رواية أسير العشق الفصل الخامس والثلاثون بقلم نور الهادي
آدم: "مش لازم تشتغلى بره… أي حاجة تعوزيها، أنا هجبها لك.
أسير "وبصفتك إيييه؟"
آدم قرب منها، صوته أهدى لكنه أخطر
آدم: "بصفتي جوزك."
أسير وقفت متجمدة، الغصّة اتصلبت في حلقها، ما قدرتش ترد.
آدم مال أكتر، إيده لمست وجهها، عينه غارقة في عينيها:
آدم: "ده كفاية
لحظة صمت ثقيلة بيبص فى عينها الاتنين قال
-ارجعيلي
أسير سكتت، الصدمة مرسومة على ملامحها وهي بتبص في عين آدم:
أسير: "بتقول كده… عشان أحمد؟"
آدم شد ملامحه أكتر، صوته غاضب لكن ثابت آدم: "مش عايز أسمع اسمه على لسانك… فكرة جوازك منه تنسيها للأبد."
أسير " يعنى عشانه صح كده.... اتطمن يا آدم… أنا مش هتجوز أحمد، ولا حتى بفكر فيه. أنا… مش هتجوز لا منه ولا من غيره. ده يريحك؟"
آدم ثبت نظره في عينيها، وصوته خفضه لكن سخونته زادتآدم: "آه… يريحني يا أسير."
رجعت خطوه بتوتر قالت أسير: "آدم… قولتلك خلاص، مش هتجوزه."
آدم "عاجبك اللي بتعمليه فيا ده؟"
مد إيده ولمس خدها، قلبها خفق بعنف. نظرته كانت مرهقة، لكنها مطروحة عليها بكل الشغف آدم: "مش قادر أبعد عنك… نار في قلبي بتقولي إنك ملكي."
أسير حاولت تكتم دمعة، سحبت إيده من على وشها أسير: "كفاية يا آدم…"
سحبها بس بعدت عنه وقفت في مكانها، عينيها اتسعت لما شافت زياد واقف عند الباب، عينه مدمّعة وكأنه على وشك البكاء، ينقل نظره بينها وبين آدم في صمت مؤلم.
أسير بلهفة "زياد!"
لكن قبل ما تقدر توصل له، زياد جري قدامهم آدم التفت قلب أسير اتقبض من الخوف… الخوف من اللحظة اللي كانت دايمًا مرعوبة إنها تحصل.
آدم: "أسير…"
لكنها دفعت إيده بعيد عنها، مشيت بسرعة وهي تتجنب النظر في عينيه، وكأنها بتقطع الخيط اللي كان بيربطهم للحظة.
أسير دخلت أوضة عمتها، لقتها واقفة قلقانة على صوت عياط زياد وبتهديه وتساله "مالك؟"
لكنه ما ردش. عبير بصتلها وقالت: "فيه إيه يا أسير؟"
ما ردتش، ومشيت ناحيته وقلبها بيرتعش، عينيها بتلمع بالدموع من الخوف والحزن. ما كانتش قادرة حتى تنطق لو كان شافها وهي قريبة من آدم.
قعدت جنبه تحاول تهديه، وقالت بهدوء: "زياد؟"
ما ردش، فقربت منه وأمسكت وشه تخليه يبصلها، وشافت دموعه نازلة. قالت بسرعة "الموضوع مش كده… إنت فاهم غلط، أنا…"
قاطعها زياد "قلتلك تبعدي عنه!"
سكتت من كلماته وبصت له، فقال بصوت مكسور "ليه كلمتيه تاني؟"
قالت بهدوء: "إنت بتعيط عشان كنت بكلمه؟"
رد من غير تردد: "أيوه… أنا قلتلك ما تتكلميش معاه. أنا مش بحبه وعايزك إنتِ كمان ما تحبيهوش، بس إنتِ مش فارق معاكِ انا… وكلمتيه."
سكتت أسير وهي تبص لابنها، وبدأ الخوف والرعب يهدوا جوّاها لما فهمت إنه بس متضايق من كلامها مع آدم، وما شافش قربهم.
قالت له بهدوء: "زعلان عشان كده؟"
زياد: "أيوه… أنا عايزك ما تتكلميش معاه تاني وتبعدي عنه."
قربت منه ولمست إيده بتطمن حضنته فحضنها زياد بقوة، وكأنه نسي زعله كله بس عشان حضنها اللي بيحبه أكتر من أي حاجة.
همست له أسير: "أنا آسفة."
"ما تتاسفيش يا ماما… خلينا نخرج من هنا وخلاص."
"هنخرج بعد بكره… هنمشي."
ابتسم زياد ومسح دموعه، ورجع يحضنها تاني، مبسوط إنها أخدت كلامه بجد واهتمت بطلبه.
آدم كان واقف، ولما شاف أسير قرب منها وسألها بقلق"حصل حاجة؟"
ردت بحدة وهي تبص له "ابعد عني."
استغرب من نبرتها وسأل "فيه إيه يا أسير؟"
قالت وهي ترفع صوتها "بقولك ابعد عني… كفاية! ما تقربليش ولا حتى تلمسني. خليك بعيد خالص. لو المرة دي زياد ما خدش باله، المرة الجاية هياخد… وساعتها هيكون عقاب من ربنا ليا."
آدم اتجمد لحظة قبل ما يسألها "هو حصل حاجة؟"
ردت بعينين مليانة دموع "أنا مش هستنى لما يحصل… مش هستنى لما ابني يشوفني بشكل وحش بسببك. عشان كده، ابعد عني."
آدم خطا خطوة ناحيتها، لكنها تراجعت بسرعة وهي تقول "إياك تقربلي يا آدم… خليك بعيد."
رفعت إيديها كأنها بتبعده عنها، ودموعها نازلة بغزارة "أرجوك… خليك بعيد عني. ما تعملش فيا كده. ما تخلينيش أكون أم حقيرة. ما تخلينيش أشوف ابني بيبصلي النظرة دي… ويحس إن أمه مع راجل تاني. ما تخلينيش صورتي تقع من عينه… ويكرهني. أنا مش هقدر أتحمل ده… مش هقدر أخسره."
سكت آدم لحظة، وبص لها بمرارة "خايفة تخسريه… وأنا لأ؟"
قالت أسير بصوت حاد وهي تبص لآدم "ما تقارنش نفسك بيه… لأنك ما تعرفش زياد، ولا تعرف اللي عملته فيه زمان."
سكت آدم، متفاجئ من نبرة صوتها. دموعها بدأت تنزل، وصوتها ارتجف وهي تكمل
"إنت ما عندكش أي فكرة قد إيه هو عانى بسببي. بيحبني كأمه… لكن ما يعرفش إن أمه حاولت تتخلص منه أكتر من مرة قبل حتى ما يتولد. ما يعرفش العذاب اللي كنت بسببه له، ولا القسوة اللي شافها مني وهو صغير."
