رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل المائة والثالث والثلاثون 133 بقلم اسماء حميدة


 رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل المائة والثالث والثلاثون 

لطالما ظل كونور يحتفظ بصورة لها في قلبه صورة لوجه يطل من ضباب الذاكرة وجه يعرفه القلب قبل العين وعندما رآها أخيرا لم يفكر لم يزن خطواته بل اندفع نحوها بخطوات صغيرة متمايلة كأن الأرض نفسها كانت تدفعه إليها.
ابتسمت سارة ابتسامة هادئة كضوء شمعة في غرفة معتمة ومدت يدها نحوه يد رقيقة لكن في أطرافها قوة غريبة وقالت بصوت ناعم يشبه ارتجاف أوتار الكمان
عزيزي كونور هل تريد الرحيل معي
لم يدرك الطفل المعنى الكامل للكلمات لكنه أدرك شيئا واحدا تلك اليد الممتدة كانت وعدا بالدفء لذا لم يتردد بل وضع كفه الصغير الممتلئ في يدها كما يتشبث الغريق بيد منقذه.
رفعته سارة من على الأرض بخفة يفركه برفق كما يفعل جرو صغير يبحث عن أمانه الأول قبل أن يهمس بصوت طفولي محمل بكل براءة الكون
ماما
نظرت إليه سارة بعينين غارقتين في حنان عميق عيني امرأة تعرف أن هذا القلب الصغير لم يفهم حدود الأسماء والدم بعد ومن ثم همست بابتسامة خفيفة تخفي في عمقها ارتعاشة شعور لا يسمى
يا غبي الصغير لست أمك لكن يمكنك أن

تناديني عمتك.
في الخارج كان الليل مشغولا بانفجارات الضوء والألوان تتمزق في السماء فوق مقدمة السفينة والجميع هناك مشدودون نحو العرض. فلم يلحظ أحد أن سارة تحمل الطفل بين ذراعيها تمضي به بخفة ظل في عالم مغمور بالضوضاء لكنهما في تلك اللحظة كانا يعيشان صمتهما الخاص.
اقتادت سارة الصغير كونور إلى حجرتها. كانت الغرفة هادئة إلا من أنفاسهما وفي منتصف الطاولة استقرت كعكة صغيرة تنتظر لحظة الميلاد التي لن تتكرر. وضعت على رأسه قبعة عيد ميلاد زاهية الألوان وأشعلت شمعة وحيدة ترقص لهبها كأنها تحاول أن تهمس بسر ما وبصوت خافت بدأ لحن أغنية الميلاد ينساب من بين شفتيها لحن مكسور الحروف لكنه مشبع بدفء لا يملكه إلا قلب أم فقدت كل شيء.
لم يفهم كونور ما تفعل لكنه ابتسميبتسم لكل ما تفعله كما لو أن بساطته تمنحه قدرة على تصديق أي سحر.
مدت سارة يدها إلى صندوق خشبي صغير وأخرجت عقدا من الزمرد تتلألأ حباته الخضراء تحت ضوء الشمعة كقطرات مطر محتجزة داخل حجر كريم وعلى جانبه كان محفورا اسم كونور.
قالت وهي تتأمل
العقد
لقد أعددت هذا لابني لكنني لم أستطع أن أضعه حول عنقه وبما أنك تشاركه الاسم فسأهديك إياه.
مد الصغير يده في براءة ليلتقطه وضحكته خرجت بطريقة جعلت قلبها يرتجف كانت نسخة مصغرة من ضحكة أحمد ومن ثم علقت القلادة حول رقبته انحنت وقبلت وجنته برفق
عيد ميلاد سعيد يا كونور.
في عينيها كانت صورة لطفل لم يأت لكنها تعرف أنه لو عاش لكان وجهه هكذا.
قطعت شريحتين من الكعكة وأزالت بعناية طبقة الكريمة والفواكه حتى صارت مناسبة لطفل أمسك كونور الملعقة لكنه لم يعرف كيف يستعملها فتململ ثم انحنى نحو الطبق ولعق الكريمة بطرف لسانه لذا التصقت نقط بيضاء صغيرة على أنفه فابتسمت سارة وقالت بملامح دافئة
انظر إليك غارق في الكريمة.
بدأت تطعمه لقمة بعد لقمة لكن كل لقمة كانت تسحب من قلبها دمعة فلم تستطع وقف سيل الدموع رآها كونور تبكي فحاول أن يقلد الكبار في مواساتها قائلا بعفوية محببة
ابكي ابكي
مسحت دموعها وضمته إلى صدرها وهمست بصوت متعب لكنه مملوء حنانا
يا صغيري أنا أيضا رزقت بطفل
لم يفهم لكنه مد يده الصغيرة
ليمسح دموعها فأكملت وكأنها تحكي لشخص من عالم آخر
طفلي رحل ذهب إلى مكان بعيد. أفتقده كل يوم يا صغيري لماذا يجب أن تكون ابن مارينا
جلست به على الأرض تتحدث وكأن الكلمات وحدها تحافظ على توازنها
كنت أميرة صغيرة مثلك. كان لي والدان يملآن عالمي. ثم رحلت أمي فجأة. ركضت خلف سيارتها حتى سقطت أرضا لم تعد. والدي كان كريما رباني وعلمني. ثم أحببت رجلا وحملت بطفلنا. لكن المرض أكل والدي وتفرقت أسرتي ورحل طفلي حتى الرجل الذي أحببته صار عدوي. لماذا أفشل دائما
احاطها الصغير بذراعيه الصغيرتين فشعر بحرارة دموعها وهي تنهمر على عنقه. لم يفهم الحكاية لكنه فهم شيئا واحدا أنه لا يريدها أن تبكي.
قال بصعوبة
ماما لا لا.
مسحت دموعها مرة أخرى ثم وقفت تحمله بين ذراعيها وتوجهت نحو شرفة الطابق الثاني عيناها تحملان سرا لن يعرفه أحد إلا الليل.


تعليقات