رواية فاتورة قلب الفصل العشرون
بعد ما حل الليل وظهر القمر كان يونس قاعد على المكتب ، بيراجع في أوراق كتير، ملامحه متوترة. أدهم واقف جنبه قدام سبورة عليها صور وخيوط متوصلة بين أسماء وأماكن. فيه صمت تقيل، مسموع بس صوت تقليب الورق.
أدهم وهو بيكتب على السبورة : كل مرة نوصل لنقطة، الخيط بيقطع. كأن حد بيمسح ورا نفسه.
يونس بتفكير وعصبية : وده معناه إننا بنلعب مع ناس تقيلة مش سايبين أثر.
فجأة الباب يتفتح بسرعة، ظابط صغير يدخل متلهف، واقف يحاول يلم أنفاسه.
الظابط وهو بياخد نفسه : يا فندم.. في خبر عاجل.
يونس رفع راسه وقال : خير؟
الظابط : لقينا شخص مهم.. شاهد أساسي، وبيأكد إنه عارف تفاصيل خطيرة عن الشبكة.
أدهم وهو بيتقدم خطوة : مهم لدرجة إيه؟
الظابط : لدرجة إنه لو اتكلم.. ناس كتير هتقع. بس في مشكلة..
يونس بحزم وسرعة : قول انجز.
الظابط : في أوامر إن اللي يقبض عليه بنفسه لازم يكون من أكفأ الضباط عشان دة واحد مش سهل.. سيادة اللواء قال الاسمين الوحيدين اللي هيقدروا يجيبوه من غير خسائر حضرتك وحضرتك.
يونس وأدهم بصوا لبعض لحظة صامتة، كأنهم فاهمين حجم اللي جاي .
أدهم بنبرة تحدي: يعني المهمة بتبدأ دلوقتي.
يونس قام وهو بياخد جاكيت البدلة : هات الموقع.. وإنت جهّز القوة لإجتماع، الليلة دي مش هتعدي على خير.
يونس قلب في الورق بسرعة وحزم، وادهم بلغ القوة ان في اجتماع طاريء
بعد مدة بعد ما القوة اتجمعت في الغرفة شبه مظلمة إلا من نور السبورة الإلكترونية الكبيرة، متعلقة عليها صور وأماكن وخطوط حمراء. يونس واقف ماسك قلم ليزر ، وأدهم وخالد واقفين جمبه وهما مش طايقين بعض وبيحاولوا يتجنبوا بعض عشان المهمة دي خطيرة،كانوا واقفين جمب يونس و قدام ضباط من القوة الخاصة.
يونس وهو بيشير بالليزر على الخريطة : الهدف هيقابل واحد من رجالة الشبكة في المستودع ده.. منطقة صناعية فاضية على أطراف المدينة.
أدهم بجدية : حسب المعلومة، الاجتماع مش هيطول. يعني لازم نتحرك بدقة وفي وقت محدد.
الكاميرا تقرّب على صورة الهدف معلقة على السبورة، مكتوب تحتها: "مصدر خطير – يعرف الأسرار"
يونس بملامح جدية : هنا البوابة الرئيسية.. هتبقى مراقبة كويس. لو دخلنا منها هيتوقعونا.
أدهم اتدخل وقال : عشان كده هنتقسم لفريقين..فريق أول هيعمل تمويه عند المدخل ودة اللي هيكون معانا في المطاردة، والفريق التاني هيستني برا لو في اي خطر او حركة غريبة.
يونس بحزم وهو بيشير إلى الخريطة : وأنا وأدهم هنا... هنكون في قلب العملية. إحنا اللي هنقبض على الهدف بنفسنا.. وطبعاً كل تواصلنا باللاسلكي
الضباط كانوا واقفين بيستمعوا للتعليمات بتركيز عالٍ موافقين. الجو كله توتر.
أدهم بتحذير : أهم حاجة، الشخص ده ميتأذيش. لو حصله حاجة، الملف كله هيقع.
يونس بصوت واطي وحاسم : وهو مش هيحصله حاجة.. طول ما إحنا موجودين.
لحظة صمت، كل العيون عليهم. يونس يقفل القلم الليزر ويحط إيده على الترابيزة بقوة.
يونس وهو بيبص للجميع : تمام.. كل واحد يجهز نفسه للتحرك وطبعاً عارف موقعه. التحرك كمان ساعة إلا ربع الساعة 1:00. ممنوع أي خطأ.
الكاميرا تخرج ببطء من الغرفة، يظهر يونس وأدهم وخالد واقفين جنب بعض كأنهم دخلوا معر،،كة حر،،ب.
_ اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد🦋
في فيلا يونس، كان الكل متجمع في الصالون الكبير ومشغلين فيلم كوميدي وبيتفرجوا عليه، كان ايمن وسالم بيضحكوا ويتكلموا، ونهاد تكتفي بس بإبتسامة وعيونها على سلسبيل اللي بتتفرج بعدم اهتمام وكل شوية تبص في الفون، وعائشة اللي كانت بتخلص شغل ليها اونلاين لانها مش بتروح الجاليري عشان كان كتب كتابها وبتحضر للفرح وكدة واخدة اجازة، ضحى واللي كانت ماسكة فونها ومش بتتفرج ومن حين لآخر بتبص على سلسبيل.
ايمن بضحك جامد : شوف هيستخبى هنا ويفجعها وهي هتوقع الاطباق من ايدها ويتفجعوا، اهي... ههههه
قاطعتهم سلسبيل بخوف بتحاول تداريه : هما اتأخروا اوي، يونس قالنا موضوع بسيط هيخلصوا وييجي من الصبح لحد دلوقتي مجوش.
عائشة كانت مندمجة في الشغل لكن كلام سلسبيل رن في ودنها وحست ببعض الخوف، وقالت : تصدقي عندك حق يا سلسبيل، اتأخروا جامد الساعة دلوقتي 12 وربع ومحدش جه.
ايمن حاول يطمنهم وهو بيقول : اهدوا كدة يابنات انتوا عارفين شغلهم وقد ايه متعب وبياخد وقت وممكن يياتوا كمان.
سالم بابتسامة وهو بيحاول يطمنهم: ايوة ابويا عنده حق الشغل دة مش سهل.
سلسبيل بدموع بتلمع في عينها : بس دة مش شغل، يونس قالي حاجة بسيطة مش هتاخد وقت هيروح يطلع عليها بس مش اكتر.
عائشة بقلق : قلقتيني يا سلسبيل، الواحد كان مركز وشغال.
ضحى بهدوء: ياجماعة اهدوا كدة وصلوا على النبي، ممكن الحاجة البسيطة دي ياست سلسبيل تكون فتحت تطورات واضطروا انهم يفتحوا شغل رسمي.
