![]() |
رواية انتقام الوريثة الفصل التاسع 9 بقلم اسماء حميدة
قبضت بيلا على عجلة القيادة بيد واحدة بينما اندفعت سيارتها بسرعة مجنونة على الطريق وها قد أطلقت أغنية صاخبة عبر مكبرات الصوت فاهتز الهواء من حولها كما لو أن الموسيقى تسابقها تعزف لحنا للتمرد الذي يشتعل في أعماقها.
لم تكن تخشى ماضيها ولم تكن تهتم كثيرا بتحقيقات جاستن العبثية. ما حيرها حقا هو
لماذا تذكرها بعد ثلاث سنوات من التجاهل والبرود ولماذا لم ينبض قلبه بها إلا بعد أن أصبحا غريبين رسميا
كان جاستن في نظرها رجلا بارعا في الحماقة يتقزز من اهتمامها حين تمنحه قلبها ويقترب منها كظل لزج حين تهجره ببرود.
نظرت في مرآة الرؤية الخلفية وعبوس خفيف مر على ملامحها كغمامة صيفية وإذا بسيارته اللامبورغيني السوداء تلهث خلفها.
أدارت عينيها بازدراء تقول بحماسة
أوه... يظن أنه سيلحق بي فليواصل الحلم إذن!
ارتسمت على شفتيها ابتسامة ساخرة وضغطت على دواسة الوقود حتى التصقت بجدار الزمن تنطلق كبرق ممزق للسماء لا يرى بل يخمن فقط أين مر.
في المقعد المجاور لسائق مذعور كان جاستن يزم شفتيه
أسرع! لا تدعها تفلت!
لم يسبق لإيان أن قد قاد بهذه السرعة قط أخذت نبضات قلبه تهدر كطبول حرب ضاربة صدره بعنف مباغت كأن السيارة نفسها تلهث باحثة عن أنفاسها وها قد رأى أخيرا أضواء سيارة بيلا البعيدة فانفرج وجه جاستن للحظة دون أن يبتسم لم يكن مرتاحا لكن شيئا
ما في داخله هدأ.
قال إيان منبهرا وهو يبلع ريقه بترقب
سيدي... إنها تقود كأنها ولدت خلف المقود. الآن أفهم لماذا تضع ملصق متجر فوجيوارا للتوفو على سيارتها!
قطب جاستن حاجبيه مستغربا
متجر ماذا
أشار إيان بحماسة كأنما يكتشف عالما جديدا
انظر إلى مؤرتها!
التفت جاستن بحدة وقد اسود وجهه بغتة لوهلة تجمد إيان في مكانه وإذا بقطرة عرق باردة تسللت من جبينه إلى عنقه فحاول الإسراع في إصلاح ما أفسده عن غير عمد قائلا بنبرة مرتجفة
أقصد... مؤرة السيارة طبعا! أقسم!
ارتد جاستن ببصره إلى الأمام بعد أن أوشك على لكم إيان لما تفوه به من حماقة يرمق السيارة بنظرة مطولة وفعلا لمح ملصقا أبيض عند نهاية سيارتها البوغاتي كتب عليه
Fujiwara Tofu Shop AE86.
ابتسم جاستن رغما عنه إذ كان المشهد ساخرا وغريبا.
ألا تعلم همس إيان كمن يكشف سرا دفينا
السيدة الشابة تعشق الأنمي خاصة Initial D كانت تشاهده طوال الوقت في غرفة المعيشة ولا تمل منه أبدا.
ثم تابع إيان بدهشة حقيقية
لم أتخيل قط أنها بهذا القدر من البراعة! كنت أظنها فتاة رقيقة لا تقوى على حماية نفسها.
زم جاستن شفتيه فالحقيقة التي قالها سكرتيره كانت لكمة في صدره وما أوجعه أكثر من براعتها هو أن إيان كان يعرف عنها ما لم يعرفه هو كان إيان الأقرب منها وهو البعيد بينما هو... زوجها ولا يزال غريبا عن تفاصيلها.
