رواية مع وقف التنفيذ الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم دعاء عبدالرحمن


رواية مع وقف التنفيذ الفصل الثاني والعشرون  بقلم دعاء عبدالرحمن 

أغلق فارس باب شقة والدة دنيا خلف المعزيين وعاد ليجلس بجوارها منهكاً من شدة التعب. نظر إليها فوجدها تدفن رأسها بين كفيها وتنساب عبراتها المنهمرة على وجنتيها لتبال كفيها

ووجهها أقتريت والدتها منها ومسحت على ظهر دنيا بحنان

كفايه يا بنتى هتموتي نفسك من العياط .. أدعيلها بالرحمة

ثم نظرت - فارس واردفت :

قوم يا بني خد مراتك وادخلوا ارتاحوا شوية .. أنتوا منمتوش من امبارح

نهض فارس بتناقل، فكم كان محتاجاً لقسط من الراحة لبعض الوقت. بعد نهار طويل من اجراءات الدفن والوقوف لاستقبال المعزين، أمسك يدها وساعدها على النهوض وهو يقول بإشفاق

تعالى جوه ي دنیا.. قومی بالا

نهضت وهي تجفف دموعها وقد أطرقت رأسها إلى الأرض وكادت أن تختنق من فرط أجهادها وحالتها النفسية السيئة لولا أن أسندها بيديه ومضى بها إلى غرفتها، ساعدها في الجلوس على طرف فراشها قائلة:

نامي شوية علشان أعصابك تهدى

رفعت رأسها إليه ونظرت له من بين دموعها وقالت بصوت مبحوح من كثرة البكاء:

- أقعد لو سمحت

جلس بجوارها على الفراش والتفت إليها مشفقًا لحالها فارتمت على صدره ولم تبكي وتشهق

بقوة وهي ترجوه قائلة:

متسبنيش با فارس .. أنا ماليش غيرك دلوقتي ... أرجوك متسبنيش لوحدي ... أنا يعتذرلك عن كل اللي عملته معاك وكل اللى غلطته في حقك.. بس أنا عارفة انك شهم ونبيل ومش هتتخلى عنى.

وشهقت بقوة أكبر وهي تقول بانهيار:

آخر حاجة ماما قالته إلى أقولك تفضل جنبًا علشان ماليش غيرك .. علشان خاطرها يا فارس

مش علشان خاطري انا.. ارجوك يا فارس أرجوك

رفع الرأس لأعلى وتنفس بقوة تم ربت على كتفها مطمئنًا وقال :

متخافيش با دنیا متخافيش

ولمعت عيناك من التأثر وهو يردف قائلاً:

أنا جنبك متقلقيش من حاجة أبدًا

اعتدلت ونظرت إليه بلهفة قائلة:

بجد يا فارس یعنی مش هنطلقنی

ريت على يدها وقال بهدوء :

متفكريش في الكلام ده دلوقتي... أنا عاوزك تنامى وترتاحي ... أنت مش شايفة نفسك عامله ارای

استلقت في فراشها مطمئنة وأغمضت عينيها ظل جالساً بجوارها حتى ذهبت في سبات عميق ألقى عليها نظرة مشفقة ونهض بشدة وخرج وأغلق الباب خلفه، خرج فوجد والدته قد غفوت على الأربكة الخارجية ، حاول إيقاظها ولكنها لم تستجب له من شدة الإرهاق ، هوى بجسده على المقعد جانبها واستند إلى ظهر المقعد وأغمض عينيه وهو يحاول استيعاب الأمر من جديد

لقد أصبحت وحيدة الآن وليس من الشهامة أن يتخلى عنها هكذا ويتركها بمفردها, لقد استنجدت به و توسلت إليه أن لا يتركها فكيف يفعل, تأبى رجولته أن يفعل ذلك، ولكن كيف. يحتفظ بها وهي من هي أن يستطيع أن يتخذها زوجة حقيقية ولن يستطيع أن يطلقها في

مثل هذه الظروف ، وضع كفيه على وجهه ملتجأ إلى الله عز وجل هاتفاً بقلبه :

