رواية ظنها دميه بين أصابعه الفصل المائة واربعة 104 بقلم سهام صادق


 رواية ظنها دميه بين أصابعه الفصل المائة واربعة


في لعبة الماريونيت لا يترك صانعها خيوط دُميته المُتحركة إلا إذا أنتهى العرض المسرحي أو أراد تبديل الأدوار حتى يستعيد أنتباه الجمهور نحو دُميته الأخرى ولهذا السبب كان وجودها هنا الليلة لأنها اللعبة الجديدة في قبضة يد
 "شاكر الزيني". 
نظرة "صالح" الثاقبة من وقت إلى آخر إليها بدأت تُشتتها وجعلتها حائرة ، فهل شك في أمرها وأكتشف تآمرها مع جده.

ألقى "صالح" نظرة سريعة عليها ثم أومأ برأسه وهو يوجه أبتسامته إلى ضيوفه المندمجين مع حديثه اللبق وبراعته في إظاهر إتقان اللغات التي يتقنها ومن بينهم اللغة الأسبانية وقد أنتقل أحد الضيوف وأساس تلك الشراكة إلى التحدث بها لأنها لغته الأم بعد أن أنتبه إلى إجادته لها وهذا ما جعل عشاء العمل لطيف وخفيف.
أخفت "رغد" ضيقها، فبعد أن كانت هي منْ تجذب أنظار الحضور عليها ، صار هو المتحدث ولم تجد في عشاء العمل إلا تلك النظرات التي يختطفها أتجاهها وحتى تهرب من أنظاره ، ألتقطت هاتفها.

_ أنسة "رغد"، شاركينا الكلام من فضلك ، الضيوف عايزين رأيك.

قالها "صالح" بمغزى مُبطن، فأبتسم أحد الجالسين المزدوج الجنسية ، فهو من أصول يمنية.

_ سنكون سعداء برأي السيدة الصغيرة بالتأكيد..

توقفت "رغد" عن العبث بهاتفها ورفعت عينيها التي تلاقت مع عينين "صالح".

_ السيد "صالح" أخبرنا إنك من المؤثرين على مواقع التواصل الأجتماعي ويتابعك الكثير كما إنك إعلامية صاعدة... وأنا سعيد للغاية لمعرفة هذا.

ضاقت حدقتيّ "رغد" ونظرت نحو الرجل الذي لم يُلقىٰ حضوره أستحسانها منذ البداية لأنها تحدث معها بتعالي وصافحها مُصافحة باردة.

_ معذرة، حضرتك بتتكلم عربي كويس.

داعبت شفتيّ الضيف أبتسامة خفيفة ونظر إليها بنظرة فاحصة وطويلة.

أبتلعت "رغد" ريقها وهي تُرفرف بأهدابها وسرعان ما كانت أنظارها تعود إلى صالح الذي أجاب على تساؤلها.

_ السيد "ساري"، من أصول يمنية يا "رغد"...

هزَّ السيد "ساري" رأسه بتفهم لعدم تجاوبها مع حديثه وأنتقلت عيناه نحو بِنْصِر "صالح" الذي يزينه خاتم الزواج.

...

ألْجَمها رده الذي جعلها تُسرع بوضع يدها على شفتيها من شدة صدمتها، "هشام" يُخبرها أن أمر طلاقهم إذا وضع أمام قراره هذه المرة.. فستكون الخاسرة.

ولمرات أخذت تفتح فمها وتُغلقه بعدما عجزت عن الكلام.

_ بكررها للمرة التانية يا" لبنى"، لو سمعت رأيك تاني في الموضوع ده.. يبقى على بيت أخوكي، نسب تاني مع العيلة ديه أنتهى كفاية إننا نسبناهم في بنتنا الوحيدة.

لم تتحمل "لبنى" الضغط الذي تعيشه منذ يوم زفاف أبنتها الوحيدة.

_ مش كنت فرحان بالنسب ده يا سيادة المستشار وقولت نسب يشرف وهنستفاد منه ، قولي بقى غيرت رأيك ليه، ليه.. ؟؟

وأندفعت نحوه وصدح صوت صراخها بقوة أدهشته.