صرخ
إيان فجأة
أوه لا! إنها تزيد سرعتها!
شد جاستن على أسنانه وخرج صوته يقطر تهديدا
الحق بها! وإن ضاعت منك فودع جزءا من راتبك السنوي!
اتسعت عينا إيان رعبا لا يعرف إن كان يخاف من جاستن أم من فكرة الموت في حادث محتوم لكن بيلا ببراعة مدهشة التفت فجأة لليسار متخذة أول منعطف ضيق ثم إلى اليمين وعليها قد اختفت أضواء سيارتها كأنها سراب.
صمت ثقيل خيم في السيارة فتنهد إيان بمرارة
لقد فقدناها...
لكمت قبضة جاستن زجاج النافذة بقوة وظهرت عروق جبهته المتشنجة ففي عقله ظلت بيلا تتراقص كسؤال بلا إجابة غمغم جاستن بصوت غير مسموع
من أنت يا آنا وما الذي تخفينه عني من تكونين حقا!
في هدوء المساء حين عانق الليل جدران الفيلا الخاصة بعائلة تومسون كان آشير وأكسل الشقيقان اللذان تشتبك الدماء بين عروقهما بالحب والحماية يعبثان بالملاعق والمقادير داخل المطبخ المفتوح والنور الذهبي يتسلل من السقف فينعكس على ملامحهما الحادة كأنهما تمثالان منحوتان من الرجولة والرقي.
وفي ركن قريب جلست بيلا كما لو كانت طفلة أعيدت إلى مهدها تلتهم حلوى المصاصة بنهم وتغوص في عالم ألعاب الفيديو وكأنها تهرب من واقع يحمل في طياته جراحا أعمق مما يدركه أحد.
ياااه! أخيرا انتصرت!
ارتفعت ضحكتها الرقيقة كجرس صغير وهي تصفق بيديها بحماس بينما انتشرت أنغام النصر من الشاشة كانت راكعة على
الكرسي وأخذت تهز المصاصة يمينا ويسارا كما لو كانت عصا سحرية تلوح بها على أنقاض تعبها القديم.
أطل آشر عليها من فوق كتفه وابتسامته تحمل خليطا من الفخر والدهشة
أنت مذهلة يا بيلا... ليست لديك ذرة صدأ.
هتفت متباهية تشير إلى النتيجة على الشاشة
انظر! نتيجتي مثالية!
ضحك أكسل قائلا بمزاح طفولي
متغطرسة كالعادة! هيا نلعب سويا وسأريك مكانك الحقيقي في اللعبة.
قاطعه آشر بهدوئه المعهود وهو يقطع قطعة لحم ثم أطعمها لبيلا بلطف
لا تتعب نفسك يا أكسل لقد سحقتك المرة الماضية حتى اختفى اسمك من القائمة! لذا لا تحرج نفسك من جديد.
زمجر أكسل مدافعا عن كرامته
ذلك فقط لأن درو انسحب فجأة بسبب مهمة طارئة! وإلا قد فزنا بسهولة.
اقترب آشر من بيلا وهمس بنبرة حنونة
سأبدأ الطبخ الآن... اذهبي إلى غرفة المعيشة أنت تعلمين أن رائحة الدخان تؤذيك.
في لحظة صمت خاطفة تجمدت بيلا في مكانها تشعر بغصة في حلقها كأن تلك الكلمات البسيطة نبشت شيئا من أعماقها المنسية.
كانت تريد أن تخبرهم... أن تقول إنها وقفت لثلاث سنوات في مطابخ عائلة السلفادور تعد الطعام لعائلة جاحدة بأكملها بينما دخان المقالي يشق صدرها ويخنق رئتيها ورغم حساسيتها المفرطة صبرت حتى أصبح أنفها معتادا على السم ويديها قد تيبستا من تكرار الحرق والبخار لكنها صمتت لأنها تعرفهم فآشر ربما يصفح بسبب قلبه الذي
يتوضأ بالرحمة.