آدم ما قاطعهاش، وهي كملت بنبرة مكسورة:
"حاولت أرفضه وهو جوايا… ولما ما قدرتش، حاولت أموته جوا قلبي. ولما جه على الدنيا، كنت بحرمه من أبسط حقوقه… الجوع، الحرمان، الإهمال. أنا اللي كنت أبعده عن حضني، وأسيبه يبكي ليالي طويلة، لحد ما صوته يختفي… وأفتكر إنه سكت، لكن الحقيقة إنه كان بيسكت لأنه فقد الأمل إن حد يسمعه، لأنه ما لاقاش الرعاية اللي محتاجها… لأنه كان بيسكت من جوع قاتل أنا السبب فيه."
وقفت لحظة، ونظرت لإيديها كأنها شايفة ذنبها محفور عليها:
"ولما عاصم كان بيجبرني أشيله وأطعمه عشان ما يموتش… اكتشفت إن الجوع ما بقاش كفاية لقت،له. قسوتي كانت أعمق… لدرجة إني فكرت اقت.له بإيديا. فكرت… اقت.غ طفل. اق.تل روح. أقتل ابني."
-----------
كان الرضيع يبكي في سريره، وحيدًا، لا أحد بجانبه ولا أحد يمد له يد العناية… سوى أسير، التي كانت تشعر بالاشمئزاز من مجرد الاقتراب منه.
مدّت يدها وأمسكت سكينًا، واقتربت منه وهي تقف فوقه على السرير، رافعة النصل بيد مرتعشة وعين دامعة، تهمس بمرارة:
"أنت السبب… ما كانش لازم تيجي."
كان يبكي بصوت مخنوق، لكن ما إن لمحها حتى سكت فجأة، وتحولت عيناه المبللتان بالدموع إلى نظرة بريئة تبحث عن الأمان.
نظرت له أسير بحدة:
"أنت ذنب… ذنب لازم ينتهي."
لكن، عندما أوشكت يدها أن تهوي، تجمدت في مكانها. قلبها كان أضعف من أن يكمل ما بدأت التفكير فيه، فسقطت يدها، وظلت تحدق فيه، عاجزة عن إيذائه.
--------
عادت من غرقها في الذكرى، وقالت لآدم بصوت مبحوح:
"عمري ما قبلته… ولا قربت منه… ولا لعبت معاه. طفولته كلها كانت قسوة مني. عمري ما شاركته لعبة واحدة… ما أخدتهش في حضني وهو بيبكي… ولا حتى لما كان بيقع كنت بشيله. كنت أسيبه يعيط لحد ما يسكت…كنت قسوه بشكل بشكل اخاف منه
بصّت أسير لآدم، ومدّت إيدها تمسك إيده وقالت بصوت هادي:
"عايز تعرف الحرق اللي في ضهري… جه منين؟"
آدم بص لها باستغراب، وهي سحبته معاها لحد أوضة هادئة. وقفت قدامه وأدارت ضهرها، مشيرة لمكان الحرق
"مش من عاصم… ده أنا اللي عملت كده في نفسي."
أغمضت أسير عينيها من إحساس اللمسة، وكأنها رجّعت لها كل الألم اللي عاشته.
سألها آدم بصوت خافت:
"إزاي حصل ده؟"
همست وهي ما زالت تدير له ضهرها:
"كان الحرق سبب… إني فوقت."
---
كان زياد طفلًا صغيرًا، يجلس بين ألعابه وحيدًا، كعادته… منبوذ، لا أحد يقترب منه، وحاله يرثى له كطفل يحتاج إلى حضن ورعاية.
رفع عينيه نحو أسير، التي كانت جالسة بعيدًا، صامتة، لا تنظر إليه.
بدأ يزحف على يديه، يتكعبل في الطريق، ثم وقف بصعوبة… لكنه وقع وأطلق بكاءً قصيرًا من الألم، منتظرًا يدًا تمتد نحوه، ترفعه من على الأرض.
لكن… لم يحدث ذلك. لم يجد من يحمله أو حتى يواسيه.
اعتدل بنفسه، ومسح دموعه الصغيرة عن وجنتيه، محاولًا التماسك.
كان يعيش باستقلالية لا تناسب عمره كرضيع، لا أحد يهتم به أو يلتفت لاحتياجاته. حتى حين دخل المطبخ يتنقل من غرفة لغرفة، حاول أن يقف على قدميه، بينما عظامه ترتعش من الضعف.
مد يده الصغيرة نحو الملعقة، ثم أمسك بطرف قماش، وجلس يسحبه نحوه، يلعب وحده بصمت… كأن العالم كله غاب عنه
كانت الحلة تغلي فوق النار، الصغير يسحب قطعة القماش المعلقة أسفلها وهو يلعب، غير مدرك للخطر. تحركت الحلة على الحافة، ومع شدته القماش بقوة، كادت أن تسقط عليه.
في لحظة خاطفة، اندفعت أسير، تلقى بجسدها بالكامل فوقه، لتغطيه وتحميه.
سقطت الحلة فوق ظهرها، يغلي الألم في جسدها كما يغلي ما بداخلها، لكن قلبها كان مشغولًا بشيء واحد… ألا يمسه أي أذى.
كانت هذه أول مرة تشعر فيها بأمومتها تشتعل في داخلها، أول مرة تتحرك بدافع الغريزة لتحميه بلا تفكير.
أحمرت عيناها من الألم كانها ستنفجر صراخ، لكن يدًا صغيرة امتدت نحوها، تريد أن تمسك بشعرها.
رفعت عينيها لتجد زياد ينظر إليها، لا أثر للخوف في ملامحه، بل متفجأه منها ثم يضحك ضحكة طفولية بريئة وكانه اعتقدها تلعب معه غير مدرك نز.يفها بسببه ولا لو الميا كانت نزلت عليه كانت عملا فيه اى هو فقط لا يدرك باي شيء سوى النظر اليها ويضحك وكأنها معجب بقفزتها فوقه،ضحكة لم تكتمل بأسنان بعد، لكنها اكتملت بجمال لا يوصف ك
في تلك اللحظة، ابتسمت أسير لأول مرة وهي تنظر إليه… أدركت أن الأمومة، مهما حاولت مقاومتها، ستغلبها دائمًا.
ومن يومها، بدأت تحتضن زياد، وتحاول تقبله… فقد شعرت أن حياتها ارتبطت بمسؤوليته، وأن هذا الصغير صار أثمن ما لديها، فقط لأنه كان في خطر، وهي اختارت أن تحترق بدله.
