رواية مع وقف التنفيذ الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم دعاء عبدالرحمن


 رواية مع وقف التنفيذ الفصل الخامس والعشرون 



كيف تنام العيون وقد فقدت كل الأحبة في ليلة واحدة، كيف ترتاح القلوب بين الصدور اللاهجة ... التف الجميع حول النساء التكالي في بيت ام فارس محاولين أن يخففوا عنهم ولكن كيف السبيل لذلك .. دفنت مهرة وجهها في صدر أم فارس تبكي وهي تستمع الكلام عزة وعبير عن ما حدث معهم هم أيضا في بيوتهم قبل الفجر كل منهن تبكي دماً بعد أن جف نبع دموعهن .. الناظر إليهن لا يعلم من يواسى من ومن يطمئن من، ومن يربت على كتف من .. الجميع مكلومين في أحيائهم، كل منهن تحتاج إلى صدر حنون يضمها ويطمئنها على رفيق دربها ولقد كانت مهرة هي ملهمتهم في ذلك عندما ألقت نفسها بين أحضان أم فارس تيكيه وتخفف عنها في نفس الوقت... كذلك فعلت عبير عندما ألقت نفسها في حضن أم بلال وكذلك فعلت عزة وهي بين ذراعي ام عمرو وكانهن بهذه الأحضان يتساندون ويشدوا اثر بعضهم البعض فالمغانود واحد .. ألتف حولهن بعض الجارات يستمعون لماساتهم محاولين التخفيف عنهن ومواساتهن ببعض كلمات الصبر .... بينما ذهب الرجال يبحثون عنهم في كل الأقسام وبنايات أمن الدولة المبعثرة في كل مكان، وفى النهاية عادوا يخفى حنين لا شيء .. غير موجودين في أي مكان بشكل رسمي

وقف والد عمرو على باب شقة أم فارس من الخارج هو وبعض الرجال وقال بغضب وهو يكاد

يمنع نفسه من البكاء بصعوبة هاتفا :

لفينا الاقسام كلها وروحنا كل مبنى بيقولوا عليه بتاع أمن الدولة... وبرضة مفيش حس ولا

خبر عنهم هما الثلاثة هيكونوا ودوهم فين يعني

رد والد عزة بحنق :

للدرجة دي أي حد يتاخد من بيته بسهوله كده ويختفى و مالوش أثر .. أحنا في مصر ولا في شيكاغو

تدخل محمود أخو عمرو قائلا :

أجابه يحيى :

أنا عارف كل ده ليه علشان اصحابه مربین دقتهم

طب وأيه المشكله يعنى.

قال محمود :

المشكلة أن أي واحد مربى دقته يبقى أرهابي وش

هتف مينا أبن العم عامر جارهم قائلا:

يا سلام طلب ما احنا عندنا القس مربى دقته هو الموضوع بالدقن يعنى

تمانم محمود حقا :

يا عم انتوا مسيحين أحنا بتتكلم على المسلمين دلوقتي

قال عامر بحزن :

يابني انتوا جرانا من زمان وعمرنا ما شوقنا منكم حاجة وحشه .. فارس وعمرو وصاحبه بلال اللي زي المرهم ده.. يتعمل فيهم كده ليه ... أرهاب أيه وبتاع أيه ... الأرهاب ده مينشفهوش غير

في الافلام والمسلسلات

ريت الحاج عبد الله على كتف عامر وهو يقول مؤكدا :

معاك حق والله يا عامر متزعلش من محمود ميقصدش

قال والد عمرو مقاطعاً :

طب دلوقتي هتعمل ايه .. هندور فين ولا هتلاقيهم ازای پس یا ناس

انتيه يحيى فجأة وقال :

هي مش مرات الأستاذ فارس محامية... أكيد هي ممكن تعرف تتصرف هي والمحامين اللي في مكتبه

تقدم والد عمرو بسرعة وطرق باب الشقة المفتوح وهو يقول :

يا ست ام فارس أومال مرات الأستاد فارس فين ... أكيد هي محامية وهتعرف تتصرف.

