![]() |
رواية من نبض الوجع عشت غرامي الجزء الثالث الفصل الواحد والعشرون بقلم فاطيما يوسف
إلى أينَ ستأخذينِي في عالمِكِ الحالمِ الجميلِ؟ أإلى شُطـئانِ العشقِ، حيثُ يرقُدُ الهدوءُ ويغفو المستحيلُ؟ أم إلى فجرٍ تتراقصُ فيه أنفاسي على وقعِ همسِكِ النبيلِ؟ دعيني أتيهُ في عينيكِ، ففيهما وطنٌ يأويني من ليلِ الرحيلِ، وأغفو على وعدِكِ الطاهرِ كطفلٍ يُهدِّئُهُ الحنينُ المستحيلُ، يا نغمةً من سَنا القمرِ، يا عبيرَ الوردِ والنيلِ، فيكِ ارتقاءُ الروحِ، وانطفاءُ كلِّ ما كانَ من وجعٍ طويلٍ، خُذِينِي إليكِ، فما عادَ للعُمرِ طعمٌ إلّا إذا كنتِ أنتِ السَّبيلَ.
كانت "سكون" كمن يحـ.ـترق بنارٍ لا تُرى، ابتسامتها ذابلة، وقلبها يشتعل غيرةً كجمرةٍ تحت الرماد، فيما عقلها أسيرٌ لصوتٍ داخليّ ينهشها بالشك والظنون حتى أبعدته بعـ.ـنف والغيرة سيطرت على كلها وصوتها يملؤه الغضب :
ـ بعد يدك داي عني ومليكش صالح بيا عاد يا "عمران" مطيقاش حالي ولا قربك ولا طايقة الدنيا كلاتها.
وقف "عمران" مذهولًا من حديثها، ومن ذلك التبدّل المفاجئ الذي طرأ على ملامحها وكلماتها، حتى خُيِّل إليه أنّها ندمت على عودتها إلى حضنه، وأنّ الندم ينهش قلبها لأنها تركت أبناءها خلفها، تاهت في رأسه أفكار متشابكة كخيوطٍ معقودة لا يجد لها طرفًا، ثم رمى المنشفة على السرير بضجر، وجلس بجانبها يشبك كفّيه معًا، يسألها بجمودٍ ظاهر على وجهه ،فكان كبحرٍ هائجٍ أُلقيت فيه صخرة، فثار موجه وارتبك صفاؤه، وكأنّ في صدره معركةً بين العقل والحنين لا تهدأ ولا تُحسم:
ـ هو فيه ايه عاد على الصبح؟! انتِ يا بتي حداكي روشه في دماغك، ولا حاسس اني متجوَز واحدة الصبح بشخصية وبالليل بشخصية تانية واصل ؟
اني شعري شاب على يدك يا "سكون" من اللي هتعمليه فيا دي، اللي حوصل عاد لدي كلاته، ولكلامك اللي زي السم اللي هتسمعه لي على الصبح ؟! استغفر الله العظيم يا رب .
كانت في حالةٍ من الغيرة والعصبيّة، كأنّ نـ.ـارًا اشتـ.ـعلت في صدرها منذ لحظة قراءتها لتلك الرسالة، فجلسَت إلى جانبه تنفث الغضب أنفاسًا متلاحقة، ثم فجأة وضعت كفّيها على وجهها وانفـ.ـجرت في بكاءٍ مرير، لا تقوى على كتمان شهقاتها، وقد صارت غيرتها كوحشٍ يفترس هدوءَها ويُلهب أنفاسها،
نظر إليها وقد غلب عليه الضيق، فضـ.ـرب كفًّا على كفّ وهو يستعيد في ذهنه كيف كان ليلهما البارحة في السماء صفاءً؟ فإذا به هذا الصباح يسقط إلى قاع الحزن والوجع اقترب منها ببطء، يحاول أن يلجم غضبه ويُهدّئ من اضطرابه، ليحتويها كعادته بحكمةٍ وصبر، وهو يقول بصوتٍ متماسكٍ رغم ضيق صدره:
ـ يعني اني مش فاهم ايه اللي حُصُل لدي كلاته؟ عشية كنا نايمين زين وعال العال، والنهار قال يا فتاح يا عليم تقومي حالك يتبدل بالشكل دي مالك يا "سكون" أني تعبت وياكِ ؟ ممكن تبطِلي عياط وتفهميني عاد ايه سبب البكا دي كلاته ؟
حاولت أن تُوقف سيل دموعها، لكنها ظلت تحدّق في الهاتف ثم تُخفض بصرها إلى الأرض، تتنقّل عيناها المرتبكتان بينهما، كأنّها تبحث عن إجابةٍ تضيع منها في كل نظرة، لم تنطق بكلمة، فقط أنفاسٌ متقطّعة وملامح يغشاها الحزن كسحابةٍ كثيفة لا تُجليها الرياح،
ولكنه لاحظ نظراتها المكرّرة إلى هاتفه، ومع بكائها الذي أخذ يخفت شيئًا فشيئًا، ظلّ الحزن مطبوعًا على وجهها كظلّ لا يفارق صاحبه، مدّ يده بهدوءٍ نحو الهاتف، فتحه، وما إن لمح الرسالة حتى فهم كل شيء. كانت من "نور"
قرأها بعينٍ متوترة، وقد أدرك على الفور أنّها قرأتها قبله، وأنّ كل دموعها لم تكن إلا نـ.ـار الغيرة المحروقة في صدرها وكان محتوى الرسالة التي قرأتها:
ـ بعد إذنك يا باشمهندس "عمران" انا ما شفتكش بقى لي أربع أيام، عايزة حضرتك في موضوع هام وضروري ما ينفعش فيه الكلام في التليفون، متأسفة جداً على الإزعاج غصب عني والله .
تنفّس "عمران" بـتنهيدةً مثقلة، وقد أدرك على الأرجح أنّها قد قرأت الرسالة، ولهذا سالت دموعها دون مقاومة، اقترب منها برفقٍ، وضمّ كتفها بكفّه اليمنى قائلاً بصوتٍ مملوءٍ بالحنان، فـكانت نظراته إليها كغصنٍ يحاول احتضان النسيم بعد عاصفةٍ هوجاء، وكأنّ الحزن بينهما غيمةٌ ثقيلة تنتظر قطرة صدقٍ لتغسلها من السماء:
ـ يعني عياطك ده كلاته علشان الرسالة اللي بعتتها الداكتورة "نور" اللي هتشتغل حدانا في المزرعة وانتِ عارفة اكده زين ،
طب هو لو في بيناتنا شئ لاسمح الله كيف مافي تخيلاتك هل هسيب موبايلي عادي اكده جارك ومعاكِ كمان الباسورد بتاعي تفتحيه في أي وقت ؟
ما إن نطق بتلك الكلمات حتى شهقت "سكون" ودفـ.ـنت وجهها في صدره وقد أحـ.ـرقتها نـ.ـار الغيرة حتى كادت تخـ.ـنق أنفاسها، ارتفع صدره وهبط بأنينٍ مكتوم، كأنّ الحزن في صدره موجٌ يتلاطم دون شاطئ،ثم جذبها من رأسها برفقٍ، وطبع قبلةً على جبينها فيها من الحنان ما يطفئ لظى قلبٍ مشتعل، ثم همس بصوتٍ خافتٍ يفيض صدقًا ووداعة:
ـ على فكرة انتِ فاهمة الموضوع غلط عاد ، الداكتورة "نور" في مشكلة كَبيرة ما بينها وما بين طليقها، وهي طالبة مساعدتي زي اخوها الكَبير علشان ما لهاش حد، ولو اتمعنتي في الرسالة زين هتعرِفي إن طريقتها محترمة جداً وعمرها ما كانت طريقتها واحدة عينيها على واحد وعايزة توقعه، هي مهاش من النوع دي واصل .
