![]() |
رواية مع وقف التنفيذ الفصل العشرون بقلم دعاء عبدالرحمن
أشرقت شمس يوم الجمعة تتسلل بأشعتها الذهبية بين النوافذ والجدران مقتحمة الأبواب المغلقة لترى ما لا تستطيع أن نراه لم تتسحب بهدوء بعد أن قد حملت بين طياتها الكثير والكثير ولكنها لن تفشي الأسرار فهي ليست من بني البشر .
فتح فارس عينيه قليلاً ووضع يديه عليها ليحميها من أشعة الشمس، فلقد على قليلاً على مقعده في الشرفة المطلة على البحر نظر حوله وهو يدعو الله أن يكون ما حدث ليلة الأمس. كان حلما مفزعاً فقط, ولكن وضعه وغفوته أنبأته أنه كان حقيقة بانسة فلما نظلم الأحلام معنا دائما .
أعتدل وهو يشعر بألم في كل خلية من خلجاته مسح على رقبته التي شعر بها تؤلمه بشدة من اثر غفوته تلك ، نظر للداخل دون أن يتحرك لم يجد لها اثر وباب غرفة النوم مغلق فعلم أنها ما زالت نائمة أو أنها تهرب من مواجهته مرة أخرى.
نهض متناقلاً وبصعوبة توجه إلى الحمام وتوضأ, خرج من الحمام لتقع عينيه على حقيبته التي مازالت أمام باب الشقة .
شرد ذهنه وهو يتذكر ليلة أمس عندما طلبت منه أن يحمل حقيبتها للداخل ففعل ثم تذكر جرأتها الشديدة، فهي التي تقدمت إليه حتى أنها لم تدعه يتوضا ليصلى بها ركعتين في بداية حياتهما الزوجية ولم تنتظره حتى يدخل حقيبته هو الآخر ليبدل ملابسه
تملكه شعور الدهشة والاستغراب وهو يتذكر أفعالها, كيف تكون مرت بما مرت به وتفعل هذا دون خوف مما ينتظرها كان من الأولى أن تتمتع وتطلب منه أن يمنحها بعض الوقت إن كانت كاذبة كانت ستفعل ذلك, وإن كانت صادقة فيما قالت أيضا كانت ستفعل ذلك، تم تخيره بالحقيقة وبما حدث لها دون أرادتها, فهي تعلم أخلاقه وأنه لن يظلمها، أم كانت تتصور لأنه عديم الخبرة أنه لن يكتشف الأمر وستستطيع أن تنهى الموقف لصالحها بعد أن تشعل غريزته
دون أن ينتبه .
دارت كل تلك التساؤلات في عقله وقليه في لحظة واحدة وهو مازال مصوب عينيه الحقيبته القابعة مكانها منذ ليلة أمس, هز رأسه بقوة ينفض عنه كل تلك الأفكار التي مازالت به لا تفارقه لحظة واحدة لتشعل النار بقلبه من جديد .
عاد إلى الحمام ليتوضا مرة أخرى ليطفاً ما نشب في صدره من غل وكره وشعور قوى بالانتقام وما تبعه من وسوسة الشيطان بأن يثار الشرفه ويقتلها لتهدأ رجولته قليلاً لما فعلته به توضا وعاد وقطرات المياة تتساقط من يديه وخصلات شعره التي تناثرت على جبينه.
أخذ حقيبته ووضعها على الأريكة وأخرج ملابس أخرى ارتداها في سرعة واحد هاتفه ومفاتيحه وخرج ليلحق بصلاة الجمعة.
انتهى من صلاته وتناول مصحف من مصاحف التفسير المرصوصة جنباً إلى جنب على أحد الأرفف وقبع بالمسجد يقرأ لعله يجد المرشد له فيما وقع فيه وهو يشعر أن سنوات عمره مضت هباء منثورا مع تلك المرأة التي أحبها وخالته ولكن مع الاسف ليس لديه دليلاً على خيانتها. يخاف أن تكون تعرضت فعلا الاغتصاب فيكون بذلك قد ظلمها وحاكمها بما ليس لها فيه شيء. ووسط مشاعره المتلاطمة وقعت عيناه على الآية الكريمة في سورة النور :
والنعفوا ولتصفحوا الا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم الا يعلم لماذا شعر أنها رسالة من الله عز وجل إليه يلهمه فيها بالصواب ويرشده إلى الطريق .