رفعت عزة رأسها من صدر أم عمرو وقالت بلهفة :

ابوا يا طنط الله يخليكي هي فين يمكن تعرف تلاقيهم

صوب الجميع نظره إليها، حتى شهرة رفعت رأسها تنتظر جوابها فقالت وهي تمسح دموعها

بكلتا يديها :

مرضتش اتصل بيها وهي لوحدها وابلغها .. اللهيت في اللي حصل وخفت اقولها وهي لوحدها يحصلها حاجة ... كلمتها بس وقولتلها تیجی ضرورى ومش عارفة اتاخرت ليه لحد دلوقتي ؟! استندت عبير إلى ظهر أريكتها وأغمضت عينيها المتورمتين من البكاء في حسرة وقد لاحت

صورته في عقلها وومض به قلبها وهي تستمع إليه وهو يقول لها بمرح :

أوعى تأخرى الصلاة مرة ثانية فاهمة ولا افهمك بطريقتي

وجدت الابتسامة المتألمة طريقها إلى شفتيها وهي ترى ملامحه المداعبة لها وهي تتذكره وهو يداعب أطفاله بشغف طفولي ويجرى بينهم وهم يحاولون أمساكه ولا يستطيعون فيقفز ليعبر واحدا ويلتف حول الآخر بخفة ويجرى من الطفلان الآخران بسرعة ليدور حول المائدة وهم بدورون خلقه ويسقطون من قرط ضحكاتهم المجلجلة قبل أن ينجحوا في الأمساك به أخيرا فيتكاثروا عليه ويتصنع هو السقوط فيتكالبون فوقه وهو يصرخ بمرح مستنجداً بها أن تنقذه من بين براثنهم .

فرت دمعة من عينيها واعتصر قلبها من الألم .. دخلت دنيا شارعهم وهي ترتدى نظارة سوداء تخفى بها عينيها وجزء كبير من وجهها ومرت بين نظرات الناس حولها المشفقة عليها ومما

شقة زوجها... تنحوا جانباً عندما رأوها وهم يقولون :

قلبنا معاكى يا بنتى

عبرت من بينهم ودخلت الشقة لترى هذا الجمع الغفير من النساء وترى شهرة بين ذراعي أم فارس وعيناها تكاد تختفى من كثرة البكاء ودموعها التي لا تجف ... كان الوضع أشبه بمأتم

اجتمعت فيه النساء فقالت في العتم :

خير في ايه يا طنط ايه اللي حصل

نظر لها الجميع بإشفاق حتى مهرة نظرت لها برحمة وشفقة وهي تتوقع رد الفعل بعد علمها بما

حدث .. وقفت أم فارس و اقتربت منها وهي تبكي وقالت :

فارس خدوه یا دنیا.. دخلوا علينا قبل الفجر وخدوه من وسطينا

قالت با ضطراب وهي متوترة :

هما مين دول ؟

نظر لها الجميع بدهشة كبيرة فرد فعلها لا يتواكب مع ما تسمع من والدته بينما قالت أم فارس :

بيقولوا أمن الدولة بابنتي.. ومش هو وبس لا كمان خدوا عمرو وبلال معاه

كان لابد أن تظهر بعض رد الفعل والا شك بها الجميع فتصنعت البكاء ولكنها لم تخلع عنها

نظارتها السوداء حتى لا يعلم الجميع بخداعها استندت إلى الحائط وأخذت تشهق بقوة وهي تضع يدها على فمها .. ربتت أم فارس على كتفيها وهي تقول :

امسكي نفسك يا بنتي ده انت اللى المفروض تقوليلنا نعمل ايه أحدا مش لاقينه في أي حته تماسكت دنيا سريعاً وتناولت منديلاً لتجفف دموعها التي لم تنزل أصلا وهي تقول :

- معاكى حق يا طنط .. أنا هدور عليه في كل حته لحد ما الاقيه عن أذنكم
وخرجت سريعاً وهي تشعر أن بكانهم قد أصبح لعنة تطاردها أينما ذهبت ... نظرت النساء إلى بعضها البعض متعجبة من رد فعلها ولكن عادوا إلى ما كانوا عليه منذ قليل .. كل يبكي على ليلاه

عادت دنيا إلى بيت والدتها وأول ما فعلت أجرت اتصالاً هاتفيا بباسم الذي أجابها يسأم شديد :

