رواية مع وقف التنفيذ الفصل الواحد والعشرون 21 بقلم دعاء عبدالرحمن


 رواية مع وقف التنفيذ الفصل الواحد والعشرون 


عاد الفارس إلى صهوة جواده مرة أخرى واستأنف حياته العملية ثانية ولكن هذه المره وهو يجلس خلف مكتب الدكتور حمدي مهران كتائباً عنه ومديراً للمكتب وشريك فيه بمجهوده بنسبة الثلث .... لينفذ فكر استاذه في قبول القضايا ورفضها حسب ما يتراني له من حلها وحرمتها مهما كانت باهظة الثمن .... وعادت دنيا تقيع خلف مكتبها تقلب أوراقها يمثل غير راضية عن وضعها القديم فقد كانت تتصور أن شأنها سيرتفع لمجرد أنها زوجته وأنه سيعطيها مكتب مخصص لها ولكنها تركها كما هي حتى عندما غضبت وطلبت منه ذلك رد ببرود

لو هارفي حد هيبقى على حسب كفانت مش على حسب هو يقربلي ايه

وقد كانت الضربة الموجعة لها والقاسمة الغرورها وكبريائها أنه أعطى تورا صلاحية مدير المكتب وخصص لها مكتبه سابقاً بل وخفف عنها عبء عمل النهار وأصبحت تعمل مساءا كمديرة. للمكتب فقط مما جعل دنيا تستشيط غضبا وحنفاً وتستعر النار بداخلها .... خرجت من المكتب دون استئذان وتوجهت لوالدتها لتحكى لها مأساتها معه والظلم الذي تلاقيه في عملها فاجابتها والدتها بهدوء:

في حاجة مش طبيعية بينك وبينه ومحدش فيكوا عاوز يقول عليها

جلست دنيا تقلم أظافرها وهي ترفع كتفيها وتقول بحيث :

تكلم يا ماما فيه بس يعني .. ضميری مش سامحلى الى افضح جوزی

نظرت لها والدتها مستلهمة وقد عقدت حاجبيها قائلة:

يعنى ايه يا بنتى مش عاوزه تفضحيه هو في ايه بالظبط

رفعت رأسها إلى والدتها وتصنعت الخجل وهي تقول :

أصله بصراحة يعنى مش قد كده معايا .. يمكن بقى علشان كده علطول مضايق وبيعاملني

وحش في ما أكون أنا المسؤلة عن حالته دي

زاد انعقاد حاجبي والدتها وهي تنظر إليها قائلة:

طب ليه ما يروحش لدكتور بدل ما العلاقة بينكوا متوترة كده

زفرت دنيا متيرمة وهي تقول بملل:

يووه حاولت كثير معاه وكل مره بيزعل ويعمل خناقة ... خلاص بقى قسمتي ونصيبي انا

راضية

جلست والدتها واستندت إلى ظهر مقعدها وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها وتنظر لابنتها بشك ثم قالت :

غربية أوى الحكاية دى

عادت دنيا لتقليم أظافرها ثانية وهي تقول بأسي :

شايفة يا ماما انا مستحملة أيه.. وكمان قاعدة مع امه في مكان واحد ومعاملتها بقت حاجة. صعبة أوي

مانت أمها للأمام بابتسامة متهكمة وقالت :

أمي دي بقى لو حلقتيلي عليها عمرك كله مش مصدقك ... ده انا هفت بعینی محدش قالی

نظرت دنيا إليها وقالت بحزن:

كده يا ماما بقى انت برضة تخيل عليكي حركات الست دى ... دى بتعمل كده قدامت پس

ضحكت أمها بسخرية وقالت :

روحي شوفيلك كدبة ثانية بس تكون محبوكة شوية عن دي

هيت دنيا واقفة وهي تقول بالفعال :