--------
عادت أسير من غرقها في ذكرياتها الدفينة، وعينيها معلّقة بانعكاس وجهها في المرآة.، قالت بصوت هادئ لكنه مشبع بالألم:
"اليوم ده… فوقت. عرفت إن قلبي ضعيف قدامه… حبيته. ماعدتش أشوفه ابن عاصم، شوفته ابني، واتقبلته."
ابتسمت ابتسامة حزينة وهي تكمل "برغم كل اللي عملته فيه… زياد كان بيحبني. لما كان طفل، شاف عاصم مرة بيضربني، وجري عليّ من غير ما يفكر، وحضني. من ساعتها… عاصم بعد عني، ممدش إيده عليّ تاني. يمكن لأنه شاف الكره وهو بيتخلق في قلب ابنه، وده أكتر حد كان عاصم بيهتم بيه… سواء في فترة جنونه أو بعد ما رجع له عقله."
خفضت أسير رأسها، وصوتها صار أهدأ وكأنها تحكي سرًا ثقيلًا:
"من الأسباب اللي خلتني أخبي كرهي لعاصم وأحاول أسامحه… كان زياد.
عاصم كان بيهتم بيه جدًا، وكان قدامه بيتحول لشخص تاني… شخص خاضع وهادي. حتى في الأيام اللي كنت بكرهه فيها، كنت بشكره جوايا إنه بيجبرني أطعمه، لأني مش عارفة إزاي كنت هعيش بذنب زياد لو حصله حاجة."
تنهّدت، وأكملت: "عاصم كان بيحب زياد حب غريب… كان يجيب له كل حاجة علشان يعوضه عن أمه اللي بتكرهه. قدمه في أحسن مدرسة، ولما كان يغيب عن البيت، أول حاجة يعملها لما يرجع إنه يدخل يطمن عليه. كان يقعد معاه بلطف وحب… عكس عصبيته مع أي حد تاني، حتى مع أقرب الناس ليه.
يمكن هو السبب إن زياد لسه سوى لحد دلوقتي… يمكن أنا ما اديتهوش كل الحب، لكن أشكر عاصم إنه ما خلانيش أخسره."
رفعت أسير عينيها ببطء وكأنها تتأمل شيئًا بعيدًا:
"وزياد… حبني، وهو مش عارف الحقيقة. مش عارف قد إيه أمه كانت بتكرهه زمان… ولا عارف اللي حاولت أعمله فيه."
كانت دموع أسير تنهمر وهي تسترجع الماضي كأنه شريط حي أمام عينيها، قالت بصوت مختنق:
"بسبب حبي ليك خلانى كمت هقتل ابني. بسبب اللي حصلي، شوفته ذنب لازم أتخلص منه. نسيت الرحمة… نسيت الإنسانية. نسيت إن زياد مظلوم زيي، وإنه نسخة من اللي حصل ليا… مش نسخة من عاصم. هو نسخة من الضحية… لكن الفرق إني كنت أنا عليه كمان."
اقترب منها آدم، وأنزل بلوزتها برفق ليغطي أثر الحرق، وكأنه يحاول إخفاء ألمها قبل أن يراه العالم. نظر إليها وسأل بصوت متحشرج:
"ليه سكتّي؟ ليه ما حاولتيش تتواصلي معايا؟"
ابتسمت أسير ابتسامة يائسة وقالت
"عاصم… اللي نفوذه واصل لكل مكان، ما قدرش يوصلك. تفتكر أنا كنت هعرف أوصلك يا آدم؟"
تغيرت ملامح آدم فجأة، وصوته علا بغضب مكتوم:
"يبقى ليه سبتيني أمشي؟ ليه عملتي فينا كده؟ لييييه؟!"
رفعت أسير عينيها نحوه، والدموع ما زالت تسيل على وجنتيها، وقالت بصوت ممزوج بالانكسار:
"عشااان… عمرك ما كنت هتقدر تستحمل وجودي معاك."
اقترب آدم منها، صوته كان مليان مرارة وغضب:
"إنتِ… إنتِ اللي تخليتي عني. إنتِ اللي أوهمتيني بكل حاجة حلوة، وبعدين كسرتيها بإيدك. أنا اضطريت أمشي بسببك… لما عرفت إنك هتتجوزيه… لما شفتك معاه في الشقة… لما سمعت صوتكم!"
مسكها آدم بعنف عاطفي، ودموعه تتجمع في عينيه، وأشار إليها وكأنها هي جرحه الأعظم:
"إنتِ السبب يا أسير في بُعدنا… في الفجوة اللي بينا. أنا عانيت، فاهمة يعني إيه أعيش بالعذاب ده؟ إنتِ خنتيني… أنا فقدت الثقة في الناس… في نفسي! لما لقيت الخيانة منك ومن أخويا!"
رفعت أسير عينيها وقالت بحدة مخنوقة:"خيا.اانة؟! فى خيانة ناتجة عن اغتصا.ب!"
لكن آدم رد وهو يهز رأسه بمرارة "حتى الاغتصاب… شكيت إنه يكون حقيقي."
اتسعت عينا أسير من الصدمة، دموعها سالت أكثر وهي تنظر له غير مصدقة، لكن آدم أكمل بصوت مكسور:
"يومها نزلت عشان أصالحك… بسبب كلام طلع مني بالغلط. فجأة عرفت إنك هتتجوزي… هتتجوزي أخويا اللي اغتصبك! ما أخدتش وقت… حتى بعد الطلاق بيوم واحد، في أول فرصة… رحتي له! ده يثبت إيه يا أسير؟ غير الخيانة؟"
رفع يده وكأنه يمسك برأسه ليمنع عقله من الانفجار:
"أنا عشت بكوابيس… ليلة ورا ليلة. كنت بتخيل… في غيابي وأنا بشتغل، أخويا بيتهجم على مراتي. وأنا عارف إنكم زمان كان في بينكم حب… جالي هواجس إنك كنتِ مبسوطة… أو حسّيتي نحوه بمشاعر! فاهمة حجم اللي أنا عشته؟ فاهمة إزاي عقلي ما جننش؟!"
اقتربت أسير خطوة للأمام، وصوتها يخرج ضعيف لكنه قاطع:
"ولما إنت كنت شاكك إني خنتك… ليه ما قتلتنيش؟"
سكت آدم، وعيناه تلمعان بضعف لم يره أحد منه من قبل، وكأنه للحظة فقد قدرته على الكلام.
اسير"ما قتلتش مراتك الخاينة ليه يا آدم؟ ليه ما ريحتش نفسك مني؟"
ادم "لأن حبي ليكي يا أسير… كان أكبر من أي جرح. مكنش حب عادي… حب يخلي إيديا تتلوث بدمك؟ مقدرش أؤذيكي… حتى بخيانتك. أنا أضعف خلق الله قدامك."
