![]() |
رواية الشبح العاشق الفصل السادس عشر بقلم رباب حسين
كأن العالم يسخر من كل محاولاتي لحمايتك.... كنت أظن أن وقوفي أمامك يكفي ليصد عنك العواصف لكن الحقيقة كانت أقسى من أحلامي..... تساقطت حولي الأسوار واحدًا تلو الأخر وها أنا أقف أمام هزيمتي..... أراك تتألم وأنا عاجزة عن منع الألم.... أراك تبتعد رويدًا وأنا لا أملك سوى البكاء في صمتي.... كم مرة وعدت نفسي أنني سأكون السند الذي لا ينكسر فإذا بي أتحطم قبلك.... اليأس يلتهم قلبي كما يلتهم النار اليابس.... يطفئ داخلي أخر شمعة للأمل..... أشعر أنني خذلتك قبل أن أخذل نفسي وأنني لم أكن سوى ظلٍ ضعيف حاول أن يبدو جبلًا.... كل ما أملكه الآن هو العجز.... وكل ما يملكني هو الندم.... فشلت في أن أكون حاميةٌ لك وفشلت أكثر في أن أكون منقذتك.... ومن بين أنقاض روحي لا يتبقى لي إلا أن أبحث عنك حتى وإن لم أنجح يومًا في إنقاذك من الخطر فسأرحب بالموت بجوارك..... فقد غرقتُ أنا في خطرٍ أكبر : خطر اليأس من نفسي..... ولكن لن أيأس من حمايتك....
من يرانا من بعيد يظن أنني أنا حصنك ولكن ما لم يراه أحد أنني أكثر ضعفًا دونك.... فأنت مصدر قوتي الأساسي ليس هذا السلاح ولا قوة الأجداد.... أبحث عنك كالطفلة التي تبحث عن ظل أبيها في عتمة الظلام.... لا أمل لي ولا حيلة في إيجادك....
كانت تجلس بجوار السيارة تنظر إلى الفراغ في حزن واليأس يسيطر عليها..... أما بنوفيل كانت تطفو عاليًا في السماء تحاول استشعار قوة الشر التي يصدرها السيف حتى حددت قوته فهبطت سريعًا وقالت : لقيته.... يلا يا ليان إمسكي إيدي
وقفت ليان سريعًا وأمسكت يدها لتظهر ليان على صفح جبل ووقع نظرها على وئام وهو ملقى بالأرض فاقد للوعي ويقف شادي بجواره ولؤي يطفو عاليًا ويصدر طاقة السيف نحو وئام.... أشهرت ليان سيفها وأصدرت قوتها في غضب ورفعت السيف عاليًا لتطفو أمام لؤي الذي نظر إليها بغضب وقال : كل ده عشان تحميه.... ده ضعيف.... بصي منظره.... أنا وإنتي هنبقى قوة لا تقهر.... سلاحك وسلاحي محدش هيقدر علينا
ليان : سلاحنا عكس بعض.... إحنا لا يمكن نجتمع في مكان من غير ما يكون في بينا صراع.... وأحب أقولك نهاية الصراع ده إن سيفي هيستقر في صدرك والسلاح ده هدفنه بإيدي
ابتسم لؤي في تهكم وقال : حاولي
ألقت ليان بالسلسال الخاص بوئام إلى جنة وقالت : لبسيهاله.... وخدوه من هنا وامشو
ثم بدأت المبارزة بينهما.... واصطدم السيفان معًا ليخرجا ضوءًا وصوتًا قويًا كلما تلامسا..... كانت المبارزة قوية في حرب بدأت من بداية الخلق حتى الآن وستستمر حتى أخر يوم على الأرض.... حاولت جنة الاقتراب من وئام ولكن شادي يصارعها فقامت بنوفيل بإحاطته بثوبها ولكن استطاع أن يتهرب منها فعلمت بنوفيل بأن لؤي قد منحه قوة من هذا السلاح فأصبح من الصعب التغلب عليه ولابد من أن يقتل بسلاح ليان.... كانت ليان تنظر إلى وئام وهي تصارع لؤي وتجد وجهه يشحب أكثر فأكثر فدفعها لؤي بقوة لتبتعد عنه وسلط سلاحه أكثر على وئام وقال : شوية كمان.... ومش هيقوم تاني أبدًا... اسمعي كلامي وسيبي مالوس.... إنتي عارفة إنه كده كده هيخرج.... سيبيه يخرج وأنا هسيب وئام.... نظرت ليان له في حزن وتنهدت بقوة لتقرر ترك مالوس وتكسر هذا الدرع من حوله فأمسكت سيفها وأغمضت عينيها ليزول الحاجز وخرج مالوس من الكهف... لم تتوقف بنوفيل عن مقاتلة شادي وقامت جنة بمساعدتها حتى استطاعت بنوفيل أن تشتت إنتباهه ووضعت جنة السلسال على رقبة وئام سريعًا ليبتعد عنه الخطر.... نظر شادي له وإلى لؤي واختفى أما لؤي فلم يتوقف عن مقاتلة ليان..... استعاد وئام وعيه ونهض لينظر حوله ليرى أنه على صفح جبل فنظر حوله في ذعر متسائلًا كيف أتى إلى هنا ليلاحظ السلسال حول رقبته وانتبه إلى شكل الحجر الذي بنهاية السلسال فأمسك به ليفتح عينيه بقوة ويستعيد ذكرياته وهو شبح حتى تذكر أنها أبعدته عنها فانسابت دمعة من عينيه وظل ينظر حوله يبحث عنها حتى وجدها تطفو بالهواء عاليًا وتمسك بيدها شئ لا يراه فعلم أنها تحمل سلاحها وتبارز به فصاح بقوة في قلق : ليااااان
تشتت إنتباه ليان فنظرت له واستغل لؤي ذلك فأصابها في ذراعها لتنزف دمًا أسود من ذراعها وخارت قواها فلحقت بنوفيل بها قبل أن تسقط أرضًا من هذا الإرتفاع واستدعى مالوس لؤي فاختفى على الفور.... وجد وئام ليان تنزل ببطئ ويبدو عليها الإعياء فركض إليها حتى وضعتها بنوفيل وجنة أرضًا وضمها إلى صدره فقال في لهفة : ليان.... حبيبتي.... عملك إيه؟!.... ردي عليا
نظرت له ليان في تعجب وهي يبدو عليها التعب كثيرًا فقال : أنا افتكرت.... افتكرت كل حاجة أول ما لمست الحجر
نظرت جنة إلى بنوفيل فقالت : قوتها اللي جوا الحجر فكرته.... صحت الرابط بينهم
نظرت لها ليان ولاحظ وئام أنها تنظر إلى الفراغ فقال : ديه بنوفيل؟!
أماءت له ليان بنعم فقالت بنوفيل : أنا هعالجك.... بس لازم ترتاحي
اقتربت منها ورفعت شريط من ثوبها لتضعه حول ذراعها وقالت ليان : لؤي صابني بالسيف في دراعي.... إنت مش شايف الجرح؟
وئام : لا مش شايفه.... طيب أعالجه إزاي؟
ليان : بنوفيل بتعالجه.... إنت كويس؟
وئام في حزن : كنتي بتحاولي تحميني وأنا غبي مش فاهم.... حقك عليا
ليان : مش مهم.... المهم إن السلسلة ديه هتحميك... إوعى تخلعها مهما حصل
وئام : جبتيها منين ديه؟
ليان : أنا عملتها..... بقوة السيف ونقطة من دمي.... عملت درع حواليك.... أنا شيفاه
بنوفيل : خلصت.... يستحسن ترتاحي.... أنا هنقلكم بس تحبي تروحي فين؟
ليان : بنوفيل بتقول لازم ارتاح.... مش هقدر أروح الكهف دلوقتي.... نروح فين؟
وئام : على المستشفى
وضعت بنوفيل ثوبها عليهما وانتقلت بهما إلى غرفة فارغة بالمشفى وأغلقت الباب من الداخل وقالت : حاولي تنامي
نهضت ليان بصعوبة ووضعت سيفها بالأرض بقوة ليشكل درعًا حولهم جميعًا لتصيح بنوفيل : متستخدميش قوتك دلوقتي
ليان : مش هعرف أنام وأنا قلقانة عليكم.... خليكو جوا الدرع ده
ثم نامت..... ظل وئام بجوارها يتأملها وهي غافية في إعياء ووجها شاحب أما مالوس فقد خرج من الكهف وذهب إلى أحد السراديب التي بها كتب للسحر الأسود واستدعى لؤي وشادي ثم جلس أمامهما وقال : الحرب بدأت.... بنوفيل قدرت تفك شفرة الكتاب وعملت كمان تعوايذ منه.... وده وقت نتحرك فيه بكل قوتنا
لؤي : هنعمل إيه؟
مالوس : هنعمل كتير.... بس لازم نستعد.... عندنا طقوس لازم نعملها قبل ما ليان تستعيد قوتها تاني.... لازم نستعد وإنتو معايا..... بعد الطقوس ديه مش هتبقو مجرد أشباح.... هتبقو حاجة تانية أقوى بكتير
ثم أمسك مالوس بصندوق خشبي صغير وفتحه فإذا بجرس يدوي ملصع بأحجار سوداء فأخرجه من الصندوق ونظر له لؤي وقال : إيه الجرس ده؟
مالوس : جرس الأشباح.... ده اللي هيجيب كل الأشباح اللي شايلة ضغينة عندي هنا... لو كتبنا عليه بالدم اسم شخص معين كل الأشباح اللي حواليه هتقف قدامي
لؤي : هتكتب اسم صادق؟
مالوس : أكيد.... ده أكتر حد قدامي دلوقتي حواليه أشباح كتير وغضبهم شديد
بدأ مالوس في تحضير المكان لعمل طقوس خاصة بالسحر الأسود ولؤي وشادي يشاهدونه في تعجب مما يفعل.... مر الليل ولم تستيقظ ليان حتى اقتربت الشمس من الشروق ووئام مازال بجوارها ينظر إليها في قلق ثم قال بصوت مرتفع : يعني هتفوق إمتى؟.... فهموني أنا قلقان
وجد وئام أحد الأدراج يفتح وخرج من ورقة وقلم وبدأ القلم يكتب على الورقة فقال : جنة؟
كتبت جنة : اه أنا.... مكنش المفروض تستخدم قوتها وهي بالضعف ده.... الدم اللي نزل من دراعها أسود.... السيف سمم جسمها من جوا.... بنوفيل قدرت تخرج السم بس جسمها ضعيف.... ممكن تصحى كمان شوية... متقلقش الجرح بدأ يطيب خلاص
تنهد وئام ونظر لها في حزن وقال : كل ده بسببي
كتبت جنة : بصراحة إنت كنت رخم أوي لو منها مبصش في وشك تاني
ابتسم وئام وقال : هصالحها.... بس تفوق..... ديه وحشاني جدًا هموت واتكلم معاها.... مش مصدق إنها قدامي وأنا خلاص رجعت لجسمي ومحدش هيقدر يأذيها تاني
جنة : بنوفيل بتقولك إنها لسه في خطر وهتفضل على طول في خطر..... قادر تعيش معاها كده؟
وئام : قادر؟!.... ده أنا لو طلبت مني أموت هموت بس أفضل جنبها
ابتسمت بنوفيل وجنة وعاد وئام ليجلس بجوارها..... بالصباح استعادت ليان وعيها ونظرت له لتجده يتأمل وجهها فابتسمت وقالت : صباح الخير
وئام : حمد الله على السلامة حبيبتي
نهضت ليان لتنظر له وهي تبتسم ثم قالت : وحشتني
بنوفيل : طيب نسيبكم مع بعض بقى.... لو احتاجتيني قولي اسمي هجيلك
أماءت لها ليان ثم ذهبا..... وقال وئام : وإنتي كمان
فتح ذراعيه لترتمي بين أحضانه فأغلق عينه في اشتياق وظل يمرر يده على شعرها وقال : مش عارف المفروض أعتذر كام مرة عن معاملتي ليكي
ليان : كتير بصراحة.... إنت ليه غلس كده؟!
وئام : كنت بحاول أهرب منك بس خلاص مفيش فايدة.... أتدبست واللي كان كان
ابتسمت ليان وقالت : عادي ممكن تلحق نفسك وتمشي
وئام : مجنون أنا بقى عشان أمشي واسيبك.... المرة اللي فاتت إنتي اللي بعدتيني وأنا مكنش عندي طريقة امنعك..... بس خلاص المرة ديه هربطك بيا ومش هتقدري تبعدي بمزاجك تاني
ليان : ليه هتحبسني في أوضة؟!.... على العموم كده كده بقيت اعرف اختفي بسهولة وأظهر في مكان تاني
وئام : لا.... هحبسك بس بطريقة تانية
أبعدها عن أحضانه لينظر داخل عينيها وقال : تتجوزيني؟
نظرات له ليان في صدمة ممزوجة بسعادة ولكن اختفت في لحظة وقالت : لا.... كده إنت هتفضل جنبي وهيفضلو يهددوني بيك
وئام : وإنتي هتحميني.... أنا واثق من ده
ليان : لا يا وئام بلاش
وئام : مش هقبل بأي سبب للرفض غير إنك مش عايزاني فقط غير كده مش هسمع.... وهروح أجيب المأذون دلوقتي.... ها عايزاني ولا لا؟
ليان : مش ده السبب للرفض أكيد.... ما أنت عارف أنا بحبك أد إيه
وئام : وأنا بحبك
ظهر الرابط بينهما لتراه ليان وتنظر له ثم تنظر إلى وئام فقال مبتسمًا : الرابط لسه موجود؟
أماءت له ليان بنعم فقال : متحريمناش من بعض يا حبيبتي..... أنا ما صدقت بقيت معاكي بكل جسمي.... اه روحي متعلقة بيكي من زمان لكن تبقي بين إيديا وتقوليلي لا مش موافقة اتجوزك يبقى كنتي تسيبيني للؤي يموتني أحسن
وضعت ليان يدها على فمه وقالت : بعد الشر.... متقولش كده تاني.... أنا مليش حد في الدنيا ديه كلها غيرك.... متقولش الكلمة ديه تاني
أمسك وئام يدها وقال : يبقى نتجوز.... وفي أسرع وقت كمان
ليان : موافقة.... بس أنا عايزة فرح كبير
ضحك وئام وقال : أحلى فرح في الدنيا.... والبيت موجود.... اللي عشنا فيه شبح وبني أدمة هيبقى بيتنا سوا.... اه صحيح إنتي رحتي فين بعد ما سيبتي الشقة؟
ليان : كنت قاعدة في الكهف
وئام في تعجب : مع مالوس؟
ليان : ما أنا كنت حبساه.... ما ده اللي خلى لؤي يهددني بيك.... كان عايزني أخرجه
وئام : إوعى تكوني خرجتيه
ليان : خرجته طبعًا.... بس هو كده كده كان هيخرج.... مش هقدر أمنعه أكتر من كده.... بس مش عارفة ليه قلقانة
وئام : طيب أنا بقول نتجوز بسرعة قبل ما تحصل حرب وإحنا مش حاسين
ضحكت ليان وقالت : أنا بقول كده برده
تم إعلان خطبة وئام وليان في مفاجأة قوية لجميع العاملين بالمشفى.... وتم تحديد ميعاد الزفاف واختيار قاعة أفراح كبيرة لتضم عدد كبير من المدعوين في حفل ضخم كما طلبت ليان..... بعد أسبوع كان وئام يقف بهذه القاعة منتظرًا دخول العروس التي دخلت القاعة وحدها كما يرى المدعوين ولكن بالحقيقة كانت بنوفيل وجنة يطوفان حولها في سعادة وينثران عليها بريق لامع وكأن النجوم تتساقط عليها فكانت تنظر حولها في سعادة ولا أحد يرى هذا الجمال سواها ثم اقتربت من وئام الذي يقف في توتر منتظرًا اقتراب العروس منه وتدمع عيناه من شدة السعادة.... اقتربت منه وأمسك يدها ليقبل رأسها ثم قال : بتبصي حواليكي كده ليه؟
ليان : كان نفسي تشوف بنوفيل وجنة عاملين إيه حواليا
وئام : حاضر.... رجعيني شبح وأنا أشوفهم
ليان : بس.... ده أنا ما صدقت
ضحك وئام وأمسك يدها واقترب من الطاولة ليعقد القران
وفي هذا السرداب يقف مالوس في غرفة كبيرة وقام برسم دائرة بطلاسم ولغة قديمة والنار تشتعل حول الدائرة ثم وقف بالمنتصف وبدأ بقول تعاويذ وعندما انتهى أمسك جرس الأشباح وقام بوضع اسم صادق عليه بدم وطواط ودق به لتتجمع الأشباح التي تحمل ضغينة له بالظهور داخل هذه الدائرة فوقف مالوس خارج الدائرة بجوار لؤي وشادي ثم سأله لؤي : دلوقتي هنعمل إيه فيهم؟
أشار مالوس إلى صندوق خشبي كبير وقال : شايف الصندوق ده.... حفرته من جواه على شكل خنجر.... ده هيبقى السلاح اللي هينقذنا كلنا..... خنجر قوي مش هيقدر حد يتغلب عليه.... وعشان يتكون هنعمل مذبح الصراخ..... صراخ الأشباح دول.... وده دورك
لؤي : يعني إيه دوري؟
مالوس : عذبهم بالسيف بتاعك..... لحد ما يصرخو ويكونو الخنجر اللي منه هنعرف نعمل أسلحة الشر.... ومن دلوقتي اسمك بقى ميناس.... خادم الشر..... يلا عذبهم
سلط ميناس سيفه على الأشباح ليتألمو بشدة وبدأت صرخاتهم التي كونت خنجر النسيان
وبينما يتراقص وئام وليان في سعادة بعد إتمام الزواج وبين المدعوين يقوم مالوس وميناس بالإستعداد لحرب أقوى منهما......
إن خطر الشر لا يكمن في قوته وحدها بل في دهائه فهو لا يهجم مباشرة بل يزرع الشك بين رفاق الطريق ويغوي القلوب بالانتقام السريع حتى يتحول النور نفسه إلى ظلام.... يقيم عرشه على صرخات المقهورين.... يمد يده في ضعف البشر ليجعل من ألامهم وقودًا ومن خوفهم سلاحًا.....