رواية مع وقف التنفيذ الفصل السابع عشر
طرقت مهرة باب شقة فارس وهي تمسك بيدها بطفلين صغيرين بالكاد اتما السنتين من عمرهما ابتسمت أم فارس وهي تفتح لها الباب وتنظر إلى الولدين في يدها وقالت وهي تنحنى لتأخذ
واحدا منهما وتلاعبه:
تعالى يا ام العيال ادخلى
دخلت قهرة وهي تضحك لمداعبة أم فارس و جلست ووضعت طفل منهما على قدمها وأخذت
تهزه و تارجحه و تقول:
اه والله يا طنط .. أنا حاسة اني انا أمهم فعلا
أعطتهم أم فارس أحد قطع الألعاب الصغيرة وهي تقول:
من يوم ما شوفتيهم بعد ما اتولدوا وانت شايلاهم.. بصراحة يا مهرة انت شلتي عبد كبير عن
عبير
وضعت قهرة يديها في خصرها وهي تقول بمشاغبة
مع سلام مش ساعتها كتنووا بتقولوا صغيرة ومش هتعرف مايكروسوفت بالها منهم.. وعزة مش مكفيها
تاخد منهم واحد .. لا كمان كانت طمعانة في اللي حطيت عيني عليه
ضحكت أم فارس وهي تقول باستغراب:
هما طبق كشري بتفرقي فيهم يا بنتي .. دول أطفال
بس عرفت احد بالى منهم ولا لاء؟
قالت ام فارس بإعجاب :
عرفتی وابصملك بالعشرة.
دارت مهرة ببصرها في المنزل وهي تقول:
هو فارس لسه مجاش من الشغل
ضربت أم فارس بيدها على جبينها وهي تقول متذكرة:
الأكل على النار يخرب عقلك يا شهرة نستيني
نهضت واقفة وتابعت وهي في طريقها للمطبخ
ده زمانه جای هو ومراته .. عازمها على الغدا عندنا النهاردة
مطت شفتيها بامتعاض وهي تقول بصوت مرتفع :
الله يكون في عونك يا طنط انا عارفة هتستحمليها ازاي
خرجت أم فارس من المطبخ ونظرت إلى مهرة بعتاب وقالت:
لاء يا مهرة محبش اسمعك بتقولى كده لو فارس سمعك هيزعل أوى... دى مراته برضة
لوحت قهرة بيدها وهي تقول معترضة
مش مرانه .. دي خطيبته بس
ابتسمت أم فارس وهي تقول :
لام مدام كتب كتابه عليها تبقى مراته
عادت للمطبخ ثانية تكمل ما بدأته من طعام الغذاء بينما وضعت مهرة الطفلين على الأريكة وأخذت تلاعبهما وتضاحكهما ببعض الالعاب ثم وضعتهما على الأرض يمرحان بألعابهما ووقفت تنظر الغرفة فارس التي اعتادت الدخول إليها يوميا منذ أن كانت مجرد طفلة, وقفت وسط الغرفة تتأمل المكان حولها وكأنها تدخل لأول مرة وفعلت كما تفعل يوميا, جلست خلف مكتبه الصغير وفتحت أحد أدراجه وأخرجت بعض من صورها الذي التقطت لها وهي صغيرة ومازال فارس محتفظا بها في درج ذكرياته كما يسميه الأملت صورها قليلا وهي تبتسم تارة لصورتها بشعرها الأشعث المتناثر وصورة أخرى بملابس العيد الجديدة وصورة جمعت بينهما وهما ينظران لبعضهما البعض ويخرج كل منهما لسانه للآخر بمشاغبة وهي تحمل دميتها المفضلة باربي هدية فارس لها انتزعها من ذكرياتها صوت ثلاث طرقات على باب الشفة تعرفهم جيدا وتحفظ نغمتهم أعادت الدرج إلى وضعه سريعاً وخرجت مسرعة فوجدت والدته قد سبقتها وفتحت الباب قبلها ورأت دنيا تدلف من الباب ونظرها مصوب باتجاه مهرة برغم من أنها تقبل أم فارس وتصافحها دخل خلفها فارس يلقى السلام فوجد مهرة واقفة مستندة على حافة باب