أغمض فارس عينيه بقوة يحاول السيطرة على مشاعره المكلومة وقلبه المذبوح, حاول أن يرتقى بنفسه وبصبره إلى اقصى درجة ، وتذكر وقتها أيام خطبته بدنيا وتذكر أنه علم الحلال والحرام ورغم ذلك استمرا في الحرام سنة كاملة وظل يغضب ربه من أجلها فجعلها الله عز وجل هي من تشق قلبه وتذبحه فكانت هذه النهاية الحتمية .
إذن فهو أحد المسؤلين عن ما يحدث له معها اليوم فلماذا يحاسبها وحدها, لماذا لا يعاقب نفسه
أيضاً وهل سيختار عقاباً رادعا لنفسه أكثر منها ١٢
خرج من المسجد وقد حسم أمره تماماً واتضحت الرؤية أمام عينيه واتخذ قراراً نهائياً بشأنها . عبر الطريق ووقف ينظر لمياه البحر الهادئة في شرود شرد ذهنه بعيداً تماماً عن دنيا, فوجد نفسه كالمسحور يخرج هاتفه ويتصل بوالدته التي تعجبت واصابتها الدهشة عندما سمعت صوته في الطرف الآخر وهو يسألها عن أحوالها وصحتها وهي تجيبه باختصار متعجبة إلى أن قال بتردد :
متعرفيش يا ماما مهرة عاملة أيه النهاردة ؟
اتسعت عيناها بعض الشيء وهي تقول بدهشة كبيرة:
مهرة ... أنت سايب عروستك علشان تسأل على شهرة !
أرتيك أكثر وقال بتلعثم :
وفيها آيه يا ماما انا امبارح سابیها وهي العيانة ... أيه المشكلة إلى أطمن عليها دلوقتي
ضيقت عينيها قليلاً وهي تقول بأرتياب
هي مراتك فين يا فارس ؟
شعر بغصة في حلقة ومرارة على لسانه وهو يقول بصوت مخلوق
في البيت.. أنا نزلت أصلى الجمعة ولسه مطلعتش
ثم أردف بتصميم:
مقولتليش يا ماما شهرة عاملة أيه دلوقتي
النهدت في عدم ارتياح ثم قالت:
كويسة يابني .. لسه نازلة من عندها من شوية وكانت كويسة
شعر انه لن يأخذ منها أكثر من هذا وأنها مرتابة من سؤاله عنها من البداية فقرر أن يكتفى بما حصل عليه من معلومات أنهى المكالمة مع والدته ولكن قلبه لم يكن مطمئناً أبدأ هناك شيء يخبره أنها ليست على ما يرام بحث في هاتفه على رقم بلال وأتصل به ... لم يكن بلال أقل
دهشة من والدته في اتصال فارس به وسؤاله عن ظهرة ولكنه أجاب:
- أنا عندها دلوقتي
أبتلع فارس ريقة من المفاجأة وقال بلهفة:
ليه هي تعبت ثاني ؟
رفع بلال حاجبيه وهو يقول :
لا أبدأ في دكتور صاحبي جبته يشوفها ... والدتها اتصلت بينا وقالت ميتكلمش ومبتردش على حد ومبدا كلش ويتعيط على طول ... طبعاً انت عارف ان ده مش تخصصی
خفق قلب فارس بقوة وهو يجلس على أحد الصخور وقال :
الدكتور قال أيه
بلال :
لسه خارج اهو اقفل وانا هبقى أكلمك
هتف فارس على الفور :
لالا منقفلش خاليني على الخط وقولي قالك ايه
نظر بلال إلى الهاتف بدهشة ثم أنزله للأسفل قليلاً وهو يتحدث للطبيب الذي قال :
حالة من حالات الاكتتاب البسيط وان شاء الله هتعدى مع الوقت بسرعة
تم نظر الطبيب إلى الجميع وهو يقول:
- هو في حد زعلها ؟
قالت أم يحيى سريعاً :
هي بقالها كام يوم كده مش عارفة مالها... أكلها قليل ومبتنامش كويس ومش مركزة
قال الطبيب متفهماً:
عموما في سنها ده الحالة النفسية بتبقى متقلبة متقلقوش مع الوقت هتتحسن وترجع الطبيعتها انتوا بس متضغطوش عليها فحاجة .