سلسبيل بقلق باين في عيونها : بس كان المفروض كلمني او بعتلي رسالة حتى يطمني فيها.
نهاد بإبتسامة : يا حبيبتي ممكن يكون معهوش وقت يكلمك، او الموضوع مستعجل مش هيسيب دنيته ويكلمك، متخافوش يعني مافيش حاجة
عائشة بصتلها بخوف وقالت بهدوء وهي بتحاول تطمن نفسها : كلام طنط نهاد صح!
_ اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد🦋
بعد منتصف الليل
العربية السوداء بتقف قدام بوابة جانبية لمخزن قديم، الإضاءة خافتة ومصابيح الشارع ضعيفة. الهواء محمّل برائحة صدأ وزيت محركات.
يونس بيفتح باب العربية وينزل بهدوء، عيناه بتتحرك يمين وشمال، بيدور على أي حركة. أدهم ينزل وراه، ماسك سلاحه ومجهّز نفسه.
أدهم بصوت منخفض : المكان باين إنه مهجور… بس دي أكيد خدعة.
يونس بتركز وهدوء : الحارس مش بيبان في وضح النهار… استنى لحد ما نتحرك.
بيسمعوا صوت خطوات من جوه، خفيف لكنه واضح. يونس بيشير بإيده لأدهم إنهم يلتصقوا بالجدار.
فجأة، بيظهر راجلين مسلـ،،ـحين من البوابة، بيتكلموا مع بعض بصوت واطي، مش واخدين بالهم إن في حد بيراقبهم.
يونس اتشدت ملامح وشه واتكلم بجدية : دلوقتي… نتحرك.
بيطلعوا من ورا الجدار بسرعة، ظابط من الفريق يرمي حجر صغير ناحية اليمين يخلي الحراس يلتفتوا، وفي اللحظة دي يونس ينقض على واحد منهم ويكمم فمه ويسقطه على الأرض. أدهم يرفع سلا،،حه في وش التاني.
أدهم بتحذير : ششش ولا حركة! اي حركة كدة ولا كدة فيها حياتك كلها!
الحارس بيحاول يرفع سلا،،حه، لكن أدهم يضربه بالقبضة على بطنه فيقع. يونس يربط الأول بحبل صغير كان مجهزه، وأدهم يسحب التاني جوه الظلام بعيد عن البوابة.
يونس ابتسم نص ابتسامة وقال : بداية موفقة.
ادهم وهو بيحول في اللاسلكي : خالد، تعالى هنبدأ مطاردة دلوقتي!
يونس وهو بيتنفس بسرعة : لسه بدري، دول بس الحرس اللي برا… اللي جوه أصعب.
بيفتحوا البوابة الحديدية ببطء، الصوت بيصرّ زي صرير مزعج في الليل، ويدخلوا بحذر.
جوه المخزن، المكان مظلم إلا من أضواء ضعيفة متقطعة. رفوف مليانة صناديق قديمة، والجو فيه صدى أي حركة. فجأة، صوت جهاز لاسلكي بيتشوش من بعيد.
صوت من الداخل في اللاسلكي : تأكدوا إن كل المداخل مقفولة… ماحدش يقرب من الراجل اللي جوه.
أدهم ويونس بيتبادلوا نظرة سريعة ويتكلم ادهم بهمس : هو هنا… مفيش شك.
فجأة، نور كشاف يضرب في عينيهم، ويتكلم خالد : مين هناك؟!
الرصا،،ص ينطلق فجأة، والرصا،،صات ترتطم في جدران المخزن. يونس وأدهم بيرموا نفسهم ورا صناديق خشب، بيستعدوا للرد... وخالد بيشاورلهم بحركة بسيطة انه هيتخبى ورا برميل حديدي مصدي.
يونس بحزم للفريق : الاشتباك بدأ… يلا نخلّص.
الفريق اتقسم، يونس وادهم اتخبوا ورا صناديق خشبية ، وخالد وظابط من القوة ورا برميل حديدي، وظابطين من القوة تانيين بدأوا ضرب النا،،ر
صوت الرصا،،ص كان بيرنّ في المكان، والدخان الخفيف بيتصاعد من الطلـ،،ـقات. يونس وأدهم بيبصوا لبعض بسرعة.
أدهم بإبتسامة رغم توتره : إيه رأيك في سهرة الليلة؟
يونس بهدوء قاتل : سهرة طويلة… خلينا نختصرها.
الحراس بيتحركوا في صفين، واحد من اليمين وواحد من الشمال. أصوات خطواتهم تقرّب، والليزر الأحمر بتاع أسلحـ،،ـتهم بيقطع الظلام.
يونس يرفع إيده، يكسر بصمت : واحد… اتنين… تلاتة...فجأة يخرج من ورا الصناديق، يطلق طلقـ،،ـتين سريعتين، واحدة تسقط حارس والثانية تصيب التاني في كتفه.
أدهم يزحف بسرعة على بطنه، ياخد وضع منخفض ويرمي قنـ،،ـبلة صوت صغيرة ناحية الجهة اليسرى...انفجا،،رها يهزّ المكان ويعمّي الحراس لثواني.
يونس يندفع للأمام، يغير مكانه بسرعة، ويستعمل رفوف الصناديق كغطاء. حارس بيحاول يقترب منه من الخلف، لكن يونس يلف فجأة ويضربه بكعب السـ،،ـلاح على وجهه يسقطه أرضًا.
صوت أحد الحراس بصراخ : إحكموا الطوق! متسيبوهمش يخرجوا!
الرصا،،ص يزيد أكتر. أدهم يردّ بنيـ،،ـران متقطعة، بيصيب حارس في رجله، يخليه يقع وهو يصرخ. يونس بيستغل اللحظة ويكمل التقدم لجوّه.
كان في حارس مصوب سلا،،حه على ادهم وهيطلق النا،،ر لكن ظابط من الفريق اصابه بطلـ،،ـقة نا،،رية في راسه، ادهم بصله لوهلة بمعنى استمر
أدهم بص على يونس وسرعان ما اتغيرت ملامح وشه وقال بصراخ : يمينك مكشوف يا يونس!
يونس يلمح بسرعة واحد طالع من السلم المعدني الجانبي، يوجّه سلا،،حه ويطلق رصا،،صة تخليه يتدحرج من فوق السلم.
الجو كله مليان دوشة: طلقـ،،ـات، صرخات، أصوات صناديق بتتكسر... جري في كل مكان، خوف، تصدي للطلقا،،ت
يونس يركع ورا صندوق خشبي، يتنفس بسرعة، وبعدين يقول : لازم نوصل للغرفة اللي جوّه… هو هناك.
أدهم بشدة : بس العدد كبير… محتاجين خطة سريعة.
يونس وهو بيتنفس بسرعة : الخطة؟ نمشي فوق جثثـ،،ـهم.
