رواية صرخات انثي الفصل المائة والثاني عشر 112 بقلم آيه محمد رفعت


 رواية صرخات انثي الفصل المائة والثاني عشر 

 صعق "آيوب" حينما انبلجت الصورة من أمامه كاملة، "إيثان" يراقص "سيف" الذي خلقت بينهما محبة فجأة، ولجوارهما يتمايل "يونس" رفقة "جمال"  ، أما على الأريكة الخشبية يجلس "علي" ولجواره "يوسف" وكلاهما يتابعان ما يحدث بين الشباب بدهشةٍ تشاركها معهما "آيوب"، وأزداد لمركبهم الطاووس الذي انهى إتصاله للتو مع" حسام" السكرتير الخاص بمكتبه، وولج للداخل، فعقد حاجبيه بسخرية خبيثة، اختلج عنها بنبرته التي فرقت الجماعات: 
_هو انتوا كده أخركم المهرجنات التافهة اللي زيكم! 

ركض "سيف" يغلق الهاتف المتصل بالسماعات، وهو يردد بتذمرٍ: 
_بنحاول نحتفل بالعريس. 

استند على مقدمة المقعد بيديه، واجابه ساخرًا: 
_واضح أن احتفالكم نال كامل إعجابه لدرجة أنه لزق مكانه ومش قادر يتحرك. 

انتقل برماديتاه صوب "جمال"، قيمه بنظرة ساخرة قبل أن تطول حديثه: 
_دراسة في لندن كل السنين دي، وأخرتها بترقص على شوح الكبدة يا عبحليم!!! 

استدار يرتب قميصه الأبيض داخل بنطاله، متهربًا من لسان الطاووس الوقح، بينما يجيبه يونس: 
_مش إحنا يا بشمهندس والله، ده إيثان اللي مصمم نشوح الكبدة معاه!! 

سحب بصره للمتهم الذي أشارت كافة الأدلة إليه، فزم شفتيه ساخطًا وهدر بصوتٍ منخفض ولكنه كان مسموعًا: 
_هيعملنا فيها خواجة بقى. 

ورفع من نبرته بعدك مبالاة: 
_أنا مبعرفش أفرح الا كده، صاحبي دخلته بكره وفرحان بيه أيه الإشكال هنا!! 

استقام بوقفته يطالعه بثباتٍ، ويده تشير على الأريكة القابع عليها "علي": 
_يعني عشان سيادتك تفرح تجيب لأخويا تلوث سمعي!! 

اتجهت الأعين جمعيها إليه، فابتسم وقال وهو يعدل نظارته الطبية: 
_أنا تمام جدًا، إتفضل يا إيثان كمل إحتفالك. 

قاطع يوسف حديثه بانزعاج: 
_يكمل أيه يا علي، ده أفسد أخلاق دكتور سيف، أنا مش مصدق أن ده أخويا اللي تعبت عليه ليل نهار عشان يكمل تعليمه ويبقى دكتور محترم، أخرتها بيحط مش عارف أيه ده في الزبدة يا علي!!!!!! 

لوي"إيثان" شفتيه بتهكمٍ: 
_متعرضهوش يا دكترة منك ليه. 

تحرك "آيوب" عن محله الصامت، وأتخذ من جاكيت إيثان مأوى ليده المتعصبة، صارخًا فيه من بين أسنانه بغيظٍ: 
_إنت عايز أيه يا إيثان، عايز تعرنا قدام دكتور علي، ودكتور يوسف، الناس دي راقية جدًا ومش شبهنا، أبوس إيدك تلم المصمت اللي فتحته ده!! 

وأشار ليونس يطالبه بالدعم: 
_تعالى يا يونس لم صاحبك. 

إلتقط يونس زجاجة المياه من جمال، وقبل أن يتجرعه قال: 
_معرفهوش! 

اعتلاه الغضب من تخليه عن مسؤوليته، فاستدار تجاه منقذه الوحيد، الذي يطالعه ببسمة ماكرة، وكأنه كان يتوقع طلبه للدعم، وأتاه حينما مال يشير بيديه، يفسح له الساحة: 
_طلعتك يا طاووس، إتفضل. 

بقى "عُمران" محله ونظرته الخبيثة تقيم إيثان من الأسفل للأعلى، فارتبك قبالته، وأحاط صدره بيديه في حركة درامية أحاطت حديثه المرح: 
_هتعمل أيه بعد البصة دي!!! 

سقط جمال ضاحكًا، حتى يوسف كاد بالسقوط عن الأريكة من الضحك، بينما يكسر خشونة صوت عُمران الضحك: 
_معلم يونس. 

أسرع يونس إليه ضاحكًا، وبتسلية قال بنبرة شعبية تواكب نبرة عُمران الشعبية: 
_أومرني يا خواجة. 

قال ومازال يتطلع تجاه إيثان المترقب لما سيفعله به: 
_مفيش مكان هنا بيبيع كبدة درجة أولى. 

علم ما يدبره عُمران لرفيقه، وصاح بحماس: 
_أعرف طبعًا. 

عاد يحدد له ما يريد: 
_نية، عايزاها نية يا معلم! 

صدر عنه ضحكة مسموعه وقد تبين له الصورة كاملة: 
_عنيا حاضر، هنزل حالًا اجبلك أحلى كبدة، كده كده الشيخ مهران هيضحي كمان ربع ساعة عشان الفرح، ألحق الكبدة وهي طازة بقى. 

