رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل المائة واثنان 102 بقلم سهام صادق


 رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل المائة واثنان


وقفت لاهثة الأنفاس ومُرتعشة اليدين والشفتين وهي تنظر نحو سيارته التي تُغادر بوابة الفيلا. أرخت أهدابها وأطبقت شفتيها المُرتعشتين حتى لا تبكي لكنها كالعادة لم تملك القدرة على مقاومة خنقتها والبكاء.
أنسابت دموعها مع قلة حيلتها وحيرتها في فهم أحواله الغريبة.

_ ليه مبقاش يتحمل ليا كلمة، معقول هبدء أصدق إن "عزيز" زهق خلاص مني. 

وابتعلت غصتها التي أحرقت جوفها ثم أسرعت بالصعود إلى غرفتها ،فهي الملجأ الوحيد لها الأن مع وسادتها التي صارت تُفرغ عليها دموعها إلى أن تجف على خديها.

_ "ليلى"، أنتِ بتجري كده ليه يا بنتي، هو "عزيز" بيه خرج تاني؟

توقفت عند منتصف الدرج ولعقت دموعها المنسابة على شفتيها ثم رفعت يدها ووضعتها على قلبها حتى تتمالك أنفاسها الهادرة.

_  ردي عليا يا "ليلى" ، مالك واقفة كده ومش عايزة تبصيلي ،أوعوا تكونوا زعلتوا تاني من بعض ، لأ أنا شايف إني لازم أبخركم، ديه عيني وأتصابتوا بيها..

أبتسمت "ليلى" واستدارت إليه ببطء وتساءلت بحيرة.

_ هو ممكن يكون ده حسد يا عم "سعيد" ، "سيف" بيقولي إنه عنده مشاكل في الشغل وخسر فلوس كتير ومبقاش حتى...

وتوقفت عن الكلام عندما وجدت صعوبة في نطق تلك الكلمة التي تخنقها، هو لم يعد يطيق الوجود بالمنزل وتظن أنها السبب لكنها تُقنع نفسها كل ليلة إنها وسوسة الشيطان وأن ما يحدث معها مجرد وضع مؤقت وسيعود "عزيز" لها كما كان لكن عليها الصبر وفعل كل ما تستطيع فعله حتى تعود لهفته عليها. 

رد العم "سعيد" سريعًا ، فهو دائمًا يربط كل شئ بالعين الحاقدة

_ يا بنتي العين حق وأنتوا تتحسدوا ، هو في زيك ولا زي "عزيز" بيه.. أنزليلي خليني أرقيكي وأبخرك وبكره سبيني عليه هقعدله الصبح بالمخبرة على السلم...

تلاشىٰ العبوس عن ملامح "ليلى" وضحكت ببؤس وهي تتخيل المشهد.

_ أيوة كده يا ست البنات، يا وردة البيت أضحكي، ده أنا لولا إني عارف "عزيز" بيه وعارف أنتِ إيه بالنسبه ليه كنت وقفت له وقولتله هاخدها عندي لحد ما تعرف قيمتها...

تَرَقْرَقتْ الدموع في عينيها ،فكلام العم "سعيد" يُحرك داخلها شعور الأحتياج لوجود من كانوا يومًا سندًا لها وحاوطوها بحنانهم وأعطوها حبهم رغم أنها لم تكن من دمائهم ومجرد طفلة قاموا بتبنيها.

_ هتعيطي تاني يا ست البنات، لأ أنا كده هكلم البيه أعاتبه على زعلك..

وأسرع بأخرج هاتفه من جلبابه البسيط لتهبط" ليلى" الدرج سريعًا.

_ لأ متكلمهوش يا عم "سعيد"، أنا زعلانه منه وهخصمه لحد ما هو يعرف غلطه.

ضحك العم "سعيد" وأعاد الهاتف إلى مكان مخبأة مُتسائلًا بشك.

_ وهتقدري تعمليها يا ست البنات، أنا المرادي بشجعك...

أشاحت "ليلى" بوجهها هربًا من نظرته لها ، فألتقط العم
"سعيد" يدها وتحرك بها جهة المطبخ.

_ تعالي أعملك كوباية عصير تروق دمك وتهدي أعصابك وسيبك من "عزيز" بيه وخليكي مع عمك "سعيد".