_ عشان مصالحك رميت بنتك وهي بتسمع كلامك ،قولتلها نسب هيرفع مننا أكتر وأكتر  لكن دلوقتي رافض إننا ناخد بنتهم ، يبقى خلاص رجعلي بنتي زي ما كانت...

وبقهر أخذت تردد هذه العبارة التي تغافل عقل "هشام" عن فهمها ، هي تريد أبنتها كما كانت في حضنها... وليس تلك الهزيلة التي رأتها اليوم وبكل قسوة دفعتها من أمامها وأخبرتها أن تُغادر ، فهي لا تطيق رؤيتها...

أبنتها الغالية ومدللتها، من رأت فيها شبابها ونجاحها وكانت ترفع بها رأسها ، من زرعت فيها الكِبر والأعتزاز بالنفس، من تمنت لها أن تحصل على رجلًا يضعها فوق رأسه ويُعاملها كالأميرة.

_ أنا عايزة بنتي ترجع لحضني يا "هشام" ،رجعها لحضني...

شعر "هشام" بالتخبط، فهل تعلق زوجته المرضي بأبنتهم أوصلها لأن تسعى إلى طلاقها من زوجها.

_ "لبنى"، أنتِ من ساعت جوازها وبقيتي غريبة... لأ أنتِ لازم تروحي لدكتور نفسي، "مصطفى" أخويا عنده حق.

سارت "لبنى" نحو الفراش تُلقي بجسدها عليه ثم وضعت رأسها على الوسادة و أغلقت عينيها.

_ أنا عايزة أنام، أطفي النور وسيبني أنام...

أخفض "هشام" رأسه زافرًا أنفاسه ، يتساءل داخله ما اللعنة التي حدثت لهم فجأة.

فتحت "لبنى" عينيها بعدما أستمعت إلى صوت أنغلاق باب الغرفة ورددت بتصميم.

_ أنت مش موافق لكن أبني عندي هخليه يوافق على "زينة"، لازم أبني يكسرها زي ما أخوها كسر بنتي.

...

وضعت "زينب" طبق الفاكهة أمام "حورية" التي أنشغلت في مشاهدة التلفاز واللعب بخصلات شعر "يزيد" الذي غفا على حجرها.

_ يا حببتي ليه محسساني إني ضيفة وتعبه نفسك ،ممكن تقعدي بقى وتريحي نفسك.

أبتسمت "زينب" وهي تنظر نحو "يزيد".

_ أنا مش تعبانه في حاجة يا طنط، ديه فاكهة غسلتها وجبتها وكفاية وقفت حضرتك النهاردة في المطبخ وعملتي لينا أكلات حلوة بنحبها.

تنهدت "حورية" بغبطة ، فهي لا تدخل المطبخ إلا على فترات متباعدة ولم تظن أنها مازالت تجيد طهي تلك الأكلات التي كانت تتقن صنيعها في منزل أهلها.

_ تصدقي يا "زوزو"، أنا دلوقتي فهمت وجهة نظرك في رفضك ديما إني أبعت ليكي واحدة من الخدم تهتم بكافة شئون البيت وأنك بتكتفي بس أن تجيبي واحدة كل أسبوع تهتم بالنضافة لكن كل حاجة في بيتك فيها لامسة منك...

وبنبرة صوت حانية أردفت "حورية" .

_ شكلك كنتي بنوتة شاطرة وجدتك علمتك من صغرك إزاي تكوني ست بيت ممتازة.. أنا سمعت إنها كانت من الفلاحين وست مكافحة.

دمعت عينين "زينب" عندما تذكرت جدتها ووالدها وتلك السنوات القليلة التي عاشتها معهم مُحاطة بدلال قد عاد إليها عند دخولها هذا المنزل الذي ملكت قلب صاحبه بعد أن أنارة عتمة حياته.

_ "زوزو" يا حببتي ،سامحيني لو فكرتك بيها...

أسرعت "زينب" بالرد و رفعت عينيها.

_ أنا عمري ما نسيت بابا ولا تيته.

حركت "حورية" يدها على شعر "يزيد".

