رواية صرخات انثي الفصل المائة والحادي عشر 111 بقلم آيه محمد رفعت


 رواية صرخات انثي الفصل المائة والحادي عشر 


إقتحم "عُمران" غرفة والدته، ومن خلفه "علي" الذي أوشك على الانيهار، فوجدوها تحبس "مايا" من الحائط، وتنتظر سماع إجابتها، بينما الاخيرة تتناول شطيرة البرجر ببرودٍ تام، كاد بأن يضحك "عُمران" الذي تردد بخاطره إحدى جملته لها حينما كانت تهاب "نعمان" 

«لما تخافي من حد أقفي ثابتة قدامه ومتبينيش خوفك ليه.» 

تذكر حينما تساءلت بفضولٍ: 
_ليه؟؟ 

رده الاسطوري لها 
«عشان هيتمادى بروح أمه!» 

وأضاف
«لكن لما تديله نظرة ثقة وثبات هيشك في نفسه وفي تأثيره الوهمي، وهنا بقى هيكتشف إنه ضعيف قصادك، فهمتي؟» 

خرج من ذكريات حديثه، حينما ردد بصوتٍ منخفض استمع له علي من خلفه: 
_الظاهر أنها بتطبق الدروس في الجهة الغلط!! 

أحاطه "علي" بنظرة ساخطة، جعلته يسبل ببراءةٍ بعيدة كل البعد عنه، وإذا به يتخطاه ويندفع تجاه زوجته، يفصلها عن بقعة والدته، بخفة منه مد ساقه يعركل قدميها دون أن يراها أحدٌ، وقبل أن تسقط كان يتلقفها بمهارةٍ، وبينما يميل إليها يغمز لها بخبثٍ لحق نبرتها الصائحة: 
_مايــــا!!  مالك يا حبيبتي فيكِ أيه؟! 

علمت ما يود فعله لنجدتها، فتركت الكوب من يدها بينما تضم جبينها ، متصنعة مرضها: 
_حاسة إني دايخة ومش شايفة قدامي نهائيًا. 

نجحت بسلب قلق فريدة الكلي تجاهها، فتحملت على ذاتها وأتجهت لها والقلق يساورها: 
_كانت كويسة من شوية، إبعد كده يا عُمران. 

أسندها ومال للخلف، بينما تتفقدها فريدة، التي أشارت بحنان للفراش: 
_هاتها هنا.. وإنت يا علي كلم يوسف بسرعة ينزل يشوفها. 

مال بوجهه تجاه زوجة أخيه، وعينيه تستهدف أخيه الذي يمنحه غمزة ثقة بحله للمشكلة التي كادت بالنشوب هنا، تنهد بقلة حيلة وغادر من الغرفة، قبل أن يفشل خطتهما الحويطة. 

صعدت "فريدة" جوار "مايا" على الفراش، نزعت عنها حجابها وأخذت تمسد على رأسها بحبٍ إلتمسه عُمران، فتابعهما بابتسامة جذابة، العلاقة بينهما قد تكون قريبة من القط والفأر، ولكن حينما ينقلب الميزان تجدهما أم وصغيرتها. 

مالت مايا تجاهها، وأغلقت عينيها بتعبٍ، بينما تخبرها بصوتٍ ناعس: 
_أنا نرفزتك من شوية، فبدل ما تعاقبيني بتكافئيني بالنومة المريحة دي! 

إرتسمت ابتسامة هادئة على وجهها، وقالت ومازالت تمسد على خصلاتها: 
_مضطرة أستحملك وهحط حجتي على الهرمونات، أما بقى لو النومة مريحة وعجباكي فكلها كام يوم وهتيجي هنا إجباري. 

تملك الخوف معالمها، وهمست لها بارتباكٍ: 
_كل ما معاد الولادة بيقرب بخاف. 

ضمت الغطاء الخفيف عليها، وردت بحنان: 
_بمجرد ما تفكري في لحظة ما تشيلي ابنك بين ايديكي هتنسي كل الخوف اللي جواكي، فكري في لقائك بيه وبس. 

اتسعت بسمتها ومالت بجسدها تضع رأسها على صدر فريدة، فاحتوتها بين ذراعيها ومالت على الوسادة من خلفها، تشمل ابنها بنظرة حازمة، اتبعها أمرها الساخر: 
_قول لأخوك ميجبش دكتور يوسف، المشهد التمثيلي بتاعك أنت ومراتك متبلعش. 

ضحك بصوتٍ زرع البسمة على وجهها الرقيق، واستقام بوقفته عن الحائط، يخبرها: 
_أهو حبك الكبير لبنتك ده اللي مخليكي دايمًا في صفها، حتى لو المظلوم كان ابنك، كفة ميزان مايا دايمًا طابة!! 

أحاطت مايا الناعسة جوارها، بينما تخبره بمشاكسة: 
_أنت أي طرف هيتحط قصادك في الميزان خارج منه مظلوم يا حبيبي، بطل بكش وإخرج عايزة أرتاح شوية. 

رنى إليها يقبل رأسها وكفها الذي يحيط زوجته، وبجدية همس لها: 
_ربنا ما يحرمنا منك ولا من طيبة قلبك ورقة مشاعرك. 

واضاف وهو يستعد للمغادرة: 
_أنا بره لو حضرتك احتاجتي حاجة ناديلي. 

قالت وهي تمرر يدها على خصلاته النابتة: 
_خد أخوك وارجع القصر، النومة برة مش مريحة. 

ربت على يدها بحنان وقال: 
_مش هعرف أسيبك لوحدك وأمشي، ممكن أخلي علي يرجع هو وشمس، وأنا هشوف أي أوضة في المخروبة دي انام فيها. 

ضحكت على صياغته للمركز، فابتسم وهو يستطرد: 
_تصبحي على خير فريدة هانم. 

قالها وأتجه للخارج، غالقًا الباب من خلفه، فوجد "آدهم" قد إنضم لمجلس العائلة الصغير، يجلس على الأريكة الجلدية، ويحمل الصغيرة بين يديه، وشقيقته الآخرى تلتصق به، وتطبع قبلاتها على يد الصغيرة، وعلى الاريكة الاخرى يجلس أخيه وزوجته، أما أحمد فكان يقف برفقة أحدى الممرضات ترشده على الأدوية الخاصة بزوجته. 

أتجه للمقعد القريب من آدهم، وقد لاحظ نظرات علي التحذيرية إليه، بالآ يفتعل أي مشكلة لحمل آدهم للصغيرة" فيروزة"، فإذا به يتطلع له وإلى شمس المتلهفة لكل حركة تفعلها الصغيرة، ثم قال: 
_عقبال ما نشيل ليكم عن قريب إن شاء الله. 

منحه آدهم بسمة وبلطفٍ أجابه: 
_نشيل ليك وللدكتور علي الأول وبعد كده يجي دورنا بعدكم إن شاء الله. 

راقبت فاطمة ملامح علي بابتسامة خجولة، فأحاطها بذراعه وقال بحب: 
_يا رب. 

راقب عُمران نظرات شمس المنزعجة إليه، وقد ظنت بأنه لن يلاحظها، فإذا به يسألها باسترابة: 
_شمس هانم عينك بتطلع شرار ليا ولا أنا فاهم غلط؟ 

اتجهت جميع الأعين إليها، فاذا بها تترك يد الصغيرة التي يحملها زوجها، وتعود بجسدها لظهر الأريكة، عاقدة ذراعيها أمام صدرها بتذمرٍ: 
_لا فاهم صح وصح أوي كمان، أنت وعدتني أنك عمرك ما هتفرق بينا ومن أول يوم نسيتني خالص وإتلهيت بفيروزة هانم! 

إندهش آدهم من سماع ما قالت، بينما ابتسم علي وهو يراقب رد فعل عُمران على ما قالته شقيقته باهتمامٍ، فاذا به يترك مقعده ويجلس جوارها على الاريكة هاتفًا بذهولٍ: 
_أنا فرقت بينكم!!  أيه التهمة القاسية دي يا شمس!!