حتى تلك اللحظة، لم تستطع "سكون" أن تحتمل تبريراته أكثر، فابتعدت عن حضنه بخطوةٍ حاسمةٍ تحمل بين طيّاتها انكسارًا وغضبًا معًا، وحدّقت فيه بجمودٍ كأنّ ملامحها قد صُنعت من الجليد، انكمشت أنفاسها وهي تحاول أن تسيطر على ارتجاف صوتها، ثم قالت بحدةٍ جارحةٍ وصوتٍ يقطر وجعًا:
ـ وه! وانت كيف عرفت الحوار دي كلاته عنيها؟! قول بقى ان انتم هتشتِغلوا حوارات مع بعضكم، هي تحكي لك مشاكلها، وانت تحكي لها مشاكلك، وهي تحل لك همومك وانت تحل لها بلاويها، وترجع تقول صحوبية، وبعد اكده الصحوبية تنقلب لعطف والعطف ينقلب لحوار كَبير، واني هبقى المغفلة في رواية أحدهم، كيف جالك الجرأة تقول لي الكلام دي يا "عمران" ؟!
رأى ملامحَ غيرتها المتأجِّجة، وقد احمرّ وجهُها حتى غابت ملامحُه تحت لهب الغضب، فابتسم ابتسامةً باهتةً يحاول بها تهدئة العاصفة قبل أن تشتدّ،ثم مال نحوها محاولًا مداعبتها بلطفٍ ليكسر حدّة التوتّر، لكن عينيها كانتا كجمرٍ مشتعلٍ لا يخبو،
كأنّ بين قلبَيهما معركة صامتة، فيها الحنان سيفٌ مكسور، والغضب نـ.ـارٌ تأكل أطراف الأمان:
ـ طب هو في حد غيران على جوزه حبيبه وهيعيط من الغيرة زيك يا "أم سَليم" ويوبقى قمر اكده؟
وبعدين إنتِ لساتك هتعرِفي عمرانك من جَديد عاد ؟
وأكمل حديثه، وقد مدّ يده برفقٍ ليُعدِّل وجهَها نحوه، يجبر عينيها على لقائه، ورفع ذقنَها بإصبعه في حنانٍ لا يخلو من الإصرار، حتى تلاقت نظراتهما في صمتٍ ثقيلٍ كالوعد، و ثبَّت عينيه في عينيها، وهتف بصوتٍ يقطر صدقًا ودفئًا، كأنّه يسكب في روحها طمأنينة العاشق المخلص، فـكان صوته كنسمةٍ تُطفئ نـ.ـار الغيرة، ونظرته كقَيدٍ من حبٍّ لا يُفكّ،
كأنّ العشق بينهما نهرٌ جامح، كلّما حاولت صدَّه، أغرقها برقّته:
ـ "عمران" ما هيحبش غير "سكون" في الدنيا داي كلاتها، هيعيش وهيموت وهيتنفس "سكون" ، ما فيش واحدة تقدِر تاخد مكانك في قلبي يا "أم سليم" لو بينا حتى مصانع الحداد، وما فيش واحدة في الدنيا داي تقدِر تحرِك قلبي، ولا يدق لغيرك، بقى لساتك هتكتشفي حب وعشق "عمران" من جَديد، وهتتخيَلي إن في واحدة ممكن تاخذ مكانك ولو ثانية واحدة؟!
تساقطت دموعُ "سكون" على يدي "عُمران" وهو يتكلّم، كانت دموعها كالجمر المذاب، تنساب على أصابعه لتشهد على احـ.ـتراق قلبها، فيما كان صدرُها يرتجف من شدّة خفقاته وغيرتها التي تعصف بروحها، فأكمل هو حديثه، وصوته هذه المرّة صار أكثر عمقًا وثباتًا، كأنه جسرٌ يبني عليهما الأمان:
ـ ويكون في معلومك أني عمري ما شكيت مشاكلي لحد وياكي ولا حتى لأمي اللي خلَفتني، ما كنتش بشتكي غير لحالي منك، ما كنتش بشتكي لأي مخلوق في الدنيا علشان عارف إنك هتحبي "عمران" كيف؟
وعشقنا هو اللي كان هيخليكي تتغيري وترجعي لي من جَديد، فمش محتاج صَدر حنين ولا واحدة ست اشتكي لها زعلي وياكِ افهمي يا حبيبي إني بهرب منك ليكِ يا "سكون" القلب والروح.
هي تُصدّق كلَّ كلمةٍ يتفوّه بها ، فما عهدت منه يومًا إلّا الصدق والوفاء، ولم يُخفق قطّ في أن يُريها حبَّه واحتواءه ومدى تعلّقه بها، ولم يفشل أبدًا في أن يُشعرها أنّها أغلى ما في دنياه، وأنّ قلبه لها وحدها، غير أنها رغم كل ذلك، لم تعد تطيق تلك العلاقة التي بينه وبين "الدكتورة نور" حتى وإن كان يساعدها في حلّ مشاكلها؛ فغيرتها كبحرٍ هائجٍ يلتهم شاطئ الطمأنينة، وشكُّها كريحٍ عاصفةٍ تُزاحم الأمن في صدرها،
فـكانت تشعر أنّ قلبها مثل طائرٍ مُتعبٍ يحاول التحليق في سماءٍ يملؤها الضباب، وأنّ الغيرة كسوطٍ يجلد أطراف صبرها كلّما حاولت الاحتمال:
ـ افهمني إنت يا "عمران" هي ما ينفعش تشتَكي لك همها ولا ينفع تحل لها مشاكلها اللي الله أعلم صادقة ولا بتمثل، أني واثقة فيك انت، واثقة في حبك ليا لكن مواثقاش في اللي حوالي، ولا هثق في أي ست في الدنيا تقرب منيك واصل ، هو ينفع أكون حداي مشكلة واحكيها لزَميلي في الشغل علشان يحلها لي؟ انت ترضاها؟ لو انت عايزني اتقبل طبيعة العلاقة داي ما بينك وما بينها .
اشتدّ غضبه حين سمع منها ذلك القول، فقبض على كتفيها بكلتي يديه، وعيناه تقدحان شررًا من شدّة الغيظ، وقال بنبرةٍ حادّةٍ يغلّفها التحذير:
ـ كانك اتجنيتي عاد يا "سكون"! زَميل مين دي اللي هتقفي تتحدتي وياه وتشكي له همك ومشاكلك كانك هتهلفطي أي كلام عاد ؟!
