رواية صرخات انثي الفصل المائة والثالث عشر 113 بقلم آيه محمد رفعت


 رواية صرخات انثي الفصل المائة والثالث عشر 

تحكم "عُمران" بحكم ذراعه من حول رقبة "يوسف" بسيطرة فشل "جمال" بإزاحته عنه كليًا، والضحك يزيد من فشله، فاستنجد بعلي: 
_دكتور علي، يوسف مش أد البلطجي ده. 

سدد "علي" نظرة حازمة لأخيه، وبإنذارٍ صريح قال: 
_سيبه يا عُمران. 

إختلج الغيظ رماديتاه، فترك "يوسف"،وجذب جمال يلف يده حول رقبته ويدفعه بكل قوته للحائط من خلفه: 
_بتقوم أخويا عليا يابن أشرقت، وطالع تصورني، ده أنا هطلع بروح أمك ووقتي. 

_عُمـــران! 
نداء هادئ، يبطنه الغضب، تحرر على لسان" علي"الجالس بهدوء على أريكته، زفر عُمــران غضبًا، فأغلق عينيه يطقطق رقبته يمينًا ويسارًا، حتى تمكن من استعادة هدوئه الكامل، فترك جمال الذي هادر ضاحكًا: 
_ملحقتش أصورك متقلقش! 

لم يعبأ به وإتجه لأخيه ينحني تجاهه، هامسًا: 
_قوم روح يا علي، أنا قربت أفقد السيطرة  بسبب حبي واحترامي ليك! 

استمع يوسف لما قاله، فضحك ساخرًا: 
_والله ما يحصل أبدًا، طالما وجوده بيأدبك كده يبقى كل ما نتقابل نجيب الدكتور علي وسيط بينا. 

منحه عُمران نظرة محتقنة وهدده: 
_بطل تتعامل معايا كأني عيل صغير وبتشتكيني لأبويا، أوعى تفكر أنك هتقدر تكسب علي لصفك، كونك شريك معاه في المخروبة بتاعتكم دي ميخلهوش يبيع أخوه أبدًا. 

واستدار يسأل أخيه: 
_مش كده يا علي؟ 

سلك يوسف نفس طريقته، ولف ذراعه حول كتف علي: 
_لا مش صح كلامك يا عُمران، متنساش إن أنا وعلي نفس الدماغ والفكر تقريبًا، بقينا أصدقاء مقربين جدًا، يابني بص ودقق في التفاصيل ده حتى النضارات شبه بعض!! 

وأضاف مشيرًا تجاه جمال الجالس على المقعد من خلفه: 
_إنت وجمال لايقين على بعض. 

حرك جمال شفتيه ليوسف باشارات تمكن من ترجمتها: 
_عُمران هيطلع روحك يا يوسف! 

استمتع علي بالحوار القائم، حينما لمح بأعين أخيه قلقًا غريب من حديث يوسف، لدرجة جعلته يعود ببصره لأخيه، يتحقق من حديث يوسف، الذي أنقلب من المرح للجدية، لم يسبق لعلي أن شكى حزنه لأخيه يومًا، لم يكن كثير الحديث أبدًا، بل كان ينصت أكثر من تحدثه. 

وبالرغم من إرتباكه الا أنه ابتسم، وقال وعينيه لا تفارق أخيه: 
_أنا بتمنى يكون لعلي أصدقاء أساسًا، هعوز أيه أكتر من إنه يكون سعيد ومبسوط، بس للأسف يا يوسف إنت مراهن على جهة خسرانه، لإن مفيش أب هيكون عنده أغلي من ابنه، ولا الابن هيكون عنده أغلى من أبوه. 

وتابع وهو يتجه بثباتٍ ليفرق جلستهما، جالسًا بالمنتصف، وبجسده الضخم استطاع ضم أخيه ومال تجاه يوسف يخبره: 
_لازم تتقبل إن زي ما علي رقم واحد في حياتي أنا كمان رقم واحد في حياته، ودورك جاي بعد كده يا دكتور. 

لم يصدق "يوسف" ما يستمع إليه، فاتسعت ابتسامته وقال ضاحكًا: 
_يا نهار أبيض، معقول تكون نسخة من سيف يا عُمران، بتغير على دكتور علي!!! 

ضحك جمال وابتسم علي، على عكس عُمران لم يهتز له رمشًا، بل أصمت أفواه الجميع بنطقه الصارم: 
_علي أبويا مش صاحبي يا يوسف!

تشبع "علي" بحديثه، استمد صبره وطال لسماع ما سيقوله أخيه، ولقد أرضاه بكل حرفًا نطقه، فضمه إليه وقال بمحبةٍ لا تقدر بمال: 
_ومين في صحابك ميعرفش إنك ابني!!  دكتور يوسف أول حد عارف أنت بالنسبالي أيه وأنا بالنسبالك أيه؟ 

راقبه بابتسامة صغيرة، وعينيه تنطق بشيء لم يفعله، فضحك علي ومال إليه يهمس بسخرية: 
_خايف تحضنني يزيد سخريتهم عليك، خلاص بعد ما نروح تعالى وأنا هأخدك في حضني ولو حابب تكمل نومتك دي معنديش مانع! 

مال مستندًا على كتفه من شدة الضحك، ومن جواره يضحك يوسف وجمال، الذي قال: 
_خلص وصلة الحب اللي بينك وبين باباك دي بسرعة عشان في قرار مهم أخدناه أنا ويوسف وكنا جايين نقولهولك. 

استقام بجلسته واستدار تجاههما باهتمام: 
_قرار أيه اللي مهم!  حد فيكم عايز يطلق؟! 

هز علي رأسه بقلة حيلة، وهمس وهو ينتصب بوقفته: 
_هيموت ويطلق حد!! 

وأخبرهم والنعاس يتغلب منه: 
_أنا هدخل أنام جوه، وانتوا كمل نقاش في القرار بتاعكم وعمومًا دكتور يوسف واصله موفقتي ودعمي الكامل، تصبحوا على خير. 

قالها وغادر للغرفة، فسحب عُمران بصره عنه وردد وهو يتفحصهما: 
_قرار أيه اللي علي داعمكم فيه، انطقوا! 

ابتلع يوسف ريقه بارتباكٍ، ولكز جمال ليتحدث هو، فقال: 
_إنت محتاج حد متمكن في تنفيذ المشاريع اللي حابب تعملها في سوهاج، هتحتاج مثلا ليوسف يشرح لصابر عن المستشفى اللي حابين نفتتحها، وتحتاجني بردو أشرح لموسى عن مصنع قطع غيار السيارات اللي عايز تفتحه، لذا قررنا نسافر معاك أنا ويوسف. 

رشقهما بنظرة طاعنه، جعلت يوسف يبتعد عنه ويجلس بنهاية الاريكة، معدلًا من نظارته بخوفٍ: 
_أنا بقول نكلم كلامنا بكره لحسن أنا النوم كابس عليا بشكل مش طبيعي، هما كده الدكاترة بينموا بدري بدري، وبالمرة أطمن على دكتور علي، من ساعة ما دخل ومش سامعله أي صوت!! 

قبض عُمران على كتفه يدفعه للاريكة مجددًا، ورماديتاه تتسلطان على جمال، وبخشونة صاح: 
_بقى على أخر الزمن بيتلعب بيا الكرة!!  

رد يوسف بتلعثم: 
_مين اللي يجرأ يلاعبك يا باشا، ده إنت صايع قديم. 

وصاح لجمال الذي مال ضاحكًا: 
_بص إهدى كده وخد الكلام بصدر رحب، هدي كلابك السعرانة الأول وصدقني هنوصل لحل ودي. 

وركل جمال بغيظ: 
_ما تتكلم يالا!

ردد من بين ضحكاته: 
_هتكلم أقول أيه، هو ده بينفع معاه كلام!!  

واستجمع شجاعته ليخبره بجدية تامة: 
_عُمران إحنا مستحيل هنخليك تسافر لوحدك تاني، أنا ويوسف رجلينا على رجلك، أساسًا إنت لو مكانا هتعمل كده وأكتر. 

ترك عُمران يوسف، وتراخى عنه المزح المتبادل بينهما، ثم قال بثبات: 
_جمال أنا مش ممانع أنكم تيجوا معايا، بس هما كلهم يومين وراجع تاني ده أولًا، ثانيًا المكان هناك مش مناسب ليكم، ثانيًا وده الأهم أنا رايح ضيف هناك فمينفعش أخد معايا حد أزود بيه أحمالهم، المكان صغير، حتى مفيش هناك فنادق الا بعيد جدًا جدًا. 