نهضت من جواره وإتجهت إلى أريكة علي، جلست جواره وضمت ذراعه لها، فضمها إليه بينما تتطلع للاخر وهي تخبره: 
_دي الحقيقة، مفيش حد أهتم بوصولي غير علي، أنت من ساعة ما جيت هنا وإنت بتلف ورا فيروزة هانم ومش سأل فيا؟! 

اتسعت مُقلتي آدهم بصدمة، فاستدار تجاه عُمران وعينيه يملأها علامة استفهام لسؤاله الواضح، ماذا حدث لزوجته؟  
منحه الطاووس بسمة ساخرة وهمس له قبل أن ينتصب بقامته الممشوقة: 
_هرمونات وإجباري تتعود عليها يا حضرت الظابط. 

بصقها إليه وإتجه لشقيقته، ينحني قبالتها وهو يضم كفيها بين كفيه، وببراعةٍ استمدها إليه بحديثه اللبق: 
_مين يقدر يتجاهل حضورك  يا شموسه، أنا كنت بوقف حرب كانت هتحصل بين فريدة هانم وبنت خالتك البائسة، وبعدين أنتي بتتهميني إني مأثر معاكِ وأنا لسه من ساعات بسيطة عامل أوردر للبس مواليد لفيروزة وللبيبي بتاعك، أنا عارف إنك بتحبي ذوقي فأختارتلك كام طقم شياكة بناتي وأولادي، اللي ينفعك لما تحددي جنس البيبي خديه. 

أبصرته بحماسٍ: 
_بجد!! 

أكد لها وهو يسحب هاتفه: 
_تحبي تشوفي الكولكشن اللي إختارته؟ 

هزت رأسها بتأكيدٍ، فسحبها لأريكة منعزلة، ثم بدأ يريها ما اختاره بالفعل، مالت فاطمة على كتف علي وهمست له: 
_عُمران حنين أوي. 

رد عليها ومازال يراقبهما بحبٍ: 
_دي حقيقة. 

أضافت وهي تسحب هاتفها إليه: 
_بعتلي من شوية مجموعة أختار منها لبس للبيبي، بس أنا محتارة يا علي، تفتكر هيجيلنا ولد ولا بنت. 

حمل منها الهاتف، يتابع الصور المرسلة لها على حسابها الشخصي، والابتسامة تتسع على وجهه شيئًا فشيء: 
_اللبس اللي بعته ينفع الاتنين يا فاطمة. 

دققت بالصور مرة أخرى بدهشةٍ: 
_تصدق مأخدتش بالي! 

تمتم وهو يعود ببصره تجاه أخيه: 
_هو دايمًا بيهتم بالتفاصيل! 
                               *****
انتفض بمقعده فزعًا فانسكب كوب القهوة عليه، حينما اقتحمت زوجة أخيه غرفة مكتبه، سحب "يوسف" المناديل الورقية يجفف قميصه المتسخ، هادرًا بضيق: 
_في حد يفزع حد كده!! 

شيعته بنظرة جعلته يعود لمقعده بارتباكٍ من حالتها الغريبة، فلحق نبرته المرتشعة: 
_سيف طلقك!! 

اتجهت بخطواتها البطيئة منه، فكاد أن يسقط بالمقعد للخلف وهو يجاهد لخروج كلماته: 
_كل مشكلة وليها حل! 

طرقت فوق مكتبه بيديها وهي تصيح بانفعالٍ: 
_الا مشكلتي ملهاش معاك أي حل! 

انتفض مجددًا بوقفته، فعاد يعدل نظارته الطبية: 
_في أيه يا زينب، إهدي وفكك من دخلة المخبرين دي!! 

نطقت باصرارٍ مضحك: 
_عايزة أبقى مامي!! 

زفر بانزعاجٍ من تكرار نفس السيناريو مجددًا، فتمعن بالفراغ من حوله وهو يهتف بنزقْ: 
_كمالة حظي النحس، اليوم مش راضي يتقفل! 

ورفع من صوته مع ابتسامة زائفة: 
_استهدي بالله وربنا هيكرمك باتنين تؤام مرة واحدة بس قولي يا رب. 
 
جلست على المقعد المقابل لمكتبه وهي تشير للنوت: 
_مش هتعرف تقنعني المرادي يا دكتور، أكتبلي على أي منشطات أو أي أدوية تساعد. 

عدل من نظارته وهو يعود لمقعده الرئيسي، والإرهاق قد تمكن منه، فسألها بهدوء لا يلتمسه بتاتًا: 
_كالعادة أكيد شايفالك طفل عجبك وجايالي أشوفلك الحل اللي معرفهوش ده، صح؟ 

هزت رأسها أكثر من مرة، وهي تشرح له بابتسامة واسعة: 
_بيبي فريدة هانم، بنوتة زي السكر يا يوسف، ما شاء الله قمراية. 

خاطبها قائلًا: 
_طالما حلم الامومة ملاحقك بالشكل اللي هيأثر على دراستك وشغلك فأنا عندي الحل. 

استندت بيديها على مكتبه الابيض، تتساءل باهتمام: 
_أيه هو؟

أجابها بمرحٍ والضحكة تلاحقه: 
_تقعدي مع الدكتورة ليلى يومين، وبعدها هتنسي الحلم ده نهائيًا، أنا هوصيها تسيبلك البنت ليل نهار لحد ما تتوبي توبة خالصة لوجه الله. 

ضم شفتيها بغضب: 
_يا يوسف أنا بتكلم بجد، من فضلك متقلبش الموضوع بهزار، لو أنا عندي حاجه صارحني وقولي. 

زوى حاجبيه مندهشًا من انفعالها، فأسرع يبدد عنها ظنونها: 
_مفيش عندك أي موانع يا زينب، وأنا مأكدلك ده بنفسي أكتر من مرة، وزي ما قولتلك قبل كده مسألة وقت مش أكتر. 

وأردف بثباتٍ وعقلانية: 
_متشغليش بالك بالموضوع ده عشان نفسيتك هتتأثر، فكري بالعقل، إنتِ لسه بتدرسي وصعب تتحملي مسؤولية طفل بالتوقيت ده يا زينب. 

تنهدت بحزنٍ، ونهضت تخبره: 
_عندك حق. 

وقف قبالتها يسألها حينما همت بالرحيل: 
_رايحة فين؟! 

ردت وهي تبدد عنها الحزن حتى لا ينفضح أمرها: 
_ فاطمة وعلي مستانيني تحت هنزلهم عشان أروح معاهم. 

نزع البلطو الطبي عنه، وقال وهو يتجه خلفها: 
_استني هنزل معاكي أطمن على فريدة هانم، وهوصلك بطريقي أنا خلصت الشفت بتاعي. 

راقبته وهو يغلق حاسوبه وأدراج مكتبه، ثم تمتمت بسخطٍ: 
_شفت!!  مصر تعامل نفسك أنك موظف هنا، هتقتنع أمته إنك صاحب المركز؟ 

قهقه ضاحكًا وقد أغلق الباب من خلفهما: 
_لو إقتنعت هعتزل المهنة وأنا للأسف بحبها. 

وأضاف وهو يشير لها على المصعد بعدما طلب حضوره: 
_وبصراحه بقيت بفكر جديًا أعتزل، على الاقل هروق منكم!! 

رمقته بنظرة حارقة، وهتفت: 
_ياريت تعملها، إنت أصلًا فاشل في علاج حالات تأخر الانجاب يا دكتور! 

مال للمصعد يقاوم نوبة الضحك الذي سقط فيها، بينما يهتف بصعوبة بالحديث: 
_لما الحالة تتعسر هبقى أتدخل إن شاء الله. 

لوت شفتيها بتهكمٍ وحدثت ذاتها باستنكارٍ: 
_هتتعسر أكتر من كده، شكلك مش هتأخد خطوة في علاجي الا لما أكمل التلاتين، يا ميلة بختك يا زينب!! 

