رواية علي ناصيه الحب الفصل الحادي عشر 11 بقلم حبيبه محمد


رواية علي ناصيه الحب الفصل الحادي عشر بقلم حبيبه محمد


-ما لسّه بَدري يا هّانم ؟ إنتي ناسّيه إن ليكي أهّل عايشه معاهم ولا إيه !.

مَفيش إنسان بيتولد فِي الدّنيا دِي وِحش ؛ الظروف والبيئه والمّجتمع هِي اللي بتّولد جِوانا شّخص وحش ورافض يواكب الدنيا دي وعاوز يعيشها عّلى كِيّفه وبس !.

وأنا عمري ما تمنيت أكون وحشه، بالعكس كنت طول عمري نفسي أعيش بسلام، أبقى بنت عاديه ليها أم تحضنها وأب يقعد معاها ويحكي ليها عن الدنيا .

بس أنا لما كبرت وبصيت حواليّا لقيت إن الدنيا مش بتدي الطيبين فرصه إنهم يعيشوا، الطيبه هنا بقت ضعف، والضعيف بيتاكل ، واللي زيي في وسط المجتمع والطبقه الغريبه دي لازم يكون قّوي .

كبرت وأنا شايفه أمي مهتمه بصورتها وسط الناس أكتر من اهتمامها بيا، موجودة في حياتي بس كإنها مش موجوده! الندوات ، الجمعيات ، الخروجات ، اهم من مشاعر بنتها ووجودها لوحدها.

وبابا ورغم إنه كان حنين عليّا، بس عمره ما كان موجود بجد، شغله كان واخده مني وانا فضلت لوحدي، عندي فلوس تجيبلي كل حاجه إلا عيله تحبني بصدق.

اتعلمت أعيش زيهم، أبص لشكلي، لصورتي قدام الناس، أعمل اللي أنا عاوزاه من غير ما أفكر في حد يمكن كان في جوايا لسه البنت اللي بتحلم تبقى إنسانه ،بس البنت دي ماتت من كتر الوحده في بيت واسع وكبير فبدأت تدور على نفسها بره الأسوار العاليه.

والحقيقة اللي استوعبتها إن: اللي يعيش بقلب نضيف في دنيا كلها أقنعه عمره ما هيعرف يعيش وخصوصاً ؛ لو في دنيا زي دُنيتنا دي .

خِلصت الرحله اللي كان مدتها يومين ورجعنا ؛ كانت دي اول رحله ارجع منها مبسوطه بالشكل ده ، مرتاحه ، جوايا كَان في نّشوه غريبه ، احساس أول مره أعيشه بالشكل ده كان مخليني طايره .

مكنتش مستعده إني اقابل آي شخص ممكن يتعب دماغي او يصدعها ، لكن فور دخولي الفِيلا قَابلت بابا ، كان قاعد مستنيني لأول مره ، الصراحه خوفت من نظرته اللي كانت مليانه غضب وكإن في حاجه حصلت هو عرفها !.

بس ؛ بس هو أنا عملت إيه غلط ممكن يخلي بابا متعصب بالشكل ده !.

-فِي إيه يا بابا ؟ قاعد كِده ليه ؟.
-مين الشاب اللي موصلك بالعربيه ده يا ياقوت !.
-ده عمر صاحبي يا بابا .
-صاحِبك ؟ يعني إيه صاحِبك ؟ انتي من امتى ليكي أصحاب شباب بتوصلك لحد البيت يا ياقوت إنتي اتجننتي !.
-من امتى ؟ من اليوم اللي اكتشفت فيه إني عايشه لوحدي يا بابا، من اليوم اللي إنت فيه بقيت مشغول عني بشغلك ومشاكلك وماما هانم مشغوله بندواتها وجمعياتها المزيفه .
-ولو فعلا ده حصل ده يوصلك إنك تصاحبي شباب غريبه وترجعي معاهم بعد نص الليل !.
-عمر مش غريب ده صاحبي وزميلي وهو وصلني عشان كالعاده السواق رفض يجي ياخدني في الوقت ده وهو تطوع ووصلني يبقى غريب ليه !.

