رواية انا المفقود الفصل الاول بقلم كريم محمد
بابا وماما عمرهم ما حبوني
وأنا عندي ١٢ سنة، وصلت لقناعة صعبة علي أي حد في سني، إن العالم كله، بما فيهم أهلي، واقفين ضدي.
أنا مكنتش شقي ولا مؤذي، بالعكس كنت هادي، بس هما كانوا دايمًا بيتعاملوا معايا كإني عامل جريمة.
مثلاً
كان لازم أرجع من المدرسة قبل الساعة خمسة، ممنوع أتأخر دقيقة
ممنوع أخرج ألعب، ممنوع أصحابي ييجوا عندي، وممنوع أروح لأي حد
أول ما أوصل البيت، أذاكر فورًا، وأخلص كل الواجبات مهما كانت كتيرة وصعبة.
ولا مرة جابولي لعبة، ولا حتى أتاري من القديم
كانوا بيخلوني أقرأ كتب، وبعدها يطلبوا مني أتناقش معاهم فيها كأنه امتحان.
بس خلينا نسيبهم دلوقتي ونتكلم عن شخص تاني
دكتور فؤاد
الطبيب النفسي بتاع المدرسة.
زي أغلب المدارس الخاصة، كان عندنا دكتور نفسي، قاعد في أوضة لوحده، ومتاح لأي طالب محتاج يتكلم أو يفضفض أو عنده مشكلة.
بس بصراحة، عمرى ما شوفت حد داخله
كل يوم وأنا رايح الكانتين، أبص من شباك الباب، ألاقيه قاعد لوحده، بيكتب أو بيقلب في ورق، وشه هادي شكله طيب، بس كنت حاسس أنه في حاجة غريبة مش مفهومة.
وأنا من جوايا، كنت مش قادر أتحمل البيت ولا القرف اللي أنا فيه
فضلت ٣ أسابيع كل يوم أفكر أدخله، وكل مرة أرجع في كلامي.
لحد ما في يوم من أيام شهر مارس، قررت أكسر الخوف.
دخلتله في الفسحة، وقلبي بيخبط في صدري من الخوف والتوتر.
خبطت علي الباب
بص من الإزاز، ابتسم وشاور بإيده
"اتفضل"
دخلت.
وبدأ يتكلم الأول ويعرفني بنفسه
– إزيك يا حبيبي؟ أنا دكتور فؤاد..
إنت اسمك إيه؟
= سيف
ابتسم، وقالي بصوت هادي أوي
– تحب تحكيلي عنك شوية يا سيف..؟
قعدت، ومش عارف إزاي، لقيت نفسي بحكيله على كل حاجة
عن البيت، عن بابا وماما، عن الزعيق، عن الإهمال عن إحساسي إني مش مرغوب.
هو ما اتكلمش، محاولش يقاطعني، فضل يسمع وهو ساكت، مركز ومربع دراعه على صدره، كأنه بيجمع كل كلمة.
أنا كنت متوقع في الآخر يقوللي
"أبوك وأمك بيحبوك، انت فاهم غلط وووو"
بس مقالش كده
بصلي وابتسم وقال
– بص يا سيف، أنا ممكن أكون أحسن دكتور نفسي شوفته في حياتك
وأنا بوعدك خلال شهر واحد، كل حاجة هتتغير.
= إزاي..؟ إزاي يعني؟ هنغيرهم
– أنا عندي طريقتي الخاصة ده شغلي وأنا راجل بكلمتي
بوعدك، شهر وهتشوف باباك ومامتك بيحضنوك ويبكوا من حبهم ليك.
سكت شوية وقالي
– بس لازم توعدني وعد
= وعد بإيه؟
– إنك ترجعلي بكرة بعد آخر حصة، ومتحكيش لحد عن كلامنا النهاردة ولا كلمة.
ده سر بنا.
بصيتله وقولت
= ماشي أوعدك.
تاني يوم بعد الحصة الأخيرة، روحتله.
كانت الساعة حوالي أربعة العصر، استقبلني بضحكة عريضة أوي، وقالي
– تعال يا سيف، كنت قاعد مستنيك
دخلت، قعدت وهو راح سحب الستارة اللي ورا باب الأوضة، قفل الأوضة وقال
– كده تمام بقى عندنا خصوصية.
فضلنا نتكلم عن حاجات خفيفة بتحب إيه؟ بتكره إيه؟ مين المدرس اللي مش بتحبه؟ بتحب تلعب إيه؟
كلها حاجات عادية جدًا.
بعد شوية، قالي
– تحب تشرب حاجة؟
أنا عندي بيبسي ساقعة
أنا عيني لمعت
عمري ما شربت بيبسي في البيت، كانوا شايفينها غلط علي صحتي زيها زي السجاير.
قالي استنى شوية، وراح ناحية التلاجة اللي في الركن، وخرج بعلبتين بيبسي مفتوحين
اداني واحدة، وشربت
وهو كمان بدأ يشرب.
وبعد كام دقيقة، حسيت بحاجة غريبة
راسي بدأت تتقل، ورجلي مش قادرة تتحرك، الصوت حواليا بيختفي وبسمع وداني بتصفر، ونفسي بدأ يبطأ..
كل حاجة اسودت قدامي .. آخر حاجة شوفتها كانت وشه وابتسامة الهادية.
صحيت
مش عارف أنا فين..
كل حاجة حواليا شكلها مش مألوف.
وأكتر حاجة كانت مرعبة
إني كنت مربوط في سرير وبوقي مقفول بلازق بني
حاولت أتحرك جسمي مش بيستجيب كنت متكتف.
كل عضلة بتصرخ وكل دمعة بتخرج من قلبي مش من عيني.
أنا في مكان غريب
أنا..
أنا اتخطفت.
الفصل الثانى من هنا