رد عليه يوسف بعقلانية: 
_لو حابب إننا منحضرش المناسبة دي تمام، بس بردو يا عُمران مش هنسيبك تروح لوحدك، انا واثق إنك قادر تحل حوار السكن ده زي ما كنت بتعمل واحنا في لندن. 

شرد بمكنون حديثه، وابتسم حينما تذكر ما كان يفعله بأيام اجازاتهم الدراسية: 
_الكرفان ده كان يتماشى في لندن هنا صعب يا يوسف. 

تحداه دون أن يرمش له جفن: 
_مفيش حاجة صعبة عليك، شوفلنا كرفان كويس نستأجره ونسافر فيه، وياريت يكون مكيف لإن الجو هناك صعب. 

تحلى الصمت على ملامح عُمران الغامضة، والتي أكدت شكوك جمال ويوسف حول ما يخطط له عُمران من ذلك السفر المفاجئ، فأسرع جمال بقوله: 
_بعد فرح آيوب هننزل وننقى كرفان مناسب، أنا أصلا بفكر نشتريه عشان نعيد ذكرياتنا من فترة للتانية. 

وزع عُمران نظراته الباردة بينهما، وفجأة تسلل لذلك الظل المندث من خلف باب غرفة أخيه، لقد تجمعت الأحزاب واجتمعوا عليه، ولكن المجمل الشامل خوفهم الشديد عليه، وبالرغم من إن ذلك سيعوق تخطيطه الخفي، الا أنه قال بمكر: 
_تمام يا جيمي، ننزل وننقي الكرفان اللي يعجبكم، أنا عنيا ليك انت دكتور الحالات المتعسرة. 

ارتسمت السعادة والراحة على وجهي "يوسف" و"جمال"، ومن الداخل "علي"  ! 
                            *******
بعد فترة من الوقت، ومازال "عُمران" يجلس بالشرفة، يقرأ ورده الليلي، وبالداخل يغفو جمال على الأريكة بعدما ولج "يوسف" ينام جوار علي، إنتهى عُمران من ورده وجلس يراقب الحارة بشرودٍ لم يفق منه الا على صوتٍ ناعس يناديه: 
_خواجة!  إنت لسه صاحي! 

إلتفت للخلف، فوجد إيثان يرنو إليه وهو يفرك عينيه بنومٍ، فأجابه: 
_مش جايلي نوم، وإنت أيه صحاك دلوقتي؟ 

جفف قطرات المياه عن وجهه، وفاه: 
_أمي أتصلت بيا عشان أطلع أساعدها قبل الفجر ما يأذن. 

تساءل بدهشةٍ: 
_تساعدها في أيه؟ 

قال مبتسمًا: 
_بفرح يونس كنت بوزع شربات على الحارة كلها،فزي ما عملت ليونس هعمل لآيوب، بس ومعاها واجبات خفيفة للفطار عشان الشيخ مهران محضر الغدا.

ارتسمت على شفتي عُمران ابتسامه فخر وبات يراقبه بنظرة مختلفة، هناك شخصية خفية حول طباع إيثان المتعصبة، يراه محبًا، مخلصًا لرفيقه ولشقيق رفيقه، يحترم الجيرة ويبذل قصارى جهده ليكرم ضيوفه، فحرر أعجابه ببضعة كلمات: 
_إنت راجل أصيل وشهم يا إيثان. 

زوى حاجبيه بدهشة، هل حصل على إطراء من الطاووس للتو!  ، لم يجد ما يعبر فيه عن فرحته سوى كلماته الممتنة: 
_وإنت صديق وأخ متتعوضش يا خواجة. 

بادله البسمة بابتسامةٍ جذابة، بينما الأخير يتفقد هاتفه، وجد والدته تعجل من استدعائه، فإستأذن منه وغادر على الفور. 
                            ******
فتح عينيه بانزعاجٍ على صوت رسالة زارت هاتفه، اعتدل بمنامته يجذب نظارته الطبية، يقرأ محتوياتها، فابتسم حينما رأى زوجته ترسل له 
«علي، إنت نمت؟» 
«خايفة؟» 
«عرفت أزاي؟!» 

«كنت عارف أنك مش هتقدري تنامي بعيد عن حُضني..» 

«علي أنت بقيت مغرور وأنا مش واخده عليك كده.» 
اتسعت ابتسامته ودون لها
«مش غرور يا قلب علي، دي ثقة في تأثير حُضني  وقربي منك.» 

ترقب أن تجيبه ولكنها بقيت بالمحادثة دون حرفًا منها، أجزم بأنها تنصهر الإن خجلًا، فعاد يكتب لها
«تخيليني جنبك وواخدك في حضني، أنا معاكِ وجنبك يا فطيمة، نامي وأوعي تخافي من شيء، هبعتلك الرقية الشرعية بصوت الشيخ عبد الباسط زي ما بتحبيها، شغليها ونامي يا حبيبتي» 

قبلت الهاتف ومالت على الفراش جوار مايا، بينما يجاورها على الفراش الاخر زينب وليلى، غفت فاطمة وحديث علي لا يفارقها، وصوت القرآن يتردد لها من السماعات الصغيرة، حتى غفت تمامًا. 
                                ******
مرت ساعة كاملة وإتجه الجميع للمسجد لأداء صلاة الفجر جماعة، خلف الشيخ مهران، وقف من خلفه الشباب جميعًا، يؤدون الصلاة بخشوعٍ تام، وفور أن انتهى جلسوا بالمسجد ساعة كاملة، حتى أشرقت شمس اليوم التالي، فخرجوا وأغلق آيوب وعُمران باب المسجد. 

تفاجئ الشباب بإيثان يقف أسفل درج المسجد، يوزع الواجبات والشربات بسعادة، أذهلت الشباب، ولكن أكثر ما أذهلهما ضحكات يونس وآيوب، التي جعلت سيف يتساءل بفضول: 
_بتضحكوا على أيه؟ 

أجابه يونس وعينيه لا تفارق مشهد إيثان: 
_المرادي أتعلم من غلطه وبيوزع سندوتشات مع الشربات، كده مش هنضطر نجري على المستشفى بحد الحمد لله. 

سأله آدهم بعدم فهم: 
_وانتوا سبق وجريتوا بحد؟ 

تمردت ضحكات آيوب بصوتٍ أضحكهم وخاصة حينما قال: 
_يوم فرح يونس كان إيثان واقف نفس الواقفة دي، الطالع والداخل يقدملهم الشربات، فكان في شاب خارج من المسجد، رفض يأخد منه الشربات، فاتضايق منه وأصر يأخد شربات صاحب عمره، والواد اتكسف يرفض، فأخد منه الكوباية بس إيثان أصر يشربها كلها. 

تساءل جمال بفضول: 
_وبعدين؟ 

أجابه يونس ضاحكًا: 
_الشاب شربها مرة واحدة فإيثان اعتقد إنها عجبته، فأصر يشرب واحدة كمان، وهنا الواد فرفر بين ايديه، لانه للاسف عنده السكر وشارب جرعة مكثفة وأيه على غير ريق!  

وتابع والضحك قد تمكن من الجميع: 
_بدل ما أطلع من المسجد على البيت أستعد طلعنا بالواد على المستشفى، والفرح كان هيتلغى لولا ستر ربنا! 

أضاف آيوب بتفاخر: 
_لا ذكي المرادي بيوزع معجنات وسندوتشات، شكله ابتدى يفهم. 

ردد علي بنبرة مازحة: 
_ربنا يسترها وتعدي على خير. 

هدر عمران ضاحكًا: 
_لو حصل حاجه اطمن معانا طقم دكاترة على أعلى مستوى، جاهزين يقلبوا الحارة لوحدة صحية! 

قهقه الشباب ضاحكين وانطلقوا جميعًا لمنزل الشيخ مهران، حيث أعد طعام الافطار لهم. 
                            *****
انتهت ليلى وصبا من رص أطباق الطعام على المائدة الطويلة، ووضعت زينب قدح الشاي الساخن والأكواب الفارغة جانبًا، بينما وزعت فاطمة زجاجات المياه، ووضعت شمس الخبز بالتساوي على المقاعد. 