ثم حاول أن يُهدِّئ أعصابه، وقد شعر بتوتّرٍ شديدٍ يسري في عروقه من حدّة النقاش في هذا الموضوع، لكنّه أقسم في نفسه أنّه لن يغادر مكانه قبل أن يُنهي الحديث معها تمامًا، حتى لا يُعاد فتحه مرّةً أخرى،
ثم تنفّس بعمقٍ، وحدّق في وجهها بعينٍ تفيض صرامةً وصدقًا، وبدأ يُبيّن لها الفارق بينهن كمن يُفرّق بين لؤلؤةٍ صافيةٍ خُلقت من عمق البحر، وحجرٍ عابرٍ صقلته الأمواج لحينٍ ثم ألقت به على الشاطئ،
فكان كلامه يمزج بين الحزم والودّ، وبين العتاب والاعتراف، كأنّه يحاول أن يُطفئ نـ.ـار الغيرة بصدق مشاعره، ويغلق باب الشكّ بمفتاح الحبّ وحده:
ـ في فرق بيناتكم انتو التنين ، انتِ لو حداكي مشكلة كَبيرة منغصة عليكِ حياتك، مشكلة تهددك بالحياة ومخلياكِ معارفاش تتحركي يَمين ولا شمال، ولا ليكي أب ولا أم ولا حتى أخت تحكي لهم همك، ضروري إنك تتعلقي بقشاية نجاة جت قدامك، هي ولا ليها أب ولا أم ولا أخ ولا أي حد يقف جنبها في مشكلتها اللي ما عرِفتهاش لحالي، هي لما حبت تحكي المشكلة اللي عنديها حكيتها في حضور الحاجة "زينب" وهي اللي طلبت كمان انها تكون موجودة، وراحت لها أصلا من الاول ولأن المشكلة مش هينة و أمي ما تِقدِرش عليها لحالها اتصلت بيا وطلبت مني إني احضر وياهم الحوار اللي داير بيناتهم، ودي كمان مش علشان أحل لها الموضوع بس؛ لاه علشان هي شغالة حداي من بقى لها سَنتين والمشكلة داي هتضرنا احنا كمان وياها لأنها هتشتغل حدانا، وهتقيم معانا في نفس المكان، علشان اكده كان لازم اتدخل في الحوار، ولأن هي ما شافتنيش بقى لها أربع ايام وما بعديش على المزرعة أكيد حُصل تطور في مشكلتها، فكَان المفروض تسأليني ايه طبيعة المشكل اللي دخلتنا فيها أني والحاجة "زينب" ؟ واللي ما عرفناهاش من ساعة ما جت غير اليومين دول وبعدين تحكمي .
حاولت أن تُبرّر موقفها، وقد اشتعل في صوتها مزيجٌ من الغيرة والكرامة، تدافع عن حقِّها كزوجةٍ عاشقةٍ لا تقبل أن يشاركها أحد في قلبه ولو بنظرةٍ عابرة:
ـ مفيش أي سبب في الدنيا يخليني أتحمَل وجود واحدة ست تحكي لك مشاكلها، أيا كانت ما لهاش حد، كانت ممكن تلجأ لي أني وأني اللي أحكي لك علشان مشكلتها تتحل، لكن انها تقرب منيك وتحاول تتصعبَن عليك بالشكل دي! أني مش متقبلة وجودها معاك ولا كلامها يا "عمران" ، مش متقبلاه نهائي، أني بتحـ.ـرق من جواي، بنهار كل لما اشوفك واقف وياها حتى لو هتتحدتو في الشغل، وفي الاخر اشوف رسالتها داي على الصبح وهي عايزة تقابلك وتتحدت وياك وعايزني أتقبل بكل سهولة؟! مقدراش والله العظيم مقدراش .
أمسك بيديها برفقٍ، وقَرَّبَهما من شفتيه ليقبّل باطن كفّيها قبلةً ملؤها الحنوّ والعشق، كأنّه يُطفئ نـ.ـارَ غيرتها بلمسةِ حبٍّ صادقة،
ثم بدأ يُحدّثها بصوتٍ خافتٍ متّزن، يحكي لها كلّ ما جرى بينه وبين "نُور" و"مكرمي" طليقها، كاشفًا لها خيوط الحكاية كما هي، لا يزيد ولا يُنقِص،
كانت تُصغي إليه بعيونٍ يملؤها الاضطراب، وملامح وجهها تتبدّل مع كلّ كلمةٍ ينطقها، كأنّها تشاهد مشهدًا يمزّق قلبها ببطء،
وحين أنهى حديثه، تنفّس بعمقٍ وقال بصوتٍ خافتٍ تَغشاه الرِّقّة:
ـ شفتي اللي هي عايشه فيه كد إيه عذاب ميتحملهوش حد وهي ست مكسورة الجناح ، واكيد في حاجة جَديدة حُصلت في الموضوع علشان اكده رايدة تبلِغني بيها،
وكمان يا حبيبي ما ينفعش تكون شغالة معاي وفي حماي وياجي واحد يتعدى عليها بالشكل المريب دي واني ما اخدش موقف، عيبة في حقي وأني راجل صعيدي كمان ،
وبردو انتِ ما كنتيش مدياها فرصة ان هي تتحدت وياكي ودايما مصدرة لها الوش الخشب، وقبل سابق اتخانَقتي وياها ،فعلشان اكده بعدِتك عن الموضوع واصل واختارت الحاجة "زينب" تتدخل بيناتنا ،ولعلمك اي حديت في الموضوع دي بيكون في وجود الحاجة "زينب" وبعلمها.
تجمّدت في مكانها، وقد انعقد لسانها من شدّة الذهول، لم تكن تتخيّل أن امرأةً أخرى قد ذاقت من المرارة والعذاب ما تعيشه "نُور"، وكأنّ الحكاية التي سمعتها انتزعت أنفاسها،
اتّسعت عيناها واهتزّ صوتها وهي تقول بصدمةٍ وارتجافٍ ظاهر:
ـ ياااه مش مصدِقة اللي سمعته والله!
معقول في راجل يعمل في مرَته اكده واصل ؟!
معقول اللي هنشوفه في المسلسلات والأفلام طلع حقيقة وفي رجالة هتدمِر بيتها وتهين حريمها بالشكل المريب دي ؟
حرك رأسه بأسى وهو يؤكد لها أن الدنيا ممتلئة بالهموم والثقل على قلوب العباد :
ـ ايه آمال ايه، الدنيا حوالينا مليانة بلاوي ، المشكلة الكَبيرة اللي قالتها لنا أني والحاجة "زينب" ان هي هتعشقه وانها حاسه بالذنب في اللي حُصُل له وانها عمرها ما هتتحمَل يجرى له حاجة عفشة بسببها تاني وهو كان زين الرجال وكان راجل رياضي وكان على أول طريق النجاح والشهرة لولا قرايبها الشنين دول .
سألته بتركيز عن طريقته التي سيحل بها ذاك الموضوع الشائك:
ـ طب وانت ناوي تعمل ايه وتساعدها ازاي في البلوة داي ، بيدك ايه تعمله يعني ؟
أمسك كفّ يدها برفقٍ، وكأنّه يحتضن خوفها قبل أن يلمس جلدها، وراح يُربّت عليها براحةٍ وحنانٍ يليقان بمكانتها في قلبه،ثمّ رفع نظره إليها بعينين ثابتتين وقال بصوتٍ خافتٍ يحمل دفء الاطمئنان:
ـ ناوي أقف جارها واساعده لما ياجي لأنه اكيد زي ما هي هتقول إنه مهيسيبهاش، وخصوصي إنه عرف طريقها، لازمن اخليه يتعالَج وارجعه إنسان طبيعي تاني، لازمن اوقفه على اول طريق النجاح اللي كان واقف عليه وربنا مديني المقدرة على اكده، لازمن بعون الله اخليه يعيش انسان سوي زي ما كان ،
وفي كمان طلب رايد اطلبه منيكي وهو انك تقربي منيها وتصاحبيها وما تخليهاش عدوتك، علشان هي مش في دماغها أي حوارات من اللي في دماغك داي نهائي، داي واحدة عاشقة، وحداها جرح كَبير ومشكلة مش هينة هتعيش فيها، وكوابيس هتزورها ليل ونهار بسببها، ودي دورك يا "سكوني" طول عمرك هتُقفي جنب المحتاج، اعتبرينا هنصلح بيت اتخـ.ـرب، وأشخاص ممكن تمـ.ـوت بسبب الدمـ.ـار اللي هيعيشوه طالما في يدنا المساعدة، وتوكدي إن ربنا هيرده لنا في عيالنا فقد يأتيك الخير على أنك تمنيته لغيرك .