_ ربنا يرحمهم يا حببتي و يرحم "سارة" ويجازيكي خير على تربيتك لـ  "يزيد"،  أبني وحفيدي محظوظين بوجودك في حياتهم والحاجة الوحيدة الصح اللى عاملها "شاكر الزيني" في حياته إنه أختارك لـ "صالح".

مسحت "زينب" تلك الدمعة التي أنفلتت في طرفيّ عينيها ونظرت إلى" يزيد" بحنان ، فواصلت "حورية" كلامها بأمل وتلاعب.

_ وأحفادي منك هيكونوا محظوظين جدا إن عندهم أمك زيك، اه لو تعرفي يا "زوزو" أنا و دكتور "صفوان" مشتاقين للحظة ديه إزاي.

خفق قلب "زينب" وارتبكت عندما رأت عينين "حورية" تتجه نحو بطنها.

_ عارفه "صالح" أكتر واحد فينا نفسه في طفل منك لكن بيقول كده عشان أنتِ عارفه السبب من البداية..

وبأبتسامة واسعة أردفت وهي تلتقط ردة فعل "زينب" بنظرة مُتفرسة لخلجات وجهها.

_ "صالح" مش عايز يزعلك ويفرض حاجة عليكي وأنا مقدرة ده أوي لكن أنا شايفه حياتكم الحمدلله مستقره يعني الخطوة ديه مهمه في حياتكم وهتزيد ترابطكم و هيمنع...

أرادت "حورية" أن تسترسل في حديثها وتؤكد لها أن بعد أنجاب هذا الحفيد سيبتعد "شاكر" عن حياتهم تمامًا وإذا لم يحدث هذا، ستقف هي و "صفوان" له بالمرصاد ، فيكفيهم تحقيق لرغباته.

_ "يزيد"، حبيبي، قوم خليني أدخلك أوضتك.

هتفت بها "زينب" حتى تهرب من حديثها الذي ربما يفضح ما تُخفيه.

_ لأ ، يا حببتي متشيلهوش، بقى تقيل عليكي ويمكن تكوني حامل ...

ألقتها "حورية" ثم تفرست ملامح "زينب" وسرعان ما كانت الأبتسامة تعلو شفتيها عندما رأت نظرة "زينب" إليها.

...

وضعت "سما" رأسها على صدر جدها وقد تركها "نائل" تبكي دون أن يسألها عن السبب الذي يعرفه إلى أن توقفت عن البكاء ثم أبتعدت عنه مُتسائلة.

_ جدو أنا صدعتك من عياطي مش عارفه إيه رجعني تاني لدور البنت الزنانة...

ضحك "نائل" وأعادها إلى حضنه.

_ كنتي زنانة وشقية بس أطيب واحدة في أحفادي، أنتِ خسارة في "يسرا".

ألتوت شفتيّ "سما" بعبوس ، فهي هنا في منزل جدها بعد مُشاجرتها مع والدتها التي فجأة صارت تتحدث مع نساء العائلة عن حفل خِطبتها القريب من "قصي".

_ قولي لـ جدك حبيبك ، جيالي بشنطة هدومك غضبانه ومتخنقة معاهم في البيت ولا جاية تريحي أعصابك عندي.

ردت "سما" وهي تشد من دسَّ رأسها بحضنه.

_ الأتنين يا جدو.

أبتسم "نائل" ومرر يده على خصلات شعرها بحنان.

_ خلينا في سبب الخناقة عشان أعرف أشدلك ودن "يسرا" و "مصطفى" كويس.

رفعت "سما" عينيها إليه ، فأفتر ثغر "نائل" عن أبتسامة عريضة قائلاً :

_ هتخبي على جدك حبيبك يا "سما".

سحبت "سما" جسدها عن حضنه وأشاحت بوجهها عنه.

_ يعني أنت يا جدو متعرفش إيه بقى منتشر في العيلة، أنا بقيت حديثهم الفترة ديه والكل بقى يباركلي ومنتظرين إعلان خطوبتي من "قصي".

صدحت ضحكات "نائل" حتى دمعت عيناه.

_ اكتر واحدة كنت خايف منها في الموضوع ده أنا وعمك "هشام" هي أمك، طول عمرها لسانها خفيف خصوصا لما تحب تنشر حدث معين...