کده با ماما .... ماشي ... انا هدخل الام شوية

أنت مش هتروحي

لاء لازم يعرف انه غلط

دخلت غرفتها وتنفست بقوة وهى تزفر بضيق متسائلة بداخلها .. لماذا دائما يكذبها الجميع حتى والدتها لا تصدقها في شيء الهذه الدرجة هي مكروهة منهم ... هوت إلى فراشها بقوة وغضب وهي تلوم نفسها على سذاجتها التي أودت بها ... تذكرت يوم وفاة أبيها واليوم الذي توعدتها أمها أنها ستجعل عمتها تأخذها معها إلى الصعيد لتعيش هناك بقية عمرها وتذكرت يوم أن قررت مصيرها وحددت معاد عقد قرانها على فارس دون الرجوع إليها عادت لتذكر الشعور الذي مر بها والغضب الذي تملكها حينها وهي ترى حياتها تسير في الاتجاه الخاطي، وسينتهي بها الأمر في حارة مع حماتها في شقة واحدة استعادت ذاكرتها هذا اليوم المشوم الذي يحدث فيه عن الدواء المنوم خاصتها ووضعت منه لوالدتها في مشروبها والذي جعلها تمام نوما عميقا مما أتاحالفرصة لها أن تخرج ، وأول ما توجهت كان لمكتب باسم الذي رحب بها وأغلق الباب قائلا:

ولا يهمك محدش يقدر يجوزك غصب عنك

كل ده بسببك انت .. ماما عملت كده علشان سمعتك وانت بتكلمني في التليفون بالليل في الليلة اللى بابا مات فيها .... أسمع بقى انا مش مفرق اوحدى لازم تطلعنى من الحكاية دي فورا

یعنی عاوزاني اعمل ايه

أنت مش قلت هتجوزی و تخليني شريكتك في المكتب ... يبقى لیجی بکره و تطلب آیدی رسمی

ايه ده.. يعنى بتفضليني على حبيب القلب ولا أيه مش فاهم

حبيب قلب آيه دلوقتي .. يعنى أرمى نفسى بأيدي في الحارة مع أمه علشان يحبه .. لاء عليها

أومال انت خرجتی ازای دلوقتی ... مش بتقولي امك حاسباكي

حطيت منوم لماما هينيمها طول الليل وقلت اجيلك وارجع البيت من غير ما تحس الى

المهم ... وطبعا انت تقدم بكره رسمی و مش هتسيبني في اللي انا فيه ده لوحدي.. مش ​​کده أو باسم.. مش ​​كنت بتقول انك بتحبنى وانك مراقب تعمل أي حاجة علشاني

أغمضت عينيها وهي تتذكر نظرة عينيه في تلك اللحظة، وكيف عادت لبيتها وهي تجر أذيال الخيبة مترنحة لا تصدق ما فعله بها وافتراسه لها بعد أن وتفت به وعاد صوته يتردد داخلها

مرة أخرى وهو يقول بمنتهى الوقاحة :

اعرف دكتور كويس هيرجعك زي ما كنت وأحسن كمان

شعرت بغصة في حلقها عندما وصلت لهذه النقطة من ذكرياتها المقررة، و أخذت تفكر في طريقة تعيد بها مكانتها مرة أخرى، فكان لابد أن تبدأ بفارس أولا . لابد أن تستعيد مكانتها في قليه بأي شكل من الأشكال وبشتى الطرق .

ظلت شهرة تداعب أبناء عبير الأربعة وتجرى وهم يجرون خلفها وصوت ضحكاتهم يتردد بين جدران المنزل في سعادة بينما قالت أم بلال وهي تضع يدها على صدرها :

كفاية يا مهرة قلبي وجعني من الضحك يابنتي

قالت عبير وهي تجرى خلف أحدهم يطبق الطعام:

سیبیها با ماما دول كده بياكلوا وجبتهم كلها

جلست مهرة على الأرض والأطفال تجديها من يدها لتقوم مرة أخرى وهي تتنفس بصعوبة

وتقول بأنفاس متقطعة:

كفايه مش قادره قطعنوا نفسى يا ولاد الدكتور

ضحكت عبير وهي تقول بمرح:

أنت خلاص يا قهرة بقى عندك خبرة ينفع نجوزك من بكره

نهضت أم بلال وهي تقول :

أنا هدخل اريح شوية دماغي وجعنى من كثر الضحك

نهضت شهرة وأخذت طفلين على قدماها تداعبهم وشرعت عبير في إطعام الاثنين الآخرين وهى تنظر إلى شهرة نظرات متفحصة ثم قالت :

قهرة ... أنت في حاجة مضايقاكي

التفتت إليها مهرة بحيرة وقالت بتردد :

ليه بتقولي كده

ركزت عبير على عينيها وقالت بثقة.