لكن إخوتها الآخرين سيسحقون السلفادور تحت
أقدامهم دون تردد وفوفي الحقيقة بسبب قسوة أفراد السلفادور وخاصة جاستن لم يكن مصيرهم يعني لها شيئا ما دامت لم تعنيهم لكن كيف ستخبرهم وهي الأميرة المدللة في عائلة تومسون التي لم يطلبوا منها شيئا طوال حياتها فكيف سيقبلون أن تعامل كجارية في بيت من المفترض أنه بيت زوجها
حمدت الله لأنها قد عادت إلى منزلها عادت لتقسم في صمت صارم
لن أذل نفسي مجددا من أجل رجل أحببته ولن أركع لقلب لم يركع لي لقد خسرت كل شيء ولن أهان من جديد.
رن الهاتف فجأة فقطع رنينه الحاد سكون اللحظة.
أسرع آشر بمسح يديه بمئزر الطبخ الملطخ ببقايا التوابل ثم التقط هاتفه بنفاد صبر وهو يرمق بيلا بنظرة غامضة تخترق جدارها الصلب كأنما تحمل بين طياتها خبرا يوشك أن يزلزلها.
قال آشر بصوت مشحون بالغضب
بيلا... إنه زوجك السابق مجددا... بحق الجحيم! هل يعتقد أن بوسعه أن يطل علينا متى شاء!
تلون وجه بيلا بوهج أحمر كوهج جمرة تخفي احتراقا دفينا ولم تدري إلا عندما سقطت المصاصة من بين شفتيها وارتطمت بالطاولة كأنها إعلان استسلام.
تقدم أكسل يجلس إلى جوارها ومن ثم التقط المصاصة بلا مبالاة يضعها في فمه كما اعتاد أن يفعل حين كانا طفلين وقال محاولا إشعال شرارة الضحك في صدرها
هل يتخيل هذا الأحمق أنك على علاقة بآشر بعد
أن رآكما تتأملان الألعاب النارية فوق نهر مون
رفعت بيلا عينيها ونطقت كلمة واحدة لكنها كانت كافية لإشعال الموقف
نعم.
صرخ أكسل كمن لدغ فجأة
ما هذا الجنون! أهو أعمى!
ضحك آشر وقال مازحا بنبرة ساخرة
أيعني أنني لست جذابا كفاية لأكون حبيبك يا بيلا
قهقه أكسل ضاحكا ثم نظر إليه مستهزئا
بل تبدو كوالدها أكثر! نظراتك لها تصلح لمشهد في دار للمسنين لا لموعد غرامي!
كانوا يحاولون التخفيف عنها بمزاحهم الذي بدا كستارة حريرية تخفي ما تمزق بداخلها من مشاعر كادت بيلا أن تبكي قسوة السلفادور وفرحتها بحب أخويها لكنها تمسكت بخيط رفيع من القوة.
هل أرد عليه سأل آشر وعيناه معلقتان بها.
قال أكسل دون تردد
قطعا لا!
قالت هي بهدوء مريب
بل نعم.
ضغط آشر الزر مستجيبا لرغبتها ووضع المكالمة على مكبر الصوت.
انبعث صوت جاستن من الهاتف وجاءت نبرته أكثر هدوءا عن ذي قبل لكنها محملة بامتلاك مريب
أبحث عن زوجتي.
تجمدت اللحظة وساد صمت ثقيل قطعه أكسل وهو يصر على أسنانه
يا ابن ال...!
لكن بيلا عاجلته بضربة على رأسه أجبرته على الصمت.
قال آشر بصوت بارد
سيد سلفادور آنا لم تعد زوجتك أنتما مطلقان.
لم ينس آشر أن يناديها باسمها المزيف آنا حرصا على ألا تنكشف حقيقتها لكن جاستن تمادى وخرج صوته أكثر حدة
هي تعرف
أنها ما زالت زوجتي.
