.
ارتبكت "مروة" من نظرة "زينب" إليها وخشيت أن تعرفها من صوتها.
_ أهلا بيكي معانا...
اِفتر ثغر "مروة" عن ابتسامة مهزوزة و زفرت أنفاسها بأرتياح وأتجهت نحو أحد المقاعد تجلس عليه.
...
أوصدت "زينة" أغلاق باب غرفتها عليها ثم أسرعت بوضع يديها على أذنيها حتى لا تسمع صوت صراخ والدها على خالتها التي ترفض أقتراحه على إتمام خِطبتها مع أحد أبناء شركائه والذي يكبرها بخمسة عشرة عامًا.
_ قولتلك من ساعت الحادثة أياها يا "عدنان" ، بنت أختي بقت خط أحمر لا إلا والله يا "عدنان" أنت عارفاني مجنونة وأعمل حاجات كتير....
صاح "عدنان" بغضب.
_ أنتِ بتهدديني يا "إلهام".
رفعت رأسها بشموخ وسارت أمامه تتبختر في خطواتها.
_ أيوة بهددك يا "عدنان" وأنت عارفني.
زفر أنفاسه بضيق وألتقط ذراعها ، فنفضت يده عنها.
_ أبعد أيدك عني...
زمجز بصوت غاضب وعاد إلى صياحه الذي أخترق مسامع الواقفة وراء باب غرفتها.
_ قوليلي هنلبسها لمين وأنتي عارفه إنها....
_ أياك تنطقها يا "عدنان" أياك تنطقها ، "زينة" ضحيتك أنت.
وبكل قوتها دفعته من أمامها ثم بصقت عليه.
أظلمت عيناه وأجتذبها من كتفيها.
_ صبري عليكي قرب يخلص يا "إلهام"، فخلينا حلوين مع بعض.
ولأنها تعلم كيف تُسيطر على لجامه، تحولت سريعًا لتلك الأنثى الناعمة وأقتربت منه هامسة بأغواء.
_ "زينة" بقت تنام بدري ومبتخرجش مع صحابها، إيه رأيك تيجي الليلادي بعد ما تنام...
...
أنتظرته كما وعدها بالأمس وفور أن لمحت سيارته من خلف الستار، أغلقت الشرفة وعلى شفتيها أرتسمت أبتسامة واسعة.
ألقت "ليلى" بنظرة خاطفة نحو صينية الطعام ثم الفراش ثم أسرعت نحو المرآة حتى تتأكد من مظهرها وزينتها.
خللت أصابعها في خصلات شعرها وأخذت نفسًا عميقًا. أرخت من عُقدة رباط المئزر حتى تظهر أمامها بفتنة مُهلكة ويذوب هذا الجليد العجيب الذي أقتحم حياتهم وكأن عين أصابتهم.
زفرت أنفاسها المُتهدجة ببطء ثم أبتعدت عن المرآة ووقفت في منتصف الغرفة.
أستمعت إلى صوت نحنحته الرجولية الخشنة ثم حدقت بمقبض الباب الذي يتحرك وقد شعرت بالحرارة تغزو جسدها..، فهي الليلة قررت أن تتخذ حذو النساء الجريئات مع أزواجهن.
انحبست أنفاس "عزيز" بين أضلعه وتعمق بالنظر إليها وقبل أن يتفوه بكلمة تساءلت.
_ هتاخد حمامك الأول ولا تتعشا.
تحشرج الكلام بحلقه وبصعوبة خرج صوته.
_ مش عارف، أقصد هاخد الحمام وبعدين نتعشا...
سار أمامها نحو غرفة الملابس، فأستطاعت زفر أنفاسها ثم رفعت يديها تُمررهما على خديها.
_ شايفه نظرة عينه عليكي عشان تصدقي إن "عزيز" عمره ما يزهق منك...
والليلة صارت كما خططت لها وبدهاء الأنثى حركته إليها بلهفة وتوق حتى إنه لم يستطيع إستكمال طعامه.
_ "عزيز"... بحبك، بحبك أوي.