تنهدت بارتياح أخيراً فقد ارتاح قلبها ولان وجهها ثم ابتسمت وهي ترتمي في أحضان عمرانها وتربت على ظهره بكلتا يديها بحنو :
ـ كد إيه أني محظوظة إني في حياتي راجل زيك يا "عمران" انت إنسان بدرجة ملاك مش موجود منك كَتير ، هتضحي بوقتك وراحتك دايما علشان تساعد المحتاج وتُقف تحل مشاكل غيرك وتحتويهم حتى لو كانوا غربا ،
ثم خرجت من أحضانه واحتضنت وجنيته بكفاي يديها الصغيرتين وداعبته بكلمات سكنت القلب والروح والوجدان :
ـ قل لي هحبك أكتر من اكده وهروح في عشقك وغرامك لفين تاني يا عشق "سكون" وروحها؟!
عمرك ما جيت عليا ، اتحمَلت مني اللي مفيش راجل يتحمله من مرته واصل، سكنتني قلبك وروحك وسلمتهم لي وأمنتني بنفس راضية عليهم بقلب كَبير ، انت رمز للحب والوفاء والحنان مهيتكررش تاني وكان من نصيب الـ"سكون" ، أني عشقاك ومغرمة بهواك لأبعد الحدود يا "عمران" .
دق قلب الـ"عمران" بوله وغرام من ترنيمات سكونه الساحرة ، كلماتها المغرمة اقتحمت قلبه ببراعة وجعلته ينظر إليها بلهفة واشتياق وعطش لقربها وأحضانها ، أزاح خصلتها الشاردة على عينها وأراحها خلف أذنها وحرك سبابته على شفاها المنتفختين من أثر النوم والبكاء ومظهر وجهها المتوهج بالاحمرار حرك ساكنه ، ثم جذب وجهها هو الآخر ودفن رأسه في تجويف عنقها وهمس هو الآخر بعشق :
ـ هتاخديني لحد فين وياكي يا سكوني تاني ؟ على شط الحب اللي فيه الهدوء وكل المستحيل هيروح؟ ولا على فجر نفسي بترقص فيه معاكِ على همسك اللذيذ الحالم؟
همست هي الأخرى بنفس نبرة الغرام المتيم:
ـ سيب نفسك معاي واني هعوضك سنين الحرمان ،في عينيّ هتلاقي وطن يلمّك من ليل البُعد والهجران، وتنام على وعدي دي زي طفل في حضن حنانه وأمانه وأني حضن غرامك .
********
كانت الساعة تقترب من الثانية ظهرًا، والشمس تتسلل بخيوطها عبر نافذة المطبخ الصغيرة، حين قرر "أشرف" فجأة أنه اليوم سيكون "الشيف العالمي"، نهض من فوق الأريكة كمن أصابه وحيٌ سماوي، وقال لنفسه بصوتٍ عالٍ وهو يشمّر عن ذراعيه:
ـ النهارده بقى اليوم اللي "فاطمة" هتعرف إن جوزها مش بس مهندس قلوب، ده كمان شيف وطباخ ماهر وهبهرها بما إني واخد أجازة وهي في الجامعة.
مدّ يده إلى الثلاجة وأخرج منها ما لفت نظره أولًا فراخ متبّلة من صنع "فاطمة" ، وكمية من البرجر والاستربس والبانيه، وقف أمامها كقائد عسكري يوزّع أوامر المعركة، وقال بفخرٍ طفولي وهو ينظر بتركيز مصطنع أمام المقلاة:
ـ تمام يا أشروف، هنشتغل خطة الطاسة المشتعلة دلوقتي علشان نسمع صدمة البرجر وطشة الشيفات.
فتح النار على آخرها وبدأ يضع الزيت، وأخذ يغني بصوتٍ أجش مضحك وهو يقلب المكونات بحماسٍ زائد:
ـ أنا لحبيبي و حبيبي الي يا عصفورة طايرة لااا لااا ، إيه ده مش حافظ بااقي الأغنية بس مش مشكلة .
الزيت طَفَر فجأة من الطاسة فأطلق صرخة مكتومة وهو يقفز للخلف، ثم يضحك على نفسه كطفلٍ ضبطه أحدهم وهو يسرق الحلوى، فراح يهرول بين الرخامة والحوض، ينثر الدقيق على الأرض أكثر مما يضعه على الفراخ، وكلما تساقط شيء قال بمرح:
ـ معلش يا أرض استحملي، "فاطمة" مش هتدخل النهاردة المطبخ خالص، هتلاقيني أنا طالع منه "أشرف رمزي" مش "أشرف جوزها"!
كان المطبخ في نصف ساعة قد تحوّل إلى ساحة حرب، الأكياس ممزقة، الزيوت تتناثر كالرصاص، والتوابل متناثرة كالغبار فوق الرخام. ومع ذلك، كان الرجل في غاية السعادة، يلهث بين الطناجر ويغني، وعيناه تشعّان بالحماسة وكأنه يقدم عرضًا مسرحيًا أمام جمهورٍ خيالي،
ثم تذكر شيئًا، فابتسم بخبثٍ جميل:
ـ استنى... لازم أعمل أجواء رومانسية، "بطبط" بتحب اللمسة دي.
أطفأ النور، وأشعل بعض الشموع الصغيرة ووضعها على المائدة، ثم صفّ الأطباق بعشوائية ظنها فنًا راقيًا، جهّز كاسين عصير من نوعٍ غريب كان وجد زجاجة في الباب السفلي من الثلاجة، لونها جميل جدًا فظنّها عصير فواكه،
وما هي إلا دقائق حتى سمع صوت المفتاح يدور في الباب، تلامع وجهه بفرحة طفلٍ ضبط مفاجأته، وركض إلى الخارج،
كان صوت "فاطمة" يتردد وهي تخلع حذاءها، أنفاسها متعبة بعد يومٍ طويل في الجامعة، فظهر أمامها فجأة كالمهرج البهيج، عيونه تلمع وابتسامته عريضة وقال وهو يفتح ذراعيه بفخر:
ـ حمد الله على السلامة يا مولاتي الجميلة! عامل لك مفاجأة ناااار! حاجة بقى فاخر من الآخر عمرها ما تخطر على بالك يا "بطبط" .
رفعت حاجبها بدهشة وتعب، وهي تقول وهي تمسح عرقها:
ـ مفاجأة؟! أني ممتعوداش منك على المفاجآت يا "أشرف"، انت ناوي على إيه؟ ربنا يستر .