غرفته المفتوحة, فابتسم لها وقال محذراً بمزاح
عارفة لو لعبتي في شغلى من ورايا هعمل فيكي ايه؟
قالت بالدفاع :
لا والله ما لعبت في حاجة
أبتسم فارس وهو يشير لدنيا موجها حديثه القهرة قائلا:
مش هتسلمي على دنيا؟
نظرت لها شهرة فوجدتها تنظر لها ببرود وتبتسم لها ابتسامة صفراء فبادلتها نفس الابتسامة
ونفس النظرة وهي تضغط كلمتها قائلة:
أهلا
نظرت لها دنيا بحدة وقالت:
يصح بنت كبيرة كده تدخل أوضة راجل غريب ... هي مامتك مبتعلمكيش الحاجات دي ولا ايه نظر لها فارس بضيق ولمعت الدموع في عينيي مهرة بينما قالت أم فارس وهي تنظر لها بجدية:
هي مبتدخلش الأوضة وهو موجود
ثم تابعت بضيق:
مهرة غالية عليا ومحبش حد يكلمها كده ... حتى لو كان فارس نفسه
عقدت دنيا ذراعيها أمام صدرها وقالت بتهكم:
يا طنط انا اللي مرات ابنك مش هيه.
جذبها فارس من ذراعها برفق وقال بحسم
دنیا ، هنتكلم في الموضوع ده كام مرة... مش خلصنا منه قبل كده ولا ايه
تحركت مهرة بانفعال وهي تحبس دموعها واخذت الطفلين وتوجهت بهما إلى الخارج واغلقت الباب خلفها بقوة وصعدت لشقتها دخلت أم فارس المطبخ ودخل خلفها قبل رأسها وقال
معتذرات
أنا آسف يا أمى بالنيابة عنها.. معلش منز علیش علشان خاطری
نظرت له أمه يعتاب وقالت :
فهم مراتك ان قهرة بنتي واللى مبيحبهاش على الأقل يراعى انى بحبها وانها غالية عليا
احاط كتفيها وقال بحنو
ما انت عارفه يا ماما أن شهرة غالية عندى انا كمان ونفسى والله دنيا تحبها بس مش عارف هي
واحدة موقف عدائي منها كده ليه
لاحت ابتسامة وائقة على شفتيها وقالت:
- انا بقى عارفة
رفع حاجبيه متعجباً وقال:
عارفة ايه يا أمي
ربطت على كتفيه قائلة:
مش وقته دلوقتي روح بالا اقعد معاها على ما اخلص الأكل
قبل رأسها مرة أخرى وخرج من المطبخ متوجها إليها، لم يجدها في الصالة الخارجية ، بحث بعينية سريعاً فوجدها بداخل غرفته, دلف خلفها فوجدها تنظر يمنة ويسرة وكانها تبحث عن
شيء، ما لا تعرفه فقال :
في أيه بتدورى على حاجة ؟
كانت تظن أن شهرة ربما تكون قد تركت الفارس رسالة أو شيئاً من هذا القبيل في غرفته ولكنها قالت له :
أبداً مفيش هو انا يعنى اللى اوضتك متحرمة عليا ولا ايه
لفها إليه ورفع رأسها ينظر إليها وقال :
دنيا ... أنت اللى محرمة نفسك عليها .. هو في حد يقعد كاتب كتابه 3 سنين !
أزاحت يديه وقالت حائفة
یوه بقى يا فارس .. أنت كل ما تشوفني تكلمني في الحكاية دى ... وبعدين ما هو عندك صاحبك عمرو مش ده برضه كتب كتابه معانا تقريبا واسه مدخلش لحد دلوقتي
حاول فارس أن يتحكم بأعصابه وكتم غضبه حتى لا تستمع والدته لما يحدث بينهم فأخفض
صوته وقال بضيق:
وأحتا مالنا ومال عمرو... وبعدين هو لو عليه كان زمانه دخل من زمان .. لكن ده من ساعة ما كتب كتابه وزى ما يكونوا بينتقموا منه في شغله ومبهدليتوا في مشاريع يرد القاهرة.. حتى مراته مبيشوفهاش غير مرتين ثلاثة في السنة ...