عقدت "سما" حاجبيها لوهلة في حيرة ثم نظرت إلى جدها بصدمة بعدما أستوعبت حديثه.

_ جدو أنا مش فاهمة حاجة ، أنت وعمو "هشام" السبب في انتشار الكلام ده عليا أنا و "قصي".

اتسعت أبتسامة الجد وقال دون مُراوغة.

_ أيوة أنا أكثر حد بسعى في الموضوع ده، شوفتي جدك أتحول إزاي للسلوك ده على أيديكم.

هزت "سما" رأسها رافضة و نهضت من جواره.

_ أنا مصدقتش ماما لما قالتلي جدك مرحب بشدة ، أنت يا جدو معقول!!

تنهد "نائل" ومدَّ يده إليها حتى يعيدها إلى جانبه.

_ جدك عمره ما يقلل من قيمتك يا "سما"، و لو "قصي" مجاش بنفسه وبرغبته يتقدم ليكي أعتبري الأمر منتهي ومحدش هيغصبك على حاجة لكن أنا عايز أشوفكم مع بعض ، شايفك أنسب واحدة له و "قصي" بالذات مش عايز يختار عروسه من أختيار" لبنى" لأنها هتسعى بكل قوتها تجوزه بطريقتها وأحنا عارفين دماغها كويس ، فـ ليه أنتِ و أبن عمك متجربوش شهر ولا شهرين خطوبة...

انتفضت "سما" مرة أخرى من جواره.

_ أنا و "قصي" طول عمرنا شايفين بعض أخوات.

أمتعضت ملامح" نائل" من تلك الكلمة التي يسمعها منهم.
 
_" قصي" مش أخوكي ولو سيبتكم أنتوا الأتنين مع بعض في مكان مقفول الشيطان هيكون ثالثكم يا بنت" يسرا"...

انعقد لسان"سما" عن الكلام وتخضبت وجنتاها خجلًا ونظرت إلى جدها بنظرة مُستاءة، فأطلق" نائل" زفيرًا طويلًا من صدره.

_ بتبصيلي كده ليه مش عجبك كلامي، متخلينيش أعملها وأنتِ أهو عندي... و أوريكم أنتوا الأتنين هتغيروا رأيكم إزاي.

كادت أن تتحدث وتعترض على حديثه لكنه أشار إليها بالصمت.

_ عمرنا ما هنغصبك على حاجة يا حببتي وزي ما وعدتك لو "قصي" مجاش بنفسه يطلب أيدك ،يبقى الأمر أنتهى خلاص.

حدقت "سما" به وفي عينيها نظرة لوم وخرجت نبرة صوتها بحزن.

_ أنا لحد دلوقتي مش مصدقه إن ده تفكيرك يا جدو.

...

مسحت "ليلى" دموعها سريعًا عندما أستمعت لصوت بوق سيارة وقد ظنت أن "عزيز" من أتى.

نهضت وقررت ترك الحديقة قبل أن يلمح طيفها لكن أجفلها صوت صرير أطارات السيارة وعندها تأكدت أنه ليس "عزيز".

وضعت يدها على قلبها حتى هدأت نبضاته وعادت إلى مكانها ؛ فهي تختنق من وجودها بالغرفة. 

ترجل "سيف" من سيارته صافعًا الباب بعنف ومُخرجًا أنفاسه بغضب.

صدح رنين هاتفه برقمها ، فأسرع بقطع أتصالها... وقد أدرك الليلة أن "بيسان" تتلاعب به حتى تثأر لكرامتها لأنه رفض الزواج منها قبل أن يتزوج "كارولين".

تحرك نحو الحديقة حيث ذلك المكان الذي يُفضل الجلوس به ثم قطب جبينه مدهوشًا من وجود "ليلى" ورفعها لرأسها إلى أعلى مُستنده على ظهر المقعد.

....

زفرت "زينب" أنفاسها بأرتياح عندما أستطاعت التخلص من تساؤلات "حورية" وتلك النظرة التي وجهتها إليها قبل أن تدلف إلى أحدى الغرف التي أختارت أن  يشاركها فيها "يزيد".

