رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل المائة والثامن والثلاثون
رست السفينة السياحية قبل موعدها كوحش بحري عاد جريحا من معركة في أعماق لا يجرؤ أحد على ذكر اسمها.
كانت السماء لا تزال تمسك بآخر خيوط الليل والفجر لم يمد أصابعه بعد إلى صفحة الماء.
أما الركاب بأعين مثقلة بالسهر والدهشة تبادلوا همسات غامضة
لماذا انقلب العرس فجأة إلى وداع ولماذا انتهى الحفل قبل أن يكتمل المشهد الأخير
وما إن خلت السفينة من الضيوف حتى دوى صوت مارينا كصفارة إنذار في ممرات الصمت
لماذا لم ترسلوا أحدا وراء سارة تلك الملعونة تواطأت مع الخاطفين لأخذ ابني! هي
كلماتها كانت كالسياط وأحمد شعر بها تحرق جدار أذنه لكن برنت هو من اهتز أولا ورغبة جامحة في إسكاتها كادت تدفعه لصفعها وفي لحظة غضب ركض نحو باب إحدى الغرف وركله بقوة لتنكشف خلفه صورة الجاني الذي أدخل الفوضى إلى قلب الحفل ماركوس عم مارينا.
تجمدت ملامح مارينا عند رؤيته قبل أن تنفجر غاضبة
ما معنى هذا! أنت لا تبحث عن سارة بل أحضرت عمي إلى هنا!
التفت أحمد إليها وصوته انطلق مثل هدير بحر في ليلة عاصفة
أتريدين أن تعرفي ما معنى هذا لما لا تشرحون أنتم أولا
جلس أحمد على الأريكة كتفاه يثقلان الغرفة
بظل من الغضب ثم رمى على الطاولة كومة من الإيصالات كمن يلقي أوراق إدانة فوق نعش الحقيقة.
خصصت مليون دولار لعيد ميلاد كونور كم أنفق
كان ماركوس الأخ الوحيد لهيلين والدة مارينا رجلا عاش دوما في ظل الشفقة التي أغدقها عليه آل كارلتون بعد موت أخته. لكنه كعادة من يعتاد الأمان استسلم للكسل ووجد في المقامرة هويته الوحيدة.
رفع أحمد رأسه وصوته الخشن كحجر يسقط في بئر عميق
كان مقبولا لو أردت فقط أن تمنحي عمك فرصة ربح. لكن هل فكرت يوما إن كان مستعدا لهذا الدور خفض التكاليف بشراء طعام فاسد وهذا قد يغتفر. لكنه طرد فريق الأمن المحترف الذي دفعت له مبالغ طائلة واستبدله بمرتزقة من الشوارع بالكاد يعرفون الفرق بين حراسة شخص وبين إشعال سيجارة.
كانت الكلمات تسيل في الغرفة مثل بخار خانق
أثناء عملية الاختطاف كان هؤلاء الحمقى منهمكين في إشعال الألعاب النارية ومشاهدة العرض تاركين السفينة بلا عيون ولا دروع. افتقارهم للاحترافية لم يكن خطأ كان جريمة!
حاول ماركوس أن يتقدم خطوة وصوته متلعثم بين الخوف والرجاء
سيد ميلر أرجوك دعني أشرح. أنا
لكن جملة الدفاع بدت هزيلة أمام الحفرة السوداء
التي كانت تتسع في عيني أحمد.
كان أحمد قد نهض بالفعل وجسده يصنع جدارا من الظلال فوق ماركوس كأنما جبلا انحنى ليهدد صخرة صغيرة تحت قدميه. عيناه تتوهجان بلهيب أحمر وفي صمته كان صوت الرعد يتكور في صدره.
اقترب منه بخطوات بطيئة ثقيلة كأن الأرض ترهق من حمل الغضب الذي يسري في عروقه.
لتوفير المال أبقيت الطهاة الأصليين لكنك طردت متدربيهم وجلبت أنصاف رجال بأجور تافهة لملء الفراغ. ما رأيك بالسفينة حديقتك الخلفية ملعب صغارك
نهض ماركوس مرتبكا يبحث عن أي جملة يمكن أن تنقذه من هذا الإعصار البشري الذي يقترب
أنا أردت فقط مساعدتك على خفض التكاليف أموالك لا تنمو على
لكن الجملة انكسرت قبل أن تكتمل حين ارتفعت قدم أحمد فجأة وركله بأسفل قفصه الصدري فسقط ماركوس على الفور بينما صرخته خرجت متحشرجة ثم تحولت إلى شهقة استغاثة ومن ثم التقت عيناه المرتجفتان بنظرة أحمد الحادة فسكت بينما أضاف ميلر بصوت غاضب
هؤلاء الذين سمحت لهم بالصعود دخلوا لأنك لم تكلف نفسك حتى التحقق من خلفياتهم ابني اختطف لأنك أردت أن تسرق من أرباح الحفل! وإن مسه مكروه أقسم أنني سأطعمك لأسماك القرش وأنا أبتسم.
على
الطاولة كانت الإيصالات تتناثر كأوراق إدانة. التقطت مارينا إحداها تحدق فيها وقد جف حلقها حينما رأت قبح ما ترمقه سعر البيض وحده خمسة أضعاف سعر السوق. كانت تعرف أن عمها جشع لكنها لم تتخيل أن شهيته للمال يمكن أن تلتهم حتى شرف العائلة.
عمي كل هذا خطؤك! صاحت وألقت الأوراق على وجهه كمن يسكب نارا.
رفع ماركوس يديه متوسلا
كيف لي أن أعرف أن الأمر سينتهي هكذا لقد جلبت شخصا لتدريبهم مسبقا! لا يمكنك أن تلومني على اختطاف كونور أنا
لم يتركه أحمد يتم الجملة بل وضع قدمه على كتفه وداس بقوة حتى تلوى الرجل المسجى أرضا تحت وزنه ومن ثم هدر فيه بصوت كالرعد
إن كذبت بكلمة أخرى سأقطع لسانك وأتركه يتلوى أمامك.
غريزيا رفع ماركوس يديه ليغطي فمه وارتجف جسده كله كطفل ضل طريقه في غابة ليلية.
في صدر أحمد كان الغضب يتصاعد حتى بدا له أن قتل ماركوس سيكون ببساطة إطفاء شمعة في عاصفة أحمد الذي تذكر وجه سارة وكونور وهما يقتادان بعيدا والسبب جالس أمامه الآن يتنفس.
فتح الباب فجأة وعاد برنت من الخارج ملامحه مغيمة بما حمله من خبر
حاولنا تتبع نظام تحديد المواقع في هاتف السيدة سارة لكن هناك
وتوقف
وكأن بقية الجملة كانت أثقل من أن تقال.