رواية مع وقف التنفيذ الفصل الثامن عشر
أستيقظت مهرة فزعة من نومها تصرخ باسم فارس وتناديه، جلست على فراشها التقط أنفاسها
بصعوبة، كانت تبكي وهي نائمة على أثر حلم مفزع ولكنها فوجات بالدموع تفرق وجهها وكانها كانت تبكي في الحقيقة لا في الحلم، مسحت دموعها التي شقت طريقها في ثبات على وجنتيها وتتم بالاستعادة لتهدئ من روعها قليلاً وهي تدور بعينيها في غرفتها لتتأكد أنها وحيدة فيها ولم يسمعها أحد نهضت متناقلة من فراشها وهي المرفق جسدها بذراعيها اثبت الأمان في نفسها، فتحت نافذة غرفتها ليقترب ضوء القمر إليها ويغمر وجهها مداعباً لوجنتيها. أطلت براسها للأسفل لعلها ترى خياله في نافذته أو شرفته التي كانت غارقة في الظلام أغلقت نافذتها واتجهت إلى فراشها مرة أخرى ولكنها سمعت صوته يتردد في عقلها وهو يقول:
لو شفتي كابوس أنقلي على الناحية الشمال ثلاث مرات واستعيدي بالله من الشيطان الرجيم ويستحسن تقومي تتوضى وتصلى ركعتين علشان تطمنی
توجهت مباشرة إلى الحمام توضات وصلت ركعتين أدخلا الطمانينة في نفسها ثم عادت لفراشها وقد داعب النوم جفونها متناقلت واستسلمت لنوم عميق
جلس فارس بجوار والدته حول مائدة الطعام وبدأت في تناول الطعام وهو يقول:
قهرة رجعت من الامتحان ولا لسه يا ماما
هزت والدتها رأسها نفياً وابتلعت طعامها ثم قالت:
عندها درس بعد الامتحان على طول .. بتسأل ليه ؟
ترك الملعقة من يده ونظر إلى والدتها متسائلاً:
- درس أيه ده وفين
نظرت إليه والدتها بتفكير ثم قالت:
مش عارفة درس أيه بالظبط اللي اعرفه أنها عندها درس .. بطلت أكل ليه
تناول ملعقته مرة أخرى وقال بضيق:
أنا مبحبش قصة الدروس اللي مالهاش مواعيد دى ... وبعدين ما تاخد الدرس في بيتها
لازم تروح تنتطط عند الناس بره والله أعلم بيوتهم عاملة ازاى وشكلها أيه.. وعندهم رجالة ولا
صمت قليلاً ته أردف قائلاً:
لما ترجع ابقى نادى عليها علشان عايزها... لما نشوف أيه حكاية الدروس دي
شردت والدتها قليلا وهي تتقلب طعامها في طبقها عدة مرات حتى لاحظ هو ونظر إليها وتسائل باهتمام
مالك يا ماما مبتكليش ليه
وضعت أمه معلقتها وشبكت أصابعها أمامها وهي تستند بمرفقيها على المائدة ونظر إليه يعمق
تسمح ملكش دعوة بالحكاية دى ... مهرة كبرت يا فارس ومينفعش تفضل تتعامل معاها كده وبعدين اخوها يحيى كبر وبقى راجل وهو اللى يقولها رايحة فين وجية منين والكلام اللي انت عاوز تعمله ده
قالت جملتها الأخيرة وهو ينظر إليها بدهشة لا يكاد يصدق ما يسمع فقال باستغراب:
من أمتى وانا مش مسئول عن مهرة ... أنت قولتيلي الكلام ده قبل كده لما جيتلها الخمارات وانا مركزتش معاكي لكن لما يتعاد ثاني يبقى في حاجة انا معرفهاش
مدت يدها وربتت على يده وقالت بشفقة:
أنا عارفة انك انت اللى مربيها وبتعتبر نفسك مسئول عنها .. لكن يابني دلوقتي الوضع اختلف شهرة كبرت خلاص
ترك ملعقه ونهض وهو يقول بالفعال شديد
معنى انها كبرت اني خلاص أشيل أبدى من المسئولية .. وانا عارف أن اخوها مكبر دماغه ویره البيت طول اليوم وابوها مسافر وسايبهم .