_ أنتِ مالك قلبك بيدق بسرعة كده ليه يا "زينب"، وفيها لما تعرف إنك حامل...

وأستمرت في زفر أنفاسها ثم تمتمت وهي تتحرك نحو الأريكة لتُكمل متابعة المسلسل الدرامي الذي يُعرض.

_ "صالح" لازم يعرف ونخلص بقى، أنا حاسه إنهم بسبب كلامهم الكتير في الموضوع ده خلوني مش فاهمة نفسي ولا مشاعري...

وأسرعت بوضع يدها على بطنها.

_ عجبك الوضع ده ، كان لازم تيجي بسرعه يعني...

وفي حديثها مع جنينها كانت كالطفلة، طفلة لم تستعيد طفولتها إلا على يديه.

_ أنا هعمله مفاجأة وأقوله أنا حامل ،أيوه "صالح" بيحب المفاجأت خصوصًا اللي بتبسط مزاجه...

وأعقبت حديثها بأبتسامه عريضة ثم أسترخت في جلوسها تستعيد إحدى لحظاتهم الخاصة.

....

بخطوات بطيئة سار "سيف" نحو "ليلى" ثم تنحنح بخشونة حتى تنتبه عليه.

فتحت "ليلى" عينيها ثم أنتفضت من المقعد وقد أصاب الحرج ملامحها.

_ أسف يا "ليلى" إني فزعتك.

ألتقطت "ليلى" أنفاسها وهزت رأسها يمينًا ويسارًا ، فأبتسم وأقترب منها. 
_ تسمحيلي ؟

وأشار نحو أحد المقاعد ،فأسرعت بالرد.

_ آه، أكيد..

تنهد "سيف" وهو يسحب المقعد ليجلس عليه ثم وضع رأسه بين كفوف يديه.

_ أنا مخنوق أوي يا "ليلى" وشكلك أنتِ كمان زي.

أبتلعت "ليلى" غصتها وجلست قبالته تفرك يديها ، فتساءل.

_  وضعك مع عمي بقى غريب، وحقيقي أنا مبقتش فاهم حاجة ولا عارف أقولك إيه.

ترقرقت الدموع في عينيها ، فهو ضغط على وجعها.

_ ولا أنا بقيت فاهمة "عزيز" ولا عارفه بيعمل معايا كده ليه، من فضلك يا "سيف" أسأله لو...

خرج صوت بكائها ولم تستطيع قول بقية حديثها الذي فهمه "سيف".

_ لأ اوعي تفكري إن عمي بالدنائة ديه يا "ليلى" بعد ما يزهق منك يهينك لحد متقرري تمشي بنفسك.

حاولت "ليلى" تمالك نفسها وهتفت بصوت مهزوز.

_ مش ده "عزيز" جوزي كأنه راجل غريب عني، أنا صعبان عليا نفسي أوي.

وأنهارت بالبكاء مُختنقة في حيرتها وضعفها.

_ "ليلى"، أهدي من فضلك ،  طب أستني هدخل أجيبلك كوباية مية من جوه ... خدي بس نفسك وبطلي بكا.

ونهض "سيف" سريعًا حتى يأتي لها من الداخل بكوب الماء.

...

أرتعش جسد "رغد" عندما ألقى عليها "صالح" بمعرفته لمخططها مع جده ومحاولته في دفعها إلى حياته.

_ فوقي يا "رغد" ومتخليش "شاكر الزيني" يلعب بيكي زي ما لعب بيا زمان، جدي وأنا عارفه هيعمل منك دمية جديدة، زي ما عمل في "سارة" وحاول يعمل مع "زينب"...

وقبل أن يتجه نحو سيارته ، أخبرها بتلك الحقيقة التي يُخبرها بها مرارًا.

_ هفضل شايفك "رغد" البنت الصغيرة اللي كبرت قدام عيني ومهما حاولتي تقربي ، هتقللي من كرامتك وهتضيعي صورتك من عيني لأن اللي حصل زمان نسيته لكن دلوقتي مافيش حاجة هتغفرلك.

...

