رواية للهوى رأي اخر الفصل التاسع عشر
بكرهك، بكرهكم كلكم، أنا عايزة أروح لأمي... عايزة أموت
تخشب قاسم من كلمات فيروز بين ذراعيه، لم تتوقف عن التململ فدفعته بقوتها الضعيفة ثم تركها بإرادته، وقفت قبالته وهتفت به:
_ أنا مش هاسألك انت هاتعمل فيا إيه لأني مابقاش فارق معايا، كل اللي عايزاه رصاصة الرحمة، موتني وريحني
حرك رأسه بالرفض وقلبه حزين على ما وصلت إليه، لم يتخيل أنه هو من يجعلها بتلك الحالة، وحياتها متعلقة بحياته هو
_ فيروز اهدي
ابتعدت عنه مسافة كافية وبكلمات أقرب للهذيان:
_ هاقول لأمي على اللي عملتوه فيا، هاقول لها إنك خدعتني وظلمتني
ادمعت عينيه وتوجع قلبه هامسًا باسمها بضعف، قابلته بصرخة عنيفة:
_ ماتنطقش اسمي
ثم تابعت ببكاء حزين:
_ ياريتني ماشوفتك ولا عرفتك، وجعي منهم كوم وأنت بالذات كوم تاني
ابتلع تلك الغصة وبهمس يرجوها:
_ آسف
قضبت جبينها بصدمة تنظر إليه، تتوهم! هل وصل بها وضعها المزري لتتوهم وهي مستيقظة، لكنه قالها مرة أخرى بأسف شديد
_ آسف
عينيها الخاوية لم يفهم منها شيء، سوى أنها اتجهت لفراشها وتقوسّت كعادتها وغطت وجهها هاربة من كل شيء.
ضم شفتيه متفهمًا ما تشعر به، وبكتفين متدليين خرج قاسم من الغرفة.
،، ،،، ،،، ،،، ،،، ،،،
دون أن تلتفت لنداء خالتها ركضت أسيل لغرفتها في رغبة منها للاختلاء بنفسها قليلًا، لكن نازلي لم تترك لها المجال، بل اقتحمت غرفتها هاتفه وشعورًا بالرفض يقابلها من كل من في البيت:
_ أنا بكلمك المفروض تقفي وتردي عليا
باختصار أجابت أسيل:
_ خالتو معلش مش قادرة أتكلم دلوقتي
هدرت نازلي بغضب:
_ من إمتى يا أسيل، من وقت ما ظهرت البيت ده وخالك اتغير، حتى بعد ما مشيت وأنت مش على طبيعتك خلاص غيرتك مني، بعد ما ربيتك وكبرتك
أخذت نفسًا تحاول تهدئة نفسها ورغبتها بالاختلاء بنفسها تزداد:
_ مش قصدي يا خالتو لكني تعبانة وعايزة أنام
_ بتهربي من الكلام معايا يا أسيل
فاض باسيل الكيل وبغضب هتفت بها:
_ أسيل تعباااانه، أنا محتاجة أكون لوحدي، عارفة إنك ربتيني وكبرتيني، لكنك عمرك ما كنتي صحبتي، عمرك ما قولتلي تعالي احكيلي حصل إيه في يومك، إيه بيوجك، إيه اللي محتاجاه، كل حاجة أوامر وبس، ونظام مجبرين نمشي عليه، وتحكمات منك بتقبلها بس عشان ما تزعليش، حتى اللي عملتيه مع فيروز أنا ما اتكلمتش فيه، رغم أنها كانت الصديقة الوحيدة ليا اللي كانت تسمعني
ثم بغصة ودموع مهددة بالانهيار:
_ أنا ناقصني حد يفهمني ويسمعني، فيروز مشيت هي أكتر حد محتجاله دلوقتي
اخفضت وجهها لأسفل وحديث لم تستطع أن تتفوه به، شعور الخيانة صعب وألم الحبيب يحتاج لوقت طويل حتى يطيب.
جذبت أسيل حقيبتها وغادرت الغرفة شاعرة بالاختناق، ومن خلفها نازلي لم تخرج من صدمتها وحديث أسيل غير المتوقع والتي تسمعه للمرة الأولى، هل حان الوقت لتراجع بعض من أفعالها.
نحتاج دائمًا لصفعة لنفيق ونقف، ثم نعيد أفعالنا بحكمة وروية.
...................