و زفر بقوة تم تابع قائلاً:
وبعدين هو عنده مشكلة في الشقة.. لكن احنا الشقة اللى هنتجوز فيها موجودة أهي وانت وافقتي لما كتبنا الكتاب وقلتي معندكيش مانه نقعد هنا
شعرت دنيا بالتوتر يسود بينهما وشعرت أن فارس غضبه يتصاعد فحاولت من تخفيف حدة النقاش قليلا فغيرت نبرة صوتها وجعلتها أكثر نعومة وقالت:
مش احنا كنا متفقين لما تخلص الدكتوراة علشان مفيش حاجة تعطلك عن الرسالة وتخلصها بسرعة
وقبل أن يجيب سمع والدته تناديه من الخارج, خرج إليها مسرعاً فقالت:
الغدا خلص تعالى خط الأطباق معايا على السفرة ... وبعد كده الكملوا بعيد عن البيت
أنا وحده عندى الضغط ومش ناقصة حرق دم
أستيقظ بلال من نومه وهو يتململ في فراشه نظر في ساعته بعين مفتوحة وأخرى مغمضة . هب واقفا في سرعة ليلحق بصلاة العصر في المسجد، توضأ وبدل ملابسه وسريعا للخارج.
فوجد عبير تجلس بجوار والدته ويتسامران ... نظر لها بعتاب وقال:
كده برضوا يا عبير ... أنا مش منبه عليكي تصحيني قبل الأذان بربع ساعة
نهضت وقالت معتذره
اسفه والله يا حبيبي كنت هدخل أصحيك من شوية والكلام خدنا انا وماما
نظر إلى والدته وهي تحمل طفله الصغير على قدمها وتلاعبه فقال وهو ينظر حوله:
الله .. اومال فين باقي الولاد نايمين ولا ايه
ضحكت والدته وهي تقول:
لا مش هذا أصلا .. واحد مع عزة واتنين مع مهرة
نظر لهم متعجباً واتجه إلى الباب وهو يتمتم:
واحد مع عزة واتنين مع مهرة... أنا مش عارف هما دول ولادي ولا علية ألوان
ألقى السلام وخرج وأغلق الباب خلفه متوجها للمسجد، جلست عبير وهي تحمل الطفل عن أم
بلال وهي تقول:
والله يا ماما أنا ما كنت عارفة معمل أيه في العيال دي لوحدي ... لولا أن ربنا من عليا بعزة ومهرة وانت كمان يا ماما بتتعبى معانا أوى ربنا يخاليكي لينا
ريتت ام بلال على كتفها برضا وأردفت تقول:
انا مكنتش مستغربة من عزة لأنها كبيرة ماشاء الله وتقدر تخلى بالها من طفل صغير .. اللي كنت مستغربة منه بجد هي شهرة ... تعرفي يا عبير لما شفتها في فرحك حسيت أن البنت دي هتبقى قريبة مننا أوى وحسيت اني اعرفها من زمان ولما ولدتي وجبتي الأربعة ماشاء الله... صممت تيجى تقعد معاكى وأمها بصراحه مقالتش لاء .. وفي أسبوع واحد كانت اتعلمت التعامل مع العيال ازاى ... والعيال كمان اتعلقت بيها أوى بس تعرفي يا عبير أمها كمان بتحبك اوى
ابتسمت عبير وهي تقول:
أم يحيى دى غلبانة أوى يا ماما .. هي اللي شايلة بينها على كتفها.. جوزها أصلا بيخرج الفجر مبيرجعش غير نص الليل ولا يعرف حاجة عن ولادوا ومكبر دماغوا .. لما كلمتها عن الصلاة لقيتها يا عيني متعرفش حاجة ومن ساعة ما اتعلمت وهي مواظبة عليها وبتحبني أوى من ساعتها
عندما عاد بلال من المسجد وجدهما في مكانهما كما تركهما، دخل وأغلق الباب خلفه ينظر إليهم بابتسامة وهو يردد دعاء دخول المنزل أقبلت عبير عليه بابتسامة فقبلها على جبينها واتجه إلى أمه وقبل كلها وحمل عنها الصغير فقالت عبير :
توالي محضر الغدا .....
