رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل المائة والثامن والعشرون
رغم كل الجهود التي بذلتها **كلوي** على مرّ السنين لتكسب ودّ **مارينا** ظلّت الأخيرة تراها دخيلةً على حياتها لا أمًّا تستحق أن تُمنح هذا اللقب.
كانت جذور الكراهية قد نُسجت حينما وعدت عائلتي كريس كارلتون وهيلين جيبسون أم مارينا على أن يكونا الصغيرين لبعض قبل ولادتهما لكن الزواج لم يجلب لهيلين سوى برود رجلٍ كان قلبه دائمًا أبعد من متناولها ومع انطفاء دفء بيتها غرقت هيلين في اكتئاب صامت التهمها ببطء حتى فارقت الحياة ومارينا لا تزال طفلة لا تفقه بعد معنى الفقد.
وما إن غابت هيلين عن المشهد حتى اغتنم كريس الفرصة ليتزوج ثانية وكأن موتها لم يكن سوى فراغ يحتاج إلى ملء.
منذ ذلك اليوم، صارت مارينا ترى في **كلوي** وجهًا ومرآةً لكل ألمٍ لم تجد له مخرجًا… لم تكتفِ مارينا بالنفور الصامت، بل راحت تزرع الأشواك في حياة كلوي وقد بلغت قسوتها ذروتها حين دبرت مكيدة تسببت في إجهاض كلوي، جريمة لم تحرم كلوي من جنينها فحسب بل سرقت منها قدرتها على أن تكون أمًّا مرة أخرى.
ظاهريًا، كانت العلاقة بينهما هادئة، واجهة زائفة لسلامٍ لم يوجد يومًا… أما في قلب مارينا فكانت الكراهية تترسخ كصخرة رسوبية كلما مرّ الزمن وزاد المشهد قتامة أن كلوي كانت أم **سارة** مما جعل مارينا تصبّ حنقها عليها مضاعفًا كمن تنتقم من القدر نفسه.
لكن
اليوم كان مختلفًا فللمرة الأولى مدت مارينا يدها نحو كلوي وأمسكت بها أمام الجميع في لقطة تشبه لوحةً مُتقنة الإخراج؛ أمٌّ وابنتها تتصالحان وجمهور من حولهما يفيض بالثناء.
شعرت **كلوي** بفرح لم يزُر قلبها منذ زمن بعيد فلطالما حمّلت نفسها ذنب وفاة هيلين وكأم ظنت أنها تفهم الغضب الذي يسكن مارينا وصدقت أن الحب وحده قادر على إذابة الجليد. فسكبت عليها من حنانها ما كانت تفيض به لسارة وظلت تؤمن أن مارينا ستدرك يومًا ما أن يدها الممدودة لم تكن يومًا خصمًا لها بل طوق نجاة وحين شدّت مارينا أصابعها حول يدها صدّقت كلوي أن ذلك اليوم قد حان فابتسمت برضا داخلي بينما كانت كلمات الإطراء تتساقط عليهما من كل اتجاه كزخّات مطرٍ لم تعرف كلوي أنه قد يكون مقدمة عاصفة.