-لا غريب يا ياقوت انتي تعرفي هو بيفكر ازاي ؟ ازاي واثقه فيه بالشكل ده ! افرضي مطلعش قد الثقه اللي انتي اديتيها ليه وعمل فيكي حاجه وحشه هترتاحي !.
-عمر مش كده ، وبعدين هيعمل فيا إيه اوحش من اللي أنا عايشه فيه ؟.
-عايشه فيه ! أنا كل اللي بعمله في حياتي ده عشانك! عشان تأمني مستقبلك وتعيشي كويس وتبقي احسن مِن آي حد ،عايشه وحش في إيه حد عنده الي عندك ! عمر ده أراهنك لو عنده نص اللي عندك .
-مش مهم ، المهم إنه موجود ، فاضي ليا ، بيسمعني لما اكون محتاجه حد يسمعني ، بيخليني حاسه إني موجوده، أنا أول مره اقابل في حياتي راجل مش مشغول عني بالشغل والكلام الفاضي ده ، اول مره اقابل راجل أنا اول واهم حاجه في حياته.
-تعرفي الواد ده من امته !. 
-من سنه وشهور .

-كلامك ده يقنّعني أكتر إنه بيضحك عليكي وبيستغلك 
سنه إيه اللي تخليكي تثقي في شخص بالشكل ده ! .
-وإيه يعني مين قال إن الواحد لازم يستنى عشر سنين علشان حد يبقى صادق معاه؟ بقالك سنين انت وماما متجوزين مفيش يوم بيعدي بينكم من غير خناق وزعيق وهيا لا واثقه فيك ولا انت واثق فيها ! الأهم عندي من الثقه هو إنه موجود معايا دلوقت ، الثقه دي ملهاش لازمه .
-أنا وامك لو كنا متجوزين عن حب كان الموضوع فرق معانا لكن إحنا اتحطينا في ضغط إننا لازم نتجوز عشان البيزنس اللي كان بين جدك وجدك ابوها ، ورغم كده عمري ما فكرت في مره اعرف حد على والدتك ولا هيا فكرت في كده عشان أنا عارف إن مفيش ست زي والدتك بس وجهات النظر اللي بينا هيا اللي بدمر كل الحلو اللي بينا لكن العيل اللي انتي عارفاه ده بيحبك ؟ وصلك ازاي ؟ يعرف عنك إيه ؟ والاهم عاوز منك إيه !.

-كان صاحب عمران وانا عرفته .
-عمران ؟ الشاب اللي كلمني عشان يجي يتقدم ليكي وانتي رفضتيه !.
-ايوا .
-تضيعي شاب محترم زي ده من ايدك وترتبطي بعيل صايع زيك ؟ انتي مجنونه !.
-يووه بابا أنا مش فايقه للخناق حقيقي دلوقت أنا محتاجه انام وبس .
-لسه في كلام يا ياقوت لازم تسمعيه .
-مش فاضيه ، لما أفضى نتكلم !.
-احترمي نفسك يا بنت أنا ابوكي هاخد مواعيد منك عشان اتكلم معاكي ؟.
-بتعلم من حضرتك عن إذنك .

المعامله بِالمثّل ، اوقات كتير مكنتش ببقى محتاجه في حياتي غير شوية ساعات بسيطه اقعد فيها معاهم واحكي ليهم يومي واللي حصل فيه لكن مكنش متوفر ليا الوقت ده يبقى أنا أوفر ليهم الوقت ده لي!.

قّد إيه الدنيا دي غريبه ؛ تعلمك القسوه وبعد كده تستغرب إتعلمتها لِيه ؟.

دخلت أوضتي وقّفلت الباب ورايا ، قعدت على طرف السرير وانا بفكر في حاجات كتير اولهم ؛ مين فينا غلطان إحنا ولا الظروف اللي حوالينا ؟.

علاقتي مع اهلي الوحشه كانت سبب إني ادور على اللي خسرته بره ، والحقيقه إني لقيت في عمران الاب اللي كنت محتاجه ليه لكنه كان برضوا مشغول عني بالشغل والمستقبل والحاجات اللي بقيت بكره اسمعها !.

الصراحه ؛ أنا مرفضتش عمران عشان الماديات ، رفضته عشان كنت عارفه إنه مع الايام هيكون نسخه من بابا وانا هكون نسخه من ماما وهيجي طفل في النص هو اللي يتعب !.

عمر كان أنسب اختيار ليا ؛ الشغل مش فارق معاه على قد ما كان فارق مع عمران ، حاسه إني متخبطه متوتره ومش فاهمه إذا كنت على الطريق الصح ولا لا !.