وضع بلال الهاتف على أذنه مرة أخرى ليبلغ فارس بما قاله الطبيب, أرهف فارس سمعه الكلام بلال ولكن أم يحيى قطعت عليه كلامه وهي تقول - بلال يحرج
ممكن بعد اذنك أكلمه اباركله
تفاجأ فارس بكلام أم يحيى ولكنه وجدها فرصة مناسبة تماماً فقال :
ولا يهمك يا ست ام يحيى مانا كنت موجود وشايف بنفسى .... هو الدكتور قال ايه قالت بحزن
بيقول اكتتاب وهيعدى ان شاء الله .. أنا والله ما فاهمة يعنى أيه اكتئاب أصلا يا أستاذ فارس... أنا اللي يهمنى أن بنتي تقوم زى الأول بس مش عارفة اعمل ايه
قال فارس با شفاق
- اكتتاب !!
ثم قال في سرعة :
لو سمحتى خليني اكلمها
فرت دمعة من عينيها وقالت ياسي:
ياريت يابني.. دى لا يتاكل ولا يتتحرك ولا يتتكلم
شعر فارس أن قلبه يعتصر في صدره وينقبض بقوة على حالها الذي لا يعلم له سبب فقال :
طب حطى التليفون على ودنها وانا هكلمها يمكن تستجيب الكلامي
نظرت أم يحيى إلى بلال الذي كان يتحدث مع الطبيب الآخر ويحيى يقف معه يستمع لحديثهم فدخلت الغرفة مهرة، وجدتها كما هى نائمة على الفراش تنظر السقف الغرفة دون حراك اقتربت منها ووضعت الهاتف على أذنها وقالت :
أهي معاك أهي .....
ثم نقلت الهاتف على اذن مهرة أخذ فارس نفساً عميقاً وقال بهدوء:
مهرة
انتقض جسدها الصغير بمجرد أن سمعت صوته وأخذ صدرها يعلو ويهبط في سرعة وهي لا
تزال محدقة في سقف الغرفة وهو يقول ببطء:
مالك يا قهرة .. أيه اللى تاعبك .. كلميني علشان خاطري ... أتكلمي يا قهرة
بدأت الدموع تقفز من مقلتيها واحدة تلو الأخرى بغزارة ودون توقف ترسم طريقاً على خديها وما أن ينقطع بها السبل حتى تغير مسارها لتروى وسادتها التي شاركتها لياليها الموحشة من قبل كلما تكلم كلما أراد أن لا يتوقف أبدأ فظل ينادي عليها مرارا وتكراراً بتصميم:
انا فارس يا مهرة ... كلميني قوليلي مالك.. اشكيلي مين اللي ضايقك
قال كلمته الأخيرة ووجد عبراته تقفز هي الأخرى على خديه وبدا صوته يشبه البكاء وهو يرجوها أن تتحدث أن تقول أي شيء خالطت دموعه دموعها ولكن عن بعد، لم يراها ولم يسمع الا صوت شهقاتها التي بدأت في الظهور أخيراً وهي تبكي . ولم تراه ولم تسمع الا نداء انه
المختلطة بالبكاء وكأنه يعتذر عن شيء لا يعرفه أو لا يفهمه ... فقط يشعر به.....