تأكدت الحاجة رقية من اكتمال سفرتها البسيطة، فأشارت للفتيات قائلة: 
_يلا يا بنات، نروح نحضرلنا الفطار إحنا كمان في الصالة. 

خرجوا برفقتها، وتخفوا حتى منحوا المساحة الكافية لمرور الشباب لغرفة الضيافة. 

بقى بالخلف يستكمل مكالمته الطويلة مع موسى، وفور أن انتهى أتبع الشباب لغرفة الضيافة المخصصة بمنزل الشيخ "مهران"، فاذا به يرى الفتيات بالردهة المطولة، وما أن انتبهوا له حتى تلاشى جمعهن، وقد أخفض رماديتاه لحين أن يتركوا له مساحة المرور، فاذا بزوجته ترنو إليه مبتسمة، تناديه بلهفةٍ: 
_عُمـران. 

رفع بصره إليها، يطالعها بثباتٍ أنقلب لدهشةٍ وذهول، وهو يراها ترتدي جلباب منزلي بسيط، خاص بالحجة رقية، كان مبهورًا بمظهرها البسيط الجذاب، بينما ترفع كفيها له وتخبره بفرحةٍ: 
_عملت حنة مغربي، زينب عملتهالي.. أيه رأيك؟ 

علم الآن سر اصرار الفتيات بالمبيت في منزل الشيخ مهران، ظن هو والشباب بأنهم يقلدونهم أو لربما يردون الصاع لهم، فضحك بصوتٍ مسموع وقال: 
_مش الحنة بس اللي جميلة، شكلك باللبس ده مختلف ومميز، قمراية إنتِ أوي!! 

تلألأت مُقلتيها فرحة بإعجابه بما ترتديه، فاستعرضت الجلباب المنزلي بحركات آرستقراطية علمتها إياها فريدة، قائلة بضحكة مازالت تتردد داخله: 
_عجبتك بجد، دي مريحة جدًا جدًا، بفكر أخدها استعارة من الحاجة رقية، بس مكسوفة. 

مال يستند على الحائط ويطل إليها بكلماته التي أيقظتها من حلمها: 
_ومين هيخلصك من فريدة هانم يا بيبي؟   أنا مسافر لموسى وصابر ومش راجع الا بعد يومين،  هتستني رجوعي ولا هتقدر تحارب لوحدك يا وحش!!! 

تلاشت ضحكاتها وكأنها لم تجيد التبسم يومًا، وقالت عابسة: 
_وعلى أيه الطيب أحسن!  أنا حماتي للأسف ست مفترية.. 

_مايـــا!!!  بتقولي على مامي مفترية!!!! 

قالتها شمس بصدمةٍ، فاستدار عُمران إليها، وحينما رأى ما ترتديه هي الاخرى سقط أرضًا من فرط الضحك، وهتف بصعوبة: 
_دي حفلة على شرف جلاليب الحاجة رقية بقى!!!

تلاشى غضب "شمس" ومالت تستعرض ذاتها وهي تلف بما ترتديه قائلة: 
_بص يا عُمران، دي حلوة أوي. 

كبت ضحكاته بصعوبة، وتنحنح قائلًا: 
_أعتقد إنها هتبقى حلوة ومظبوطة عليكي في التاسع إن شاء الله يا شمس! 

كشرت عن أنيابها، بينما تحدج مايا بنظرة غاضبة، فأحاطت الجلباب من الخلف، حتى تجسد على قوامها الممشق: 
_طيب بص كده، بقت أشيك. 

إلتفت عُمران من حوله يتفقد المكان بآعين مشتعلة غضبًا: 
_بتعملي أيه، إبعدي إيدك! 

قالها بغضب جعلها تعيدها لوضعها الفضفاض قائلة بحزن مصطنع: 
_يووه هو كل حاجة مش عجباك كده! 

تصنع ابتسامة رسمها بالكد، ورنا يضمها إليه: 
_ إنتِ جميلة وزي القمر في أي حاجة تلبسيها يا شمس. 

وسحب هاتفه لها مبتسمًا: 
_هصورك أحلى سلفي وهبعتها لآدهم ينكاد بيها. 

اعتدلت بوقفتها تستند على جاكيته وترسم ابتسامة سعيدة بمقترحه، جعلته يضحك على تفاهتها، فسايرها بسخرية: 
_عسولة يا شموسة! 

تابعتهما مايا بضجرٍ، جعلها تلفظ بنفاذ صبر: 
_ما تقفلوا الاستديو اللي فتحتوه ده، عايزة أوريلك الحنة عشان أدخل، أنا مش قادرة أقف! 

أعاد هاتفه لجيب سرواله، واستدار لها، فرفعت كفيها تشمر أكمام جلبابها وهي تشير له مبتسمة: 
_طلع حروف إسمك. 

استدار من حوله وهو يقبض على كفيها، ويعاود تمرير كم الجلباب ليغطي معصميها المكشوفان للأعلى، مرددًا من بين اصطكاك أسنانه: 
_أيه اللي بتعمليه ده، ما تقعليها أحسن!! 

ردت ببراءة: 
_بوريك النقش. 

هتف بضيق: 
_في البيت نشوف ونعين مش على الملأ يا هانم! 

اعتاظت من دلاله الزائد لشمس، وكأنها طفلة صغيرة،  والآن يستخدم عنفوانه عليها، فقالت تهدده: 
_مش راجعه معاك البيت، عسان تبقى تعلي صوتك عليا أوي. 

رفع أحد حاجبيه مستنكرًا حديثها، فاستغل ابتعاد شمس عنهما، ودفعها خلف باب الشقة المفتوح، بينما يهمس لها ببسمة مخيفة: 
_حبيب قلب جوزه استقوى ومحتاج يتربى، بس متقلقيش راجعلك وهعيد تربيتك يا بيبي! 

قالها وصفق الباب بعنف جعلها تنتفض بفزعٍ، بينما يغمز لها بخبث أقلقها: 
_ليكِ روقة يا عسولة! 

قالها وأتجه لغرفة الشباب يغلقها من خلفه، بينما تضم شفتيها معًا وهي تهمس برعب: 
_أيه اللي أنا هببته ده، يادي النيلة هو أنا ناقصة!!! 
                                ******
جلس "عُمران" جوار "آدهم"، فوجده يكبت الضحكات بصعوبة، حتى أنه جذب هاتفه، ورفعه إليه باستهزاء: 
_أيه الأوتفت الجامد ده؟! 

رفع يديه يدعي أنه يمسح فمه، بينما ينساق خلف جملته ضحكـًا، حتى انتهى فقدم نصيحة مثالية له: 
_ذوق كلامك بجملتين غزل، وأوعى ترميلها اللي رميته ده، بدل ما تترمى بره أوضتك طول الفترة الجاية. 

وأضاف وهو يرتشف الشاي الساخن: 
_كل عيش أحسنلك يا حضرة الظابط، قلبة الستات أنت مش قدها!! 

سحب شطيرة الخبز، يغمسها بالفول، ووضعها بفمه ناطقًا بابتسامته المازحه: 
_اقتنعت! 
                            *******
مرت الساعات وقد أحضر الشباب لزوجتهن احتياجاتهن الخاصة من المنزل، ليستعدن برفقة العروس. 

اصطحب إيثان الشباب للبوتيك الخاص به، وفور دخولها أغلق بابه عليهم، واستدار يراقبهم ببسمة ماكرة، عبرت عن طبخته الموضوعة على نيران هادئة منذ تلك اللحظة التي اقترح فيها أن يبيتوا ويستعدون لحفل الزفاف من البوتيك الخاص به. 

إختار كل شابًا منهم ما يناسبه، حتى انتهوا جميعًا من ارتداء بذلات غاية في الأناقة، والاغلب كان يرتدي من القطع الذي جمعهم عُمران وجعل منهم حلى أنيقة ومختلف. 

عبر إيثان عن خطته حينما صفق بيديه لينتبه له الجميع، فما أن رأى جميع النظرات مصوبة إليه، وهو يجذب الحقيبة السوداء التي أخفاها أسفل مكتب الكاشير، يستخرج منها الكاميرا، قائلًا: 
_بصوا بقى، إحنا نتعاون مع بعض كده بمنتهى الهدوء، هنتصور كام صورة كده نعمل بيهم دعايا للبوتيك اللي حاله واقف ده، وانتوا ما شاء الله وجهة مشرفة، بالذات الخواجة وحضرة الظابط! 