ورغمًا عنها كانت تضحك من قلبها ،فالعم "سعيد" يستطيع بكلامه البسيط إخراجها من أحزانها.

...

خرجت "زينب" من المعهد تسبق بخطواتها تلك المرأة التي لا ترتاح لها ولا تعرف السبب حتى الآن رغم أن اللقاء بينهم مرتين لا غير.

_ أوصلك معايا لأن شكلك لسا تعبان...

اِستدارت "زينب" إليها وأبتسمت أبتسامة خفيفه لها.

_ لأ شكرًا ليكي ، أنا معايا عربيتي وكده كده بيتي قريب من هنا.

قطعت "مروة" تلك المسافة التي بينهن بخطواتٍ سريعة وتساءلت وكأنها لا تعرف مكان سكنها ولا تعيش بنفس البناية معها.

_ قوليلي عنوانك كده لأن أنا كمان سكني قريب من هنا...

ضاقت حدقتيّ "زينب"، فأرتبكت "مروة" من نظرتها و أسرعت قائلة:

_  مقصدش حاجة من سؤالي، أنا بس لما بحب حد بتبسط أوي وأنا بدردش معاه وأعرف كل حاجة عنه...

وتجلجلت ضحكات "مروة" بطريقة نفرتها "زينب" وأشمئزت منها ثم واصلت كلامها.

_ تقوليش ده طبع، سافرت وأشتغلت وبقيت سيدة أعمال إلا أني عفويه أوي مع الناس..

رمقتها "زينب" بنظرة سريعة ثاقبة ثم سارت من أمامها حتى تنهي الحديث معها بلباقة.
 
_ عن أذنك وإن شاء الله نتقابل السيشن الجاي..

تجهمت ملامح "مروة" وبرقت عيناها بالقلق ، فهذه المرة الثانية التي لا تتقبل "زينب" الكلام معها وتصدَّها وحتى تُلطف الوضع بينهن صاحت بعلو صوتها.

_ أطمني على نفسك يا أستاذة "زينب" لأحسن دور البرد يتطور معاكي.

توقفت "زينب" جوار سيارتها وألتفت جهتها بملامح حانقة وقد فهمت مبطن حديثها.

أبتسمت "مروة" وأردفت وهي تتحرك جهة سيارتها.

_ أنتِ عارفة دور البرد دلوقتي بقى مُقلق وبنخاف على صحتنا منه.

لم تجد "زينب" أمامها إلا الأبتسامة دون تعقيب ثم رَكِبَت سيارتها وهي تسأل نفسها.

_ الست ديه مالها حشرية كده وقلبي كمان مش مطمن ليها. 
...

زفرت "مروة" أنفاسها بسأم وهي تستمع إلى صوت المتصل.

_ ما أكيد هيكون عندها شك فيكي ومش هترتاح ليكي لكن أنتِ لازم تقربي منها وتكسبيها قبل الخطوة التانية.

مررت "مروة" بأصابعها على جبينها ثم هتفت بقلق.

_ بقولك نظرتها ليا غريبة تقولي خطوة تانية، لأ أنا لازم أمشي من العمارة ديه قبل ما تاخد بالها إننا عايشين في نفس المكان، البنت ديه ذكية وبسببها زمان أتهمني "أسامة" بالخيانة.

تعالت ضحكات المتصل وتحرك بالغرفة تحت أنظار سيده الجالس بترقب.

_ أتهمك برضو ،عموما هنعمل نفسنا مصدقين...

أبتلعت مروة لُعابها، فهولاء لا تستطيع خداعهم وسرعان ما جحظت حدقتاها ذهولًا وهي تسمعه يواصل حديثه.

_ إيه رأيك نقلب الدور بقى و المرادي أنتِ تكشفي لجوزها إنها بتخونه.

أبتسم المتصل ونظر نحو سيده الذي بدء بأشعال سيجارته.

_ إزاي، ديه شكلها هي وجوزها مبسوطين في علاقتهم وكمان يمكن تكون حامل...

تجمدت ملامح الجالس وأشار للواقف أن يتساءل بما أتى على ذهنه بالتأكيد.