ما العمل ياربي ما العمل

عادت أم فارس إلى بيتها وتركتهما هناك بعد أن ألحت على فارس أن يبقى مع زوجته في شقة والدتها قليلا, ثم يعود بها بعد أن تتحسن حالتها، تفاجأت بأن زواج قهرة قد تم بالفعل في

غيابها فصعدت إليهم وجلست بصحبة أم يحيى وهي تقول بضيق:

كده برضوا .. هو أنا مش من حقى افرح بيها زيك ولا ايه يا ام يحيى

قالت أم يحيى بحرج:

والله سالت علیکی با است ام فارس ملقتکیش وبعدها عرفت من عمرو أن حماة الأستاذ فارس تعيشي انت ... أتلخمت في كتب الكتاب ومعرفتش أوصلك

مهرة فين علشان أباركلها

اشارت لها أم يحيى إلى غرفتها قائلة:

جوه.. ثوانى اندهالك

خرجت مهرة من غرفتها وتلاقت عينيها بعينين ام فارس كل عينين بها ما بها وتنطق بالكثير ولكن شهرة لم تستطع أن تنتظر أكثر جرت مسرعة وارتمت بين أحضان أم فارس وأخذت تبكي وتبكي وأمه تمسح على رأسها وقد لمعت عينيها بالدموع ولكنها تماسكت فقالت أم يحيى:

ايه بابت مالك بتعيطي ليه كده

رفعت أم فارس رأسها لأم يحيى قائلة:

تلاقيها واخده على خاطرها مني علشان محضرتش فرحها

مطت ام يحيى شفتيها وهي تقول :

أنا عارفة ايه دلع البنات ده ... دى من ساعة كتب الكتاب وهي لويه بوزها كده حتى عريسها

مبتديلوش ريق حلو ابدا

أزداد بكاء شهرة ولكنها لم ترفع رأسها من حضن أم فارس حتى بللت حجابها بدموعها فقالت أم

فارس وقد رسمت ابتسامة مصطنعة على شفتيها :

ايه يا ست انت... أنت بقيتي بخيلة ولا ايه فين الشربات بتاعي

ضحكت أم يحيى بسعادة وهي متوجهة إلى المطبخ قائلة:

من عنيا يا ست الكل

تبعتها أم فارس بعينيها حتى اختفت داخل المطبخ فربنت على رأس قهرة وقالت بخفوت

متقهريش نفسك يا بنتي.. كل شيء قسمة ونصيب

توقفت شهرة عن البكاء ورفعت رأسها تنظر في عينيها متعجبة فابتسمت لها أم فارس وقالت بخفوت :

أنا كمان مربیاکی و اقدر احس بيكي كويس ... ولا فاكراني مش حاسة بيكي كل ده

ثم أمسكت وجهها بين يديها وقالت بحنان

ركزي في مذاكرتك ومتفكريش في حاجة.. وارضى بقضاء ربنا علشان ربنا يرضى عنك

و یرضیکی

دخلت قهرة هي وأخيها يحيى النادي الرياضي تتطلع حولها منيهرة بما ترى بينما كان علاء الذي يسير بجوارها يزهو وهو يشاهد الأنبهار في عينيها هي وأخيها وهو يشعر بالسعادة, فتلك المرة الأولى التي وافقت على أن تخرج بصحبته منذ أن عقد عليها .. مرت بجوارهم مجموعة من الفتيات استوقفوه بلهفة وهن يصافحته ويتضاحكن معه بجرأة وبجوارها يحيى يكاد يلتهمهن بعينيه التفت علاء إلى شهرة فوجدها مصوبة نظرها عليهم بملامح خالية من أي تعبير ولكن

يغلب عليها بعض الدهشة، انصرفت الفتيات واقترب منها قائلا :

ايه يا حبيبتي غيرانه ولا أيه.... لا لازم تتعودي على كده دى ضريبة الشهرة ولا ايه يا يحيى

قال يحيى مؤكداً :

أنا مع نجم

نظرت اليهما مهرة وكأنها لم تسمعهما ولم ترى حديثه مع الفتيات.