هبت أم يحيى واقفة وهى تمسك بالهاتف خرجت سريعاً وهي تقول للطبيب بلهفة:
مهرة بتعيط يصوت عالى يا دكتور صوتها طلع
هتف يحيى بسعادة
يجد يا ماما اتكلمت یعنی
قالت من بين دموعها :
لاء بس بتعيط بصوت عالى
اعطت أم يحيى الهاتف إلى بلال وهي تشكره قائلة:
متشكره أوى يا دكتور بلال... الأستاذ فارس أول لما كلمها ابتدت تعيط وصوتها طلع أخيرا الحمد لله
باتت لينتها مترنحة خائفة تخشاه، تترقب خطواته تضع أذنها على الباب تستمع لصوت أنفاسه . كلما اقترب من الغرفة اهتز جسدها رعباً تظن أنه سيقتلها بالتأكيد سيقتلها لن يرضى على رجولته أن يعيش مع امرأة فعلت فعلتها ، أذا ماذا يفعل, لماذا تأخر مصيرها إلى هذا الحد.
سمعت صوته يتجه للحمام ويغلقه خلفه
فتحت الباب في بطء وهدوء ويديها ترتعش وأوصالها ترتجف خوفاً ، مشت ببطء وحذر إلى الحمام ووضعت اذنها وتنصت باضطراب شديد, سمعت صوت المياه فعلمت أنه يغتسل . اغمضت عينيها وكادت أن تزفر بقوة ولكنها وضعت يديها على فمها خشية أن يسمعها, عادت
تمشي وكأنها تزحف بحذر إلى غرفتها وأغلقتها مرة أخرى عليها.
ظلت قابعة خلف بابها تترقب خطواته ذات اليمين وذات الشمال حتى سمعته يكبر تكبيرة
الأحرام ثم بدأ في ترتيل الفاتحة فنيقنت أنه يصلى الفجر.
هنا فقط زفرت زفرة طويلة أخرجت فيها ما كان يجيش بصدرها من خوف وقلق ورعباً, فلو
كان ينوى قتلها لما وقف يصلى هكذا
هوت بجسدها على الفراش وهي تلعن اليوم الذي قابلت فيه باسم وتلعن اليوم الذي صدقت فيه كلماته وعباراته المطمئنة لها، كم كانت حمقاء ساذجة, كيف لمثلها أن تقع فيما وقعت فيه وبهذه السهولة.
وكيف اكتشف فارس فعلتها بهذه البساطة وهي كانت تعتقد أنه غمر ليس لديه خبره، لقد نسجت خيوطها جيداً فكيف رأى الحقيقة بهذا الوضوح، ولكن الذي جعلها غاضبة حائفة أكثر هو كيف فضلت العملية رغم تأكيدات الطبيب أنها عادت لعذريتها كما كانت من قبل ولن يكتشفها أحد مهما كانت خبرته في عالم النساء، وضعت يدها على خدها تتلمس صفعات فارس الموجعة فلازالت تشعر بخدر في وجنتيها نتيجة الصفعاته المتتالية ، عادت إليها رهبتها منه مرة أخرى عندما سمعت صوت باب الشرقة يفتح عنوة, نظرت من فتحة الباب مكان المفتاح فوجدته قد
دخل الشرفة واسترخى على مقعدها و أغمض عينيه.
زفرت في ارتياح وحنق وتأكدت من غلق الباب جيداً وعادت إلى فراشها وهي تتوعد باسم وتسبه باقذع الألفاظ وذهبت في نوم عميق .
أستيقظت فزعة من نومها على صوت صفق باب الشقة بقوة جلست في فراشها دقائق وبعد أن تأكدت من مغادرته الشقة فتحت الباب في هدوء واتجهت للحمام مباشرة المتسلت وعادت الغرفتها مرة أخرى لتغلقها عليها لتسكت الشعور بالخوف بداخلها ولكنها لم تستطع أسكات
الشعور بالجوع الذي مزق معدتها ..
