رواية احفاد الثعلب الفصل التاسع بقلم شريهان سماحة
في أحد النوادي الليلية الفاخرة بإضاءتهُ البهلوانية وبموسيقاه الصاخبة المحفزة لزائريها علي تحريك اجسادهم بلا أرادة علي الرقص المتواصل ، وبشرابها المعتق الذي يذهب العقل بلا رجعه لحاضره والمنتشر في كافة أرجاء المكان .. كان الحال !
- هل نال الاستحسان مستر " اَلي " ؟!
قالها جاك مساعده الأيمن وهو يجلس علي أحد المقاعد بساقها المرتفع أمام ذلك البار الذي يمد الزائرين بالمشروبات الكحولية …
ليجيبه " علي " الجالس بجواره بلامبالاة بعد أن تجرع من كأسه الذي بين يديه في محاولة سريعة :
- مثله مثل غيره .. لن تقدم جديد !
قال جاك سريعاً باندهاش ملتفتاً بنظرات مفترسة لأجساد الفتيات من حوله :
- كيف لا يوجد جديد والمكان يعج بفتيات من كل شكلٍ ولون !
لم يرفع عيناه من كأسه بحالة لا مبالاة باردة اصبحت رفيقه له كظله .. حتي شعر براحة يد تستبيح ظهره بأغراء مُبين وصوت أنثوي مصاحباً لتلك الحركة يردد هامسًا نوعا ما :
- مرحبا أيها الوسيم .. ألن تدعوني لشراب شيء ؟!
لم تتحرك شعره من رأسه بل ظل على وضعه الغير مبالي فطالما تعرض للكثير والكثير من هذا الموقف ، حتي ص*رت منه ابتسامه ضعيفة ساخرة احتلت زوايا ثغرة مردداً بسخرية أشد لجاك :
- رأيت كل الأماكن سواء !
ابتسم جاك هامساً بجوار أذنه قليلاً :
- لديهن حق فمن ستشاهد تلك الملامح العامة لك ولا ترغب في الاقتراب !
تطلع " علي " بنظرات فاترة علي من بجانبه والتي تمتلك كافة مقومات الإغواء هاتفاً بفظاظة واضحة :
- أذا كنت تريدين الشراب فالمكان يعج به .. أما أذا كنتِ تريدينني فليست هذه طريقة طرح السؤال !
بخ جاك في الهواء بما رشفهُ من مشروب في فمه أثناء تفوه " علي " بتلك الجملة الو**ة المهينة للفتاة ، ليفرغ فاههُ باندهاش علي صوتها يهتف بدلال …
- وكيف يكون السؤال أذا أيها الوسيم !
ضيق حدقة عيناه بعض الشيء مرددا بفتور ساخر :
- أريدك !!! .. فقط أريدك !!!
تمايلت علي كتفه بنظرات جريئة صوبتها في قلب مقلتاه الساخرة هاتفه بثقة :
- أذاً أريدك !!!
تطلع لها صامتًا بابتسامه تهكمية اعتلت تسريباتها علي ملامحه الجليدية الباردة حتي أخرج جملته الشهيرة في سنواته الماضية :
- وأنا لن أمنع نفسي أمام امرأة راغبة بي !!!!
------------------------
مرت الأيام وتعافا الجد تماماً ولكن فؤاد قلبهُ المتعلق بالحفيد البعيد ما زال عليلٍ يوجعهُ بأريحية .. ذلك الحفيد الذي يرفض حتي الأن اتصالاته الملحة حتي ظهر لهُ مؤخرا بأن رقم ذلك الهاتف الذي طلبته خارج نطاق الخدمة !
فعلي ما يبدوا أنه هدد ونفذ بالفعل تهديداته وانقطع عنه كأنه ليس من جيناته .. قهر أصبح رفيقاً لقلبه لأجل تلك الفتاة التي اقحمها بيداه مع قلب ذلك المتحجر والخالي من أي عاطفة انسانية…
خاصة حين علم من رفيقه شاكر بإلغاء التوكيل قبل انتهائه .. رفيقه الذي توالت زياراته للأراضي الأمريكية حتي يتم خلاصها منه علي خير .. لتنتهي دون فائدة ويرجع مطأطئ الرأس تعلن عن قسوة ذلك القاسي ....
