رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل المائة وواحد
مُبتهج الملامح هذا المساء وكأنه ينتظر تكريمًا عظيمًا وبعدها سيقف الجمهور له مُصفقًا على ذكائه في إنتقاء ثوب الراقصة اللامع والزي خاص له من الحقبة الملكية.
توهجت عيناه كحال ملامحه المُشرقة بعبث رجولي ثم اتسعت ابتسامة "صالح" بعدما أقتحم المشهد رأسه وتخيل اللحظة التي سيراها فيها بزي الغجريات اللامع ذو الفتحتين من كلا الجانبين.
تسارعت دقات قلبه ثم أنطلقت من شفتيه زفرة عميقة ، فالحماس توغل داخله لتلك التجربة الجديدة عليه وسرعان ما خرجت منه قهقهة عالية أتت عليها وأندهشت من وقوفه هكذا.
_ "صالح" أنت بتضحك مع نفسك...
ثم تساءلت وهي تقترب منه.
_ هو أنت ماسك إيه في أيدك ومركز عينك عليه؟
اِستدار إليها دون أن يتوقف عن الضحك وأخذ يُحرك لها ما يحمله على يديه وفي عينيه نظرة عابثة.
عقدت "زينب" حاجبيها مدهوشة مما تراه على يديه، فتساءل ثم غمز لها بطرف عينه.
_ مالك يا "زوزو" مصدومة كده، ما أنا من فترة بلمح ليكي وأنتِ ولا على بالك، ده "يزيد" نفسه أخد باله وبقى يقولك ما أشمعنا بابي يا "زوزو" مش بترقصي قدامه وحضرتك ولا أنتِ هنا، بتتكسفي وتتهربي.
ضاقت حدقتاها بذهول لا تُصدق أن تلميحاته نحو هذا الأمر بالأيام الماضية لم تكن مجرد كلام عابر.
رمقها "صالح" بنظرة سريعة ثم نظر نحو الثوب الذي أختاره بدقة حتى يُلائمها ويزيدها فتنة.
_ أنا مخترهولك بعد بحث وتعمق في الموضوع وقولت أكيد ذوقي هيعجبها.
_ "صالح"، أنت أشترتلي بنفسك بدلة رقص..
هتفت بصدمة ثم وضعت يدها على شفتيها، فأسرع بهز رأسه لها.
_ ما أنا قولتلك فضلت ألمح ليكي مافيش أي أستجابه، قولت بقى خلاص لازم أنا أخد الخطوة بنفسي وطبعًا يا "زوزو" مش هتمنعي ولا إيه...
أرادت أن تُقاطعه وتُخبره بتوعك معدتها والهرب بأي طريقة حتى لا يصر عليها لكن وجدته يلتقط يدها ويشير لها نحو الزي الذي اشتراه لنفسه.
_ شايفة أنا كمان مشتري لنفسي هدوم تناسب الأجواء اللي عملتها.
وقبل أن تتساءل عما يقصده، ألتقط يدها ثانية وجرها ورائه نحو أحدى الغرف ثم وقف أمام الباب ودسَّ المفتاح فيه.
_ هو أنت ليه قافل باب الأوضة ،غريبة يعني أحنا مافيش أوضة بنقفلها بالمفتاح إلا وقت الضرورة!!
ألتفت إليها وعلى شفتيه نفس الأبتسامة العابثة.
_ أسألتك كتير النهاردة يا "زوزو" وطبعا لما بتسألي وتتكلمي كتير بكون عارف إنك عايز تتهربي، فغمضي عينك عشان المفاجأة التانية..
_ هو أنت طفيت النار على الاكل..
ألتقط يدها التي أفلتتها من قبضته قبل أن تتحرك وصاح ضاحكًا.
_ أه طفيت عليه وركزي معايا ،هو أنا يا حببتي بتعامل مع طفلة صغيرة.
ألتوت شفتيها بعبوس ، فصدحت ضحكاته بشدة.
_ ما أنا مش مطمنة ليك وخصوصا وأنا شيفاك مبتسم كده.
تمالك نفسه حتى يُسيطر على ضحكاته وأرتفع أحد حاجبيه مُستنكرًا ردها.
_ هو أنا أبتسامتي تخوف أوي؟
أومأت برأسها لكن عندما رأت العبوس على ملامحه ، أسرعت بأحتضان وجهه.