قالها وأنطلق، بينما ازدرد إيثان ريقه بارتباكٍ، وصاح: 
_عايز أيه من الكبدة النية يا خواجة، لا لو فاكر أني لقمة سهلة تبقي متعرفنيش. 

ضحك آيوب وقال بشماتة: 
_هو تقريبًا حس إنك بتتوحم على الكبدة فقال يجبهالك، بس السؤال هنا هتأكلها نية ولا هتسويها يا إيثو. 

أحاط عُمران كتف آيوب وقال بغمزة: 
_لا طبعًا هيسويها وإحنا عشان بنحبه هنأكل معاه كلنا. 

واضاف وهو يتطلع لايثان الذي أختمر وجهه من شدة الغضب: 
_ها يا إيثو هتأخد وقت أد أيه لحد ما تشوح الكبدة وتحط الزبدة؟!! 

استدار للخلف، يستعين بأخيه قائلًا: 
_عجبك كده يا دكتور علي، أخوك بيتمسخر بيا! 

ترددت ضحكات علي ولجواره يوسف، فتخطى عُمران آيوب ووقف قبالة إيثان يردد ببسمة ساخرة: 
_بتشكيني لولي أمري!!  قولتلك قبل كده أنا متربتش فريح نفسك وإدخل حط الطاسة على البوتجاز. 

رفع اصبعيه للاعلى وقال بغيظٍ: 
_حسبي الله ونعم الوكيل، ربنا على المفتري الظالم. 

قالها وانطلق على المطبخ، بينما يهدر جمال ضاحكًا: 
_الواد ده عنده وحدة وطنية عالية أوي! 

نطق سيف أخيرًا من بينهم وهو ينهض من جوار أخيه: 
_حرام عليكم كبدة أيه اللي هيقف يعملها دلوقتي، أنا هروح أساعده وخليكم قاعدين كده. 

جحظت عيني آيوب صدمة، ومن جواره يوسف، الذي نطق بصعوبة: 
_الواطي ده عمره ما غسل طبق ولا عمل لنفسه كوباية شاي حتى!!!  هو في أيــه؟؟ 

رد عليه علي وهو يربت على كتفه المشدود: 
_الظاهر أنه وأخيرًا قرر يعتمد على نفسه يا دكتور يوسف! 

أجابه باستهزاء: 
_ولما قرر القرار المصيري ده جاي يقرره هنا!! 

إزدادت ضحكات علي بشكلٍ جعل عُمران يتابعه بسعادة، بينما يقاطعهم آيوب متسائلًا بدهشةٍ: 
_آدهم فيــــــن؟!!!! 
                             ********
بزقاق شوارع حارة الشيخ مهران، كان يستند على مقدمة سيارته، يعبث بهاتفه وملامحه مطعمة بالانزعاج والضيق لما إنجبر قسرًا لفعله، وها قد تمت مهمته على أكمل وجه، حينما توقفت قبالته آحدى السيارات السوداء، وهبط منها ذلك الشاب يهرول إليه، وبكل حماس يؤدي تحيته العسكرية قبالة رئيسه. 

إلتفت آدهم من حوله، وهو يهدر بصرامة: 
_نزل إيدك بسرعة مش ناقصة فضايح الله يكرمك. 

إنصاع له الشاب وقد أخفض يده، قائلًا بنبرته الرسمية التي أعتاد عليها تحت قيادته: 
_جبت المطلوب وكله تمام يا باشا. 

تشربت بشرته حرجًا لما وضع به، فتنحنح بخشونة قائلًا: 
_تمام يا محمود، بعتذر لو أزعجتك في الوقت ده. 

رد في حبورٍ ومازال يقف بآلية تامة قبالته: 
_أنا تحت أمرك في أي وقت يا عمر باشا، تحب حضرتك أدخل الحاجة اللي معايا جوه. 

أسرع بإيجابته: 
_لا أنا هخدها منك، وإرجع إنت. 

وأبرز تحذيراته بقليل من الصرامة المفقودة: 
_وأتمنى الموضوع ده يفضل بينا، مرحش الصبح ألقى الجهاز كله عارف بطلبي الغريب ده. 

منع الشاب ضحكته بالظهور، وقال بنفس الثبات وكأنه يقدم تحيته العسكرية على الملأ: 
_اطمن يا باشا، وألف مبروك لأخو حضرتك ربنا يتمم عليه بخير. 

منحه ابتسامة جذابة، وقال بلباقةٍ: 
_تسلم يا محمود، عقبالك. 

فتح آدهم باب سيارته وحمل الأكياس البلاستيكة التي يحملها الشاب، ثم غادر عائدًا لوجهته مرة أخرى، وهاتفه على أذنه يهتف بنزقٍ: 
_طلبات جنابك كلها اكتملت! 
                                 ****
صفقت بيديها بعدما ألقت الهاتف بحماسٍ، وبتفاخرٍ قالت للفتيات: 
_آدهم لاقى نوع الحنة اللي عايزنها، عشان تصدقوني لما قولتلكم إنه الوحيد اللي هيجبلنا كل اللي عايزنه. 

أثنت زينب عليها قائلة: 
_جدعة يا بت، أنا كنت هزعل أوي لو اتجبرنا نعمل بالحنة المنيلة اللي جابها فارس دي. 

ضحكت خديجة ومالت تطبع قبلة على خد ابنها، قائلة: 
_الراجل حاول يخدم يبقى ده جزاته! 