- أيوا يا دنيا خير ؟

قالت في سرعة :

عاوزه اطمن عليه .. وأطمن أمه

زفر في ضيق وقال حائقاً :

هو طلع رحلة يا دنيا وعاوزة تطمنى عليه .. أنت عارفة كويس هو فين ولا ناسية

هنفت بغضب :

امه هتموت نفسها عليه حرام عليك

صاح غاضباً :

هتعمليلي فيها حنينة ياختي ولا أيه.. ولا تكوني ناسية انك انت اللي بلغني عنه يا ام قلب حلين

تحشرج صوتها وقالت ببكاء :

عارفة اني أنا اللي أنزقت وبلغت... بس عاوزه اطمن امه ... أنت وعدتني محدش هياديه.

رفع حاجبيه مندهشاً من كلامها الذي هو عكس تصرفاتها تماماً وقال ساخراً:

والله انت لغز يا دنيا... طب لما انت قلبك عليه كده وافقتي ليه من الأول

هتفت باكية :

علشان هو اللى اضطرني لكده بغياءه ومثاليته الزايدة.. فاكر نفسه عايش في الجنة

صمت باسم قليلاً ثم قال بهدوء حاسم :

بصى يا دنيا .. أنا هتكلم في الموضوع ده لآخر مرة علشان زهقت منه ومش عاوز وجع دماغ

ثاني .. فارس هيفضل في المعتقل لحد ما القضية تنقفل وتخلص خالص .. يعنى أربع خمس

شهور بالكثير.. وصلى الكلام ده لأهله بطريقتك المهم متوجعليني دماغي ناني.. فاهمة ؟

ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تحاول تنظيم أنفاسها وهى تمسح دموعها بتوتر وقالت :

طب وهنعمل ايه في القضية ؟

رفع حاجبية متهكماً وقال :

أيوا هو ده المهم دلوقتي.. كده انت دنيا اللى انا اعرفها ... ركزى معايا كده وفتحى منك ....

استمعت إليه باهتمام وتركيز وهو يقول :

أولا مفيش مخلوق في المكتب عندكوا هيعرف بحكاية الاعتقال دى ... ولا حتى الدكتور حمدي وكويس أن نورا أجازة علشان فى اللى هتعمل قلق ومكنتش هنسكت .. دلوقتي انت المسؤلة عن كل حاجة في المكتب وده في صالحنا .. علشان كده عاوزك أول حاجة تعمليها أول ما تروحي المكتب النهاردة تكلمى الراجل صاحب القضية وتبلغيه ان فارس طالب الاتعاب وبعد ما توصلك الفلوس هقولك الخطوة اللي بعدها

قالت معترضة :

لاء لازم أعرف كل حاجة دلوقتي

زفر بقوة ثم قال بملل :

مقولك ... أنا خلاص وصلت لسكرتير النيابة اللى هيسحيلنا الورق المطلوب من ملف القضية قبل ما تروح على المحكمة .. وهتفاوض معاه النهاردة على المبلغ اللى هيا خده ... ومش كده

ويس ... أنا كمان وصلت الشهود الأثبات وبرضة متفاوض معاهم على المبلغ ....

والفلوس اللى هتاخديها من الراجل في اقرب وقت هنكيشهم منها ... وكده لا هيبقى فيه دليل ولا شهود والحادثة هتبقى قضاء وقدر ومش مقصودة والواد يطلع من عقوبة القتل العمد وبعد کده ممكن نفاوض أهل القتيلة لما يبقوا في موقف الضعيف وممكن ساعتها يتنازلوا بقرشين

وتبقى القضية بخ.. فهمتي

قالت بشك :

طب ما هو محامي البنت اللي ماتت ممكن يقدم في المحكمة صورة من الورقة اللي متتاخد

دي وساعتها يتهمونا بالتزوير

قال بثقة مخلوطة بالسخرية :

وانت يعنى فاكرة أن حكاية زى دى تعدى عليا ... المحامى بتاعهم أطلع على القضية بس ومصورش منها نسخة يعنى مفيش في أيده ورق ضد يتكلم بيه.. فهمتي يا فالحة

اعتدل في جلسته ولمعت عينيه بخبث وهو يقول :

ومذكرة المرافعة انا اللى مكتبهالك وهتحفظيها زي ما هي كده علشان تجلجلي بيها في

المحكمة ولما الحكم يتغير شوفي بقى ساعتها أسمك هيلمع ازاي ...