_ لأ متكشرش خلاص ، أفتح الاوضة ووريني وأبهريني يا حبيبي.
_ "زوزو" تعرفي إن عمري أبتدا معاكي..
وأتبع حديثه بحشرجة أخترقت فؤادها الذي صار عاشقً له.
_ زمان لما كانوا يحسدوني على حظي من الدنيا وإني عندي كل حاجة أي حد يتمناها كنت أبصلهم بغيظ وأمشي وأقول لنفسي ياريت ياخدوا حظى ده لكن دلوقتي أنا حقيقي مُدرك نعم ربنا عليا ...أنا بحمد ربنا عليكي وعلى أبني وعلى عيلتي وحياتي كلها وبندم على كل لحظة كنت ناقم على نعم ربنا ومعترض على أبتلائه ، أنا كنت جاحد أوي يا زينب على نعم ربنا...
دمعت عيناها، فابتسم وضمها لحضنه مُتناسيًا لبعض الوقت أمر الغرفة.
_ أنتِ كنتي سبب من أسباب إلتزامي في الصلاة وكنت عارف بتتعمدي تصلي مع أبني قدام عيني بعد ما أخدتي بالك إني ببص عليكم وأنا مبهور...
خفق قلبها وأبتعدت عن حضنه لتجد عينيه تلمع بنظرة خطفت أنفاسها.
_ أنتِ أحلى حاجة حصلت ليا في طريقي الضلمة يا "زينب"..
ترقرقت الدموع في عينيها وسرعان ما بدأت تفيض على خديها.
_ أنت عايز أعملك إيه النهاردة وأنا أعملوه ليك..
قطب جبينه ثم نظر لها بنظر طويلة وأنطلقت ضحكاته بقوة.
_ نولت الرضى خلاص و قلبك حن عليا ومش هتسبيني محروم من حاجة.
ضحكت بخفة ووكزته على ذراعه.
_ أفتح الباب خليني أشوف أنجازاتك يا كابتن صالح" والله ما لايق عليك أقف قصادك ارقص وأنت تقف تصقف..
_ لأ هيليق يا ست الستات.
قالها وهو يضغط على طرف شفته السُفلي، فتعالت ضحكتها مرة أخرى.
_ لأ أنت النهاردة مش" صالح" ابن الذوات، أنت خارج من أفلام الكاوبوي.
حدجها بنظرة مُستاءة ، فغمزت له وفتحت الباب.
_ خليني أشوف عملت إيه في الاوضة...
والصدمة تجلّت بوضوح على وجهها وهي ترى الغرفة تشبه الملهى الليلي.
دارت حول نفسها وتطلعت في كل ركن من أركان بدهشة ثم جحظت عيناها على وسعهما عندما أشعل إضاءة الغرفة.
_ إيه رأيك، كده ولا كأننا في قاعة فرح عشان ميكونش عندك حجة.
توقفت عن حركتها مشدوها مما تراه.
_ ديه مش قاعة فرح، ده كباريه يا "صالح"...
رد وهو يسبل جفنيه.
_ مش هنختلف في المسمى يا "زوزو" ، خلينا في المهم.
تراجعت إلى الوراء عندما أقترب منها وتساءلت بتعلثم.
_ في إيه، بتبصلي كده ليه...؟
_ ألمحك ترقصي في فرح تاني.. عايزة ترقصي يبقى ليا وبس ، ما أصل جملة أنت راجل متحضر ديه ليها حدود يا حببتي.
توترت عندما رأته يرفع أصبعه أمامها مُحذرًا ،فهى ظنت أنهم تجاوزوا تلك الليلة بعد أن أعترفت بخطئها له.
_ كنت بستفزك يومها...
_ عارف وعشان كده بعديلك حاجات كتير...
تحولت ملامحها للشراسة، فزفر أنفاسه بقلة حيلة منها ثم أبتسم.
_ أنتِ بنوته عقله يا "زوزو" وبتسمعي الكلام عشان عارفه إنه صح.
زمت شفتيها بأمتعاض وتحركت أمام عينيه.
_ بقيت بتعرف تاكل بعقلي يا ابن دكتور "صفوان" وعشان أنت مخليني دلوعتك هدلعك...
