رواية لست رهينتك ( كاملة جميع الفصول ) بقلم منال ابراهيم


 رواية لست رهينتك الفصل الاول 

فى جلسة كان يطمح أن تكون أكثر لطفا وحميمية
كان يجلس بينهم بثباته المعتاد
لكن جاءته الصدمات الموجعة بصورة أنهكت قواه وجعلته لأول مرة في حياته بهذا الضعف....
وهو صاحب القلب الذى لم يكن يوما هشا أو ضعيفا
بل على النقيض لطالما كان كالأسد يواجه ما يزعجه بكل جرأة وشجاعة...
ولكن ماباله اليوم يبدو واهنا على غير عادته...
نعم ....إنه سلطان العشق الذي يتملكه بقوة....
ذلك السلطان الذى أذله وجعله يستمع لتلك الإهانات
ولا يقوم فيطيح برؤس هؤلاء ثأرا لكرامته ثم يغادر المكان...
ولكن يبدو أن صبره قد بدأ ينفد بشدة وهو يتطلع إلى شريكه وصديقه الوحيد ووالده وهما يضعان قدما على قدم ويتحدثان معه بِكِبر كما لو كان قادما ليستجدى منهما رغيفا للعشاء ...
هدر ممدوح بتعال وعجرفة : إنت عارف يا هشام إن


طلبك ده مرفوض فمكنش له لزوم تحرج نفسك وتحرجنا معاك في الموضوع ده...
طالعه بتعجب وقد اتسعت دائرة عينه من المفاجأة وصاح بصدمه مستنكرا: ليه ياعمى؟؟!
هو إنت تعرف عنى حاجة مش كويسه لا سمح الله؟!!
انا بقالى كام سنه بدخل بيتكم وبحس انكم زى عيلتى ووائل ابن حضرتك صاحبى وشريكى من كام سنة وبعتبره أخويا اللى ماولدتوش أمى !!!
لوى ثغره بضيق وأجابه بكل فظاظة وغلظة: وعشان احنا أصحاب وحبايب من زمان وعارفين أصلك وفصلك فمكنش لازم عقلك يصورلك ان علاقتنا دى هتخلينا نوافق نجوزك بنتنا.. كان لازم تفكر كتير قوى قبل ماتاخد الخطوة دى....
زفر بقوة وقد استعمر الغضب ملامحه ولم يعد لديه أستعداد لسماع مزيدا من الإهانات لأى سبب كان فهب واقفا وعيناها تتابعانه وهى ملىء بالدموع
ولكن ليس لديها جرأة لفتح فمها والدفاع عن حبها
الذى دهسوه تحت أقدامهم بلا رحمة ولا اكتراث...
التفت نحوها يناجيها بعينيه بقلة حيلة
ثم قال بيأس و فروغ صبر: يعنى ده آخر كلام عند حضرتك!!!؟؟؟
ثم استدار نحو وائل الذى تسلح بالصمت طول الجلسة فهدر فيه معاتبا: 
وانت ياصاحب عمرى مش هتقول حاجة؟؟!
هتفضل ساكت كده؟!!!


هز كتفيه بقلة حيلة وقال ببرود: انت عارف يا هشام
ان بابا صاحب الكلمة الأولى والأخيرة ... وانا مش هقدر أساعدك في الموضوع ده لانه يخص عيلة
كاملة مايخصنيش لوحدى
أومأ برأسه بخيبة أمل وصاح ساخرا : عن اذنكم
ياجماعة وعايز اشكركم على القعدة الجميلة دى
تصبحوا على خير...
أنهى جملته وتوجه من فوره نحو الباب دونما
رغبة منه فى استماع إلى رد أحدهم....
صفق الباب خلفه وغادر البيت وأخذ يجوب الشوارع بغير هدى وصدره يغلى كبركان أوشك على الانفجار من شدة الغضب وقلبه منفطر على حبيبته التى لم يستطع الفوز بها وخسر المعركة التى فقد فيها
أغلى ما لديه كرامته وحبيبته.... 
أما هى فمنذ أن غادر هشام من عندهم مكسور الخاطر وهى تنتحب باكية 
وأخذت تصرخ فيهم وتقول: ليييييه يابابا عملت كده؟!!.
ده شاب ممتاز جدا وانت عارفه كويس
احتد عليها هادرا بغضب: وانتى مالك مقهورة عليه
بالشكل ده يابت انتى؟!!
هو كان مابينكم حاجة من ورانا؟!! انطقى أحسنلك....
قالها وهو يعصر ذراعها بقوة بيديه
فصرخت متألمة: لا مفيش بينا حاجة ....
بس كان ديما بيزورنا وبيكون في منتهى الأدب
يبقى ليه ترفضه وتجرحه كده!