أوقفها نداء زوجها فالتفتت إليه متسائلة فاقترب منها قائلا:
- صليتي العصر
قالت بسرعة وهي تستدير التوجه للمطبخ مرة أخرى:
لاء لسه ... محضر الغدا واروح اصليه
جذبها من ساعدها برفق وقال:
تعالی یا عبیر عاوزك في كلمتين
أخذها ودخل بها غرفتهما وأغلقها خلفه, استدار لها ينظر إليها، وابتسم وهو يقترب منها
ويتحسس وجنتها بأنامله في رقة وقال :
انا زعلان منك أوى يا حبيبتي
قطيت جبينها وقالت بلهفة :
ليه يا بلال أنا عملت ايه
قال وهو مازال يداعب وجنتها برفق
على ملاحظة انك من ساعة ما ربنا رزقنا بالأولاد وانت بتأخرى الصلاة
خفضت نظرها في خجل وقالت :
- معاك حق يا حبيبي بس والله بيبقى غصب على ... يعمل حاجات كثيرة والولاد وشغل البيت
بیخلوني بآخرها غصب على
قبلها على وجنتها قائلا:
روح قلبي .. أنت عارفة كويس أن مينفعش تقدم أي حاجة على الصلاة .. مهما كانت الحاجة دي أيه .. عارفة لو أول ما سمعتى الأذان سيبتي كل اللي في أيدك وروحتی اتوضيتي وصليتي ... هترجعي تلاقي الحاجة بتتعمل بسهولة ويسر أكثر من لو أخرتى الصلاة علشانها .. لو بداتي تتهاوني في مواعيد الصلاة يا عبير هتلاقي نفسك يوم ورا يوم يتصليها قبل الوقت اللي بعدها بخمس دقايق ... وواحدة واحدة هتلاقي نفسك بتجمعي الصلوات مع بعض .. وأنا عارف أن حبيبتي هتاخد بالها بعد كده ولو الولد بيغيط حتى صلى وانت شابلاه مفيهاش حاجة
ابتسمت عبير وهي تمسك بيده التي سكنت على وجنتها قالت بحب:
ربنا يخاليك ليا يا حبيبي .... أنا مبسوطة بيك أوى يا بلال وانت يتنبهني وبتقولى الكلام ده
وبالطريقة دي
أبتسم وهو ينظر لعينيها وقال بحب
لا اعملى حسابك مش كل مرة هتكلم بالطريقة دى ... المرة اللى جاية في ضرب ... ومش أي ضرب ... ده هيبقى ضرب بضمير.. وطبعا انت عارفة ضميري .. فاهمانی
ضحكت عبير وهي تحمل الطفل قائلة:
إلا عارفة.. انت هتقولى على ضميرك برضة .. انا هروح بقى اصلى وبعدين أحضر الغدا
الحق بها عند باب الغرفة وقال :
لا بلاش تدخلى المطبخ
التفتت له بدهشة وقالت متعجية :
ليه
قال بمزاح وهو يمسح على شعرها:
بغير عليكي من عيون البوتاجاز
ضحكت عبير وأحمرت وجنتيها وخرجت مسرعة، توضأت وصلت العصر وأعدت الطعام
كأحسن ما يكون، ولم لا فلقد بنها حناناً فأطعمته جمالاً, جعلها ملكة فوضعته على عرش قلبها
وتوجته حاكم وملكته صكوك غفرانها
أخذت عزة الهاتف وسحبت السلك خلفها ودخلت غرفتها وأغلقتها خلفها وهي تضع سامعته على
أذنها وتسندها بكتفها وابتسامتها واسعة ثم قالت بصوت خفيض:
- وحشتني
قال مداعباً:
أيه الجرأة دى كلها .. وحشتنى مرة واحدة ... الله يرحم
أحمر وجهها وقالت بعتاب
کده یا عمرو ... طب انا غلطانة ... مش هقولك حاجة ثاني.
قال على الفور:
لالالا بهزر معاكى يا شيخة .. انت ايه ما بتصدقي علشان تمنعى على الدعم السنوى
اتجهت إلى فراشها وهى تحمل الهاتف وكأنها تحمل قلبها بين يديها بعناية وجلست عليه وقالت بشوق
يجد يا عمرو .. هنيجي أمني وحشتني جدا
أستلقى على فراشه ووضع يده تحت رأسه وقال بهمس:
وانت كمان وحشتيني أوى ... بس غصب على والله .. بس عموما هانت كلها اسبوعين وتلاقيني عندك وساعتها بقى يا جميل هبقى عاوز عشرة يكتفوني زي الراجل ابو عضلات ده اللي بيقعد في المولد يقول عاوز عشرة يكتفوني وبعدين يعيط ويقول و عشرين يفوكوني
لم تضحك الدعايته بل قالت بعبوس
أسبوعين يا عمرو... لسه أسبوعين كمان ... وياترى بقى في كل مرة هتيجي يومين وتمشي ثاني أراد عمرو أن يغير مجرى الحديث فهو يعلم أنها ستبكي بعد قليل كعادتها وتطالبه بترك شركته التي أتعبتها شوقاً له منذ عقد قرانه عليها فقال :
فاكرة يا وزة يوم كتب الكتاب عملتي فيا أيه.. بقى في عروسة تسيب جوزها زعلان وتقعد تاكل !
ابتسمت وقد تذكرت ذلك اليوم وقالت :
كنت يهرب منك ... أنت مكنتش شايف شكلك ساعتها
ضحك ضحكات رئالة اختلج لها قلبها وقال:
معاكى حق ... أنا كنت عامل زي القطر اللي من غير سواق
ضحك مجدداً وخفق قلبها مرة اخرى وهي تستمع لمغازلاته واشواقه التي لا تنتهى
وفي الليل دخل فارس فراشه واستلقى في أرهاق شديد أمسك حبينه بيديه يشعر بألم شديد في رأسه ، نهض مرة أخرى وجلس خلف مكتبه الصغير يبحث عن حبات مسكنة للصداع تناول واحدة منها وشرع في إغلاق درج مكتبه مرة أخرى فوقع بصره على الصور الفوتوغرافية الصغير مبعثرة داخله, ابتسم وقد علم أن مهرة كانت تشاهدها وأغلقت الدرج سريعا بحيث بعثرت ما به أعادها بعناية كما كانت سابقاً وهو يحاول أن يذكر نفسه بأن يحضر ألبوماً للصور لكي يحافظ عليها من أي أهمال قد يصيبها فهي تمثل حقبة مهمة من حياته منذ أن كان صبياً في الحادية عشر من عمره عندما ولدت مهرة في غياب والدها وحملها طوال الليل بعد أن أهملها الجميع، فقد كان الجميع منشغلاً في والدتها التي أصيبت بنزيف حاد بعد ولادتها وأعطتها له والدته يحملها ويرعاها ووضعت بجوار کوب به ماءا مختلطاً بالسكر ليسقيها حتى تعود إليه، ونسبها الجميع معه، كان يسقيها تارة ويتأملها تارة ويدور بها في الغرفة حتى يسكت بكاؤها الذي لم يطل كثيراً, وأخذ يفكر في أسم يليق بملامحها البريئة وعينيها الواسعة الخلابة حتى يزوخ فجر يوم جديد كان قد أ أنقر على أسمها الجديد والذي استقاه من اسمه وقد كانت مهرة .
انتزعه صوت هاتفه المحمول من عالمه الخاص وابتسم وهو ينظر الأسم المتصل وأجابه على الفور
حظك حلو لسه كنت هعمل الموبايل صامت وهناء
ضحك عمرو وقال مداعباً:
والله وعرفنا الموبايلات والصامت والحركات ربنا يخاليك لينا يا شارع عبد العزيز
ضحك فارس الدعايته وقال :
والله عمرك ما هتتغير.. ده انت تستحق البهدلة اللي انت فيها
زهر عمرو بقوة وهو يقول:
وأي بهدلة يا صاحبي ... أنا مش عارف هو انا مهندس ولا منهم وواخدينه كعب داير
وأنا مش عارف انت متمسك بالشركة دى كده ليه طالما مطلعين عينك
أعمل ايه بس يا فارس منا دخت علی شغل كثير.. مش لاقي حتى نص المرتب اللي ياخده من
الشركة دي
خلاص بقى استحمل ومتشاتكيش
خلاص هالت... بابا كلمني وقالي ان في شقة على أول شارعنا هتفضى قريب وإيجارها معقول اوى وهو خبط مع صاحب البيت خلاص ... المهم انت عامل ايه وهتدخل أمنى ... لما تخلل ولا
قبلها بشوية ؟!