                            *****
تجرع مرارة الوجع لأعوام، كان الصبر هو وسامه الوحيد، إلتحف به بكل ما فيه، والآن حصد مكافأة عبر بها العوائق والعقبات برُمتها، وها هو يحمل بين يديه أخر ما يستعبه عقله بأنه سيخصه ذات يومًا، ابنته من معشوقة طفولته، وحبه الذي حُكم عليه بالإبادة قبل أن يثمر جذوره. 

أدمعت عيني أحمد وهو يحمل صغيرته بين يديه لأكثر من ثلاثون دقيقة، كل ما يفعله هو التأمل الصامت لملامحها، يستغل انشغال الجمع من حوله بتناول وجبة خفيفة قبل العودة للقصر، ويقضي بعض الوقت برفقة صغيرته. 

شعر بالخواء جواره يتلاشى فور أن إحتك جسد علي به، فأسرع بمسح قطرات دموعه عن وجهه، واستدار يطالعه بابتسامة اصطنعها بشكلٍ لم يقنع علي، الذي أجلى صوته الرخيم: 
_زعلك على اللي راح عمره ما هيوهبك الراحة والخلاص، نظرتك للي حققته وبتملكه حاليًا هو اللي هيفرق معاك وهيقفل كل جرح قديم كان بينزف جواك. 

لامسته كلماته باتقانٍ، وكأنه يقرأ كل ما يحدث له، ويشاركه رحلته الطويلة بالمعاناة، فمال برأسه تجاهه وقال: 
_اللي فات صعب يا علي، بس زي ما قولت العوض كبير وقادر يرمم كل الاصابات والجروح. 

وأضاف وهو ينحني طابعًا قبلاته فوق وجه صغيرته: 
_مش مصدق إن بعد العمر ده ربنا من عليا وبقيت أب. 

وأخبره بكل حماس وسعادة: 
_أنت متتصورش أنا فرحان إزاي، عايز أقول لكل الدنيا كلها إني بقيت أب، ومن مين، من حب عمري، فريدة يا علي! 

تبسم في وجهه ببشاشةٍ، وقال: 
_ربنا عوضك لإنك تستحق يا عمي، ربنا يباركلك فيها ويحفظهالك من كل سوء. 

تمعن برماديتاه وملامحه الطيبة في محبةٍ خالصة: 
_أنت عارف إني مش قادر أشوفك باللحظة دي غير صاحبي الوحيد اللي بمتلكه، كل ما ببصلك مش راكبة معايا انك ابن اخويا والمفروض قي مقام ابني، علي إنت بعقلك وطيبتك دي بحسك أكبر مني، أخويا الكبير مثلًا! 

ضحك بصوتٍ مسموع، وقال في لطف: 
_شوفني زي ما تحب، المهم دلوقتي. 

قالها وهو يميل إليه فمال له أحمد بانصاتٍ: 
_بقالك ساعة شايل فيروزة هانم ونازل فيها بوس لو عُمران لمحك بالحالة دي هسلكك منه إزاي!! 

قهقه ضحكًا حتى أحمر وجهه بشدةٍ: 
_هيحبسني، الوقح ده فلتت منه على الأخر، بس على مين مش هسمحله يعمل كماشة شمس وحضرة الظابط على بنتي! 

زم شفتيه بسخطٍ مضحك: 
_أنا خايف يجيلي بنت من اللحظة دي، عُمران غيور على هوانم عيلة الغرباوي بشكل مريض. 

عادت نوبة الضحك تسيطر عليه، وقال مازحًا: 
_إدعي ربنا يكرمك بولد. 

اتجهت عينيه لزوجته الجالسة جوار شمس تراقب ما اختارته من ملابس، وقد تلألأ عشقها برماديتاه، هامسًا بصوته الهادئ: 
_حاسس إنها هتكون بنت، الحرب قايمة قايمة! 

انتزع هدوء الأجواء طرقات باب الجناح الطبي، وظهر يوسف وزينب من خلف الباب، ولجوا للداخل وانضموا للجميع. 

                           ******
إرتمى سيف على الأريكة الخشبية الخاصة بشقة "عُمران" بتعبٍ شديد، ولحق به "آيوب" على الآريكة المقابلة له والإنهاك يتمكن من كلاهما، إذ بدى على صوت سيف الهامس: 
_خيمتك جهزت يا عريس، أقدر أخد إفراج وأرجع بيتي؟ 

أسند رقبته لذراعه المثني، وهدر باصرارٍ: 
_لا يا سيفو إحنا بينا اتفاق، أنت مبيت معايا النهاردة وبكره، ولو إنسحبت من الاتفاق هتبقى راجل لمؤاخذة آ...  أظن فاهمني أنت! 

مال على جانبه الأيسر، يطعنه بنظرة شرسة، وتهديدًا أشرس: 
_إنت الظاهر شغلك مع الطاووس الوقح خلاك تنفش ريشك على حسه، لمها وعديها يابن الشيخ مهران. 

مال على جانبه قبالته هو الآخر، وبابتسامة باردة قال: 
_لا هلمها ولا هعديها، وبردو هتبات هنا النهاردة وبكره يا سيڤو. 

حُل جموده وأفتر عنه ابتسامة، اتبعها قوله الخشن: 
_من حقك ما أنت عريس! 

تمدد على ظهره يتأمل سقف الردهة بإعجاب، استفز فضوله، فناداه: 
_آيوب. 

همم وعينيه مُغلقة بتعب: 
_أممم. 

أفرغ سيف فضوله الزائد بحديثه التالي: 
_عُمران بشمهندس ناجح جدًا، وتصميماته دايمًا مميزة، تحس إن ليه التتش بتاعه ولمسة خاصة بيه في كل حاجة، حتى في الشقة اللي كان واخدها مع يوسف وبشمهندس جمال في لندن، كان عامل أكتر من حاجه مميزة فيها، اشمعنا الشقة دي اللي سابها زي ما هي ومغيرش فيها حاجة! 

حرر فيروزته الساحرة برفع أجفانه ببطءٍ، وأجابه ببسمةٍ خاطفة: 
_عُمران مهما حاول يحاوط نفسه بذوقه الا أنه في ميول جواه للبساطة، الإنسان ده غريب، مهما عاشرته بحس إني عمري ما هفهمه، في الشركة شخصية ومع أصحابه شخصية، ومع أخوه نفسه شخصية تانية. 

وإستطرد شاردًا بالشرفة المفتوحة على مصرعيها: 
_وجوده هنا معانا في الحارة واندماجه السريع بينا شيء غريب، تحسه زي العجينة اللي بتتشكل لأي وضع. 

مال على جانبه الأيسر مجددًا، مستندًا على ذراعه، ومشيرًا له: 
_ما تتصل عليه هو وحضرة الظابط والشباب وتخليهم يجوا يباتوا معانا النهارده، وأهي تبقى حفلة توديع عزوبية جماعية، مش فردية. 

استقام آيوب بجلسته، يتمعن فيه بدهشةٍ: 
_أتصل بيهم!!  من قلبك الكلام ده يا سيف؟!   

هز رأسه بابتسامةٍ ساخرة، فأضاف آيوب موضحًا مغزى حديثه الغير منطقي: 
_يعني أنت عايزني أتصل على الطاووس وآدهم ودكتور علي ودكتور يوسف، والبشمهندس جمال!! 

صفق بيديه باستنكارٍ: 
_أيه اللي مش مفهوم في كلامي أنا!  

ونهض ينزع جاكيته بذلته الأسود، مضيفًا: 
_وكلم ابن عمك وإيثان الرزل بالمرة. 

رفع أحد حاجبيه بدهشةٍ: 
_سيف أنت كويس يا حبيبي؟! 

عدل من وسادته وتمدد واضعًا قدمًا فوق الاخرى، مستندًا على كلتا ذراعيه، بينما يطلق صوت صفارة مستمتعة زادت من ريبة آيوب، ومع ذلك اتبع تعليماته، وجذب الهاتف يتصل برئيس العصابة الدولية، مفعلًا سماعة الهاتف الخارجية، فأتاه صوته المشاكس: 
_حنيت لصوتي يابن الشيخ مهران! 