تلفوني رن فخدت بالي منه لكنه مكنش عمر كان جّو صاحبي من سنين السنين ، يعتبر اول شخص عرفته في حياتي ورغم كل السنين اللي عدت فضل موجود جنبي ومتغيرش.

ورغم تصرفاته الغريبه ، واستيل لبسه الغريب ، وتفكيراته الغربيه ،كان صاحبي .

-ايوا يا جّو .
-وصلتي ؟ كنت عاوزك في موضوع .
-حصل حاجه ؟. 
-لا إنتي مش قولتي ليا إن عمر الجديد ده شغال في بنك ؟.
-حصل .
-طب كنت عاوز اخد قرض شوفي كده الإجراءات دي هيكون نظامها إيه ؟.
-قرض ؟ قرض ليه يا جّو !.
-فاكره الدماغ اللي خدتيها معروض عليا صفقه مقدرش أضيعها مِن إيدي .
-اممم هشوف كده هيقول إيه وهعرفك التفاصيل .
-تمام بس مش عاوزه يرفض المبلغ ممكن يكون كبير شويه فـ خليه يسرع الإجراءات .
-اوكيه باي .

رغم إني كنت مدركه إن اللي جّو بيعمله غلط إلا إني مكنتش بحب ادخل وانصح والجّو القديم ده ! 
هو كان كبير كفايه إيه يعرف ده صح ولا غلط ؟ 

والحقيقه ؛ جّو كان بيقدم تذكره هديه للكل ، تذكره في شوية بودره صغيرين ينقلوك لعالم تاني بعيد عن العالم الكئيب ده .
تذكره لدنيا تتمنى لو إنك تعيش فيها طول العمر ، وبذكر التذكره دي فتحت شنطتي وطلعت كيس منها وخدته براحه وانا باخد نفس طويل .

ساعات الإنسان بيكون عارف إني غلط ، وإنه في آخر الطريق ده هيقع ، بس حابب إنه يغرس في الطريق ده أكتر واكتر .

••••••••••••••••••••••••••••••••••

-عمران قابلني في كافيه ماتيتيا محتاجين نتكلم .

بعد يومين مِن الإختفاء ، يومين من الإنقطاع عن التواصل ومعرفش مكانه فين غّير إنه في دهب تفضل الإستاذ انه يرد عليا اخيرا ويطلب مني نتقابل .

كنت في شغلي الجديد اللي قدرت اثبت تميزي فيه في خلال وقت بسيط ، المدير وعدني إن في آخر الشهر هيعمل حفله كبيره جدا على شرف حضوري بعد ما البرنامج بتاعي إتصدر في قائمة اكثر البرامج المّباعه .

كان عندي افكار تانيه مختلفه ، افكار جديد ، مواهب دايما إتمنيت إنها تطلع للنور وجِه الوقت المناسب ليها بالظهور .

مع الأيام ادركت إن اللي كنت تحسبه خير هو في الأصل شّر ليكي ، وطول السنين اللي فاتت كنت ماشي في طريق غلط لحد ما ربنا وراني الطريق الصح .

وبدون آي مجهود ربنا بدأ يعرفني قيمة الناس اللي في حياتي ، اللي بيحبوني وبيكرهوني ، اللي أنا فعلا مصلحتي تهمهم واللي كانوا مجرد كِمالة عدد في حياتي .

خلصت الشغل الساعه اتنين الضهر وخرجت ركبت عربية عم نعيم اللي حّلف ما هتحرك مِن غيرها واضيع فلوسي على المواصلات ، كان أب ليا رغم كل شيء .

سوقت العربيه بهدوء ، مكنتش من المتهورين محبين السرعه ، كنت متوسط ومعتدل في كّل حاجه ، وصلت اخيراً للكافيه اللي كان شاهد على كل خطوات حياتي ، الزعل الفرح الإنكسار وحتى الخيانه !.

فتحت الباب الإزاز ودخلت جِوا بصيت حواليا أشوفه فين وهنا لمحته ، قاعد على طربيزه غير الطربيزه اللي كل مره بنقعد عليها قربت منه واول ما شافني قام وقف وبان على ملامحه التوتر وكإنه ادرك بطريقه ما إني خلاص كشفت كل حاجه !.
كشفت خيانته ليا مع الست الوحيده اللي كنت فاكر إني بحبها !.