فتح الباب ودخل بدون سابق انذار فسقطت الملعقة من يدها بمجرد أن سمعت صوت غلق الباب دخل عليها ونظر إلى الطعام أمامها ثم نظر إليها بعينين خاليتين من أي تعبير وقال يبرود
وكمان ليكي نفس تاكلي
ابتلعت ما كان في جوفها وتجمدت مكانها كالتمثال وهي محدقة به تحاول استكشاف ما بداخله من خلال تعابير وجه وظلت قابعة مكانها تنتظر رد فعله تجاهها جلس أمامها حول المائدة وصوب بصره إليها بصرامة وقال :
مل ناوية تقولي الحقيقة ؟
ابتلعت ريقها بصعوبة وشعرت بجفاف حلقها وشحب وجهها و قالت بصوت خافت مرتعش :
اللى قولتهولك امبارح هو ده الحقيقة كلها
أوما برأسه بقوة ونظر إليها ببعض قائلاً:
وأنا مش مصدق حرف واحد منه لكن مع ذلك .....
صمت قليلاً وتعلق بصرها به وخفق قلبها بقوة فقال :
مع ذلك هستر عليكي ومش مفضحك ... لكن عمري ما مسامحك وعمرك ما هتبقى مراتي
قفز قلبها من مكانها وهى تستمع له وقد تيقنت أنه لن يثار منها ولن يفضحها فعادت الدماء تضحإلى مجرى وجهها مرة أخرى وهى تنظر له بترقب فنهض من أمامها واشار إليها قائلاً:
واعملي حسابك أمي مش هتعرف حاجة عن الموضوع ده
ثم نظر إليها باحتقار وهو يقول:
مش عاوزها تموت بحسرتها عليا
استدار متوجها للخارج مرة أخرى ولكنها وقفت وقالت برجاء:
استنی یا فارس ارجوك صدقني
استدار إليها بنظرة مخيفة جعلتها تجلس مكانها ثانية بلا حراك وقد شعرت أن الهواء تجمد في
رئتيها فلا تستطيع التنفس أو حتى التأئم, فتح الباب وخرج مرة أخرى وهو يشعر بالاشمئزاز
من المكان ومنها ومن نفسه .
خرج يمشى رويدا على الشاطيء ثم وقف واستدار للبحر نظر إلى سطحه محاولا الوصول الأعماقه ومعرفة أسراره متغلغلاً بداخله بعقله واجماً في تلك المرأة التي أصبحت زوجته والتي لطخت شرفه، وشعر أن مياه البحر تسخر منه وتونيه وأعماق البحر تتهكم عليه بل وتحاكمه .
كيف لم يكتشف شخصيتها من قبل، كيف لم يرى جرأتها معه كيف خدع فيها إلى هذه الدرجة هل أحبها إلى أن طمست عيناه عن حقيقتها بكل خبرته ودراسته الطويلة واحتكاكه بالبشر لم يعرفها حق المعرفة, بل كانت والدته المرأة الغير متعلمة التي لم تخرج من شارعهم مطلقاً إلا للضرورة تعرفها أكثر منه, ربما ليس بخبرتها ولكن بقلبها وأحساسها تجاه الآخرين، فكيف كان يستهين بهذا الاحساس الرباني
دخل بلال غرفته هو وزوجته فوجدها ترتدى ملابسها مستعدة للخروج فنظر لها متأملاً ثم قال:
الهانم رايحة فين
التفحت له وهي تغلق أزار ملابسها وقالت مبتسمة :
انت لحقت تنسى .. رايحة مع ماما عند عزة يا سيدي.. الصباحية عقبال ولادك
عقد نراعيه امام صدره وقال :
وعقبال ولادي ليه متقوليلي عقبالك
رفعت رأسها إليه وعقدت حاجبيها وقالت محذرة :
بلال بقولك ايه .. متخاليش دماغی تودی و تجيب
اقترب منها ببطء وقال بابتسامة :
مفيش خروج انا بقولك اهو
وضعت يديها حول خصرها وهي تقول متبرمة:
یعنی مروحش لاختى صباحيتها يا بلال
زفر بهدوء وهو يجلس على الفراش وقال :
يابنتي اذا مش عارف أيه حكاية الصباحية دي ومين اللى اخترعها أصلا .. عريس وعروسه
تروحلهم ثاني يوم وتضايقهم ليه
لوحت بيدها وقالت بتلقائية :
وانا مالي.. أنا رايحة معاهم وخلاص يعنى هي جات عليا.. وبعدين يعنى هتضايقهم ليه دي
هي نص ساعة ونمشى
لف ذراعه حولها وأسند جبهته إلى جبتهتها وغمز لها بعينه قائلاً:
- أنت اللى بتقولى كده
ضحكت وهي تنهض من جواره ثم التفتت إليه قائلة:
بصراحة معاك حق بس لو مروحتش ماما هتزعل مني
أرتدت أسدالها وشرعت في وضع غطاء وجهها حانت منها الثقافة اليه فوجدته شارداً تماماً .