ابتسم وحياه بمشاغبة: 
_مش أنا بس اللي حنيت ليك يا طاووس، سيفو بنفسه طالبك بالحضور، وعايز نقيم حفلة توديع العزوبية هنا في شقتك. 

أتاه صوت ضحكته الرجولية، وبعدها نبرته الواثقة: 
_أنا محدش يجرأ يطالبني بشيء يالا، بس لاجل عنيك نعديها مهو معذور، أي حد عاشر الطاووس الوقح لازم يكون عنده حنين وشوق ليه، بس للاسف مش هينفع النهاردة، قضي الليلة أنت والكتكوت اللي معاك وبكره نتجمع كلنا بعد الحنة ونقضيها للفجر مفيش مانع.

وأضاف بخشونة أسقطت آيوب من الضحك: 
_وبلاش ترمي عقلك لسيف، أنت عاقل وهادي مش كده ولا أيه يابن الشيخ مهران؟ 

كاد أن يسقط عن الاريكة من شدة ضحكه، بينما ينهض إليه سيف، منتزعًا الهاتف بغضب: 
_هو مش محتاج نصايح من حد، عشرته لوقاحتك عاملة معاه مفعول خرافي، أنا أصلًا قلقان منه! 

شاركه عُمران الضحك، وقال بخبث: 
_اطمن يا دكتور ابننا عاقل ومتربي، ولو عايز ضمانات عليه كلم أخوه لإني للاسف مش بضمن حد! 

قهقه من شدة الضحك، وبجدية قال: 
_طيب ما تيجي تبات معانا النهاردة. 

أجابه بتهذبٍ وجدية تامة: 
_مش هينفع والله يا سيف، أنا اللي هبات بالمركز هنا. 

فهم رسالته دون التلميح لوجود والدته، فاحترم سيف حديثه وقال بثبات: 
_خلاص تمام نتقابل بكره ان شاء الله. 

رد عليه: 
_بإذن الله نتقابل، تصبح على خير يا دكتور. 

أغلق سيف الهاتف، ثم منحه لآيوب متمتمًا: 
_شوف حضرة الظابط. 

رفرف بأهدابه بذهولٍ، وقال: 
_آدهم ماشي من حوالي أربع ساعات، مش عارف هيقبل يرجعلنا تاني ولا أيه؟ 

عاد للأريكة، يعتليها بهدوءٍ: 
_جرب مش خسران حاجة! 
                               ******
فور أن إنتهى عُمران من المكالمه، عاد للجناح حيث زوج شقيقته ورفيقه يوسف بالصالون المنزوي بالجناح. 

جلس جوار أخيه وهو يشير على الهاتف الذي يحمله: 
_ده آيوب، كان عايز آآ... 

قاطع حديثه صوت رنين هاتف "آدهم"، فترك كوب القهوة من يده، ورفع الهاتف لهم: 
_بيتصل عليا أنا كمان! 

حرر زر الاتصال ووضع الهاتف على أذنه، استمع لما قال، ورد بابتسامة هادئة: 
_مش هينفع النهاردة يا آيوب، بكره هبات معاك بإذن الله.

قالها وأغلق الهاتف، فابتسم عُمران وردد بسخط: 
_دول شكلهم عندهم فضى وعايزين يملوه. 

أتاه تأكيدًا لحديثه حينما تعالى رنين هاتف يوسف، فتعالت الضحكات الرجولية بينهم، وقد حرر يوسف سماعته الخارجية وقرب الهاتف لعُمران، هامسًا بخفوت: 
_إرزعهم واحدة بروح أمكم تنيمهم مكانهم. 

غمز برماديته بتسليةٍ، وحرر رده اللاذع: 
_حفلة الاتصالات بتاعتكم دي هتقفل أمته؟  أنا حاسس إن كمان شوية والاتصال هيوصل لعلي أخويا الطاهر البريء!! 

أتاهم صوت ضحكهما، وتأكيد سيف على حديثه: 
_كنا هنتصل بيه فعلًا بعد يوسف، وهندخل بعده على البشمهندس جمال بإذن الله. 

قاطع ضحكاتهما عُمران: 
_أنا بقول تأخد أخوك في حضنك وتلحق سريرك،  كل تنام بدري أحسن ليك. 

تساءل آيوب ببلاهة: 
_ليه؟ 

أجابه عُمران بصدر رحب: 
_عشان أنا قولت كده! 

وأضاف بسخرية أضحكت آدهم ويوسف للغاية: 
_وعشان الأولاد الشاطرين بيسمعوا كلام الأعقل منهم ومش بيكسروه أبدًا أبدًا، فلازم نغسل أسنانا ورجلينا وننام بدري زي الشاطرين. 

واحتله قافلة من الوجوم كأنه تبدل لشخصٍ أخر:
_والأهم نعقل ونبطل هبل المسا ده ، وياريت نقفل سنترال الشعب اللي طارح علينا ده خلوا ليلة أمك أنت وهو تعدي! 

انطلق صوت انغلاق المكالمة كبادرة لطيفة بإنصياعهما لحديثه، فسحب يوسف الهاتف ووضعه بجيب سرواله ضاحكًا: 
_هما كانوا محتاجين الدخلة دي، أنا مقلق منهم أصلًا من ساعة ما شوفتهم بيجروا زي الهبل. 

هز آدهم رأسه بتأكيدٍ، وأردف بسخرية: 
_دخلة عُمران ليها شنة ورنة، هيبطلوا يستعملوا التليفونات تاني أصلًا. 

واستقام يجمع هاتفه ومفتاح سيارته قائلًا: 
_الوقت أتاخر، همشي أنا وشمس ولو احتاجت أي حاجة كلمني يا عُمران. 

أحاطه بضمة حنونة، وشكره بامتنانٍ: 
_مش محتاج توصيني،انا واثق أنك دايمًا موجود من غير ما تعرض عليا ده. 

ربت على ظهره بحبٍ، فبادله عُمران، وقال وهو يتجه للغرفة: 
_هنادي لشمس وللدكتورة زينب. 

ردد يوسف يعلمه: 
_زينب نزلت مع علي ومدام فاطمة لما لاقتني طولت معاك بالقعدة، يلا همشي أنا وهشوفكم بكره بإذن الله. 

ودعهما يوسف وغادر على الفور، ومن بعده آدهم برفقة زوجته، فلم يتبقى بالجناح سوى مايا التي تغفو جوار فريدة بالغرفة، وبالجناح عُمران، وأحمد الذي إنزعج من بقائه وهدر بضيقٍ: 
_ما ترجع القصر إنت كمان عُمران، أكيد تعبت ومحتاج تريح. 

استكمل فتح أزرار قميصه وهو يطالعه بجمودٍ، بينما يحرر الأريكة السفلية لتتحول إلى فراش، جلس من فوقه وهو يتمعن به بنظرة ثاقبة، جعلت أحمد يزدرد ريقه بارتباكٍ من صمته، حتى مزقه صوته الثابت: 
_متلفش وتدور على الشخص الغلط يا عمي، ما قولتهالك قبل كده الصياعة متخدش معايا سكة، أنا لاعيب قديم. 

وأستكمل وهو ينزع حذائه: 
_عمومًا مش محتاج تعمل كل ده. 

لم يفهم مغزى حديثه، الا حينما عرج للغرفة يخرج بالصغيرة، ويتجه بها للفراش، تمدد جوارها، ومال يحاوطها، وضعها بالمنتصف وترك الجزء الاخر من الفراش إليه، أغلق جفنيه وتمتم بنزقٍ: 
_تعالى نام جنب بنتك، لما نشوف أخرتها معاك أيه؟ 

انتزع أحمد جاكيته وأشمر قميصه الأبيض، بينما يتمدد جوار الصغيرة بسعادة، مر عليه بعض الوقت فتطلع لعُمران الذي يضع يده من فوق عينيه، فناداه بصوت منخفض: 
_عُمران، ما ترجعها سريرها الصغير أحسن نتقلب عليها وإحنا نايمين ومناخدش بالنا! 