علشان عارفاكي كويس ... لما يتبقى مضايقة ومهمومة بتقعدى تجرى وتلعبى وتضحكي أكثر

من الطبيعي بتاعك

حاولت شهرة تغير مجرى الحديث وهي تقول :

احنا مش هنروح لـ عزة ولا ايه يالا بقى قومي البسي

نهضت عبير وهي ترمقها بنظراتها وقالت :

ماشي يا مهرة بس خليكي فكرة أنى أختك الكبيرة لو احتاجتی تتكلمي انا موجوده

قالت عبير كلمتها الاخيرة وتوجهت لغرفتها مصطحبة أطفالها لتبدل لهم ملابسهم بينما كانت عيدان مهرة تتابعها في شرود وقد عاد الأسى يسكن قسمات هذا الوجه اليافع مرة أخرى، وهي تتذكر نتيجة التنسيق التي كانت تتمناه وتحلم بها سابقا والتي وضعتها أول غباتها وهي تملأ استمارة الرغبات متنازلة عن مجموع درجاتها الذي يؤهلها لكلية أخرى، ورغم ذلك اختارت أن

تدرس نفس ما كان يدرسه اختارت كلية الحقوق !

سمع صلاح طرقات منظمة على باب غرفته فالتفت إلى الباب وقال بمرح :

أدخل يا عريس

أطل عمرو برأسه من فتحة الباب بابتسامته المرحة ودخل اليه يعانقه قائلا:

وحشني والله يا استاذ صلاح

نظر إليه صلاح متأملا وهو يقول :

وانت والله يا عمرو .. بس أيه الحلاوة دى ... هو الجواز عامل عمايله معاك ولا ايه

رفع عمرو يديه يستعرض عضلاته وقال بغرور مصطنع :

لا ولسه مشفتش المجانص كمان

لم يضحك صلاح فنظر إليه عمرو فوجده ينظر خلفه ووجهه قد عاد إليه جموده فالتفت عمرو خلفه فوجد الهام واقفة عند الباب وتنظر إليه ينظرات إعجاب حزينة تكاد تلتهمه بعينيها وقالت برقة :

- حمد لله على السلامة يا بشمهندس ... تعال المكتب شوية لو سمحت ضروري

و خرجت متوجهة لمكتبها فوضع صلاح يديه على كتف عمرو وقال :

ربنا يخليلك مراتك يابني

نظر له عمرو نظر مبهمة واتجه إلى مكتب إلهام طرق الباب ودخل فقالت :

أقفل الباب يا بشمهندس

أغلق عمرو الباب ووقف مكانه قائلا :

- خير يا بشمهندسة

أشارت له بالجلوس أمامها فاقترب قائلا:

أنا أصلي لسه هستلم الشغل

قالت يبطء وهي تتفحصه :

مش معطلك كثير الفضل

جلس عمرو على المقعد أمام المكتب متحاشيا النظر إليها ، مالت للأمام واسندت ذقنها إلى

راحتها وهي تنظر إليه مبتسمة وقالت :

تعرف أنك احلويت فعلا بعد الجواز

نهض عمرو على الفور وقال يضيق

معلش انا لازم امشي عندي شامل كثير

نهضت من مقعدها ودارت حول مكتبها ووقفت أمامه مدت يدها إليه ولمست بأناملها أزرار

قميصه وقالت هامسة:

أنت ليه مش حاسس بیه یا عمرو

نظر ليدها وابتعد خطوة للخلف ونظر في الاتجاه الآخر وهو يقول بجدية:

يا بشمهندسة اللى بيحصل ده مينفعش خالص

اقتربت هي الخطوة التي ابتعدها ونظرت إليه برجاء وقالت بضعف:

مينفعش أيه .. مينفعش أحبك

نظر إليها بدهشة وقال :

يا مدام إلهام انا راجل متجوز وبحب مراتى وحضرتك كمان متجوزة .....