تمتمت بها وهي بين ذراعيه ولم تكن تعرف أن تلك الكلمة ستُمزق روحه.
تجمدت ملامح وجهه وتراجع عن وصاله الحميمي لها لينظر إليها بنظرة خاوية، فهل هذا هو القرار الذي أتخذه حتى ينهي زواجهم عن طريقها هي بعد أن تكرهه؟
_ بحبك...
والكلمة التي رددتها دَوَى صوت صداها وأقتلعت معها فؤاده ولم يشعر بنفسه إلا وهو يضع بيده على شفتيها حتى لا تنطقها ثانية وفجأة تحول من رجل عاشق وحنون إلى رجل آخر لا تعرفه لكنها تقبلت عنفه دون أن تنتبه على شئ ومضت أول الليلة أنهزم فيها هو أمام نفسه لكن عليه أتابع هذا الوضع في علاقتهم حتى يتحقق مَسْعَاهُ.
...
وضعت "سما" حقيبة سفرها جانبًا في تلك الغرفة المخصصة لهم قبل أنطلاق رحلتهم إلى أحد العواصم الأوروبية.
انعزلت مع هاتفها بعيدًا وأخذت تُحملق برسالتها التي شاهدها بالأمس ولم يُجيب عليها.
صدح صوت إحدى زميلاتها التي أجتذبت أنظار البقية عليها.
_ بسببك نزلت درجتين في التقيم السنوي ومش هاخد ترقيتي ، طول عمرك بتحقدي عليا...
خرجت شهقة "سما" بصدمة.
_ "راندا" ، أنتِ بتقولي إيه ، أنتِ مستوعبة كلامك.
احتقنت ملامح الواقفة وألتفت بجسدها نحو من يُتابعون ما يحدث.
_ أقولهم بتكرهيني من زمان ليه، عشان فضحتك زمان قدام دكتور "زهران" وقولتله إنك بتحبي...
بدأت الأصوات ترتفع وتحولت الأنظار عليها.
_ الدكتور كانت عينه مني أنا لكن هي عشان محدش بيبص ليها فبتحاول تعمل أي حاجة عشان تجذب الأنظار حتى لو هتعمل حاجة....
جحظت عينين الواقفين عندما صفعتها "سما" وصرخت بها.
_ أخرسي يا كذابه ، محدش حقودي غيرك.
وبعدها أنقلب كل شئ رأسًا على عقب وأصبح الشِجار بالأيدي وصار الوضع مُخجلًا وأنتهى بهن الأمر في مكتب أحد رؤساء الأقسام.
....
قطبت "حورية" حاجبيها وهي تُبصر الوضع الذي يزيد من شكوكها يومًا بعد يوم.
_ "يزيد" تعالا وريني الهوم ورك بتاعك وسيب "رغد" تركز في شغلها.
أسرعت "رغد" بأغلاق جهاز الحاسوب ونظرت إليها.
_ لأ أنا خلصت شغلي خلاص وبعت التقارير ودلوقتي بقى أركز مع السكر بتاعنا.
أبتسم" يزيد" بعدما داعبت "رغد" خديه بحنو ثم تدخل "شاكر" في الحوار وضرب بعصاه الأرض.
_ مالك يا "حورية" ما تسيبي الولد، مش شيفاه منسجم إزاي وأهو بتقوم شويه بدور مرات أبنك الغرقانة في العسل...
توترت "رغد" وهي ترى نظرة "حورية" ماقتة لها.
_ والله مرات أبني أعمل ليها كل حاجة تريحها ما دام أبني مبسوط.
اتسعت ابتسامة "شاكر"، فهو يعلم أن زوجة أبنه تكيده.
_ وأنا أكره برضو سعادة حفيدي المهم الدلع ده يجي من وراه نتيجة لأحسن نكون أتغشنا...
تجهمت ملامح "حورية" وأشارت نحو "يزيد" قائلة بحدة.
_ تعالا يا "يزيد" عشان نكلم بابي و "زوزو" ولا أنت مش عايز تكلمهم...