ابتسم على جملته، ومال يحملها ويضعها من فوق صدره، دافنًا أنفه بين خصلاتها الصغيرة: 
_أنا نومي ثابت ومش بتقلب، إدخل عركتك لوحدك ومتقلقش عليها. 

شيعه بنظرة حنونة وهو يراقب تعلقه الشديد بابنته، فمال يجذب جاكيته المطروح على المقعد ووضعه من فوق الصغيرة، ولكنه لم يطول صدره العاري، فلم يتمكن من حجب اقتراحه إليه: 
_ما تقوم تلبس قميصك!. 

ردد ومازالت عينيه مغلقة: 
_ فريدة هانم مش فايقة ولا مركزة للمقارنات وهي بحالتها دي، متقلقش جوازتك لسه فيها أمل أهتم إنت بالرياضة اللي نسيتها وإصبغ شعرك ده وإن شاء الله ربنا يكرم وتشوفك  "آرنولد شوارزنيجر"، ركز على الدعوات أنت بس يا باشا. 

اعتصر فكيه بغضبٍ، ومال يتمتم: 
_وقح! 

انطبعت ابتسامة خاطفة على وجهه، قبل أن ينسحب بنومٍ منتظم، وبين أحضانه أميرة عائلة الغرباوي التي أشرفت عليهم بحضورها المفاجئ! 
                                  ******
صف"علي" سيارته بالأسفل، وهبط من السيارة، ينتظر انضمام زوجته، وحينما طال غيابها، هبط يفتح باب السيارة المجاور لمقعدها، فوجدها تستكين للخلف وقد غفاها النوم. 

ابتسم وهو يميل على الباب، يتأملها لوقتٍ ليس بقليل، فانزعجت حينما لفح جسدها تيار الهواء البارد الذي كان يعيقه إنغلاق الباب، ففتحت مُقلتيها لتعانق رمادية عينيه، فنادته بخفوتٍ: 
_علـي! 

اعتدلت بمقعدها تفرك عينيها بنعاسٍ، وهي تتساءل: 
_مش تصحيني، راحت عليا نومة! 

ترك محله واقترب إليها يجيب: 
_كنت بحاول بس مقدرتش أقلقك. 

حركت رأسها قبالة وجهه القريب منها، وقالت ضاحكة: 
_يعني كنت هتقضي الليل كله بتتأملني كده، ولا خايف على ضهرك يتأذى لو شلتني لفوق، زي ما فريدة هانم كانت خايفة عليك.

صدر عنه ضحكة جلجلت بصوته الدافئ، فطالعها بنصف عين: 
_إظهار رغبة مبطنة ورا تحدي زايف، في سبيل إني إتنرفز وأحققلك رغبتك وأشيلك عشان أثبتلك إني جامد أخر تلات أربع حاجات. 

تلاشت ابتسامتها الماكرة، بينما مازال يطالعها بثقة وابتسامة أذابت جليد ليلة قارصة البرودة، فبدد حيرتها حينما قال: 
_قولتلك قبل كده مينفعش تتذاكي على بابي يا فطيمة، أنا فاهمك من نظرة مش من كلمة! 

أخرجت ساقيها خارج السيارة، ورددت بانفعال: 
_بطل تستغل خبرتك في المهنة عليا، ودلوقتي هتشيل ولا أطلع بالأسانسير يا علي؟ 

إنحنى إليها ببطءٍ سلب كل تركيزها، وخاصة مع تحرر كلماته: 
_سبق وقولتلك قبل كده حُضني مفتوحلك في أي وقت يا روح قلب علي. 

قالها وقد وضع يده أسفل ساقيها، والأخرى أحاط بها خصرها، وبتمكنٍ رفعها إليه، بينما يدفع بقدمه باب السيارة المفتوح، صعد بها للداخل وتعمد عدم اللجوء للمصعد، حملها للطابق العلوي وهو يحرص عدم قطع اتصالهما البصري، يرى بوضوح استعانتها بالألفة والأمان بنظرته العاشقة لها، فرفعت يدها عن كتفه وأحاطت رقبته، فمال بذقنه فوق جبينها، وأردف بحنانٍ: 
_قلقانه من أيه يا حبيبتي؟ 

اختبأت أسفل رأسه والفرحة تتسلل لها، زوجها يحبها بنفس درجة عشقه للكتب، حتى أنه يقرأ إنفعالات وجهها كصفحة كتاب عابرة لا تستغرق معه سوى دقيقتين. 

طبع قبلة على جبينها، وهمس بحنان: 
_إحكيلي، أنا سامعك. 

رددت وابتسامتها لم تمحو بعد: 
_مش قلقانه بس البيت من غير فريدة هانم ومايا شكله يقبض، بتمنى الصبح يطلع عشان أروحلهم على طول. 

نبع عن بسمته صوتًا هادئ، ففتح باب جناحهما وولج يتحدث لها: 
_اعتبري إنك قضيتي اليوم كله معاهم هنا في القصر، ودلوقتي معاد النوم. 

ازدادت تعلقًا به وهي تغلق عينيها بنعاسٍ: 
_هتنام ولا هتطلع لضرتي؟ 

مال يضعها على الفراش مسبلًا بذهول: 
_ضرتك!!! 

رفعت رأسها إليه تؤكد له بحاجبي معقود: 
_مكتبتك يا دكتور!! 

تحررت ضحكاته من جديد، وقال وهو ينزع حجابها وحذائها برفقٍ: 
_لا مفيش ضرة هتشاركك فيا النهاردة يا فطيمة إطمني. 

قالها وتمدد جوارها بابتسامته الجذابة، فمالت تغفو على صدره، وقد كان أكثر من مرحبًا بها، وابتسامته رفضت الابتعاد عنه كلما تذكر كلماتها وانعكاس وجهها الجميل حينما تلفظت بلفظ "ضرتي"! 
                             ******
عاد يدق الجرس للمرة الثالثة، بينما يسند صينية الطعام بذراع واحد، فتمتم بسخطٍ: 
_هما راحوا فين!  يكنوش خلصوا على بعض!! 

وأضاف بعدما عاد لدق الباب بيده: 
_طيب أعمل أيه دلوقتي، أرجع بصينية الأكل للشيخ مهران وأقوله جوز الزغاليل بيأيلوا بدري، ولا أتصل بحضرة الظابط يجي يقتحم الشقة عليهم!! 

كاد بأن يعود بما يحمله، ولكنه توقف حينما فتح آيوب الباب وهو يتثاءب بنومٍ: 
_خير يا إيثان، فايتك مقلب وحابب تجربه فينا تاني على أخر اليوم! 

ضحك وهو يراقب ملامحه، شعره المشعث وملابسه الغير مهندمة وكأنه كان بمعركة مصيرية، رفع الصينية إليه وقال ضاحكًا: 
_مستغناش عنك يا بوب، ده الشيخ مهران حالف ما تنام أنت ولا مراتك من غير أكل، وأيه باعتني مخصوص أجبلكم كفتة وسجق، متوصي بيك وبزيادة، وأنا عملت حسابي معاكم عشان أفتح نفسكم بس. 

أحاطه بنظرة مشككة، فاتسعت بسمته الخبيثة، زفر آيوب ومال عن الباب بتذمرٍ، ولج إيثان للداخل يراقب سيف الذي جلس على الأريكة يطالعه بصمتٍ، فاشار لآيوب بأن يحضر الطاولة الأرضية، وضعها أرضًا وجلس ثلاثتهم من حولها، ثم بدأوا بتناول الطعام، وما أن انتهوا حتى نهض إيثان يمسح يديه ويتجه للخروج: 
_هطلع أعمل الشاي عندنا وجاي. 

أشار له سيف: 
_مفيش داعي، خلاص كده تمام أوي الحمدلله. 

شدد بحزمٍ غير قابل للنقاش: 
_والله ما يحصل ده إنت ضيفنا يا دكتور، هيفوتك نص عمرك لو مجربتش الشاي بالنعناع اللي بعمله، دقايق وراجع. 