قاطعته على الفور وهي تتلمس قميصه مرة أخرى وقالت بعينين ملتهبتين :

وبحبك انت ....

أشاح بوجهه وهو يبتعد عن يدها فقالت تستعطفه

يا عمرو انا بحبك ومش عاوزه منك أي حاجة.. أنت ليه مش قادر تحس بالي جوايا شعر بالحرج والأضطراب وحاول أن ينتقى عبارات غير جارحة وهو يسمع نبرتها الواهنة التي

ترجود بها التفت إليها قائلا بهدوء:

- يا بشمهندسة أحنا كلنا هنا بتحترمك وينقدرك ... لكن غير كده مش هينفع صدقيني .. عن أذنك وتركها وأنصرف وهي ترمقه وتراقب حركته العصبية وهو يفتح الباب ويخرج ويغلقه خلفه

مسرعا، فرت دمعة من عينيها فمسحتها بسرعة وهي تقول بتصميم :

غلطان يا عمرو ...

توجه عمرو مباشرة إلى مكتبه وعانق زميله أحمد بحرارة والتفت إلى زميله نادر متناسياً

المشاحنة التي كانت بينهما وقال:

أزيك يا بشمهندس نادر

نظر له نا در نظرة متعالية وقال :

- كويس

ريت أحمد على كتفه وقال يمرح :

واحشني والله يا عمرو و وحشاني خفة دمك ... ايه خلاص هنر جعلنا ثاني ولا ايه

قال عمرو وهو يجلس خلف مكتبه بخفة :

اد ان شاء الله ... هرجه أرحم عليكوا تاني

ضحك أحمد وهو يضع أمامه بعض الرسومات الهندسية وبدأ في العمل بينما كان نادر يراقبه عن كتب ويتتبعه وهو يعمل بنظرات محتقنة حاقدة .

أنهى بلال جلسته العلاجية لاحد مرضاه الذي قال مرحاً :

بجد يا دكتور بلال ... أنت أيدك مرهم ولا حسيت بحاجة

رفع بلال رأسه إليه وقال مداعباً

أنت محسسني انك جاي تاخد حقنة في الصيدلية .. وبعدين لو محستش بحاجة تبقى الجلسة.

بالتأكيد مع كابتن

ضحك كابتن علاء وهو يقول :

لا نجحت ان شاء الله ... بس حلو أوى حكاية التسيح والتكبير والاستغفار اللي انت بتعملها دي

يا دكتور بجد انت ليك سبق في الحكايه دى .... ده انا ما سمعت عنك وعن اللي بتعمله من زميلي

في الفريق قلت لازم أجى أجرب بنفسي وسيبت دكتور الفريق

ابتسم بلال وهو ينهض من خلف مكتبه قائلا:

الكلام كله عاجبني إلا الجنة الأخيرة.. ناقصلك شوية وتقولي اعملى خصم

ضحك علاء بينما نهض بلال وهو يأخذ مفاتيحه من فوق المكتب وقال :

بالا يا كابتن يدوب تلحق العصر

ساعده بلال على النهوض وهو يقول له مشجعاً:

لا يقولك أيه بلاش دلع .. انجز علشان عاوزين الكاس السنة دى

ابتسم علاء بإجهاد وهو يتحرك معتمدا على يديى بلال وقال :

أنا معتمد على الله وعليك يا دكتور

رد بلال مبتسماً وقال معلماً:

يا ابو الكباتن قول على الله ثم عليك

نظر له علاء مستفهما وقال :

- وايه الفرق ؟؟

الله - يعني لما اقول خرجت من المركز انا وعلاء يعنى خرجنا احنا الاثنين سوا... في زيك يعني لكن لما اقول أنت تم أنا يعنى أنت الأول وبعدين أجي انا في المرتبة الثانية .. كده أحنا مش

شرع بلال في الشرح له وهما يتوجهان خارج المركز وقال :

متساويين مع بعض

هر علاء رأسه بدهشة وقال :