اقترب منها بخطواتٍ واثقة، وأمسك يدها بلطف وهو يسحبها برقة نحو السفرة، قائلاً بميوعة مضحكة:
ـ تعالي يا هانم شوفي جوزك عمل إيه، اقعدي هنا على العرش بتاعك، وأنا اللي هقدم لك مفاجأتك بنفسي.
نظرت إلى المائدة فوجدت الشموع مشتعلة، والجو مائل للدفء الغريب، فابتسمت بخجلٍ وهي تقول:
ـ إيه دي يا "أشرف"؟ الجو اكده رومانسي قوي، بس تعرِف أني اكده اتوغوَشت.
ضحك ضحكته المألوفة، وقال وهو يومئ لها لتجلس:
ـ اوعي تتواغشي يا ستي، دي مفاجأة من القلب ، أنا اللي عامل الأكل بنفسي مخصوص علشانك.
اتسعت عيناها بدهشة كأنها سمعت خبر زلزال:
ـ انت! انت اللي عامل الأكل دي كلاته مش معقول ، ممصدقاش عيني والله ؟!
أكد لها بابتسامة فرحة وهو يفرك كفاي يديه بالأخرى بحماس :
ـ أيوه يا هانم، بإيدي دي أمال ايه ، ده انا واد خلاصة ومية مية ايش فهمك انتِ .
ما زالت تشعر بوجود خطب ما فهتفت بعدم اطمئنان :
ـ لا لا، أكيد في مصيبة ورا الموضوع دي، قولّي، انت جايب مين يطبخ علشان مفيش راجل يعرِف يعمل الوكل بالاتقان دي ، إنت أكيد بتخوني يا "أشرف" ، انطق بسرعة مين معاك اهنه وعمل الوكل ؟
ارتبك قليلًا وبلع ريقه، ثم ضحك مصطنعًا:
ـ جايب مين إيه بس؟! هو أنا أقدر أخون البطبط بتاعتي؟ ده أنا مولع المطبخ بنفسي ومظبط لك الآداء على الآخر ، كلي بقى وقولي لي رأيك في عمايل ايديا وحياة عينيا.
بدأت تتذوق قطعة من البانيه، فرفعت حاجبها بدهشة وهي تمضغها:
ـ يا نهار أبيض! ده طعمه جميل قوي يا "أشرف"، انت متأكد إنك اللي عامله؟!
واحلى حاجة إني سايبة المطبخ هيشف ويرف من نضافته وجيت كمان لقيت وكل على الجاهز .
ـ أيوه يا ماما، أنا اللي متبّل ومقلي ومقلّب وكله من تحت إيدي ، كلي بالهنا والشفا.
ـ إيه القمر دي والطعم الرايق الخطير دي ، ولا الصوص دي تحفة!
ـ ده بقى خلطة سرية من اختراع الشيف أشرفاتشي! أنا أصلاً عارف قدراتي أنا خسارة في البلد دي
ضحكت وهي تقول:
ـ ليك حق تتفشخر بحالك ، ده طعمه حلو جدًا مش مصدقة.
ظل يضحك بفخرٍ، حتى لاحظت الكاسين أمامها، فأشارت إليهما وقالت:
ـ هو إيه ده؟ كمان عامل لي عصير؟
ـ أمال إيه؟ ده كله مخصوص علشانك يا روحي، جربي كده.
رفعت الكأس إلى فمها وارتشفت رشفة صغيرة، لكنها ما لبثت أن أعادته بسرعة وهي تسعل بشدة:
ـ يا نهار أبيض! ده إيه ده؟! ده بيحرق قووي.
تظاهر هو بالبراءة وهو يخفي ضحكته:
ـ ده... ده ميه مخلل، لقيت لونها حلو فقلت أحطها في الكاسات علشان الشكل العام.
صرخت فيه وهي تضحك وتضربه بخفة:
ـ انت مجنون رسمي! حاطط لي مية مخلل في الكاسات!
ـ مجنون بيكي يا "بطبط" وكل ده عشانك يا روحي.
ضحكا معًا طويلًا، حتى دمعت عيناها من الضحك، ثم نهضا بعد الأكل، وأمسكت "فاطمة" الأطباق لتدخل بها إلى المطبخ، فوقف أمامها فجأة كحارسٍ منيع وقال بسرعة والتوتر يملأ وجهه:
ـ لا لا لا! ما تدخليش المطبخ دلوقتي اقعدي استريحي انتِ راجعة من الجامعة تعبانة.
ـ ليه بقى معايزنيش أدخل ، وسع بس هساعدك انت تعبت في عمايل الوكل دي كلماته لوحدك.
ـ أصل... أصل ، بصي أنا هلم الدنيا بعدين، خليكي انتي قاعدة.
نظرت إليه بريبة وهي تضيق عينيها:
ـ إيه دي؟ ليه وشك متوتر اكده؟ انت متوكد إن مافيش واحدة جوه؟
ـ يا ستي حرام عليكي، هو أنا أعمل كده فيكِ واحدة مين وحوار ايه ، وايه الكلام ده؟
ـ طب وسع بقى أني هدخل أشوف بعيني مش مطمنة وانت هتحلق على المطبخ اكده.
ـ لااا، استني يا بطبط، ده في...
لكنها كانت قد أزاحت ذراعه وتخطت سريعاً، ولكن تجمّد الكلام في حلقها، المطبخ بدا كأنه تعرض لقـ.ـنبلة طعام نووية؛ الأكياس ممزقة على الأرض، التوابل تكسو الحوائط، الزيت على الأرض كبحرٍ من المعاناة، والحوض مكدس بأطباق لم تغسل،
شهقت "فاطمة" ووضعت يدها على قلبها وهي تصرخ:
ـ أعااااا ، لااااااااا، يا مصيييبة! يا نهار إسود! دي إيه دي يا "أشرف"؟! دي مطبخي ولا مقلب زبالة ؟
حاول التخفيف عنها بابتسامة خائفة وهو يرفع يديه:
ـ بصي الشكل العام إن في أكل، وبلاش المظاهر دي!
صرخت فيه وهي تلوح بالمقشة كمن يحمل سيفًا:
ـ يا ريتني لقيت واحدة في المطبخ ولا أشوف المنظر دي! حرام عليك! إزاي قلبك جالك تعمل اكده فيا؟ يا حزنك يا "بطة" ، جت الحزينة تفرح ما لقتليهاش مطرح .
ـ يا ستّي اصبري بس ده كله حب مني ليكي بصي على الموضوع من الناحية الإيجابي.
ـ حب إيه؟ ده خـ.ـراب صحة ، ده دمار منك ليا ، أاااااااااه يا خراشي ، قلبي هيقف من المنظر.
بدأ يركض حول السفرة وهي تطارده بالمقشة، كلما حاول الدفاع عن نفسه، على صراخها رغم الغضب، وهو يقول بصوت متقطع من الجري:
ـ يا ظالمة! ده أنا وقفت وتعبت وعملت لك أكل بإيدي، وآخرها تضـ.ـربيني بالمقشة؟!
جلست على المقعد بروح منهكة ومنظر المطبخ يلوح أمامها يجعلها تزداد عصبية وحكمت عليه :
ـ أنت اللي جبته لحالك، نضف بقى يا شيف آخر زمن! ورجع لي مطبخي كيف ما كان.
وفي النهاية، وقف "أشرف" منهكًا ممسكًا بالإسفنجة والمكنسة، يغني وهو ينظف المطبخ قائلاً:
ـ أشرف بينضف المطبخ علشان مراته مبسوطة، الحب مش كلام يا ناس، الحب طاسة محروقة!