ألتمعت عينين "كارولين" الواقفة بخبث وهي ترى طيف "شهد" التي توارت بجسدها ثم انسحبت وسارت نحو مسكنها بعدما تأكدت من تلك الرسالة التي وصلتها وقد أبصرت جزءً من وراء رؤيتها للمشهد وضحكات "سيف" ومزاحه مع "ليلى" حتى يخرجها من تلك الحالة التي وصلت إليها بعد أن أنهارت أمامه باكية.

اِفتر ثغر "ليلى" عن أبتسامة بالكاد أرتسمت على شفتيها ثم خرج صوتها بأمتنان حقيقي لمحاولته للتخفيف عنها.

_ شكرًا يا "سيف"...

نظر إليها "سيف" وتمنى في هذه اللحظة أن يعتذر منها عن سوء ظنه بها وما كان يفعله معها لكنه أبتلع حديثه عندما أردفت بتساؤل.

_ أنت كنت مضايق من إيه؟ لو عايز تحكيلي أكيد هسمعك زي مسمعتني...

وأنتظرت أن يُخبرها بما كان يخنقه ولكن حينما وجدته يشيح بوجهه عنها تمتمت بأعتذار.

_ مش لازم تحكي ما دام مش عايز.

... 

دلفت "شهد" إلى مسكنها ولم تهتم بنداء والدتها عليها ثم هرولت إلى غرفتها وأوصدت غلق الباب وأستندت إليه باكية. 

_ كنت بتكرها يا "سيف" لكن دلوقتي بقيت بتقعد معاها وبتضحك...
ثم لطمت على صدرها بأختناق.

_ غلطة واحدة مني كنت أنت السبب فيها كرهتني بعدها لكن هي لا، كلكم بتشوفوها ملاك حتى أبيه "عزيز" أتجوزها عشان يداري على فضيحتهم سوا في المزرعة.

أزداد شعورها بالأختناق وأرادت الصـراخ لكن أسرعت بأبتلاع صــرختها حتى لا تسمعها والدتها.

أتجهت نحو فراشها تُلقي بجسدها عليه وألتقطت وسادتها تكتم بها تلك الصرخة التي انفلتت من شفتيها. 

_ أخدتي حبهم من ساعت ما دخلتي حياتنا ، كلهم على لسانهم ليه متكونيش زي "ليلى" ، "ليلى"... "ليلى"،، أنا بكرهك... بكرهك وهساعدهم إنهم يتخلصوا منك وتخرجي من حياتنا...

...

أطبقت "ليلى" جفنيها عندما أستمعت إلى باب الغرفة المقابلة لغرفتها يُغلق وقد تأكدت من عودته.

أنسابت دموعها وأتجهت نحو أحد الأدراج الخاصة بمتعلقاتها وأخرجت تلك القطع التي تقوم بتطريزها.

برقت عينين "كارولين" في الظلام عندما أبصرت دخول "عزيز" تلك الغرفة وهذه كانت الليلة الثانية التي أنتبهت فيها على هذا الوضع الذي صار بينهم.

...

داعبت شفتيه أبتسامة  عندما وجدها نائمة على الأريكة الموجودة بغرفة المعيشة وتحتضن جهاز التحكم بالتلفاز.

سحب جهاز التحكم برفق منها ثم أغلق التلفاز مناديًا عليها بصوت هامس. 
_ "زوزو".

فتحت "زينب" عينيها ونظرت إليه ثم أغلقتهما مرة أخرى.

_ سيبني أنام هنا لو مش هتشيلني.

أراد الضحك لكنه تمالك نفسه وانحنى بجزعه العلوي حتى يحملها.

_ لأ أسيبك إزاي ،تعالي...ما أنا بقيت مدلعك على الآخر.

انفرج ثغرها بأبتسامة عذبه يخفق معها قلبه.

_ "زوزو" دلوعة "صالح".
قالتها بنُعاس وهي تُحاوط عنقه، فضحك فور أن أغلق باب الغرفة ورائه بقدمه.

_ وهتفضلي دلوعتي طول عمرك يا "زوزو"...

وضعها على الفراش، ففتحت عينيها بثقل.

_ أفتكر إنك تحكيلي كل حاجة حصلت معاك في سهرتك.
 