غادر من أمامهما ومازال سيف يراقب محله الفارف بفمٍ مفتوح ببلاهةٍ، تناول آيوب قطعة الخبز بنهمٍ وردد ضاحكًا: 
_متستغربش، هو إيثان كده يضايق في خلق الله كلهم ولما يكونوا عنده لازم يأخدوا واجب الضيافة كامل. 

استدار تجاهه يخبره: 
_مش مستغرب اللي بيعمله، المعروف عننا كمصريين الكرم وخدمة الغريب قبل القريب، أنا بس مستغرب إنه بيحلف بالله، هو مش مسيحي!! 

تعالت ضحكات آيوب ورد عليه: 
_ولما بيلمح أي خناقة في الحارة تسمع منه أحلى جملة صلي على النبي يا جدعان، هو متطبع على طباعنا ده عشرة عمر يا سيف. 

اتسعت بسمته استمتاعًا بحديثه، حتى عاد إيثان يحمل صينية كبيرة تحوي أكواب الشاي وأطباق التسالي والحلوى، وبيده الأخرى كان يحمل سماعة ضخمة، جعلت آيوب يترك الطعام ويهرع له في صدمةٍ: 
_أيه ده!! 

اجابه بسعادة مضحكة: 
_السماعات بتاعتي، عارف ان الشيخ مهران عاملك صوان عزا مش فرح، فعندي نية بعد الحنة نيجي نهيص هنا أنا وانت والخواجة والشباب كلهم، وأهو لا الشيخ مهران هيكون موجود ولا هيكون في بنات يعني كله في السليم. 

تحمس سيف لما قاله، بينما تمتم آيوب بقلق: 
_إعقل يا إيثان، الشيخ مهران لو شم خبر هيبلغ عننا واحد واحد، وبدل ما أدخل دنيا هتزف لأبو زعبل! 

انحنى تجاه السماعات يصلها بهاتفه وهو يشير له بعدم مبالاة: 
_أنت هنا بأمان يالا، متخفش طول ما أنت في بيتي. 

وتابع وهو يجذب هاتفه بضحكة خبيثة أثارت حافظة سيف وآيوب: 
_ودلوقتي اسمع الاغنية دي هتقع من الضحك. 

قالها وهو يحرر اصوات لشباب يغنون بشكلٍ شعبي، فتمايل إيثان وهو يردد بمرحٍ 

«إسمع مني هقول أيه هتسمع زرط السنين، 
وأنا طالع ع المواسير، شوفت الفيل وحمار بيطير
أبويا عور الانجليز، وهو راكب على المعايز
دا أنا أعوم في البحر ولا اتبلش، كلامي صح ومش ألش
دا أنا وأنا ساكت بتلكم، والناس مني بتتعلم
انا في البرد بعوم في النيل، لابس نضارة بالليل
أنا شعري سرحتو برجلي، وكونت برقص وانا بجري
أبويا حارب الهكسوس، وهو راكب على النموس
أبويا راقص ماردونا، في حته قد البلكونة
طب انا كداب لا لا، طب أنا فشار لا لا وضحكت عليكو!!» 

سقط سيف من شدة الضحك، بينما يتابع إيثان وهو يثني يديه بحركات شعبية أبهرت كلاهما: 
«أنا شوفت النملة شايلة الفيل، والعربية كانت بتطير
شوفت نموسة شايلة جموسة، وعدت بيها من تحت الباب. 
شوفت القطة جالها زغطة وراحت أوم شربت عناب، لابس ع البدلة كاب، وفي رجلي لابس أوباب، والأسد مسكوا في أيدي والكل عاملي حساب، وعزمت أنا عندي الفأر، قولت له من الجبنة إختار
وعملت البذر عصير، وعزمت عليه العصافير
طب أنا كداب؟؟؟ 

قطع سيف ضحكته وقال وهو يهز جسده بفوضوية: 
_لا لا 

عاد إيثان يردد:
_ طب أنا فشار؟؟؟

رد سيف وقد أحمر وجهه من شدة الضحك:
_ لا لا 

صاح إيثان: 
_وضحكت عليكواا
عندي جزيرة في لبنان، طولها لحد اليابان
عامل جوه أوضة نومي مول ومصانع للدخان، 
بمشي لوحدي في الغابة، بفطر خرتيت وديابة
عامل أنا كورة بهدومي حاشي مخدتي بسحابه .
بجري وف أيدي سجارة، وفي بيتنا راكب طيارة
دكتور عزمني في فرحوا كان عامله تحت العمارة 
راضع شاي العروسة، فطموني بكيلو بسبوسة
مولود أكبر من جدي، وزرافة في بيتي محبوسة! 
طب انا كداب؟؟؟

صعد سيف فوق الاريكة، وأخذ يتمايل هاتفًا:
_ لا لا 

صعد إيثان على الاريكة المقابلة له وصرخ:
_طب أنا فشار

سيف يدندن:
_ لا لا 

ضحك إيثان وهتف: 
«وضحكت عليكوا
وأطلع شبرا بطيارة، وأروح لندن بحمارة
ولابس في رجلي ساعة، ومصاحب الولاعة
وبروح عند النجار، إحلق شعري بمنشار
أنفخ بلونة برجلي، لالعب كوتشينة بودني
ومربي في بيتي تنين، شربه المخصوص بتدين
وفي مرة ماشي وبتمشى علي السحابة ريح أتعشا 
فجاة لاقيت صاحبي بيناديني، غابة واقفة بتلاغيني، باكل بلاستيك بالفطيس، بلعب جيم في أتوبيس يبقى أنا كداب؟؟؟؟

صاح سيف وهو يصفق ويتمايل:
_ لا لا .

راقبهما آيوب بصدمة من افعالهما الصبيانية، وصرخ فيهما بغضبٍ: 
_إنزل يا تافه منك له. 

وسحب الوسادة يلقيها بوجه إيثان مشيرًا على باب المنزل: 
_غور على بيتكم يا فشار!! 

خرج إيثان وهو يطوقه بنظرة مستهزأة، وعاد يطل من الباب فجأة يتطلع تجاه سيف ويصيح وهو يحرك رأسه يسارًا ويمينًا: 
_يبقى أنا فشــــــــــــــار؟؟؟ 

رد سيف ضاحكًا: 
_لا آيوب اللي فشار مش إنت يا إيثو! 

منحه قبلة في الهواء وغادر، فصفق آيوب الباب بعنفٍ واستدار يقابل رفيقه بنظراتٍ نارية، محتجًا بحديثه: 
_من أمته وصلة المحن والمحبة دي يا حقنة؟ 

ضحك بملء ما فيه، وقال بسخريةٍ: 
_سبحان مقلوب القلوب يا أخي! 
                            ******
تخفى الليل بظلامه القابض، وأشرقت الشمس بضيائها الذهبي، لتعلن عن اشراقة صباح يومًا جديدًا، حيث أُضاءت امتلأ منزل الشيخ مهران بالضيافة، وعلى رأسهم  "مصطفى" الذي حضر برفقة "آدهم" و"شمس" التي لازمت "سدن" و"خديجة"منذ الصباح. 

عادت "فريدة" إلى القصر بسيارة أحمد، واهتمت مايا بحمل الصغيرة بسيارة عُمران، بعد أن صرح لها يوسف بالخروج بعد فحصها. 

وبالمساء كان منزل الشيخ مهران وجهة اجتماع الجميع، حيث خصص لرجال خيمة فخمة أسفل المنزل، وللنساء أعد لهم مجلس داخلي بشقة الشيخ مهران، حيث كانت تجلس "سدن" بالردهة الواسعة لباحة المنزل، ترتدي فستانًا وردي اللون، من الستان، ويعلوه خمار فضفاض يخفي منتصف جسدها العلوي، وأعلاه تزينت بتاج من الورود البيضاء، وقد برعت "شمس" بصنع زينة بسيطة لها. 