تصدق أول مرة أعرف ده احنا بنقولها كثير اوى

ما كاد ينتهي من كلمته حتى أصطدم بمهرة التي كانت تهبط الدرج بسرعة مداعية الطفل على

يديها نظرت له مهرة وقالت باندفاع:

مش تحاسب یا استاذ أنت .. ايه الناس دي

نظر بلال إلى عبير التي كانت تهبط السلم بهدوء وهي تساعد الأطفال على تعلم هبوط السلم بحذر ويبدو أن مهرة قد سبقتها كما تفعل دائما وسمع علاء يقول لها وهو يتأملها ملياً:

المفروض انت اللي تعتذر يلي على فكرة.. أنا اللي تعبان وانت اللي خيطي فيها

نظرة له مهرة شذرا قائلة بحنق :

وانت مبتشوفش يعني

بينما قال بلال بسرعة :

خلاص با كابتن حصل خير ... خلاص با مهرة

قالت عبير بتلقائية :

خلاص بقی یا مهرة محصلش حاجة

اقترب بلال من عبير وهمس في اذنها :

- مش قلت محبش راجل غريب يسمع صوتك .. ماشي لما تطلع بيتنا بس

ابتسمت عبير بصمت فهي مازالت وستظل تحب غيرته عليها حتى من أن يستمع رجل غريب لصوتها فقط ... نظر علاء إلى شهرة وقال بإعجاب :

- وكمان اسمك مهرة ... لا بصراحة أسم على مسمى

نهره بلال على الفور وهو يأخذ بيديه للأسفل قائلا:

يقولك ايه يا كابتن ... انت هتعاكسها قدامی کمان طب احترمني على الأقل يا أخي

همس علاء في أذنه قائلا:

هي تقريلك ولا ايه

قال بلال وهو يغير به باب البناية قائلا:

- حاجة زي كده .. وبعدين وانت مالك

وفي أحد الليالى افترش فارس الأرض بعيدا عن الفراش ووضع وسادته واستلقى بجسده المنهك وأغمض عينيه في أنهاك شديد تحت عينيي دنيا المتابعة له وهي جالسة على الفراش ترقبه وقد عزمت على تنفيذ ما قررته وأن تستعيد مكانتها لديه ثانية, نهضت من فراشها وتعطرت وارتدت ثياباً مكشوفة وجلست على الأرض بجواره واتكأت على طرف وسادته لينفذ

عطرها لأنفه رغما عنه وقالت بدلال :

هنفضل تنام على الأرض لحد امتى .. هو احنا مش متجوزين ولا ايه

قال بحدية دون أن يفتح عينيه:

أنا حذرتك قبل كده يا دنيا .. أرجعي على سريرك وابعدى على

غلفت صوتها بنبرة ناعمة وهي تتلمس خصلات شعره :

ولو مبعد تش هتعمل ايه

فتح عينيه والتفت إليها بعصبية وقال بغضب :

هتشوفي فارس اللى عمرك ما شوفتيه قبل كده .....

ثم قال محذرا

والكام شهر اللي هنا تعدي على ذمتي فيهم تتجنبيني خالص وتبطلى محاولاتك دي علشان انا بحس بقرف لما بتقربي مني

التي عليها نظرة احتقار أخيرة وأغمض عينيه ثانية وولاها ظهره غير مباليا بها ، نظرت إليه.

بغضب وحقد شديد وهيت واقفة في عصبية كبيرة وبدلت ملابسها وهي نعض على تقييدا ​​من كثرة الغيظ والغل !

حاول أن تمحى من أفكارها كل ما هو ليس له علاقة بمستقبلها ومذاكرتها وتتعايش مع الواقع بشكل أكثر حسماً وواقعية، ولكن الواقع هو الذي لم يتركها لشأنها كثيراً، تزوج والدها بامرأة أخرى وأصبح أكثر أهمالاً لهم ماديا ومعنويا، ولم يكن هذا هو العبء الوحيد عليها وأنما لحق به عبا آخر بدأ العرسان يتوافدون عليها وبدأت هي الصراع في الرفض دائماً مما جعل والدها يستخدم سخطاً عليها وعلى رفضها المستمر بدون أسباب حتى كانت الطامة الكبرى بالنسبة لها وتقدم الزواج منها أحد الأشخاص الذين يصعب على والدها الإنصياع إليها ولم يقتنع باسبابها. ولكنها أصرت مما جعله يضربها لأول مرة .... وأخيراً اضطر والده إلى الاستماع إلى رأي زوجته أم يحيى والوجوء إلى الشخص الوحيد الذي يظن الجميع أنه يمكن له أن يقنعها بالموافقة، فتح