مالت مايا تتلقفه من يدي والدته، وضمته تقبله في حنانٍ ولين: 
_سيبك منها يا فارس، أنت شهم وراجل كفايا أنك عرضت مساعدتك. 

أضافت فاطمة وهي تمرر يدها على خصلات شعره الطويل: 
_القمر ده تعبان معانا لف من ساعتها، ربنا يباركلك فيه يا خديجة. 

قاطعتهن شمس التي جذبت حجابها تعقده جيدًا: 
_انا هنزل أجيب من آدهم الحاجة وجاية. 

أسرعت من خلفها سدن تهتف بحماس: 
_أنا يروح معاك شمس، عاوز شوف حنى. 

ضحكت الفتيات على حديثها، ورددت صبا بمرح: 
_والله سدن دي زي السكر. 

أخبرت ليلى شمس: 
_خديها معاكي يا شمس بس الاحسن متطلعوش من البيت، اقفي تحت وخديهم منه. 

هزت شمس رأسها بخفة، ثم سحبت كف سدن وهبطوا معًا للاسفل. 

راقب آدهم مدخل منزل الشيخ مهران بتأففٍ، فاستند بجسده على مقدمة سيارته مجددًا، حتى أتاه صوتًا ينادي: 
_عمـــــــــر!!!! 

أغلق عينيه بانزعاجٍ وضيق من الموقف الذي وضع فيه برمته، وباتزانٍ مفاجئ إستعاد هيبته المفقودة، ورفع رأسه تجاه محل صدور الصوت، حيث وجد أبيه يجلس بالشرفة قبالة الشيخ مهران، ويحمل بيده كوبًا من الشاي، واليد الاخرى التسالي، فكسر حالة الصمت والترقب بسؤاله المتوقع من "مصطفى": 
_أنت سايب أخوك وبتعمل أيه هنا؟ 

بدى كأنه تائهًا ، يحاول الوصول لبرٍ آمن، فقال: 
_جيت أطمن على حضرتك لو محتاج حاجة. 

ابتسم الشيخ مهران وقد لمح شمس تشير لآدهم أمام باب المنزل، وقد لاحظ أبيه ذلك، فقال ساخطًا: 
_تطمن عليا أنا بردو!! 

واشار للشيخ مهران مستطردًا: 
_إبقى إديله خطبة عن الكذب، وأكد عليه إن نهايته النار. 

اتسعت ابتسامة الشيخ حتى برزت أسنانه البيضاء، وقال: 
_حضرة الظابط مكدبش يا مصطفى، جاي يطمن عليك وعلى أهل بيته. 

وأضاف ومازالت ابتسامته البشوشة تزين وجهه: 
_متقلقش يابني البيت أمان هو وسكانه، إديك اطمنت على والدك إطمن على الجماعة وإرجع لصحابك. 

أشار له آدهم بامتنانٍ، وخاصة بعد أن قطع المعركة التي كانت بدايتها لأبيه، فأسرع بما يحمله  تجاه محل وقوف" شمس"، وعينيه تجتاحها عاصفة رعدية، انصهرت فور أن رأى السعادة تلمع بمُقلتيها، حماسها جعله يبتسم ببساطةٍ وكأنها استمدت عنه كل الضيق والسخط، فتمنى لو تبقى يتأملها لاخر لحظة بحياته! 
لطالما كان يتمنى من الله أن يودع دنياه شهيدًا، وهو يدافع عن وطنه، ويحمل أمنية آخرى أن تكون هي أخر من يراه. 

أفاق "آدهم" على صوتها الرقيق:
_كنت عارفة إنك هتعرف تتصرف  ، ما أنا جوزي مش أي حد بردو. 

وإلتفتت تجاه "سدن"، تريها ما وضع بالأكياس: 
_بصي يا سدن، الأشكال اللي جابها تحفة ورقيقة مووت. 

حملت منها النقوش التي شكلت على شكل عقد من الزهور، ونقوش متعددة منها، فرددت بانبهار: 
_ده حلو أوي أوي، شكرًا كتير آدهم.

 إنتبه لوجود زوجة أخيه، فاستعاد صوته الغائب عنه: 
_العفو، لو احتاجتوا حاجة تانية إبعتولي مسدج. 

ناولت شمس الاغراض بأكملها إليها، وقالت بنبرة حويطة: 
_خدي الحاجة وإطلعي وريها لزينب وأنا شوية وهحصلك. 

حملت الاكياس وهي تبتسم ساخرة منها: 
_إنت بتوزع سدن عشان تتكلمي كلام سر مع آدهم، قولي عاوز أتكلم معاها وأنا هطلع. 

ردد باستنكارٍ: 
_معاها!!  

تحلى ببسمة زائفة وهو يخبرها: 
_أنا بقول تعملي بنصيحة عُمران وتتكلمي معانا بالانجليزي أهون من ضياع نص الهيبة دي. 

تساءلت شمس بصوتٍ منخفض: 
_والنص التاني ضاع في أيه!! 

أجابها والغيظ يتنافر مع هدوئه المخادع: 
_مع وصول أوردر الحنة بتاع جنابك! 

غردت ضحكتها بصوتٍ أخلج قلبه بينما تشاكسه: 
_الشرطة في خدمة الشعب يا حضرة الظابط، ما بالك بقى بزوجة مقدم له قدره ووزنه في الجهاز!! 