في مكان قديم، تخرج منه رائحة عفنة، مقيدين الثلاثة على مقاعد وعلى الباب رجلان ضخمان، ولم يتوقف رضا عن العويل والخوف، هدر بابنته بغيظ وغضب:
_ عجبك اللي وصلنا ليه، الله يخربيت خططك وأفكارك ودتنا في داهية
أدارت وجهها الجهة الأخرى وقالت مروة بأمل:
_ فيروز هبلة ومش هاترضى لينا بالبهدلة
لو كان رامي غير مقيد لصفعها على وجهها غيظًا:
_ لا والله، وده بأمارة إيه، ده انتي مافيش حاجة كوبسه عملتيها معاها، ده انتي لو طولتي تولعي فيها هاتعملي كده، ده الحقد والغيرة منها ماليين قلبك
اغتاظت مروة وقالت بسخرية:
_ لا وانت حنين ما جبتكش من أوضتها في أنصاف الليالي عايز تعلم عليها يا طيب يا غلبان
هدر والدهما بهما بضيق:
_ بس انت وهي منكم لله ضيعوتنا بأعمالكم السودا، وانتو بعد اللي عملتوا ده أقل حاجة الراجل اللي اسمه قاسم عمران يعملها إنه يشرب من دمنا، البت وقعت مع راجل له كلمة واللي عملتوه فيها قيراط هايطلعوا علينا ٢٤
بحقد مستمر وغيرة تأكل قلبها كالنيران قالت مروة من بين أسنانها:
_ محظوظة اللي تقع مع راجل زي ده
_ آه يا أختي ده لو ليدافع عنها مش معلم على وشها زي حالتنا كده
اخفضت مروة وجهها بكدماته الناتجة من صفعات قاسم عمران، لا تنكر أنها خائفة وكثيرًا، لكنها جالسة تنتظر ماذا سيفعل فيهم قاسم وما تقدر هي عليه لتفعله لعله تستطيع النجاة من هنا
...........................
أغمض عينيه والماء المنساب على وجهه وشعره لا يساعد في تهدئة عقله، والغيظ والغضب من نفسه يزدادان.
كيف انساق وراء ورقة وعدة صور، هو المعروف بذكائه وحنكته مجموعة من الرعاع جعلوه في موقف ظهر فيه متخاذل وضعيف أمام نفسه، استخدم قوته لمدارة ضعفه أمامها، نعم ضعيف أمام ذكرى أثرها المشوه في نفسه للآن، وقد ارتسمت في وجه فيروز التي تلقت عنفًا وغضبًا ظلمًا وافتراء، وإذا قاموا هم بظلمها فكسر هو روحها.
خرج من المرحاض في إحدى الغرف المجاورة لغرفة فيروز، والتي تكون بالأساس غرفته لكنه تركها لها، ارتدى ملابسه المكونة من حلة سوداء وقميص قاتم بلون مزاجه السيئ، مشط شعره للخلف ثم خرج متجهًا لغرفتها، وكانت الخادمة واقفة أمامه بصينية بها أنواع مختلفة من الطعام وعصير، فتح قاسم الباب وللغرابة أخذ منها الصينية مشيرًا لها بالخروج، انصاعت الخادمة وتحركت من أمامه.
دخل قاسم الغرفة الساكنة، وفيروز جالسة على الفراش بصمت، اتجه إليها ووضع الطعام بالقرب منها وجلس على طرف الفراش بهدوء، تكلم قاسم:
_ فيروز قومي كلي
لم تجيبه كما توقع، فتابع بإصرار:
_ انتي ما أكلتيش من يومين ومش هاسيبك غير لما تاكلي فبهدوء كده اتعدلي
لم تبادر بالحركة حتى، فمد قاسم يده على كتفها فانتفضت مكانها معتدلة وبحدة هتفت به فيروز:
_ مش عايزة أكل، شيل الأكل ده
_ مش هاشيله، بقالك يومين ما أكلتيش
التوى فمها بابتسامة ساخرة:
_ قاسم باشا مش لايق عليك الدور ده، إلا لو كنت ناوي تسمني
_ اسمك؟
قالها قاسم قاضبًا جبينه باستنكار، فأكدت بقوة:
_ أمال إيه الحنية دي، ده أنت امبارح الصبح ضربتني وقلت ليّا كلام زي الزفت، فجأة كده عايزني أكل، مش مصدقك
_ أنا مش وحش يا فيروز
نظرت إليه وبغصة وبكاء قالت:
_ لا انت وحش أوي يا قاسم
اخفض رأسه وبخفوت وصوت باهت:
_ عارف شيفاني إزاي دلوقتي
_ عمي وأسيل دوروا عليا ولا مافارقتش معاهم
_ كمال بيدور عليكي وأسيل كلمتني وقلقانين عليكي حد
نظرت للجهة الأخرى وبهمس مرير:
_ أسيل دي أطيب قلب شوفته، من أول يوم دخلت حياتها عمرها ما حسستني إني أقل منها، وولا في فرق بينا، ماصدقتش عني أي حاجة وكانت متأكدة إني مظلومة
صمتت دون القدرة على المتابعة، ولم تعد لها رغبة أن تجالسه، كادت تتسطح على الفراش مرة أخرى ولكن استوقفها بصوت به بعض الحزم:
_ مافيش نوم قبل ما تاكلي
_ مش عايزة أكل، مش عايزة منك انت بالذات أي حاجة
رفع كوب العصير إليها بصمت، فبغيظ واندفاع أخذته منه وألقته بقوة على الأرض إلى أشلاء، توحست من اندفاعها وعادت بظهرها للخلف خوفًا من ردة فعله، وهو ينظر الأرض على العصير المنسكب دون أن يبدي أي ردة فعل، رفع رأسه إليها فجأة فضيق عينيه من خوفها الظاهر من أي فعل منه، فقال بهدوء مريب:
_ مش مهم، كلي أفضل من العصير
ثم أخذ قطعة خبز بالجبن ووضعها في فمها قسرًا، صدمت فيروز من فعلته لكنها استجابت وأكلت ببطء، فابتسم بداخله عليها، ثم وضع قطعة خبز أخرى واستقبلتها دون أن تنظر إليه، ليده التي تطعمها.