_ أنتِ مُتأكدة إنها حامل؟
 
ألتوت شفتيّ "مروة" بضجر وتحركت بسيارتها قائلة بنبرة صوت ساخرة.

_ بتقول عندها دور برد.. مش أنتوا برضو يا باشا مرقبينها يبقى المعلومة الأكيدة هاخدها منكم.

أنغلق الخط بوجهها،  لتشتعل عيناها بالغضب وضربت عجلة القيادة بيديها.

_ أعمل فيكي إيه يا "زينب" عشان تختفي خالص من حياتي وتتقفل صفحة الماضي.

...

أرتسمت الدهشة على ملامح "زينب" وظلت واقفة مكانها عندما أنتبهت على وقوف السائق الخاص بـ عائلة زوجها.

قطبت جبينها وسرعان ما تهللت أساريرها عندما رأت "يزيد" يُغادر السيارة وبعدها ترجلت "حورية".

_ "زوزو" ، "زوزو" وحشتيني...

صاح بها "يزيد" وهو يتجه نحوها ، فتركت "زينب" حقيبة جهاز الحاسوب جانبًا وفتحت ذراعيها له.

_ حبيبي، وأنت كمان وحشتني أوي.

ابتعد "يزيد" عن حضنها قائلًا بعتاب.

_ أنا زعلان منك، عشان أنتِ بقيتي تحبي بابي أكتر مني وبكره لما تجيبي نونو من بابي هتحبي أكتر كمان.

اِنْمحت أبتسامة "زينب" وأرتخت ذراعيها عنه ثم رفعت عينيها نحو "حورية" التي أطرقت رأسها على الفور بعدما أستمعت لكلام حفيدها الذي لم تتفاجأ به ، فهذا ما صار يفعله "شاكر" مؤخرًا. 
_ حبيبي معقول تصدق عني كده وأنت عارف أنت في قلبي إزاي...

وبنبرة لينة تعلم إنها ستخترق بها قلبه.

_ لأ "زوزو" زعلانه منك عشان ظلمتها وهتعيط كمان...

انكمش وجه "يزيد" وأسرع بتمرير يده على خدها حتى تنظر إليه.

_ يعني أنتِ هتفضلي تحبيني أكتر منهم...

أوجعتها نظرته إليها وأزداد حقدها على ذلك العجوز الذي لم تعد تعرف نواياه نحوها.

_ طبعًا، "صالح" مين ده اللي أحبه أكتر منك.. لعلمك بقى أنا مش بحبه عشان بقى من الأشرار وكمان بيعض.

أبتسم "يزيد" ثم وضع كلا يديه على شفتيه وقال بصوت خافت.

_ بابي بقى متوحش زيك يا "زوزو".

أشاحت "حورية" بوجهها عنهم حتى لا تضحك.
أنتصبت "زينب" بوقفتها وعلى ثغرها أبتسامة واسعة ثم ألتقطت يده.

_ هات أيدك يا فضحني وكأن بابي كان مؤدب وأنا علمته الشقاوة.

أنطلقت ضحكات "حورية" ، فتخضبت وجنتين "زينب" من الحرج لتُحرك "حورية" يدها للأمام أن تُكمل سيرها ، فلا داعي للخجل.

...

ألقت "زينة" هاتفها وأنسابت دموعها بعدما رأت صورة له تجمعه بزوجته في عطلتهم التي يقضونها بمدينة بورسعيد.
 
_ الكل عايش حياته، محدش فيهم بيفكر فيا حتى هو أفتكرته هيحبني طلع زيهم.

وأرتعش جسدها عندما أقتحمت ليلتهم الأخيرة ذاكرتها لتُغلق عينيها بضعف حتى لا تتذكر ذلك الألم الذي عاشته معه ولا ترضخ لهتاف قلبها بالعفو عنه.

_ هو كمان وحش متقولش إنه غيرهم ،هو بيحب عيلته وبس لكن أنا محدش بيحبني.

توقفت عن البكاء ثم أعتدلت في تسطحها على الفراش وحدقت بسقف غرفتها. 
أستمعت إلى صوت خالتها.

_ "زينة" ، حببتي أنا عندي عشاء عمل مهم وهتأخر، أتعشي أنتِ وبلاش تخرجي تسهري مع صحابك...