أغلقت بيلا مكبر الصوت والتقطت الهاتف من يد آشر وسألته ببرود مغطى بالانزعاج
لماذا تطاردني بهذا الشكل العدواني سيد سلفادور
رد بصوت خافت
أريد التحدث إليك على انفراد.
دخلت بيلا غرفتها وأغلقت الباب خلفها بإحكام ومن ثم سحبت نفسا عميقا بتبرم وقالت
أنا مشغولة. تكلم دون مقدمات.
سألها
لماذا غيرت رقم هاتفك
أجابت بإيجاز
أردت بداية جديدة.
صمت جاستن للحظة ثم قال بنبرة مصطنعة البراءة
وكيف سيتواصل معك جدي أعطيني رقمك الجديد.
قالت بابتسامة لاذعة وكأنها ترد له طعناته الماضية
هذا سهل اتصل بآشر تومسون إن أردت التواصل معي.
سكت قليلا ثم انفجر صوته كريح تعوي في كهف مظلم
آنا... أهذا انتقامك مني
تمهل ومن ثم أضاف بنبرة مملوءة بالغيرة والشك
أأنت متشوقة للعيش مع آشر لدرجة أنك لم تصبري حتى تنتهي أوراق الطلاق أتساءل هل ما زلت آنا براون معه أم أنك ابتكرت شخصية جديدة
صرخت بيلا باسمه وقد تشنجت قبضتاها لا إراديا بينما تسارع نبضها كطبول حرب
جاستن!
ضحك جاستن ساخرا ثم ألقى بسمه في وجهها
أنت ساذجة إن ظننت أنني أغار..
فتذكري عيد ميلاد جدي الثمانين ولا تجعلي تلك الأخبار تصل إلى مسامعه. لا أريده أن يكتشف أن المرأة التي يعشقها... .
توقف الزمن للحظةولم تجد بيلا ما تقوله
لم تسعفها الكلمات ولم تحتمل قلبها تلك الإهانة
لذا أغلقت الخط مباشرة وبقيت تحدق في العدم بينما يدها ترتجف كغصن ضربه الشتاء.
أسندت بيلا ظهرها إلى الجدار البارد خلفها تغمض عينيها بخيبة محاولة أن تلتقط أنفاسا تشفي بها شرخا في صدرها لكنها عجزت فالهواء ذاته بدا خانقا والوجع متجذرا كأن قلبها زرع شوكا لا يكف عن الوخز هوى جسدها بتمهل وهي تستند بكفيها على الحائط جالسة القرفصاء تنهر حالها وتجلد ذاتها بأسئلة لا إجابة لها
لماذا لا يزال يؤلمها هكذا ألم تقسم ذات دمعة في ليلة بلا نجوم أنها لن تضعف أمامه مجددا ألم توارب أبواب قلبها في وجه جاستن بعد كل ما اقترفه
راحت تفرك زوايا عينيها بحذر لكن الاحمرار الفاضح أفصح عما تحاول أن تخفيه. إذ كانت خيبة الأمل أكبر من قدرتها على الإنكار وأعمق من أن تخبأ خلف كبرياء هش.
همست في قلبها كأنها تعاتب نفسها على وهم طويل
جاستن... كيف استطعت أن تظن بي هذا الظن أي صورة مشوهة صنعتها عني في خيالك أي قلب تملكه ليسع هذا الجحود
ثم مالت برأسها إلى الجدار كأنها تسنده من السقوط وأطلقت تنهيدة طويلة تحاول أن تفرغ من روحها بقايا ذلك الحب المسموم.
ثلاثة عشر عاما وأنا أراك رجلا يستحق الإعجاب وأنت لم تكن يوما إلا خطأ طويل الأمد خطأ تواطأت فيه روحي مع
قلبي.
وفي صمت الغرفة ظل صدى خيبتها يتردد بصوت أعلى من صوت أنفاسها.