وكمل وهو بيتكلم في اللاسلكي : ظابطين من الفريق يغطوني بسرعة، حول.
يونس يندفع للأمام، يطلق نير،،ان دقيقة، وظابطين بيطلقوا على الحراس وهو مغطيين يونس و يوقعوا حارس ورا التاني. أدهم، يتحرك بخفة بين الأعمدة، يضرب رصا،،صاته بدقة.
في اللحظة دي، يبان قائد الحرس، راجل ضخم ماسك رشاش أوتوماتيك. يرش المكان بوابل من الرصا،،ص يخلي يونس وخالد يضطروا يستخبوا ورا حائط إسمنتي.
خالد وهو بيتنفس بسرعة : دة مش زي الباقيين، دة اصعب منهم.
يونس بعينين متحديتين : بس احنا والفريق هنخلي الصعب يلين.
القائد الضخم كان واقف قدامهم، ماسك رشاشه وبيضحك ضحكة باردة، صوته بيرن في أرجاء المخزن
القائد بسخرية : كنتوا فاكرين هتدخلوا هنا وتخرجوا بسهولة؟ أنا مش مجرد حارس… أنا اللي الكل بيدوّر عليه.
يونس وخالد بيتبادلوا نظرات سريعة. أدهم يرفع حاجبه بدهشة : يعني إحنا جينا لحد عندك… ووفرنا على نفسنا المشوار
القائد بسخرية : لكن مش هتخرجوا… إلا جثـ،،ـث.
بيرفع رشا،،شه ويطلق دفعة جديدة من الرصا،،ص، يونس وخالد يرموا نفسهم أرضًا بسرعة، الشرار بيتطاير من الصناديق الحديد.
يونس ينادي بصوت عالي وهو مغطّي راسه : أدهم! ده هو الهدف… لازم ناخده حيّ!
أدهم بتوتر وهو بيرد النار : حيّ؟ ده ناوي يدفننا هنا!
يونس يركز، يحاول يقرأ تحركات القائد. بيلاحظ إنه بيتحرك بثقة، حافظ المكان كويس. ينسحبوا بخفة لورا صندوق أكبر، يدي إشارة لأدهم بعينه...
يونس بهمس لخالد : لازم نشتته… إنت خد الناحية دي، وأنا ألف عليه... باقي الفريق وادهم يتوزعوا على المكان
خالد يومّأ، يتحرك بخطوات سريعة ناحية اليمين، يطلق رصا،،صتين يجبر القائد يلتفت له. في اللحظة دي يونس يندفع من الجهة التانية، يقفز ورا ظهر القائد ويحاول يضربه.
القائد يلف بسرعة غير متوقعة، يصدّ الضربة، ويطيّر سلاح يونس برجله. الاشتباك يتحوّل فجأة لمواجهة جسدية.
أدهم بصراخ وخوف : يونس!
يونس بيواجه القائد بقبضاته، ضربات متبادلة قوية، صوت العظام بيخبط. القائد يحاول يخنقه، لكن يونس يضربه بكوعه في صدره ويكسره نص خطوة.
ظابط من الفريق يستغل اللحظة، ويوجّه سلا،،حه ناحية القائد : خلص اللعبة… استسلم.
القائد يبصله بعينين مليانين تحدي، يتنفس بصعوبة لكنه يضحك : إنتو فاكرين لو قبضتوا عليا… هتقدروا توقفوا اللي جاي؟ اللعبة أكبر منكم.
يونس يمسكه بقوة، يلوّيه للأرض... وادهم يتدخل ويكبله
يونس بصوت بارد : يبقى خلينا نسمع منك القصة… جوّه الزنزانة.
_ اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد🦋
الفيلا ساكنة بشكل يخوف، الصمت تقيل لدرجة إن أي حركة صغيرة تبان واضحة.
سلسبيل قاعدة في أوضتها هي ويونس الكبيرة، نور الأباجورة جنب السرير منور، والساعة اللي على الحيطة بتعلن إن الوقت عدى نص الليل بكتير.
تمسك الموبايل، عينيها محمرة من كتر البكاء، وتضغط على اسم يونس.
صوت الرنين يشتغل ثواني… وبعدين الصوت المزعج يقطع أملها : الرقم المطلوب غير متاح الآن.. من فضلك أعد المحاولة لاحقًا."
تتنفس بسرعة، وتضغط على إعادة الاتصال، مرة واتنين وتلاتة.
نفس الرد، نفس البرود، ونفس الوجع.
تبص للساعة: 4:00 الفجر بعد نص الليل.
تحط الموبايل جنبها، تقوم تمشي في الأوضة الكبيرة بخطوات سريعة.
كل كام خطوة تبص للباب كأنها متوقعة يونس يدخل فجأة.
ترجع تاني للسرير، تاخد الموبايل وتضغط على زر الاتصال، صوت الرد يتكرر.
دموعها تنزل من غير ما تحس.
سلسبيل بصوت واطي وهي بتبكي : يا رب… رجعهولي بخير... يا رب احفظهولي ومتورنيش فيه حاجة وحشة.
تحط وشها في إيديها وتنهار، لحد ما فجأة تسمع خبط خفيف على الباب.
ضحى من برة بصوت خجول : سلسبيل… إنتي صاحية؟
سلسبيل بسرعة تمسح دموعها، تقوم تقرب من الباب وتفتحه.
تلاقي ضحى واقفة ببيجامة بسيطة، ملامحها بريئة وفيها خوف.
ضحى بخجل ونعاس : أنا… مش عارفة أنام لوحدي... مش متعودة انام لوحدي من غيرك، ممكن أنام عندك؟
سلسبيل تفتح الباب أكتر وتومئ برأسها بإبتسامة مصنعة : تعالي حبيبتي.
ضحى تدخل، عينيها تلمح الموبايل اللي في إيد سلسبيل ووشها اللي باين عليه العياط.
تجري عليها بسرعة وتقعد جنبها على السرير.
ضحى بقلق : سلسبيل مالك؟ إنتي كنتي بتعيطي؟
سلسبيل تحاول تضحك ضحكة ضعيفة، بس صوتها مبحوح : كنت بحاول أكلم يونس… بس فونه مقفول.
ضحى تمسك إيدها بحنية : طب ابعتي له واتساب… يمكن يرد لما يفتح.
سلسبيل تنهار أكتر، تبص لها والدموع في عينيها : بعتله يا ضحى… بعتله عشرين مرة… وهو أصلاً فونه خارج الخدمة.
ضحى تبص لها بحزن، تقرب منها أكتر وتطبطب على كتفها : يمكن في مهمة يا سلسبيل، يمكن في شغل ومش عارف يرد… بس هو بخير إن شاء الله.