اعتدلت والدته وهي تقول :
طلب يابني تعالى كمل أكلك مالك زعلت كده ليه
أتجه إلى غرفته وهو يقول باقتضاب :
معلش يا ماما شبعت... عن أذنك هدخل اريح شوية
هزت والدته رأسها في عدم رضا وهي تقول بأسف:
ربنا يهدي الحال
دخل فارس غرفته متبرما ألقى جسده على الفراش كما لو كان يدفع حملاً تقيلاً عن كتفيه قد أنقله، كيف يتركها وهي ، هي التي ولدت ووضعت بين ذراعيه مباشرة قبل أن تلامسها يدى والدتها، وقبل أن يراها أخيها وقبل أن يعلم أبيها بأنها قد جاءت إلى الحياة، هي التي كبرت بين يديه واحتوتها غرفته لسنوات طفولتها ومشاغباتها وألعابها وسعادتها ومرحها بل وبكائها وتبرمها وضجرها ، وزرع فيها القيم والأخلاق التي أحبها وعاداته المفضلة فأصبحت تتوقع تنصرفاته قبل أن يفعلها، وعلم عنها كل شيء بل وأكتشفها كما اكتشفته فاصبحت كتاباً مفتوحاً أمامه خالي من الألغاز, لا توجد به علامة استفهام واحدة ترددت كلمات أمه في عقله ملتحمة ذكريات مبعثرة أفكاره وهي تخيره أن أخيها أولى بها لأنها قد كبرت... وضع الوسادة على وجهه يريد أسكات هذه الكلمات التي غزت عقله وقال بعناد وبصوت مسموع .. لا لم تكبر .
نقر عمرو بخفة نقرات بسيطة باب مكتب صلاح ثم فتحه وأطل برأسه داخله وهو يقول:
- صباح الخيرات
ضحك صلاح وهو ينهض ويتجه إليه .. عائقه بحرارة وهو يقول:
حمد لله على السلامة جيت أمتى ؟
قال عمرو يمرح
لسه نازل من الجتر يا بشمهنديز
اهتز صلاح ضاحكا وهو واضع ذراعه على كيف عمرو وقال :
لاء شكلك أخدت الجنسية من كثر قاعدتك هناك.
جلس عمرو على المقعد المقابل للمكتب وقال برجاء:
أبوس أديكوا بقى كفاية .. أنا لفيت جمهورية مصر العربية كلها هو انا عملت فيكوا ايه علشان ترحلوني كل شوية كده
أختفت ابتسامة صلاح وجلس على المقعد المقابل العمرو وقال بجدية:
یعنی مش عارف عملت ايه... حد قالك تتجوز
استند عمرو بمرفقه على حافة المكتب ولوح بيديه قائلاً:
هو انا عارف اتجوز.. هي الشركة كل مشاريعها خارج القاهرة ليه نفسي اعرف
مال صلاح للأمام وقطب جبينه قائلاً:
أسمع يا عمرو... أنت عارف أني بحبك زى ابنى بالظبط وبصراحة كده انا مش عاجبني تصرفاتك .. أنت زى ما تكون عاجبك اللى بيحصل ومبسوط أن في حد بيجري وراك وعايزك
عقد عمرو يديه أمام صدره وقال معترضاً:
هو انا يعني عاوز أتمرمت كده .. أنا بس والله عاوز احوش قرشين علشان اعرف اجيب العفش ... ولو سبت الشغل دلي يبقى قول على الولاياتی برحمان أو رحیم ... طبعا ايه بالضرورة استنى
واستغل واسافر واستحمل بعدى عن أهلى ومراتى لحد ما الاقى شغل ثاني على الأقل بنفس
أسند صلاح ظهره إلى المقعد وقال متسائلاً:
يعني جيت الشقة خلاص ؟
قال عمرو بابتسامة واسعة :
- أن الحمد لله حاجة كده إيجار بس حلوه ومش محتاجه توضيب كثير يعنى تقريباً جاهزة
ابتسم صلاح وهو يقول متهكماً:
یعنی عاوز ثلاث سنين كمان علشان تعرف تجيب الافش ؟!