مال بكتفيه العريض على الحائط، فأصبح على مقربةٍ من طولها، هامسًا بصوتٍ مغري: 
_من غير المقدمات الطويلة دي، أنا في خدمتك دايمًا شمس هانم. 

تلاشت أمامه كأنها قد غادرت للتو ولم يتبقى سوى عبيرها، تتأمله بابتسامة ناعمة، وأصابعها تعبث بأطراف حجابها الطويل، تختطف نظرة عابرة سريعة من عينيه، وتعود لمستقرها أرضًا جوار بقعة حذائه الثمين بالتحديد، فاذا به يرفع ذقنها عاليًا، يمازحها بصوته الذكوري: 
_هنتكسف لحد أمته!  كلها كام شهر والباشا الصغير يشرفنا، فطمنيني هتأخدي عليا في الطفل الكام عشان أعمل حسابي بس! 

تنافر عنها ملامح الخجل، وصرخت مستنكرة جملته:
_ليه هو حضرتك ناوي نجيب كام طفل؟ 

رفع عينيه لسقف المدخل بتفكيرٍ: 
_أممم، خمسة ستة مثلًا!  

أبعدت كفه عن ذقنها بنفورٍ، وكأنها لم تكن تلك ذابت فيه غرامًا منذ دقائق، على الأغلب تحمل إنفصام بالشخصية، وقبل أن تفكر في قولًا يُقال، أتاه هلاك موته مع رنين هاتفه، فرفع الهاتف مرددًا بضحكة مكبوتة لتوقيت إتصاله وكأنه ينصت لهما بجهاز لاسكي: 
_البشمهندس عُمران سالم الغرباوي بيتصل بيا بذات نفسه!! 

_ده يعرفك أنك مبقتش شخص عادي، غلاوتك زادت شوية يا حضرة الظابط. 

وردد ساخرًا قبل أن يتحدث آدهم: 
_أخوك بيعيط عايزك وملهوف عليك!!  ، بصعوبة سكته وقولتله  هكلم أخوك يجيلك حالًا يا حبيبي، وأهو بالمرة أنبهك إن الوقفة الكتير غلط على شمس، ولا فراقها عنك ببيت الشيخ مهران صحى مشاعر المراهقة المكبوتة عندك!!

إلتفت "آدهم" للخلف، وخرج للطريق المتوازي، فرأى "عُمران" يقف بشرفة شقته، ينتزع هاتفه عن أذنيه ويغمز له بخبثٍ جعل الاخير يبتسم، ويعود ليودع زوجته قائلًا: 
_إطلعي للبنات قبل ما عُمران ينزل، فقدت الأمل أنه يتغير! 

حملت طرف الاسدال بدلال، وبعنجهية قالت: 
_مضايقك إني أبقى مسنودة من برنس عيلة الغرباوي، مش هقدر أطمنك، هفضل طول عمري على رأس قائمة اهتماماته، فحاول تتأقلم يا كابتن.

قالتها وإختفت من أمامه للطابق العلوي، فتحررت عنه ضحكة مسموعه، وإتجه لسيارته يقود للامام قليلًا، حتى صفها أمام مبنى "إيثان" 
                                *******
انهمرت دموعه بغزارةٍ حتى أغرقت وجهه، ومن جواره يجلس "يونس" على رخامة المطبخ، يقدم له منديلًا ورقيًا بابتسامةٍ متشفية، يلتقطه "إيثان" منه بغيظٍ، يزيح دموعه ويلقي المنديل أرضًا جوار باقة المناديل المتناثرة أرضًا، حتى أنتهى من تقطيع كميات البصل بأكملها، وسكبها بالمقلاة، وما ان نضج حتى وضع قطع الكبدة. 

مال عُمران على باب المطبخ يراقبه ببسمةٍ خبيثة: 
_ها يا إيثو أخبار الكبدة أيه؟؟  

لكم المعلقة بالمقلاة بحدة، وعينيه تلتهمه بعدائيةٍ شديدة، يود لو ألقى الوعاء الساخن بما يحمله بوجهه، ولكنه تماسك ليحقق غايته الخبيثة التي يريدها بحفل زفاف آيوب، فلزم الصمت حتى أنهى ما يفعله. 

وضع "سيف" السلطات التي أنهاها بمعاونة جمال على السفرة البسيطة، ووزع آيوب الخبز ثم اتجه لعمران يسأله: 
_آدهم قالك أيه؟ 

تأمله قليلًا، ثم ضحك: 
_في أيه يا آيوب، أنت ليه محسسني إنك بيبي صغير منتظر رجوع مامته!!  ما تسترجل شوية يا عريس! 

احتقنت ملامح آيوب غيظًا، فغمز عُمران بسخرية: 
_متعيطش يا حبيبي، ماما طالعه على السلم وحالًا هترن الجرس. 

وما أن إنتهى من قوله حتى دق جرس الباب، فهرول آيوب مفتقدًا وجود آدهم جواره، فصاح بتذمر: 
_كنت فين لحد دلوقتي يا آدهم؟! 

ابتسم آدهم باستغرابٍ، حينما تأكد من صدق حديث عُمران فور رؤيته للهفة أخيه بحضوره، فأغلق الباب وإتجه برفقته للداخل: 
_كنت بجيب حاجة لشمس. 