اسير "حب؟! فين الحب ده يا آدم؟ فين الحب اللي بتتكلم عنه؟ إنت ما عانيتش، إنت مش حاجة قدام معاناتي. إنت قت.لتني فعلًا… قت.لتني يوم مشيت وسِبتني أغرق في العذاب. وقت ما أنا… رغم كل اللي حصلي… كنت بفكر فيك، وكأن كل همّي في الدنيا هو إنت!"
ادم "… أنااا…"
قالت أسير بعينين تلمع بالغضب
"آههه… إنت! إنت اللي أنا حسيت منه بالقرف… أنا اللي رفضته، أنا اللي قرفت من قربه، أنا اللي طلبت الطلاق واخترت راحتك إنت قبل نفسي. كنت خايفة عليك… مش عايزاك تعاني بسببي، وبسبب إن عاصم ما كانش هيسيبك ولا هيسيب ابنه، وكان هيطاردنا لحد ما نهايتنا تبقى أسوأ. خليتك تطلقني، ولما حاولت أجهض عشان أخلّصك من تهديده… ما لقيتش دكتور واحد يرضى، لأن العملية كانت هتقتلني أنا والطفل.… اخترت إني أتجوزه غصب عني. ويوم ما طلعت الشقة… كنت منهارة، كنت ببكي، اترجيتك يا ادم اترجيتك كتير… لكن إنت، بأقرب فرصة، اديتني ضهرك ومشيت."
شاورت عليه بعينين بتلمع بالدموع
"إنت غدرت بيا… وتخلّيت عني… سبتني أتعذّب لوحدي، سبع سنين كاملة وأنا غارقة في الجحيم… سبع سنين من الوحدة والقهر، وإنت؟ جاي النهارده بكل بساطة تحكيلي عن معاناتك؟ جاي تقول لي نتجوز ونرجع؟! ليه يا آدم؟ مش كنت شايفني خيانة من الأول؟ ولما اتجوزت عاصم فجأة بقيت عندك واحدة شريفة؟! نت قتلتني أكتر من عاصم… هو قتلني بجسدي، وإنت موتتني يوم ما مشيت… مشيت من غير حتى ما تبص وراك، ولا تعرف أنا عشت إيه بعدك. قفلت صفحتي كأني خطأ بتحاول تمحيه من حياتك، كأني مرض هربت منه. إنت اخترت نفسك… والحد اللي اخترت تتخلى عنه كان أنا. في الوقت اللي كنت بفكر فيك فيه، إنت كنت بتتخلى عني. في الوقت اللي كنت أنا فيه بتموت كل يوم هنا، إنت كنت عايش وبتنجح برا
بصيتله وقالت - لو هنتكلم عن العذاب، مفيش حد اتعذب هنا غيري أنا… أنا اللي دفعت الثمن، وأنا اللي اتخليت… وإنت اللي اخترت تمشي.
وحب إيه بقى اللي بتتكلم عنه؟! لو في حب هنا… فأنا كنت ضحيته، أنا… أنا بس اللي حبيت، وهوايا كان الجريمة الوحيدة اللي ارتكبتها."
ادم "أنا عمري ما اتخلّيت عنك يا أسير… أنا كنت—"
قاطعته وهي تبصله بحدة ودموعها بتنزل: "إنت سيبتني يا آدم… سيبتني لوحدي."
مد إيده ناحية وجهها، لكنه وقف في منتصف الطريق… مش قادر يمسح دموعها، لأنها ببساطة كانت منه، والحزن اللي جوّاها كان أكبر من أي لمسة.
قال بصوت واطي كأنه بيعترف: "أنا عمري ما بطّلت أحبك."
رفعت عينيها ليه، "بس… اتخليت يا آدم؟"
ما قدرش يرد… قرب منها وخدها في حضن قوي، حضن مليان بالشجن وكأنه بيحاول يعوض سنين الغياب. ضغطها على صدره وهو بيكبح دموعه بالعافية. همس وسط العناق: "كفاية… ما تحكيش أكتر من كده."
قالت بمرارة: "إنت اللي كنت عايز تعرف… كنت عايزني أتكلم."
أغمض عينيه وقال وهو بيشد أنفاسه: "بسحب كلامي… متكمّليش… مش قادر أسمع أكتر."
اسير- أشفقت عليّ؟"
ادم "أنا بتحرق عشانك… قلبي بيقتلني."
سند راسه على شعرها وتنهد بحرقة، وكأنه بيحاول يفرغ وجعه في النفس اللي خرج منه.
قالها آدم بصوت مرتجف "سمحيني يا أسير… اغفري لي."
ما ردتش… وبعدت عنه خطوة، لكن إيده لحقت إيدها، قبض عليها بحزن وندم وهو بيهمس. "اغفري ذنبي… وخلينا نرجع. أنا مش قادر أعيش سنة تانية في العذاب ده… أنا عايزك معايا، عايزك تبقي مراتي."
نظرت له أسير طويلًا… نظرة صامتة مليانة مشاعر متناقضة، وبهدوء سحبت إيدها من قبضته.
رمقها آدم بعيون متسائلة، وقال:
"ليه؟… ليه يا أسير؟"
همست وكأن الكلام بيطلع من جرح مفتوح "صعب يا آدم… صعب...مش هقدر يا آدم."
بصلها بجديه وسالها "مش بتحبيني؟"
سكتت… لأنها عارفة لو قالت "لأ" هتبقى بتكدب. وأخيرًا قالت بصوت خافت:
"حب مسموم… مليان جروح… أنا مش عايزة أعيشه. الندبة دي هتفضل كبيرة جوانا."
ادم "قادرين نمسحها… أهو أنا هخليكي تنسي كل حاجة، ونبدأ من جديد… زي ما خليتك تحبيني مرة، أقدر أخليك تنسي."
سكتت… لأن جرحها من عاصم قدرت تمحيه لما حبت آدم. لكن دلوقتي، وهي تبصله، قالت بهدوء موجوع:"المرة دي… الجرح منك إنت."
سكت آدم بعد كلماتها الأخيرة
اسير "الجرح كبير يا آدم… مستحيل يتشفى لا باهتمامك ولا برجوعك. صعب… لأنه مش جرح عادي تقدر تعالجه زي اللي فات. أنا دلوقتي مشوهة… مضيّعش وقتك معايا."
استدارت لتغادر، لكن صوته لحقها -عمري ضاع في حبي ليكي… تفتكري ههتم بالوقت في رجوعك؟"
توقفت لحظة قالت "ده لو كنت نفس آدم بتاع زمان… يمكن كنت أصدقك."