وقالت :

هو مين اللي بيصرف على كل الحاجات الفخمة التي في النادي دي

نظر لها متعجباً وقال باستنكار

هو ده كل اللي لفت نظرك

اومات براسها وقالت باهتمام:

- غريبة أوى أنا كنت يشوف الحاجات دي في التلفزيون بس كنت فاكراهم بيضحكوا علينا طلع بجد

عقد ذراعيه أمام صدره بضيق وقال وهو يسير بجوارهما ببطء:

وأيه الغريب في كده ... إذا كانت مكافأتنا لوحدها بتوصل للألفات وساعات الواحد فينا بياخد مليون لوحده مكافاة .. مستغربة أن النادي نفسه يبقى فخم

ثم أشار لهما على أحدى الطاولات لتجلس جلس فيالتها فانحنت للامام مستندة إلى الطاولة

الصغيرة وقالت :

ومين اللى بيدفع كل ده

رفع كتفيه قائلا بلا مبالاة :

تبرعات رجال الاعمال مكافآت من الدولة وحاجات زي كده يعنى

أسندت ذقتها على راحة يدها وقالت متعجبة:

- مصر ماليانة أحياء شعبية محتاجة نص اللى بيتحط في النادى ده والماتشات بتاعته هو وغيره ورجال الأعمال دول أو البرعوا للأحياء دى ولا لأطفال الشوارع ولا للمستشفيات اللي محتاجة أجهزة وأدوية كان هيبقى ثوابهم أكبر عند ربنا مش يجوا يحطوا فلوسهم في حمام

سباحة ولا ماتش

عقد حاجبيه وقال بحلق

احنا بندي البلد دي جوايز خارج الدوري والكاس

ضحكت وهي تقول :

غربية أوى أنتوا بيتصرف عليكوا ملايين علشان دوري وكاس لكن العلماء محدش بيسأل فيهم و بيضطروا بهاجروا بره مصر علشان يلاقوا اللى يصرف على أبحاثهم اللى متخدم البشرية كلها.

قال يحيى بحماس معترضاً:

والماتشات دى برضة حاجة كويسة يا مهرة .. يتخرج الطاقة والناس بتحبها وبتتبسط منها يعنى كلنا بنستفاد والبلد كمان بتستفاد

نظرت إلى يحيى وقالت بتلقائية:

یا بنی ده انا اختك ويشوفك أنت وصحابك وانتوا بتتخانقوا بعد كل ماتش ده غير الشتيمة اللي بتقعدوا تشتموها للعيبة وتاخدوا عليها ذنوب والقهوة اللى على أول شارعنا اللى بيضربوا بعض بالكراسي وفي الآخر بعد الماتش ما يخلص هما ياخدوا المكافات وانتوا تتخانقوا وتخسروا بعض .. وبلد أيه اللي يتستفاد دي الفريق بيسافر والبلد تصرف عليهم في البلد الثانية ... وفى الآخر لو كسبوا يقولوا مصر فازت ولو خسروا مصر خسرت.. طب مصر كسبت ايه وخسرت ايه واحنا مش مهتمين بالعلم والعلماء وينقولهم فوت علينا بكره ... كسبت كاس بيتحط على رف النادي مكتوب عليه تاريخ الانتصار وفلوس تتوزع على اللعيبة زي الرز .. وفي ناس أحق بالفلوس دي بيباتوا من غير أكل ولا دوا وبيموتوا من كثر الأهمال في المستشفيات

الحكومية ... الكلام ده لو في عدل لو كل واحد بياخد حقه

نسى علاء أنه في مكان عام وهتف غاضباً:

وحضرتك بقى وافقتى تتجوزيني ليه طالما شايفة أن شغلى نافه أوى كده

حملت حقيبة يدها وقالت بتلقائية :

منا قلتلك كنت فاكراهم بيضحكوا علينا في التلفزيون وبيبالغوا بس كلامك ده واللي أنا شايفاه أكدلي .. وبعدين مالك زعلان اوى كده ليه الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية وأنا بقول رابی