دفعها وهو يصيح متوعدا: مااااشى يا آلاء بس ياويلك منى لو عرفت إنك على علاقة بيه أو بتكلميه من ورانا ....
على آخر الزمن هناسب واحد أمه قتلت أبوه وعشيقته و انتحرت!!!! ثم أردف ساخرا نسب يشرررف بصحيح!!!
خرج صوتها مختنقا وهى تقول: بس هو مالوش ذنب
.... وبعدين دى حكاية بقالها سنين
أجابها بغيظ: الموضوع انتهى خلاااااص ومش عايز حد يفتح الكلام فيه تانى..مفهوم؟!!!!
التفت لوائل الذى كان يجلس شاردا فصاح فيه قائلاً: 
وانت يا وائل من بكرة تفض الشراكة اللى مابينكم
وكل واحد ياخد نصيبه واعملوا حسابكم إننا على أول الأسبوع الجاى هنرجع تانى الزقازيق خلاص معدش لينا قعاد هنا ..
تملكتهم الصدمة من قراره المفاجئ فهتفت عفاف زوجته بتعجب: هترجعنا ليه بس ياحاج؟!!
مااحنا هنا كويسين وزى الفل
أجابها بإصرار: كلمة واحدة قلت هنرجع البلد 
ومش عايز مناقشة..انا مش هسيب البنزين جنب النار
واقعد اتفرج...
قطبت جبينها وقالت بقلة حيلة: اللى تشوفه ياحاج...
فى حين لم تستطع آلاء التفوه بكلمة واحدة
وبقيت دموعها تتدفق على وجنتيها كوسيلة وحيدة 
تخبرهم بها كم تعانى وتتألم...ولكن هيهات...من يهتم
بهذا الأمر؟!!
........


بعد عدة ساعات قضاها في الشوارع والطرقات يعبرها بلا هدى هائما على وجهه
عاد أخيرا لبيته حيث كانت أخته الوحيدة حبيبة تنتظره على أحر
من الجمر متلهفة ببراءة لمعرفة ما حدث في هذا اللقاء....
سمعت صوت غلق الباب فأسرعت تركض بسعادة كطفلة صغيرة جاء أبوها من العمل حاملا معه الحلوى والألعاب
اقتربت منه ولكن البسمة الصافية التى علت ثغرها بدأت تتلاشى حتى اختفت تماما على إثر طلته
الواجمة التى لا تنذر بخير
أمسكت كف يده بحنو وهمست بصوت يشوبه
القلق وقلبها يرجو ان يخيب ظنها ولكن كيف؟!!
وملامح أخيها حزينة للغاية وجبينه قد برزت
خطوطه بصورة ملحوظة
: هشام؟!!! مالك يا حبيبي إيه اللي حصل؟!!!!
سحب يده ببطء من بين يديها وهمس بإختناق ووجوم: 
أنا داخل أوضتى دلوقتي يا حبيبة محتاج أرتاح شوية ...
خطت خلفه بقلق وقالت راجية:. مش هتطمنى وتقولى إيه اللي حصل؟!!!
أجابها وهو مازال يتقدم نحو غرفته دون التفات
: بعدين يا حبيبة...
أنهى جملته وهو يلج غرفته موصدا الباب خلفه
وهو واقفة شاخصة بصرها لبابه المغلق
وعقلها يحاول التنبؤ بما حدث فى تلك الزيارة المشؤومة ! ! 
.............