اقترب خطوة منها، يسأل "ليه… مش شايفاه؟ ليه مش قادرة تشوفيه؟"
اسير " الخوف... قلبي مبقاش يؤمن بيك من ساعة ما سبتني… والأمان اللي كان جوايا راح معاك. حتى منك… بقيت أخاف الغدر."
ثم أدارت ظهرها، تمشي مبتعدة. آدم وقف مكانه، عينه معلقة بطيفها المكسور
وقف في نص الأوضة للحظه عيناه تلف على الجدران الفاضية… لا كلارا، ولا أثر من أغراضها. فراغ موجع كأنه صدى غيابها بيملى المكان. شد نفس عميق، وكأنه بيحاول يثبت نفسه من الانهيار. خرج من الأوضة بسرعة، لقى أمه واقفة. سألها بصوت متوتر:
– … فين كلارا؟"
– "مشيِت… من امبارح."
وقف باستغراب قال– "مشيِت؟"
– "آه… مقدرتش أقولك، كنت برا."
سكت آدم، ما ردش. رجع أوضته تاني، عمل مكالمة، استنى يرن، قلبه بيرتعش على أمل تسمع صوته… لكن الخط قطع
فؤاد كان ماشي فوق الكوبري، خطواته هادية لحد ما لمحت عينه عربية واقفة قريب. لما قرب، شاف آدم جوه. ابتسم وهو يقول بسخرية خفيفة:
– "إيه القلق اللي عامله في الحارة ده؟"
آدم ما لفش– "قلق إيه؟"
ضحك فؤاد وقال:
– "الناس كلها ماسكة رجوعك لبانة، من العربيات والسواقين لحد زميلتك اللي معاك. بقولك إيه… دوروا لحد ما جابوك والصدمة لما عرفوا شركتك. يعني في أي وقت، ممكن يجيلك خبر… شركتك بتولع."
آدم وقف قدام فؤاد، عينه مليانة جدية وصوت فيه مرارة:
– "قولي يا فؤاد… أنا ناجح قدامك؟"
استغرب فؤاد من سؤاله – "إيه الكلام ده يا آدم؟"
– "أنا كده ناجح؟ ولا ورا النجاح ده فيه خسارة أكبر… نفسي؟"
سكت فؤاد لحظة،آدم ساله
– "جاوبني… أنا مبقتش آدم بتاع زمان. بصلي كويس… دور عليا فيا، لسه موجود؟"
تنهد فؤاد وقال بصدق – "إنت وهو مختلفين يا آدم. إنت اتغيّرت… وأنا قلتلك ده يوم كنت عندي."
آدم رفع عينه فيه غضب مكتوم – "ومش من حقي أتغيّر؟ مش من حقي بعد اللي اتغيّر في حياتي أبقى شخص تاني؟ اقتل المغفل اللي جوايا، وأدفنه… وأبني واحد غيره؟"
– "إنت عمرك ما كنت وحش يا آدم. حتى لما اتغيّرت، مفيش فيك وحشية. أي تغيّر بييجي من جرح، من وجع… وده حقك. لو ما اتغيّرتش، كنت هتبقى مغفل. وإياك… إياك تقارن نجاحك بخسارتك. إنت موصلتش للي إنت فيه غير بعد عذاب وتعب. وده مش خسارة… ده ثمن."
آدم قال بصوت متقطع فيه وجع:
– "عملت معاصى كتير يا فؤاد…"
فؤاد اتجمد مكانه، عينه اتسعت من الصدمة، وكأنه مش قادر يصدق إن صديقه بيقول كده. اتنهد وقال بهدوء:
– "كلنا بنغلط يا آدم… محدش فينا معصوم من الغلط."
آدم– "الغلط غير المعصية، فؤاد. الغلط ساعات بييجي من ضعف، من جهل… لكن المعصية؟! المعصية ببقى عارف… وبختار!"
سكت فؤاد، عينه راحت للقدام كأنه مش لاقي رد.
فؤاد – "ريح قلبك يا آدم… فك الحصار اللي انت حاطه حوالين نفسك. اعمل اللي بيقوله قلبك… لأنك واضح إنك بتتعذب من ساعة رجوعك. وأنا عارف السبب."
فؤاد كمل:
– "ارمي خوفك بعيد… وحطه قدام رغبتك. اسأل نفسك سؤال واحد… اتخيل عمرك كله عدى وهي مش معاك… هتبقى مرتاح؟ ولا هتفضل ميت من جوه؟"
آدم شد قبضته بقوة، قرب فؤاد منه، وقال بهدوء وحنان:
– "اسمع لقلبك يا آدم… اسمعله قبل ما يضيع منك كل حاجة."
آدم بصّ لفؤاد قال– "انت متعرفش… متعرفش أنا عملت إيه. أنا أكبر سبب في معاناة البني آدمه اللي حبيتها. يوم ما طلّقتها… رميتها بأفظع كلام يطلع من لساني. ويوم ما اتخضّيت… سبتها تواجه عذاب أكبر مني ومن عاصم نفسه."
فؤاد – هل كنت عارف؟ كنت فاهم حجم اللي بيحصل وقتها؟"
آدم هز راسه بعجز – "لأ…"
فؤاد – "يبقى مش ذنبك."
آدم رفع عينه فجأة وصوته اتشرخ – "أمال ذنب مين يا فؤاد؟! لو اللي حصل ده كله مش ذنبي ولا ذنبها… يبقى ذنب مين؟!"
فؤاد قرب منه، وحط إيده على كتفه بقوة، وقال بصوت هادي كأنه بيحط الكلمة الأخيرة:– "ذنب القدر يا آدم. القدر هو اللي لعب لعبته. لكن إنت؟! مش ذنبك… افهمها. أهم حاجة إنك دلوقتي عرفت الحقيقة. عرفت إنك ماكنتش المجرم اللي عقلك بيصوره."
آدم قال بخفوت، عينه نازلة للأرض- "بس… متأخر."
فؤاد – "طول ما انت لسه بتتنفس… معاك وقت. متقولش متأخر. بلاش تضيع نفسك أكتر من كده، يا صاحبي. صدقني… ده وقت راحتك. وقت ما تسيب الدنيا وجروحها وتدي لنفسك فرصة ترتاح."
آدم سكت، وكأن الكلمة الأخيرة علقت جواه
في هدوء المساء، جلست أسير ساكتة، عينيها تائهة في الفراغ، تتنقل كل لحظة ليدها الفارغة كأنها بتفتّش عن شيء ضاع منها ومش راجع.
دخل زياد بخطوات صغيرة، صوته مليان براءة:
– "ماما… أنا كتبت صح."
ابتسمت ابتسامة باهتة، لكن عينيه التقطوا دمعة خفية حاولت تخفيها. سألها بصوت قلق:– "ماما… في إيه؟"
هزّت رأسها بسرعة، وقالت بخفوت:
– "مفيش يازياد…"
– "أنا عايز أنام."