تعالت ضحكات سيف، وقال ساخرًا: 
_بقى دي خلق يتعمل بيها دعايا!!  لك طالة في اختياراتك يا إيثو!! 

بينما أشار له آدهم بمنتهى الجدية: 
_أنا منصبي حساس ومينفعش نهائي أعمل كده. 

بينما ردد يوسف بابتسامة هادئة: 
_أنا تمام مفيش مشكلة. 

ردد جمال ومازال يبحث بين الملابس بحيرة: 
_أنا لسه مش لاقي حاجة تناسبني أصلًا. 

ناوله عُمران ما يحمله بيده، بينما يحدج إيثان بنظرة تحذيرية، قبل أن يخبره باستهزاء: 
_إنت فاكر إن الهبل ده هيأكل معايا، بلاش تستفزني عشان مندمش أمك على اليوم اللي فكرت تفكر فيه بفكرتك المنيلة دي. 

صاح بتلقائية مضحكة: 
_البوتيك حالته واقفة، ده أنا حتى معملتش له افتتاح من كتر الاحداث اللي اتعرضنا ليها. 

كسر علي صمته، حينما فاه ببسمة ماكرة: 
_هو إنت محتاج للوشوش في أيه،  صور البدل بدون ما تجيب الوجوه، وبكده كلنا هنكون بأمان. 

بدت الفكرة رائعة للجميع، ولكنها لم تنال استحسان إيثان الذي قال بدون ترتيب: 
_بس أنا كنت عايز أستغل صفحة الخواجة عشان أتشهر، وصفحتي تتعرف، عايز أدخل قفشة الدولارات من أوسع أبوابها. 

اتجهت جميع الأعين إلى عُمران  الذي انتزع القميص الجديد الذي ارتداه منذ قليل، ورنا إليه ببطء وهو يهتف بعنفوان: 
_مصر يتضرب النهاردة. 

ترك إيثان الكاميرا على سطح المكتب، وهرع للشارع راكضًا، فوقف عُمران على عتبة البوتيك يشير له بالقطع في العنق: 
_لو لمحتك هنا هسيح دم أمك. 

قالها وولج للداخل يغلق الباب من خلفه، فوجد يوسف يردد في صدمة: 
_طردت الراجل صاحب المحل بره، وقافل علينا جوه، أيه الجبروت ده!! 

أشار له بتحذير، هاتفًا بسخرية: 
_إستر نفسك لتأخد برد يا حبيبي! 

وأضاف وهو يرفع من صوته بنفاذ صبر: 
_عبحليم، لو تنيت القميص كده تاني وعهد الله لأجي أتني رقبتك على كتفك، إنت مش محتاج لوجودي في حياتك إنت محتاج الزمن يقف بيك ويقذفوك على زمن البناطيل أم رجل وسعه دي عارفها!! 

سقط آدهم ضاحكًا ومن جواره يونس، أما جمال استشهد بعلي يشكو له: 
_عاجبك كده يا دكتور علي. 

أتاه رد عمران باختناق: 
_أنا الصايع الوحيد في عيلة الغرباوي يالا، ريح نفسك محدش هيقدر يحطلي راجع، فاعقل كده وإظبط بدل ما أظبطلك أنا الاعدادات من أول وجديد. 

وأتجه ببصره لعلي هامسًا: 
_لمواخذة يا علوى. 

ضحك وهو يهمس له هو الاخر: 
_خد راحتك يا حبيبي، مهو بصراحة محدش يتني القميص التنية دي!! 

أتجه إليه سيف يشير له بقلق: 
_ها أيه رأيك يا طاووس، قميص متظبط وكله عشرة على عشرة أهو، ألحق أروح لآيوب بقى عند الحلاق. 

منحه نظرة متفحصة، وبهدوء جذب الكرفاتة، وفتح أول زر له، فمنحه طالة أكثر شبابية، أحاطه ببسمة جذابة وقال: 
_كده أحسن. 

وتابع وهو يسحب الكاميرا الموضوعة على المكتب، مشيرًا له بالخروج لخارج البوتيك: 
_معلش يا دكتور هتعبك معايا عشر دقايق. 

استدار سيف لأخيه، مشيرًا له باستفهامٍ، فتطلع لعلي الذي ابتسم وقال بعد خروج أخيه: 
_عُمران عمره ما كسر بخاطر حد، حتى لو بدأها بلوي دراع! 
                           ******
أتخذ عُمران من حارة الشيخ مهران الحاملة لمعالم الحياة القديمة، بروائحها المفتقدة بعصرنا الحالي، مكانًا ليجعله استديو رائعًا لالتقاط الصور بحرافية ودقو عالية، عن طريق هاتفه، فلقد وجده أكثر امكانيات من الكاميرا، وقد منح الشباب أقنعة كلاسكية، أخفت منتصف الوجه، وأبرزت تضارب مميز بين اللمحة العصرية، وحارة الشيخ مهران. 

كان يقف بالخارج بملابسه التي قضى بها ليلة الامس، يشرف بذاته على ملابسهم ومحل وقوفهم، فكان لكل شاب محل وقوف مختلف بزواية مختلفة، حتى انتهى تمامًا، وختامها بأخيه الذي أصر أن يصوره صور مشابهة للشباب، وصورًا أخر حملها بملفه الخاص دون أقنعة، ليحتفظ هو بها. 

ترقب علي مراجعته للصور، وقال مبتسمًا: 
_كده تمام يا حضرة photographer (المصور) 

ردد في حبور: 
_تمام يا علي، صورك جميلة أوي، أنا بصعوبة بقنعك أنك تتصور وأنت نادرًا لما بتعملها. 
Today I am very lucky(النهاردة أنا محظوظ جدًا) 

اتسعت ابتسامة علي، وأتجه لمحل وقوفه يراقب ما التقاطه، فتفاجئ بجمال وبراعة ألتقاط الصور، كأنما بث إليه كل حبه، فأصبح يتفنن بالتقاط الصورة، وهو الشخص الذي يكره أن يقف أمام آلة للتصوير، كونه مقتنعًا أنه لا يبدو جميلًا بها، لذا من النادر له أن يلتقط لذاته صورة، وعلى ما يبدو بأن عمران سينجح بتغير نظريته. 

مال بيده الحاملة للهاتف تجاهه، متسائلًا بفضول: 
_أيه رأيك يا علي؟ 

رد وعينيه تتطلعه له هو بحب: 
_مبتعملش حاجة وحشة إنت. 

واستطرد وهو يضع يده على كتفه بحنان: 
_يلا ادخل إجهز معتش وقت. 

هز رأسه بخفة، وقدم له الهاتف قائلًا: 
_عشر، دقايق وراجع عشان تصورني. 

أومئ له، فغادر على الفور، وعاد بعد قليل يتآلق ببنطال أسود اللون، وقميصًا أسود احتفظ به داخل بنطاله، وحزم من حوله حزامه الثمين الشبيه للون الحذاء الذي يرتديه، عاقدًا قميصه لمنتصف ذراعيه، فكان بسيطًا للغاية دون أي مبالغة، وبالرغم من ذلك كان جذابًا. 

خرج عُمران يقف محل أخيه، ويشير له بالتقاط الصور، بعدما ارتدى نظارته الشمسية، ووقف يضع كلتا يديه بجيوب سرواله، ورأسه مرفوع بعنجهيةٍ الطاووس المتفاخر، أمام اللافتة التي تحمل اسم البوتيك. 

ابتسم علي ورفع الهاتف ليلتقط الصورة، فتذكر القناع الذي يحمله، رفعه للاعلى وأخبره: 
_القناع نسيته. 

رد عليه ببساطة: 
_لا مش عايزه، أنا كده كده هرفع الصور على صفحتي، وشي هينفعه أكتر. 

وضع علي القناع جانبًا وسعادته به تزداد، وكأنه يفتخر بصغيره الذي قدم إنجازًا سيراه دومًا بمثابة ابنه. 