تجلجلت صوت ضحكاته وهي يراها تتبختر في مشيتها أمام نظرته التي تلتهمها.
_ طب وريني الدلع بقى وأنا أدلعك أكتر وأكتر...
...
نظرت "ليلى" نحو الطعام الذي وضعته لنفسها على الطاولة الصغيرة التي تتوسط المطبخ ثم تنهدت بفتور ، فالطعام لم يعد له مذاق وهي تتناوله دونه وحتى في منزل عمها تشعر بأنها محاصرة من نظرات "شهد" وتلميحاتها التي تُلقيها عليها كُلما سَنَحَت الفرصة وكانوا بمفردهن.
ألتقطت المعلقة حتى تتناول قطع الخضار المطهي ثم أبتلعت بمرارة ما مضغته وتركت المعلقة سريعًا وشرعت بالبكاء لَعَلّها تتغلب على حرقة قلبها وكلام "شهد" الذي بات لا يرحمها ويزيدها قهرًا وحيرة.
« أبيه "عزيز" من ساعت ما رجع من تركيا وديما بره البيت ، إيه يا "لولو" مش حاسه بحاجة لتكون عجبته واحدة هناك ، أنا مرة سمعت من خالي إن "نارفين" زوجة عمو "نيهان" عندها صديقه كانت حاطه عينها عليه وعلى رأي "لميس"، الراجل المتجوز بيجذب عيون الستات أكتر وأبيه "عزيز" مش أي حد يا "ليلى"، خدي بالك...»
أطبقت جفنيها حتى تنفض عنها كلمات أخرى مزقتها وزعزعت ثقتها بنفسها.
« بنت عمك جمالها بارد، جمال ميحركش الراجل، أكيد زهق منها.»
وأنسابت دموعها بسخاء ثم هزت رأسها حتى تطرد ما صار يقتحم رأسها في وحدتها.
_ "ليلى" أنتِ بتاكلي ليه هنا ولوحدك، ليه مأكلتيش معانا على السفرة.
تساءل "سيف" بحيرة وهو يدخل المطبخ لتُسرع بمسح دموعها وقد لاحظ حركة يديها على خديها.
نهضت من مكانها وحملت أحد الأطباق وأتجهت به نحو أناء الطهي الذي أخذت منه.
_ محتاج حاجة أعملها ليك قبل ما أطلع أوضتي..
أطرق "سيف" رأسه ثم زفر أنفاسه قائلًا:
_ أنتِ كنتي بتعيطي يا "ليلى" ، حاسس إن في حاجة غريبة بينك وبين عمي ومش فاهمها...
أرتجفت يدها التي تمسك الطبق الفارغ وأطبقت شفتيها بحزن ،فـ حتى هي لا تفهم شئ ولا ترغب بتفسير جفائه بأنه لم يعد يراها زوجته الجميلة التي يتوق كل ليلة لتكون بين ذراعيه.
_ هو حقيقي مضغوط في شغله جامد لأنه خسر مبلغ كبير، وأكتر حاجة تزعل عمي هي الخسارة... فحاولي تتحملي معاه وفترة وهتعدي يا "ليلى".
ألقى "سيف" حديثه دون ترتيب وظن أنها لن تقتنع بهذا المبرر لكنها فاجأته بردة فعلها.
_ خسر فلوس كتير، طب ليه مشاركنيش معاه الأزمة ديه.. هو محتاج فلوس، أنا ممكن أبيع الدهب بتاعي هو جيبلي دهب كتير وممكن نبيع شقة مصر الجديدة وشقة الاسماعيليه كمان...
حدق بها "سيف" مذهولًا، فأسرعت بالتساؤل.
_ يكفوا ولا ميكفوش؟
وأقتربت منه وأخذت تُكرر سؤالها حتى خرج صوته أخيرًا.
_ بالسهوله ديه عايز تتخلي عن دهبك والشقتين.
ردها أتاه سريعًا وأكتشف إنها لا تفكر كثيرًا في أي شئ يخص عمه.
_ "عزيز" بكره يعوضهم ليا.
تنهد "سيف" ثم ابتسم وأشاح عيناه هربًا من خزية، فهو فيما مضى أراد التخلص منها لأنه رَآهَا طامعة في مال عمه وتزوجها بعد أن حاوطته بشباكها وخدعته.
