رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل المائة والسادس والاربعون 146 بقلم اسماء حميدة


 رواية سيد احمد خالص التعازي في وفاة زوجتك الفصل المائة والسادس والاربعون 

تسلل الصمت بينهما كخيط رفيع يربط عيني جاك بسارة لكن الأخيرة لم تمنحه حتى رفرفة نظرة بل التفتت تحدق في الأفق البعيد ثم قالت بصوت هادئ يخفي خلفه عاصفة
بصراحة لم يكن في نيتي منذ البداية إنني أريد مساعدتكم في الحصول على المال لكن حين تتورط مع ميلر لا سبيل للفرار فبمجرد أن تنالوا الفدية ستسقطون في شركه. وحينها لن تكونوا أنتم الثلاثة وحدكم في الخطر بل الجزيرة بأكملها.
ارتجفت أصابع جاك لا إراديا وهي تلامس شفرة الخنجر المخبأ عند جانبه وكأن جسده سبق تفكيره لكن سارة تابعت دون أن تعبأ بحركته
ذلك كان قبل أن أرى ما لم أكن أتوقعه أنتم فقراء لكن قلوبكم لا تزال تنبض بالبهجة في هذه القرية كبار السن يعانون المرض ولا يملكون ثمن الدواء كثيرون رحلوا لأنهم لم يجدوا علاجا جيري يحلم أن يتعلم الرسم لكنه عاجز حتى عن الإمساك بقلم رصاص يعتبره ثمينا مارثا قصت من قماش ثوبها الناعم لتصنع حفاضة لطفل لم تره من قبل أظن أنني بدأت أفهمك ربما أنت لست من هنا.
ارتسم على شفتيه شبه ابتسامة وهو يجيب ببساطة
لست كذلك.
قالت وقد بدا في صوتها شيء من العزم
أنت تريد أن تبذل كل ما في وسعك لتساعدهم وأنا الآن أشعر

بما تشعر به هذا المكان لا يستحق أن تلطخه يد ذلك العالم القبيح. يجب أن يبقى فرحهم كما هو.
مال برأسه قليلا وهو يسأل بصبر
وماذا تقصدين بذلك
كان صوته حاضنا لا متحفزا لم يذكر شيئا عن خططه لتهديد أحمد بل عاملها كما تعامل الضيفة التي تحترم كلمتها ربما كان هذا اللطف هو ما بدل مسار نواياها فغيرت مقصدها وقالت
أنت تريد المال ولا يهمك من أين يأتي ليس شرطا أن تأخذه من أحمد.
رفعت بصرها إلى عينيه وكأنها تحاول أن تثبت حسن نية لا تحتمل الشك
لدي مال ليس كثيرا بالنسبة للعالم لكنه يكفي ليصنع فرقا هنا.
سألها جاك وهو يضيق عينيه
كم
أجابته والحياء يكسو ملامحها
خمسمائة مليون دولار.
ساد الصمت لحظة وكأن الأرقام لم تجد مكانا في عقله لتستقر فارتسمت على ملامحه الحيرة. وتحت ثقل نظرته أطلقت سارة ضحكة قصيرة ثم قالت
أعرف ما يدور في رأسك لا بد أنك تتساءل من الأحمق الذي يعطي غرباء هذا المبلغ لكن ما قلته لك كان نصف الحكاية فقط هل تريد سماع النصف الآخر
أومأ جاك وفي صوته ما يشبه الفضول المغلف بالتحفظ
تفضلي أنا أستمع.
كان صوت سارة ينساب كالماء بين حصى الشاطئ رقيقا وكأن نسيم المحيط يتكفل بحمل كلماتها إلى مسامع جاك.

كانت عيناها تائهتين نحو الأفق تروي الحكاية كمن تفرغ ما تبقى في صدرها من أنفاس معلقة.
حين انتهتع من الكلام انطلقت من فم جاك جملة حادة كالسيف الذي يقطع صمت الموج
سأقتله من أجلك!
ارتسمت على ثغر سارة ابتسامة واهنة شاحبة كالقمر عند الغروب ثم قالت وهي تهز رأسها بخفة
قتله لن يطيل عمري سأرحل قريبا.
أسندت ظهرها إلى جدار رث خلفهما وأخذت نفسا عميقا كمن يستجمع شجاعته ليقول السر الأخير
تبرعت بخمسمائة مليون دولار لجمعية خيرية والآن وجدت أخيرا أين أضع الخمسمائة مليون الأخرى في النهاية لا يزال ماله لكن دعني أنا أدفع الفدية عنه.
لم يرد جاك وبقي الصمت بينهما متوترا كخيط مشدود بين وترين فأضافت سارة بصوت أكثر خفوتا وكأنها تبوح باعتراف خطير
لا تعبث معه إنه مجنون. والمجانين وحدهم لا يخيفونني لكن حين يكون المجنون غنيا وقويا يصبح الأمر كارثة أنت تظن هذا المكان ملاذا آمنا لكنه سيجده الأمر مسألة وقت.
ألا تكرهينه سأل جاك وعيناه تبحثان عن صدقها في أعماقها.
خفضت بصرها تنظر إلى ذكرى مدفونة في قلبها وقالت بنبرة مجروحة
أحببته وكرهته أيضا وفي أقصى لحظات غضبي تمنيت أن أنتقم منه بقتل ابنه لكن بعد يوم واحد
هنا هدأت وكأن الأمواج غسلت شيئا من روحي.
مدت يدها وتركت أصابعها تلاعب نسيم البحر كطفلة تداعب ظلها ثم همست
أظنني وجدت أخيرا مكانا أنتمي إليه جاك هل يمكنني أن أشتري بخمسمائة مليون مكاني الأخير هنا
كانت تنظر إلى الأفق وكأنها تبرم صفقة مع الحياة نفسها ستبقى حتى تنهي كل الحسابات ستنتقم حين يحين ميعادها ثم تنقطع عن أحمد كما تقطع الحبال القديمة وتدفن جسدها في هذه الجزيرة ليتكفل البحر بحراسة قبرها.
أحس جاك بثقل كلماتها فقد كان يعرف ما يفعله السرطان بأجساد الناس إذ رأى الشيوخ في الجزيرة يذبلون أمامه يموتون على مهل في صمت موجع لكنه لم يتخيل أن هذه المرأة الهشة التي أمامه تحمل ذلك الألم ذاته فلا عجب أنها فقدت وعيها بعد قفزتها من القارب السريع لم تكن شجاعة انتحارية بل كانت هشاشة جسد على وشك الانطفاء فموتها لحظتها أهون من آلام احتضارها بالسرطان.
حسنا. قالها جاك أخيرا وكأنه يوقع معها عقدا صامتا على الموت.
حسنا دع كونور يبقى معي أسبوعا آخر ثم أعيده. قالتها سارة تمنح نفسها بضع لحظات إضافية من الأمل.
تمام. أجاب باقتضاب لكن في صوته ظل من التعاطف.
مد جاك يده فجأة وأمسكها ليجذبها للوقوف ونظر
إليها بنبرة آمرة تكسوها لمسة حنان
تعالي معي.


تعليقات