نظر لها يحيى مندهشاً وهو يقول :

- سبحان الله كأني سامع الأستاذ فارس هو اللي بيتكلم

نظرت له شهرة بتأثر ولمعت عينيها حنيناً بينما قال علاء متسائلاً:

مين فارس ده؟

ضحك يحيى وهو يقول :

ده بقى يا سيدي الأب الروحي المراتك.. هو اللى مربيها ومحفظها الكلام ده

ظن علاء أن الشخص الذي يتحدث عنه يحيى رجل طاعن في السن مثلا فلم يبالي بالأمر وقال

باستهزاء :

وأنا أقول برضة اتعلمتي منين التخاريف دي

هدفت مهرة وهي تنظر له بغضب :

أتكلم باسلوب أحس من كده

تدخل يحيى بسرعة وقال مهدئاً للموقف :

صلوا على النبي يا جماعة دى مجرد مناقشة

تأملها علاء البعض الوقت ثم قال حانقاً :

بالا نمشي

سارت بجواره وهو يمشي بخطوات واسعة وهي تحاول اللحاق به جاهدة ويحيى يلقى النظرات الأخيرة على النادي الذي حلم دائما بدخوله حتى وجدته يقف فجأه وتتغير ملامحه الغاضبة إلى الابتهاج عندما صافح أحد الرجال الذي كان يبدو عليه أنه في أوائل العقد الخامس

من عمره يرتدى حلة وقبعة رياضية ثم استدار إليها يعرفها إلى الرجل قائلا:

دى شهرة مراتى يا كوتش وده يحيى اخوها

نظر إليها الرجل مبتسماً ومد يده يصافحها قائلا :

أهلا وسهلا نورتي الدادي

عقدت ذراعيها وقالت بجمود

أهلا بحضرتك بس معلش من بسلم

إليها أنها استمعت إلى صوت صكيكها وقال أمراً :

مد يحيى يده وصافح الرجل بحرارة بينما نظر لها علاء نظرة نارية وضغط أسنانه حتى الخيل

سلمي يا شهرة ده الكوتش بتاعي... أنت متعرفيهوش ولا أيه

نظرت إليه وظلت عاقدة ذراعها ولم ترد فقال الرجل بسرعة وهو يربط على كتف علاء :

خلاص با كابتن مش مشكلة .. بالا اشوفك في التدريب سلام

جديها من ذراعها بقوة وهو يقول :

انا غلطان الى حياتك هذا...

أمسكه يحيى وهو يحاول تخليص ذراعها منه هاتفاً :

مش كده يا كابتن التفاهم بالراحة

دفعت يده بعيدا بضيق وأسرعت الخطى وقد لمعت عيناها بالدموع ظلت جالسة في المقعد. الخلفي في السيارة وعلاء يقودها حانقاً في طريقه إلى المنزل وهي تنظر من النافذة بجوارها وكلما فرت دمعة من عينيها رغماً عنها مسحتها بسرعة حتى لا يراها في المرأة .. أما هو فكان

يصبح طوال الطريق بغضب قائلاً:

بتخرجيني مع الكوتش بتاعى يا مهرة يعني لو كنت قابلت حد من رجال الأعمال اللي بیرعانیى كنت برضة هتخرجینی قدامه كده مش كفايه مش عاجبك شغلى ومستخسرة فيا

الفلوس اللي باخدها

كانت تستمع إلى يحيى وهو يحاول تهدئته أما هي فقد ظلت صامتة ولم ترد عليه وتركته يخرج ما في صدره من حنق وغضب عليها، كانت تشعر أنها وحيدة لا تشعر بالأمان معه تريد أن تصل لمنزلها سريعا لتحتمى بجدرانه بعد أن فقدت النصير الذي غاب عنها وتاه في دنياه

وضع فارس حقيبة دنيا في غرفتها وخرج منها وأغلق الباب خلفه قائلا لوالدته في عجلة من امره :