بينما بالأسفل. 
كان "آيوب" محاط بالشباب، الحفل كان بسيطًا متواضعًا، لا يسمع لصوت شيء سوى التهاني والمباركات، وجبات الطعام توزع من قبل "إيثان" و"يُونس" ويشاركهما "سيف" الذي تحمل المسؤولية وكأنه يزف أخيه اليوم، ومن خلفهم تعاون "آدهم" و"عُمران" بتوزيع العصائر والمشروبات على الشباب والجميع، ثم انضموا للجلسة من جديد، ومازال إيثان يغمز لهم بخطتهم بالاحتفال بالاعلى بعيدًا عن تلك الاجواء التي يراها مملة! 
                             ******
تسللت الفتيات لاعلى سطح منزل الشيخ مهران، حتى يراقبن الشباب، ظنًا من أنهم سيقدمون عرضًا راقصًا مثلما إعتدوا بحفل زفاف شمس، فلقد أدوا رقصة خرجت بشكلٍ أبهر الجميع وباتت معلقة بالأذهان وقتها.

كسى الوجوم الوجوه، وإذا شمس تنطق بضجرٍ: 
_مفيش رقص ولا حتى أي music! 

ردت عليها صبا بمللٍ: 
_طلعنا على الفاضي. 

قالت ليلى مبتسمة: 
_بالعكس الجو هنا رائع، خلونا نقعد هنا شوية. 

جمعت خديجة وكريستينا خطيبة إيثان، الكثير من المقاعد الخشبية، ووضعوها بالغرفة التي يعلوها برج الحمام الخاص بإيثان، وجلسوا في حلقة دائرية حول "سدن"، التي تلتقط عدد من الصور برفقة شمس ومايا. 

قطعت زينب الاجواء قائلة بانزعاجٍ: 
_بقولكم أيه ما تيجوا نشغل الموبايل على مهرجان كده ونهز شوية بعد أكلة المحاشي اللي قومنا بيها تحت دي. 

سقطت الفتيات ضحكًا،  بينما لكزتها فاطمة بغضب: 
_اش نشطحو  انتي حماقيتي،ولا هبطتي من دارك هازة معاكي كل حاجة الا عقلك نستيه تماك! 

(نهز أيه انتي اتجننتي، ولا نزلتي من بيتك شايلة كل حاجه معاكي الا عقلك!!) 

أجابتها زينب وقد أثارت لهجتهم انتباه واهتمام الفتيات: 
_انا اشنو درت لهادشي كله،انا لقيت الدنيا مملة قولت نبلبلو  الاجواء،انتي عارفة لو كانت هاد الحنة عندنا كن راه احنا دابا جالسين  كنقشو الحنة  ماشي جالسين  كنتشاوفو في  بعضياتنا

(أنا عملت ايه لكل ده، الدنيا مملة فبحاول أفك الأجواء، عارفة الحنة دي لو عندنا كان زمانا زايطين في رسم الحنة المغربي، مش قاعدين نتأمل في سحنة بعض!) 

قطعت مايا صدمتها المشتركة مع الفتيات وقالت: 
_حنة مغربية الحمد لله فهمت جملة! 

اعتدلت سدن بجلستها وتساءلت ببراءة: 
_يعني أيه حن مغاربي! 

ردت عليها شمس مبتسمة: 
_دي حنة يا سدن بتترسم على الجسم زي التاتو أو الوشم كده. 

اتسعت ابتسامتها ونطقت بحماس: 
_مش حرام سدن تحطه؟ 

أجابتها صبا بهدوء: 
_لا طبعًا مش حرام، دي حنة متقلقيش منها. 

رفعت يديها لزينب وقالت بلهفة: 
_أنا عاوز يعمل من ده زينب. 

شملتها بنظرة مشاكسة وقالت: 
_العروسة عايزة تدلع العريس. 

لكزتها فاطمة وهي تمنحها نظرة محذرة، قائلة: 
_هتكسفي البنت! 

قالت مايا مبتسمة بمحبة لها: 
_هنخليها تعملك أحلى تاتو يا سدن متقلقيش زينب شاطرة ولهلوبه، هتعملك وهتعملي صح يا زوزو. 

كادت أن تجيبها، فقالت شمس: 
_وانا يا زينب نفسي أجرب الحنة المغربي بليز. 

ورددت صبا بحياء: 
_وأنا كمان لو مش هتعبك يا دكتورة. 

صاحت ليلى هي الاخرى: 
_بت يا زينب لو عملتي ليهم من غيري انا وخديجة وكرستين هنقيم عليكي الحد. 

هتفت كرستين بحماس هي الاخرى وهي تسلط الهاتف لهم: 
_بصوا لما بحثت عنها على الانترنت طلعلي أيه، الاشكال خرافية، بس يا ترى زينب هتقدر تنفذ الاشكال دي؟ 

شمرت زينب كم فستانها الفضفاض وقالت في سرور: 
_هقدر ونص يا كوكي، مهو أنا معايا عامل هيساعدني في النقاشة دي، بس العامل ده هيتكاسل عن مساعدة الصنايعي. 

قالتها واتجهت ببصرها لشقيقتها، فرددت فاطمة بخجل: 
_هي اللي خبرة فيها أنا على بسيط كده، بس عشان عيونكم مفيش مانع أحاول! 

تحمست الفتيات للفكرة، فأتاتهم زينب تخبرهن: 
_بس في مشكلة تانية، لازم أنزل بنفسي اشتري الحاجات اللي هنحتاجها،ومش هنعرف نعمل الكلام ده الا بعد ما الحنة تخلص والمعازيم تمشي،عشان اعرف أرسم للعروسة على جسمها، عايزة أظبطها وأظبطكم. 

حل الصمت بينهن مجددًا، بالفعل لن يتمكنوا من خلع ثيابهم وحجابهم بوجود أحد بالمنزل، فقطعت خديجة الصمت قائلة: 
_بسيطة بعد الحنة ما تخلص نطلع عندي في الشقة ونعمل اللي عايزينه. 

ردت فاطمة بعقلانية: 
_هو كده احسن بس بردو هنتاخر جدًا والحنة بتأخد وقت عما تنشف أصلًا. 

قالت سدن بابتسامتها الساحرة: 
_قضوا اليوم مع سدن وخديجا، أنا مش عندي family تشارك معايا في فرح سدن، هكون سعيد إن انت كلها يقعدوا معايا. 

قالت صبا: 
_كلنا إخواتك يا روح قلبي، متقوليش كده تاني. 

نطقت مايا بعد تفكير: 
_بصي أنا أخر السهرة هكلم عُمران وأستأذنه أفضل معاكي لبكره، وانتوا كمان اعملوا كده، أعتقد محدش هيرفض فيهم. 

هزت ليلى رأسها وقالت: 
_خلاص اتفقنا، هبعت ليوسف وهقوله. 

ردت شمس بغرور مرح: 
_آدهم كده كده هيوافق. 

اضافت زينب: 
_كده كده سيف بايت مع آيوب فمش هيقول حاجه. 

واتجهوا بأبصارهن لكرستين التي قالت: 
_إيثان بردو هيوافق، بيت الشيخ مهران أكتر مكان بيثق عليا فيه. 

اتجهت الاعين لصبا، فقالت: 
_هكلم ماما أشرقت الاول استأذنها لان عُمران معاها فمش عارفة هيسكت معاها ولا لا. 

ردت مايا برقة: 
_أكيد مش هيسكت يا صبا، خلي البشمهندس جمال يجبهولك عادي، المهم انه هو بس يوافق. 

قالت خديجة: 
_أوضة فارس مليانه ألعاب هيلعب معاه وهيتسلوا مع بعض. 

ابتسمت فاطمة وقالت: 
_حليتوا كل المشاكل بسرعة البرق!! 
             
وكأن جملة البرق تلفظت لتضرب السماء التي أصابها الرعد، فأصابها ببريق لامعًا، بينما تنهمر المياه بغزارةٍ على الأسطح، ومن بينهم سطح منزل الشيخ "مهران"، فتحوا باب الغرفة. وكانت "خديجة" أول من طلت من الداخل، تردد باستغراب: 
_الجو مكنش مغمي يعني! 

وقفت "صبا" جوارها تراقب الامطار الغزيرة هاتفة بدهشةٍ: 
_سبحان الله النهاردة الجو كان جميل ومش برد! 

