رواية ظلي لم يغادر المكان الفصل التاسع 9 بقلم سلمى ابو ضيف


 رواية ظلي لم يغادر المكان الفصل التاسع 

الطعام يبدو طازجًا... لكنه بارد جدًا !
رغم أن الأكل "يبدو" طازج ومطبوخ حالًا، إلّا أن لمسه أو تذوقه يكشف أنه بارد كأن خارج من الثلاجة مباشرة. البخار الذي كان يتصاعد اختفى فجأة.
كل طبق عليه اسم أحد الشخصيات، وكأن الأكل "مُعد خصيصًا" لهم. المشكلة؟ بعض الأطباق تحتوي على أطعمة لم يخبروا أحدًا أبدًا أنها المفضلة لديهم... بل أشياء لا يعرفون كيف تذكّروها.
رغم أن الأكل يبدو لذيذًا، إلا أن بعد ثوانٍ تظهر "نكهة ترابية" أو "صدأ"، لكن لا أحد يريد الاعتراف لأنه جائع جدًا.
في أول لحظات كان الطعام شهي الرائحة... بعد مرور دقائق تبدأ رائحة خفيفة مثل العفن أو "خشب قديم مبتل" بالظهور، لكنها غير واضحة إلا لمن يتوقف عن الأكل فجأة.
رغم امتلاء المعدة، لم يهدأ العقل.
كان هناك شيء غريب في السكون المحيط، وكأن الهدوء نفسه يختبئ خلفه شيء أكبر.
الطعام كان شهيًا، نعم، لكنه جاء بلا مقدمات، في مكان لا يُفترض أن يوجد فيه شيء.
تبادلوا النظرات بصمت، وكل منهم يحاول أن يطمئن نفسه أن الأمور تحت السيطرة.
لكن الحقيقة كانت واضحة في أعينهم جميعًا...
ربما لم تكن هذه الوجبة إلا البداية.
وبينما كانت أناملهم تلتقط آخر فتات الخبز، بدأت الرياح خارج المكان تعصف كأنها تنذر بشيء قادم.
لم يتحدث أحد، وكأن الأصوات خافتة بفعل ثقل غير مرئي يملأ الغرفة.
نور نظرت إلى الباب الموصد، ثم همست:
"بس مين اللي كان هنا قبلنا؟ مين حط الأكل؟"
لم يجبها أحد، ليس لأنهم لا يعرفون، بل لأنهم خافوا من الإجابة.
ربما كان ذلك الطعم اللذيذ... طُعمًا.
بعد أن أنهي كلا منهم طبقه المفضل وجده رساله بالخط العريض علي طبق كلا منهم 
بعد أن أنهى كلٌّ منهم طبقه المفضل، وجد رسالة بخط عريض مكتوبة على طبق كلٍّ منهم:
 "ابحثوا عن شيء دليل عني، سيساعدكم على جلب حقي. أمامكم ٤ ساعات فقط. إن لم تجدوا شيئًا، فستصيبكم لعنّتي،عندما يبدأ الوقت سأبلغكم."
ساد القلق على وجوه الجميع.
قال مازن وهو ينظر إليهم باهتمام بالغ:
 دلوقتي مفيش وقت! قدامنا أربع ساعات بس عشان نلاقي أي حاجة تساعدنا... هي قالت إنها هتبلّغنا. لازم نربط كل الخيوط ببعض، عشان نسهّل الأمور على نفسنا.
قالت إهداء وهي تشير إلى الرسالة:
  هي كتبت إنها صرخت كتير ومحدش سمع... يعني أكيد اتعرضت لعنف كبير قبل ما تُقتل.
  وكتبت "كتير محدش قرأ"... دا معناه إيه؟
قالت نور بثقة:
معناه إنها أكيد كاتبة عن حياتها في دفتر.
وما إن أنهت نور كلماتها، حتى بدأ القصر يهتز بعنف، ودوّى في المكان صوت صراخ أنثوي مرعب يشبه صوت البوم. سادت لحظة من الفزع والهلع، وبدت علامات الرعب في عيون الجميع. ثم ظهر العدّ التنازلي مضيئًا على جدران القصر.
صرخ خالد بارتباك:
  يلا! مفيش وقت!
هدأ القصر فجأة، فنهض الجميع بسرعة. قال مازن وهو يتنفس بصعوبة:
  زي ما نور قالت... لازم ندور على دفتر أو كشكول. أكيد كتبت فيه كل حاجة.
ثم نظر إلى السلالم وقال:
هنبدأ من فوق.
صعدوا إلى الطابق العلوي، فوجدوا غرفة مغلقة بإحكام، وعليها بصمات دم صغيرة.
قالت إهداء بثقة:
  أكيد هي دي الأوضة اللي هنلاقي فيها الدفتر.
أمسك خالد بمقبض الباب وقال بارتباك:
 الباب مقفول... لازم نلاقي المفتاح بسرعة.