لازم امشي حالاً.. ألأخرت أوى على المكتب

همست له والدته بخفوت

مش تستنى مع مراتك شوية يا فارس وبعدين تنزل

ربت على كتفها برقة وقال وهو يضع الهاتف في جبيه ويأخذ مفاتيحه :

هستني أعمل أيه يا ماما هي خلاص بقت كويسة.. معلش عندي شغل متأخر .. مع السلامة

ترجل يحيى في بداية المنعطف المؤدى إلى شارعهم عندما التقت عيناه يعيني محمود الذي

قاطعه منذ زواج مهرة وهو يقول :

معلش يا كابتن واحد صاحبي زعلان مني عاوز الحقه .. يالا سلام

تابع علاء طريقة بتناقل ووضع السيارة بجوار المنزل هبطت مهرة بسرعة دون أن تنتظره .

الحق بها على الدرج وأمسكها من ذراعها وجذبها إليه بحدة وهو يقول :

كمان مش معبرانی ... بدل ما تعتذر لي يا هاتم

التفتت إليه وقد أغرورقت عيناها بالدموع وقالت :

لو سمحت سبب ابدی ... مش كفاية الكلام الجارح اللى عمال تقوله طول الطريق ... جای تكمل هنا كمان

حاولت أن تتملص منه ولكنه جذبها مرة أخرى وقال بعصبية :

- مهرة .. أنت متعرفتيش كويس ... أنا عصبی متخلنيش آمد ایدی علیکی .. اعتذري حالاً

بدأت تبكي بصوت مرتفع وهي تحاول التملص منه عندها سمعت وقع أقدام تهبط الدرج على عجل، وما أن اقتربت حتى زادت من سرعتها على صوت بكائها واخيرا ظهر فارس وهو ينزل سريعا ينقل بصره بينهما وقال وهو ينظر إليها وإلى دموعها التي انسابت على خديها وقال بلوعة :

- مالك بتعيطي ليه

قبض علاء على يدها أكثر حتى تألمت ثم قال :

وأنت مالك انت خاليك في حالك ...

لم يكد علاء أن يتم عبارته حتى وجد فارس قد قبض بعنف على يده الممسكة بذراعها وضغط رسغه بقوة تألم لها علاء واضطر أن يترك ذراع مهرة التي بمجرد أن تحررت من يد علاء حتى صعدت أربع درجات ووقفت خلف فارس تحتمی به نظر له علاء بغضب وصاح هائجاً:

وانت مالك .. دي مراتي

التفت فارس إليها فوجدها تنظر إليهما وتمسح دموعها بكلتا يديها وقد أطلت من عينيها نظرت استغاثة ملهوفة مخلوطة بالألم .. التفت إليه وقال محذرا والشرر يتطاير من عينيه :

هي الرجولة انك تفرد عضلاتك على بنت وتقول مراتى.. أنت كده مفكر نفسك راجل

حاول علاء أن يتخطاه إليها ولكن فارس وضع يده على سور السلم ففصل بينهما يجسده فقال

علاء غاضبا:

بقولك وأنت مالك .. مين انت علشان تدخل ... أضربها ولاحتى اكبر دماغها مدام عاوزه تدربی

لم يكد أن يتم كلمته حتى وجد لكمة شديدة توجهت إلى أنفه ارتد على آثارها إلى الخلف ولكن الحسن قدره أن يحيى كان في طريقه إلى الصعود فارتطم بجسده مما منعه من السقوط وربما ما هو أكثر من ذلك.

بكت مهرة بشدة وصعدت تعدو إلى شقتها بينما وضع علاء يده على الله فوجد الدماء تسيل منها نظر إلى راحته يرعب وهو ينظر إلى الدماء التي لوثتها دفعهما فارس معا وغادر البداية على الفور وهو في قمة غضبه.