أتجهت عينين "زينة" نحو باب الغرفة المُغلق وشعرت بالراحة لأن خالتها لم تفتح الباب.

عادت عيناها تتجه إلى الهاتف ثم ألتقطته سريعًا حتى لا تتراجع عن مهاتفته.

...

تنهد "هشام" بفتور وهو ينظر إلى "لبنى" التي وقفت بالشرفة مُحدقة وشاردة وكأنها بعالم آخر.

أقترب منها مُتسائلًا.

_ نطلب العشا هنا ولا ننزل نتعشا تحت في مطعم الفندق.

اِستدارت إليه ثم عادت تنظر إلى مياة البحر الذي يطل عليه الفندق.

_ لأ أنا هنام، أنت لو عايز تنزل أنزل.

هزَّ "هشام" رأسه بوجه ممتعض ، فهي مَنْ أصرت بالصباح أن يذهبوا إلى عطلة بعدما رفضت هذا الأقترح من قبل.

_ هننزل ومش هتنامي يا "لبنى"، هدخل الحمام أخد دُش وننزل.

أهتزت أهداب "لبنى" ثم قبضت بيديها على سياج الشرفة وهتفت بحُرقة.

_ بنتك كسرتنا يا "هشام" وأهي راجعة من المنفى اللي كان رميها فيه وكلكم فاكرين إنها بتقضي شهر العسل،
 ليه حرمتيني إني أفضل رافعه راسي بيكي طول العمر، مش عايزه أشوفك مش عايزة أشوفك...

رددتها بقلب مكلوم وسمحت لدموعها بالتحرر من مقلتيها ثم رفعت يديها نحو أذنيها حتى لا تسمع صدى صوت بكائها وتوسلها أن لا تحرمها من حضنها وتنبذها عنها بتلك الطريقة التي تجعلها ذليلة أمامه وأمام عائلته. 

صدح رنين الهاتف فجأة ولم تنتبه أن الهاتف الذي يعلو رنينه هو هاتف "هشام" وليس هاتفها.

_ ألو، ألو..

هتفت "لبنى" لعدة مرات قبل أن ينغلق الخط وقد أدهشها ما حدث ثم أبعدت الهاتف عن أذنها وشعرت بالذهول عندما وجدت أن الهاتف الذي بيدها هو هاتف "هشام".

تهاوت بجسدها على الفراش وهي تشعر بالصدمة من الحالة التي وصلت إليها.

سقط الهاتف من يد "زينة" وجثت على ركبتيها رافعة رأسها لأعلى والدموع تغرق خديها... فـ أين هي من حياتهم؟ هي لا شئ. 
...

_ "لبنى"، أنتِ ماسكة تليفوني كده ليه في حد أتصل من الولاد.

حركت رأسها له، فأخذ نفسًا طويلًا وألتقط الهاتف منها حتى يعلم بهوية المتصل.

تجمدت ملامح وجهه عندما رأى الأسم الذي يسجعله بأسم أحد أصدقائه وبصوت متحشرج قال بعدما سار من أمامها مُتجهًا نحو الحمام مرة أخرى.

_ ده المستشار "حسن"، هكلمه لما ننزل تحت ... يلا أجهزي بقى.

أغلق الباب ورائه وأستند إليه ثم زفر أنفاسه دفعة واحدة ، فكيف نسى أن يحظر الرقم بعدما أنهى تلك العلاقة.

أسرع بتمرير أصابعه على شاشة هاتفه حتى يضع الرقم بالقائمة السوداء متمتمًا.

_ صفحة وأتقفلت يا "هشام" ومش هتضيع سمعتك على أيد عيلة مقضياها من راجل لـ راجل.

...

عقد "صالح" حاجبيه وهو يسترقِ السمع إلى أن تأكد من وجود والدته لديهم. 
أبتسمت "حورية" وأنهت مكالمتها عندما أستمعت إلى صوته ونهضت على الفور واتجهت إليه.

_ قولت أرخم عليك أنت و "زوزو" يومين، هكون ضيفة مُرحب بيها ولا أخد بعضي وأمشي.

أحتضنها "صالح" وعلى ثغره أبتسامة هادئة.