جلست بجانبه وقالت متسائلة:
مالك يا بلال انت مش زي عوايدك
أنتبه إليها وهز رأسه نفيا وهو يقول:
لالا منشغليش بالك مفيش حاجة
مسحت على رأسه وهي تقول بنعومة :
مالك يا حبيبي فيك ايه
رفع رأسه ينظر إليها وقال في وجوم:
بصراحة يا عبير ... حصلت حاجة النهاردة كده عند أم يحيى ومش هضحك عليكي واقولك
مش لاقي تفسير .. لالا .. أنا بس مستغرب
قالت في اهتمام :
أحكيلي
قص عليها ما حدث بالأمس عندما كره فارس أن يدخل بلال ليرى شهرة وما حدث أمام قاعة الأفراح عندما رفض فارس السفر إلا بعد أن يطمئن عليها وكذلك المكالمة التي حدثت اليوم
أمام الطبيب .. فقالت عبير بشرود :
وانت مستغرب من أيه.. مش هو اللى مربيها
هر بلال رأسه نفياً وقال مؤكدا :
لا يا عبير أنا راجل واقدر أفهم نظرة الراجل اللى زبي وتصرفاته ... مفيش عريس في الدنيا
يعمل كده
قالت بقلق :
أيعن أيه بال بلال - فكر أيعن .....
اوما برأسه موافقاً وهو يقول :
أنا مش افتكر .. أنا متأكد يا حبيبتي ... بس مستنى فارس لما يحكيلي بنفسه .. طلب لما هي
الحكاية كده اتجوز مراته دى ايه .... حاجة غريبة أوى
شردت عبير بعيدا أكثر وأكثر وهي تقول بداخلها :
باااه يا عزة ده انت ربنا بيحبك .. أهي خطيبته اللى اتجوزها وانت افتكرتي اله فضلها عليكي طلعت في الآخر برده مخدتش حاجة غير وجوده معاها, لكن قلبه في مكان تاني خالص مکان
أبعد ما كنا تتخيل كلنا ...
وقفت عزة أمام الفراش تحاول جاهدة إيقاظ عمر و بشتى السبل ولكنها تفشل دائماً فما كان منها
إلا أن جاءت بزجاجة مياه باردة وسكبت بعضاً منها على رأسه .... هب جالساً في فراشه وهو
يصبح :
ايه يا ماما شغل المكوجية ده على الصبح
عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت ساخرة
ماما مين يا حبيب ماما .. وبعدين ضبح أيه أحدا العصر يا فندي
نظر إليها وهو يفرك عينيه بقوة وقال متذكرا:
عزة حبيبتي ... أه صحیح ده احنا اتجوزنا امبارح وزغاريد بقى وحركات
ثم نظر إليها بعين مفتوحة والأخرى مغمضة وقال متسائلا:
اه صحيح هو حصل ايه بعد الزغاريد الا مش فاكر حاجة
ضحكت وهي تشير للخارج قائلة:
لو مش فاكر اروح أجيب أزارة العصير افكرك بيها ها
أشار إليها يستوقفها وهو ينهض متناقلاً ويقف أمامها قائلا:
خلاص انا صحيت اهو ....