مما يوضح له إصراره علي ت***بهم جميعًا …
قهر مماثل أصاب روح رقية بعد أن علمت بما ألت اليه الأمور .. قهر داخلي صامت متخفي بين طيات ص*رها لا تستطيع اخراجه من أجل ذلك العجوز المسن بروحه العليلة ..
بدأت بمساعدة شاكر بأقناعه ببدأ اشغال ذهنه في سوق العمل ، واستعادة ذكائه في أدارة أعماله لكي تظل هيبة الثعلب بين التجار عالية ..
وبالفعل بعد فترة زمنية كبيرة من الأقناع بدأ في مزاولة أعماله تاركاً قهره ووجعه لله الذي بيديه مقادير الأمور القادرة علي شفائه ، فمن يعلم فقد يهديه الله ويرجع ذلك الحفيد عما **م عليه ذات يوم …
غادرت أميرة مع زوجها لمقر عمله في أحدي الدول العربية بينما لُحقت " هنا " بالفعل في كلية الألسن وبجانبه ذلك المعهد الخاص الذي لمت من خلاله بجميع ما تحتاجه من معلومات حيوية وهامة في دينها الإسلامي الحنيف ..
مرت السنين علي هذا الحال !
الثعلب يتربص عودة الحفيد الغائب في ظل محاولات الاتصال التي باتت بالفشل .. ذلك الحفيد الغير مبالي به والمنغرس في أفعاله الغامضة ..
بينما أنهت هنا ذلك المعهد الخاص لأعداد الدعاة في ظل استمرار سنوات التعلم في كليتها وتخصصها في اللغة الإنجليزية كاللغة أولي والتي تشبثت بها لأكثر من سبب .. أولهما تفوقها في تلك اللغة منذ الصغر .. ثانيهما لأن تلك اللغة واللغة العربية تحتل أوائل اللغات في العالم بجانب اللغة الفرنسية والتي اتخذتها لغة ثانية في دراستها وقررت أيضا الإلمام بها …
فدائمًا تسير بمبدأ طالما بك نفس صلي ، أستغفر ، تعلم !!
وها قد تحاول بشتى الطرق الالمام بجميع اساليب التعلم وقد كان !
في أحدي الليالي بعد أن لمت بما عليها من واجبات دراسية قررت فتح حسابها علي مواقع التواصل الاجتماعي " الفيس بوك " للتجول في صفحات شيوخها ومتابعة أخر أخبار أصدقائها القدامى والجدد ...
بعد عدة دقائق معدودة ملت وأرادت قفله حتي يحين موعد فتحه في مرة أخري والتي قد تمتد لساعات وربما لأيام فهي غير مهتمة به ولا من متابعيه المدمنين …
ألا أنها لمحت حساب لأحدي الرفيقات القدامى في مرحلة الثانوية الأزهرية لم تصدف فتحه أثناء فتحها منذ فترة طويلة نوعاً ما ..
دخلت علي صندوق الرسائل الخاصة تلقي السلام ثم الاطمئنان عليها كعادتها مع أغلب الرفيقات في المراحل التعليمية ..
حركت أناملها علي لوحة هاتفها النقال :
- السلام عليكم .. أزيك يا سمية وحشتيني جداً فينك ..
سمية :
- عليكم السلام .. هنون وحشاني أكتر .. أنا كل يوم بفتح في الوقت ده ..
هنا باستغراب :
- الوقت ده ! ليه كده دا متأخر أنا أول مرة أفتح فيه ؟!
توقفت سمية لبعض الثواني عن الكتابة حتي تحركت اناملها مرة أخري :
- يعني تقدري تقولي إللي بكرش عليه مبيفتحش إلا في الوقت ده ..
دهشت هنا من تلك الكلمة التي قرأتها الأن " كراش " بل من تكرارها في الأواني الأخيرة كالعلكة في الأفواه .. وبين جدران الجامعة !!