أشارت له يجي يقرب، فزحف بجانبها. سحبته لحضنها، وهو يغرق فيه بكل حب وراحة. مسحت بيدها شعره الناعم بحنان، كأنها بتمسح عن نفسها تعب السنين.
ثم مالت برأسها، وأسندته على رأسه الصغير… كأنها تحتضن ذاتها الثانية.سالَت دمعة دافئة على خدها، أغمضت عينيها، وانكمش قلبها بين وجع الماضي ونعيم اللحظة. كانت تحضنه وكأنها تخشى أن يختفي لو تركت ذراعيها ترتخي.
في صباح اليوم التالي، كانت أسير واقفة في المطبخ، بتتحرك بخطوات هادئة. وهي لسا بتلف، اصطدمت فجأة بـ آدم.
تجمدت للحظة، عينيها رفعت ليه، ما شافتهوش من آخر مرة جمعتهم المواجهة المؤلمة.
قال ادم – "غيري هدومك… خارجين."
نظرت له بدهشة، الكلمات وقفت في حلقها:– "خارجين؟!"
اكتفى بنظرة ثابتة وقال – "هستناكي بره."
مشي… سابها وسط صمتها وحيرتها.
خرجت بعد دقائق، لقت العربية واقفة وهو مستنيها. قالت
– "في إيه يا آدم؟"
– "اركبي."
ترددت، ثم قالت – "عايز أعرف… رايحين فين؟"
أجاب بهدوء – "هتعرفي لما نوصل."
سكتت… وعينيها اتعلقت بيه لحظة، ركبت وهنا، أدرك آدم من فعلها إنها لا تثق به… ولا تخاف منه. هي فقط بتسلمه أمرها، كأنها متأكدة إن حتى لو أخدها للجحيم، مش هيأذيها.
وبينما كان بيدور العربية، لمح أمه واقفة على الباب… بتبص له بابتسامة خفيفة تدعمه وتظعى ربها يريح قلبه
وقف آدم قدام المبنى ونزل من العربية، بصت له أسير باستغراب. فتح لها الباب بنفسه، نزلت عينيها تعلقت بالمكان قدامها: مبنى محاط بجنينة كبيرة، ملامحه تشبه فيلا خاصة، هدوء يلفّه من كل جانب.
آدم اكتفى إنه يشاور لها تمشي معاه.دخلوا سوا… ظهرت امرأة أنيقة، شعرها قصير ولمسة رُقي باينة في ملامحها. ابتسمت ابتسامة دافئة وقالت:
– "أهلًا آدم بيه… سعيدة جدًا إني قابلت حضرتك."
آدم بص لاسير بتعريف – "أسير…"
المرأة مدت إيدها بابتسامة مريحة:
– "إزيك يا أسير."
كان في نبرة صوتها هدوء غريب، يزرع راحة غير متوقعة في قلب أسير، لدرجة إنها سلمت عليها من غير ما تحس بنفسها.
قالت روزالين بلطف:
– "خلينا نتكلم جوه أفضل."
قادتها لغرفة زجاجية بتطل على مساحات خضراء واسعة، والإضاءة خافتة بشكل مريح. في وسط الغرفة كان فيه كرسي هزاز مريح.قعدت وقالت
– "إنتي مين؟"
ابتسمت روزالين وقالت– "باين إنك متعرفنيش… وده حقك. أنا روزالين، دكتورة نفسية."
أسير كانت عينيها معلقة في آدم الى جابها هنا قالت
– "أنا مش عايزة القعدة دي."
ابتسمت روزالين بهدوء وهي تميل بجسدها للأمام:
– "الحدة ملهاش لزوم يا أسير… دي مجرد قعدة. مفيهاش إجبار."
– "أنا عايزة أمشي."
قالت روزالين بنبرة ثابتة – "لو ده هيريحك، امشي. لكن… جربي الأول. لو مش هتفيدك بحاجة، مفيش داعي تكملي."
– "أكمل في جلسة للمجانين؟"
ابتسمت روزالين بصدق وقالت – "اللي بيجوا هنا مش المجانين… اللي بيجوا هنا ضحاياهم
تجمدت ملامح أسير عند الكلمة الأخيرة. لأول مرة حسّت إن حد لمس الحقيقة اللي جواها
وزالين– "تحبي تحكيلي… إيه اللي خلاك تحسي إنك ضحية؟"
أسير غمضت عينيها، وصوتها ارتجف:
– "ضحايا… أنا كنت ضحية لما اتجوزته غصب عني.
سألتها روزالين بلطف:
– ايه أصعب إحساس عشتيه في الفترة دي؟"
ردت أسير – "القهر… كنت حاسة إني مش إنسانة. مجرد جسد محبوس، نفسيتي كانت بتتحطم. كنت بصرخ جوايا ومحدش سامعني."
اقتربت روزالين بسؤال أعمق:– "ولما كنتي بتكتمي كل ده… إيه كان بيحصل جواك؟"
قالت أسير بصوت متقطع:– "كنت بكره نفسي… كنت بحس إني صغيرة جدًا وضعيفة. ومش قادرة أنقذ نفسي."
سألت روزالين بهدوء – "طيب… غير قهر عاصم، إيه أكتر حاجة جرحتك بجد؟"
سكتت أسير لحظة قالت
– "لما عاصم واجهنى بالحقيقه الى بخليها عن نفسي وبحاول أهرب منه عشانها
-حقيقة اى
-إنه ادم اتخلى عني…
نظر لها ادم من قولها
اسير- لما مشي وسابني. كنت فاكرة هيحميني… بس هو كمان سابني. وده كان أكبر جرح. عاصم قتلني كل يوم، لكن آدم… آدم قتلني في لحظة."
أسير راحت بظهرها للكرسي الهزاز، عينيها تعلقت بالسقف… كأنها بتشوف شاشة كبيرة عليها شريط حياتها.
– "كل حاجة راجعة… صور… أصوات… حتى ريحة الأيام."
آدم واقف، كأنه حجر، لكن كل جملة من أسير بتسقط عليه زي طعنة
روزالين بصوت رقيق، كأنها بترشدها للطريق – "اتكلمي يا أسير… سيبي الصور تتحرك جواكي، وقوليلي شايفة إيه."
أسير أغمضت عينيها، ودموع سالت من طرف جفنها:
– "شايفة نفسي يوم ما طلعت من شقة عاصم… كنت ببكي ليلتها زي طفلة ضايعة. قلبي كان مكسور… كنت لوحدي. كنت مستنية أي حد يمد إيده… حتى إنت يا آدم… كنت بتمنى أشوفك بس… لكنك اخترت تديلي ضهرك وتمشي."