وإتجه للردهة حيث محل جلوس "علي" و"يوسف"، جاور جلستهما حتى إنتهى الشباب من رص طاولة الطعام الصغيرة، فاجتمعوا من حولها يتناولون الطعام بجو من المرح والمزح، وخاصة حينما طرق فارس باب الشقة، وولج يحمل طبق من الطعام، قدمه لايوب قائلًا: 
_الشيخ مهران بعتلك كفتة الرز المسروقة! 
                                ******
وقفت سدن أمام المرآة تتأمل إنعكاس نقش الحنة المغربي أعلى كتفها، حيث وشمت بالحنة إسم آيوب كاملًا باللغة الانجليزية، انبهرت بالرسم المتقن، وأبدت إعجابها: 
_حلوة أوي أوي زينب، إسم آيوب طالعه حلوة أوي أوي، هو أنا ينفع أروح أوريهالها؟ 

تبادلت الفتيات النظرات بصدمة مما قالت، وفجأة انطلقت الضحكات تجلجل بينهن، وكانت كرستين أول من قالت: 
_مينفعش طبعًا يا سدن، آيوب لو شافك كده هيقع من طوله، ده شاب خجول!! 

مالت الفتيات على بعضهن من كثرة الضحك، وقد تحرر عن مايا: 
_مستعجلة على أيه يا سدن،  كل شيئًا هينكشف ويبان لوحده!! 

لكزتها فاطمة بصدمة: 
_بس يا مايا بتقولي أيه؟؟  عيب كده! 

رفعت كتفيها ببراءة: 
_أنا قولت غير الحقيقة!!  هنغش الولية يعني! 

اقتحمت شمس حديثهما قائلة: 
_على فكرة سدن من الغرب، وبنات الغرب مفتحين جدًا، إحنا اللي كوتي أوي. 

تصاعدت ضحكة صبا بقوةٍ، وهتفت ببشرة قد صبغها الحياء: 
_مهو باين من قرارها المفاجئ إنها توريه!!  أنا بقول بجملة السهرة الجميلة دي نعلمها تتعامل إزاي! 

تركت زينب ما تحمله ونزعت القفازات قائلة بنزق: 
_ما تسيبوا البت تتعامل بحريتها، دول صبروا صبر آيوب، خطوبة وجواز وجواز تاني والفرح كل شوية يتأجل، هتبقوا أنتوا والزمن عليهم!!! 

ربتت خديجة على ساقها، ومنحتها كوب العصير قائلة: 
_هدي أعصابك يا زوزو، وخدي اشربي العصير ده. 

منحتها قبلة بالهواء وقالت: 
_حبيبي اللي فاهمني إنت، انزلي عليا بطبق الحلويات اللي محدش بصله من ساعة ما دخل علينا ده.

قربت الصينية منها بترحابٍ، ينما تتخذ ليلى خطوة حازمة لتسطو عليهن بصرامة: 
_ما خلاص يا جماعه هي البنت قالت أيه لكل ده،  هتقيموا عليها الحد!!!! 

راقبت سدن حديثهن بتشتتٍ، إتبع نبرتها:
_أنا مش فاهم حاجة منكم، هو أنا عمل حاجة غلط يعني.

نهضت فاطمة تحمل طرف جلباب الحاجة رقية التي أصرت أن تبدل الفتيات الفساتين بالجلابيب المنزلية المريحة، وإتجهت إليها تطمئن قلبها بابتسامتها النقية:
_لا يا حبيبتي معملتيش حاجة غلط ولا حاجة، هما بس بيقولولك إنك توريه للعريس بكره عشان دي زي المفاجأة كده  مينفعش توريه من دلوقتي، فهمتيني؟ 

اتسعت ابتسامتها وانزوت بين أحضان فاطمة، قائلة: 
_فهمت، أنت بتتكلم بهدوء وبتخلي سدن يفهم أنا بحبك كتير كتير فاطم! 

شددت من ضمتها والابتسامة تتسلل للوجوه بأكملها بفرحة نشوب علاقة قوية بين الفتيات بأكملهن بدايتها من حفل زفاف سدن البسيط! 
                               ******
تفرق الشباب على الأرائك الخشبية، وكلا منهم يحمل كوب الشاي بالنعناع الذي أعده إيثان للجميع، والصمت يتراقص بينهم، حتى مزقه آيوب: 
_وحـــــــدوه. 

أجابوه معًا: 
_لا إله الا الله. 

عاد آيوب يردد في حسرةٍ: 
_هو إنتوا جايين عزايا ولا أيه، هو ده اللي هتحتفلوا بيا وتعملولي حفل توديع العزوبية. 

صفق  إيثان كوبه على الطاولة بغضب: 
_وأنا كنت بعمل أيه يعني، إنت اتقمصت والخواجة البلطجي بتاعك عقابني! 

أجابه آيوب بسخط: 
_وهي دي أغاني تتسمع يا كابتن!!  دي عايزة تتذاع في مصمت مش هنا! 

شارك جمال بمقترحه: 
_طيب ما عُمران  يغني لينا بدل التلبك المعوي ده، ولا إنت رأيك أيه يا دكتور علي؟ 

منع عُمران علي من الحديث حينما شدد على كفه، وقال غاضبًا: 
_هو كل اللي عايز مني حاجه بيطلبها من علي ليه، مش مالي عين أمكم أنا!!!! 

ومال لأخيه يشكو له: 
_دول بيعاملوني كأني طفل صغير وليا ولي أمر يا علي! 