-إزيك يا عمران !.
-إزيك إنت يا صاحب عمري !.
-عمران أنا..أنا كنت هقولك ،كنت هفهمك والله أنا عارف إني غِلطت .
-غلطت ؟ دي كلمة صغيرة على اللي عملته فيا ، تخوني معاها؟ مع الست الوحيدة اللي كنت فاكر إنها بتحبني وإنتَ ! إنتَ اللي كنت ضهري وسندي ! طب أنا كنت ممكن أتوقع منها كده لكن منك إنت ليه يا عمر إزاي قدرت تبص في وشي كل الفترة دي ؟.
-أنا مكنش قصدي أوجعك يا عمران بس ..بس غصب عمي حبيتها ! حبيتها في لحظة ضعف !.

-ضعف ! بتسميها ضعف؟ ده اسمها خيانة والخيانة مش بس منها، الخيانة الأكبر منك عارف ليه؟ عشان أنا عمري ما همني وجودها قد ما همني وجودك إنت سنة وشهور يا عمر إنت عارفها وبتشوفها معايا ومخبي! ليه؟ ليه سكت؟ ليه فضلت تضحك في وشي وأنا شايلك في قلبي وانت في الاصل بتغدر بيا !.
-ماقدرتش أقولك… كنت بخاف أخسرك!.
-تخسرني؟! إنت خسرتني يوم ما اخترت تخدعني ويوم ما لقيت نفسك بتبص للي في إيد صاحبك وتقول “عايزه لنفسي”. ليه يا عمر؟ اشمعنا هي؟ الدنيا كلها مفيهاش غيرها؟ إنت عارف إنها بالنسبالي كانت حياتي، ومع ذلك اخترت تدوس على كل حاجة بينا!.
-عمران بلاش توجعني بالكلام ده اكتر من كده أنا مش عاوز أخسرك ! انت عارف إنها مكانتش شبهك ومصير العلاقه دي كانت هتفشل هتفشل !.

-تواجهني ! تعرفني ! قولي ! انما تعمل فيا كده عشان إيه ؟ طمعت فيها ؟ خلاص مبقتش تلزمني ، بس يا صاحبي اللي يخسر واحد صاحبه عشان واحده ست ميلزمنيش صحبيته عم نعيم كان عنده حق في وجهة نظره فيك .
-أنا اسف يا عمران .
-آسف؟ آسف دي كلمة سهلة أنا مش محتاج أسمعها منك، أنا محتاج أفهم إنت شايف نفسك إزاي دلوقتي! شايف إنك كسبت؟ ولا شايف إنك أضعت صاحب عمرك علشان نزوة؟ صدقني بكره تعرف إن ياقوت لا كانت تنفعني ولا تنفعك .
-أنا بحبها ! .
-وياقوت مبتعرفش تحب غير نفسها وبكره تشوف .

-عمران أنا مش عاوز أخسرك ! اسمعني.
-أسمعك؟ طب ما أنا سمعتك! سمعت كل كلمة كنت مخبيها ورا سكوتك وكل ضحكة ضحكتها وأنا جنبك طلعت ستار بتخبي وراها وبس يا خساره يا عمر ، يا خساره كنت فاكرك أخ ليا .

خلصت كلامي معاه وقومت وقفت ، عمر كان صاحبي الوحيد وانا كنت صاحبه الوحيد ، كان صعب عليا إني ابعد عنه لكنه للأسف وجعني جامد .

وقبل ما امشي بصيت ليه بصه آخيره ، لاحظت ملامح وشهه الباهته ، كإن في حاجه حصلت ليه غيرته !
لكن مهتمتش وسيبته ومشيت .

ساعات كتير حتى لو روحنا في حاجه بنحبها بس بتوجعنا لازم نسيبها ونمشي .

••••••••••••••••••••••••••••••

-الواد عمران لسه مرجعش مِن الشغل ؟ أنا جعان وعاوز أتغدى .

بابا كان بيعامل عّمران وكإنه فرد مهمه من العيله لا ياكل ولا يشرب مِن غِيره ، كانت علاقتهم دي دافع اقوى إني أتمسك بعمران وبحبي ليه أكتر وانا عارف إن بابا لو حصل نصيب في المستقبل بابا مستحيل يرفضه .