زفر عمرو يحنق وقال بضيق:
والله منا عارف انا شكلي مطلب سلفة .. أنت ايه رايك
حك صلاح ذقته وصمت قليلاً يفكر ثم قال:
في حل ثاني غير السلفة اللى انا متأكد ان مدام إلهام مش هتوافق عليها
قال عمرو بلهفة :
الحقني بيه قوام
صلاح :
عندي واحد صاحبي عنده معرض كبير الأثاث ... هو بيبيع بالقسط .. أنا هروح معاك اعرفك.
المكان واكلموا وهو هيظبطك في حكاية القسط دى ان شاء الله متشلش هم
هب عمرو واقفاً وأمسك رأس صلاح وقبلها بقوة وقال:
ربنا يخليك لينا يا كبير
ضحك صلاح ثم قال بجدية:
عاوز نصیحتی ... امشی دلوقتي قبل ما حد يشوفك وتتقابل بعد المغرب وتروح المعرض سوا ... بكره وبعده أجازة ممكن تاخد مراتك وتروحوا تنقوا العفش .
ثم أشار له محذراً وقال:
ولما تنوى على معاد الفرح ... أنا اللى هخدلك الأجازة بنفسى علشان محدش يقفلك فيها
عاتقه عمرو في سعادة ثم تركه فجأة وفتح الباب وفر هاريا ..
كان فارس عائداً من عمله في وقت الظهيرة وقبل أن يأخذ طريق المنعطف إذا به يصطدم بعمرو الذي كان يمشي بخطوات واسعة في الاتجاه المعاكس وهو على عجلة من أمره، تفاجاً فارس
بعودة عمرو وهتف وهو يعانقه في سعادة :
عمور جيت امتی حمد لله على السلامة
عائقه عمرو بقوة وربط على ظهره وهو يقول:
واحشني يا ابو الفوارس ... أنا لسه جاي طازة
فارس :
ورايح على فين كده
مسح على شعره وقال بابتسامة واسعة
أصلى هروح عند عزة كمان شوية وقلت يعنى اجيبلها هدية بقالي كثير معملتهاش
ضحك فارس وهو يقول:
ايه ده .. بقى عندك دم أخيراً مبروك يا اخي ...
عمرو :
الله يبارك فيك عقبالك كده لما النجوز وتريحنا منك
تذكر عمرو مقابلته مع صلاح فقال سريعاً:
صحیح یا فارس ما تيجى معايا النهاردة ... هروح معرض بيع عفش بالقسط ايه رأيك تيجى تنفرج .. أستاذ صلاح يعرف صاحب المعرض وهيظبطلى موضوع التقسيط وان شاء الله
هيبقى القسط حنين
لمعت عینی فارس وقال:
أنت وفعل من السماعات .. ده انا كنت في مشكلة بسبب الموضه و ده محداء هجب العقد
أنت وقعتلى من السما يابني .. ده انا كنت في مشكلة بسبب الموضوع ده محتار هجيب العفش
ربط عمرو على ذراعه وهو يقول بغرور:
خلاص تتقابل تروح سوا .. بس ابقى عد الجمايل بقى ها...
ثم أردف متسائلاً:
متناقش الرسالة أمتى ؟؟
قال عبارته الأخيرة وهو يرى فارس ينظر في الاتجاه الآخر بتركيز, فأعاد عبارته مرة أخرى ولكنه لم يجبه أيضاً، بل وتركه وتحرك بسرعة، تابعه عمرو بعينيه فوجده يتحرك في اتجاه مهرة التي تسير بسرعة كبيرة وكأنها تستعد للعدو وأخيه محمود يسير خلفها يحاول أن يتكلم معها ومن الواضح أنه يضايقها, فزعت قهرة عندما تفاجأت بفارس مقبلاً عليها مسرعاً والشور بتطاير من عينيه وهو ينظر المحمود وقد احتان وجهه أصفر وجه محمود عندما رأی فارس في هذا الوضع وتسمر مكانه أمسك . فارس بتلابيب محمود وقال زاجرا:
أنت راجل انت ؟! .. ده بدل ما تحميها
اقترب عمرو في سرعة وخلص احبه من قبضة فارس وهو يقول:
معلش يا فارس امسحها فيا
ثم نظر لمحمود مؤتباً وقال:
كده يصح يا محمود برضة
شرعت شهرة في التدخل ولكن فارس نظر إليها بصرامة أخافتها وصاح بها:
قم بإلقاء نظرة على البيت وحساب معاکی بعد ذلك
خافت مهرة وهرولت إلى المنزل سريعاً، أطرق محمود رأسه أرضاً وهو يقول:
أنا مكنش قصدى اعاكسها.. أنا كنت عاوز اقولها انى عاوز اخطبها ... وهي كانت مش عاوزه