صوتها ارتجف أكتر، وبقت كلماتها زي خيوط متقطعة:
– "فاكرة صرختي جوايا وانا بنادى بادم وهو مش سامع… فاكرة إزاي حسيت إني مش مرغوبة، إني عار… كنت بقول لنفسي أنا السبب، يمكن أنا السبب إنك مشيت. يمكن أنا اللي مش كفاية…"
روزالين – "ولما حسيتِ إنك مش كفاية… عمل ده فيكي إيه؟"
أسير وحطت إيدها على صدرها – "كسرني… كسرني بطريقة حتى جسمي ما حسهاش. بقيت حية ميتة. أبكي في حضن الوسادة لحد ما أبقى غرقانة."
روزالين بصت لأسير نظرة تفهم وقالت:– "إنتي شايلة جواكي غضب… غضب على عاصم… وغضب أكبر على آدم. لو الغضب ده اتحول لكلام… هيبقى إيه؟"
أسير فتحت عينيها فجأة، ودموعها مشيت بحرارة على خدها، وبصت للسقف كأنها بتكلم روحها – "كنت عايزة أصرخ في وشه… وأقول له ليه؟ ليه تسيبني؟ ليه تموتني وإنت حي؟ ليه تخلي حياتي تتحول عذاب وأنا كنت عايشة على إني جنبك؟ ليه تبقى أملي وفي لحظة تاخده مني؟"
كملت – "كنت عايزة أصرخ… بس ماقدرتش. خزنت كل حاجة جوايا… واللي اتخزن كان أكبر مني… أكبر من أي علاج."
آدم كان يتألم روزالين رفعت عينيها ناحيته بسرعة، كأنها رصدت انهياره، لكنها فضلت ساكته. كل اللي يهمها دلوقتي إن أسير تفضي الكتمان اللي عايش فيها سنين.
قرب آدم منها وقف قدام أسير قال- انا اسف
روزالين رفعت إيدها بهدوء، وأشارت لآدم:
– "استاذ ادم ممكن تقرب اكتر منه
آدم قرب أكتر منهل وبقا بجوارها أسير نظرت إليه تعلم إنها المته بكلامها قالت
-لى جبتنى هنا مم الأول
-محتاجين احنا الاتنين
روزالين بنبرة حازمة لكن دافئة:– "أسير… الشخص اللي أذاك واقف دلوقتي قصادك… وهو محتاج يواجه نفسه قبل ما يواجهك. شوفيه… اسمعيه… لأن دي أول مرة يمكن تسمعي الحقيقة من قلبه."
آدم أخد نفس عميق ورجع قالها بصدق-انا آسف
اسير- ادم وقف الى بيحصل
نزل على ركبته قدامها بصتله قالت – "إنت بتعمل إيه يا آدم؟!"
آدم – "بعمل اللي كان لازم أعمله من سبع سنين… أنا آسف
روزالين قربت كلامها كأنها بترسم خط واضح:– "الشخص اللي أذاك واقف قدامك دلوقتي، وبيعتذر… شوفيه. خليكي هنا… ما تهربيش."
أسير صامته وآدم قال – "آسف؟! آسف عن إيه يا آدم؟ عن ليلة موتتني فيها وأنا عايشة؟ عن كل دمعة كنت ببكيها لوحدي؟ عن كل لحظة كنت بتمنى ألاقيك جنبي وما لاقيتكش؟"
آدم هز رأسه، وكل كلمة منها كانت زي سكين – "آسف عن كل ده… عن كل جرح عملته فيكي… عن كل مرة اخترت ضعفي على حبك… عن إني سبتك لوحدك في أتعس وقت في حياتك."
روزالين بهدوء، وهي تراقب اللحظة – "قوليلها يا آدم… قولها اللي جواك من غير خوف."
آدم – "أنا كنت معمر… أنا اللي ضيعتك… ضيعت نفسي معاكي يمكن مكنش ذنبنا بس غلطت انى مفضلتش غلطت انى مخدتكيش منه غصب عنك لماىلقيت بتعملى الغلط… النهاردة مش طالب غير حاجة واحدة… اغفريلي يا أسير."
مد ايده يمسك ايدها واسير مش بتبصله
روزالين– اسير... أحيانًا الغفران مش عشان اللي قدامك… الغفران عشان قلبك يلاقي راحته
آدم كان واقف قدامها– أنا عانيت بعيد عنك السبع سنين اللي بعدت فيهم عنك كانوا موت بطيء. كنت فاكر إني بنساكي، بس الحقيقة إني عشت كل يوم وأنا موجوع بيكي."
وقف لحظة كأنه بيتعذب من جوة، وقال وهو بيشاور على قلبه – "كل حاجة قدامي كانت بتقولي إنك مش عايزاني. لكن لما رجعت… ولما شفتك… اكتشفت إن رجوعي كان أكبر سبب إني أعرف الحقيقة. لو ما رجعتش… كنت هافضل جاهل بيكي، وباللي حصل، وبنفسي."
اتنهد تنهيدة تقيلة، وكمل: – "حقك عليا يا أسير… الحق اللي ضيعته. كل لحظة كنت بعيد عنك، كنت ندمان على الكلمة اللي طلعت مني… على الوجع اللي سبته جواكي. بس في نفس الوقت… كنت شايف صورتك مع عاصم قدامي، وكان بيقتلني إحساس الغدر."
قرب أكتر، صوته بقى أوطى كأنه بيعترف:
– "كل حاجة كانت متلفقة… كل حاجة غلط. ارتكبت إثم كبير… وأنا مش قادر أعيش بيه. محتاج غفرانك يا أسير… محتاجك تسامحينى
أسير سابت عينها تدمع، اتنهدت وقالت– "مسامحاك يا آدم."
خفضت أسير رأسها، إيدها الرقيقة لامست إيده المرتجفة
– "بلاش تحس بكده… أنا مسامحاك يا آدم. وقف وجعك هنا… كفاية عذاب، كفاية تحمل. أنت اتظلمت كتير."
رفع آدم عينيه لها، قال– "أنا عايزك معايا…"
هزت رأسها بالنفي، تنهدت وقالت:– "الغفران مش رجوع، يا آدم. أنا سامحتك… لكن مش هقدر أرجع. مش عايزة أظلمك تاني… ولا أظلم نفسي. أنا مش قادرة أكون معاك."
شدّ أنفاسه بقهر، صوته اتكسر – "ليه يا أسير؟ ليه؟"
قبل ما ترد، تدخلت روزالين بهدوء وهي تنظر لآدم مباشرة:
– "كفاية يا آدم… أسير اديتك السماح، وده أول خطوة في خلاصك وخلاصها. الغفران بداية حياة جديدة… مش معناه إن الطريق لازم يكمل مع بعض. أحيانًا البداية الصح… بتكون في إن كل واحد يلاقي نفسه بعيد عن التاني."