أخذه يحيى وصعد به إلى شفتهم، جلس والد مهرة بجوار علاء يعطيه بعض المناديل الورقية ليمسح دمائه التي لوقت وجهه بينما كان يحيى وأمه يؤنباتها في الداخل وهي ملقاة على الفراش وتبكي بحرارة، ولم يكتفوا بذلك وأنما أجبروها هم ووالدها على الخرج والاعتذار منه . وعادت لغرفتها مكسورة مهزومة ورغم احساسها بالدونية والضباع والمهانة إلا أنها شعرت أنها لم تفقد المظلة التي كانت وظلت وستظل تحميها من عوادي الدنيا وزخات الشحب ..

التفت بلال إلى فارس ورفع حاجبيه بتعجب شديد وقال متعجباً :

- ضربته !!!

أشاح فارس بوجهه وضرب بيده على قدمه وقال وهو غاضب :

تصدق بالله انا لو مكنتش مسكت اعصابی مکنش هیبقی ضرب بس أنا كان ممكن اقتله

استند بلال بمرفقيه إلى مكتبه في المركز ونظر إليه متفحصا وقال بهدوء :

أنت لو يتتخانق مع مراتك تحب حد يتدخل بينكوا بالطريقة دى

هداف فارس حائقاً :

یعنى كنت اسيبه يعمل فيها كده قدامى واقول سلام عليكم وانزل عادی کده

مر بلال رأسه نفيا وقال :

لا يا سيدي محدش قالك كده... بس برضة في حاجة اسمها بالمعروف بالنصيحة تسمع عنهم ولا لاء

دمی غلا في عروقي يا بلال مفكرتش و مقدرتش استحمل سفال

شبك بلال بين أصباعه وقال بثقة :

طبعا مش هقولك أنك غلطان علشان انت عارف انك غلطان

أوما فارس برأسه وهو ينظر أمامه بشرود قائلا :

معاك حق انا غلطان... غلطان الى ضريته بس تم فرض أكسرله عضمه علشان بعد كده ایده ملمسهاش تالی

صمت بلال لبعض الوقت وهو يفكر هل من الحكمة أن يتكلم معه ويكشف له عن ما يراد ويشعر به أم يصمت مادام فارس يفسر أفعاله على أنها شهامة منه تجاهها ، ولو صارحه فما جدوى ذلك وهو متزوج وهي متزوجة الأمر يحتاج لتفكير أكثر من هذا قبل المصارحة

أخرجه فارس من تفكيره العميق على صوته الهادر وهو ينهض واقفاً ويقول :

- شوف يا بلال أنا جيتلك علشان عرفت أنه عرفها عن طريقك يعنى انت تعرفه كويس .. عاوزك تبلغه أني لو عرفت أنه من أيده عليها بحلو ولا بوحش هتبقى آخر مره يستعمل فيها أيده دي .... سلام

لهض بلال وحاول إيقافه ولكنه لم يفلح في ذلك فلقد كان غاضبا جدا عاد إلى مكتبه وجلس خلفه في وجوم وهو يشعر أن المصارحة بعد ما راه وسمعه الآن منه ستكون تبعتها أكبر من الكتمان بكثير فلابد من التمهل ... فهذه النبرة وهذا الزئير وهذه التصرفات لیست ارجل بغار فقط أو يحب فقط وإنما هو براها كنزه التمين ومهرته الأصيلة الذي لابد أن يحافظ عليه دائما وأبدا من أن تمتد إليه يدأ غريبة ويرى نفسه حاميها وحارسها وفارسها النبيل الذي يبذل الغالي والرخيص فداءا لها، فهي مازالت وستظل طفلته التي تحتاجه ومن الجائز أن تعشق أطفالنا أحيانا ...

بمجرد أن دخل فارس مكتبه وقد هدأت ملامحه قليلاً حتى لحقت به نورا على الفور قاتلة بسعادة:

دكتور فارس الآخرت ليه

جلسه خلف مكتبه واسند ظهره للخلف وهو يشعر بإرهاق ذهني رهيب وأغمض عينيه قائلاً :

- في حاجة ؟

قالت بسرعة وهي مبتسمة ببهجة :

في زبون معايا في المكتب وجاي لحضرتك ومصمم أنك انت اللي تمسكله القضية بتاعته بنفسك مش حد ثاني

فتح عينيه ببطء وقال مستفهما :

- اشمعني يعني

قالت بحماس :

القضية اللي حضرتك اشتغلتها من شهر وجبت فيها براءة للقاتل سمعت أوى ... والرجل جای ملهوف وعنده استعداد يدفع أي مبلغ تطلبه ... ده مليار دير يا دكتور فارس ملیا در ییییییر ...