التقط العديد من الصور له، وحينما انتهوا أغلقوا البوتيك وغادروا لينضموا لخيمة الرجال، التي امتلأت بالرجال، بعد أن بدأت الاغاني الاسلامية احتفالًا بزواج ابن شيخ الحارة، الشيخ مهران وتلك الفتاة الاجنبية التي باتت قصة اسلامها وتوبتها علامة بيضاء في كتابه المحفل بالاعمال التي يتذكرها الناس ويرددوها دومًا. 
                             ******
تحول سطح منزل الشيخ مهران، لقاعة فخمه محاطة بالفرش الباهظ، والديكورات، والانوار، لقد صنعت قاعة مثالية لاستقبال العروس والسيدات، وخصص مقعد مذهب للعروس، ووضعت من حولها الورود الحمراء، التي جلست "سدن" من حولها بفستانها الأبيض البسيط، فلقد اختارت فستان يضيق على جسدها حتى النهاية، وتركت خصلات شعرها الذهبية حرة طليقة، بما أنه لن يراها أي رجلًا سوى زوجها،  وجهها خالي من أي تجميل الا من روج يشبه لون شفتيها، وعلى رأسها تاج صغير، وحول عنقها القلادة وذهبها الخاص بزواجها. 

جلست تراقب رقص الفتيات الشعبي بانبهارٍ، حتى أنها حاولت تقليدهن بتحريك يديها بعشوائية، فنهضت زينب من بين الحضور، بفستانها الوردي المحتشم، تجذب يدها للمنصة الصغيرة، وتتمايل بها، ونهضت من خلفهن الفتيات تحيط بهما وتصفقن بحماسٍ وفرحة. 

                             *****
بالأسفل. 

كان الشباب يرددون الاغاني الاسلامية بفرحة وصلت لقلب آيوب الجالس بين أبويه، الشيخ مهران من يمينه وعلى يساره مصطفى، عينيه تختطف النظرات الحالمة حول أعلى المنزل، يود لو ينتهي الأمر سريعًا وينضم إليها. 

إقتحم حفل الزفاف شابًا ينصب عينيه باحثًا عن آحداهما، وحينما حدد وجهته إتجه إليه، يقدم تحيته بشكلٍ ملفت، ومن ثم أنحنى يهمس لآدهم بشيءٍ جعله ينهض ويتجه برفقته لمدخل الحفل، حيث وجد سيارة سوداء، يهبط منها أخر من توقع قدومه، يمد يده ويقدم تحيته، هاتفًا: 
_مش محتاج منك دعوة عشان أحضر فرح أخوك. 

صافحه بحرارة، وبفرحة قال: 
_نورت الدنيا كلها يا مراد باشا، أنا عارف بانشغالك بأخر مهمة كلفت بيها، فمكنتش عايز أزعج حضرتك  . 

منحه ابتسامة هادئة، وزُرقته تجوب الحفل من خلفه: 
_قولتلك إنت بالذات عمرك ما تسببلي أي إزعاج يا عمر. 

واسترسل وهو يشير تجاه الحاضرين: 
_أنت عارف إن تواجدي هنا مش مستحب خاصة في ظرف المهمة اللي أنا مكلف بيها أنا والفريق، فإدخل نادي العريس أباركله، وبالمرة دكتور علي، وحشني. 

سحب آدهم هاتفه، وأرسل برسالة إلى علي، بأن يحضر آيوب ويخرج به: 
_بعت لدكتور علي وحالًا خارج يا باشا. 

هز رأسه بتفهمٍ، بينما يشير له على محل السيارة المعتم،قائلًا: 
_معايا شخص مهم جدًا، مبطلش كلام عنك وعن بطولتك في مهمة الميكروفيلم اللي بقت حديث الجهاز والداخلية كلها، فرصة ليك تتعرف عليه وتشكره على تأمين رجوع المدام. 

علم آدهم بكناية الشخصية الهامة المذكورة، وقد صدقت ظنونه، حينما هبط الوحش من المقعد الخلفي للسائق، يقابله بحفاوة وتقديرًا لمجهوده، رغم علو رتبته التي تتساوى للجوكر وللاسطورة، فإذا بعمر يقدم تحيته العسكرية إليه، فأبعد كفه وهو يضمه بمحبة: 
_مفيش داعي للرسميات دي، إحنا بره الشغل يا سيادة المقدم. 

وتابع وهو يبتعد ليمنحه ابتسامة ثابتة: 
_مبروك الترقية ومبروك لأخوك. 

رد بارتباكٍ وعدم تصديق لما حملته مكانته بحضور قائده و"عدي الجارحي" بنفسه لتهنئته، فقال: 
_الله يبارك في حضرتك يا فندم، أنا سعيد جدًا بتشريف سعاتك لينا.

وأضاف بامتنانٍ واضح: 
_ومهما حاولت أشكر حضرتك على إنقاذك وتأمينك لرجوع المدام مصر مش هوفي حضرتك حقك. 

رد بمهارة ورقي: 
_ده أقل واجب نعمله لبطل عظيم زيك، اللي يفدي بلده بروحه نفديه هو واللي يخصه بأرواحنا. 

وتابع بنفس ابتسامته الجذابة: 
_أنا كمان بوصلك سلام ومباركة دكتور عمر، هو صراحة كان مصر يحضر معايا بس أنا كالعادة مبحبش الرغي فمجبتوش للأسف. 

تصاعدت ضحكاتهم الرجولية، ليقطعها دخول علي وآيوب،  فأسرع مراد يعانق علي في لقاءٍ ودي، يفسر مدى ترابط علاقتهما بالفترة الاخيرة، يسأله بلهفة: 
_عامل أيه يا دكتور، طمني عنك وعن فطيمة؟ 

ربت على كتفه وهو يبث الطمأنينة له: 
_احنا بخير يا مراد، اطمن جدًا. 

وهمس له بصوتٍ منخفض للغاية: 
_عايز أكدلك تعافي فطيمة بنسبة 99في المية، وبالمناسبة قريب هيشرفنا ولي العهد. 

ابتعد يتعمق برماديتاه بحماس: 
_بتتكلم جد؟؟ 

هز رأسه مؤكدًا له، فعاد يضمه بفرحة والراحة تستحوذ عليه: 
_ألف مليون مبروك يا علي، حقيقي أسعدتني جدًا. 

تبادلا العناق مجددًا وهو يجيبه: 
_الله يبارك فيك يا باشا. 
مازحه وهو يبتعد عنه ويتجه ليصافح آيوب: 
_إنت اللي باشا، شكلي هتحفظ عليك قريب بالجهاز. 

ضحك وهو يجيبه بمرح وعينيه تشير على صهره: 
_معانا وسطة للاسف. 

انطلقت الضحكات بينهم، حتى عانق آيوب بحفاوة: 
_مبروك يا عريس، ألف مبروك. 

ابتسم آيوب وأجابه: 
_الله يبارك في حضرتك يا باشا، نورت الحارة كلها والله. 

ربت على كتفه بامتنان: 
_منورة بيك وبأخوك البطل. 

التفت آيوب تجاه أخيه مبتسمًا بفخر، بينما أقدم عدي يقدم مصافحته الروتينية لذلك الغريب عنه: 
_ألف مبروك. 

صافحه بحرارة وهي يجيبه: 
_الله يبارك في حضرتك يا باشا. 

أنسحب عدي للسيارة بعدما ودع آدهم، وكذلك ودعهم مراد بعد أن منح آيوب ظرف مطوي يحمل مبلغ ضخم من الدولارات وقد شدد بأنه هدية خاصة للعروسين،  وبالرغم من رفض آيوب لذلك رفضًا قاطع الا أنه وأمام اشارة أخيه قبل به. 

غادروا على الفور لحساسية بقائهما بمثل تلك الاجواء الشعبية بوقتٍ كذلك، غادروا بعدما تركوا من خلفهم جوًا مثاليًا أنعشهم. 

فعاد ثلاثتهم للحفل مجددًا، وقد كانت المفاجأة لا توصف، حينما وجدوا عُمران يبدأ بالغناء بناء على اصرار أهل الحارة. 