نظر فارس أمامه وقال بحسم:
- خلاص يا عمرو .. أنا مش هستحمل أعذارها أكثر من كده كبيرها معايا شهرين.. أخلص فيها الرسالة ومش هقبل أي تأجيل ثاني خلاص
تحدث قليلاً مع صديقه وعاد إلى فراشه مرة أخرى مستعداً للاستغراق في نوم عميق، ولكن عقله كان شاردا في علاقته بدنيا ووضع أمامه علامات استفهام كبيرة, هل حقاً هي التي تؤجل الزفاف بدون أسباب مقنعة ؟ أم هو الذي كان يوافقها على أسبابها تلك وكأنه يرحب بالتأجيل ! كيف ستسكن في شقة واحدة مع امه وهما مشاعرهما متنافرة تجاه بعضهما البعض، أن يستطيع أن يترك أمه وحدها مهما كانت الأسباب وخصيصاً أنها خلوقة لا تؤذي احداً بلسانها ولا با فعالها ولا تتطفل على أحد ولن تسبب لهما أى ضيق في حياتهما الزوجية, هي فقط تريد من يرعاها ويذكرها بدوائها ويتسامر معها قليلا حتى لا تشعر بالوحدة, فهل هذا بكثير عليها في مثل هذا العمر .
في الصباح، خرجت مهرة لتذهب لمدرستها لاختبارات نهاية العام، ولكنها توقفت فجأة أمام باب شقة فارس كانت تود أن تراه صعدت مرة أخرى أربع درجات من السلم للخلف، ووقفت تنتظره فهو يذهب إلى عمله صباحاً في هذا التوقيت. وقفت أكثر من ربع ساعة حتى سمعت مقبض الباب يدور من الداخل، والباب يفتح، فتصنعت النزول وكأنها قابلته صدقة ، ابتسم لها قائلاً:
صباح الخير يا مهرة ... رايحة الامتحان ؟
أبتسمت في خجل وقبل أن تجيبه وجدته قطب حبيته وهو يقول بجدية:
ايه ده يا شهرة ... الحجاب صغير كده ليه
وضعت يدها على أطراف حجابها ونظرت إليه وقالت:
مش صغير ولا حاجة.. ده كبير بس بلغوا بطريقة معينة زي صحباتي ما بيعملوا
حك ذقته قليلاً تم طرق باب شقته فتحت والدته ونظرت لهما دهشة فأشار إلى شهرة وقال بضيق:
خديها مع ماما لو سمحتى جود خالية تظبط حجابها
وفقت شهرة أمام المرأة تعمل من حجابها سريعاً وهي تتمتم متبرمة:
يا طنط كل صحابتي بيلفوا طرحتهم كده
كانت والدته تنظر إليها في صمت وشرود وهي تتحدث وتقط شفتيها وتتمتم في ضيق وتحرك يديها في سرعة التثبت دبابيس الحجاب جيدا حتى انتهت والتفتت إليها قائلة:
ها كده كويس ؟
أومات لها والدته وقالت :
كويس.. بالا بقى علشان متأخريش على مدرستك أكثر من كده
ألقى فارس نظرة سريعة على حجابها واستدار ليخرج متوجهاً لعمله وهو يقول:
- هجيلك النهاردة وأنا راجع خمارات لف .... شغل الطرح ده مش عاجبتي
حملت قهرة حقيبتها وخرجت تعدو لتلحق بموعد الاختبار وأغلقت الباب خلفها، ظلت أم فارس تنظر إلى الباب المغلق واجمة وبداخلها مشاعر كثيرة ودت لو كانت مخطأة فيها .