زمت "سدن" شفتيها بحزنٍ: 
_ليه تمطر في حنة بتاعي!  

وأضافت: 
_شكل ليلة بتاعي باظ! 

ضحكت شمس وهتفت بمرحٍ: 
_بالعكس دي شكلها هتحلو. 

لكزتها مايا بتحذير: 
_بدل ما تعقلي سلفتك هتتجني ولا أيه؟ 

ضحكت زينب وقالت بمشاكسة: 
_وماله لما نتجن، على الاقل احنا على السطوح، هنقول مثلا ملحقناش نجري، وكده كده إحنا بايتين هنا! 

صاحت فاطمة بغضب: 
_بس يا زينب بطلي هبل! 

هتفت ليلى بضجر: 
_يوووه هو انتوا لسه هتتخانقوا، أنا عن نفسي حابة أخوض التجربة وأحكم بنفسي. 

قالتلها وهي تخرج للمساحة المكشوفة، فغمرتها المياه من فوقها، رفرفت بيديها وأشارت لهن: 
_هيفوتكوا نص عمركم عندكم بجد. 

كانت شمس أول من لحق بها، ولحقت بها زينب وخديجة، وركضت سدن وكرستين إليهن، وما كان على صبا ومايا الا أن تتبعهن بينما بقيت فاطمة تراقبهن بصدمة تعلو ملامحها. 

تعالت ضحكاتهن باستمتاع، فتشابكت كلا منهم بيد الاخرى وأخذت تدور بها بحلقات دائرية بينما تتفاوت حبات المطر بقوتها، وما ان ارهقهم الدوار جلسوا أرضًا على الرخام يعبثون بالمياه، فرددت مايا بمزح: 
_زمان خيمة الرجالة غرقت تحت. 

لكزت خديجة سدن بمشاكسة: 
_العروسة قدمها وش خير، دي ممطرتش كده طول الشتا! 

اقترحت صبا عليهن: 
_ما تيجوا نقوم من على الارض ونقعد على الكنبة دي أحسن. 

مررت شمس يدها على ذراعها، وقالت: 
_فكرتكم لطيفة وحلوة بس أنا بردانه! 

تسلل لمسمعهم جميعًا صوت سحاب يفتح، استدرن للخلف لتتفاجئ كلا منهن بزوجها من خلفها يحاوطها بجاكيته الجلدي، بينما من خلفهما يقف علي جوار زوجته قائلًا بخبث: 
_حبيبي العاقل آنت! 

توزع اعينهن بين بعضهن والأيدي الممدودة لسحبهم برعبٍ سرى إليهن حينما قال عُمران بسخرية: 
_لا وإحنا اللي طالعين جري نأمن طريق نزولهم
 لتحت، طلعوا قالبنها رأس البر!

ردت عليه سدن وقد تركت آيوب يحاوطها بجاكيت بذلته: 
_ كله كويس مش تخافي علينا! 

جحظت عيني آيوب صدمة، بينما كبت باقي الشباب ضحكاتهم بصعوبة لم تمتلكها الفتيات وتعالى عنهن صوت ضحكاتهن على ما تفوهت به بحق الطاووس الوقح، الذي مال لآيوب يهمس له من بين اصطكاك اسنانه: 
_متخلهاش تكلمني عربي تاني بدل ما أندمها على اليوم اللي رجلها خطت فيه مصر، سامعني يابن الشيخ مهران؟ 

ابتلع آيوب ريقه بذعرٍ مضحك، ومال يجذب آدهم يدفعه صوب عُمران الغاضب وهو يخبره: 
_قوله إني جاهز أطلق وفوري. 

لكمته سدن بصدمة: 
_تطلقي مين آيوب، أنتي عاوز تبعدي عن سدن عشان المتوحش دي! 

جذب الجاكت عن كتفها ووضعه فوق راسها هادرًا: 
_إقفلي بوقك الله يرضي عليكي، عاوز أخش بيكي دنيا، وإنتي ناوية تخرجيني من على العتبة بدري بدري! 

امتزج الضحك بينهم، وقد هبط الشباب للاسفل، تاركين لهم المساحة للهبوط لشقة خديجة، بعدما أخبرت كلًا منهن زوجها برغبتها بقضاء اليوم برفقة سدن، لحاجتها لوجود العائلة والصديقات التي حرمت من وجودهم حولها. 

ولجت الفتيات لشقة خديجة وغادر الشباب لشقة عُمران، باستثناء آيوب الذي عاون "مصطفى" على الصعود برفقة الشبخ مهران الذي أصر أن يبيت في منزله رفقته بهذا اليوم، فانحنى يقبل يده حينما أدخله لغرفة أبيه، مرر "مصطفى" يده على خصلاته بحب وفرحته تفسرها دموع عينيه، وصوته القاتم: 
_مبروك يا آيوب، ربنا يكرمك بالذرية الصالحة يا حبيبي. 

منحه ابتسامة تشكل فيها حبه الخالص له، بعدما تمكن مصطفى بالفترة الاخيرة من التقرب منه، ومع حفاظه على وعده الذي قطعه له زاد من حب واحترام آيوب له، فلقد كان يحترم أن المكانة الاولى، تخص الحاجة رقية والشيخ مهران، ولم يضع ذاته يومًا بمواجهة معه، بل كان يضع ذاته بعدهما، وقد تقرب بذلك إليه. 

قبل كفيه ويعلو مقبلًا جبينه: 
_الله يبارك فيك يا حبيبي، متتصورش أنا سعيد بوجودك هنا أوي، وكان نفسي أبات معاك، بس للاسف إيثان محضر لحفلة شبابي وواخدني حجز لبكره الصبح. 

ضحك حتى أحمر وجهه، وقال بحنان: 
_لا يا حبيبي روح وانبسط معاهم، ده الليلة ليلتك يا عريس. 

وأضاف بحكمة: 
_أنا والشيخ مهران بنعرف نندمج مع بعض، يلا روح لاصحابك بقى وفارقنا خليني اعرف أفضفض مع الشيخ شوية. 

تعالت ضحكاته الجاذبة، ونهض يرفع يديه بمرح: 
_أنا خالع أهو، هسيبكم في مجلسكم الهادي ده. 

وأتجه ليخرج من الشقة، فوجد أبيه يطالعه بابتسامة فخر وسعادة، وبدون مقدمات اختطفه بين ذراعيه بحنانٍ: 
_مبروك يا عريس. 

مال يقبل يكفه ورأسه بامتنانٍ وحب: 
_الله يبارك فيك يا بابا، ولا زي ما بتحبني أقولك يا عم الشيخ. 

هز رأسه وقال ببشاشة: 
_اللي تحب تناديني بيه ناديني، النهاردة يوم دلعك يا حبة قلبي. 

صاح باطراء مستمتعًا: 
_الله الله أخدنا الدلع والمزاج العالي من الحاجة رقية، دي هتعمل مني صوابع كفتة برز، دي نايمة جوه بالمطبخ بتجهزها من ساعة ما المعازيم مشوا. 

تحررت ضحكاته ومال يهمس له بمزح: 
_هبعتلك طبق محمر مع فارس لما تنام. 

جحظت عينيه في صدمة مضحكة: 
_هتسرق عشاني يا شيخ مهران؟ 

شاركه الضحك وقال بمزحٍ: 
_سرقة الزوجة للزوج حلال والعكس صحيح، مدام لصالح إرضاء الابناء، وإنت ابني الوحيد. 

عاد يقبل كلتا يديه ورأسه، فمسح على رأسه وقال: 
_يلا روح لاصحابك ميصحش تسيب ضيوفك كده. 

أومأ له بخفة وغادر إلى شقة عُمران، وما أن فتح بابها حتى تسمر محله صدمة ودهشته تزداد أضعافًا مما يراه، بينما يردد لسانه بعجزٍ لما يستمع إليه من تلوثٍ كاد أن يصيبه بالاغماء: 
_أسيح الزبدة!!!!!  إيثان يا حقيـ..... 


تعليقات