_ الحمدلله يا "ليلى" الأزمة متخليناش نبيع حاجة من ممتلكاتنا، هو بس محتاج مننا الدعم، أنا معاه في الشغل وأنتِ هنا في البيت ،حاولي تخففي عنه ولواحده هتلاقي رجع زي الأول ورضاكي كمان وياخدك وتروحوا لـ "نيرة" وأهو تقضوا شهر عسل جديد في كندا.
زفرت أنفاسها بأرتياح وأنفرج ثغرها بأبتسامه خجله.
_ حقيقي أنتِ بنت أصول يا "ليلى" وعمي عرف يختار.
حدقت به لوهلة حتى تتأكد أن مَنْ يقف أمامها هو "سيف" الذي يُذهلها في كل مرة تُبصر لطفه معها وأخفضت رأسها حرجًا.
_ تعالي أكل معاكي وأفتح نفسك على الأكل وأقولك تعملي إيه مع عمي بكره وهتتأكدي بنفسك إنه ميقدرش يبعد عنك وضغط الشغل هو بس مكبله وواخده منك.
....
وقفت أمامه مُتصلبة لا تستطيع هز أي جزء من جسدها، فنظرته التي تلتهم تفاصيلها تزيدها توترًا وترفع من حرارة خديها.
_ "زوزو" نغير الأغنية ولا نعمل إيه؟
أشاحت بوجهها ثم تنهدت وردت بتعلثم.
_ متركزش معايا وأنا هندمج.
رفع "صالح" كلا حاجبيه مستمعتًا ثم أتجها نحو الأريكة وجلس عليها مُدَّدَ رجليه.
_ أنا دلوقتي هاخد دور الزبون في الكبارية وعشان أنا زبون جدع هغمض عيني.
حركت رأسها دون قدرة على الكلام، فلم تتوقع أن يكون الأمر صعب هكذا أمامه هو بالتحديد عكس رقصها أمام أفراد عائلتها.
_ أستني اقوم أغير الأغنية يمكن تكون السبب.
وأسرع بتنفيذ إقتراحه ثم عاد لوضع جلوسه وأغمض عينيه بخداع قائلًا بمكر:
_ غمضت عيني أهو ، أبدأي لأحسن مدفعش تمن الرقصة...
ضحكت مُرغمة على أفعاله وفي ثواني معدودة بدأت تتمايل في رقصتها دون أن تنظر جهته ، فهي تعلم إنه لم يُغلق عينيه.
تحول "صالح" فجأة لرجل أخر، رجل بعيدًا تمامًا عن الرجل الأستقراطي المُهذب الذي تعرفه حتى هو لم يكن يعرف نفسه لكنه سعيد، سعيد لدرجة أدهشته.
...
هربت "سما" بعينيها بعيدًا عن نظرة "قصي" المتفرسة لها وتساءلت بسخافة تعمدتها.
_ "قصي" هو أنت من يوم ما أترقيت بقى عندك أمتيازات في الشغل وبتعرف تاخد أجازات ولا أسم العيلة عامل شغل معاك.
اِفتر ثغر "قصي" عن ابتسامة خفيفة واِستند بظهره إلى المقعد الجالس عليه ثم أشار للنادل حتى يأتي.
_ تشربي إيه يا "سما" وخلينا فيكي...
أتجهت بأنظارها إليه بعدما تقبل سخافتها بهدوء أذهلها وأردف بمزاح.
_ أجبلك عصير موز بلبن، ما أنا عارفك بتحبي ومش بتحبي تطلبيه قدام "أشرقت" عشان بتفضل تتريق عليكي..
لم يعطيها فرصة للرد ونظر نحو النادل قائلًا:
_ واحد موز بلبن وواحد قهوة وأتأخر براحتك عادي.
أبتسم النادل وتحرك من أمامهم، فهتفت بضيق.
_ أنا مش هحكي حاجة ، وعلى فكرة أنا مستقالتش ، أنا قولت بفكر أستقيل لكن ماما نشرت للعيلة كلها إني أستقالت وشكلي هريحها وأسيب الشغل...
واستطردت بخنقة.
_ أو ممكن يرفدوني لأني ضربت زميلتي...
ثم أخذت نفسًا عميقًا وبدأت تُخبره بما فعلته بزميلتها دون أن تأتي بذكر السبب.
قطع "قصي" ثرثرتها ونظر إليها بتعمق.