وضعوا له مقعدًا بمنتصف الحفل، فرضخ لهم وبدأ يدندن بصوته العذب:. 
«يا عشاق النبي
يا عشّاق النّبي صلّو على جماله

دي عروسة البيه تعالوا بنا نسندها له
آدي نور جمالها أهوه هل هلاله

يـا هـنيّـه للّـي ينـولها يـا هنـيّـالـــه
يــا قـمـر مــنـــــوّر سبحـــان مــن صــوّر

جولييت وسفيره عزيزة مــــين ده إســم مـزوّر
مين شاف كده بني آدمين راح تطلعي وحشه لمين

الأمّ لـــون اليــاسـمـين والأب عريض وسمين
يا سلام يــا حتّة سكّـره يا ترياق اللّي معــكَّره

يا عريسها يا زين ما التقيت
عريسك من يـــــومه آهـــو ملو هــــــــدومـه
اتهنّي به وافرحي به وكيدي اللّي يلــــــــوموا

فنجرته دي كلّها إيــه بحبوح اسم اللّه علـيه
يبدر بالألـف جنيــــه تقوليش ملاليم في إيديه

إن شا اللّه تملّي سبهللي على حسّك انت يا فلّلي
يا جنان يا ناس على ده تواليت

يا عشّاق النّبي صلّو على جماله
دي عروسة البيه تعالوا بنا نسندها له

آدي نور جمالها أهوه هل هلاله
يـا هـنيّـه للّـي ينـولها يـا هنـيّـالـــه

 وما أن انتهى كان الحضور يتمايلون ويصفقون بسعادة، ومن الاعلى تراقب الفتيات ما يحدث بحماس بعدما ارتدين الحجاب، ووقفوا يحضرون غناء عُمران حتى أنهى ختام الحفل، وصعد من بعده العريس بمفرده لينضم بالعروس بالأعلى، جلس جوارها دقائق معدودة ثم ولج بها لمنزلهما الذي حمل جملة تتزين على بابه جملة بخط يد آيوب
«من خلف الأبواب بداية القصة، وقصتنا ستُبنى بالحب، وبالوفاء بوصية رسول الله!» 
آيوب مهران. 
                           
ترك لها دليل يطمن به قلبها من بداية الدخول لعالمهما، وكأنه يعاهدها من اليوم الأول بأنه سيوفي بوصية رسوله الحبيب، عليه أفضل الصلاة والسلام، ينزع الخوف والتوتر منه، بل يسلخه منها ويتركها تذوب بقراءة جملته، وقد رأى إنعكاسها بلمعة عينيها الغائرة، وجملتها التي نطقت بها فور إنغلاق بابهما: 
_آيوب أنتِ كتبتي ليا ده. 

تمعن بعينيها كالغريق الذي يستهدى لمنارته، ويديه تحتوي كفيها بحنانٍ، احتوى نبرته الرجولية: 
_كتبتهالك من قلبي ومن جوه روحي يا سدن. 

كسرت حواجزها، واندثت بين ذراعيه، فأحاطها بعشقٍ تاركًا لذاته مساحة احتوائها، حتى وجدها تتعامل بطبيعتها دون أي وجود لخوف مرهون بينهما، فحرر صوته الهادر: 
_إدخلي غيري هدومك واتوضي، أنا شوية وجاي وراكي. 

هزت رأسها ببسمة خجلة، وما كادت بالتحرك حتى عادت تسأله باستغراب: 
_صوت ده أيه! 

تمسك بابتسامته المصطنعة وقال بثباته: 
_مفيش حاجة يا حبيبتي، يلا ادخلي غيري. 

انصاعت له وولجت لغرفة نومهما، بينما اندفع آيوب للشرفة باحثًا عن موضع وقوف إيثان من فوق الشجرة القريبة من المنزل، فكان يناديه ضاحكًا: 
_آيــــــــــــــــــوب.

خرج يصوب بصره الناري تجاهه، فوجد يونس يحاول أن يقنعه بالهبوط عن الشجرة، ولكنه لم يستطيع، بل زاد إيثان من صراخه المرح: 
_الحاجة رقية أخدت مني 8 أجوز حمام لسيادتك، آحدفلي منهم جوز، يا تحدفلي تمنهم. 

أشار له آيوب بغضب: 
_وربي لو ما نزلت وعقلت يا إيثان لارش عليك مية. 

تجاهل ما يقوله، وصاح ضاحكًا: 
_طب بلاش حمام،  شوفلي أي دكر بط تايه عندك في المطبخ، آحدفه أقسمه بيني أنا وابن عمك الغلباب ده. 

ركل يونس قدمه وهو يصيح بعصبية: 
_انزل الله يخربيتك فضحتنا، الناس هتتلم علينا. 

ردد آيوب بعنف وحدة: 
_يونس خده من هنا، أنا على أخرى منه أصلًا. 

رد عليه بقلة حيلة: 
_بحاول معاه زي ما أنت شايف.

واستطرد لايثان كأنه يناشد طفلًا صغيرًا: 
_إيثو يا حبببي الحاجة رقية حاطه الاكل جوه، في حمام وبط ورومي ولحمة وكل ما لذ وطاب إنزل بقى الناس هتتلم علينا! 

أشار من فوق فرع الشجرة: 
_أبــــــــدًا مش نازل الا لما العريس ينزلي هو بنفسه. 

صرخ فيه آيوب بغضب: 
_أنزلك ازاي يا متخلف إنت، يونــــــس لم صاحبك! 

غمز له ببسمة شيطانية: 
_انت عارف مين اللي هيلمه! 
                              ******
على مسافة منهما، صعدت شمس بسيارة آدهم بعد أن وضع عُمران أغراضها الشخصية بصندوق سيارة آدهم، وعاون علي آدهم بمساندة أبيه بالمقعد الأمامي، ثم تحركت السيارة. 

ومن بعده تحركت سيارة يوسف وجمال، ومن بعدهم علي، وكاد عُمران باتباعهم بعد أن تعطل بالخلف لضيق شوارع الحارة، فاتته رسالة استنجاد آيوب به، أحاط مقدمة أنفه بغيظٍ، ومال لزوجته وهو ينزع حزام السيارة: 
_ثواني وراجع يا حبيبتي مش هتأخر عليكِ. 

هبط يتجه لمدخل المنزل، فوجد يونس يحاول أن يجعل إيثان يهبط عن تلك الشجرة، أو يتوقف عن الثرثرة بالترهات، وفجأة وجد قبضة قوية تسحبه عن محل وقوفه، وتلقفه أرضًا بقوةٍ أفزعته، فسقط يتمدد بجسده أرضًا، وما كاد بالجلوس حتى وجد سكينًا حادًا، مسلطًا على رقبته والغضب يموج برماديتين أشد خطورة من مجرمٍ دولي هارب من العدالة، وصوتًا خشن يصدر منه: 
_إسمعني عشان مبكررش كلامي ولا بدي فرصة مرتين، أنا هنسى كل الهبل اللي عملته ده بداية من موقفك السخيف بالبوتيك ونهاية بالطالعة الجنونية دي، هتعامل وكأنك عيل عبيط ومضطر أخده على قد عقله، هتقوم حالًا تنفض هدومك وترجع لبيتكم بمنتهى الاحترام المفقود عندك، وطول ما أنت ماشي هتفتكر إنك الحيلة، وأنا للأسف بديلك الفرصة لهذا الاساس، فهمتني؟ 

هز رأسه رعبًا من ثباته المرعب، وانفجار كلماته المرتبة بسرعة أربكته،  فاذا به يبعد ما يحمله ويرتب مقدمة جاكيت بابتسامة خبيثة: 
_شاطر يا إيثو، فكرني أجبلك كاندي عشان سمعت الكلام مرة في حياتك، يلا يا حبيبي إمسك في ايد بابا يونس وهو عارف الطريق وهيوصلك. 

عاد يهز رأسه ببلاهة وصدمة من انقلاب شخصية عُمران، بينما يكاد يونس السقوط من فرط الضحك المكبوت، وبالفعل نهض إيثان يتجه إلى يونس ومازالت ملامحه مصدومة متأثرة، يتلصص إليه بنصف استدارة فوجده يتابعه بقامة مشدوهة، دون أن يرف له جفن، وببرود يخبره: 
_إمسك في ايد بابا يونس ومتخفش، هيوديك لماما أكيد قالبة الدنيا عليك دلوقتي عشان تنيمك في سريرك وتغنيلك اغنية بيبي شارك. 

انفجر يونس ضاحكًا، فسدد له ايثان نظرة مشتعلة، وخطى جواره يفور غيظًا. 

استدار عُمران تجاه شرفة آيوب، فوجده يلوح له بسعادة، وتشفي بما فعله بإيثان، ضم عُمران اصبعين لحاجبيه باشارة له أن كل شيئًا تحت سيطرته، وغادر لسيارته بينما ولج آيوب للداخل، فوجد زوجته بانتظاره لاداء صلاتهما. 