منع ضحكاته من الانبلاج بصعوبة، ورفع يده يحاوط كتفه: 
_هو أنت بتكبر لحد يا وقح!!  هما بس بيحاولوا يعملولك كنترول بوجودي، يلا قوم غني حاجة لآيوب يودع بيها العزوبية زي مهو عايز. 

رد ببرود مضحك: 
_خليه يشوف غيري أنا توبت. 

وأضاف وهو يتطلع تجاه آيوب الحزين: 
_عايزني أغنيلك وأطلع الفجر أم بالناس يابن الشيخ مهران!! 

ربع يديه أمام صدره بضيق مضحك، فردد يوسف ضاحكًا: 
_فتح الله عليك يا عم الشيخ، الله يرحم أيام الجامعة، الجيتار بتاعك لسه في شقة لندن يشهدلك بالتقوى! 

انزعج آدهم لحزن أخيه، فمال لعُمران يخبره بلطف: 
_مفيش معازف ولا نغمات هنا، غنيله أي حاجة هادية. 

تفحص عُمران ملامح آيوب، وقال بانزعاجٍ: 
_مبقتش حافظ حاجة والله، بس لو مصرين فاغنية واحدة بس اللي معلقة معايا، كلت معاكم كان به ومكلتش أقعد وشغلوا انتوا تشويح الكبدة بتاعت الكابتن. 

صاح آيوب وسيف بحماس: 
_موافقين. 

نهض إيثان ويونس يبعدون الطاولة الصغيرة، ويفرغون الساحة لعمران الذي بدأ يدندن لهم إحدى الأغاني، جذب يونس آيوب وبدأ كلاهما يتشاركان الرقص الشرقي برفقة إيثان، وبدأ "يوسف" قرع الطاولة بيديه، أما جمال فقد أقدم على مغامرة خطيرة حينما جذب عُمران وبدأ يتمايل قبالته، فاستجاب له وتمايل برفقته بحركات رجولية أبهرت إيثان، فترك آيوب ويونس، وأتجه يوازيه. 

اكتفى علي بالمتابعة وهو يراقب رقص أخيه بذهول، بينما اختطف آدهم هاتفه وأخذ يسجل مقاطع للفيديو بسعادة، وأولى اهتماماته إلتقاط حركات أخيه وعُمران، الذي قلب الاغنية الراقية لما جعل الجميع يتهاوى من الضحك حينما قال
«يا ليل يا عين، يا ليل يا ليل، يا يا عين
كان ليا في يوم حبيب يا خسارة باعني
بالغالي إشتريت وبالرخيص باعني

وأنا لا ندمان عليه
ولا هبكي في يوم عليه
وأنــــا

أجابه إيثان وسيف وآيوب ضاحكين:
_ أيـــــــــــه؟
عاد يخبرهما وهو يرفع أصبعه مشيرًا لذاته بعنجهيةٍ:
_ أنـــــــــــــــــا

قال فارس تلك المرة وابتسامته الجميلة تزين وجهه:
_ أيه. 

حمله عُمران والتقف ذراعه وراح يتمايل به مستكملًا: 
_أنا لا مسطول ولا بطوح
أنا جاي أجامل ومروح
وأشوف اللي باعني وسابني وخاني
خلى قلبي بيتمطوح!! 

تعالت ضحكات آدهم حتى كاد هاتفه الباهظ بالسقوط، بينما مال علي وهو يخفي وجهه من شدة الضحك،  والآخر يتابع: 
_آه ياما آه وآه يابا
دي عيلة واطية ونصابة!!! 

أخرج إيثان مدته (مطوة)  ، وأخذ يتراقص بها بمهارته الشعبية، وهو يصيح بحماس: 
_آه يمة آه وآه يابا
دي عيلة واطية ونصابة. 

إلتقفها عُمران منه، وحركها ببراعة أدهشت إيثان وعلي الذي انصدم من أخيه، بينما يصيح: 
_والليلة جينا نهنيكوا

هتف الشباب بأكملهم ضاحكين: 
_هاتوا الفلوس اللي عليكـــــــــــوا! 

ضحك عمران وغنى بصوت مرتعش من الضحك: 
خطيب خطيبتي ده واد منحوس
خطبها وهي عليها فلوس
خطيب خطيبتي ده واد منحوس
خطبها وهي عليها فلوس
ده الفقري فقري ولو حتى
علقو على دماغوا فانوس
أنا لا مسطول ولا بطوح
أنا جاي أجامل ومروح
وأشوف اللي باعني وسابني وخاني
خلى قلبي بيتمطوح
ودولا ناس مالهاش عازة
بفلوسي أنا عملوا جوازة
ودولا ناس مالهاش عازة
بفلوسي أنا عملوا جوازة
والكل فرحان بيهني
وأنا يا عيني مالياش عازة
آه يمة آه وآه يابا
دي عيلة واطية ونصابة
آه يمة آه وآه يابا
دي عيلة واطية ونصابة
والليلة جينا نهنيكوا.. 

عادوا يرددوا مرة أخرى بضحك: 
هاتوا الفلوس اللي عليكوا
هاتوا الفلوس اللي عليكــــــــــــوا!! 

سقط عمران جوار علي يضحك بقوة جعلت وجهه يحمر، والجميع يسيطر الضحك عليهم، ردد علي بسخرية: 
_الاغنية دي معلقة معاك ومكبوتة طول السنين اللي فاتت دي، مجتش تطلعها الا لآيوب الغلبان!! 

رفع كتفيه ببراءة زادت من ضحك الشباب: 
_ابن محظوظة هعمله أيه يعني!! 