اتسمعني
أمسكه فارس من ملابسه مرة اخرى وقال بعصبية:
تخطب مين يلا - مش لما تبقى راجل الأول وتحافظ على بنات الناس
تدخل عمرو مرة أخرى وخلص أخيه وهو يحاول تهدأت فارس الذي أقلته وتوعده بعينين
نشعان غضباً وقال بلهجة صارمة :
أنا مرضتش آمد أبدى عليك علشان خاطر عمرو بس ... لكن لو الموقف ده انكرر تاني محدش يلومني على اللي هيحصلك ... على الله تقرب منها تانى ولا حتى تيجى على بالك.. أنت فاهمني
يلا ولا لاء
قال كلمته الأخيره وتركهم وانصرف في غضب ها در نظر عمرو إلى أخيه محمود وقال بجدية:
من أمتي واحنا بتعاكس البنات في الشوارع يا محمود... عيب يا أخي ده انت حتى صاحب
أخوها يحيى
قال محمود بضجر وهو يلوح بيديه
وهو ماله هو أيصلها ولا افكر فيها ... هو كان ولى أمرها وبعدين انا غرضي شريف وهخطبها یعنی هخطبها
دفعه عمرو من كتفه باتجاه البيت وهو يقول:
طلب امشی بقى فورت نمی
وتركه وأنصرف في طريقه وهو يتمتم :
أيه البلاوي دي ... أروح للموزة بتاعتي ازاي وانا دمی فایر کده
دلفت فهرة باب شقتها وأغلقت الباب خلفها وهى تضع يدها على صدرها الذي كان يعلو ويهبط بسرعة وقد تلاحقت أنفاسها بشدة كان أسداً كان يلاحقها، أقبلت عليها والدتها مسرعة وهي
تنظر لها بلهفة وقالت :
مالك يا مهرة في حد بيجرى وراكي ؟
حاولت النقاط أنفاسها وقالت وهي تجلس على أقرب مقعد:
فارس شاف محمود وهو ماشي ورايا وكان هيضربه
محمود مين صاحب يحيى ؟!.. وكان ماشي وراكى ليه ده وعايز منك ايه
بيقولي عاوز يخطبتي
جلست ام يحيى أمامها وقالت بتفكير:
هو قالك كده ؟!.. طب ازای ده لسه طالب في الجامعة
نظرت لها شهرة وقالت متبرعة:
طالب ولا مش طالب ... أنا أصلا مش طايقاه وهقول ليحيى میدخلوش هنا تاني
قالت والدتها بسرعة :
أسكني انت ملكيش دعوة.. أنا هبقى اشوف الحكاية دي
نهضت مهرة وحملت حقيبتها لتدخل غرفتها وهي تقول بحنق:
- حكاية أيه يا ماما .. ده ولد مش كويس ... وكمان شوفته مرة وهو بيشرب سجاير.. ولو كلمني
تانی هقول لامه
قالت كلمتها الأخيرة بعصية ودخلت غرفتها نظرت إليها والدتها وضحكت وهي تردد كلمتها
الأخيرة:
هتقولي لامه !!.. هتفضلى عبيطة لحد امتى يا بنتي
خرجت عزة من غرفتها سريعاً عندما استمعت لصوت عمرو في الخارج وهو يتحدث مع والدها
بصوت مرتفع ويضحك بشدة تلك الضحكات التي تأسرها وتزلزل قلبها، اصطدمت بوالدتها
التي كانت متوجهة للمطبخ اتسعت عيني والدتها وقالت بدهشة:
خضتيني يا عزة ... يتجرى كده ليه ؟
ارتبكت عزة وهي تقول:
مفيش يا ماما .. تقريباً كده حد بينده عليا
نظرت لها والدتها بخبث وقالت:
يا سلام ... يابت انقلی شوبة يقول عليكي ايه
ثم أردفت وهي تتجه للمطبخ :
تعالى ورايا خدى الشاي علشان تقدميه ... بدل ما تخرجي زي العبيطة كده
تبعتها عزة وبدأت في صنع الشاي فدخل والدها المطبخ وقال وهو ينظر إليها :
بتعملى ايه عندك يالا اطلعي سلمي على جوزك
لم تنتظر عزة كثيراً وانطلقت في سرعة إلى غرفة الصالون, وبمجرد أن اقتربت منها وقفت وهندمت ملابسها وشعرها ثم فتحت الباب بهدوء وداقت للداخل وقد تعلقت عيناها بزوجها الذي نهض واقفاً وعلى شفتيه ابتسامة عذبة مرحة وهو يكاد يلتهمها بعينيه ونظراته المشتاقة. خطت في اتجاهه ومدت يدها تصافحه فتناول كلتا يديها ورفعها لشفتيه وقبلها بشوق تم
وضعها على وجنتيه وهو يقول:
وحشتینی جدااا يا حبيبتي