أرخى صالح ذراعيها عن عنقه وتمتم بعدما أقتطف من ثغرها قُبلة.

_ حاضر، مع أني كنت عايزك فايقة ونسهر شوية..

تمتمت بنبرة صوت خافتة.

_ معلش يا حبيبي، بكره هعوضك وهعملك مفاجأة حلوة.

تهللت أسارير "صالح" وشعر بالحماس لمفاجأتها.

_ ما دام في مفاجأة، نصبر.

وأبتعد عنها وشرع في خلع سترته ثم توقف مدهوشًا وأقترب منها حتى يسمع غمغمتها التي لم تكن واضحة بالكامل.

_  في بيبي في بطني، "يزيد" مش عايزه وأنت كمان بس طنط "حورية" عايزاه وأنا كمان عايزاه.

وأنفتح فمها بفتحه صغيره وبدأت أنفاسها تخرج بأنتظام.

 جلس جوارها ومرر يده على خصلات شعرها مُتسائلًا.

_ "زوزو"، أنتِ عايزة بيبي ؟

وما أزاد دهشته إنها أومأت برأسها بالموافقة لكنها ردت عكس ذلك.

_ لأ ... 
...

تعجب "عزيز" من رؤية "سيف" أمامه ، وقد توقف عن حديثه مع أحد مدراء الأقسام بالمصنع. 
أقترب منه "سيف" وعلى شفتيه أبتسامة، فأطمن "عزيز" وزال عنه القلق قليلًا.

_ مبقتش أعرف أشوفك في البيت بسبب أنشغالك عننا، قولت أنا أجيلك.

أبتسم "عزيز" وربت على كتفه قائلًا للواقف معهم.

_ نكمل كلامنا بعدين يا أستاذ "ياسر" وأحب أعرفك البشمهندس "سيف" ابن أخويا.

صافحه السيد "ياسر" سريعًا بود.

_ أهلًا وسهلًا يا بشمهندس.

أومأ "سيف" برأسه و رد على ترحيبه بنفس الود.

_ أهلًا بيك أستاذ "ياسر".

تحرك السيد" ياسر" من أمامهم، فتساءل "عزيز".

_ وجودك هنا خير ولا في حاجة؟

نظر" سيف" حوله وأبتسم.

_ لأ ، خير يا عمي متقلقش لكن خلينا نروح مكتبك وأشرب معاك الشاي ونتكلم.

عاد القلق يعتلي وجه" عزيز" وأشار إليه.

_ يا سلام، نشرب أحلى كوباية شاي يا بشمهندس.

...

_ يعني إيه مش راضية تروح معاك الشقة، هنفضل لحد أمتى.

زفر المتصل أنفاسه بضجر. 

_ يا "سمية" هانم، مرات أبنك مش غبيه والموضوع مش هيجي معاها بالسهولة اللي أنتِ كنتي متخيلاها.

أحتدت ملامح" سمية" وصاحت بضيق.

_ قدامك أقل من شهر لو مأخدتهاش الشقة أياها ولبست القضية ،أعتبر أتفاقنا ملغي وأي تجاوز ليك في الشغل عندي بعد كده شغلك هينتهي في شركتنا علطول.

....

انخلع قلب "عزيز" وهو يسمع ما يخبره به "سيف" عن "ليلى" وما صارت تظنه من هجره لها.

_ عمي، أنا عارف إن في حاجة مخبيها علينا وقلبي قلقان عليك، أرجوك طمني.

أسدل "عزيز" جفنيه مُتنهدًا ثم نهض وتحرك بالغرفة بدون هوادة.

_ أطمن يا "سيف"، أنا بخير...

نهض "سيف" ووقف أمامه حتى يخبره إنه ليس بخير ويخفي عنهم شئ.

_ عمي، من فضلك أحكيلي فيك إيه لو كان الحاج "عبدالرحمن" هنا، كنت قولتله يفهم منك ، إيه غير أحوالك فجأة.

اندهش "عزيز" وتساءل.

_ هو الحاج عبدالرحمن فين ؟

رد "سيف" ومازالت عيناه عليه.

_ سافر الصعيد ،يحضر فرح أبن أخته وشكله هيطول شوية.