سلسبيل تبص للساعة تاني: 4:15.
تتنهد تنهيدة طويلة، وبعدين تحط الموبايل جنبها، بس بسرعة تاخده تاني وتعيد الاتصال.. نفس الرد يتكرر.
تدمع أكتر وتقول بصوت مبحوح : أنا قلبي مش مطمن يا ضحى… حاسة إن في حاجة وحشة حصلت.
ضحى بسرعة تحضنها من غير ما تتردد : بلاش تقولي كده… بلاش. هو بخير، أنا متأكدة.
سلسبيل تحط راسها على كتف ضحى، دموعها تنزل بغزارة، وضحى تحاول تمسحها بإيديها الصغيرة.
بعد شوية، ضحى تقوم وتشد البطانية وتغطيهم هما الاتنين،وتتكلم بنبرة حنونة : نامي يا سلسبيل… هيفضل يونس بخير ويرجعلك. وإحنا هنا سوا، مش لوحدك.
سلسبيل تهز راسها، تبص تاني للساعة: 4:40.
وبعدين تبص للموبايل اللي في إيدها، تضمه لصدرها، وتبكي بصمت لحد ما تغمض عينيها شوية من كتر الإرهاق..
ضحى تفضل صاحية جنبها، ماسكة إيدها ومش ناوية تسيبها، تبص كل شوية على وش سلسبيل وهي نايمة بدموع، وتتمتم بدموع : يا رب رجعهولنا بالسلامة.
الكاميرا تفضل تبتعد ببطء عنهم، والأوضة غرقانة في هدوء مؤلم، غير صوت أنفاس متقطعة ودموع مبللة للمخدة.
_ اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد 🦋
يونس وأدهم خارجين من المخزن، ماسكين القائد المقيّد. في اللحظة دي تظهر باقي القوة اللي معاهم، ٦ رجال مسلـ،،ـحين من الوحدة الخاصة، لابسين أسود وملثمين، بيأمّنوا المكان حوالين البوابة.
أحد أفراد القوة في اللاسلكي : الهدف في قبضتنا… الطريق آمن حتى الآن.
أدهم يرد وهو ماسك سلا،،حه : خلي عينك على أي حركة، أنا مش واثق في الهدوء ده.
يونس وهو بيشاور لرجاله : اتنين قدام العربية… اتنين ورا… والباقي على الجنبين. مفيش غلطة.
القائد بيضحك ضحكة ساخرة وهو وسط الحصار : حتى بالعشرة دول… مش هتطلعوا من هنا أحياء، رجالتي مش هتسيبكوا
فجأة، واحد من أفراد القوة يصرخ : تحرك في الأفق!
الكل يوجّه أسلـ،،ـحته… ويبان ضوء عربيات جاية بسرعة، تراب متطاير.
أدهم بشدة وصدمة : إيه ده… تعزيزات ليهم؟
يونس بهدوء وحزم : استعدوا للاشتباك… الهدف يركب دلوقتي!
بيفتحوا باب العربية بسرعة ويدفعوا القائد للداخل، فردين من القوة يركبوا معاه يأمّنوه، أدهم يطلع جنبه.
يونس يركب الكرسي الأمامي، واحد من رجاله يسوق.
في اللحظة دي العربيات المجهولة تقترب، تطلق رصا،،ص كثيف على القوة. صوت الاشتباك يعم المكان. رجال يونس يردوا النا،،ر بمهارة، يغطيوا انسحاب عربيتهم.
أدهم وهو بيطلق من شباك العربية : قلتلك، الموضوع كبير!
يونس بتركيز : خلّي رجالك يثبتوا… إحنا لازم نطلع بالهدف حي.
أحد أفراد القوة في اللاسلكي : الفريق الخلفي بيوفرلكم تغطية… اخرجوا دلوقتي حالاً!
العربية اللي فيها يونس وأدهم تنطلق بسرعة وسط المعركة، باقي القوة بتفتح نير،،ان كثيفة تبطّئ تقدم عربيات العدو.
العربية اللي فيها يونس وأدهم والقائد المقيّد بتتقدم بسرعة، وحواليهم عربيتين من قوة الدعم يوفّروا حماية على الجنبين.
وراءهم ٣ عربيات دفع رباعي سودة، مليانة مسلـ،،ـحين، مطاردين بعنف.
الرصا،،ص ينهال زي المطر، وأصوات الطلـ،،ـقات بتتردد في الجو.
القوة بتردّ النار من الشبابيك ومن الـ"رشاش" المثبّت فوق إحدى العربيات. الشرر بيملأ الطريق.
أحد أفراد القوة في اللاسلكي : النير،،ان تقيلة جدًا! نحتاج نضرب إطاراتهم!
يونس يطل برأسه من النافذة، يرفع سلا،،حه ويركّز على أقرب عربية مطاردة. فجأة… رصا،،صتين يخترقوا جانب العربية وييجوا في جنبه. جسمه يهتز، يوقع نفسه جوّه العربية.
أدهم بفزع وخوف : يونس!!!
يونس يتنفس بصعوبة، يضغط بإيده على جنبه وبعدين يبتسم ابتسامة مكسورة : الواقـي… خد الضر،،بة. أنا سليم… بس الألم قا،،تل.
قبل ما يلحق أدهم يرتاح، رصا،،صة تانية تيجي وتخدشه في دراعه. الد،،م يسيل خط أحمر ويتكلم بملامح مشدودة وألم : مجرد خدش… لسه واقف.
في اللحظة دي، عربية العدو الأولى تقرّب جدًا، واحد من المسلـ،،ـحين يطلع من السقف برشاش ثقيل.
فرد من القوة فوق عربية الحماية يصرخ : غطّوني!
يضرب دفعة رشاش متواصلة، تصيب الراجل وتسقطه من فوق. العربية المطاردة تتمايل.
أدهم بحماس رغم الألم : جميل! واحد وقع، لسه اتنين!
القوة اللي على اليمين تركز نير،،انها على إطارات عربية تانية، الرصا،،ص يخترق الكاوتش، العربية تنحرف وتنقلب، الشرر يملأ الجو.
القائد المقيّد في الكرسي الخلفي كان شايف كل دة ببرود عارم يقطع لحظة الصمت ويقول بضحك رغم الفوضى : مهما عملتوا… مش هتوصلوا بعيد. الطريق قدامكم مش آمن!
يونس يلتفت له بنظرة باردة، وهو بيرجع يرفع سلا،،حه بإيده السليمة ويضرب طلـ،،ـقة دقيقة في محرك العربية الأخيرة. دخان أسود يتصاعد وهي تبطّئ.
يونس بحزم : إحنا اللي بنرسم الطريق وبنشكله… مش إنت.