فتحت تلفوني على الصوره اللي اتصورتها أنا وهو مِنّ يومين وانا شايله الورد ، الورد اللي جففته وعينته في صندوق تحت السرير ، كانت احلى وأجمل صوره اتصورتها في الدنيا دي كلها .

|| تقولي كلام وافرح بيه أنا أفرح بيه..
أسيب النوم وأفكر فيه أنا أفكر فيه ..
إنت تقول وتمشي وانا اسهر مانمشي..
ياللي مابتسهرش ليله يا حبيبي..||.

-بت يا مسك قاعده مسهمه عندك كِده ليه ؟ سيب التلفون ده وتعالي هنا جنبي .
-نعم يا بابا .
-عملتي ايه لما خرجتي انتي وعمران سوا ؟ وإيه الورد اللي انتي كنتي داخله بيه ده كله كان عليه عروض ولا إيه!.
-لا ده عمران إشتراه ليا .
-بمناسبة ؟.
-بدون مناسبه هو حب يجيبه ليا وانا مرفضتش .
-طبيعي مترفضيش يا حبيبتي ما الموضوع على هواكِ فكرك أنا وافقت تخرجوا سوا ليه ؟ عشان عارف إن عينك منه يا بنت ناني.
-بـابـا !.
-بابا إيه بقى ده إنتي يا بابا تشغلي كل يوم بليل نجاه تسمعيها للصبح وفكرك معرفش ؟ مبيسمعش نجاه غير العاشقين يا حبيبتي .

-بابا إنت عارف إن مفيش الكلام ده أنا وعمران صحاب وأخوات وبس وعمران كان طيب معايا بس وحب يقدم ليا هديه زي ما طول عمره مِن وهو صغير بيجيب ليا !.
-طيب يا مسك، الطيبة حلوة بس خليكي عارفة حدودك. الدنيا مش دايمًا على قد الطيبة، وفي ناس بتستغل القلب اللين.
-بس عمران مش كله !.
-عارف إن عمران مش كده ده تربيتي إيدي ، بس هقولك نصيحه عمران لسه في قلبه البت أم اربعه واربعين اللي كان بيحبها دي ، ولسه غيابها مأثر عليه ، خلي بالك وانتي بتتعاملي معاه عشان متجيش في يوم وتزعلي .
-بابا هو صحيح لسه بيفكر فيها؟

-أيوه يا مسك، الراجل اللي بيحب بصدق عمره ما بينسى بسهولة عمران اتوجع جامد، وأثر الوجع ده لسه ساكن جواه يمكن يضحك، يمكن يهزر، يمكن يجيبلك ورد، لكن لما ينام لوحده بالليل بيلاقي نفسه بيرجع يتذكرها.
-طب وأنا أعمل إيه؟ أتعامل معاه إزاي؟
-بُصي يا بنتي، دورك مش إنك تملّي فراغ عنده ولا تشيلي همّه دورك إنك تبقي صاحبة صادقة، تدي له أمان من غير ما تستنزفي روحك خليه يحكي لو عايز يحكي، وخليه يسكت لو مش قادر متسأليش أسئلة زيادة، ومتحاوليش تعوضيه مكان حد تاني.

-هو بيبان ساعات إنه مبسوط معايا، وساعات كأنه بعيد في عالمه!.
-طبيعي، لأنه جواه معركة بين حنينه القديم وبين حياته الجديدة انتي بالنسبة له نسمة هادية، بس هو لسه ماقدرش يسيب العاصفة اللي عاشها.
-يعني هو مش هيعرف يحب تاني؟
-هيعرف، بس محتاج وقت الحب مش زرار نضغط عليه هو محتاج يثق في نفسه الأول، ويتأكد إنه مش هيعيد نفس الغلط.
-طب وأنا لو فضلت جنبه كده؟
-هيفتكر دايمًا إنك كنتي النور اللي وقف معاه وهو في عز عتمته. يمكن يوم يحبك من قلبه، ويمكن يفضل شايفك الأخت القريبة، بس في كل الأحوال هتكوني أثر حلو في حياته.

