رواية عشق لا يضاهي الفصل المائتان والرابع والخمسون 254 بقلم اسماء حميدة


  رواية عشق لا يضاهي الفصل المائتان والرابع والخمسون 

تنهدت سيرين تنهيدة مثقلة بالخذلان وكأنها تسقط عن صدرها اعترافا مرا
لا تقلقي لم يحبني يوما لن يكابد مشقة البحث عني طويلا فقط امنحيه بعض الوقت وسيتخلى عن مطاردتي.
كانت كلماتها أشبه بجرح مفتوح ينزف ببطء فالحقيقة التي تدركها بحدسها المرير أن ظافر لم يكن يلاحقها حبا بل عنادا.. عناد رجل يرفض أن يسلم للهزيمة ومع ذلك تركت له خلفها مبلغا وافرا من المال تمنحه رشوة ليتحرر من وهمها وينسى أثرها.
تأملت كوثر السقف بعينين شاردتين قبل أن تنطق بصوت حذر كمن يقتحم أرضا ملغومة
إذن هل تفكرين في أن تجدي أبا بديلا لزاك ونوح
ارتجفت ملامح سيرين للحظة كمن باغته سهم من حيث لا يدري لقد عاشت كل تلك السنوات وحيدة منغلقة على نفسها تكرس عمرها لطفليها دون أن تسمح لعقلها أو قلبها أن يطرق باب فكرة الزواج مرة أخرى.
هزت رأسها نفيا.. تهمس بصرامة رقيقة
لدي ما يكفي من المال لأمنح ولدي حياة كريمة لا أريد أن أضعهما بين يدي زوج أم قد يقسو عليهما أو يثقل طفولتهما بظله.
ثم توقفت ووضعت يدها برفق على بطنها تحاول الإصغاء إلى همسة حياة خفية.
اتسعت عينا كوثر بدهشة غامرة ومن ثم اقتربت منها وهمست
أأنت

حامل حقا
أومأت سيرين برأسها وابتسامة باهتة ارتسمت على شفتيها
نعم ما إن وصلت حتى ذهبت إلى المستشفى لإجراء فحوصات واكتشفت أنني في شهري الأول بالفعل.
غلب الفضول كوثر فمدت يدها بحذر لتلمس بطن سيرين كأنها تستجلي السر ومن ثم قالت بنبرة يختلط فيها الرجاء بالدهشة
إنه أمر عظيم! سيولد الطفل بعد تسعة أشهر بالتمام ويكون نوح حينها مستعدا لجراحته.
ابتسمت سيرين ابتسامة خافتة وصححتها برفق عالمة
بل ثمانية أشهر هل هناك من يظن الحمل عشرة أشهر!!  الحقيقة غير ذلك.
سحبت كوثر يدها ببطء ثم غيرت مسار الحديث فهي لا تريد أن تثقل اللحظة بسؤال آخر عن الغد فتنهدت وقالت
لقد شاهدت الأخبار أليس كذلك دينا هذه المرة غارقة في مأزق لا يحمد عقباه وظافر أيضا الناس ينهشونه بنقدهم على صفحات الإنترنت يتلذذون بسقوطه.
كانت سيرين قد تهيأت لتلقي مثل هذه النتيجة غير أنها لم تتخيل أن ينهار عرش ظافر أمام زوبعة الرأي العام بهذه السرعة.
قالت وصوتها يغمره مزيج من الدهشة والذهول
أليس من المعتاد أن تكون مجموعة نصران أبرع من ذلك في تطويع السرد لصالحها
هزت كوثر رأسها ببطء تقول نافية
لست واثقة أبي ذكر أن مجموعة
نصران قد نصبت رئيسا تنفيذيا جديدا بينما ظافر يحرك الخيوط من خلف الستار.
ثم لوحت بيدها وكأنها تبعد شبحا ثقيلا
انس أمره هيا لنخلد للنوم.
ابتسمت سيرين ابتسامة متعبة وهمست
تمام.
كوثر التي جاءت لتشد أزرها لم تعد مجرد عابرة سبيل في حياة سيرين بل قررت أن تمكث يومين آخرين قبل أن تشد رحالها عائدة. كانت في البداية تحارب لأجل صديقتها لكن الآن وقد وجدت عملا جديدا أرادت أن تثبت لوالدها أنها قادرة على شق طريقها وحدها دون أن ترهن مصيرها بيد رجل اسمه طارق.
في الطرف الآخر من العالم كان ظافر يتأرجح في قصره الواسع كذئب جريح ما إن وصله خبر مكان سيرين حتى أمر ببرود يكتم زوبعة في صدره بتجهيز طائرة خاصة.
طرق ماهر الباب وجاءه صوت ظافر متحشرجا كأنما يتردد في فضاء خال
ادخل.
فتح ماهر الباب فوقع بصره على غرفة يملؤها عبث الزجاجات الفارغة كأطلال حرب خاضها رجل ضد نفسه لم يكن ذاك المشهد مما يتصور أن يراه أحد في قصر نصران.
قال ماهر بقلق متلعثما كمن يختبر بركانا نائما
سيدي هنالك اضطرابات في الشركة ألن تعود إلى المكتب
لكن عيني ظافر كانتا غائرتين غارقتين في هاوية وأجاب بجملة مقتضبة باردة كالرماد
أنا
مشغول.
دهش ماهر كأن الأرض زلت تحت قدميه. متى أهمل هذا الرجل العمل متى صار قلبه أثقل من عرش بناه
لكنه تراجع خطوة خائفا أن يوقظ الغضب الراقد في داخل ظافر إذ تذكر كيف ناله سابقا وبال تدخله.
جاء صوت طرق آخر على الباب ففتحه ماهر بحذر ليجد رجلا بملامح مألوفة يحمل في عينيه شيئا من الحزم والهدوء.
من أنت سأله ماهر.
رد الرجل بصوت متماسك
أنا ماثيو محامي السيدة سيرين ربما تتذكرني لقد التقينا منذ سنوات.
ارتجف ذهن ماهر للحظة وتذكر أوراق الطلاق التي وقعتها سيرين حينذاك والتسوية المالية التي
دفعتها.
لم ينتظر ماثيو إذنا بل خطا إلى الداخل بثبات وعيناه تجولان سريعا على حال ظافر الممزق.
أخرج ماثيو من حقيبته مستندا ووقف أمامه كمن يلقي على الطاولة ورقة الحسم الأخيرة يقول بصوت رسمي
سيد ظافر أوكلت إلي موكلتي مهمة تسليمك هذه الوثيقة.
رفع ظافر رأسه ببطء وفي عينيه شرر يذوب في ظلام دامس
لا أفهم عم تتحدث
اقترب ماثيو وبسط الورقة أمامه ملخصا ببرود قانوني يذبح كبرياء الملوك
تتعهد السيدة سيرين بدفع مبلغ ضخم كتعويض عن هدايا الزواج التي أهديتها إليها قبل الارتباط وهي تأمل أن يكون هذا المال فصلا
أخيرا وأن تطوى بينكما كل الصفحات العالقة.


تعليقات