تأملت وجهه وهي تقول بحب:
وانت كمان
فرت دمعة من عينيها بدون شعور فمد يده ومسحهما وداعب وجنتيها وهو ينظر إلى عينيها
التي تحمل الشوق المختلط بالحزن وقال :
أنا مش هسألك الدموع دي ليه ... أنا عارف الى مقصر معاكى بس والله غصب على
ابتسمت بأسى وقالت :
حمد لله على سلامتك .. وأوعى تقولى انهم كلفوك بشغل في حتة ثانيهة زي كل مرة
أبتسم وأنتفت إلى الأريكة وتناول من فوقها شنطة من الورق الملون المقوى وأخرج منها علية
مستطيلة الشكل صغيرة من القطيفة الحمراء وقدمها لها قائلا:
حبيبتي ممكن تقبل منى الهدية البسيطة دي
أخذتها عزة بلهفة وقضتها أمامه واتسعت عينيها وهي تنظر إلى الهدية لم تنظر إليه
وقالت بسعادة:
الله ... برهان !
وضعت منه قليلا على يدها وقربتها من أنفها واستنشقتها بنشوى وهي تقول :
الله دى جميلة اوى يا عمرو ... متشكرة أوى يا حبيبي
أمسك عمرو كلها واستنشقه وهو يغمض عينيه استمتاعاً برائحته ثم نظر لها وقال بشوق:
البرفان ده ميتحطش غير ليا انا بس.. فاهمة ولا لاء
طرقت والدتها الباب ودخلت تحمل صينية الشاي اخذها عمرو من يدها ووضعها على الطاولة
أمامه فقالت:
ايه الريحة الحلوة دى
قالت عزة بسعادة:
شوفتی يا ماما عمرو جابلي أيه
قالت والدتها وهي تنظر إليهما :
يعيش ويجيلك يابنتي ....
تم نظرت لعمرو وقالت:
عمك بيقول انك هتروح تشوف المحل اللي هنجيب منه العفش النهاردة يا عمرو
لمعت عيني عزة سروراً وهي تنظر إليه فقال:
النهاردة ان شاء الله هروح اشوفه ولو الأمور مثبت في موضوع القسط ده ها خدكوا بكره آن شاء الله وتروح تتفرج وعزة تنقى اللي هي عايزاه
ثم قال موجها كلامه لوالدة عزة:
انا عارف اني طولت عليكم في موضوع الفرح .. محدش بيكتب كتابه كل ده ... پس خلاص هانت .. أحنا نخلص موضوع العفش في أسبوع إن شاء الله وبعدين تحدد معاد للفرح
وقصد أن ينظر إلى عزة ويتأمل عينيها في اهتمام وهو يتابع قائلاً:
فارس قالي أنه احتمال كبير يدخل على أول الشهر بعد ما يناقش الرسالة على طول وممكن
تعمل فرحنا مع بعض
لا يعلم عمرو لماذا كان يبحث عن علامة من علامات الحزن أو الأسى في ملامحها وعينيها وهو يلقى هذا الخير ولكنه لم يجد إلا السعادة والفرحة التي اجتاحت ملامح عزة وهي تستمع إلى
بشرياته واحدة تلو الأخرى وهتفت قائلة:
بجد يا عمرو
ثم عانقت والدتها واحتضنتها بسعادة, قطع تصرف عزة هذا وسعادتها الكبيرة بما تسمع الشك. باليقين في قلب عمرو تجاه مشاعر عزة نحو صديقه وقال بمرح :
على متغدونا بقى ولا أيه يا جماعة.. أنا واقع من الجوع
- تعال اقعد یا فارس
نطق الدكتور حمدي بهذه العبارة وهو يشير إليه بالجلوس وقد بدا عليه الاهتمام الشديد وهو
يعتدل في جلسته ويستند إلى المكتب بمرفقيه ويشبك أصابع كفيه في بعضهما البعض كانت طريقته توحى بأنه يستعد لإلقاء حديثاً هاماً مما جعل فارس يشحذ حواسه كلها وهو ينظر إليه
متسائلاً وهو يقول:
خير يا دكتور.. قضية مهمة مش كده ؟
أبتسم الدكتور حمدي وهو يهز رأسه موافقاً وقال :
أهم قضية في حياتك
طلت النظرات المتسائلة من عينيي فارس ولكنه لم يعقب وترك المجال للدكتور حمدي ليشرح
بنفسه فقال:
فاکر یا فارس لما قلتلك انى بحضرك لحاجة مهمة أوى
هر فارس رأسه وهو يقول :
- ابوا فاكر يا دكتور
اردف الدكتور حمدي متابعاً:
شوف يا فارس أنا عاوز تسمعني كويس و تفهمني .....