لكن فجأة تطلع عليهم عربية تانية مطاردة ليهم ومليانة رجال ملثمين ومسلـ،،ـحين اكتر و أصوات الرصا،،ص تملا الجو كأنها عاصفة. الشرر بيطير من جسم العربيات، والزجاج بيتناثر في الهوا.
يونس بص بصدمة وهو ماسك سلا،،حه وبيتنفس بصعوبة من الألم في جنبه : ثبتوا أماكنكم! متسيبوش حد يطوقنا! لازم ننزل نواجهم برا العربية
أدهم يصرخ في اللاسلكي : الفريق التاني يغطي الناحية اليمين! لازم نفتح ثغرة بأي تمن!
سامي، الجندي الصغير، بينزل بسرعة من العربية بكل حماس، أول مهمة كبيرة ليه. عينه كلها خوف وحماس في نفس الوقت. يرفع سلا،،حه ويبدأ يطلق نار بشكل متواصل، صوته بيرتجف وهو بيقول : مش هسيب حد يقرب منكم!
فجأة… طلـ،،ـقة غادرة تيجي في صدره. جسده يرجع لورا والطلـ،،ـقة التانية تيجي اسفل صدره ويقع على الأرض.
الدم بيبدأ يخرج بغزارة، عينه تبص للسماء كأنه مش مصدق اللي حصل.
أدهم بصدمة ، صوته بيتقطع : ســامــي!!
يرمي نفسه ناحية الأرض، يحاول يزحف ناحيته وسط وابل الرصا،،ص.
خالد يجري بسرعة عشان يسنده : استحمل يا أخويا! قوم معايا يا سامي، بصلي ورحمة ابوك!
بس في اللحظة دي، رصا،،صة تخترق رجل خالد. يقع هو كمان وهو يصرخ من الألم.
أدهم يوصل لسامي، يرفع راسه بإيده. دموعه نازلة رغماً عنه، بيهز راس سامي : افتح عينك… متسيبنيش… سامي رد عليا!
سامي بصوت واطي، بيتقطع : أنا… عملت اللي قدرت عليه يا فندم… قولوا لأمي… أنا… ما خيبتش أملها…
عينه تدمع، يبتسم ابتسامة صغيرة وسط الألم، وبعدين جسمه يسكن تمامًا... عينه تثبت ليقابل رب كريم.
أدهم بصراخ : ســامــي لااااا !!!
يبص حواليه كأنه عايز الدنيا كلها توقف.
يونس رغم إصابته، يقرب منهم، عينه حمراء ووشه متماسك بالعافية. يحط إيده على كتف أدهم ويقول بصوت خشن : هو ما،ت بطل… ودمـ،،ـه أمانة في رقبتنا. لو انهارنا دلوقتي، نكون خنا تضحيته.
أدهم يمسح دموعه بسرعة، عينه كلها نار : هخلصها… هخلصها عشان سامي.
القوة كلها متأثرة، في منهم اللي بيبكي بصمت، واللي بيشد سلا،،حه بغضب، اتكلم يونس بصوت عالي: قنابل دخان… نغطي التحرك ونفتح طريق.
أحد الجنود يرمي قنابل الدخان، المكان يتغطي بضباب رمادي. أصوات الرصا،،ص مستمرة لكن بتقل شوية.
يونس وأدهم يسحبوا خالد المصاب معاهم، لكن يسيبوا جثمان سامي وراهم وسط الدخان.
أدهم بصوت مخنوق وهو بيبص وراه : سامحني… مش قادر آخدك دلوقتي.
يونس بدموع : هنرجعلك… بس لازم الأول نكمل المهمة.
المعركة تستمر شوية لحد ما الأعداء يتراجعوا، وظابطين من القوة ياخدوا القائد عشان يسلموه في القسم والباقي يفضل، الطريق يفضل مليان دخان، نار، وصوت الريح اللي كأنه بينوح على سامي...
يشيلوه ويحطوه في العربية ويسندوا خالد المصاب في عربية من عربيات القوة يلف رجله بقماشة طويلة وهو بيتحامل على وجعه.
الليل ساكت إلا من صوت أنفاسهم المتقطعة بعد المعركة.
الكاميرا تتابع يونس وأدهم وهما شايلين سامي، بملابسه الممزقة والد،،م على صدره، يدخلوا مكان مهجور ومعاهم الفريق. عيونهم كلها منهارة، وصوت خطواتهم تقيل.
أدهم بهمس وبحّة صوت : حطوه هنا… بالراحة.
ينزّلوا سامي على الأرض، على بطانية قديمة. يونس يسيب إيده ببطء، وكأنه مش قادر يبعد عنه. يفضل ماسك أصابعه الساقعة لحظة طويلة.
يونس بصوت متقطع ودموعه نازلة كالشلال : كان لسه بيضحك… لسه بيقوللي بعد المهمة دي هنروح نزور أمه… يا رب كان آخر كلامه ضحكة.
الفريق كله ساكت، نظراتهم مكسورة. أدهم يحاول يسيطر على نفسه، عينه مليانة دموع لكنه بيشد نفسه عشان يفضل واقف.
ادهم بعياط شديد : انا السبب، انا السبب في مو،،ته، انا اللي اصريت انه يشارك في المهمة.
يونس والدموع تسيل على خده بغزارة : دة قدره يعني لو مكنتش اصريت كان هيحصل حاجة وتخليه ييجي معانا، ربنا كاتبله كدة
صوت خالد من ناحية تانية، بيتأوه من الألم بقوة : آآخ… مش قادر… النار في رجلي بتاكلني، الجر،،ح نار.
واحد من ظباط الفريق يفتح الباب بسرعة ويدخل دكتور ميداني رجل كبير في السن، ملامحه جدية، شايل شنطة طبية. يجروا بيه ناحية خالد اللي مرمي على الأرض ودمـ،،ـه مغرق رجله والأرض.
الدكتور بحزم : لازم يروح المستشفى، نز،،ف د،،م كتير.
يونس وهو بيتمالك دموعه وصوته طالع بالعافية : حضرتك شايف اننا مينفعش ننقله مستشفى دلوقتي وفي الوضع دة، لو حضرتك تطلع الرصا،،صة واي حاجة تحتاجها هنوفرها لحضرتك.
ادهم ولأول مرة يبقى خايف على خالد، اتكلم بدموع : اي حاجة تحتاجها يا دكتور هنوفرهالك حتى لو د،،م، انا فصيلة دمـ،،ـي نادرة.
يونس يقعد جنب خالد، يمسك إيده بقوة عشان يثبته. أدهم يقص قماش بنطلون البدلة اللي على الجر،،ح، الد،،م باين والجر،،ح غويط.
خالد بصراخ : لأ… لأ… يا جماعة استنوا!… مش هقدر…الوجع قا،،تل
يونس بصوت حاسم وهو ماسك إيده : بصلي يا خالد… استحمل. دي لحظة وهتعدي… مش هسيبك تروح مننا.
