رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل المائة والثاني والثلاثون 132 بقلم اسماء حميدة


 رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل المائة والثاني والثلاثون 

ابتسمت سارة ابتسامة لا تطمئن القلب ابتسامة تشبه ومضة برق خاطفة وسط سماء ملبدة وقالت بصوت ينساب كخيط ماء بارد فوق جرح قديم
كنت أظنه مجرد أداة للانتقام مني.
تجمدت ملامح أحمد وانعقد حاجباه في عبوس أثقل جبهته كان في نبرته شيء من الغليان المكبوت وفي عينيه سؤال أكبر من الكلمات
ولماذا تظنين ذلك
كان هناك شيء غريب يتصاعد من أعماقها تلك الليلة شيء لا يعرف إن كان شبحا من الماضي أم نصلا تخفيه خلف ظهرها أراد أن يغوص أكثر أن يشد الخيط حتى ينكشف ما تخفيه لكن حادثة مارينا انفجرت في وجهه كقنبلة دخانية ودفعت به بعيدا نحو فوضى عليه أن يطفئها قبل أن تتسع إذ لم يكن بانتظاره دموع مارينا وحدها بل كان بانتظاره أيضا ثقل وجود كارلتون الرجل الذي يثير الغضب حتى وهو صامت.
مد أحمد إلى سارة بطاقة دخول ذهبية اللون كأنها مفتاح لعالم آخر وقال ببرود عملي يخفي وراءه عاصفة
اذهبي إلى غرفة الضيوف وغيري ملابسك.
هو يعلم أن تغييرها للثوب سيقطع خيوط الربط بينها وبين الغرفة التي وجدت نفسها فيها وأن الشائعات التي بدأت تتكاثر في الفضاء الرقمي يستطيع هو سحقها متى شاء لكن ما لم يكن يعرفه أن سارة تخبئ بين ضلوعها خطة تتنفس وتنتظر اللحظة لتقفز ولكي يمسح آثار الحادثة من ذاكرة الجمع مؤقتا قدم موعد عرض الألعاب النارية ساعتين الثامنة مساء حيث ستنفجر السماء بالألوان وتبتلع الأبصار.
وحين اشتعل الليل بوهج