استدار فارس بجسده كله تجاهه وهو ينصت باهتمام وتركيز حيث قال الدكتور حمدي
أنا نويت أسيب المكتب واتفرغ شوية لبيتي ومراتي وولادي .. وبيني وبينك زهقت من الفساد اللي بقى منقشى حوالينا في المهنة دى زى السرطان ... زمان كنت صغير وكنت بناطح وبحارب...
دلوقتي صحتی خلاص مبانش تستحمل
قاطعه فارس وهو يقول بضيق:
لا يا دكتور أنا مش معالا في القرار ده... لو سيبنا الساحة المفسدين يبقى كأننا يتساعدهم بالظبط
قاطعه الدكتور حمدى باشارة من يده وقال :
انت كلامك صح وده اللي اذا فكرت فيه.. ده غير اني مهما كان مهنش عليا أرمى اسمى وتاريخي الطويل ورا ضهرى بسهولة كده واقفل المكتب ... ولما فكرت كويس رينا هداني الفكرة دخلت دماغي أوى وشايفها حل وسط هيريحني وفي نفس الوقت هتبقى في بدايتك الحقيقية
جالت بخاطرة أفكار كثيرة متشعبة ومتشابكة كأشجار الغابات, فبداية الحديث غير مبشرة بالمرة ولكن نهايته لغز كبير, قرأ حمدى الحيرة في عينيه فقال بحسم:
أنت يا فارس اللى هو تحافظ على المكتب كله بدالى ... و مکتبی ده هيبقى بتاعك والقضايا اللي هنشتغلها هتتوزع على ثلاثة تلت ليا وتلت ليك وتلت للمكتب مرتبات ومصاريف
اتسعت عيني فارس من وقع المفاجأة ونهض بغير أرادة منه واقفاً وهو يقول بذهول:
مش معقول ... انا مش مصدق يا دكتور
وأشار إلى صدره وقد ازدادت قوة نظراته المتسلطة على الدكتور حمدي وهو يقول بعدم
صديق :
انا 115
أوما الدكتور حمدي برأسه وقال مؤكدا:
ایوا با فارس .. وبعدين مالك مستأل بنفسك كده ليه ... ده انت أقل من شهر وتاخد الدكتوراة
المفاجأة كانت كبيرة جدا على فارس فلم يكن ليصدق ما يسمع هل سيدير المكتب ويجلس خلف مكتب الدكتور حمدي ليأخذ مكانه ويشاركه نسبة الثلث في أتعاب كل قضية !!
هز رأسه يمنة ويسرة وهو يحاول استيعاب الموقف جيداً ولكن الدكتور حمدي أعاد كلامه مرة اخرى وهو يؤكد له ما فهمه منه وأخبره أنه سينتظره حتى يعود من أجازة زواجة ليبدء مهام عملة الجديد بداخل مكتب الدكتور حمدي شخصياً .