مضى أسبوعا كاملا يطوي بداخله كثيرا من 
الأوجاع فقد انصاع شريكه وصديق عمره لأمر والده
وأنهى شراكته فى ذلك المتجر الذى تعبا سويا منذ
تخرجهما ليؤسسانه ويصلان به إلى هذا المستوى من النجاح والرواج..
والوجع الأكبر هو رحيل حبيبته وأسرتها ليكمل
والدها ما بدأه من معاقبة ظالمة له على جُرم لم تقترفه يداه...
سمع طرق أخته الصغرى" حبيبة" على باب غرفته
حيث كان يقف في شرفته يدخن سيجارة وينفث
دخانها بقوة وكأنه يطرد به هموما قابعة على صدره
لم يشأ الرد فتظاهر بالنوم ولم يجيبها.....
أطفأ سيجارته التى أوشكت على الانتهاء وألقاها بلا اكتراث على الأرض ثم أدخل يديه في جيبه جالبا سيجارة أخرى وشرع في إشعالها ...
أحست حبيبة بالقلق على أخيها ففتحت الباب 
وعيناها تدوران في الغرفة بحثا عنه فلم تجده
فتوجهت نحو الشرفة....
تتطاير دخان السجائر إلى أنفها وهى غير مصدقة
فمنذ متى كان أخوها مدخنا ؟!!
وهو صاحب القواعد الصارمة في الحياة و التي لا يخالفها ولا يسمح لأحد بتجاوزها 
وقفت تحدق إليه بألم... فكم يعز علي القلب رؤية
القوى حين تخور قواه ....
وحين تجبر الدنيا هذا العنيد على الاستسلام
والرضوخ وتكسر أنفه الشامخ...
التفت فوجد أخته الصغرى ذات السبع عشر ربيعا
ترنو إليه بعينيها الفيروزية الجميلة وعلى ثغرها إبتسامة متصنعة تحاول بها إجباره على الابتسام...
وشعرها الكستنائى القصير ظاهر من خلف حجابها 


المطروح على رأسها بعشوائية
فازداد تجهما وفتح ثغره أخيرا للحديث بغضب وحزم: انتى خارجة البلكونه ازاى بمنظرك ده؟!!!
طالعة بالبچامة ونص شعرك باين؟!! اتفضلي جوه
حالا....
وكأنها لم تستمع لزمجرته السابقة فهتفت وعيناها متسعتان على آخرهما من الصدمة: انت بتشرب سجاير ياهشام؟!!!! 
ليه بتعمل في نفسك كده؟!!!!
هدر بها متجاهلا حديثها: قولتلك ادخلى جوه يلاااا
توجهت للداخل احتراما لأخيها الأكبر وهى ترجوه
قائلة: طيب عشان خاطري تعالى معايا عايزة اتكلم معاك شوية...
وضع سجارته بي.ص2٢..ن شفتيه يسحب دخانها بنهم وكأنه يعطيها قبله الوادع ثم ألقاها وتوجه للداخل حيث تنتظره..
جلس فى المقعد المقابل لها فقامت من فورها لترمى بجسدها على المقعد المجاور له وهمست بحنو : مش هتحكي إيه اللي حصل؟! حابس نفسك ليه
فى أوضتك بقالك أسبوع ليه مابتنزلش تشوف شغلك؟!!
أجابها ببرود مصطنع: خلاص بعنا السنتر ووائل حول نصيبى على البنك إمبارح ومشيوا وسابوا البلد...
تملكها الذهول وصاحت بعدم تصديق: يانهار أسود!!!
ليييه كده!!! بسهولة كده دا أنتو تعبتوا قوى عشان تعملوا السنتر ده؟!!
آثر الصمت بصورة أفزعتها فصرخت بإنفعال: هتفضل مخبى عليا ومش عايز تحكيلى ...
انتفض واقفا بغضب شديد وزأر فيها بنفاد صبر: عايزة تعرفى ليه؟!!
عشان خاطر واحدة خانت صاحبتها زمان وسرقت جوزها ودمرت أسرة كاملة ودمرت نفسها ومافضلش غيرى أنا وانتى عشان ندفع التمن طول مااحنا عايشين ...
ملأ الدمع عينيها ولم تستطع الرد فالتفت إليها وصاح بحنق:
ماتنسيش وانتى راحة تزورى قبرها زى كل أسبوع تبقى تقوليلها انى مش مسامحها طول ماانا عايش
..
تدفق الدمع من عينيها بغزارة وصرخت بكل قوة: أمى مش خاينة ياهشام روح انت على قبر والدتك وقولها الكلمتين دول عشان هى اللى دمرتنا بحق وحقيق...
انهت مقولتها ثم ركضت باكية إلى غرفتها