الدكتور يطلع أدواته بسرعة، يدي حقنة مخدر موضعي لكن تأثيرها ضعيف بسبب النز،،يف. يدخل آداة في الجر،،ح، صوت المعدن وهو بيحتك بالعظم يرن، وخالد يصرخ بأعلى صوته، الفريق كله بيتهز من صرخاته.
خالد بصوت متقطع من الألم : آآه… يارب، يارتني كنت مُـ،،ـت لو حسيت بالألم دة.
أدهم حضنه جامد وحط وشه في صدره بحيث ميشوفش الجر،،ح، واتكلم بصوت مبحوح : لا متقولش كده… انت هتعيش، فاهم؟! مش هتسيبنا زي سامي!
يونس يضغط أكتر على إيد خالد، عينه مدمعة، بيحاول يشجعه وهو نفسه بيتفتت جوه.
يونس بدموع : ركز في صوتي… بصلي أنا!… أنت قوي، أقوى من أي رصا،،صة!
الدكتور يسحب الرصا،،صة أخيرًا، صوتها وهي بتترمي في الطبق المعدني عالي. الكل يتنفس بارتياح لكن خالد لسه بيترجف من الألم... والعرق يسيل من جبهتيه.
الدكتور وهو بيضمد الجرح : الحمد لله… الرصا،،صة خرجت. هيفضل الألم، بس هينجو... هكتبله على محلول لازم تجيبوه حالاً عشان نركبهوله ويعوض الد،،م اللي نز،،فه ومسكن عشان الألم، واسبراي للجر،،ح عشان ميتلوثش.
الفريق يتنهد، لكن الجو لسه تقيل. يونس يسيب إيد خالد ببطء ويرجع يبص لسامي اللي ممدد على الأرض، ملامحه هادية كأنه نايم.
ادهم اومأ راسه للدكتور واخد روشته من الدكتور وكان هيطلع بس وقفه صوت خالد اللي كان مغمض عينه وبياخد نفسه بسرعة وبيتكلم بصوت مبحوح : ادهم! متروحش لوحدك...خد حد معاك من القوة... الدنيا بردوا مش آمنة.
بصله ادهم بدموع واخد شخص من القوة وجاب الحاجات اللي الدكتور كتبها له ورجع، الدكتور ركبله المحلول واداله حقنة مسكنة ورش اسبراي للجر،،ح.. وفي لحظة كان خالد غمض عيونه بتعب وادهم عدله وغطاه بلحاف كان موجود.
أدهم اتنهد و قعد جنب يونس، صوته مبحوح والدموع نازلة من عيونه بغزارة : كان أخونا… كان سند لينا… وكل حاجة هنا ناقصة من غيره... انا بس مش عارف هنقول لوالدته الخبر ازاي؟ دي هي معندهاش غيره، متبقلهاش حد في الدنيا كان هو دنيتها.
يونس غطى وشه بإيده لحظة، الدموع تنزل من بين أصابعه. بعدها يرفع راسه ويتكلم بدموع : قد ايه الحياة دي مش عادلة.
وكمل كلامه وهو بيبص للفريق : بس والله العظيم لنخليهم يتمنوا المو،،ت وميطلوش، هنجيب حق مو،،ت سامي، ووجع خالد، دمـ،،ـهم مش هيروح هدر.
ادهم بصوت مبحوح لكنه حازم : سامي ما،،ت بطل… ودمـ،،ـه دين في رقبتنا. نوعده… إننا هنكمل اللي بدأناه. لآخر نفس."
الكاميرا تلف على وجوه الفريق: عيون كلها دموع وغضب، ثم تركز على الرصا،،صة اللي خرجت من جسد خالد، مرمية جنب جثـ،،ـة سامي… رمز للفقد والألم اللي بقى وقود لرحلتهم.
_ اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد🦋
البيت كان ساكن تمامًا، والليل تقيل.
عائشة قاعدة في أوضتها، نور الموبايل منور وشها، عينيها متورمة من كتر المحاولات الفاشلة.
تضغط على اسم يونس…"الرقم المطلوب غير متاح الآن."
ترجع تحاول مع أدهم…
الموبايل يرن شوية وبعدين ينقطع من غير رد.
عينيها تتملي دموع، وصوتها يتكسر وهي بتكلم نفسها : ليه مش بيردوا؟… ليه؟! يارب يكونوا بخير
تحط الموبايل على ودنها تاني، تحاول تعيد الاتصال بيونس، نفس الصوت المزعج.
دموعها تنزل بغزارة، تحط وشها في كف إيديها، وتفتكر كلماته اللي قالها لها من فترة، لما كان بيحكي عن شغله..
فلاش باك عائشة وهي في حضن يونس – صوت يونس : في شغلنا ده يا عائشة… في ناس بتموت قدامنا. ساعات ما بنلحقش ننقذهم، وساعات اللي معانا بيقعوا وما بيرجعوش…
تطلع عائشة من حضنه وتقبل خده بحنية وهي بتقول : متقولش كدة بعد الشر عليك
ترجع عائشة من ذكرياتها، وصوت يونس بيرن في ودنها، دموعها تنهمر أكتر... وتتكلم وهي بتبكي بحرقة : لأ يا رب… ما تخلّينيش أسمعها عليه… يونس وادهم كل حياتي ومقدرش اسمع عنهم حاجة وحشة.
تنهض بسرعة من مكانها، دموعها مش سايبة وشها، وتخرج من أوضتها.
تنزل السلم بهدوء، بس رجليها تقيلة.
تدخل المطبخ، تفتح التلاجة، تمسك إزازة المية، إيدها بترتعش لدرجة إن الغطا يقع منها على الأرض.
وفجأة تسمع خطوات وراها.
تلف تلاقي سالم واقف بتيشيرت بسيط، شكله تعبان وعينيه متقلقة.
سالم بصوت واطي : إنتِ لسه صاحية يا عائشة؟ ايه اللي مصحيكي لحد دلوقتي.
تحاول تمسح دموعها بسرعة، لكن صوتها يخونها : مش قادرة أنام… حاولت أكلمه وأكلم أدهم… لكن محدش بيرد.
تقف ساكتة ثواني، وبعدين تنهار فجأة وتروح تحضنه، دموعها تنزل بقوة على كتفه.
عائشة ببكاء مكتوم :
– أنا خايفة اوي يا بابا… خايفة يحصلهم حاجة.
سالم يطبطب على ضهرها بحنية، صوته هادي بس فيه وجع باين : اهدي يا حبيبتي… متقوليش كده. يونس بخير، ما تخافيش. هو عارف يخرج من أي حاجة.