نعم تعلم ترجمتها جيدًا فهي كلمة إنجليزية تعني " مراقبة من تكن له مشاعر حب قوية ".. ولكن ما يجعل اندهاشها يتملكها لما يتم استخدامها بكثرة بين الشباب وعلي مواقع التواصل الاجتماعي وبالأحرى لمحت بعض الصفحات تسمي بهذا المصطلح .. اندهاشها تحول لصدمة اخرستها النطق كلياً حين أيقنت بأن انتشارها بذلك لا يدل الا على أنه " ذهب حياء الفتيات في خبر كان " !!!
شعرت سمية بسكونها وما نتج عن ما كتبته لتتحرك أناملها بخزي متردد :
- هنا أنا عرفه أنك أتصدمتي فيا بس صدقيني أنا قصدت احكيلك أنتِ بالذات لإنك علي ثقة ولأني تعبت بجد ونفسي أرتاح ..تعبت من لفي وراه ومن تتبع أخباره ومن مراقبة شقة الجيران .. حتي علي الفيس براقبه .. والأكتر أني بموت كل يوم لما بلاقي تعليق من أي بنت علي منشور ليه ولا علي صورته الشخصية حتي لو كانت أخته… تعبت وبموت أكتر لو لقيته رد عليهم وهزر معاهم .. ولا لما تلاقي واحده من دول تكتب بطريقة تغريه ببقا عوزه أقتلها وأقتله وأقتل نفسي وراهم .. خلاص يا هنا روحي أتجرحت بما في الكفاية وياريت كله ده وأضمن بس يكون من نصيبي .. دا ولا معبرني ولا أكني موجوده قدامه ..
هنا أنا كل يوم بنام دمعتي علي خدي .. كل يوم قهري بيزيد وبحقد علي البنات إللي بيكلمهم وفي نفس الوقت بيزيد أقناعي أني مش علي القدر الكافي من الجمال .. علشان كده مستهلش نظره منه…
قوليلي يا هنا أعمل أيه .. أنا كنت بعيط دلوقتي ومصدقت لقيتك قدامي وفي نفس الوقت مش عرفه أبطل أرقبه .. ولا عرفه أذاكر .. ولا عرفه حياتي ماشيه أزاي وخاصة أن أهلي كل يوم والتاني بيضغطوا عليا عشان أقابل عريس شكل وأنا برفض بكافة الطرق .. معرفش ومش متخيله حياتي من غيره .. فديني ربنا يسعد قلبك أنا بفكر أموت نفسي وأرتاح…
حينها لم تقدر هنا بمقلتيها المنصدمة الاستمرار في القراءة ب**ت حتي شاهدت تلك الكلمة التي قشعرت بدنها بنفور تام فتحركت يداها بالكتابة سريعاً :
- أستغفري الله يا سمية في الحال .. إللي أنتِ قولتيه دلوقتي يعتبر شرك ..
- تعبت يا هنا تعبت !
- وأيه عرفك أن كده التعب هيروح .. لا بالع** أنتِ أه هترتاحي من مشكلة مش هقول عليها هيفه لان كل شخص وحسب طاقة تحمله بس هتروحي لعذاب أكبر وأكيد .. وهو دخول النار دا غير عدم رضا ربنا عنك ..
- أستغفر الله العظيم ..
- أحسنتِ .. ده أول الصح اللي مفروض تعمليه دلوقتي .. ثانيا بقا أهدي وتعالي نفكر واحده واحده وبطريقة صحيحة..
- حاضر ..
- لو جت ليكي هدية غالية قوي هتعملي أيه فيها ؟
- وأيه علاقة ده بمشكلتي ؟!
- جاوبيني بس هتعملي أيه ؟!
- هحافظ عليها جدا حتي لو كانت قيمتها المادية رخيصة… كفاية أنها هدية وفي حد اصلا قدرني وجبهالي…
- طيب لما ربنا عز وجل بجلالة عظمته هو إللي يعطيكِ هدية قيمتها عالية أوي هتعملي أيه ..