_ أكيد يا ماما مُرحب بوجودك في أي وقت وأشيلك فوق رأسي كمان.

دمعت عيناها وتشبثت بحضنه ثم ربتت على ظهره.

_  حبيبي وعمري كله...

أتت "زينب" هذه اللحظة من غرفة "يزيد" الذي غفا بعد أن وعدته بالتنره في الغد.

أبتعدت "حورية" عن حضنه ثم أزالت دموعها ونظرت نحو "زينب" التي ظهر على وجهها السعادة لرؤيتهم هكذا.

_ أهي مرات أبني الحلوة جات..

اِستدار صالح جهتها ثم أبتسم وغمز لها بطرف عينه.

_ هنيالك يا "زوزو" ، دكتورة "حورية" راضية عنك.

زجرته "زينب" بنظرة مُستاءة، جعلته يُقهقه بصوت عالي.

...

غادرت "ليلى" مسكن عمها بعدما تناولت وجبة العشاء معهم هذه الليلة وفي قلبها غصة تتجدد كُلما أستمعت إلى تساؤلات "شهد" عن سبب فتور العلاقة بينها وبين "عزيز" خاصة إنه غاب عنها لمدة شهر وعندما عاد صار وجوده بالمنزل قليل.

_ أنتِ زعلانه من "شهد" ليه يا "ليلى"، ما هي ديه الحقيقة اللي أنتِ بتحاولي تلاقي ليها مُبررات عشان مش هتقدري تتحملي بُعدك "عزيز" عنك..

وأردفت بعدما أبتلعت مرارة حلقها.

_  أنا دنيتي كلها بقت معاك يا "عزيز" ،أرجوك متسبنيش..

أطبقت جفنيها ثم أطلقت زفرة طويلة وهتفت حتى تُشجع نفسها.

_ الست الشاطرة بتعرف إزاي ترجع جوزها ليها يا "ليلى" وأنتِ بقيتي عارفة إيه يبسطه وإيه يزعله وأكيد ده كلها من ضغط الشغل، أتحملي زي ما عم "سعيد" و "سيف" قالولك.

وعندما أتى ذكر "سيف" على لسانها، رأته يتحرك بالحديقة ويتحدث بالهاتف وعلى شفتيه أبتسامة واسعة.

سارت في طريقها نحو الفيلا ، أنتبه "سيف" عليها وتنهد.

_ محتار أوي في حال عمي يا "بيسان"، عمي في حاجة غريبة، حاجة وجعاه وأغلب الوقت بقى بره البيت.

احتضنت "بيسان" وسادتها وهي تُحادثه وتساءلت.

_ و "ليلى" متعرفش السبب، هي أقرب حد له دلوقتي.

حرك "سيف" رأسه ثم زفر أنفاسه.

_  أهي معامله عمي لـ" ليلى" مخلياني متأكد إنه في حاجة، ديما مش موجود في البيت وكأنه مش طايق وجودها.

تركت "بيسان" الوسادة وهتفت بحزن.

_ تفتكر يكون زهق منها وكرهها ، لا لا "عزيز" بيه مش من نوعية الرجاله ديه...

توقف "سيف" عن حركته ثم أتجها بأنظاره نحو شرفة غرفته وقد لمح طيف "كارولين" وكأنها كانت تُتابعه.

.... 

أسرعت "زينب" بالأستناد على طاولة المطبخ ثم أغلقت عينيها حتى مَرَّ هذا الدوار وأستطاعت ألتقاط أنفاسها.

_ بكره هروح الصيدلية أشتري أختبار الحمل...

وأبتهجت ملامحها عندما تخيلت فرحة "صالح" ، فهي أوهمته أنها ذهبت إلى الطبيبة وتتناول الحبوب.

_ أكيد هيفرح أوي وكمان "يزيد" ..

اختفت البهجة عن وجهها وأخفضت رأسها بخوف عندما تذكرت أمر "يزيد" وحديثه معها قبل أن ينام عن عدم رغبته بوجود أخوة له وأنه يريد أن يكون وحده طفلهم المُدلل.

أنفلتت زفرة عميقة من شفتيها، فـ "يزيد" هو من دفعها لتقتنع أن لا حق لها في حرمانه من وجود أخ له ولم تتناول الحبوب من أجله هو أولًا.