لمعت الفكرة في رأسها فلقد عرف باسم كيف يقضى على البيضة الأخيرة من نبضات ضميرها .

تخيلت حكم البراءة وكيف سيلع اسمها بعد ذلك في سماء المحاماة لتتهافت عليها القضايا كما

حدث مع فارس ويقصدها الناس ولكنها لن تفعل مثله و لن تعيش بمثاليته التي دمرته وستدمره

سيكون الحكم الوحيد في قبول أي قضية هو الأتعاب. فقط ليس إلا ....

وستخطو في نفس طريق باسم في حل القضايا الشائكة .... وضعت الهاتف بجانبها وقد نسيت تماماً أمر فارس، ولم تعد تذكر إلا مستقبلها فقط ... والذي ستجنيه من خلفه

حل المساء على النساء وحالهن هو البكاء .. لا يزلن مجتمعين في بيت أم فارس ما بين متضرعة

عرفت أنهم في المعتقل... بس لسه مش قادرة أحدد مكانهم بالظبط ولا حتى قدرت أعرف.

تهمتهم أيه ....

ثم اردفت وكان أمرهم لا يعنيها :

انا هفضل بقى في بيت ماما لحد ما تعرف طريقهم هناك يتحرك أسرع ... سلام

وقبل منتصف الليل يقليل نهضت أم عبير وهي تمسك بيد أم بلال قائلة :

بالا يا حجة احنا هنروح تعالى معانا

قالت أم بلال وقد بلغ منها التعب والحزن مبلغهم :

مينفعش يا أم عبير أنا هروح البيت

قالت أم عبير بتصميم:

لاء هتروحي لوحدك في البهدلة اللي حصلت دى أزاى... طب على الأقل باني معانا النهاردة

تدخلت عبير وقالت لوالدتها :

معلش يا ماما انا كمان هروح بیتی ...

ثم نظرت أمامها في شرود وهي تقول :

بيت بلال ميتقفلش أبدا مهما حصل

ذهب الجميع وتركوا أم فارس وحدها على وعد اللقاء في اليوم التالي لبداية رحلة بحث جديدة ... ذهب الجميع وبقيت مهرة بجوارها بعد أن قالت أم فارس لوالدتها وهي تنشبت بها في حضنها

سيبيها معايا النهاردة يا أم يحيى

أغلق باب الشقة عليهما وحدهما .. ظلت قهرة بحضنها تتلمس فيها رائحته بينما ظلت أمه.

متشبتة بها تتلمس فيها قلبه .... رفعت مهرة رأسها قائلة :

يالا يا طنط قومي ارتاحي في اوضتك شوية .. أنت تعبانة أوى

نهضت ام فارس بمساعدتها ولكنها قالت :

لا انا عاوزه انام في أوضة ابني

ثم عادت للبكاء مرة أخرى وهي تقول :

وحشتی اوی بقلب امه

انهمرت الدموع من عينيي شهرة وهي تحاول تهدئتها وتقول بصوت متقطع

أنت كده هتتغير بزيادة وكمان مخدتيش الدوا النهاردة .....

أخذتها مهرة إلى غرفته .. كانت مبعثرة أشيائها واتاتها نتيجة الاقتحام الغاشم المباغت ... عدلت مهرة من وضع الفراض وساعدتها على الاستلقاء فوقه وجلست بجوارها وهي لا تعلم هل تداوي جرح أمه أم تداوى جرحها الغائر ... تناولت والدته الدواء من يدها وأغمضت عينيها بعد أن شعرت أن سقف الغرفة يدور حول نفسه وراحت في سبات عميق ....

ظلت شهرة تنظر حولها تتلمس أشياءه المبعثرة في تأثر ودموع صامته حتى غابت عن الوعي وهي تجلس على مقعده خلف مكتبه الصغير ... أبت أن تنام على فراشه التي تقاسمه فيه امرأة أخرى خافت أن تشتم رائحتهما معا ممزوجة في بعضهما البعض .. كانت تعلم أنه لا يسمح لأحد غيرها بأن يعبث بمكتبه لذلك فضلت أن تنام خلفه وهي متأكدة أنه لم يلمسه بعده سواها.