-بس يا بابا أنا بخاف أدي قلبي لحد يكون لسه قلبه مشغول بغيري.
-وخوفك صح. علشان كده خليكِ عاقلة: عامليه بالود، بس خلي بينك وبين نفسك مسافة أمان لو حسيتِ إنه بيتقرب زيادة قوليها بصراحة، ولو لقيتيه مش قادر يسيب ماضيه متعلقيش نفسك بأمل وهمي.
-يعني أعيش اللحظة، وأسيب الباقي لربنا؟
-بالظبط. سيبيها لربنا، وهو الوحيد اللي عارف الخير فين وخليكي عارفه الرجاله في اللحظه دي زي واحد غريق لسه طالع من البحر. نفسه مقطوع، وعيونه بتدور حوالين أي طوق نجاة لو لقى اللي حواليه فاهمينه وبيسيبوله مساحته، بيقدر يقف على رجليه من تاني لكن لو حد شدّه بسرعة أو حاول يملاله صدره بكلام، ممكن يغرق من جديد لو راحل غير عمران عمري ما كنت سمحت ليكي تقربي منه بس عمران يستحقك وإنتي تستحقيه.

-خليكي الطوق اللي يطمنه، مش الموج اللي يزود عليه التعب.

بابا كان عنده حق .
لازم متسرعش في مشاعري ناحية عمران ، لازم مشاعري تكون محدوده ومعقوله عشان كل واحد فينا يقدر يستوعب الحاجات الجديده اللي بقيت بتحصل معاه ، هو يتقبلني في حياته ، وانا أساعده يكون احسن .

خبط فوق الباب والجرس رن قلبي قالي فورا إن ده عمران قومت بسرعه اقرب عشان افتح الباب وقبل ما افتحه بصيت لنفسه في المرايا اللي جنب الباب ، ظبطت شعري ، عدلت هدومي اللي كانت عباره عن بيجامه بيت واسعه وفضفاضه .

-وتقولي مفيش حاجه يا بابا ! افتحي يا بنت تاني الواد هيخلل على الباب افتحي .

ضحكت وفتحت الباب وكان فعلا عمران اللي ابتسم لما شافني لمحت في ايديه اكياس كتير شايله تخطاني ودخل من غير ما يتكلم فقفلت الباب وراه ومشت وراه وانا عندي فضول أعرف إيه اللي في الأكياس دي؟.

-يا ناني يا ست الكل اطلعي من المطبخ كده وتعالي عاوزك .
-شوف الواد داخل بدوشته ازاي قول السلام عليكم الاول قبل ما تنادي على مراتي يا واد !.
-مالك وماله يا نعيم يدّوشنا براحته إحنا لينا كان عمران يعني تعالى يا حبيبي أنا جيت اهو .

قربت ماما وقعدت جنب بابا وانا قربت وقعدت جنبهم وهو ابتسم بسعاده وحط الأكياس على جنب شد اول كيس فتحه وطلع منه علبة هريسه بالمكسرات ولا كلمه وضحك لبابا وقاله :-

_احلى علبة هريسه لأجدع عم نعيم في الدنيا .
-علبه ليا لوحدي ! يا سلام الواحد مفرحش كده من زمان يا واد !.
-عشان تعرف إن ملكش غيري ، وده بقى إسدال جديد لست الحبايب مقدرتش اجي وايدي فاضيه ليكي .
-يا حبيبي يا عمران ! ليه تكلف نفسك كل ده !.
-تكلفة اي يا ناني ؟ ده من خيركم عليا وبعدين دي اول فلوس بمسكها في ايدي لازم أفرحكم معايا .
-اوعى تكون نسيت تطلع منها صدقة يا عمران ازعل منك !
-وهي دي تيجي برضو متقلقيش عملت الازم .

كنت مبسوطه وانا شيفاه كعادته بِيّود اهلي واللي يكونوا اهله كمان ، عمران دايما كان اللي في ايده مش ليه ، سعادته بإنه يفرح اللي حواليه وبس وهو مش مشكله !.

-وده بقى فستان جديد لمسك هانم .

كان فستان يجنن ! 
لونه لافندر جميل ، مليان رسومات فراشات باللون الابيض والرمادي ، كِمامه طويله اخرها قصه برباط ، كان اجمل فستان ممكن اكون لبسته في الدنيا دي كلها !.

-ده ليا أنا !.
-عجبك ؟.
-ده يجنن !.
-خدي قيسيه بقى اتمنى اكون عرفت أجيب مقاسك بالملي .
-ده كتير اوي يا عمران !.
-مفيش حاجه اكتر على حبايبي ابداً يا مسك .

ابتسمت ليه مديت إيدي وخدته مِنه ، عمران مكنش محظوظ بينا ، إحنا اللي كنا محظوظين بيه .