رد عليه آيوب بمرحٍ: 
_طبعًا محظوظ ده الطاووس الوقح غنالي أغنيتين! 

ضحك سيف وحذره: 
_لا وكان السبب في إننا نكتشف مواهب ابن الشيخ مهران بالرقص، وللعلم يا آيوب أخوك صورك من أول هزة لأخرها، شكله ناوي يبلغ عنك الشيخ مهران!! 

تلاشت ضحكة آيوب، وهرع تجاه آدهم الذي يتابعه من اعلى قامته الطويلة مقارنة له: 
_آدهم إنت ناوي تغدر بيا!!  

تحررت ضحكته الجذابة، ونطق: 
_هعملها إزاي وإنت ساحبني حيطة سد في وش أي مشكلة تتحط فيها!!  تفتكر هحطك وهحط نفسي في وضع زي ده؟ 

أجابه ببسمة ثقة: 
_لا. 

إتجه إيثان ليجاور عُمران بمحل جلوسه، وبنفس دهشته التي إحتلته فور رؤية حركاته الراقصة بالمدة، قال: 
_إنت بتعرف ترقص بالمطوة إزاي!!  خواجة أنت بلطجي مش مهندس!! 

اعتدل يعدل من قميصه الغير مرتب، وببراءة لا تمت له بصلة قال: 
_عيب تقول عني كده يا إيثان، طيب حتى أعمل احترام لاخويا الكبير!! 

رفع علي آحدى حاجبيه بنزقٍ لحق نبرته الشبيهة بالقنبلة بالنسبة للشباب المندهشين: 
_على بابا يلا!! 

تهاوى الشباب ضحكًا، وعلى رأسهم آدهم الذي هدر بخبث: 
_أنا أكتر واحد فاهم مضمون كلام البابا علي!!  

عدل علي من نظارته الطبية: 
_ميبقاش قلبك أسود يا حضرة الظابط. 

سحب آيوب المساند الخاصة بالآرائك، ووضعها أرضًا، فجلس من فوقها جمال ويونس وإيثان، واستقر علي وعمران فوق الاريكة، أما آدهم فجلس على المقعد المقابل لهم. 

قضوا الليل بأكمله بالحديث المرح، كانت جلستهم تلتهم الوقت كاشتعال عود ثقاب، حتى اقترب موعد آذان الفجر، فقال عُمران إلى علي وهو يراقب ساعته: 
_الوقت أتاخر جدًا، ده مش فاضل على الفجر غير ساعتين، هنصلي الفجر بالمسجد وهنرجع القصر. 

تذمر آيوب وقد أبدى ذلك بحديثه: 
_أنت وعدتني تكون معايا طول اليوم إنت والشباب. 

أجابه آدهم بعقلانية: 
_لازم نرجع البيت يا آيوب عشان نغير هدومنا، أنت عايزنا  نحضر الفرح كده. 

أتت فرصة إيثان على طبق من ذهب، فنهض يصيح: 
_الحل عندي يا باشا، أنتوا مش عايزين تزعلوا العريس، يبقى تباتوا وتقضوا اليوم كله معاه، وبليل نطلع على البوتيك بربطة المعلم واختاروا اللي يناسبكم، ومن غير ولا مليم، خير الخواجة سابق ومغطي لسنين جاية قدام. 

وأضاف قبل أن يعترض أحد منهم: 
_لو مقلقين من الاختيار فـ الفاشونيستا معانا، البشمهندس عُمران ذوقه عالمي، هيكجولنا كجولة بنت ناس. 

تمتم عمران من بين اصطكاك أسنانه: 
_فاشونيستا!!  مبدئيًا الكائن ده يخرس خالص، كلامه بيخرجني عن شعوري وأنا إنسان آرستقراطي محترم، أخويا الدكتور علي الغرباوي مربيني تربية محصلتش في تاريخ لندن ستين سنة جايين. 

شهد على حديثه علي: 
_طبعًا أمال أيه.

وهمس بخفوتٍ:
_  أنا دافن كل بلاويك يا حبيب قلب أخوك. 

تنهد آيوب بنفاذ صبر: 
_ها يا عُمران هتباتوا؟ 

منحه ابتسامة هادئة، لم يرغب بها كسر خاطره وفرحته: 
_معاك لحد ما نزفك لعروستك يابن الشيخ مهران! 
                                  *****
إنقسم الشباب على الثلاث غرف، حيث إحتل "إيثان" و"يونس" غرفة، و"آيوب" و"سيف" غرفة،  وجمال ويوسف غرفة، أما على وعمران جلسا بالخارج على الأريكة، بعد خروج آدهم المفاجئ لظروف عمله العاجل. 

وضع "علي" الوسادتين على  الاريكتين،  حيث كان يجلس عمران قبالته يتحدث بالهاتف، ويردد بحبٍ شديد: 
_أيه اللي مسهرك لحد دلوقتي يا حبيبتي؟ 

تعجب علي مما يستمع إليه، لم يصدف لعُمران التحدث مع زوجته أمامه قط، فأتاه ظنونه حينما ابعد الهاتف وفتح كاميرا المكالمة، مبتسمًا: 
_وريني فيروزة هانم الشقية دي، من أولها رافضة تنام ومسهرة فريدة هانم، لأ انا هشد عليها بنفسي، وريهاني بس من فضلك. 

ضحكت فريدة برقة، وعكست الهاتف لوجه صغيرتها، قائلة: 
_أخوكي هيبهدلك عشان مسهرة مامي. 