أحاط خصرها بذراعيه وهو يقول :
صباح الخير يا عروستی
أبتعدت عنه وقالت بحزن مصطنع:
لا أنا زعلانه منك ... راحت عليك صلاة الجمعة حتى الضهر مصلتوش وأهو العصر كما اذن
عليك .. ينفع كده يا عمرو
مطت شفتيه وعقد جبينه وقال معتذرا :
انا آسف والله يا حبيبتي.. كنت تعبان أوى معلش ... أوعدك مش هيتكرر ده تانی
ولف ذراعيه حول كتفيها قائلاً بمرح :
خلاص صافی بالین
رفعت كتفيها واستدارت وهي تشير للخارج قائلة بحسم :
طب اتفضل بقى على الحمام علشان تلحق اللي فاتك
رفع حاجبيه وقال بصرامة مضحكة
- ده طلب ولا أمر ؟!!
رفعت جايبها مثله وقالت :
لا أمر
سار امامها مطيعاً وهو يقول :
اه افتكرت .. ايوة كده اتعدلي معايا
خرج من الحمام وصلى ما فاته من صلوات وبمجرد أن انتهى سمع صوت قرع جرس الباب
ووجد عزة تدخل عليه مسرعة وهي تقول:
عمرو عمرو يالا تعالى افتح الباب بسرعة
قال بسرعة وهو يتوجه للمطبخ :
روحي افتحيلهم على ما اضریلی کام سندوشت على السريع كده
قالت بخجل :
لا يا سيدي افتح انت انا مكسوفة
هز رأسه نفيا وقال :
يعنى اموت من الجوع علشان سيادتك مكسوفة أمشي يا بت افتحي الباب
مضت الأيام المتبقية سريعاً وعاد الطير إلى عشه القديم تهفو نفسه إلى الأهل والأحباب .
فتحت ام فارس ذراعيها وهي تعانق ولدها الذي القى بنفسه بين ذراعيها على الفور وكانه يحتمى بها, كما كان يفعل في الصغر ممن يخفيه، ولسان حاله يعتذر لها عن عدم طاعتها بتمسكه بهذه الدنيا الغادرة, رفع رأسه وقبل رأسها في شوق كبير وهو يقول بعينين دامعتين :
- وحشتيني اوي أو امی
قاطعته دنيا من خلفه وهي تقول بترم :
- أنا هفضل واقفة كده كتير
أفسحت لها أم فارس الطريق للدخول وهمت بمعتقتها هي الأخرى مرحبة بها ولكن دنيا اكتفت بمصافحتها ببرود وهي تقول :
أهلا بيكي
أغلق فارس الباب خلفه واستدار لوالدته يعانقها مرة أخرى ويسأل عن حالها وصحتها بينما
نهضت دنیا واقفة بحنق وهي تقول :
طب هدخل أنا اريح شويه من السفر
التفتت لها والدته وهي تقول بابتسامة كبيرة :
وماله يا حبيبتي ارتاحي انت على اعملكوا غدى هتاكلى صوابعك وراه
نظرت لها دنيا يبرود وقالت :
لا متتعبيش نفسك أنا مش جهانة
نهضت ام فارس و افتريت منها وربتت على ظهرها وهي تقول بود.
متعبش نفسى أيه أنت زي بنتي ... قوليلي بس تحبى تاكلي أيه وانا هعملهولك
ابتعدت عنها واتجهت لغرفتها وهي تقول يتناقل :
- مفتكرش بتعرفي تطبخي الحاجات اللي يحبها
وقبل أن تدير مقبض حجرتها سمعت صوته الهادر وهو يستوقفها بغضب قائلاً:
- دنيااا
التفتت إليه لتجد الشير يتطاير من عينيه وقال بقسوة :
لما ماما تكلمك تردي عليها كويس
انگشت مكانها واستدارت إليه والدته وقالت على الفور:
مفيش حاجة يابني ... مقالتش حاجة غلط .... خلاص سيبها على راحتها
والتفتت إليها قائلة :
أدخلی ارتاحی پاينتی
أسرعت دنيا بالدخول إلى غرفتها متفادية النظر إليه، فانحنى وقبل يد والدته وقال معتذراً:
متزعليش يا ماما حقك عليا
ريتت على ظهره وهي تقول مبتسمة :
أعذرها يابتي هي لسه مش متعوده عليا .. بكره لما تاخد عليا وتعرفني كويس هتعرف اني أمها
الثانية من حماتها زي ماهي فاكرة ... وانا بكره ان شاء الله هعزم الست والدتها تتغدى معانا هنا
علشان تعرف النا عيلة واحدة واني زي أمها ..
