رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل المائة والتاسع والثلاثون 139 بقلم اسماء حميدة


 رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل المائة والتاسع والثلاثون 

ركضت مارينا نحو أحمد بخطوات متسارعة، أنفاسها متقطعة، كأن الكلمات تحاول أن تسبقها قبل أن تُنسى:

— "لا بد أنها سارة… فقط انظر إليها يا أحمد… في أسوأ الأحوال لا يزال جيف بين أيدينا. إذا هددناها بجيف… ستعيد كونور."
توقف أحمد فجأة كما لو أن الأرض شدّت قدميه إلى جذورها واستدار ببطء نحوها وعيناه تشعّان بوهج غضبٍ مكتوم كبركانٍ ينتظر الشرارة… فتلعثمت محاولة إيجاد جملة إضافية:
— "أحمد، أنا…"
قاطعها بصوتٍ ثقيلٍ مُثقل بالاحتقار:

— "مارينا… أحيانًا أتساءل ما هذا الهراء الذي يسبح في رأسك."
ثم انحنى قليلًا وصوته يتحوّل إلى همسٍ قاتل، نبراته تتسلل إلى عظامها:

— "أود أن أشق جمجمتك وألقي نظرة… لولا أن كورت لم يعد على قيد الحياة."
ارتجفت مارينا وفجأة أصبح الهواء من حولها أكثر برودة إذ كان الغضب يشتعل في عينيه، غضب حارق لا يطلب شيئًا سوى أن يلتهمها.
كان أحمد على شفا الانفجار… عضلات وجهه مشدودة وكأنها تحبس إعصارًا داخليًا لكن عيناه فضحتا الحقيقة… حقدٌ أسود، وكراهية ثقيلة لها.
— "من الأفضل أن تشرعي بالدعاء ألا يمسّهم سوء… وإلا فلن ينقذ ماركوس أحد حتى لو خرج كورت من قبره وتوسّل إليّ."
شعرت مارينا بقطرات

العرق البارد تتساقط على ظهرها وكأن أحدهم يسكب عليها ماءً من جليد… تهاوت على كرسيها، وجسدها يتخلّى عن صلابته بينما عقلها يعيد السؤال ذاته:
أليس هذا من فعل سارة؟ ماذا حدث لطفلها إذن؟
وقف أحمد أمام الخريطة يحدّق فيها كما يدرس صياد البحر قبل أن يلقي شباكه بينما كان برنت يقرأ الخطوط والتضاريس:
— "هناك أرخبيل قريب… أكثر من ثلاثمائة جزيرة، معظمها غير مأهول."
رفع أحمد رأسه وجاء صوته حاد كالنصل:
— "أرسلوا طائرات بدون طيار… استبعدوا الجزر المأهولة وركّزوا على تلك ذات التضاريس المعقدة… التي تفتقر إلى الموارد الطبيعية ولا أريد أن يشعر الخاطفون بظلّنا… العملية سرية تمامًا."
أجاب برنت بتأكيد:
— "مفهوم."
سأل أحمد بتيقظ:
— "هل استخرجتم بصمات الرصاصة؟"
برنت بنظرة خبير:
— "نعم لكننا بحثنا عنها في قاعدة بياناتنا… ولا تطابق حتى الآن."
أصدر أحمد أوامره بحنكة:
— "إذًا، نبحث عن السلاح نفسه. حلّلوا الرصاصة وتتبعوا مصدرها في السوق السوداء… هذه الأسلحة نادرة… وأي أثر قد يقودنا إليهم."
شرع برنت في التحرك قائلاً:
— "أوامرك سيد ميلر."
استيقظت سارة على حافة الوعي كما لو أن يدًا انتشلتها فجأة من أعماق كابوس غارق في الضباب…

لحظة ارتباك ثم تدفقت الذكريات كالسيل دفعتها للجلوس بغتة وعيناها تتسعان في ذهول وأول ما بحثت عنه كان كونور لكن ما استقبلها لم يكن وجهه بل برودة نصلٍ يلامس عنقها.
جاء الصوت خلفها أجشّ يزحف إلى أذنيها كحصى يُسحق تحت الأقدام:

— "لا تتحرّكي."

التفتت ببطء بعينين تبحثان عن أي مخرج لتجد نفسها في كوخ مهترئ الجدران، تتسرب من شقوقه روائح الملح والرطوبة… البحر قريبًا… قريبًا لدرجة أن صوت الموج وهو يصفع الصخور كان يبدو وكأنه يضرب صدرها مباشرة.

من طرف عينها لمحَت الرجل الذي يقيّد حريتها. ثيابه سوداء قاتمة كقطعة من الليل، والنصل الذي يضغط على بشرتها لامع، حادّ، كما لو أنه شُحِذ على نصل الانتقام نفسه… انقبض قلبها أكثر حين لم ترَ كونور في أي زاوية من الزوايا الموحشة.

قالت سارة بصوت مضغوط بالخوف لكن محاط بظل من السيطرة:

— "لن أتحرك… فقط كن لطيفًا."

سألها ونبرة الاستجواب في صوته كالسياط:

— "أخبِريني… لمَ قفزتِ على القارب الليلة الماضية؟"

لم تكن تعرف من هم هؤلاء الرجال… لكن حدسها أخبرها أن نظرية عدو عدوّها ربما تكون طوق نجاتها الأخير.

— "فعلتُ ذلك… من أجل الطفل."

قطّب حاجبيه وكأنه لا يستوعب:

— "حسب

علمي… أنتِ لستِ أمه ولا مربيته. خاطرتِ بحياتك من أجل ابن غريب؟"
ابتسمت سارة ابتسامة مائلة، يختلط فيها السخرية بمرارة الجرح:

— "ابن غريب؟… بل ابن عدوّي تحديدًا."

لم ينتظر منها شرحًا لكنها انطلقت تتكلم بمكر كما لو أن جرحها قد وجد أخيرًا فُتحة ليتقيّأ كل ما فيه:

— "قبل عامين… كان لديّ بيت دافئ، وزوج محب وأمان ممتد كأفق البحر… حتى جاءت هي… امرأة باردة العيون أنجبت منه طفلًا ثم دفعتني من على ظهر سفينة سياحية في شتاء قارس… كنت حينها حاملاً."

توقفت لحظة تبتلع غصّة عالقة بحلقها، ثم تابعت بصوت تخنقه الذكرى:

— "في تلك الليلة فقدتُ طفلي… وزوجي… وانكسر كل شيء… مرض والدي ودخل في غيبوبة لم يفق منها حتى الآن… انهارت عائلتي، انهار كل ما كنت أعرفه. ثم تزوجت تلك المرأة من زوجي وجلست على مقعدي وأصبحت السيدة ميلر الجديدة… حتى إنها أقامت حفلة عيد ميلاد لابنها على أنقاض حياتي."

كانت أسنانها تصطك بعضها حين أنهت الجملة وكأنها تطحن السنوات التي سُرقت منها. لم يتوقع الرجل أن يحصل من سؤاله البسيط على خيط قصة معقدة مليئة بالدماء والملح والخذلان.

همس بدهشة:

— "أنتِ…"

أغمضت عينيها وتنفست ببطء كمن يستجمع شظايا

نفسه قبل أن تقول ببرود يلسع:
— "نعم… أنا… زوجة أحمد ميلر السابقة."

 

تعليقات