ترقبت سماع  ما سيقول من حزمٍ مضحك، ولكنها وجدته يتمعن بها هامسًا بحنان: 
_يا روحي على الجمال، معقول الملاك الصغنن ده يعمل مشاكل، أكيد فريدة هانم بتتبلى عليك يا صغنن. 

رددت فريدة بضيق مضحك: 
_ولد بكاش، بعتني بسرعة كده! 

ضحك وقال: 
_غصب عني صدقيني، أنا شكلي كده هخالف بوعدي مع آيوب وهاجي. 

وإتجه إلى علي، يجلس جواره ويشير لهاتفه بسعادة: 
_بص يا علي، أول مرة أشوفها وهي مفتحة عيونها بالوضوح ده. 

تناول علي الهاتف من أخيه، وأخذ يراقب الصغيرة ببسمة جذابة، ثم قال: 
_ملاك فعلًا تبارك الله. 

نادته فريدة بلهفة: 
_علي أنت مرجعتش ليه؟!!  

رد عليها بهدوء: 
_آيوب مصمم أننا كلنا نفضل معاه، هرجع على بليل إن شاء الله. 

وأضاف وهو يتمعن بوجه والدته: 
_وش حضرتك مجهد أوي، لو حاسة بتعب أجي أنقل حضرتك للمركز أو أجيب دكتور يوسف يبص عليكي. 

اتسعت ابتسامته سعادة وفرحة به: 
_لا يا حبيبي ده بس من قلة نومي، بعد كده هسيبها معاكم وأعوض الاجهاد ده. 

مال عُمران برأسه تجاه كاميرا الهاتف يخبرها: 
_أنا جاهز لده بس بعد رجوعي من السفر، زي ما قولتلك يا فيري هسافر أحضر فرح موسى وأرجع. 

تنهدت فريدة والخوف يتعمق على تعابيرها: 
_ما تبعتلهم برقية مع بوكيه ورد شيك وخلاص، مش لازم تسافر يا عُمران. 

تطلع لعلي بنظرة علم مكنونها جيدًا، وبالرغم من أنه يوافق حديث والدته لخوفه الشديد على أخيه من أي سفر مفاجئ يعيد ذكرياتهم السيئة، الا أنه قال برزانة عقله: 
_مينفعش، دول ناس بسيطة ملهمش في جو مجاملات رجال الاعمال دول يا فريدة هانم، وكمان الناس دي كانت السبب بعد ربنا في رجوع عُمران لينا من تاني، فده أقل واجب يقدر يعمله معاهم، وخصوصًا المشروع اللي هنعمله انا وعمران هناك، فلازم يسافر بنفسه. 

هزت فريدة رأسها بخفة، ولكن الخوف مازال يتعمق على ملامحها، وعادت تسلط الهاتف للصغيرة، حتى انتهت المكالمة. 

نهض علي يعود للاريكة المخصصة به، انتزع جاكيته الذي حمله له فارس وللشباب بأكملهم، ثم جلس يطويه ويضعه على الطاولة الصغيرة من جواره، تفحص محل أخيه باستغراب حينما لم يجده على الاريكة المقابلة له، واذا به يشعر بثقل على ساقيه، فابتسم بقلة حيلة حينما وجده تمدد على أريكته واضعًا رأسه على ساقي أخيه، ضحك علي وردد: 
_مبتفوتش فرصة إنت! 

سحب كفه يضعه على شعره الذي بدأ بالنمو بشكلٍ كثيف: 
_تقدر تروح مكاني بس لما أروح في النوم! 

اتسعت ضحكاته، وأخذ يمرر يده على خصلات شعره، حتى غفى تمامًا، فعاد القلق يتفرس ملامح علي من جديد، لا يرغب بسفره مجددًا، وحتى وإن أراد السفر برفقته لن يستطيع، كيف له بترك والدته وزوجته وشئون المركز بالوقت الحالي!! 

مال للخلف مستندًا برأسه للخلف، متنهدًا بحزنٍ شديد، وهو يعود للدعاء مجددًا أن يحفظ الله أخيه من كل مكروه، هامسًا: 
_اللهم أخي لا تُصعب عليه أمراً ، ولا تحنِ له ظهراً ، ولا تُريني فيه ضرر ، اللهم احفظ أخي أينما حلّت خُطاه. 

تحلى بالصمت والسكون، وبالرغم من تثاقل عُمران بالنوم الا أنه لم ينسحب لمحله، طالته الأفكار وهو يرتب أموره عساه يتمكن بالسفر رفقته، وإذا بباب غرفة يوسف وجمال ينفتح ويخرج كلاهما إليهما. 

وقف جمال يبرق للمشهد الذي يراه بدهشةٍ، ومن جواره يوسف الذي هتف مستنكرًا وهو يشير على عُمران الذي يغفو بسلامٍ: 
_هو ده البلطجي اللي مربيلنا الرعب!!!! 

ضحك جمال وبسخرية قال: 
_نايم بسكينة زي الاطفال!!  

سحب يوسف هاتفه وناوله لجمال ثم ركض ينحني جوار محل عُمران متخذًا وضعية السلفي: 
_صور صور خلي الهيبة تضيع على الأرض. 

وجد قبضة تعتصر رقبته وصوتًا خشن يهتف بوعيد: 
_هيبة مين اللي تضيع يا حيلة أمك!!


تعليقات