رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل المائة والواحد والاربعون
قال جيري على عجل كمن يلقي بحجر في بحيرة هادئة:
— "هذا لن يفلح… نريده من أجل طلب فدية."
لم تكد الكلمة تغادر شفتيه حتى هوت يد توم على رأسه بضربة جافة ممزوجة بالغضب والحرج:
— "أيها الأحمق! لماذا تنطق بما يجب أن يُدفن؟ أما كنت قادرًا على كتمان سرّك؟"
تسمرت سارة في مكانها وعيناها تتسعان بدهشة كمن تكتشف جانبًا عبثيًا من هذا الخطر الذي يحيط بها. أي جراءة هذه؟ أن يتحدث أحدهم بلا مبالاة عن فدية وكأنهم لا يقفون على شفا هاوية وكأن رجال أحمد لن يقتحموا مخبأهم في أية لحظة قبل حتى أن يكتبوا السطور الأولى من خطاب الفدية.
قالت وصوتها يتلوّن بمزيج من الفضول والتهكم:
— "وكم… المبلغ الذي تفكرون في طلبه؟"
رفع توم إصبعه بعفوية الواثق من رأيه:
— "إنه غني… لذا مليون دولار على الأقل."
حدقت فيه سارة للحظة وفي عينيها ومضة استغراب لم تحاول إخفاءها، تكرر بصدمة:
— "مليون دولار؟"
كان الرقم بالنسبة لها مضحكًا على نحوٍ مأساوي… مبلغ ضخم في نظرهم لكن أحمد ربما يراه إهانة… ربما سيعتبره مزحة رديئة من عصابة مراهقين.
التقط توم تلك النظرة التي مزّقت ثقته فجأة فتلعثم
قبل أن يقول:
— "أليس من المفترض أنه غني… قادر على دفع مليون، أليس كذلك؟ وإن لم يكن فخمسمئة ألف تكفي."
رفعت سارة يدها تمسح على وجهها بنفاذ صبر كما لو أنها تحاول أن تحجب عن عينيها عبثية الموقف… للمرة الأولى شعرت بشيء غريب فقد تعاطفت مع لصوصها الأغبياء فلو طلبوا مليونًا ربما سيسمح لهم أحمد بالرحيل بسلام. أما إذا خفّضوا الرقم فسوف يلقي بهم للبحر طُعمًا لأسماك القرش.
قطع جيري الصمت بصوت متردد كمن يختبر المياه قبل أن يخطو:
— "أمم… هل يُعقل أنه لا يملك حتى نصف مليون؟ حسنًا ماذا عن مئتي ألف؟"
تنفست سارة بحدة تتنهد بثقلٍ وهي ترى السعر ينحدر أمامها كقيمة حياتهم نفسها إلى أن صار الموقف برمته أقرب إلى نكتة سوداء تتنفس في قلب الخطر.
قال جيري وهو يرمق توم بنظرة مشوبة بالقلق وكأنه اكتشف فجوةً في خطتهم:
— "يا توم… سمعتُ من قبل أن بعض الأثرياء ليسوا كما يبدون، مظهرهم صاخب، لكن جيوبهم مثقوبة، وديونهم للبنوك تلتف حولهم كالأفاعي… أتظن أن أحمد مفلس؟ هل أضعنا جهدنا في خطف طفله؟"
كانت سارة على وشك الانفجار من سخافة النقاش فقاطعتهم بجدية يكسوها نفاد الصبر:
— "لماذا
لا ترفعان الفدية قليلًا؟ وإلا فقد يظن أحمد أنكما تتهكمان عليه."
مدّ توم إصبعيه في الهواء كمن يعرض صفقة خرافية في سوق شعبي:
— "حسنًا… مليونا دولار إذًا. هل نحن جشعان؟"
وضعت سارة يدها على صدرها وهي تردد في سرّها: يا إلهي… من أين هبط هؤلاء على حياتي؟ ثم تمتمت بنبرة تحريضية:
— "المزيد…"
تدخل جاك وجاء صوته غليظ كمن يلقي برصاصة في قلب الصمت:
— "خمسة ملايين دولار."
قالت سارة وهي تبتسم بخبث:
— "لا تكن جبانًا… أضف رقمًا آخر!"
ارتفع حاجبا توم في ذهول وهو يلفظ الكلمات كما لو كانت حجارة ضخمة:
— "خمسون… مليون دولار؟ يا أمي!"
اقتربت سارة خطوة وكأنها تدفعهم نحو هاوية من الأرقام:
— "خمسمائة مليون دولار."
قالتها وأصاب جيري مسّ من الجنون؛ إذ ترنح وسقط أرضًا يصرخ وهو يحدّق في السقف:
— "توم! كم يساوي خمسامئة مليون؟ هل هو أكثر من عدد أعشاب الجبال كلها؟ آنسة… هل تسخرين منّا؟"
زفرت سارة بحنق ثم قالت بصوت ثابت:
— "هل تعلم كم أنفقوا على الألعاب النارية الليلة الماضية؟"
تجمد توم في مكانه وبدأ يحرك رأسه بتفكير طفولي:
— "كانت ألعابًا نارية ساحرة… ظللت أحدّق
فيها طويلًا… تمنيت لو استطعت جلب بعض منها لأمي وجدتي لكانتا أسعد الناس… فقد اشترى لي جاك ذات مرة ألعابًا نارية بخمسة دولارات… إذًا ربما كلّف عرض البارحة بضعة آلاف."
ابتسمت سارة ابتسامة مشوبة بالشفقة، ثم همست:
— "أضف بعض الأصفار إلى ذلك… نحن نتحدث عن عشرات الملايين."
حينها هوى توم بجانب جيري… فمه مفتوح وكأن الكلمات هربت منه إلى الأبد.
في تلك اللحظة أدركت سارة ملامح خلفيتهم… هؤلاء ليسوا لصوص محترفون بل صبية بجهل بريء وأحلام أكبر من عقولهم. فقالت:
— "أنا فضولية… كيف وصل أمثالكم إلى السفينة؟"
أجاب توم بسرعة يخشى أن يسبقه جاك بالكلمة:
— "قبل مدة، نزل جاك إلى الشاطئ لشراء بعض المستلزمات… هناك سمع أن السيدة كارلتون تُعد لاحتفال أسطوري بعيد ميلاد ابنها الأول بإنفاق يفوق الخيال…. أردنا أن نقوم بصفقة العمر وصادف أنهم كانوا يبحثون عن حراس شخصيين للرحلة… فتقدم جاك والباقي تعرفينه."
اتسعت عينا سارة بدهشة تحاول التوفيق بين هذه الحكاية الساذجة وحقيقة أن برنت بحكم عمله لا يوظف إلا من يضع حياته رهينة ولائهم… فهمست بصدمة:
— "هذا… كل شيء؟"
دا ميلر هيعمل
منك ومنهم بطاطس محمرة.