أما "فاطمة"، فجلست على الكرسي تراقبه والضحكة الشامتة لا تفارق وجهها، وهي تردد بحسرة :
ـ دي كانت أكلة طفحتها من منظر المطبخ يا جدع ، تعرِف متفاجئنيش تاني أبوس يدك يا جدع ، دي أني أرجع من الكلية هلكانة أكل جبنة ولا بيض مسلوق ولا أشوف المنظر الشنيع دي ، روح يا شيخ ربنا يسامحك ، أعااااا .
وانتهى المشهد بينهم على تلك المشاغبة والروح الفكاهية المختلفة حتى انتهى "أشرف" من تنظيم الفوضى العارمة التى اكتسحت المطبخ ثم اقترب منها وهي تنظر إلى المكان بانبهار وابتسامة رضا فاقترب منها وجذبها من رأسها مقبلاً جبينها :
ـ مبسوطة يا "بطبط" عملت لك المطبخ اهو والأكل كمان أحسن مما انتِ هتعمليه أهم حاجة نكون نولنا رضا البرنسيس "بطبط" قلبي .
ابتسمت برضا وهي ترتمي بأحضانه وهمست بنعومة :
ـ قوي قوي يا أشروفي ، وبصراحة تسلم يدك يا حبيبي، شيلني بقى طلعني أوضتنا رايدة أنام شوية .
ربت على ظهرها بحنو ورقة وهمس هو الآخر:
ـ ده أنا من عيوني يا ست البنات ، وبصراحة انا كمان عايز أخدك في حضني ونريح سوا .
*******
جلست "سكون" بجانب "عمران" في الاستراحة الخاصة بالمزرعة و "نور" أمامهم تحكي كل ماحدث بينها وبين "مكرمي" حتى قالت :
ـ بصراحة يا بشمهندس أنا حاسة إني عايزة أديه فرصة أخيرة إنه يفوق من اللي هو فيه ويرجع تاني "مكرم" اللي حبيته واتعلقت بيه ، وهو كمان ضحى بحاجات كتير قوي علشاني ، لو كنت طلبت عينيه مكانش هيستخسرها فيا .
هنا سألتها "سكون" بخوف عليها :
ـ معلش يعني يا "نور" أني مش حابة إني أتدخل في حاجة، أو ازعجك بحديتي، أو رايي بس أني اعتبرتك كيف خواتي البنات وعلشان
اكده هسألك؛ كيف هترجعي لَه وهتأمني لَه وهو في كل مرة هتقفي جاره هيخذلك، ويرجع للي كان فيه أكتر من الاول وما بيستجيبش للعلاج ابدا ؟
ابتلعت "نور" أنفاسها بصعوبة، وقد تتابعت في ذهنها صور التضحيات الماضية، وهي تدرك أن تضحيتها هذه المرة قد تكون الأخيرة، وأن الفرصة التي ستمنحها لـ"مكرمي" ربما تكون باب فنائها لا نجاة حياتها، وبينما كان سؤال "سكون" يتردد في ذهنها كصدى بعيد، ألقت نظرة متوترة حول المكان، تتفحّص ملامحه وطبيعته، ثم حاولت أن تطمئنهم وتُسكِّن خوفها هي أيضًا،
كانت كمن تقف على حافة ليلٍ دامسٍ تبحث فيه عن خيط ضوء، وكأن قلبها مركبٌ صغيرٌ في بحرٍ هائجٍ يحاول النجاة من غرقٍ محتوم:
ـ للأسف ما عنديش حل تاني يا دكتورة "سكون" غير إني أصبر وأقف معاه للمرة الأخيرة، ويا أعيش أنا وهو حياة سوية، يا اما أرضى بحكم ربنا في اللي هيحصل، وكمان المكان هنا اللهم بارك غير هناك خالص، هنا خضرة وطبيعة وهوا نقي غير اللي كنا عايشين فيه، وكمان ما فيش اصحاب سوء هيجيبوا له المخدر ده تاني، ولا هيدو له يضـ.ـرب زي ماكانو بيعملوا معاه وبيحاولوا يضعفوه، دول حتى كانوا بيروحوا له السجن ويدوله القرف ده، وهو كان للأسف ضعيف وكان بيستجيب ليهم، أما هنا هو في أبعد مكان عنهم مش هيقدروا يجو وراه، ولا هيعرف يضعف، ولا هيلاقي مكان للضعف هنا علشان كده انا كلمت الباشمهندس "عمران".
وأتمّت "نور" حديثها، وعيناها منكسرتان نحو الأرض، تخفي ارتباكها بين أنفاس متقطّعة، تطلب منه بخجلٍ يوشك أن يتكلم عنها بدلًا منها، وحرجٍ يلوّن وجنتيها كغروبٍ محتشم،
كانت كزهرةٍ مطريةٍ تنحني تحت ثقل قطراتها:
ـ بطلب من حضرتك يا باشمهندس تقف جنبه لله، أنا عارفة إن وجود مدمن هنا خطر، وإنه ما ينفعش اللي بيحصل ده يحصل أصلا، بس أنا طمعانة في كرمكم إنكم تساعدوني إن هو يخرج من الدمـ.ـار اللي هو عايش فيه، وكمان مش عايزة اخد مرتب تاني من حضرتك، فلوسي اللي أنا باخدها كل شهر خليها لعلاجه وأكله وشربه، أنا السنتين اللي اشتغلتهم هنا كل فلوسهم حوشتها وهنعيش منها لحد ما يتعالج ويرجع يقف على رجليه تاني، لو ما كانش يعني يضايقكم، أما لو الحل ده في أذى وخطر عليكم أنا هاخده وهرجع ولينا ربنا لأنه مش هيسيبني ولا انا كمان هقدر أسيبه بعد ما خرج من السجن.
هنا رقّ قلب "سكون" لـ"نور" رِقّةً بالغة، إذ انهمرت دموع الأخيرة عقب انتهاء حديثها كأنها مطر الخذلان، فقامت "سكون" من مكانها وجَلَست بجوارها، ثم جذبَتها إلى صدرها بحنانٍ دافئٍ وبدأت تُربّت على كتفها برفق، محاولةً أن تُخفّف عنها وطأة الموقف الذي مزّقها من الداخل،
فـكانت "سكون" لها كنسمةٍ تُضمّد جرحَ وردةٍ ذابلة، وكأمٍّ تُهدّئ نحيب طفلتها وسط عاصفةٍ لا ترحم:
ـ يا حبيبتي دي إنتِ شايلة هم جبال فوق دماغك، اني مش عايزاكي تدمعي ولا تحزني تاني، وبإذن الله "عمران" هيقف جاره، هو طول عمره هيقف جنب اللي محتاجَه، وحوار المرتب اللي إنتِ معيزاش تاخديه؛ عيب عليكِ انتِ في بيت صعايدة يعني أهل الكرم، وخصوصاً بيت الحاج "سلطان" ، بس ما تبكيش وكل حاجة وليها حل وان شاء الله المرة داي غير .