_ متفكريش كتير يا "زينب" في حاجة لسا مش متأكدين منها...
تحدثت إلى نفسها لعلّها تنفض عن رأسها ما يُقلقها ثم أتجهت نحو الأطباق النظيفة حتى تُجففها من الماء وتضعهم بمكانهم.

أجفلها سماع صوتهم الذي أحتد فجأة وتركت الطبق من يدها وخرجت من المطبخ مدهوشة.

_  ليه أنتوا مش مقتنعين إن قرار تأجيل الخلفة من عندي أنا و "زينب" ملهاش علاقة بالموضوع.

توقفت "زينب" مكانها مُحملقة العينين ومُطبقة الشفتين ثم أرتجف جسدها عندما وجدته ينتفض واقفًا. 

_ أنا مقتنع بالقرار وشايف إن لسا بدري عشان نفكر يكون عندنا طفل. 

أنطفأ بريق الأمل من عينين "حورية" والذي تراه سلاحًا قويًا أمام ما يسعى ورائه الجد.

_ خليني أتكلم مع "زينب"، يمكن تكون غيرت رأيها ونروح للدكتورة ونطمن أكتر على وضعها ، موانع الحمل أنا مش بفضلها مع أول طفل..

ومع أبتسامة واسعة أردفت حتى تُقنعه وتلفت نظره نحو ما يتغافل عنه.

_ هي في ست برضو مبتكونش عايزه تكون أم خصوصا لأول طفل.. 

أسبل "صالح" أجفانه مُتنهدًا بقوة ثم مرر بأصابعه على خصلات شعره بضيق.

_ تاني يا ماما، قولتلك أنا وهي متفقين ولو هي غيرت رأيها أنا مش هغير رأي لأني بقيت عارف نوايا "شاكر" باشا الحالية لو "زينب" خلفت ومش هحققها له وخلينا بقى في لعبة القط والفار. 

تنهدت "حورية" ونظرت إليه برجاء.

_ صدقيني أنا و "زينب" مبسوطين في حياتنا وأنا مش عايز حد يشاركني فيها، ده غير أني بفكر أخدها نسافر ونلف العالم ووجود طفل هيمنع ده كله وحقيقي ده أحسن قرار أخدنا حاليًا في حياتنا. 

أشاحت "حورية" بوجهها عنه بعدما تملك اليأس منها لتنتبه على وجود "زينب" التي وقفت مُحدقة بهما وفي عينيها نظرة غير مفهومة.

_ "زينب"..

صوت "حورية" الذي خرج بلفهة وأمل جعله يستدير سريعًا بجسده ويمد يده إلى "زينب" حتى تقترب منه.

_ تعالي يا "زينب" قوليلها إننا واخدين القرار سوا ومش هنغيره...

تلاقت عينين "حورية" بعينيها ، فتعجب "صالح" من وقوفها هكذا ونظرتها إليهم وأقترب هو منها.

_ مالك يا حببتي ، أوعي تفهمي كلامي غلط.. أنتِ عارفة ومتأكدة إن يوم ما ناخد القرار سوا هكون مبسوط وسعيد إن هيكون ليا طفل منك لكن أنا وأنتِ دلوقتي مش عايزين حد ياخدنا من البعض ، ده غير الخطط بتاعتنا...

وأتبع حديثه بأحتضان وجهها.

_ لسا الوقت قدامنا ولا إيه يا "زوزو"؟

...

نظرت "ليلى" إلى صورتها بالمرآة ثم تنهدت بثقل وهي تُحرك يدها على ثوب نومها القصير.

_ يا ترى هترجع بدري يا "عزيز" ولا هنام وأنا مستنياك.

ألقت بنظرة أخيرة على مظهرها وسارت نحو الفراش تجلس عليه مُنتظرة عودته. 
مر الوقت وثقلت جفونها ورغم مقاومتها ومحاولتها للتغلب على النُعاس إلا إنها بالنهاية اِستسلمت.

بالساعة الثانية والنصف صباحًا ، دخل "عزيز" الغرفة بخطوات هادئة وحذرة.

أقترب من الفراش ونظر إليها بندم ثم جثا على ركبتيه عند الجهة التي يتمكن فيها من رؤية وجهها.