فارس باب منزله ليجد أمامه والد مهرة ثائر جدا لكنه قال يحرج

معلش یا استاد فارس عملنالك إزعاج بس كنت محتاجك عندي ضروري لو سمحت

قال فارس بدهشة متسائلاً:

طيب الفضل شوية مينفعش من على الباب كده

معلش يا أستاذنا مش هينفع

أوماً فارس برأسه وقد بدأ القلق يتسرب لنفسها وقال :

حاضر توالي هغير واجي معاك

بدل ملابسه سريعاً وهو يشعر بقلق بالغ ويتوجه إلى والدته بالمطبخ يخبرها بالأمر ثم

أخذه والد مهرة وصعد به إلى شقته، وجلس معه في غرفة استقبال الضيوف وقال بحنق:

بص بقى يا أستاذ فارس البت دي غليتني وطلعت عينى وبصراحة كده أمها شارت عليا أن. مفيش حد غيرك هيقنعها ويخليها تغير رأيها بما أنك مربيها ومن صغرها وهي يتسمع كلامك

عقد فارس بين حاجبيه وقال بقلق :

في ايه طيب فهمني

لوح الرجل بيديه وقال بعصبية

عماله يرفض عريس ورا الثاني وانا ساكت عليها ومش ​​عاوز الغصبها لكن العريس ده بقى متجوزه حتى ولو غصب عنها .. يا أستاذ فارس ده لاعيب كورة معروف وعلى وهتنبسط أوى

معاه ومتخرج من هنا لمستوى ثاني خالص... أنا مش عارف البت دي مالها كده

مال فارس للأمام واستند بمرفقيه على قدمه وفرك كفيه في توتر وقال :

- قهر لسه صغيرة

قال والده يحترم:

وأيه المشكلة .. هي يعنى هتجوز النهاردة ... الراجل عاوز يكتب الكتاب بس

حك فارس ذقته بعصبية وقال متكماً:

یاه کمان عاوز يكتب الكتاب مش يخطب .. ده شكله مستعجل على كده.

هيخطب ليه ... ده جاهز من مجاميعه ومش عاوز منا حاجة خالص ولا حتى شنطة هدومها.

زاد اضطرابه وتوتره وتعرفت بديه بشدة وقال محاولا التحكم بعصبيته:

اه علشان كده بقی

دخلت أم يحيى وقدمت له الشاي

والله يا استاذ فارس شاب يفرح ويشرح القلب ومن ساعة ما شفها عند الدكتور بلال وهو هيتجنن عليها ... وهي دماغها ناسفة

ثم توجهت للخارج وهي تقول :

انا هناديها لك وانت بقى تحاول تأثر عليها .. أنا عارفة انها بتسمع كلامك

دخلت أمهرة غرفتها وقالت لها بلهفة:

قومي بسرعة استاذ فارس عاوزك بره

نهضت مهرة من خلف مكتبها الصغير وهي تحدق بوالدتها وقالت بحزن:

جای یقنعنى إلى أوافق على العريس.. مش كدة ؟

أومأت أمها برأسها وقالت مؤكدة:

أومال معطل نفسه وطالع مع ابوكي ليه ... وبعدين يا مهرة على بالك لو فضلتي رافضة ابوكي

هيبهدلنا ويمكن يطلقني يابنتي ... يرضيكي امك تطلق على كبر كده

زاغت نظراتها وهي تجلس على مقعدها مرة أخرى ترمى ينقل جسدها عليه دفعة واحدة بعد ان خذاتها قدميها وقد شعرت أن الألم يعتصر قليها اعتصارًا محاولاً أن يتخلص من هذا الرجل الذي طالما أحبه وعشق كل سكناته وخلجاته وحروف كلماته وضحكاته بل وآلامه و احزانه، خرجت