صلى بها بخشوع تام، ودعى ربه أن يجعلها زوجة صالحة له وأن يكون آمين عليها، استدار يواجهها بدعواته وترك الآن أخر حاجز الذي كان يضعه بينهما تركه يسقط، بقوله العاشق: 
_عمري ما كنت هصدق أن اللحظة دي هتيجي معاكِ، سبحان الله يهدي من يشاء. 

ابتسمت وهي تخبره: 
_الله سبحان وتعالى بيحب سدن عشان كده رزقه بآيوب. 

ضحك على أجمل جملتها، وقال: 
_ده يا بخته آيوب بيكِ والله، بس إبعدي عن المؤنث خالص لو ممكن. 

صمتت قليلًا واقترحت حتى لا تزعجه: 
_هل تريد أن أحدثك بالانجليزية مثلما يطالبني أخيك والمتوحش؟ 

ازدادت ضحكاته حتى احمر وجهه، وزحف تجاهها يبعد خصلاتها خلف أذنها وبرقة قال: 
_لا، أنا بحب المكسرات وكلامك المكسر ده بحلي بيه، فمعنديش أي مانع تأكلي الحروف بينا، لكن بره اتكلمي انجليزي أكيد. 

عبست في دهشة، لحقت نبرتها: 
_إنتي عاوزة سدن تأكل حروف آيوب!!  أنت بتتمسخري من سدن، مش في حروف بتتأكل أنا زعلان منك. 

قهقه مجددًا، ومال يحملها عن الارض، ثم قال بمكر: 
_المرادي هصالح بقلب جامد، اشهار وفرح وعملت، موافقة الشيخ مهران وأخدت، تخرج واتخرجت، شغل واشتغلت، من الاخر مبقاش في بينا عقبات!!! 

قالها وسمح لنفسها بسحبها حول عالمهما الاول، وكما كان دخولهما للمنزل لاول مرة، كان الدخول لنفس العالم للمرة الاولى، حيث طغى فيه عشقهما وتبدد الخوف والارتباك وباتت رأية العشق ترفرف على أرضًا صلبة! 
                                  ******
عكس عُمران وجهة سيارته، حينما شعر باختناق أنفاس زوجته، سلك الطريق ليصطف السيارة أمام النهر، وهبط يفتح باب السيارة لها، فاخفضت ساقيها وبقيت تجلس على المقعد، بينما جذب هو للكافيه القريب، يحضر كوبين من العصير، وحمل مقعد صغير، وضعه قبالتها. 

قدم لها الكوب، وجلس يتمعن بها، راقبته بنظرة متوترة، جعلته يسألها: 
_مالك يا مايا، من ساعة ما اتحركنا وأنتِ ساكتة مش بتتكلمي! 

رفعت عينيها إليه، وقالت بحزن:
_مش عايزاك تسافر تاني يا عُمران  ، أنا قلبي بيبقى مقبوض عليك وانت بعيد. 

ترك الكوب من يدها أرضًا، ثم قال بصوته الرخيم: 
_مايا خلينا نتكلم كلام الناس العاقلة، اللي في نصيبه شيء بيشوفه حتى لو كان نايم بسلام على فرشته، أنا مش مجبر أوقف حياتي كلها عشان حادثة اتعرضت ليها، أنتِ حزنك وزعلك مش هين عليا، بس عدم سفري مش حل يا مايا، طيب ما أنا مسافر لندن كمان شهرين في شغل، هل بردو هضطر أوقف شغلي عشان الخوف!! 

هزت رأسها بنفيٍ، فضم جانب وجهها وقال: 
_اطمني أنا كويس، هما يومين تلاتة وراجعالك باذن الله وعشان تطمني يا ستي، يوسف وجمال لازقين معايا، علي زاقهم عليا بشياكة، ومفكرني مش قافش الليلة. 

واستطرد بسخرية: 
_مش عارف أقنعه ازاي اني صايع والحركات دي قرعه ومكشوفة بالنسبالي!! 
ضحكت على حديثه بشدة، فشاركها الضحك وهمس: 
_أهو أنا كده قلبي حصله أنعاش طبيعي بدون ما يحتاج لصدمات كهربا! 

ارتشفت كوبها ونظراتها العاشقة مدفونه بين رماديتاه، حتى انتهت من الكوب، فحمله عُمران واتجه لأقرب صندوق قمامة، وضعه وعاد يشير لها: 
_تعالي نتمشى شوية، المكان هنا جميل أوي. 

ردت بحرجٍ: 
_مش هعرف أنزل. 

عقد حاجبيه متسائلًا: 
_ليه؟ 

تطلعت لحذائها المفتوح، ولبطنها المنتفخ، فلم تستطيع الانحناء لتعود لربطه من جديد، ففجأها بعفويته حينما انحنى دون أي غرور يتهم ذاته به! 

تراه سيد القوم، القوة الداهية لاسترجاع كل الحقوق، تفتخر بأنه لم ينحني يومًا، يروق لها أنه نقطة التلاقي لكل أفراد العائلة، حتى أصدقائه، هو ببساطة كمالة أي شيء لم يكتمل، ولربما تتوقع منه نفس التعامل الحازم ولكنه يعزل بقعتها عن شخصه المعهود، لقد تملك قلبها بحنانه، رقي تعامله، عاطفته، مشاعره، عشقه الجنوني، كل ذلك أكد لها بأنه سيدًا للجميع وخاضع لها! 

لا يترك فرصة الا وعبر فيها عن حبه لها، حتى بتلك الخروجة القصيرة التي خصصها لها، ونهاية لمحاولته لعقد رباط حذائها المريح، ولم تحبه هي، فرفعت قدميها داخل السيارة، ناطقة باستحياءٍ: 
_أنا هحاول أربطه لوحدي. 

صوب بصره تجاهها، وجذب ساقيها خارج السيارة مجددًا، يعقد الرباط، هاتفًا ببسمة ساخرة وعينيه تراقب عقده للرابطة بشكلٍ مثالي: 
_كل السرحان والضيق ده عشان بربط رباط الشوز!!!  

نهض يستقيم بوقفته، ومال يستند على الباب المفتوح يراقبها بتمعنٍ، ثم هدر ببطءٍ: 
_عاجبني أوي نظرتك ليا يا بيبي، في المجمل شخصيتي عجباكي، ولا حابة تضيفي أي تعديلات؟؟ 

زوت حاجبيها متسائلة بسخرية أضحكته: 
_ولو عايزة أغير فيك حاجة تفتكر هعرف!! 

انتهت ضحكاته الساخرة، حينما قال بثباتٍ مضحك: 
_هتتعبي نفسك في محاولات فاشلة ليه، إنتِ مش حمل إرهاق وإنتِ في الوضع ده يا بيبي!! 

لفت جسدها للجهة الاخرى، وهدرت بانفعالٍ: 
_مستفز. 

مال لنافذة السيارة يراقب ما تفعله، ثم قال: 
_أنا جايبك هنا عشان نغير جو، مش نتخانق، لو طالبة معاكي نكد هوصلك وأخلع أنا مش بتاع نكد أنا!! 

عبثت في صدمة: 
_تخلع!!  لا وفريدة هانم شادة حيلها عليا أوي،  تيجي تشوف ابنها!! 

منع ابتسامته من الظهور وإتخذ وضعية الجدية التامة: 
_ماله ابنها!!  سارق النوم من عيون ستات مصر كلها، وعينه مش شايفة غيرك إنتِ!  

راق لها حديثه، فابتسمت رغمًا عنها، ورددت باستحياء: 
_بجد يا عُمران، عينك مش شايفة غيري فعلًا، ولا كاميرا متنقلة على كل بنت معدية قدامك؟ 

تعمق بعينيها بتلك المسافة القريبة منها، ورسم بسمة طفى بها العشق: 
_الكاميرا دي أنتِ موجودة في كل صورها يا مايا. 

وضعت يدها على يده المستند بها على نافذة السيارة، وابتسامتها تسلب خفقاته، بينما تخبره بسعادة: 
_أنا واثقة فيك وفي حبك ده، مستحيل أصدق فيك حاجة وحشة، لإني شايفة كل الحلو اللي جواك. 