_ عملتي فيها كل ده من غير سبب؟
رفعت يدها ونفخت فوق أظافرها وتمتمت ببرود عكس ما تشعر به.
_ كنت مخنوقة قولت أهي جات في وشي وخليها تتحمل بقى.
أعتدل في جلوسه قاطبًا حاجبيه.
_ وكنتي مخنوقة من إيه..
_ قصي" ، أنا مش هتكلم في حاجه وبلاش تقعد تجر معايا في الكلام عشان تخليني أحكيلك...
وألتقطت حقيبتها حتى تنهض وتنهي لقائهم، فكل شئ هذه اللحظة يخنقها خاصة أنها اليوم أوجعتها حقيقة تعلمها،" مازن" لم يُحبها ولم تلفت نظره بل هي من ركضت ورائه.
_ مخنوقة لأن أكتشفتي إنك عايشه في وهم مع الدكتور يا "سما"...
تجمدت ملامحها ونظرت إليه، فتنهد بقوة.
_ معقول يا "سما" مأخدتيش بالك إنه معجب بـ "زينب".
...
حسمت "ليلى" قرارها بعدما هاتفها "سيف" وأخبرها بتواجد عمه بأحد المعارض التي ذهبت إليها من قبل.
_ هاخد الأكل زي ما "سيف" قالي وأروح أتغدا معاه هناك ،أكيد حياتنا محتاجه تجديد...
وأسرعت نحو الأسفل حتى تطلب من العم" سعيد" تجهيز الطعام لهم وإخبار السائق الخاص بالمنزل أن ينتظرها.
تهللت أسارير العم "سعيد" ونظر إليها بغِبْطة.
_ جدعة يا بنتي ، أيوة خليكي شاطرة وحاوطي على جوزك.
أبتسمت "ليلى" وطردت من داخلها كل شعور سلبي يُشعرها بأبتعاد "عزيز" عنها.
أنتقت أفضل ثيابها وأهتمت بمظهرها حتى تظهر بصورة تليق به.
_ أكيد "عزيز" هيتبسط أول ما يشوفني.
قالتها لنفسها وهي تُغادر السيارة التي أوصلتها للمكان المتواجد به.
_ أستناكي يا هانم.
هتف السائق، فأستدارت جهته مبتسمة.
_ لأ روح أنت، أنا هرجع مع البيه...
شعرت بالحرج وهي تدلف من باب المعرض واهتزت ثقتها لكن كل شئ تلاشى في اللحظة التي أبصر وجودها وتحرك ناحيتها.
_ "ليلى"، بتعملي إيه هنا؟
رفرفت بأهدابها عدة مرات ثم رفعت ما بيدها إليه تُتمتم بنبرة ناعمة.
_ جيت أتغدا معاك هنا، ما دام بقيت مشغول عني ومش عارفة أشوفك.
أخفض عزيز" رأسه مُتنهدًا، فتلاشت فرحتها وتساءلت بحيرة بعدما أبتلعت لعابها.
_ أنت أتضايقت من وجودي يا" عزيز".
رفع رأسه سريعًا ثم ألتقط ما بيدها يحمله عنها وأحتضنها من كتفيها وسار بها نحو غرفة مكتبه.
_ أتضايق إزاي بس من وجودك أنا أتفاجأت مش أكتر.
دخلت معه غرفة مكتبه ثم أسرعت بغلق الباب بأحكام ،فوقف جامد الحركة مكانه مترقبًا ما تفعله.
_ كده الأوضة بقت مقفوله حلو عشان نقعد براحتنا...
رمقها بنظرة خاطفة ثم تنحنح بخشونة وتحرك نحو الأريكة التي تأخذ ركن من أركان الغرفة وجلس عليها مُسترخيًا.
سارت إليه وهي تزيل سترتها ثم غطاء رأسها ولم تكن أفعالها الغريبة عن ما أعتاد عليه إلا جمر يكويه.
_ عملتلك الأكل اللي بتحبه ، طاجن البامية و ورق عنب و رقاق محشي باللحمة.
أومأ "عزيز" برأسه بقله حيلة.
_ وأكيد فضلتي في المطبخ تطبخي من غير ما تهتمي وتاكلي حاجة.
حدقت به بنظرتها البريئة ، فزفر أنفاسه بسأم وألتقط يدها.