آدم بص لأسير… شافها لأول مرة مش كحبيبة ضاعت منه، لكن كإنسانة قدرت تقف وتسامح رغم كل الجراح. دمعة ساخنة نزلت منه، مسك إيدها للمرة الأخيرة… وبهدوء سابها.
روزالين مدت الكارت لأسير – "خدي وقتك… وفكّري. لو حسيتي إنك محتاجة تفضفضي أو ترجعي تاني، أنا موجودة. العلاج مش قرار لحظي، هو رحلة. وأنا أتمنى تكملي… لأنه هيفرق معاكي جدًا."
مدّت أسير إيدها بتردد وخدت الكارت
– "مش عارفة لو عندى امكانيه أكمّل جلسة تانية…"
ابتسمت روزالين – "آدم بيه دفع أكتر من حق الجلسات… لحد ما تستكفي. انتي بس ركزي على نفسك. أول ما تحسي إنك محتاجة، الباب مفتوح."
داخل السيارة الطريق كان ساكت إلا من صوت المحرك. أسير بصّت من الشباك كأنها بتحاول تهرب من اللي جواها تليفونها رن بتبص أسير بس بتقفله ومتردد نظر لها ادم بيرن تانى وهي مش بترد بيقولها ادم
-مين
بتقوله اسير- مش حد مهم
خد منها التليفون بصيتله قالت-ادم
بيفتح المكالمه ظنا إنه احمد او حد بيضايقها
-الو مدام اسير بكلمك من المستشفى
وقف آدم وبص لاسسر الى قالت-نعم يدكتوره
-حاولت اتواصل معاكى كتير من شهر عن العلاج لازم تستمرى عشان ضمور الرحم عندك بقا فى حاله مش لطيفه وإنك احتمال كببر متخلفيش تانى بسبب الدوا الى كتير بتاخديه انا حذرتك قبل كده توقفيه لكن مع استمرارك ليه سببلك وقف
رفع آدم نظره إلى أسير الى عندها برود- تمام يادكتور عارفه كده
- اتمنى تكملي علاج ع الاقل حالتك تتحسن من سلبيات الى عادت عليكى
بتقفل معااها وآدم ينظر الى أسير قال-اى الكلام ده
بتقولو اسير- مسمعتش
بيقول ادم-يعنى ضمور ف الرحم اى الى كنتى بتاخديه يا اسير
اسير- أدوية منع حمل
نظر لها بشده بتقولو أسير- أسأت استخدمها وكنت باخدها كل شويه
ادم-ليه
-عشان محملش منه تانى
سكت وهو ينظر إليها قال - بتقولك مش هتقدر تخلفى تانى بتقولك حذرتك وانتى استمريتى
اسير- مهتمتش بالعواقب يا آدم
-لى عملتى فى نفسك كده
-لو مش هحمل منك مش هحمل خالص
الذنب ازداد تلك المراه ما الذى فعلته بنفسها
اسير-ممكن تمشي عشان اتاخرت
مشي ادم وهو بيبص قدامه والمكالمه مش قادره تفارقه
اسير– "ليه خدّتني العياده
آدم – "اعتقدت إن العلاج مش حاجة تسيء ليكي… بالعكس، يمكن يساعدك."
أسير بحِدة منخفضة – "أنا ما طلبتش منك حاجة."
آدم – "أنا اللي محتاج أتعالج يا أسير… أنا مش انتي
رن تليفون أسير فجأة بس مكنتش من الدكتوره ولا آدم بص قالت
– "نزّلني… لازم أروح أجيب زياد من المدرسة."
آدم – "هخلي السواق يجيبه."
-لا زياد مش بيحب حد يجيبه غيرى وأكد عليا امبارح إنه هيستنانى
بصلها ادم قليلا قال- فين المدرسه
نزلت أسير من العربية وعيون آدم تتبعها وهو واقف عند السيارة. دخلت أسير المدرسة خاصه وكبيره، استقبلتها المشرفة بابتسامة وقالت
– "إحنا كنا مستنيينك يا مدام، زياد قاعد جوه، أغلب زمايله مشيوا."
تحركت أسير بسرعة، عيونها لحد ما شافت زياد جاي يركض عليها.
– "ماما! كنت مستنيكي."
انحنت أسير حضنته، مسحت على شعره وقالت:
– "معلش اتاخرت عليك
شكرَت المشرفة وخدت زياد وخرجت وهو ماسك إيدها لكن فجأة وقف عينه على آدم واقف عند العربية قال
– "ماما… بيعمل إيه هنا؟"
– "اتقابلنا بالصدفة… جه يوصّلني عشان ما أتأخرش عليك."
– "وليه لسه واقف؟"
– "عشان يوصلنا البيت يا زياد."
لكن زياد هز راسه بعناد وقال – "لا."
– "زياد… بلاش مشاكل عشانى، آدم هيكون موجود المرادي بس عشان منتاخرش."
سكت زياد اومأ إليها بيخطو خطوه جت عربيه فى لحظه شديد السرعه نظرت أسير بشده واتسحبت بقوه لجوه بتفتح عينها بصدمه وتلف تبص لآدم الى انفذها فى اخر لحظه بصيت لزياد بخوف لقيت إنه آدم نتشه هو كمان بايد تانيه
اسير-زياد.. حصلك حاجه
بيبعد آدم عنهم فورا قالت اسير- آدم
-ادخلى جوه المدرسه
بياخد عربيته فورا وينطلق بيها نظرت إليه بشده وقلق
آدم ورا العربيه وبيخرج تليفونها وياخد النمره زاد سرعته بقوه أكبر وعينه مليانه غضب والعربيه التانيه بتنعطف يمين وشمال عشان تضله بس آدم انطلق بسرعه وبص على إلى جوه بس كان ضد الرؤيه داس بنزين أكتر ويزيد سرعته والش.ر فى عينه لحد ما بيسبقه وبيبقى قدامه
بيلف مره واحده ويسوق عكس يكون فى وشه فبتبطأ العربيه من تهور التقدم وفى لحظه قبل ما يصطدمو فى بعض بيقفو على اخر لحظه
بينزل ادم من العربيه واتقدم من العربيه التانيه بيسمع صوت موتور والعربيه بترجع لورا وقبل ما يهرب آدم بيركض عليه زى الفهد ويقفز فوق السياره ليكون فى وجهه
ينزل بقبضته على الازاز فتهشم بيضرب ضر.به اقوي ويمد ايده بغضب ويسحبها من عنقه بقوه لتخرج رأس السواق بقوه وقف بصدمه ونظر اليه
شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم