رواية ظلي لم يغادر المكان الفصل السابع عشر
نور كانت تقف في صدمة، عيناها على الجدار المغلق، وهمست بصوت مكسور:
– "أنا خايفة عليهم أوي... هما فين؟!"
مازن حاول يهدّيها، لكنه كان مشوّشًا مثلها، قال بتنهيدة عميقة:
– "مش عارف... أنا نفسي مش فاهم ليه بيحصل فينا كده."
مرّت ساعة... طويلة وثقيلة.
كل منهم في مكانه. كل منهم تائه في أفكاره، في صمته.
نور جلست على الأرض، ظهرها إلى الحائط البارد، وبدأت تكتب على ملاحظات هاتفها، بعينين شارده.
مازن كان يراقبها بصمت، ثم اقترب منها، جلس بجانبها وقال بصوت خافت:
– "بتكتبي إيه؟"
لم تلتفت، فقط ردّت بهدوء:
– "نصوص."
ثم تابعت، كأنها تحاول تفسير شيء داخلي:
– "عارفه إنه مش وقته... بس الكتابة هي اللي بتديني طاقة أكمل. كل حرف بكتبه بيخليني أحس إني لسه موجودة... لسه فيا نفس."
ابتسم مازن ابتسامة دافئة وقال، ونبرة فخر واضحة في صوته:
– "أنا عارف إنك بتكتبي... كنت بشوفك بتنزلي حاجات على الاستوري. والناس كانوا بيطلبوا منك تكتبي رواية… كنتِ دايمًا بتلمسي قلوبهم بكلامك."
ثم صمت لحظة، وكأن الكلمات صارت أثقل:
– "هتعدي... وهنخرج... متقلقيش."
لكن نور لم تلتفت، فقط همست:
– "كل مرة بقول لنفسي كده... ولسه جوّه نفس الدائرة."
نظر لها مازن، وصوته كان هادي لكنه مكسور:
– "يمكن لأننا عمرنا ما واجهنا نفسنا بجد. دايمًا كنا لابسين أقنعة، حتى مع نفسنا."
التفتت له أخيرًا، ونظرتها كانت مجروحة، مليانة أسئلة:
– "وأنا؟ كنت إيه بالنسبالك وسط الأقنعة دي؟"
ابتسم بحزن، ولمس يدها بلطف:
– "كنتي الحقيقة الوحيدة اللي ما عرفتش أتعامل معاها… فهربت."
ارتعشت نظرتها، وقالت بصوت مخنوق:
– "كنت بفتكرك قوي... لدرجة نسيت أكون قوية وأنا جنبك."
اقترب منها وقال:
– "إنتي أثرتي فيا أكتر ما تتخيلي. كنتي المراية اللي بتوريني ضعفي… وكنت بخاف أبص فيها."
نظرت له نظرة طويلة… نظرة بتقول إن في سؤال قديم جواها أخيرًا بيتجاوب.
– "ليه ما طمنتنيش؟ ليه كنت دايمًا بتسيبني أدوّر على مكاني في حياتك؟"
خفض مازن نظره وقال بهدوء:
– "علشان كنت خايف… لو عرفتي حقيقتي، يمكن تسيبيني."
ثم تابع، صوته صادق وواضح:
– "أنا بحبك، نور… حب كبير، مرعب، بس حقيقي. ومش ناوي أهرب تاني."
نور دمعت، وقالت بصوت ضعيف:
– "بس اللي بينا اتكسر..."
رد مازن بسرعة، بإصرار:
– "اتكسر، آه… بس ما ضاعش. لسه في نبض… ولسه فينا نكمل، لو إنتي مستعدة."
سكت لحظة، ثم أكمل:
– "أنا آسف… على كل حاجة. بس مش هسيبك تاني. مهما حصل."
نظرت له نور، وكل حاجة جواها كانت عايزة تصدّق.
ثم همست:
– "وأنا كمان… بحبك."
مرت لحظة صمت... لكنها كانت لحظة صدق، نقية، وسط ظلمة النفق المخيفة… لحظة نور حقيقية، قبل أن يظهر من بعيد... صدى خطوات أخرى تقترب.
______________________________________
في الجهه الثانيه من النفق
جلس خالد على الأرض، ضاغط كفوفه ببعض، وعينيه معلّقة في الفراغ المظلم. أنفاسه كانت سريعة، وصوته متهدّج:
خالد:
– "أنا مش قادر أتنفس يا إهداء… حاسس إن أي لحظة ممكن الجدار ده يطبق علينا ونموت هنا… مش قادر افهم اي اللي بيحصلنا دا ... ونور ومازن يا تري فينهم وكويسين ولا ... و أمي يا إهداء! أمي هتعمل إيه لو سمعت خبرنا؟!"
اقتربت إهداء منه، وضعت يدها على كتفه بقوة وكأنها بتحاول تثبّت روحه قبل جسمه، وقالت بصوت ثابت:
– "إهدا يا خالد… إحنا لسه عايشين، ولسه معانا وقت. متخليش الخوف يغلبك."
نظر لها بعينين محمّلتين بالدموع:
– "أمي يا إهداء… هي ضعيفة، بتتعب من أقل حاجة… فاكرة آخر مرة وقعت في البيت لما أنا اتأخرت في الشغل؟ فضلت تعيط لحد ما جارتنا سمعت صوتها! أنا لو اختفيت… هي هتضيع."
ابتسمت إهداء ابتسامة حزينة، ومسحت بيدها على شعره:
إهداء:
– "إحنا مش هنختفي… اسمعني كويس. أمي ربتنا على الصبر، على إننا نواجه. عمرها ما استسلمت… حتى وهي وحيدة . تفتكر واحدة زيها ممكن تنهار بسهولة؟"
رفع خالد عينيه بتردد، وسألها:
– "ولو متنا هنا؟ لو عمرنا ما رجعنا؟"
ابتسمت إهداء ابتسامة خفيفة، لكن جواها ارتجاف:
إهداء:
– "متقولش كده… إحنا هنخرج من هنا في أقرب وقت وبعدين… عمرو موجود . مهما اختلفنا عليه… هو في الآخر صاحبنا. هو مش هيسيب أمي وخالتي فتحيه
قهقه خالد ضحكة قصيرة مكسورة:
– "عمرو؟!… أنتِ لسه شايفة إنه يستاهل ثقة؟!"
نظرت له إهداء بحدة، ثم خففت نبرتها:
– "إنت بتتكلم كأنه غريب… ده كان معانا في كل حاجة! في المدرسة… في أوقات الضحك… في الأيام السودا. عمره ما تخلى عنا قبل كده."
ظل خالد ساكت لحظة، ثم قال بنبرة مليانة صراع:
– "مش عارف… قلبي مش مطمّن. في حاجة ناقصة… في سر."
مسكت إهداء إيده وضغطت عليها بقوة:
إهداء:
– "بصلي يا خالد… أمي محتاجانا، ودي مش نهايتنا. يمكن ده اختبار… يمكن ربنا بيحطنا في المكان ده علشان نكتشف الحقيقة. صدقني، هنخرج، ونرجع لها، ونفضل حواليها زي ما كانت دايمًا حوالينا."
دمعت عيون خالد، وقال بصوت واطي:
– "لو رجعنا… هحضنها ومش هسيبها لحظة."
ابتسمت إهداء رغم دموعها، وقالت:
– "وأنا كمان. وهنقعد نحكيلها اللي حصل… وهي هتضحك وتقول: "ولادي أقوى من أي خوف."
جلسوا سوا في صمت بعدها… بس كان صمت دافي، مليان بحب الأم اللي بيلمّهم حتى وهما محبوسين في قلب القصر الملعون