أما هو فأخذ يلقى بعنف كل ما تقع عليه عيناه أرضا
وهو يسب نفسه ويعاتبها على ما جرح به أخته
واستشعر نفسه مثل ذلك الرجل الطاغى الذى عاقبه
على ذنب غيره ..
فما فعله مع حبيبة لا يقل عنه ظلما وتجبرا...
لأول مرة منذ ثلاث عشرة سنة -ومنذ ان جلب أخته للعيش معه بعد ذلك الحادث البشع - يحتد عليها بهذه الصورة...
فدوما ما يرق لحالها فهى نقطة ضعفه الوحيدة فقد تعهد بتربيتها والاعتناء بها منذ كانت بنت سبع سنوات ومن يومها أضحت هى اخته وابنته وكل عائلته ...
لم يطق أن تكون أخته غضبى منه بهذا الشكل فأسرع إلى المطبخ وأعد لها مشروب الشكولاته التى تعشقه والذى دوما ماكان يعده لها وهى طفلة لتكف عن البكاء كلما اشتاقت لأمها...
حمل قدح الشكولاته الساخنة إلى غرفتها طرق الباب فلم يلق ردا كما توقع.. ففتح الباب وجد الغرفة خالية منها فتبسم بأسى ووضع الكوب على مكتبها وخطى نحو دولابها ففتحه فوجدها كعادتها متكوره على نفسها داخله تبكى...
جثى على ركبتيه وقال بحنو ممازحا: 
مفيش روح إبتكار خالص !!! عشر سنين كل أما تزعلى تحبسى نفسك في الدولاب..
طيب جددى المرة الجاية انزلى تحت السرير ولا
اتعلقى في النجفة ....
أمسك يدها وهمس بندم: أنا أسف ياحبيبة صدقينى مش عارف أنا قلت الكلام ده إزاى؟!!!
وهى كما هى متكورة على نفسها لكن صوت أنينها بات عاليا
مد ذراعيه لداخل الدولاب فحملها للخارج ثم وضعها على فراشها وجلب إليها مشروبها المفضل
فهزت كتفيها بتذمر وتكلمت من بين شهقاتها: مش عايزة منك حاجة..


ضيق عينيه بخبث وقال كمن يراوغ طفلة ساذجة: على العموم انا كنت ناوى اخدك نتغدى بره ونروح الملاهى والسينما يلااااا وفرتى ... هشرب أنا الشكولاته واكلم حد من صحابى ونتفسح سواا 
أولاها ظهره ثم رفع الكوب إلى فمه متظاهرا بشربها
فسقطت دمعاتها عرفانا لأخيها
فبرغم ما يعانيه من أوجاع ومشكلات مازال يهتم
بها كعهده...
يعانى قلبه ومع ذلك يرسم البسمة على ثغره لأجلها و يمازحها ويرغب فى الترويح عنها والإعتذار منها...
حتى وإن إحتد عليها في لحظة غضبه سيظل أغلى مالديها فى هذا العالم.. 
تبسمت وقالت برجاء مرح: ماتخلصوش كله ..سيبلى شفطه طيب!!!
بادلها الابتسام والتفت نحوها ووضع الكوب بين يديها وقال بمرح : ربع ساعة وتكونى جاهزة ياإما هغير رأيى 
أسرعت بمسح عينيها وصاحت : لا تغير رأيك إيه قبل الربع ساعة هكون جاهزة...
مسد بحنو على شعرها وهى ترنو إليه مبتسمة متناسية غضبها منه ثم غادر الغرفة وهو يقول
: ماتتأخريش عليا..
أومأت برأسها وهى ترتشف مشروبها بنهم....
...............
فى مطعم الفيومى
كانت جالسة في غرفة مكتبها شاردة إذ سمعت طرقا على الباب فتنبهت من شرودها وهتفت بهدوء: ادخل!!!
ولج " عبد الله "والذى يعمل كنادل فى المطعم الذي ورثته عن أبيها ويشاركها فيه بقية ورثته (عمها وجدتها ووالدتها )
أحست ان ملامحة توحى بوجود مشكلة ما فتسائلت بترقب: خير يا أستاذ عبدالله فى مشكلة؟!!
لوى ثغره بضيق وتوتر وقال : أيوة ياأنسة مارية فى زبون تحت عامل مشكلة ومصمم يقابل مدير المطعم!!
رفعت حاجبيها باندهاش وقالت وهى تغادر مقعدها متوجهة نحو الباب: طيب ممكن اعرف إيه المشكلة بالظبط؟!
فأجابها وهو يخطو خلفها : 