ألقت "نور" بنفسها في حضن "سكون" وهي تبكي بحرقةٍ كأن الدمعَ يفيض من جرحٍ قديمٍ في قلبها، كانت تتوقُ منذ زمنٍ لحضنٍ يفهمها، لأختٍ تُلقي بين يديها ثِقلَ همّها دون خوفٍ أو خجل،ولأول مرةٍ في حياتها شعرت أن القدر أنصفها ولو قليلًا، حين منحها حضنًا يشبهها دفئًا وصدقًا، فتمسكت بـ"سكون" بقوةٍ وكأنها تخشى أن تفلت منها الطمأنينة من جديد، وقالت بصوتٍ متقطعٍ بين شهقاتها ودموعها المتكسّرة:
ـ انا موجوعة قوي ومقهورة وحياتي متدمرة، ارجوكي اقفي جنبي وما تسيبينيش، انا محتاجاكِ وما ليش حد في الدنيا دلوقتي غيركم ألجأ له .
ربّتت "سكون" على ظهر "نور" برفقٍ وحنانٍ يغمر القلب، كأن أناملها تكتب على كتفيها طمأنينةً لا تزول، كانت نظرتها تحمل عطفَ أمٍّ ودفءَ أختٍ وصدقَ صديقةٍ لم تُخلق للخيانة،
اقتربت أكثر وهمست لها بصوتٍ كنسيمِ الفجر يلامس قلبًا مضطربًا، علّها تُسكّن في داخلها الزوابع، وتزرع في صدرها سكينةً تُزهر بعد عاصفةٍ مريرة:
ـ اطمَني يا حبيبتي، والله ما هنتخلى عنك ولا هنسيبك، يمكن ربنا بعتك حدانا اهنه علشان عارف انك تستحقي تعيشي كيف اي بنت، وان شاء الله أني مهفوتكيش واصل، ولا "عمران" هيهمل جوزك غير لما يرجع بصحته سالم غانم بعون الله، بس اهدي علشان نعرِف هنبتدي كيف وميتى؟
أخذ "عمران" من "نور" رقمَ "مَكرمي"، وطلب منها أن تدعوه ليأتي إليه، ثم طمأنها بأنه سيتولّى الأمر بنفسه، وسيُخصِّص له مكانًا مناسبًا، ويُحضِر له طبيبًا خاصًّا يُشرف على علاجه، دون أن يُودِعه أيَّ مصحّة، حرصًا على سرّية الموقف وأمان العلاج لأن المصحات أغلبها تلاعب، وأكّد أنّه سيضع له برنامجًا صحيًّا ورياضيًّا دقيقًا حتى يُخرِج السمَّ من جسده، ويُعيده إلى الحياة من جديد،
ابتسمت "نور" حين سمعت كلماته، وقد شعرت بأنّ الدنيا أخيرًا تميل نحو الهدوء، وأنّ الفوضى التي كانت تُحاصرها بدأت تنحسر شيئًا فشيئًا، وكأنّ القدر مدَّ لها يدًا تُصلح ما أفسده الألم،
أنهت جلستها معهما واتّصلت بـ"مكرمي"، ثم التقته في المكان الذي حدّدته له مسبقًا، ولمّا وصلت إليه، روت له كلّ ما جرى، وفي نهاية حديثها سألته بصوتٍ مرتجفٍ يقطر رهبةً وحذرًا:
ـ اوعى تخذلني المرة دي يا "مكرمي" ، أنا اتفقت مع الناس وهما وعدوني إنهم هيقفوا جنبنا وهيعالجوك، اوعاك تعمل حركات زي اللي كنت بتعملها في مصر، أو تمد ايدك على حاجة في بيتهم، أو إنك تتهجم على أي حد، أرجوك يا "مكرمي" لو عايزنا نرجع لبعض تنسى سكتك التانية دي نهائي، ولازم اخد منك وعد دلوقتي إنك عايز تخف فعلاً وترجع لحياتك الطبيعية تاني علشان نرجع لبعض.
كان "مَكرمي" تائهًا تمامًا، يكاد يخـ.ـتنق من ضيق أنفاسه، إذ إنّ الجرعة المخدّرة التي كانت بحوزته قد نفدت، فجلس أمامها مترنّحًا، يعبث بأنفاسه المضطربة، ويصدر أصواتًا غريبة من أنفه، وعيناه تائهتان تغيبان في عتمةٍ لا يُدركها،
رأت "نور" حاله، وفهمت على الفور ما يمرّ به، فقد اعتادت أن تقرأ تلك الملامح المرتجفة حين يجتاحه ذاك النقص، واستشعرت أنّه في هذه اللحظة قد يفعل أيّ شيء دون وعيٍ أو إدراك، خصوصًا أنّهما يجلسان في مكانٍ عام، فحدّقت فيه بعينٍ مرتجفة وسألته بخوفٍ يكاد يُسمَع من أنفاسها قبل صوتها:
ـ قل لي يا "مكرمي" انت الجرعة اللي كانت معاك خلصت علشان كده ما بقتش متحمل وقاعد مش على بعضك صح؟
أجابها "مَكرمي" بصوتٍ متقطّع وهو يلهث كأنّ أنفاسه تُنتزع من صدره انتزاعًا، وعيناه تائهتان في فراغٍ يبتلع وعيه، وقد بدأ يشعر أنّ جسده يتفتّت شيئًا فشيئًا، وأنّ النـ.ـار تسري في عروقه كما يسري السمّ في الجسد المرهق،
احتضن جسده بذراعيه المرتجفتين، كأنّه يحاول أن يجمع أشلاء نفسه الهاربة، وتكلّم بصعوبةٍ بالغة، وصوته مبحوحٌ كأنّه خارجٌ من أعماق ألمٍ لا يُحتمل:
ـ صح يا "نور" انا مش قادر أتحمل اتصرفي دلوقتي، اعملي أي حاجة، اديني أي حاجة أو هاتي لي أي مخدر من أي صيدلية، انتِ دكتورة وهيدوكي، أرجوكي يا "نور" مش قادر اتحمل جسمي كله بينشر عليا ارجوكي ، الحقيني.
هنا بادرت "نور" بالاتصال على "عمران" فورًا، لتُبلغه بحالة "مَكرمي" التي تتدهور أمام عينيها، وقد بدا واضحًا أنّه على وشك الانهيار الكامل، والناس من حولها بدأوا يلتفتون إليه في ذهول، كانت عاجزةً تمامًا، لا تملك ما تفعله، ولا يمكنها أن ترضخ لما يطلبه منها، فكلّ ما أرادته هو إنقاذه دون أن تخسر نفسها،
لم يتردّد "عمران" لحظة، التقط الهاتف بعد أوّل رنّة، استمع لما قالته، ثمّ تحرّك على الفور كأنّ النـ.ـار أُضرِمت في عروقه، اتّصل بالطبيب الذي كان قد اتّفق معه سلفًا، وطلب منه أن يصف له الحقنة المناسبة للحالة الطارئة، وما إن حصل عليها، حتى انطلق نحو المكان كالسهم، وفي يده الأمل لإنقاذ الموقف ،
أعطت "نور" الحقنة لـ"مكرمي" كما وجّههم الطبيب، فهدأ جسده المضطرب قليلًا، ثمّ اصطحبه "عمران" إلى المزرعة التي أعدّها خصيصًا، بعيدةً عن الأعين وعن رفاق السوء الذين أغرقوه في هذا الجحيم، لتبدأ هناك رحلة العلاج الحقيقية، بين جدرانٍ صامتةٍ تشهد ولادة رجلٍ جديد بعد احتضاره الطويل.