الطعام كالحجر في فمها، لا تشعر بطعمه ولا مذاقه، خاضعة لرغبته دون أن تملك القدرة على الاعتراض، خوفًا من نوبة غضب تقابلها منه، بصعوبة تبلعه وكالنار في أحشائها، رفعت عينيها إليه فاصطدمت بعينيه المرتكزتين عليها، لغة بينهما لا يقرأها سواهما، كل من منهما يتمنى شيئًا من الآخر، هي تتمنى الهروب، وهو يتمنى لو يدخلها بين أضلاعه، أمامه طريق طويل ليمحوا تلك النظرة المترقبة الخائفة منه.
استغل هو صمتها وأطعمها حتى فابتسم لها برقة:
_ أجيب لك كمان
حركت رأسها وبخفوت شديد قالت:
_ عايزة أنام
أومأ برأسه متفهمًا هروبها، فابتعد بهدوء وخرج من الغرفة عازمًا على شيء ما لعله يعيد لها الحياة.
. .......................
بدون اتفاق معلن أو مسبق منهما، جهز موسى نفسه وانتظرها بالأسفل، لكن تغلب عليه نفاذ صبره، وقرر الذهاب إليها.
فتح بابها وقابل ظهرها، وانعكاسها في المرآة لم يبخل عليه بشيء، اقترب حتى أصبح خلفها وعينيها متقابلة في المرآة، وببطء تأملها، شعرها الأسود على جانب واحد، عينيها مكحلة بسحر، شفتيها بلون أحمر يشعل به النيران، وفستانها حكاية أخرى، منسدل على جسدها بنعومة حريرية، بلون شفتيها، وكأنها قاصدة تعذيبه، وغضبه لكل من ينظر إليها وهي بكل هذا الكمال.
هربت بعينيها عنه، تحاول السيطرة على تلك الرعشة التي أصابت جسدها من نظراته المتأنية والمتأملة إياها، لم تهتم يومًا برأي رجل، كانت ترى إعجابهم في عيونهم أو في كلامهم المعسول، وتستقبله بلا مبالاة أو تسمح لهم بالاقتراب كما تحدد هي ثم تلفظهم من حياتها كاللعبة.
لكنه موسى رشيد، لا تريد لرجل في الكون أن يراها جميلة سواه، لا تهتم بأي شخص عداه، ولم ترتبك هكذا إلا من عينيه، وآه منه ومن عينيه.
كسر موسى الصمت بينهما وهو يقول من خلفها بصوت خافت بث بها قشعريرة:
_ ساحرة يا دهب، فتنة
داعبت ثغرها ابتسامة، فالتف ووقف قصادها، مال عليها فأغمضت عينيها مستشعرة قبلته على وجنتها، كانت طويلة وكان لا نية له أن ينهيها،
ثم همس أمام وجهها:
_ مش هاتخرجي بالفستان ده
وأمام شفتيها قال:
_ ولا بلون شفايفك ده
فتحت عينيها وكانت أمام عينيه مباشرة، لم ترَ تسلط أو فرض رأي، كان بهما شيء مسها، اخترق قلبها، أكثر بكثير من إعجاب،
كانت تريد أن تسمع بأذنيها، ولم يبخل عليها وعمقًا قال:
_ جمالك محظور على كل الناس... إلا أنا، اعملي اللي انتي عايزاه... لكن في حدودي أنا،افتنيني ، و ابهريني كل يوم، و أنا بس اللي اقول إنك جميله، و اخبيكي من كل العيون .. إلا عيوني أنا
اتسعت عينيها مشدوه من كلماته التي القاها ، انه موسي من يقول لها تلك الكلمات، تسلل لها شعور غريب با الأمان، الأمان أنها مع رجل مثله.
كانت تنظر اليه كأنها لأول مرة تتلقي علي مسامعها كلمات الاعجاب،
، و برضا تاام حركت رأسها باالايجاب، أرسل لها موسى بسمة و كأنه استحسن موافقتها دون جدال كعادتها.