بيقول ان الأكل اتأخر عليه جدا وأن الفراخ مش مستوية كويس والسلطة حامضة ومش طازة
تقدمت بثبات نحو الطاولة التى أشار إليها عبدالله فوجدت شابا ثلاثينيا جذابا ..مهندم الثياب.. متوسط الطول والحجم ناعم الشعر واللحية ذا ملامح متجهمة للغاية ...يقف بجوار طاولته يضرب الأرض بطرف حذائه بعصبية و بصورة متتابعة علامة على نفاذ صبره...وتجلس أمامه فتاة جميلة فيما تبدو حبيبته...
همست بتأدب : مساء الخير...
أنا مارية الفيومى مديرة المطعم.. أقدر أعرف من حضرتك إيه المشكلة؟!!
التفت لمصدر الصوت فوجد شابة لا تتجاوز الرابعة والعشرون من عمرها خمرية البشرة قصيرة القامة إلى حد ما رشيقة القوام
ترتدى بنطالا من الچينز وقميصا قصيرا باللون الوردي وشعرها المموج- والذى يناسب ملامحها بشدة- منسدل على أكتافها بحرية ووجهها صافٍ خال من مساحيق التجميل
والذى أتاح له الفرصة للإنتباه لملامحها الرقيقة
وعيناها البنيتان اللتان تشعان ببريق حزين غامض ...
زفر غيظا وصاح بقوة: المشكلة؟!!! اتفضلي أقعدى
على الكرسى وكلى من الأكل اللى اتقدملنا دلوقتي وانتى تعرفى فين المشكلة..
اتسعت حدقة عينيها من طلبه الغريب الذى لم يطلبه
منها أحد من قبل...
فالزبائن عادة ما تكتفى بوصف المشكلة فقط ولا تشترط تذوق ما قُدم إليها من طعام برهانا على صحة إدعائهم حاولت التصرف بدبلوماسية حتى لا تضع نفسها في حرج وهمست بتأدب ولباقة: تقدر تقول المشكلة يافندم وانا مصدقة حضرتك وهحل لك المشكلة فورا...
ابتسم بجانب فمه وهدر ساخرا: انتى خايفة تدوقى الاكل بتاع مطعمكم ولا ايه يا أستاذة؟!!!
ضيقت عيناها غيظا من تهكمه عليها وهزت كتفيها مدعية عدم الإكتراث ثم التفتت نحو" عبدالله" وطلبت منه إحضار شوكة وسكين من المطبخ
وهو مازال محدقا فى وجهها بتحدٍ فبادلته النظرات 
وهو ترجو من داخلها ألا تتعرض للإحراج لو ثبت صدق إدعائه..
وفى غضون دقيقة واحدة عاد عبدالله حاملا أدوات المائدة التى طلبتها منه ووضعها أمامها على طاولة الطعام
تقدمت بهدوء مصطنع نحو مقعده وما إن جلست مكانه واستشعرت دفئه والذى اكتسبه الكرسى منه
حتى سرت قشعريرة غريبة في جسدها لا تدرى سرها ..
حاولت التظاهر بالثبات وشرعت فى تذوق الطعام وعيناه مثبتتان عليها ترقب ردة فعلها مما زادها ارتباكا وتوترا..
وما زاد الطين بلة أن الطعام كان بالفعل سيئا للغاية