رأت **مارينا** أن المسرح قد نُصِب وأن لحظة إسدال الستار على خطتها قد اقتربت فالتفتت إلى **كلوي** بابتسامة مشوبة بالقلق المصطنع وقالت بنبرةٍ مُنمّقة تُخفي تحتها سمًّا:
— *"أمي، أين سارة؟ لقد مضى وقت طويل منذ أن صعدنا إلى السفينة… غريبٌ ألا تأتي لتحيينا."*
تنهدت كلوي محاولةً أن تُبقي جوّ الاحتفال نقيًّا:
— *"إنها عنيدة يا مارينا، ليست مهذبة مثلك… دعيها وشأنها، لعلها لا تريد أن تُفسد سعادتنا."*
لكن مارينا التي كانت تُخفي وراء عينيها بريقًا حادًّا كالنصل مالت
نحوها وقالت بخبثٍ لطيف:
— *"لكن كيف لنا أن نترك الأمر هكذا؟ إذا كانت تحمل لك ضغينة، فلا بد أن نُواجهها. فكرتُ فيها كثيرًا مؤخرًا… وهذه مناسبة سعيدة ربما حان الوقت لنمد يد التصالح… ما رأيكِ أن نغتنم هذه اللحظة؟"*
وجدت كلمات مارينا طريقها إلى قلب كلوي بسهولة كما يفعل السم حين يُذاب في العسل فلم تُجادل بل ابتسمت بترددٍ يحمل أملاً واهنًا:
— *"حسنًا... لكنني لا أعرف أين قد تكون."*
أجابت مارينا ببراءةٍ زائفة، وهي تخفي نشوة الترقب في صوتها:
— *"لا بأس. ستجدينها هناك حتمًا… تعالي لنبحث عنها معًا."*
قادتها مارينا بخطوات ثابتة بينما كانت مجموعة من السيدات الأثرياء تتبعهما وفضولهن يلمع في أعينهن مثل جمرٍ مُستتر تحت رماد.
في ذات اللحظة كانت **كاليستا** تُكمل الجزء الآخر من الخطة إذ جمعت حولها مجموعة من أصدقائها المؤثرين وكل منهم يشهر هاتفه وكأنهم جنود يرفعون رايات حرب ولما تنسى المصورين المحترفين الذين أتوا لتغطية الحفل ثم بدأ البث المباشر وصوت المحادثات يتدفق عبر الشبكة مثل نهرٍ جارف:
*"يا إلهي، هل ترون هذه السفينة؟ أشبه بقصرٍ عائم!"*
*"أعرف الآن لماذا يتسابق الناس للزواج من العائلات الثرية... هذه ليست حياة، هذه أسطورة!"*
*"انظروا إلى تلك القلادة الزمردية! لا يقل ثمنها عن ملايين.
"*
*"نحن نكدّ ونشقى، بينما وُلد هؤلاء وفي أفواههم ملاعق من ذهب."*
تلك كانت همسات المصورين المأجورين بينما رفع أحد المذيعين كاميرته ليلتقط مشهدًا بانوراميًا لقاعة الطعام وصوته يحمل نشوة مَن يوشك أن يلتقط لقطة العمر:
*"أيها الأصدقاء، استعدوا! ما ستشاهدونه الآن لن تروه إلا هنا… ألف صنف من الطعام من كل أصقاع الأرض، والكثير منها لا يُمكنكم تذوقه في أي مكان آخر… هذه ليست مجرد سفينة... إنها عالم آخر."*
لكن الحقيقية لم تكن في الأطعمة ولا في الزينة بل في الفضيحة التي كانوا ينتظرونها كما يتلهف الصياد لسقوط الفريسة في الفخ.
كل شيء جاهزًا والفضول يتأجج في صدور المشاهدين يلهثون خلف كل تفصيل صغير عن الوريثة الشابة **سارة**.
ابتسمت مارينا تلك الابتسامة التي تجمع بين قسوة الجلاد ونشوة المنتصر، وبالرغم من كونها لم تلمح **أحمد** بين الحشود لكن ذلك لم يُقلقها؛ فالانفجار الذي خططت له لن يحتاج حضوره ليُحدث أثره.
أومأت كاليستا إلى إحدى فأخذ مكانه كأنه جزء من المشهد المسرحي ثم وبصوتٍ يشبه صوت مذيعة تُقدّم حدثًا تاريخيًا همست للكاميرات:
*"أيها المشاهدون الأعزاء... استعدوا… ما ستشهدونه الآن لن يُصدَّق."*
شعرت مارينا بخيطٍ من الصراع يمرّ في صدرها، لكنه كان صراعًا لذيذًا، يشبه ارتعاشة صيادٍ يوشك
على إطلاق السهم الأخير ومن ثم مدت يدها نحو المقبض، أصابعها ترتجف ليس خوفًا بل نشوةً من إدمان السيطرة ثم دفعت الباب ببطء...
**لتكشف للعالم ما كانت تتمنى أن يُدمّر سارة للأبد.**