_ تعالي عشان تاكلي يا هانم...
أبتسمت وألتصقت به ثم مدَّت يدها نحو أزرار قميصه.
_ الأكل ملهوش طعم وأنت مش موجود معايا.
أطبق جفنيه حتى لا تنتبه على رجفة أهدابه.
_ "ليلى" إحنا مش في بيتنا.
ثم رفع يديها عنه لكنها عادت تفعل الأمر مجددًا.
_ إحنا في الاوضة لوحدنا و مقفوله كويس علينا، "عزيز" بص في عيني.
حاول الهرب منها لكنها أجادة أستغلال أسلحتها كأنثى عاشقة.
_ "ليلى"...أنتِ بتعملي إيه؟
أبتعدت عنه بعدما تأكدت من لهفته عليها وعلى شفتيها أبتسامة زادته ضياعًا ووجعًا.
_ بعمل اللي أنت كنت ديما عايزني أعمله يا "عزيز".
أراد الصراخ عليها حتى ترحمه لكنه كان يعرف أنا قدرته أمامها تتلاشى...
_ قومي خلينا نرجع بيتنا، أفضل لينا...
وها هي تعود به إلى المنزل باكرًا وتجذبه إلى حضنها لكن كل شئ بينهم يتحول في لحظة إلى القسوة لتشعر بأنها بين ذراعين رجل آخر غير "عزيز" زوجها.
..
ارتبكت "بيسان" وهي ترى نظرات العمال عليها خاصة أن هذه الزيارة الثالثة لها للمكان.
_ وقفتي مكانك ليه ؟
نظرت إليه بتوتر ثم مررت أصابعها على خصلات شعرها قائلة:
_ هو أحنا ممكن نقعد في أي كافيه ونتكلم بعيد عن هنا.
ألقى "سيف" بنظرة حادة نحو العمال الذين أتجهوا بأنظارهم ناحيتهم ، فأسرعوا بالعودة إلى عملهم.
_ مافيش للأسف مكان قريب نقدر نقعد فيه غير طبعًا القهاوي وزي ما أنتِ شايفه شعبيه وبيقعد عليها الرجاله بس...
دارت بعينيها بالمكان ثم تنهدت ،فأبتسم "سيف" وسحب لها أحد المقاعد.
_ تجربي تشربي الشاي بتاعنا ولا هتفضلي على رأيك.
ثم داعبت شفتيه أبتسامة عندما رأى ترددها ثم همسها الخافت.
_ مش مشكله خلينا نجرب.
برقت عيناه بلمعة أجتذبت أنتباهها ثم صدح صوته عاليًا.
_ أتنين شاي يا "محمود" وأهم حاجة الكوبايات تكون نضيفة عشان الهانم.
تلاقت نظراتهم بعد حديثه هذا وأبتسمت بخجل، فتساءل وهو يجلس قبالتها.
_ قوليلي بقي عايزه كام أوضة نوم وعايزاها على سعر كام.
ردت سريعًا ثم أشاحت بوجهها عنه.
_ خمسه ومش مهم السعر، ديه رايحة لناس محتاجه ولازم نجبلهم أحسن حاجة..
أخفى أبتسامته ثم هز رأسه مؤكدًا.
_ عندك حق ويا ستي عشان أشارك معاكي في العمل الخيري، مش هحاسبك بسعر السوق.
...
ألقى "مراد" بقميصه عليها بعدما ألتقطه ثم نظر إليها.
ارتدته بيدين مُرتعشتين وانكمشت على نفسها باكية.
_ قولتلك بلاش تخليني أتعامل معاكي بعنف وخلينا نمشي الموضوع بالرضى...
وابتلع بقية حديثه عندما بصقت عليه ، فأسرع نحوها يجتذبها من خصلات شعرها.
_ لأ فوقيلي كده عشان شكلك يا بنت المستشار عايزه تتربي من أول وجديد.
صرخت بوجهه حتى يتركها.
_ هدفعك تمن كل حاجة عملتها فيا ومش هرتاح غير لما أفضحكم وأعرف الناس حقيقتكم.
وأرتفع صوت صراخها حينما وجدته يُقيِّدها من قدميها، فخرج صوتها برجاء.
_ لأ كفاية، حرام عليك..