بصورة لم تتوقعها ..
فأسرعت بتلقائية بالتقاط كوب الماء الخاص به والذى كان قد شرب نصفه فرفعته إلى شفتيها وارتشفت منه حتى فرغ
ثم تنبهت لشربها من كوبه وهذا أمر منافٍ تماما لطبعها فهى من المستحيل أن تشرب من كوب
سبقها أحد للشرب منه...
فأحست بحرج على حرج فابتلعت ريقها وهى تقوم من مقعده ثم همست بخجل: مبدئيا أنا بعتذر جدا من حضرتك وأوعدك ان الغلط ده مش هيتكرر أبدا
ثم التفتت نحو عبدالله وعيناها تبرقان غضبا وحنقا: رووح بلغ الشيف اللى جه امبارح إنه مطرود
وخليه يجى المكتب ياخد حسابه ومع السلامة
والأكل ده يتشال فورا وينزل للأستاذ والأنسة وجبة تانية مش عايزة فيها غلطة...
أومأ عبدالله برأسه إيجابا وقال بتهذيب: حاضر يافندم..
وبدأ فى حمل الأطباق فقالت: شيل كمان كوباية المية دى وهات غيرها ونزل عصير على حساب المطعم لحد الأكل ما يجهز...
أومأ لها مرة اخرى وأجابها بنفس الرد السابق
لكن هشام كان مايزال غاضبا ولم يكفهِ ما فعلت فصرخ فيها بانفعال وضجر : ومين قال إننا هنقبل ناكل تانى فى مطعمكم ده !!!
إحنا ماشين حالا ودى آخر مرة هنيجى هنا...
تنهدت بخيبة أمل فحياتها المهنية لا تحتمل مزيدا من التعقيدات فضلا عن حياتها الاسرية كذلك
أشفقت حبيبة لمرأى تلك الفتاة على تلك الحال فهمست باسمة بدلال : خلاص يا هشام عشان خاطري
أنا عايزة أفضل هنا ....وخلاص الأستاذة اعتذرت
حصل خير...
أعادت مارية النظر لذلك الشاب الغاضب فلاحظت على ملامحه بعض الهدوء عن ذى قبل بعد حديث فتاته... فتبسمت له وقالت: بكرر اعتذارى يافندم 
واتمنى اللى حصل ما يأثرش على ثقتكم بالمكان
واتمنى تشرفونا تانى بالزيارة...


قالتها وهى تتنقل بعينها بينهما فتبسمت لها حبيبة برقة وأجابتها بهدوء : إن شاء الله..
أما هو فلم يبادلها الابتسام وقد علمت من نظرته
أن الأمر لن يحدث ثانية ... 
"عن إذنكم" قالتها ثم ابتعدت عنهم متوجهة لمطبخ المطعم
وعندما وصلت للباب حانت منها إلتفاتة أخيرة
لذلك الشاب وحبيبته المدللة فوجدتهما يتبادلان الحديث ضاحكين ..
فتبسمت رغما عنها وللحظة سافرت بخيالها لعالم وهمى تخيلت فيه نفسها موضع تلك الفتاة..
عالم تلقى فيه بعض الإهتمام والدلال والإعجاب ...
ولكن عجبا لذلك الأمر فلم يحدث يوما أن حلمت بالارتباط بأحدهم ..ولم تتمنى يوما كمثيلاتها من الفتيات حياة الحب والرومانسية الحالمة!!!
فقد كانت تسخر دوما من سذاجة صديقاتها وتراهن
تافهات وهن يرينها متبلدة المشاعر والأحساس...
نفضت عنها تلك الأفكار ثم ولجت المطبخ لتصرخ بغيظ فى الطهاه والعاملين : طبعا اللى حصل النهارده ده مش هيعدى بالساهل ولو حصل واتكرر من أى حد مهما كان مش هيقعد هنا يوم واحد...
واظن انكم عارفين إن المطعم مش ناقص مشاكل
وإن فيه ناس تتمنى المطعم يتقفل من الصبح
وانتوا بدل ماتساعدونى أنجح و نخليه رقم واحد زى ما كان بتحاربونى معاهم وبتهدوا اللى بابا عمله طول حياته...
هتف أحد الطهاه : احنا أسفين ياأنسة مارية وصدقينى اللى عمل كده الطباخ اللى جه امبارح والمساعد بتاعه ولما ضغطنا عليهم عرفنا ان عمك راغب هو اللى بعتهم وكلفهم يعملوا كده عشان يضروا سمعة المكان ...
تجمدت فى مكانها للحظة تحاول إستيعاب ما سمعته
للتو..
ثم زفرت بقوة وصاحت بثبات : أوك أنا هتصرف... سكتت لثوانٍ ثم أردفت: 
وبالنسبة للأستاذ صاحب المشكلة
عايزة الشيف محمود بنفسه اللى يظبط لهم الأكل
وتقدملهم الحلو اللى يطلبوه ويكون من أحسن حاجة عندنا والحساب كامل على المطعم ومهما حاول ممنوع تاخد منه فلوس سامعنى ياأستاذ عبدالله؟
أجابها بخضوع: اللى تشوفيه يافندم..
أشارت بيدها إليهم قائلة: اتفضلوا شوفوا شغلكم
وافتكروا ديما الراجل الطيب اللى عمره مابخل على اى حد فى أى موقف .. ياريت ماتضيعوش 
اللى بنتوه معاه من سنين...
اجابها الشيف محمود بتأثر" وهو من اقدم الطهاه عملا بالمطعم: من غير ما تقولى يابنتى احنا بنعتبر المكان ده بتاعنا كلنا...
تبسمت بامتنان وقالت بتهذيب: ربنا مايحرمنيش منك ياأحلى شيف فى الدنيا كلها ده ...
دلف أحد العاملين وناداها مقاطعا حديثها قائلا: أنسة مارية !! عم حضرتك وبنته والحاجة لبيبة جدتك مستنينك في مكتبك...
تأوهت بضجر ثم أجابته وقد كسى ملامحها السخط الشديد وتجلى الكره فى عينيها
ممتزجا بالحزن القابع بهما منذ زمن : أطلع قولهم. انى هخلص شوية شغل تحت وبعدين هطلعلهم...
: "حاضر" قالها العامل ثم انصرف ليينفذ ما طلبته منه