كلماتها بصعوبة بعد أن بالت الدموع شفاهها وقالت :

قوليلوا مفيش داعي يتعب نفسه يا ماما .. الا خلاص موافقة

خرجت أم يحيى من غرفة ابنتها وهي تطلق الزغاريد فنهض فارس ووالدها متسائلين فقالت ام يحيى بسعادة كبيرة:

بركاتك يا استاذ فارس ... أول ما خطيت بيتنا عنادها اتفك

ونظرت إلى زوجها قائلة:

كلم العريس وقوله البت وافقت يا ابو العروسة

لخفق قلبه بقوة وهو ينظر إليها مشدوها قائلا:

- هي قالتك انها موافقة يا ام يحيى

ضحكت أم يحيى وهي تقول :

طبعا يا أستاذ فارس موافقة

توجه والد مهرة إلى الهاتف بينما شعر هو أن الدنيا تعيد به وأنه يتنفس من ثقب أبرة لا تروى ظما رأتيه فاتجه إلى الباب خارجاً وهو يتمتم غاضباً:

مبروك

عاد الفارس مهزوماً إلى شقته ولكن غاضباً لأقصى حد فتح الباب يعنف وأغلقه خلفه بقوة خرجت والدته من المطبخ فزعة ورأته غاضباً بشدة لا يرد عليها, ودخل إلى الحمام وضع رأسه تحت الصنبور لعله يطفأ النار التي نشبت برأسه وهو لا يدرى مصدر النار الحقيقية، وقفت والدته بجواره ترجوه أن يتحدث ويخبرها ما به، وأخيرا أغلق الصنبور واعتدل واقفا وهو يتكأ على الحائط أمامه بكلتا يديه ناظراً لوجه بالمرأة والمياه تقطر من كل مكان بوجهه وشعره لتغرق

ملابسه قائلاً :

منتجوز ..

رفعت والدته حاجبيها دهشة وهي تقول :

هي مين يابني

وفجأة انقلب الصمت إلى زوبعة شديدة تتلوها الأعاصير تترا, وأخذ يهدر في غضب شديد.

خلاص مبقاش ليا لازمة عندها .. أنا بقيت ولا حاجة عند الهائم... رايحة تقرر وتوافق من غير ما ترجعلى

خرج من الحمام متوجها إلى المائدة وراح يركل المقاعد واحداً تلو الآخر فينقلب على عقبيه محدثا جلبة شديدة وهو يصيح :

كانت بتاخد رأيي في لون الفيونكة اللي في شعرها ... كانت بتاخد رأيي في القلم اللي يتكتب بيه .. دلوقتي بتقرر تتجوز .. كده من نفسها ... خلاص كبرت و عاوزه تجوز .. خلاص مبقالیش

قيمة عندها

حاولت والدته أن تهدى من روعه وتنشبت به لتجلسه ولكنه كان كالعاصفة الهوجاء يطيح بكل ما يقابله أمامه يمينا ويسارا ، لم تعد تعرف كيف تعيده إلى رشده، أخذت تمسح على ذراعيه

تارة وعلى رأسه تارة وهي تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم, حتى هذا اخيرا وجلس وقد احتقن وجهه بشدة ودفن رأسه بين كفيه محاولة السيطرة على غضبه, يلتقط أنفاسه بصعوبة

كأنه كان يعدو بقوة.

وقفت والدته بجواره تمسح رأسه وتقرأ بعض آيات القرآن وبينما هم كذلك صدح رنين هاتف المنزل تركته والدته ورفعت سماعة الهاتف لتجيب المتصل, أمتفه وجهها وهي تنظر إلى فارس الذي بدأ يهدأ قليلاً وأنفاسه تنتظم، ثم قالت بشحوب:

امتى حصل ده يابنتي

رفع رأسه ونظر إلى والدته متسائلاً حينما سمعها تقول المحدثتها :

لا حول ولا قوه الا بالله البقاء لله يا بنتي

تعليقات