- ربنا ! .. دا أنا هحطها جو عينيه وهحافظ عليها جداً …
- كويس جدا .. طب ربنا أعطاكِ قلبك بمشاعره وعواطفه واحاسيسه ليه محفظتيش عليه .. ليه دخلتيه في مشاعر حرام !
- حراااام !!!!
- أيوه حرام .. لما تستخدميه في حب مش حلالك يبقا حرام .. و عشان كده مفيش بركه ولا رضا من ربنا في الحب إللي حبتيه لأبن جيرانك .. غير أن قلبك بقا زي قطعة الغيار المستعملة ! .. لما استعملتيه في تجربة مشاعرك دي .. وبالتالي لما تيجي تجربي الحلال مش هتشعري بيه لان الشيطان هيجملك دايما الحرام .. غير أنك هتظلمي شخص دخلك من بابك الحلال في مقارنه ظالمه مع إللي قبله.. شخص شافك انسانه ليها قيمتها وعاوز يصونك ويمتد بيكي العمر لتكوني معاه في حياة طبيعية .. مش ناس أكيد فهموا من نظراتك وأفعالك أنك بيتحبيهم وبيستلذوا بجريك وراهم وأهدار كرامتك …
سمية أن مش هقول أنك غلطتي وكنتِ مفروض تغضي بصرك من الأول .. لا هقولك أن الله غفوراً رحيم ..وخير الخطائين التوابين ..
ويمكن ربنا بيحبك وعارف أن جواكِ مش كده واصطفاكِ عشان تتوبي وتقفي مع نفسك وتقاومي حبه وتوقفيه للأبد .. وتبدأي بعدها صح ..
- أزاي ابدأ صح ؟!
- بعد ما طهري قلبك وروحك من حب الشخص ده .. حاولي تقابلي كذا واحد من إللي متقدمينلك واستخيري ربنا فيه لو خير يقربلك ولو شر يبعد عنك .. حاولي تبدأي يا سمية حياة هادية تجربي فيها الحب الحلال مع شخص شايفك جميلة بأخلاقك ، جوهرة غالية في بيتها الكل يحاوطها بعلبة قطيفة ،مش تعملي في نفسك باليتشو بالميك أب في وشك عشان تنولي رضاه .. صدقيني لحظتها لا هتكرهي نفسك ولا هتتمني الموت كفرا وليعوذ بالله من الكراش عليه .. لحظتها هتشعري بأنك ملكة متوجه وحلالك هو اللي بيجري وراكِ ويتمني رضاكِ أو بمفهوم اليومين دول بيكرش عليكِ !
هههههه الكلمة اللي بتستخدموها ومتعرفوش أن معناها الحقيقي في مجتمعنا الأسلامي الشرقي هي أن الكرامة ذُهبت هباءٍ .. ليتبعها حياء الفتيات !!!
اغمضت سمية عينيها بشدة تشعر بهدوء يقتحم روحها ، فأسرعت بتحرك اطرافها بسعادة :
- كلامك لمس قلبي قوي يا هنا .. حسيت أني ارتحت كتير لما فضفضت معاكِ .. حسيت أن ماما وبابا ميستهلوش مني أن أهدر كرامتي وكرامتهم في تربيتي وأن أضيع مستقبلي وتعليمي إللي ضحوا بكل رفاهية متاحه ليهم عشان أوصل للي وصلتله .. ارتحت كتير صدقيني ..
- ولسه يا حبيبتي .. لسه هترتاحي أكتر لما تقومي تصلي ركعتين بنيه ربنا ينزع حبه من قلبك .. صدقيني هتلاقي الراحة إللي ما بعدها راحه…
- حاضر ياهنا هقفل وهقوم دلوقتي بس بالله عليكِ متنسنيش من دعائك ربنا يجزيكِ خير ..
- أن شاء الله وهقوم معاكِ اصلي ركعتين كمان بنية ربنا يصفح عنك ويطهرك من الحب ده .. السلام عليكم
- ربنا يسعد قلبك ومتحرمش منك .. وعليكم السلام ..