تبعته فى الخروج من المطبخ دون أن تفتح فمها بكلمة أخرى...
توجهت للقاعة الرئيسة حيث يجلس الزبائن
لتناول الطعام وأخذت ترقب تعبيرات وجوههم لتستطلع انطباعهم عن الخدمة وعن درجة إعجابهم ورضاهم عن المذاق والطهى...
والذى عرف دوما عن مطعم أبيها الذي يتوافد عليه
المئات كل يوم منذ سنوات..
فقد تعب أباها كثيرا بالأمس ليؤسس هذا الاسم وتلك الثقة وحان دورها اليوم لتحارب للحفاظ على هذا الإرث الثمين
لذلك فقد كُتب عليها أن تواجه أقرب أقاربها قبل أن تواجه الأغراب
وان تتلقى طعناتهم الغادرة فى ظهرها فى حين
يلتف حولها من ليسوا لها بذى رحم !!! ..
وفى خلال جولتها التى تعمدت القيام بها في هذا التوقيت لترتب أفكارها أولا قبل مواجهة العقارب
التى غزت غرفة مكتبها الآن
ولتثير حنقهم أكثر وأكثر بانتظارهم لها وتجاهلها المتعمد لهم..
وجدت عينيها تحيدان قسرا إلى ذلك الشاب وحبيبته
ترقبهما بتأمل وهى لا تدرى سر فضولها نحوهما
لماذا هما خصيصا قد حظيا بهذا الإهتمام؟!! فكل يوم يأتى كثيرا من الرجال ومعهم رفيقاتهم فلم تتحرك لهم مرة مشاعرها الراكدة ربما قد أحست بحدسها بشىء غامض ينتظرها معه في المستقبل ....
شىء يجمع ويفرق ...
شىء سيحلق بها لسموات شاهقة ثم يهوى بها
إلى أعماق مغرقة....


ترى ماذا تخبىء لهما الأيام القادمة من أحداث.؟؟
يتبع
..........
فى الحلقه القادمة
كيف ستتصرف تلك الفتاه مع عائلتها المتآمرة عليها؟!
وما سر حقدهم وكرههم لها؟!
هل سيستسلم هشام لأحكام والد حبيبته الظالم لهما؟!
وكيف سيتصرف؟!!
حقيقة مقتل أبيهما الغامض من المخطىء ومن المصيب ؟!!
لقاء هشام ومارية ياترى لقاء عابر ان ان القصه لها فصول أخرى اكثر غرابة

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1