*******
عادت "رحمة" من عملها بعد يومٍ طويلٍ أثقل كاهلها بالمرافعات والمداولات، كانت تحاول إنهاء جميع القضايا التي التزمت بها أمام موكّليها، وقد قررت مؤخرًا أن تكتفي بعددٍ محدّدٍ منها لتُفرغ قلبها ووقتها لبيتها وزوجها، بعدما شعرت أن انغماسها في العمل أوشك أن يسرق منها دفء ابنتها واهتمام زوجها،
في تلك الليلة، تناولت العشاء مع ابنتها ، إذ كان "ماهر" لا يزال في مكتبه، يتأخر بسبب انشغاله، وبعد أن أنهتا عشاؤهما، دخلتا معًا إلى الحمّام لتأخذا حمّامًا دافئًا، ثم ارتدتا ثيابًا متشابهة، إذ صار ذلك الطقس البسيط من أحبّ طقوس "رحمة"، بعدما لاحظت البهجة التي تشرق في عينيّ ابنتها كلّما تشابهتا في الملبس،جلستا بعد ذلك على السرير، واحتضنت الأم طفلتها إلى صدرها، تسري أنفاسهما في دفءٍ واحدٍ كأنّ قلبين صارا نبضًا واحدًا، ثم سألتها "رحمة" برفقٍ وهي تُداعب خصلات شعرها الحريري:
ـ احكي لي يومك كان عامل كيف النهاردة يا "روزي" ، وهل في زميلتك ضايقتك تاني في الحضانة ولا كلاته زين ياقلب مامي ؟
ردّت عليها "فيروز" بحماسةٍ تشتعل في ملامحها، تحدّثها عن يومها كأنها تسرد نصرًا انتظرته طويلًا، وفي ختام حديثها قالت:
ـ اليوم كان جميل خالص يا مامي ولعبت كتير ويا أصحابي، وكمان اللي كانت بتضايقني المس صالحتنا على بعض وبقينا حلوين قوي .
استغربت "رحمة" من طريقة حديث ابنتها المختلفة عنهم، فسألتها بدهشةٍ خافتة:
ـ إلا انتِ كيف هتتحدتي وياي كيف المصاروة وكل لغتك مختلفة عنينا أول مرة أخد بالي من الحوار دي يا "روزي" ؟
ضحكت الطفلة، وابتسامةٌ وُلد منها النور زينت ثغرها الجميل، ثم أجابت والدتها ببراءةٍ تُشبه ندى الصباح حين يلاعب أوراق الزهر:
ـ إنتِ عارفة يا مامي علشان في واحدة صاحبتي قوي اللي بقعد معاها كتير في الحضانة بتتكلم كده، فتعلمت منها لان أصحابي البنات بيقولوا لها كلامك جميل، فأنا رايدة أبقى جميلة زيها، واتكلَم زي ما هي ما بتتكلم وعلمتني، هي كانت عايشك في بلد بعيدة وجات الحضانة من بقى لها شهر وشهر وشهر وانا اتعلمت منها.
شددت "رحمة" من احتضانها وهي تقبلها من وجنتيها وفمها بشغف وهتفت بنصح :
ـ بس انتِ لغتك اللي هتتحدتي بيها زيينا مخلياكي جميلة، مش لازمن نقلد حد ونُبقى زييه علشان نُبقى حلوين، الإنسان بيُبقى حلو بالحاجات الحلوة اللي هيعملها مش بالكلام، ولا إن احنا نقلد أي حد فهماني يا "روزي" .
حركت الطفلة رأسها بفهم ورددت بطاعة:
ـ فهماكي يا مامي ، أوكِ.
استرسلت "رحمة" في الحديث مع ابنتها طويلًا، تتنقل بين تفاصيل يومها كما تتفتح الزهرة بين نسمات الفجر، حتى وصلت إلى الجزء الذي يخص عودتها من الحضانة، وقد أرادت أن تعرف ما جرى مع "كارما" وكيف كان يومها، فسألتها بنبرةٍ يغمرها الحنان:
ـ طب ما خبرتنيش عاد لما رجعتي من الحضانة مع "كارما" عملتوا ايه؛ واكلتوا ايه احكي لي؟
صفقت الطفلة بحماس وأجابتها تفصيلاً:
ـ بابي اللي جه أخني من الحضانة النهاردة علشان "كوكي" كان عندها شغل، وبعدين هي جات لنا هنا على البيت واتغدينا كانت جايبة بيتزا من اللي "روزي" بتحبها، وبابا اكل كتير وقال لها تسلم ايدك يا "كوكي" البيتزا جميلة زيك .
ما إن سمعت "رحمة" كلمات ابنتها حتى شهقت بدهشةٍ حادةٍ، واتسعت عيناها كأنها رأت ما لا يُصدق، وسألتها بنبرةٍ مرتجفةٍ من الصدمة، حتى إن الطفلة ارتجفت من طريقة أمها المفاجئة،فكانت في تلك اللحظة كمن صُفع بنبأٍ أيقظ قلبه من غفوته، وكأن السؤال قد انبثق من أعماق الدهشة ليخترق سكون الغرفة اختراق البرق لليلٍ ساكن :
ـ يعني بابي قال لها البيتزا جميلة زيك، متوكدة يا "فيروز" ؟!
حركت الطفلة رأسها بطاعة أكدت لها ببراءة :
ـ اه والله يا مامي ، وبعد ما خلصنا أكل انا قلت لبابا إني مش عايزة اكتب homework دلوك، وعايزة ألعب انا وانت و"كوكي" استغماية، وبابي كان رافض في الاول علشان كان عايز يروح شغله بس أنا صممت، فلعب معايا انا و"كوكي" ؛ ولعبنا كتير قوي و"كوكي" كانت هتقع في البسين لولا بابي لحقها وشالها على طول بعدها عن البسين قبل ما تقع، وقعد يطبطب عليها لأن رجليها اتعورت يا مامي وجاب منديل وقعد يمسح لها رجليها من الدم لما كانت هتتزحلق، و"كوكي" صعبت عليا قوي وهي عمالة تصـ.ـرخ من وجع رجليها .
في تلك اللحظة كان "ماهر" قد عاد من عمله، فوجد البيت خاليًا من الحركة، فعرف على الفور أنّ "رحمة" في غرفة "فيروز" تُداعبها وتستقصي منها الأخبار كعادتها كل مساء، قرّر هذه المرة أن يصعد بهدوءٍ ليفاجئهما، ويرى ما الذي تستمع إليه "رحمة" من الطفلة كعادتها مثل كل يوم ومنذ أن وطئت "كارما" منزلهم ،
وما إن بلغ باب الغرفة، حتى سمع صوتهما ينساب في دفءٍ طفوليٍّ ناعم، فوقف يستمع إلى الحوار مبتسمًا، إلى أن وصلت "فيروز" إلى جملتها الأخيرة عن "كوكي" ،
حينها، خفق قلب "ماهر" بقوةٍ حتى كاد يهوي في قدميه، إذ أدرك أنّ ما ستسمعه "رحمة" من حديث ابنته سيقلب السكون عاصفة، وصار يفكر في دهشةٍ مرتجفة، كيف سيواجه إعصار "رحمة" القادم من وراء هذا الباب؟
ولأول مرة خط المحاكم يشعر بالرهبة من عاصفة "رحمة" التي لا تبشر بالخير من هيئتها الغاضبة بشدة ويبدوا أن القادم عاصف...