اندفعت دنيا معانقة لـ فارس وهي تهتف بانفعال:
بجد يا فارس أنا مش مصدقة .. يعنى المكتب ده كله هيبقى يتاعنا
عاتقها بحب وقال ضاحكا:
ده انت مفرحنيش كده يوم كتب كتابنا ولا حتى يوم الماجيستير
ضحكت وهي تبتعد عنه بنعومة وعينيها تكاد تنطق بالبهجة والسعادة وقالت وكانها لم تسمعه: طبعاً الثلت ده هيبقى أكثر من مرتبك دلوقتي بمراحل يعنى هنجيب شقة في حتة حلوه... ونفرشها بمزاج ونجيب عربية
و صفقت بيديها وهي تقول:
وبعد شوية تحط أسامينا على اليافطة جنب اسم الدكتور
كان فارس ينظر إليها بتمعن وهي تتحدث عن المستقبل بكل تلك السعادة وتسرح بخيالها الممتد للآفاق الشاسع وهي تنظر إليه ولكنها في خضم تلك السعادة نسبته تماماً, ولم تتحدث إلا في الماديات فقط ولم تحلم إلا بها وحدها، أنتزعها من أحلامها وهو يقول :
أنا مش هسيب أمي لوحدها في البيت يا دنيا.. ومش هاخد شقة في حتة ثانية إلا لما هي توافق وترحب بكده وتوافق أنها تسبب بيتها وتيحي معانا
توقفت دنيا عن الدوران في سماء أحلامها وطوت جناحي الأماني لتعود إلى الأرض مرة أخرى في هبوط اضطراری و قطبت جبينها وهي تقول بحنق:
يعنى ايه الكلام ده ... عاوز تفضل عايش في الحارة.
اختلطت ابتسامته بقسمات حزن وهو يقول متهكماً:
أنا مش عارف انت ليه مصممة أنها حارة ... ما علينا حارة ولا مدق حتى مهما اختلفت المسميات مش هسيب أمي لوحدها.
وأخذ نفسا عميقاً وأخرجه ببطء وهو ينوى حسم الأمر قائلاً:
والأمر ده لازم يتقرر دلوقتي علشان يبدأ في تجهيز البيت ونجيب أوضة النوم بتاعتنا
نظرت إليه في ضجر وضيق شديدين وقالت ساخرة
كمان مش هتغير غير أوضة النوم بس
اتجه إلى باب غرفة مكتبها ليخرج منه وهو يشعر أن فرحته قد انطفات بكلماتها وقال ببرود:
لما اروح معرض الفرش مع عمرو هشوف هقدر اجيب أيه.. المهم دلوقتى تعملى حسابك أن الفرح هيبقى بعد مناقشة الرسالة على طول
لم تكن عزة التصدق نفسها وهي تنتقل ببصرها بين أنواع الآثات الجيدة أمامها وقد أعجبت بتصميمها العصري الأنيق والملت على عمرو وقالت يخفوت
بس العفش ده هيبقى عالى علينا .. ولا ايه يا عمرو
وضع إصبعه على فمه لها بالسكوت وبدأ في محاكمته هو وفارس مع صاحب معرض الآثاث حول الأسعار والقسط المناسب، وجد فارس مبتغاه في هذا المعرض وقرر أن ياتي بغرفة صالون إضافية لاستقبال الضيوف وعاد المداولاته مع صاحب المعرض وهو يتمنى أن يرى السعادة في عيني دنيا كما رأها في تصرفات عزة حينما شاهدت الأثاث لأول مرة وأبدت إعجابها الشديد به.
وبدأت رحلة تجهيز البيت وأعداده ونقل الأثاث إليه وقد بذل فارس مجهودًا إضافيًا ليتمكن من توفير كماليات البيت ليبدوا جديدًا في عيني زوجته وفي نفس الوقت يضع اللمسات الأخيرة في رسالة الدكتورة وقد اطمئن قلبه إليها وخصيصا عندما سمع أطراء الدكتور حمدى عليها وعلى المجهود المبذول فيها.
انتهت جميع التريبات اللازمة في شقة زوجية خاصة بعمرو وكذلك شقة فارس وأصبحت كل شقة منها جاهزة لاستقبال عروسها الجديد
لم تكن تفصل بينهما وبين حياتهما الجديدة إلا أيام قليلة، أيام قليلة تفصلهما عن مستقبلهما الذي لم يكن أياً منهما يتصوره ولا يخطر بباله، فالانسان مهما فعل لا يستطيع أن يمنع الآخرين من الأسامة إليه .. إن أرادوا ! .