-اقعد يا واد واقف ليه قومي يا ناني جهزي الغدا يلا زمانه جعان.
-عينيا يا حج .
-مالك يا واد ؟ فرحان ومش فرحان ليه !.
-عرفت ازاي !.
-هو أنا لسه عارفك ! طول عمرك من وانت صغير لما تزعل تشتري حاجات وتفرح اللي حواليك عشان محدش ياخد باله إنك زعلان ويسألك ها مالك بقى ؟. 
-عمر .
-ماله السلعوه .
-طلع كان مرتبط بياقوت من ورايا من سنه وشهور.

وقفت على عتبة الباب فجأه بعد ما كنت هطلع واوريه الفستان ، قلبي وجعني للحظه وانا شايفه زعله وضيقه ! عمران لسه بيفكر في ياقوت .

-اتلم التنتون على اللي انتن منه مزعل نفسك ليه بقى ؟. 
-زعلان إن ازاي صاحبي يعمل فيا كده !. 
-وهي ؟.
-هيا باعتني ومبقتش تفرق معايا يا عم نعيم بس صاحبي ليه يعمل كده ؟.
-قولتلك قبل سابق ان الواد ده بيغير منك وعينه على اللي معاك .
-وانا كان معايا ايه يغير منه يا عم نعيم ؟. 
-الرضا يا ابني وراحة البال ، الحسد والغيره ملهمش دعوه بفلوس ولا بجاه ولا بسلطه ، في ناس تبص ليك لو كنت مبسوط ، مرتاح ، كل مره كنت بتشتغل شغلانه احسن من اللي قبلها كان هو اول ما يعرف الدنيا تبوظ عشان كان باصص ليك في حياتك ، انت راضي يا ابني وهو حسدك على رضاك .
-كان صاحبي الوحيد يا عم نعيم ! اهون عليه ؟.
-الصاحب اللي يخون ميبقاش صاحب يا عمران خليك فاكر كده والبت اللي هو ارتبط بيها دي بكره تزحلقه وتشوف غيره ، اصل اللي زيها ميملاش عيونها غير التراب .

-تفتكر ؟.
-طبعاً افتكر ، بطل تبص وراك يا ابني ، بص جنبك وحواليك وقدام ، هتلاقي ناس بتحبك بجد ، مستنيه نظرة رضا وأمل منك تقرب ولا تبعد ، ميزان الحب عمره ما كان عادل يا ابني .
-وهو الحب ليه ميزان يا عم نعيم؟. 
-آه يا عمران، للحب ميزان بس مش زي موازين الدنيا. ميزان الحب ملوش كفّتين يتساووا أبدًا، دايمًا كفة بترجح على التانية.
-يعني إيه؟

-يعني يا إما قلب بيدي أكتر ويتألم أكتر، أو قلب يستقبل أكتر ويتدلّع أكتر عمره ما بيكون في النص بالظبط حتى لو اتنين بيحبوا بعض بنفس القوة، طريقة التعبير مختلفة واحد يبان عليه العطاء، والتاني يبان عليه التعلق.
-يعني الحب عمره ما عادل؟
-العادل الوحيد هو ربنا لكن بين البشر؟ الحب زي النور، ممكن ينورلك طريقك بس مش شرط يكون بنفس الشدة عندك وعند اللي قدامك ودي حكمة ربنا علشان نفضل بندور على التوازن، ونعرف قيمة اللي قدامنا لما يختل الميزان.
-طيب نعمل إيه لما نلاقي الكفة مش متساوية؟.

-ساعتها يا عمران متقفش تتحسّب وتقول أسيب ولا أتمسك لأ، بص حواليك كويس، يمكن تلاقي الكفّة الناقصة مستنياك في قلب حد تاني دايمًا في حد موجود يوزن الكفّة ليك، يحبك بجد من غير ما تعد ولا توازن المهم تفتح عينك وتشوفه قبل ما يضيع منك .

|| و أقوله حبيبي .. كل ما فيك حبيبي .. و حلو
صوتك حلو .. قلبك حلو
و لحد لما تتعبني و اسهرلك .. سهرك حلو ||.

هنا هو رفع عيونه وبصلي ، عيوني كانت في عيونه في نظره طويله كإنه عرف لأول مره إني قدامه .
إني مستنياه .
إني بحبه ومهما يحصل .
مكانه في قلبي موجود وعمر ما حد ياخده مِني ابداً .

تعليقات