لا يستطيع أن يتكلم أحد عن الظلم إلا من ذاق مرارته ولا يقدر أحداً على وصف الظلام الا من عاش فيه .... كانت غرفة أقل ما يقال عنها نتنة الرائحة تفوح منها رائحة النجاسة لا يوجد ولا حتى نافذة صغيرة لا يوجد إلا بصيص نور صغير ياتي من أسفل عقب الباب الحديدي لا يصدر عنها سوى صدى صوت الأنين الهامس والتأوهات الخافتة التي تخشى من الظهور رغم عظم اللاتم.... والصمت هو سيد الموقف .... لا يقطعه سوى تمتمت بلال لبعض آيات القرآن ... همس عمرو في اذن فارس قائلا:

أحنا هنا من امبارح ومحدش قالنا تهمتنا أيه ولا حد غيرنا

مال فارس على أذنه وقال مما :

شكلنا كده مش جايين هنا رسمى وإلا كانوا حققوا معانا

شق الصمت صرير المزلاج الحديدي وهو يدور ليفتح من الخارج ويرمي على الأرض شخصاً آخر لا يعرفونه... شهق الجميع وانتفضوا عندما دفقوا النظر به .. لقد كان عارياً تماماً ومؤخرته تنزف دما ... كان الرجل بأن أنات متواصلة دون انقطاع وهو مازال مكانه لم يتحرك ... تردد بلال قليلا ثم اقترب ببطء وهو يتفحص وجهه فوجده متورماً تماماً حتى أنه لا يستطيع لأحد أن يتعرف

على ملامحه أو يميزه .... حاول بلال المساعدة ولكن الرجل النقض للمسته الذراعه تم زحف إلى ركن من أركان الزنزانة بعيدا عنهم وظل يبكي

وبأن حتى القطع صوته تماماً فطنوه قد نام من التعب من شدة التعذيب .... أنتفض عمرو وقد

أدرك أنها النهاية حاول بلال أن يسرى عنهم وقال :

متخافش كده يا عمرو أحدا مش متهمين في حاجة

نظر إليه فارس

وقال بحدة :

يعنى المسكين ده كان منهم في ايه يعنى يا بلال هي وصلت للدرجة دى شق الصمت الغرفة صوت آخر ولكنه أتى من الخارج .... صوت صباح رهيب وأصوات تصرخ وتستغيث شق سمعهم وانتفض له قلوبهم وخصيصاً أنهم استطاعوا تميز أصوات نساء تصرخ صرخات غير منقطعة وتستغيث .... هب عمرو واقفاً بحركة لا ارادية

وهو يقول :

ده صوت ستات ... أنتقض قلب كل واحدا منهم وقد حل في عقولهم صور زوجاتهم .... كان هذا هو العذاب الحقيقي، كل رجل منهم يتصور أن زوجته من بين النساء التي تصرخ في الخارج وهو مكبل لا يستطيع الفكاك للذب عنها لا يستطيع أن يحمى شرفها من الانتهاك .... انتقصت قلوبهم مرة أخرى عندما دار المزلاج ثانية ودفع داخل الحجرة رجلين آخرين سقطا على الأرض فور دخولهما من شدة العذاب .... حاولوا مساعدتهما على الجلوس وتفقد جراحاتهما وكل رجل منهم يبكي من شدة التعذيب كالنساء .. الا رجل واحداً كان صامدا رغم أنه كان أشدهم عذاباً ولم يكن لسانه يفتر عن قول لا اله الا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين ..... هدأت الاصوات في الخارج ولم يعودوا يسمعون شيئاً فهدأت نفوسهم قليلاً ... نظر أحد الرجلين إلى الرجل المغرى في ركن الزنزانة وبكى وكأنه قد شهد عذابه تم نظر ثلاثتهم إلى الرجلين وقال لهما فارس :

انتوا تهمتكوا أيه

قال رجل الأول يخفوت :