سحب كفها ومال يقبل باطن يدها بحنانٍ، فسحبت كفها داخل السيارة وهي تحذره بعينين جاحظتين، ونبرة تحذيرية: 
_عُمـــــــــران! 

ضحك على تصرفها، ومع ذلك ردد بنبرته المغرية: 
_حبيب قلبه وروحه ودنيته وكل شيء بيملكه. 

شاركته الضحك، وهتفت باستنكارٍ: 
_إنت مش طبيعي على فكرة قولي أنت ضربت أيه في الحارة يا بشمهندس. 

ازدادت ضحكاته بشكل جذب انتباه المارة، فاذا بفتاة تتمعن فيه بشكل جعل مايا تقول متعصبة: 
_بطل ضحك ولا أنت مبسوط بنظرات البنات ليك، إنت أساسًا متعمد ده لا وطالع تغني في الفرح، وأنت عارف ان البنات واقفين على السطوح، إنت للاسف شخص لعوب وبتستمع بكده! 

سيطر على ضحكاته ومال يسند كتفه للسيارة، وبخبث قال: 
_على مهلك يا بيبي، العربية هتولع وإنتِ فيها، إشربي العصير هيهدي أعصابك. 

لطمت تابلو السيارة بعصبية: 
_متستفزنيش يا عُمران. 

رمش ببراءة لا تمس له بصلة، وصاح بمكر: 
_حبيب قلبي قلبه قوي على جوزه حبيبه ومن الصبح نازل فيه اتهامات بشعة، أنا كده مصر على المدة اللي هقعدها مع موسى. 

وبغمزة همس بتسلية: 
_يمكن البعد يخليك تحن يا جميل!!!

تبدل ضيقها لبسمة، وهبطت تستند على ذراعه، خطت جواره باستمتاعٍ لاجواء البحر الهادئة، فتسلل لها رائحة الذرة المشوية، فاستدارت تخبره: 
_عُمران عايزة درة! 

تطلع تجاه السيدة القريبة من الرصيف، وعاد يتفحص أماكن الاستراحات، عثر على بقعة آمنة، جوار فتاة تجلس جوار رجلًا كهل وعلى ما يبدو بأنه والدها. 

تركها جوارهما، وغادر يحضر ما طلبت، بينما تسبح عيني مايا على تلك الفتاة التي بدت لها بأنها متزوجة وتحمل بجنينها الاول، حتى كانت تحمل بيدها روشتة الكشف والأدوية التي كانت تتناولها ببداية حملها. 

حاولت أن تشتت نظرها على المياه، ولكنه كانت تعود كل مرة للتطلع إليهما، حيث اختلج قلبها حزنًا حينما وجدت الرجل يمنح ابنته ثمرة التين الشوكي ويقبل رأسها بحبٍ، بالرغم من بساطتهما الا أن حب الرجل لابنته وحبها له كانت تنطق بالكثير. 

غارت عينيها بالدموع، وأسمى ما يحاربها أسئلة بدايتها لماذا؟؟ 
لماذا لم يمنحها أبيها هذة العاطفة والحب الذي افتقدته منذ طفولته؟ 

لماذا يحترق قلبها كلما تذكرت نهاية أبيها المؤلمة التي انتهت بالسجن؟؟ 

سؤال والاخر، انتهى بضمة تجتاحها، فوجدت عُمران قبالتها يضمها من محل وقوفه، حتى وجلس جوارها، يميل كالحاجز ليمنعها من رؤية هذا المشهد، بل بات هو محتل المشهد برمته أمامها، وببسمة رسمها بالكد رغم أن عينيه باتت غائرة حزنًا عليها: 
_معقول تعيشي لحظة زي دي وأنا موجود، هو أنا مش كفايا؟؟  ولا فشلت أعوضك عنه يا مايا؟ 

مسحت دموعها التي انهمرت ما أن رمشت بجفنيها، وقالت بابتسامة مؤلمة: 
_هو مكنش له وجود في حياتي أصلًا. 

وسحبت نفسًا عميقًا وهي تراقب ما جذب انتباهها، فاستدار عُمران تجاه ما تتطلع، فوجد الرجل يغادر برفقة الفتاة التي منحت زوجته نظرة غامضة، فما أن تطلع لها حتى قالت بصوتها المحتقن وابتسامتها الهادئة: 
_البصة اللي بصتهالي دي عكست ليا التساوي بينا، وعرفتني أد أيه أنا غلط. 

حاول الوصول لقاعها، فسألها: 
_ازاي؟ 

قالت بوجعٍ وهي تحمل الذرة الساخن تلتهمه بتشتتٍ: 
_بصتي ليها كان غصب عني فيها استكتار لحب والدها ليها، ونفس البصة جات في عنيها وقت ما إنت ظهرت، ونفس الاستكتار. 

وأضافت وهي تعود لعناق مُقلتيه: 
_ربنا سبحانه وتعالى عادل، بيقسمها بالتساوي، أنا من شوية كنت حاسة إن أنا بس اللي عندي النقص ده، فربنا ألهمني أشوف بعنيا نظرة الحزن والاستكتار في عيونها، فإتاكدت ان ربنا معوضها بأبوها عن جوزها،  يعني بالنهاية كلنا متساويين. 

وضع يده خلف رقبتها، وقربها تستند على كتفه، ووضع رأسه من فوقه، ظلوا هكذا لدقائق انتهت فيه من الذرة، ولم يملك هو أي شهية لتناول شيء بعد رؤيتها هكذا،  فنادته مايا بتعب: 
_عُمران يلا نرجع أنا تعبت وعايزة أنام.

نهض يجذبها مبتسمًا: 
_بس كده، أوامرك مجابة مايا هانم. 

ضحكت بصوتٍ مسموع وعينيه تتبع ما بيده، فقالت بمرح: 
_حيث كده بقى هات الدرة اللي معاك، ابنك أكل بتاعته وأنا لسه مخدتش. 

قدمه لها والضحك يسيطر عليه، بينما يهتف بسخرية: 
_تحبي نأخد الست بالفرن بتاعها القصر. 

رددت بنزق: 
_بايعني إنت لفريدة هانم! 

فتح باب السيارة ومال يستند من فوقها، يهيم بنبرته التي أخجلتها: 
_أنا شاري التراب اللي ماشية عليه، فازاي أبيع! 

رفعت رأسها بغرور وقلدت نبرته: 
_ميرسي على الاطراء يا بيبي. 

ضحك وهتف باستنكار: 
_أنا بيبي ازاي!!  مش راكبة من أي زواية. 

استدارت تخبره بعدما اعتلى السيارة: 
_أنت بتعرف تعدل أي زوايا تدخلها. 

رد وهو يقود لطريق عودته: 
_الظاهر إنك تخطيتي ليڤل الكياتة ودخلتي على ليڤل الوحش، بس إوعي تنسي إنك تربية إيدي يا بيبي. 

رمشت ببراءة مصطنعة ونعمت صوتها بشكل مضحك: 
_قصدك إني مبقتش كيوتة يا سي عُمران. 

مال للخلف من شدة الضحك، وفاه: 
_الله، قعدتك بالحارة قلبت، أنا بقول نطلع على أي أوتيل، لإني حاليًا مش قادر أخوض معارك فريدة هانم الغرباوي. 

اسندت ظهرها للمقعد، وبثقة قالت: 
_ارجع على القصر واطمن انت في حمايتي. 

منحها نظرة شملتها بسخرية: 
_كده ضمنتها نار بعد ما كنت متعشم في الجنه. 

ابتسمت وقالت: 
_لا جنة إن شاء الله، انت بس ادعيلي بالقيام ربنا يجمعني بيك. 

تلاشت ابتسامته وتذكر طريقه الغامض الذي قرر التحري إليه لينهي هذا العذاب، فشرد لدقائق لم يستمع فيها لنداء مايا المتكرر، حتى وضعت يدها على يده: 
_عُمران روحت فين؟؟ 

رد وهو يصطنع ابتسامة: 
_معاك يا حبيبي، كنتي بتقولي أيه؟ 

مالت على كتفه، وهي تهتف بتعب: 
_بقولك إقفل الشباك بردانة. 

أغلق النافذة الكترونيًا، وضمها بذراع والاخر يقود به، في محاولة لنزع الشرود عنه، فلقد حسم الامر وقرر أن يلجئ للخلاص، رغم معاناة ما سيقدم على فعله!!! 



تعليقات