رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل المائة والثاني والاربعون
كان وجه توم يتلألأ بنشوة الانتصار وكأن صفقة العمر قد أبرمت للتو فارتفع صوته مفعما بالحماسة
أجل! جاك أخبر المسؤول أنه سيجلب مساعدين وسنتقاضى وجبات بدلا من المال.
ابتسم ابتسامة ماكرة وهو يتابع
والمدير السيد جيبسون لم يتردد لحظة في الموافقة.
في المطبخ كان العطر الدافئ للطعام يتسلل إلى الحواس حتى بدا وكأنه يوقظ ذاكرة الجوع من سباتها حكى توم يستعيد المشهد
أكلنا حتى الشبع حتى أنني لم أستطع مقاومة أخذ بعض الطعام معي عند المغادرة.
كانت سارة وهي تصغي إليهم تشعر بأن خيوط الفهم تتشابك أخيرا في عقلها هؤلاء المبتدئون لم يكن نجاحهم وليد مهارة خارقة بل مجرد حظ وقح
ربما لم يخطر ببال ماركوس جيبسون أن يجرؤ أحد على إثارة الفوضى فوق سفينته أو أن يتجرأ أحدهم على اختطاف كونور وربما لم يتخيل أحمد ورجاله أن وظيفة الحارس الشخصي ليست سوى اسم على ورق بلا سيف ولا درع وهكذا مضوا في لعبتهم حتى بلغوا غايتهم وكأن القدر كان يصفق لهم من بعيد.
ضحكت سارة في داخلها من غرابة الموقف مزيج من العبث والمصادفة السخية ثم حركت بصرها نحو توم وسألت ببرود متعمد
إذن أنتم تفعلون هذا من أجل المال أين الطفل
رد جيري وقد انحنت شفتاه بشكوى ثقيلة
إنه
مع جدتي يشرب بلا توقف حتى كاد أن يلتهم كل الحليب الذي نحلبه.
كانت عين سارة تراقب الاثنين وهي تقذف بأسئلتها كسهام متتالية بينما ظل جاك واقفا على الهامش ساكنا كتمثال حجري يراقبها بعينين تلتقطان أكثر مما تكشفان.
وأخيرا اخترق صمتهما صوته العميق كنسيم بارد يمر في غرفة مغلقة
هل انتهيت من الأسئلة
كادت سارة أن تفتح فمها لتقول شيئا لكن بريقا مفاجئا قطع أنفاسها إذ كان الرجل قد أدار الخنجر بين أصابعه بخفة ساحر يهيئ خديعته الأخيرة وفي ومضة خاطفة التصق النصل الباردة بعنقها وكأنها خط من جليد رسم على بشرتها تهديدا صامتا.
انفجر صوته فجأة عميقا وحادا كالسكين
تكلمي من أنت بالضبط
تسللت القشعريرة عبر عمودها الفقري كأفعى تزحف ببطء على فريستها فبالرغم من أنها باتت تعرف أن الشابين مجرد مبتدئين لكن هذا الرجل من معدن آخر عيناه خلف القناع لم تكونا مجرد عينين كانتا شقين ضيقين يطل منهما ثعبان يترصد اللحظة التي يضعف فيها نبض فريسته قبل الانقضاض لم يكن ينظر إليها بل ينفذ من خلالها كأنه يقرأ ما وراء عظامها أضاف چاك ببرود أثقل من الرصاص
إن تجرأت على إخفاء أي شيء مرة أخرى سأمزقك الآن ولن يعرف أحد أنك مت هنا.
كان بجوار النافذة الخشبية وقامته
الطويلة تحجب ما تبقى من ضوء الشمس المتسلل من الخارج وكأنه سد بين عالمين الحياة والموت والقناع يخفي ملامحه إلا شفتيه المزمومتين بإحكام كخط مغلق على أسرار لا تقال وفي عينيه ارتجف بريق قاتل واضح لدرجة أن قلب سارة خفق كطبول حرب.
ربما ما قالته بعد أن تخلت عن حذرها كان سببا في زيادة شكوكه لكن في داخلها لم تكن ترى الشابين شريرين ولأنهما مرتبطان بجاك أرادت أن تراهن أن جاك ليس سيئا هو الآخر.
قالت بثبات ظاهري يخفي ارتجافا داخليا
أنا لا أكذب يمكنك أن ترى الصور التي التقطتها معه على هاتفي.
أخرجت هاتفها الذي فقد أي أثر للإشارة وفتحت ألبوما لم تسمح لأحد أن يلمسه من قبل كان الألبوم بين يديها كصندوق أسرار انفتح على ماض لا تظن أنها ستعود إليه. صور التقطتها خلسة لأحمد مرة منحن على عمله وأخرى يغط في النوم كطفل أرهقته الحياة وثالثة وهو يحتسي قهوته كأنه يعقد هدنة مؤقتة مع الدنيا.
وفي صورة بعينها كانت هي بجواره وجهها متجمد في ملامح مضحكة بينما هو غارق في سباته غير مدرك لجنونها الصغير كان الألبوم يصرخ بالحقيقة ذاتها كانت تحيا أياما يملؤها عبث دافئ وتاريخ يكسوه دفء اللحظات البسيطة.
ثم جاءت صور ما بعد الحمل... حيث كان الغياب سيد المشهد.
أحمد اختفى وكأن الأرض ابتلعته وحدها كانت أمام الكاميرا بطنها الثقيل يسبقها وابتسامة خافتة ترتجف على شفتيها كشمعة تكافح الريح.
رفعت رأسها وعيناها تلمعان بصدق مثخن بالوجع
لا توجد كذبة في قصتي... لكن هناك حقيقة خبأتها عنك رغم أنني أكره أحمد ومارينا فإن الطفل بريء.
توقفت
لحظة تلتقط أنفاسها قبل أن تسقط القنبلة التالية بصوت مخنوق
حين رأيتكم تنتزعون الطفل الليلة الماضية تبعتكم بلا وعي بلا خطة... كل ما كان يملأ رأسي أنني أريده سالما لم أتخيل أن جسدي سيخذلني وأن وعيي سيتساقط من فرط الإرهاق.
كلماتها انسكبت كالماء على جليد قلب جاك. فعيناه اللتان طالما ظلتا جافتين غاصتا للحظة في أعماقها ثم أرخى قبضته عنها ببطء وصوته يتلون بالدهشة
أنت... طيبة أكثر مما تظنين.
تنهدت وألقت بصره بعيدا وكأنها تعترف لنفسها
في البداية... كنت أريد أن ألقي الطفل في البحر لكنني تراجعت لم أستطع إيذاء من لم يختر هذه الحرب.
اقتربت منه خطوة وعيناها تبرقان بوضوح لا يحتمل التأويل
طالما أن غايتك المال لا الطفل يمكننا أن نكون حلفاء أنا أكره أحمد أكثر من أي إنسان وأعرف كيف أفك شيفرته أستطيع أن أضمن لك الحصول على المال والعودة سالما وفي المقابل أعطني الطفل
أريد أن أطمئن عليه بنفسي.