ناري صار كل من على متن السفينة أسيرا لتلك اللوحات المتطايرة حيث تساقط الشرر كزهور مشتعلة تتفتح في قلب السواد فهرع الحاضرون إلى الشرفات المكللة بالثلج يبحثون عن دفء الجمال وسط برد كانون.
الألعاب النارية ورغم قصر عمرها جعلتهم ينسون ما كان قبل لحظات في تلك اللحظة لم يكن المال ولا السلطة يساويان أكثر من ومضة ضوء قبل أن تنطفئ في فراغ السماء.
أما في زاوية أخرى من المشهد فقد كانت كاليستا تذرف دموعا حارقة مسنودة إلى جدار من الخيبة وإلى جوارها وقف كالفن يضع يده على كتفها صوته مزيج بين العتاب والشفقة
كان ينبغي أن تكوني أذكى من هذا أنت بالغة.
لكنها لم تكن تفكر في الصفعة التي تركت أثرها على وجهها فذلك أقل ما يؤلمها الآن فخوفها الأكبر سارة أو بالأحرى مكانة سارة.
كيف كنت سأعرف أن زوجها هو السيد ميلر نفسه
الفكرة وحدها جعلت قلبها يهبط في صدرها كحجر ثقيل فإن اكتشف أحمد أنها هي من نسجت خيوط هذه المؤامرة فلن تفقد أسهمها في المستشفى فحسب بل ستغرق أسرة كارلتون كلها في مستنقع لن يخرجوا منه أبدا.
قال كالفن بنبرة تأنيب
لهذا قلت لك منذ البداية كان عليك أن تتأكدي ممن تتعاملين معه.
صرخت كاليستا باسمه بحدة لمجرد التمسك بخيط عنادها الأخير
كالفن!
لكنها لم تدرك بعد أن حتى لو كانت سارة قريبة فهي ليست كأي أحد إنها قريبة أحمد ميلر الرجل الذي يحرس ممتلكاته كما يحرس قلبه بحد السيف.
دبت في ساقي
كاليستا رعشة عصبية فضربت الأرض بقدمها في ضيق والقلق يلتهم ملامحها. فهي تعرف أن العالم من حولها ينهار ببطء وأن أبواب هذا الحي المترف ستغلق في وجهها إلى الأبد.
في الممر الطويل المكسو بضوء أصفر باهت ظهرت سارة كظل ينساب بهدوء كأنها شبح يعرف طريقه جيدا في بيت غريب. كانت خطواتها باردة وكل نفس منها يجر وراءه موجة من الصمت المقلق.
تجمدت كاليستا حين أبصرتها بعينين اتسعتا على حافة الخوف لكن تحت ذلك الخوف كانت جمرة حقد تتوهج فرفعت ذقنها بقدر ما سمح لها ترددها وقذفت الكلمات بلسان حاد كزجاج مكسور
لا تتكبري 
قالت سارة بابتسامة تحمل طعم السم
لقد أسأت إلي كاليستا وآن أوان عقابك.
لم تكن تدرك أنها تتحدث إلى زوجة أحمد السابقة وأن الحبل الذي تلعب به مشدود على عنقها هي لا عنق سارة.
أما كالفن فقد كان يراقب المشهد بنصف ابتسامة مرهقة يتأمل غباء كاليستا كمن يحملق بهاوية يعرف عمقها لكنه لم يفكر في إنقاذها الأسرار التي يحملها ليست للبيع.
تقدم خطوة واضعا جسده حاجزا بين الاثنتين وقال بلهجة هادئة تحاول احتواء التوتر
سارة لا تلوميها فهي لا تفكر قبل أن تنطق.
لم تجبه مباشرة بل اكتفت بإيماءة صامتة نحوه وكأن بينهما لغة غير مرئية اتفاق مكتوم على ما يعرفانه عن بعضهما. ثم وجهت عينيها نحو كاليستا بنظرة كانت أبرد من رخام مبلل وصوتها انساب ببطء لكنه حمل ثقلا يخرب الداخل
وماذا لو لم يكن لي حرية
اختيار حياتي يظل لدي الحق في اختيار طريقة موتي.
سقطت الجملة على أذن كاليستا كحجر في بئر عميقة فتشظت داخلها الحيرة والارتباكفتجمدت ابتسامتها وتقلصت أنفاسها حتى صارت كزجاجة مغلقة على هواء فاسد.
همست كاليستا وهي تلتفت إلى كالفن تستجدي تفسيرا
ألا تراها تتصرف بغرابة ما الذي تقصده
رد دون أن ينظر إليها وعيناه تتابعان سارة وهي تمضي بعيدا
لا أعلم لكنني لا أشعر بخير حيال ما سمعته.
وفي الخارج كان عرض الألعاب النارية لا يزال يمزق سماء الليل بألوان تشتعل وتنطفئ حتى بدا الليل نهارا مؤقتا نهارا يتنفس برائحة البارود والثلج.
بعيدا عن الحشد كان كونور يجلس بملامح منكمشة فهو لم يكن يحب الضوضاء وتلك الأضواء الصاخبة تربكه.
همست مارينا لخادمتها أن تعيده إلى غرفته فقد حان موعد نومه.
حملته مينا بين ذراعيها لكن عينيه الصغيرتين علقتا بكعكة موضوعة على طاولة قريبة فراح يشير إليها بإصرار.
قالت له مارينا برفق وهي تربت على ظهره
سيد كونور لا يجوز لك أكل الحلويات في الليل ستؤذي أسنانك.
لكنه لم يتراجع كان في ذهنه طعم آخر طعم الكعكة صنعتها سارة ذلك اليوم وكأنه يراها الآن تتبخر في الهواء.
لماذا لم يحصل على قطعة منها
استسلمت مينا ومن ثم أنزلته على الأرض وقالت
انتظر هنا لحظة يا سيد كونور سأحضر لك القليل.
وما إن ابتعدت حتى رأى كونور ظلا أنيقا يعبر الممر كانت هي.
أضاءت عيناه فجأة كما لو أن كل ألوان
الألعاب النارية التي في الخارج قد انفجرت داخله.


تعليقات