أنا مش من القاهرة أنا من سينا.. عندي محل تصليح غسالات من يومين لقيتهم هجموا عليا وقلبوا المحل وعموني وحدوني في عربية ولقيت نفسى هنا قدام الظابط وواحد ثاني بيقولوا

عليه وكيل نيابة, هتف فارس فجأة :

عذبوك قدام وكيل النيابة... أومال میں اللي بيطبق القانون

أجابه الرجل :

قانون مين يا أستاذ .. وكيل النيابة هنا زيه زي الظابط اللي بيعذب بالظبط

ثم اردف قائلا :

وكل اللي طالع عليهم مين اللى اشترى منك التايمر من يومين ... اقولهم انا يصلح غسالات و طبیعي أي حد يشترى تايمر غسالة من عندى .. يقولولي أنت كتاب يابن ال وفجأة لقيت الظابط ولع سيجارة وقالى او السيجارة دي خلصت من غير ما تعترف هنكره اليوم اللى اتولدت فيه ... فضلت احلفله مفيش فايدة لحد ما قام من ورا مكتبه وقائي اذا هعرفك مين هارون باشا وبعدين تدى على المخبر وقالوا حضر لي التوليك ...

قاطعه عمرو متسائلا :

- أيه التوليك ده.

أجابه الرجل :

ده الجهاز اللي بيصعقونا بيه بالكهربا ... وفضلوا يعذبوا فيا بالكهربا وانا عريان وفي الآخر ......

ثم اشار للرجل الآخر وقال:

لقيت الراجل ده جايبينه برضه متغمى وبيقولولى هو ده اللى اشترى التايمر منك ... يصتله

كده وقلت لاء

نظر لهم الرجل الآخر وقال :

انا اصلا من القاهرة ايه اللى هيوديني سيدا علشان اشتري تايمر غسالة ... خدوني من بيتي من وسط ولادى وشدوا النقاب من على وش مراتى وكانوا عاوزين يعتدوا عليها قدامي لولا ستر ربنا وكل اللى طالع عليهم أنت يتصلى الفجر فين و سايب دقتك ليه .. زى ما تكون صلاة الفجر تهمه ودقني جريمة .... فضلوا يعذبوا فيا أربع ساعات كهرباء ولما عرفت انطق قلتلهم عاوز اصلى وقف الظابط قدامي وقالي صليلي .... قول سبحان هارون وبحمده سبحان هارون العظيم .... فضلت ابكي واقوله خاف ربنا .. يقولى ربنا مين مسمعتش الاسم ده قبل كده ...

تابع الرجل الاول حديثه قائلا :

كان حلقى بيتقطع من كثر التعذيب قلتلهم عاوز اشرب رد عليا واحد منهم قالي مينفعش يا حبيبي احنا خايفين عليك أنت متوصلك كهربا فتر السد العالي لو شربت هنموت... أول مرة

احس ان روحي يتطلع وترجع تاني مكانها

أردف الرجل الآخر :

أنا لقبوا عندي سيديهات عن الويندوز وتصليحه والبرامج ولقيت وكيل النيابة وهو بيقرا عناوين السيديهات بيقول إلى بيكتب جنبه ... انهم لقيوا سيديهات عن ازاي تركب قبيلة وتفجرها عن بعد ومرسومات الكنسية ازاى تتسلق وتدخل تحط قنايل في اماكن محدش

يكتشفها .....

انتفضت أجسادهم مرة أخرى عندما سمعوا صوت الباب يفتح من جديد وكانوا يظنون أن هناك المزيد من المعذبين سيدخلون عليهم ولكن هذه المرة سمعوا صوت ينادي أسمائهم الثلاث .... بلال .. فارس .... عمرو

نظروا إلى بعضهم بعضا وكأنهم يودعون بعضهم ويشيعونهم ونظرا إليهم الرجلين نظرات شفقة و خوف زادت من فاعله ... تقض ثلاثته ولكن باذا أمسكته من اكتافيه ونظر اليهم قائلا :

حافظوا على دعاء اللهم أكفتيهم بما شئت وكيف شلت .....