حاولت نور ربط الخيوط ببعضها:
 هي قالت قدامنا ٤ ساعات نلاقي الدفتر، وعدّى نص ساعة منهم. المشكلة إننا محتاجين مفتاح... أكيد مش هيكون في مكان مباشر. غالبًا مخبّيه في حاجة مش هنفكر ندور فيها.
وكأن إهداء تذكرت شيئًا:
 أنا... أنا افتكرت حاجة! لو كلامك صح، لازم ننزل غرفة الاستقبال. فاكرة إني شوفت فيها حاجات غريبة... زي دمية طفلة متّسخة، ولوحة مرعبة جدًا لدرجة إني مقدرتش أبص على تفاصيلها.
نزلوا جميعًا إلى الطابق السفلي. وبمجرد دخولهم الغرفة، شعر كل منهم وكأنهم سيفقدون وعيهم.
الغرفه تغيرت تماماً،الغرفة كانت مليئة بالدماء، والدمية تنزف دمًا أسود. كل جدار من جدران الغرفة الأربعة تحتوى على أربع لوحات، وكل لوحة تظهر فيها عيون تتحرك وكأنها تراقبهم.
وضع الجميع أيديهم على أعينهم، فقد كانت النظرة وحدها كفيلة بجعلهم يفقدون عقلهم.
صرخت نور:
 أنا هتجنن! إنتوا شايفين اللوح عاملة إزاي؟! إحنا هنقدر ندور فيهم إزاي؟!
قال مازن محاولًا السيطرة على الموقف:
 إهدوا كلكم ومتخافوش... ربنا معانا ومش هيسيبنا. لازم نهدى عشان نعرف نفكر. احنا أربعة، وكل حيطة فيها أربع لوحات، كل واحد فينا ياخد حيطة ويدور فيها.
لم يجبه أحد، فقال بحزم:
   هبدأ أنا دلوقتي.
أزال يده عن عينيه وبدأ يتفحّص الدمية، لكنه لم يجد شيئًا.
قال: الدمية مفيهاش حاجة... هبدأ أدور في الحيطة اللي قدام الباب.
تفحّص لوحة تلو الأخرى، ولم يجد شيئًا، لكن في كل مرة كانت العيون الموجودة في اللوحات تنظر إليه وتتأمله، ما جعله يتجنب النظر إليها مباشرة. أنهى محاولاته ثم أغلق عينيه وقال:   يلا يا خالد، دورك... أنا دورت وملقتش حاجة.
اختار خالد الجدار الذي كان يسند ظهره عليه:
  أنا هاخد الحيطة دي، وواثق في ربنا إني هلاقي المفتاح ونخلص.
بدأ يتلو آيات من القرآن الكريم بصوت هادئ يبعث الطمأنينة:
 "وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ..." (البقرة: 102)
وأخذ يكرر:
"وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ."
بدأ الجميع في البكاء من الخوف، والرهبة، والقلق من المصير.
راودهم شعور مرعب:
 ماذا إن كانت نهايتهم هنا؟ هل هم مستعدون لملاقاة الله؟
لماذا لم يستعدوا لهذا اليوم؟ لماذا نسينا أن نحسن الخاتمة؟
قال خالد ونبرة بكائه تخنقه:
فاضلي لوحة واحدة... وملقتش حاجة...
وقبل أن يُكمل جملته، صرخ فجأة:
 لقيت المفتاح! المفتاح! المفتاح أهو يا مازن!
أزال الجميع أيديهم عن أعينهم في دهشة وعدم تصديق.
نظروا إلى بعضهم البعض، وكانت نظراتهم مليئة بالفخر والانتصار.
قال خالد وهو يبتسم:
  يلا... نطلع من الأوضة دي!
صعدوا إلى الطابق العلوي، فوجدوا باب الغرفة... مفتوحًا!
صرخ خالد بغضب:
 مش الباب دا كان مقفول؟! اتفتح إزاي؟!
قال مازن وهو يخفض صوته وينظر حوله:
هي بتلعب بينا... وعايزة تضيّع وقتنا.
قال خالد بغضب:
 يعني المفتاح دا ملوش لازمة؟ بعد ما كنا هنتجنن وإحنا بندوّر عليه؟!
قالت إهداء باهتمام:
 حطه في جيبك، يمكن نحتاجه تاني... يلا بسرعة، فاضل ساعة تقريبًا.
دخلوا الغرفة، وما إن دخلوا حتى سمعوا جميعًا صدى صراخ ينادي بأسمائهم بصوت أنثوي مرعب.
ثم كُتب على الجدران بدماء: 
"لن تنالوا الحقيقة إلا إذا واجهتم ذنوبكم...
احذروا، فالخائن بينكم...

تعليقات