توسلته مرارًا حتى كادت أن تُقبل يديه ، بدء غضبه يتلاشى ثم سحب حزام بنطاله عن قدميها وأبتعد عنها متجهًا نحو الشرفة قائلًا :
_ بكره بـ الليل هنرجع القاهرة وزي ما أتفقنا تكوني مُطيعة مالكيش صوت.
رمقته بحقد، فواصل كلامه غير عابئ بنظرتها.
_ لو نفذتي الكلام ، هتلاقي "مراد" واحد تاني وهصالحك على "لبنى" هانم وأنا عارف إزاي أصالحكم على بعض... طلعتي القطة اللي بتخربش وأنعرتك الكدابه بتاعت أهلك برضو أنتِ عارفه هتلاقيني إزاي وزي ما شوفتي الأيام اللي فاتت العينة من النسختين حلو...
أرتعشت إهدابها و شفتيها وتحشرج صوتها وخرج متقطعًا ومهزوزًا.
_ صالحني على ماما وأنا أعملك كل حاجة ،مش قادرة أعيش وهي كرهاني ومش عايزه تشوفني.
أشعل سيجارته ثم اِستدار إليها وحدقها بنظرة طويلة.
_ يبقى خليكي مُطيعة، تنفذي أوامري وبس..
ولم يكن عليها في هذه المرحلة إلا الرضوخ له حتى تستطيع الانتقام منه.
...
توقفت "زينب" عن شرح الدرس وأغمضت عينيها بقوة، فآلم معدتها يشتد عليها وترغب بالتقيؤ.
_ عن أذنكم، دقيقة.
تعجبت "مروة" من خروجها بتلك الطريقة السريعة ثم نهضت هي الأخرى وأتبعتها.
دخلت "زينب" إلى الحمام بالمعهد ورغم مقاومتها حتى تتغلب على تقلبات معدتها إلا أن الأمر أنتهى بها وهي تستند على الجدار بوهن.
ضاقت حدقتيّ "مروة" واسْترقت السمع وأنتظرتها حتى خرجت من المرحاض.
تعجبت "زينب" من رؤيتها بالحمام لتقترب منها "مروة" وتتساءل.
_ أنتِ حامل؟
..
أتى "عزيز" إلى المنزل في لهفة بعدما أخبره ابن شقيقه عن ردة فعلها عندما أَطلعَها عن الأزمة المالية التي حدثت لهم ومشاكل العمل.
فتح باب الغرفة وفي نفسه قرار واحد أتخذه، سيخبرها بحالته وتختار هي القرار ويكفي شعوره بالعذاب كل ليلة.
أجفلها دخوله ونظرت إليه لا تُصدق عودته بهذا الوقت.
_ "عزيز"، أنا مش مصدقه إنك رجعت بدري.. دقايق أنزل أقولهم يحضروا الغدا.
أختفى وهج اللهفة وتحجرت عيناه نحو قطع الملابس الصغيرة التي تخص الأطفال وتحملهما على يديها وعندما رأت عيناه عليهما هتفت بحماس.
_ مرات عمي بتعملهم لـ "نيرة" عشان أول زيارة ليها لينا بالبيبي تفرحها بيهم..
وأردفت وهي تنظر نحو القطع بأعين لامعة.
_ حلوين يا "عزيز" صح، تعرف خطفوا قلبي وقولت "عزيز" كان عنده حق لما كان بيستعجلني على موضوع الخلفة...
واسترسلت بأحلامها التي نهشت فؤاده وجعلته يشيح عيناه عنها حتى لا ترى رعشة أجفانه.
_ أنا بقيت بحلم باليوم اللي هكون عندي فيه طفل منك يا
"عزيز" ،تعرف أنت هتكون أب جميل أوي وحنين...
استدار "عزيز" بجسده سريعًا فور أن تأكد إنه لن يستطيع رفع عيناه بوجهها والصراخ عليها حتى لا تحلم بالشئ الذي ربما لن يتحقق معه...
_ "عزيز" هو أنت مبقتش عايز طفل، أوعى تكون خايف إني أحبه اكتر منك...
_ "ليلى" ممكن كفايه كلام، مش شيفاني راجع تعبان من الشغل... ليه بقت العيشة في البيت تخنق كده...
وأسرع بخطواته ليغادر الغرفة التي تخنقه جدرانها....