تقدم الثلاث وهم يرددون الدعاء في خفوت ولقد كان قلب فارس يعتصر اعتصارا منذ أن علم أن التعذيب يتم بمعرفة وكيل نيابة وتحت نظره سار الثلاثة في رواق ضيق طويل وصدورهم

تلهج وتأجر إلى الله سبحانه وتعالى وبلال يتمتم :

دخل ثلاثتهم غرفة صغيرة أخرى ولكن هذه المرة يتوسطها مكتب يجلس خلفه رجل عرفه

اللهم أنهم لا يعجزونك

فارس من أول وهلة ... حدق فارس به لبرهة فنهض الرجل قائلا :

- تعالوا

وجد فارس نفسه يقول دون وعي :

أنت ازاي تشوف التعذيب ده وتسكت عليه

قال وكيل النيابة الذي كان زميلاً له في الكلية :

مفيش وقت الكلام ده يا فارس كويس اني عرفت انك هنا بالصدقة.. ربنا وحده

هو اللي خلاني اشوف اسمك بالصدقة في اللي جم أمبارح .... أسمع انت من ترحل دلوقتي على

طره .. أهو أحسن من هنا على أي حال .....

أعاد فارس سؤاله مرة أخرى هاتفا به أن يجيبه فقال صديقة :

يا فارس انا كنت زيك بحلم ابقى وكيل نيابة وربنا حققي حلمي ... مكنتش اعرف أني هشتغل

في أمن الدولة .. ولما شفت المهازل اللى بتحصل هنا عملت فيها شجيع وقلت اروح اقدم بلاغ

للنائب العام وقبل ما ادخله قابلت ولاد الحلال اللى يعرفوني وقالولى هو انت مكنتش تعرف انه كان بيتشغل في مباحث أمن الدولة عشر سنين وكان راضي عن اللي بيحصل هتدخل تقوله ايه

.... حافظ على نفسك وعيالك وحاول تنتقل لأى جهة ثانية من غير ما تقول حاجة ولا تفتح بوك ... وانا يا فارس قدمت طلب نقلى وهنفذه قريب والحمد لله انك جيت قبل ما انا امشي ولا مكنتش متخرج من هنا على رجلك زي ما دخلت ولا انت ولا اصحابك.. أنت متوصى عليك

جامد با فارس

نظر عمرو إلى بلال بذهول بينما حدق به فارس قائلا :

مين اللى موصى علينا وليه

قال صديقه :

معرفش .. كل اللي عرفته انك متوصى عليك انت بالذات.. ومكتوش هيخرجوك سليم من هنا

... أنا ادخلت وهر حلك انت وصحابك على طره احد ما تشوف هتخرج منها ازاى وأوعدك اني اساعدك على قد ما اقدر

ضغط أحد الازرار أمامه فدخل على فور أمين شرطة يرتدي زي ملكي وقال له بلهجة صارمة : خد دول يابني على عربية الترحيلات.. أوراقهم اهي

استقل ثلاثتهم سيارة الترحيلات وهم يعتذرون في داخلهم الوحوش التي يقال عنهم أنهم

مفترسين وبلا رحمة.

نهضت مهرة من نومها فزعة وهي تصيح :

- الدكتور حمدي ...

وأخذت توقظ أم فارس وتهزها بقوة جعلتها تستيقظ فزعة ونهضت جالسة وهي تهدف بها :

مالك يا مهرة فيكي ايه

صاحت قهرة وكانها عريق قد وجد لوح من الخشب في قلب المحيط يتعلق بها لعلها تنجيه من

الفرق وقالت :

الدكتور حمدی با طنط مفيش غيره. هو اللي ميعرف طريق فارس ... فارس كان بيقول عليه بيحبه و بیعتبره زي ابنه

تلقت دنيا اتصالا هاتفياً وهي غارقة في نومها على فراشها الوثير في بيت والدتها ... تعلمات في الفراش وهي تنظر الرقم اتسعت حدقناها وخفق قلبها خوفاً وأجابة بتردد فقالت أم فارس المدة :

معلش يا بنتي صحناكي من النوم .... أنا عاوزه رقم الدكتور حمدي صاحب المكتب يا دنيا

هو الوحيد اللى هيعرف طريق فارس ... ليه معارف كثير

ابتلعت دنيا ريقها وقد غارت عيناها وقالت :