_ سامحيني يا "ليلى"، مش قادر ولا متحمل أوجعك...

وبصوت باكي ودموع طَفَرت من عينيه أردف.

_ وجعي ليكي نار بتحرقني يا حببتي ، أبعدك عني إزاي قوليلي.

وأرتخى بجسده جالسًا على الأرض بعدما شعر بالأختناق ثم أستند برأسه إلى الفراش.

كانت نائمة بعمق، تُصارع في نومها مخاوفها، فهل لديها القدرة على العودة إلى حياة ليس هو فيها. 

وبالصباح الباكر، جلس العم "سعيد" على أحدى درجات الدرج وهو يحمل مبخرته منتظرًا خروجه من غرفته.

_ أنت بتعمل إيه يا عم 'سعيد".
 
نهض العم "سعيد" من مكانه وألتف ناحيته وأبتسم.

_ هبخرك عشان العين اللي صابتك، مش شايف نفسك
 يا بيه مبقطش طايق البيت إزاي.

اِختنق" عزيز" من رائحة البخور وأشاح بوجهه عنه.

_ عم" سعيد" أبعد البخور ده عني...

_ لأ هبخرك، ومش هتمشي غير لما أرقيك... العين صابتك حتى لحد دلوقتي مش عارفين تفرحوني وتجيبوا حتت عيل يملا علينا البيت...

بهت وجهه وتعالت وتيرة أنفاسه ثم دفع يد العم "سعيد" التي تحمل المبخرة عنه وغادر الفيلا هربًا.

حدق العم "سعيد" بالمخبرة التي سقطت من يده مذهولًا وغمغم بتلك الأفكار التي يعتقد بها.

_ البيه مش طبيعي ليكون مسحور، هي مافيش غيرها تعملها.
 
...

دارت "سمية" بمقعدها وهي تنظر إلى الصور المُرسلة لها ثم صدح صوت ضحكاتها.

_ قولتله إنها هتخونك في يوم ، أشرب يا حبيب ماما عشان تسمع الكلام كويس، وفي أقرب وقت هخليك تشوفها في حضن غيرك وخلي "عزيز" بقى يلم الفضيحة كويس وبعدين يقعد يطبطب عليك وعشان يرضيك و يطلعك من صدمتك يقبل بجوازك من 'بيسان" وهو مغلوب على أمره.

وأسترخت في مقعدها وهي تتلاعب بخصلات شعرها.

_ مش عارفه هتتحمل الصدمات اللي جاية إزاي يا" عزيز" وخصوصا كمان لما تعرف الدكتورة "شهد" اللي ربيتها على أيدك بتشتغل عندي وبقت بتلبس على الموضة وهدفها تطفش مراتك وتكون هي أميرة القصر...

...

أقتربت "ليلى" منه بخطوات تحمل ذهولها وتساءلت بكلمات خرجت ثقيلة من لسانها وقد خشيت الرد.

_ "عزيز" ، هو أنت مسافر...

تحرك "عزيز" أمام عينيها وترك أحد قمصانه ثم ألتقط غيره.

_ لأ مش مسافر، بس هنقل حاجتي أوضة تانية...

ضاقت حدقتاها ثم رفرفت بأهدابها وهتفت بتعلثم.

_ تنقل حاجتك ليه في أوضة تانية.. ؟

توقف "عزيز" عن ما يفعله وأطبق على أحد يديه بقوة مُجيبًا.

_ شايف إن ده أنسب حل لينا الفترة ديه يا "ليلى" بدل ما كل ليلة بتفضلي مستنياني وأقلقك في النوم...

أسرعت بالوقوف أمامه تهز رأسها رافضة قراره.

_ لأ يا "عزيز"، مين قالك إنك بتقلقني أنا مبعرفش أنام غير لما بحس بنفسك جانبي.

أشاح بوجهه عنها حتى لا يضعف.

_ هتتعودي مع الوقت على عدم وجودي وكمان الفترة الجاية هسافر كتير وده هيسهل عليكي الوضع الجديد.

_ الوضع الجديد!!

تمتمت بها بصوت بالكاد خرج منها ثم تراجعت إلى الوراء حتى تتمكن من رؤية وجهه بوضوح...

تعليقات