_ خلينا نكلمهم شوية يا نانا عشان أقولهم إني خلصت
كل الهوم ورك وبسمع كلامك عشان أنا شاطر...
....
أشاحت "زينب" وجهها عن الطعام الذي فاحت رائحته ثم أسرعت بوضع يدها على أنفها.
_ حببتي خلصتي خلاص ولا تحبي أساعدك.
استدارت إليه وأبتسمت.
_ عشر دقايق بس قدامي...
أومأ "صالح" برأسه وأقترب منها ثم أجتذبها إلى حضنه.
_ مش عايزين نزود في الأكل ماشي...
توترت وتخضبت وجنتاها ثم دفعته عنها بعدما فهمت مبطن كلامه.
_ تابع الأكل وجهز السفرة بقى يا حبيبي...
وبخطوات سريعة خرجت من المطبخ، فهتف ضاحكًا.
_ متتأخريش عليا لأن لازم نعدي فقرة الأكل ديه بسرعة عشان عندي فقرة حلوه أوي وهتعجبك.
وفي نفسه بدء يتخيل ما يتوق إليه بشدة وقد اشترى اليوم كل ما يحتاجه لسهرتهم.
أغلقت "زينب" باب الحمام ونظرت حولها ووقفت لوهلة تُقاوم ذلك الشعور الذي يجتاح معدتها.
أطبقت جفنيها براحة بعدما أفرغت ما بجوفها ثم انتصبت في وقفتها وتحركت نحو الحوض وفتحت صنبور المياة حتى تمسح وجهها وتُنظف أسنانها.
....
أغلق "قصي" غرفة والدته بعدما غفت وأطمئن عليها ليجد والده يقف قبالته مُشيرًا إليه أن يتحرك ورائه نحو غرفة مكتبه.
_ بابا، هي "أشرقت" هتفضل لحد أمتى مع جوزها مسافره، إيه مافيش إحساس إن ماما تعبانه.
طأطأ "هشام" رأسه ثم تنهد ، فهو تحدث مع "عدنان" وأخبره أن يوصل رسالته لأبنه.
_ خلي أختك تنبسط، وأنت شايف ديمًا لما بنقول لأمك نجيبلك "أشرقت" بترفض ، أنت عارفها هتكون سعيدة وهي شيفاها مبسوطة.
زفر "قصي" أنفاسه حانقًا.
_ مش لدرجادي يا سيادة المستشار.
سار "هشام" نحو طاولة مكتبه وأزاح مقعده وجلس عليه.
_ سيبك من أختك دلوقتي لأنها خلاص بقت تبع جوزها وأهله وخلينا فيك..
ضاقت حدقتيه ونظر إلى والده بنظرة ثاقبة.
_ فيا أنا، ليه مش فاهم؟
ألقى "هشام" ما في جبعته دون مماطلة.
_ أنت أكيد عرفت إن "سما" أستقالت من شغلها...
هز رأسه، فهو لديه لقاء بالغد مع تلك الحمقاء حتى يفهم منها سبب أستقالتها.
_ أنا عايزك تتجوز "سما" يا "قصي" ، وده مش أقتراحي بس وقبل ما تجادلني، ده أقتراح جدك كمان لأننا شايفين "سما" مناسبة ليك جدا و "لبنى" محتاجه حد مننا يكون جانبها خصوصا و أنت شقتك معانا في نفس العمارة ، ده غير إن فرحة "لبنى" بيك هتكون غير بقية أخواتك..
تلاشت تلك التقطيبة التي أحتلت جبينه بعدما بدء يستوعب ما سقط على مسامعه.
_ ويا ترى فكرت في "سما" فجأة كده ليه يا بابا ، لأ وكمان أخذت موافقة جدي.
ثم أردف بأستياء وحنق.
_ أكيد طبعًا لما عرفت إنها أستقالت من شغلها في المطار ، ده خلاك تحس بالفرصة لأنك عارف إن عندي تحفظ على وظيفتها كمضيفة...