ثم أردف "سيف" مُتسائلًا.

_ أنت مكنتش تعرف؟

اِستدار "عزيز" بجسده حتى يهرب من نظرته المُتفرسة والثاقبة.

_ قولي يا "سيف"، هي فعلًا" ليلى" قالتلك إنها هتسيب البيت وتمشي.

والجواب زلزل كيانه وأعتصر فؤاده. 
_ أيوة يا عمي.. 

وبعد هذا اللقاء ، لم يستطيع "عزيز" مواصلة عمله وغادر من المصنع متجهًا إلى منزله بلهفة.

...

جلست "ليلى" بالمطبخ برفقة العم "سعيد" وقد وضع طبقين من طبخته البسيطه أمامها.

_ أحلى طبق بصارة ومعاه بتنجان ، يلا دوقي بقى عمايل عمك "سعيد".

أبتسمت "ليلى" وغمست لقمتها دون شهية لكن فور أن مضغتها ، عاد لها الحنين لتلك الأكلة التي كانت تجيدها والدتها عائشة.

_ وحشتني أوي الأكلة ديه يا عم" سعيد".

أبتهجت ملامح العم "سعيد" وجلس يتناولها معها ولم يكن بالمطبخ إلا سواهم.

_ ألف هنا على قلبك يا ست البنات، أي حاجة بعد كده نفسك فيها قوليلي عليها وأعملها ليكي علطول.

مضغت "ليلى" لقمتها الثانية ببطء و دمعت عيناها وهي تستصعب ذلك القرار الذي ربما تأخذه قريبًا وترحل من هنا بحقيبتها التي أتت بها من مدينتها.

_ ربنا يخليك يا راجل يا طيب.

زم العم "سعيد" شفتيه بعبوس عندما رأي لمعة الدموع في عينيها.

_ عارفه لو عيطي ، هزعل منك وأحرمك من أكلة بكره.

أسرعت بهز رأسها قائلة:

_ لأ مش هعيط تاني خلاص... خلينا ناكل.

تراجع "عزيز" بخطواته مُطبقًا على يديه بقوة ثم أطرق رأسه حتى يقاوم ذلك الشعور الذي يمزق قلبه ويجعله يرغب بوضع رأسه على حجرها باكيًا.

_ أحلى طبق بصارة أكلته يا عم "سعيد"...

صدح صياح العم "سعيد" بحماس.

_  كل يوم نختار الغدا بتاعنا سوا ونرجع لأكلاتنا الحلوة ، معايا يا "لولو"...

ضحكت "ليلى" وحركت رأسها إليه.

_ معاك طبعًا.

تغلغلت نبرة صوتها الشجية في ثنايا مسمعه وأرجفت معها فؤاده.

_ ويرضيكي أجي جعان عشان أكل معاكي ألاقيكي بعتيني عشان خاطر الراجل العجوز ده.

واللقمة التي كادت أن تبتلعها أنحشرت في حلقها عند سماع صوته...

...

وضع "عدنان" يديه على رأسه بسأم وهو يستمع إلى الشجار الدائر بين أبنه وأبنة المستشار التي صارت مصيبة على رأسهم.

_ "عدنان"، بنت المستشار بقت خطر علينا و "مراد" شكله مش قادر يسيطر عليها  ، شوف أهي بطلت صراخ وأنت أكيد فاهم إيه اللي بيحصل دلوقتي ما بينهم.

تجهمت ملامح" عدنان" ونظر نحو "سيلين" زوجته التي بدء يسأم منها هي الأخرى.

شعرت "سيلين" بالتوتر من نظرته إليها وأشاحت بوجهها عنه.

_ أنا قولت أنبهك مش أكتر وعلى فكرة أنا عندي الحل لو عايز تسمعه...

لم يعطيها "عدنان" أهتمام وسار مُتجهًا نحو غرفة مكتبه.

دلفت ورائه وأغلقت الباب ثم ألقت ما ستسعى هي إليه إذ لم ينفذ هو.

_ خليها تدمن يا "عدنان" عشان تكون تحت رحمتنا ونعرف نحركها كويس لصالحنا....

تعليقات