بس الرقم مش معايا هنا دلوقتي .. بكره اروح المكتب أجيبه

قالت ام فارس برجاء

أرجوكي أو بنتي مش قادر استني للمغرب ماينفعش المكتب الروحي بالنهار

توترت دنيا أكثر وقالت بتلعثم :

اه اه هحاول اشوف ينفع ولا لاء وهرد عليكي في اقرب وقت وبعدين مفيش داعی تتعبی

نفسك انا لما اروح المكتب هكلمه واطلب مساعدته متخافيش

اغلقت دنيا الهاتف وهي تلعن اليوم الذي جعلها توافق على اقتراح باسم وقالت بعصبية :

معمل ايه دلوقتي لو الدكتور حمدى عرف... كل حاجة هتبوظ

ظلت تفكر منذ طلوع الفجر وحتى قرب وقت الظهر وهي ترتشف القهوة كوباً تلو الآخر حتى هداها شيطانها لفكرة لمعت في رأسها على الفور وبلورها لها عقلها .... انتظرت حتى بعد الظهر

بقليل لم أعادت الاتصال يام فارس مرة أخرى وقالت لها بأسى :

عارفة أوصله .

- انا أسفه يا طنط .. الدكتور حمدي تعبان أوى وسافر بره يتعالج .. مش موجود في مصر ومش

أجرت مهرة اتصالا هاتفياً تقوم به لأول مرة منذ زواجها وقالت بارتباك :

- علاء من فضلك محتاجة منك حاجة مهمة أوى

قال يتناقل وهو ينهض من فراشه :

طب مش تقولي صباح الخير يا حبيبي الأول

قالت بصوت مرتجف :

ارجوك يا علاء مش وقته انا محتجالك

أنتيه وهو يجلس على فراشه وقال :

خير يا مهرة عاوزه ايه.. محتاجه فلوس ولا حاجة

قالت بصوت باکی :

فارس جارنا ... أمن الدولة خدوه ومش عارفين تلاقيه... بيقولوا معتقل بس فين مش عارفين ....

وانت أكيد ليك اصحاب كثير معروفين ورجال أعمال ممكن يعرفولنا طريقه

هتف بها حائقاً :

مش فارس ده اللي ضربني ؟

بكت بشدة وأخذت تشهق وترجوه بمرارة أن يصفح عنه ولكنه قال يتشقى :

أحسن خاليه يتبهدل ولا يقتلوه ويرحونا منه ... ربنا خادلي حقى

شهقت بشدة وأخذ صدرها يعلو ويهبط وهي تبكي وتقول :

المسكينة

أرجوك يا علاء علشان خاطر ربنا .. أعمل كده لوجه الله طيب .. طيب علشان خاطرامه

صاح بها وهو ينهى المكالمة :

بقولك ايه يا مهرة بلا امه بلا ابوه... أنا راجل نجم عاوزه حد يعرف اني اعرف واحد معتقل

.. عاوزه تضیعی مستقبلی .....

واغلق الهاتف بقوة وهو يزفر بقوة, بينما سقط منها الهاتف وسقطت على الأرض من شدة البكاء

ثم سجدت وهي تقول بنحيب :

يارب مالناش غيرك يارب نجيه ... ده عمره ما أذى حد يارب

طرق صلاح باب حجرة مكتب الهام ودخل وقد بدا القلق على محياه فاعتدلت وقالت بسرعة :

ها یا صلاح وصلتوا الحاجة.. عرفتوا عمرو مبيجيش ليه

اوما براسه وقد ارتسم الحزن على قسمات وجهه وقال :

أتقبض عليه من يومين . خدوه الفجر من بيته

هيت واقفة حزن بفزع :

مين دول اللى خدود وليه

رفع کنفیه باسي وقال بحيرة :

مش عارف يا بشمهندسة بس طريقة القبض عليه دى يتقول انهم مش مباحث عادية شكلهم

كده أمن دولة

هوت إلى مقعدها وارتجف قلبها بين أضلعها واتسعت عيناها وهي تفكر وفجاة تناولت سماعة

الهاتف وضغطت عدة أرقام ثم قالت بسرعة المديرة المكتب :

وصليني بالباشا حالاً.

تعليقات