عائشة تهز راسها وهي لسه منهارة : بس قلبي مقبوض… وكل ما أفكر في كلامه عن الناس اللي بتموت… قلبي يتقطع.
سالم يشدها في حضنه أكتر، ويهمس لها كأنه بيواسي نفسه معاها : طول ما أنا موجود… عمري ما هسيبك تتخوفي كده. وهو هييجي… هييجي سليم.
يستمر في الطبطبة عليها، لحد ما صوت شهقاتها يهدى شوية.
يمسك وشها بين إيديه، يبصلها بعينين مليانين صدق : اسمعيني… روحي نامي، وخلي بالك من نفسك. يونس هيرجع، وأول ما يفتح موبايله هيكلمك.
عائشة تمسح دموعها وهي بتبصله بعجز : يا رب…
ترجع تطلع السلم بخطوات بطيئة، تدخُل أوضتها وتقفل الباب.
تقعد على السرير، الموبايل لسه في إيدها، تبص للساعة: 4:55 بعد نص الليل.
تضغط تاني على اسمه… نفس الرد.
تحط الموبايل على صدرها، تغمض عينيها وهي لسه بتبكي، وصوت سالم في ودنها: "هو بخير… ما تخافيش."
لكن قلبها يفضل مقبوض، مش عارف يصدق.
_ اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد🦋
قبو مظلم، مليان دخان سجاير، طاولة خشب كبيرة محوطة برجالة العصابة.
الكبير قاعد على الكرسي في النص، ملامحه متجهمة، عينيه مليانة غضب وخوف متخفي.
يضرب بكف إيده على الطاولة بقوة تخلي الكل يسكت فجأة.
الكبير بعصبية شديدة وغضب عارم : إنتوا فاهمين إنتوا عملتوا إيه؟! الراجل اللي كان معاكم ده لو اتكلم… أنا أروح في ستين داهية!
الرجالة يتبادلوا نظرات مرتبكة، واحد منهم يحاول يبرر، ويتكلم بخوف : يا كبير، إحنا حاولنا… بس يونس وأدهم دخلوا علينا فجأة وخدوه مننا.
الكبير ينهض واقف بسرعة، يحدّق فيهم بعصبية : حاولتوا؟! حاولتوا؟!
وكمل بصراخ : ده معناه إنكم فشلتوا! الراجل ده معاه ورق ومستندات لو وصلت للشرطة… أنا هيتحكم عليا بالإعد،،ام.
يسود الصمت، الرجالة مطرقين راسهم...الكبير يبدأ يمشي حوالين الطاولة بخطوات تقيلة، صوته ينخفض لكنه أكثر خطورة:
الكبير بتفكير وشر باين في نبرة صوته : يونس وأدهم… فاكرين إنهم مسيطرين؟ فاكرين إنهم أقوياء؟ لأ… كل واحد ليه نقطة ضعف.. وانا بنقطة ضعفهم دي هعرف ازاي هكسرهم واخليهم يتراجعوا!
يتوقف، يلتفت لهم بعينين ضيّقة.
الكبير : وعايزين تعرفوا إيه نقطة ضعفهم؟… عيلتهم... مستعدين يضحوا بأي حاجة مقابل عيلتهم حتى لو حياتهم.
رجالة العصابة يرفعوا راسهم بقلق.
الكبير يكمل ببطء، كأنه بيرسم خطة جهنمية : وصلتني أخبار… إن أدهم كاتب كتابه على عائشة… أخت يونس بيه.
واحد من الرجالة : وكمان احنل متابعين الظابط اللي اسمه ادهم دة له اخت هنا في مصر
الكبير بشر : كان نفسي اخدها بردوا بس للاسف مافيش وقت، بس وعد اني لما اخطف عيلتهم، ابقى اشوف موضوع اخته دة
يكمل كلامه وهو بيضحك ضحكة خفيفة شريرة : يعني ضربتين في ضربة واحدة... وزي ما المثل بيقول ضربتين في الراس بتوجع.
يقف قدامهم، صوته يرتفع بغضب : نخطف العيلة كلها… الأم، الأخوات… الكل! ونخليهم يشوفوا إن الرجالة اللي فاكرين نفسهم أبطال… عاجزين حتى يحموا أهلهم.
رجاله يتبادلون نظرات صادمة، واحد منهم يسأله متردد : يعني يا كبير… نخطف عيلة يونس وأدهم كلها؟ ده هيبقى خطر كبير... واكيد مأمنين نفسهم بحراسة.
الكبير يقرب منه بسرعة، يمسكه من ياقة قميصه ويزأر في وشه : الخطر الحقيقي إن الراجل اللي مع يونس يفتح بقه! لو اتكلم… مش بس أنا اللي هقع… إنتوا كلكم هتتسحلوا معايا.
يسيب الياقة ويكمل وهو بيتنفس بعنف : لازم نكسر يونس وأدهم قبل ما يكسرونا.
يرجع يقعد على الكرسي، يولع سيجارة، ينفخ دخان ببطء وصوته هادي بس قاتل : نفذوا الخطة… وعايز العيلة كلها في إيدينا قبل ما يونس وأدهم يفكروا في الخطوة الجاية.
الكاميرا تركز على وشه وهو بيبتسم ابتسامة شريرة، والرجالة واقفين متوترين، عارفين إن اللي جاي نار.
_ اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد🦋
في فيلا يونس الصبح على السفرة. الجو كئيب، الأطباق متسابين زي ما هم، الأكل باين عليه برد. سلسبيل وعائشة قاعدين جنب بعض، ووشوشهم مرهقة من قلة النوم والخوف. نهاد وضحى ساكتين وبيبصوا في الأرض، أيمن الجد حاطط إيده على عصايته وعينيه شايلة همّ كبير...سالم بيبصلهم بقلة حيلة وحزن.
عائشة بصوت واطي وهي بتبص حوالين السفرة : يا ترى يونس وأدهم بخير دلوقتي؟ يا ترى كويسين؟
سلسبيل تشد إيدها وتربّت عليها : هما قدها… إن شاء الله هيرجعوا لنا بخير وسلامة.
نهاد تهز راسها بتعب : يا رب استرها معاهم.
الجو كان هادي بشكل خانق، فجأة صوت ضرب نا،،ر عالي يدوّي برا البيت. الكل يقوم مفزوع، الأطباق تقع على الأرض، والزجاج بيرتج من الرصا،،ص.
سلسبيل بصراخ : إيه الصوت ده!! في ايه؟
عائشة جريت على سالم وايمن بخوف وعياط، وقالت : ايه الصوت دة يا بابا!
قبل ما حد يتحرك، الباب يتفتح بعنف. الرجل الكبير يدخل بعصبية، ومعاه رجالة مسلـ،،ـحين. نظراته قاسية وصوته جهوري.