قبل رأسها وهو يقول :
ربنا يديكي الصحة يا ماما
تركها واستدار إلى حقيبته الصغيرة وأخرج منها هاتف محمول صغير باللون الوردي وأعطاه لها
قائلاً :
ماما ممكن تدى ده لـ مهرة ... هو فيه الخط بتاعه
نظرت والدته إلى الهاتف ثم نظرت إليه متسائلة :
- جايبلها تليفون ليه
قال يحرج :
يعني حبيت ارفع روحها المعنوية شوية.. أكيد هتفرح بيه
ثم تابع بارتباك :
مش كده برضة ولا انا غلطان
أخذت منه الهاتف وأومات براسها وقالت ببطء:
- بعد الشر عنك من الغلط يابني .. خلاص انا هديهولها ... انا طالعالهم دلوقتي ... ادخل انت ارتاح
مع عروستك .. بس انا هقولها انه هدية مني انا .. أتفقنا؟
ابتسم وقال بحرج :
مش هتفرق يا ماما .. أنا وانت واحد ... المهم انها تتبسط وتخرج من حالتها دي شوية
أنا أسفه يا طنط ... أنا مش عاوزه حاجة
نظرت مهرة إلى الهاتف في بديها وتأملته قليلاً ثم أعادته إلى أم فارس قائلة :
هتفت والدتها معاتبة:
ليه يابنتي ده هدية من خالتك ام فارس .. حد يرد الهدية
ربنت أم فارس على يدها بإشفاق وكأنها قرأت في عينيها وهي تتفحصه انها علمت من الذي
أحضره لها وقالت بهدوء
أنا كنت فاكراکی هتفرحی بیه.. كده برضة ترفضتي هديتي
نظرت لها شهرة نظرة طويلة وقالت بشرود :
عمرى ما رفضت هدية من .... من حضرتك .. وطول عمرى بفرح بالهدايا بس دلوقتی خلاص
مبقتش تفرق معايا كثير
أقتربت منها أم فارس وأحاطت كتفها بذراعها وريتت على يدها الأخرى وقبلتها على وجنتها
وقالت بتعاطف :
تصدقي انك كبرتي فعلا .. بس لو ليا علاوة عندك حديه
ثم همست في أذنها :
يا عبيطة بقولك ده هديتي انا .. ولا انا بقى خلاص راحت عليا مبقتش ليا علاوة في قلبك
قفزت دمعة من عينها فمسحتها سريعاً وهي تقول :
أقوال مأثورة أو طنط حتى مباني
وضعته أم فارس في يدها وهي تضغط على يدها برفق قائلة :
خلاص يبقى تاخديه من سكات
قبضت عليه في يدها وهي تقول :
متشكرة أوى يا طنط ربنا يخليكي ليا
ابتسمت أمها بينما قبلتها أم فارس ثانية وقالت متسائلة :
أخبار التنسيق أيه
نظرت شهرة أمامها وقالت بجدية :
- لسه النتيجة بتاعته مطلعتش ... بس عموما مش هتفرق ... أي حاجة هتيجي هتعب واذاكر فيها لحد ما ابقى حاجة كبيرة أوى .. أنا دلوقتي ميهمنيش غير مستقبلي ويس.. هو ده اللى هينفعني
مش أي حاجة ثانية
عزمت على نسيان ماضيها وحاولت أن تقتلعه من حياتها ولا تفكر سوى في مستقبلها وفقط ولكن هذه هي طريقة تفكير الحالمون فقط, فالحالمون فقط هم من يعتقدون أن الانسان من
الممكن أن ينفصل عن ماضيه وظروفه و بينته التي كونت شخصيته وأصبحت جزء من تكوينه وبنياته بل أصبحت جزء لا يتجزء من حاضره ومستقبله أيضاً .