ابتسم فارس الحماصها المفرط وقد تسلل حماسها إليه وقال :

خليه يدخل

فرقعت نورا أصابعها بحماس وفرحة وخرجت مسرعة وسمحت للرجل بالدخول إليه ، نهض فارس وصافحه بأدب وتواضع قائلا وهو يشير إليه بالجلوس :

اتفضل يا فندم

جلس الرجل وهو ينظر إلى فارس مندهشا وقال بدون مقدمات :

الحقيقة انا كنت فاكر حضرتك أكبر من كده يا دكتور فارس

ابتسم فارس وقال بلباقة :

ده مدح ولا دم

أستدرك الرجل بسرعة وقال باحترام :

مدح طبعا يا دكتور يعنى حضرتك سمعتاك مسمعة كده وانت في السن ده .. يعني اكيد حضرتك تبغة في مهنتك ... خيال كراجا في السوة من زمان وعلشان كده انا جبتلك مصمم

انك أنت اللي تترافع عن ابني

قال عبارته الأخيرة ووضع الملف الذي بيده أمامه على المكتب, فتحه فارس وبدأ يقلب أوراقه

بينما قال الرجل بحزن :

اپنی یا دكتور شاب في عز شبابه ومتربي وأخلاقه عالية .. يتهموه ظلم في قضية في دى .. أنا

ابنى مش ممكن يقتل يا دكتور مش ممكن أبدا ... انا متأكد أن تقرير التحريات اللي اتقدم ده افترى وظلم علشان أعدائي في السوق عايزين ينتقموا مني بأي شكل ويشوهوا سمعتي باي

طريقة

هر فارس رأسه وقال متفهماً :

طيب حضرتك سيبلى القضية ادرسها واقلبها في دماغي من كل النواحي وهرد عليك بكره ان شاء الله بس حضرتك أعملى توكيل علشان أزوره وأتكلم معاه شويه قبل ما اقول رأيي في القضية

قال الرجل على الفور :

انا يا دكتور مستعد ادفع اللي حضرتك تطلبه ملايين الدنيا كلها فدى ابنى

قال فارس بإشفاق :

متقلقش إن شاء الله لو بري فعلا ربنا مش هيتخلى عنه وانا هيذل كل جهدی علشان اطلعه منها

حياه الرجل وغادر المكتب وقبل أن يبدأ في فتح الملف لقراءته يتمعن قفزت شهرة إلى ذهنه مرة أخرى وصورتها التي رأها عليها اليوم وهى تنظر له تستنجده أن لا يتخلى عنها ولكن الذي خبره فعلا هي النظرة الأخرى التي رأها في لمحة لم تتعدى ثانية من الوقت لله كانت نظرة عتاب .. وجد نفسه يخرج هاتفه ويكتب رسالة من كلمتين :

- بتعاتبيني ليه ؟!

أعلى هاتفها على وصول رسالة نصية فتحتها وهي تجلس على طرف فراشها دون أن تنظر الاسم الراسل، اتسعت عيناها دهشة وخفق قلبها بقوة وهي تقرأ حروفه التي أرسلها دون وعي فوجدت دمعتين قد فرنا من مقلتيها وابتلعت ريقها بصعوبة وكتمت القاسها وهي تكتب بشرود

السؤال ده لوحده محتاج عتاب

قرأ رسالتها ووضع الهاتف على مكتبه و دفن وجهه بين يديه وقد ازدادت حيرته واشتعلت التساؤلات في قلبه من جديد زفر بقوة وتناول القهوة التي وضعت أمامه بتمهل وبدأ في فتحملف القضية ... وهو لا يعلم أنه فتح عليه باب من أبواب جهنم .

غير معرف
غير معرف
تعليقات