الرجل الكبير بحدة : قوموا كلكم… دلوقتي، مش بتقولوا يونس وادهم بيحموكوا دايماً يوروني نفسهم دلوقتي هيلحقوكوا ازاي!
رجالته يقتحموا الصالة، واحد يشد عائشة وهي بتصرخ برعب سحبت شال بإيدها من على الكنبة وحطته على راسها تداري شعرها ، والتاني يمسك سلسبيل من دراعها وهي بتقاوم بعياط... نهاد تحاول توقف قدامهم لكن يتزقّها واحد منهم بعنف، وأيمن يحاول يرفع عصايته لكن يتهدد بالسلاح.
الرجل الكبير وهو بيبصلهم بإستهزاء : يونس وأدهم مش هنا ينقذوكوا… يلا على برة، انا هدفعهم التمن غالي
سلسبيل برعب وصراخ: حرام عليكوا هما عملولكوا ايه، سيبونا في حالنا.
الراجل الكبير بقسوة وغل : اللي عملوه انهم خدوا اهم رجالتي وبيحوموا حواليا وانا اللي يزعلني، اقتـ،،ـله مكانه.
العيلة كلها بتتسحب بالقوة وسط صرخات البنات، والمكان يفضل فاضي إلا من الأطباق المكسورة وصوت الباب وهو بيتقفل بعنف.
_اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد🦋
كان الجو محمل بالبؤس والكئابة،
يونس واقف قدام قبر سامي، إيده بتترعش وهو ماسك ورد أبيض. ملامحه متعبة من كتر السهر والضغط. عينه حمرا من كتر البكاء المكبوت.
أدهم واقف جنبه، ماسك وردة حمراء صغيرة، ووشه تقيل بالوجع.
يونس وهو بيبص للقبر وهو صوته مخنوق : يا سامي… يا أخويا.. مقدرتش أنقذك... شفتك وانت بتمـ،،ـوت قدامي ومعرفتش احميك.
يسكت لحظة والدمعة تتحشر في عينه : سامحني… بس أوعدك، والله ما هسيب حقك. اللي عملوا كده هيدفعوا التمن غالي.
أدهم عينيه بتلمع بالدموع وهو يركع يحط الوردة : كنت لينا سند وضهر يا سامي… أنا عمري ما هنسى ضحكتك، ولا كلامك... ولا هزارك معانا.
يبص للأرض بحزن شديد : اللي قتـ،،ـلوا روحك، قسمًا بالله، هنخلي دمـ،،ـك لعنة عليهم.
لحظة صمت طويلة. الهوى بيهفّ، وصوت ورق الشجر بيتحرك كأنه بيرثي معاهم. يونس يمد إيده ويمسح على شاهد القبر، يقف ساكت، صوته بيتهز وهو يهمس.
يونس بحزن ودموع مالية عينيه : مش قادر… مش قادر أستوعب إنك خلاص مش معانا.
يسند راسه لحظة على الشاهد، ثم يقف، يزفر زفرة تقيلة. وهو ماشي، فجأة يحس بغصة قوية في صدره. يحط إيده على قلبه، عينه تتسع، وياخد نفس مقطوع. يتمايل كأنه هيقع.
أدهم يلحقه بسرعة، يمسكه من دراعه : يونس! مالك يا أخويا؟ إيه اللي حصل؟
يونس وهو بيحاول يستجمع نفسه، صوته مبحوح : مش عارف… قلبي تقيل… كأني حاسس إن في مصيبة جايه.
أدهم يبصله بقلق شديد، يحاول يهديه، بس يونس يطلع موبايله. يلاقي البطارية ضعيفة جدًا. يفتح الموبايل بسرعة، وشه يتغير فجأة وهو يتسمر مكانه.
يونس بدهشة ، صوته عالي شوية : يا نهار أسود!
أدهم يقرب منه بسرعة،ويتكلم : في إيه؟
يونس يوريه الشاشة: أكتر من ٣٠٠ مكالمة فائتة من عائشة وسلسبيل. إشعارات رسائل مش مفتوحة. أدهم بسرعة يطلع موبايله هو كمان، يفتحه، يلاقي نفس الشيء عشرات المكالمات من عائشة، رسائل طويلة مليانة قلق.
أدهم وشه يتبدل، عينيه تتسع : إيه اللي بيحصل ده؟! أكيد في حاجة كبيرة حصلت!
يونس صوته يرتعش وهو يقفل الموبايل قبل ما يفصل : أنا عارف… قلبي كان حاسس… في مصيبة.
يتبادلوا نظرات مرعوبة، والهواء حوالين القبور يزداد تقيل كأن الدنيا بتنذرهم باللي جاي.
يونس بخوف وهو حاطط ايده على قلبه : انا هرن على سلسبيل دلوقتي، اشوفها!
ادهم وهو بيتصل على عائشة : وانا كمان برن على عائشة.
في فيلا يونس، كان الكل مربوط بحبل، وعائشة كانت بتترعش بخوف، ونهاد بتبص على ضحى وسلسبيل بخوف شديد على بناتها، وضحى اللي كانت مرعوبة وبتترعش ولابسة طرحتها، وسلسبيل مكانتش مركزة في نفسها كان اهم حاجة عندها ضحى ونهاد يكونوا بخير، وقلقانة على يونس.
فجأة يقطع صمتهم صوت رنين هاتف عائشة، عائشة تبص على الفون بأمل، الكبير يمسك الفون ويقرأ الإسم وكان ادهم، في نفس الوقت كان فون سلسبيل بيرن، سلسبيل ابتسمت بدموع آملة انهم ينجو، لكن الكبير كتم موبايل سلسبيل و قرأ اسم المتصل لعائشة وكان ادهم وجمبه قلب.
الكبير بسخرية : اوووه حبيب القلب بيرن، لازم ارد عليه واطمنه ان عيلته خلاص، اوووف هتنتهي.
ورد الكبير واتكلم ادهم بسرعة : عائشة، عائشة حبيبتي انتِ كويسة؟
بصله يونس بسرعة وجري عليه واتكلم في الفون : عائشة، الحمدلله انك رديتي، طمنيني عليكي يا حبيبتي قلبي واجعني عليكوا حاسس ان في مشكلة، انتوا كويسين، كلكوا كويسين؟
لكن مافيش رد كل اللي سامعه صوت صراخهم المكتوم وكان حد مغطي فمهم.
رد الكبير عليهم بجمود : الحقيقة محدش فيهم كويس خالص، زي ما خدت رجال من رجالتي، انا خدت عيلتك كلها، وللاسف مش هتقدر تنقذهم!
يونس وادهم تبادلوا نظرات الرعب والخوف لبعض، قلبهم كان بيدق بقوة كإنه هيتخلع من مكانه وووووو...