رواية عشق لا يضاهي الفصل المائتان والخامس والستون 265 بقلم اسماء حميدة


  رواية عشق لا يضاهي الفصل المائتان والخامس والستون 

لأسباب لم يدركها كان قلب ظافر يخبط في صدره كطبول حرب في ليلة مشؤومة وهو يشق طريقه بين الوجوه المتزاحمة كمن يبحث عن شريان هواء في بحر يوشك أن يغرقه ولم يتنفس بارتياح إلا حين وقعت عيناه عليها واقفة عند منضدة الدفع تحمل أكياسها ببرود يوهم بالطمأنينة.
غادرت سيرين المكان وعادت إلى بيتها هناك تركت خلفها صخب الشوارع لټغرق في سکينة بيت صغير يأويها وفي قلبها الآن حياة أخرى تنبض حياة لم ترى النور بعد لكنها تعطيها سببا لتشبثها الهادئ بالعالم. كانت قد أقسمت أن تحمي هذا الكائن الذي بداخلها بكل ما أوتيت من قوة وها قد ازدادت الأسباب التي تستحق أن تقاتل لأجلها.


بعد أن دونت بعض النوتات الموسيقية بعناية استسلمت لدفء كرسيها الهزاز وضعت يدها على بطنها المستدير تحتضن سرها المقدس وهمست بصوت مبلل بالحنان
يا صغيري كن قويا كن بخير فأنا هنا من أجلك.
في تلك اللحظة اخترق سكون البيت رنين هاتفها فمدت يدها بخفة وعندما فتحت الشاشة انعكست في عينيها صورة مريبة مشوهة الملامح إلى حد يثير القشعريرة فأجفلت وكاد الهاتف يفلت من بين أصابعها المرتعشة.
للحظة أقنعت نفسها أنها مزحة سخيفة من أحدهم فضغطت على زر الحذف وكأنها تمسح كابوسا من ذاكرة لا تريد استدعاءه.
حل الليل وغطى المكان برداء من الغموض وبينما كان الصمت يخيم بدأت همسات خاڤتة
تتسرب من الخارج كخطوات تتعثر في الظلام. كانت سيرين خفيفة النوم فانتفضت كعصفورة أزعجها الصياد واتجهت بخطوات مترددة إلى غرفة المعيشة وصوتها المبحوح بالقلق شق السكون
من هناك ظافر هل هذا أنت
كانت قد بدلت أقفال البيت منذ زمن فظنت لوهلة أن الضجيج من محاولاته اليائسة للدخول لكن بمجرد أن خرج صوتها المرتجف خمدت الأصوات فجأة كأنها لم تكن.
اقتربت سيرين بحذر من الباب ومن ثم أطبقت عينها على الثقب المعدني لكن العدم كان ينتظرها في الخارج لا ظل لإنسان لا أثر لحياة فقط الفراغ يحدق في الفراغ.
ارتعش قلبها بقلق لا تفسير له فعادت إلى غرفتها مسرعة وأغلقت الباب وأسندت خلفه
قطعة أثاث ثقيلة كأنها تحاول أن تحصن نفسها من أشباح لا تعرف لها وجها ولا اسما.
عادت سيرين إلى سريرها لكن النوم أبى أن يقترب منها إذ كانت الصورة المقيتة التي تلقتها في وقت سابق تطاردها كظل يرفض الانصراف كأنها وشم حفر في ذاكرتها لا يمكن محوه أخذ قلبها يخفق بتوتر وأنفاسها تتسارع كمن تآمرت عليها جدران البيت لتضغط أنفاسها وبما أن جهاز الاتصال المباشر مع رامي حارسها قد أرسل للإصلاح فلم تجد أمامها سوى الهاتف لتطلب منه الحضور.
بصوت متردد كطفلة تستنجد بأبيها في ليل معتم همست
رامي
جاء صوته صلبا مطمئنا كأنه يترقب نداءها
أنا هنا.
هل أنت نائم هل يمكنك أن تأتي قليلا
أجاب
بلا تردد كمن يقسم يمين الولاء
أنا في طريقي.
أغلق الخط وخرج من سيارته بخطوات حازمة فلم يلحظ الرجل الذي انسحب خلسة من الظلال متواريا كأفعى تعود إلى جحرها بعد أن بثت سمها.
في تلك اللحظة كان ظافر يلتقط صدى الضجة من جهة منزل سيرين صمت لبرهة محاولا أن يفسر الصوت ثم أقسم أنه سمع اسمه يتردد على لسانها يتقافز عبر الجدران كنداء يستنفر روحه تذكر بوضوح تلك الليلة التي قال لها فيها
اتصلي بي إذا احتجت إلى أي شيء.
خيل إليه أنها جاءت إليه الآن دون أن تخطو فنهض بعجلة يبدل ثيابه تأمل صورته في المرآة ذات الطول الكامل ثم غادر متوجها نحوها.
كان رامي قد وصل قبل ظافر وأصغى إلى روايتها عن الرسالة النصية المروعة وعن الأصوات المريبة التي أقلقت نومها رفعت رأسها نحوه بعينين مرتجفتين وقالت
أظن
أن أحدا كان يحاول فتح القفل الليلة
شد رامي كتفيه بثبات وأجابها
سأتفقد الخارج.
لكن قبل أن يخطو دوى طرق على الباب. فارتجف الهواء كأن الزمن احتبس لوهلة لكن تقدم رامي سريعا قبضتاه مشدودتان على سلاحھ كوتر قوس يستعد للانطلاق ومن ثم فتح الباب بقوة فإذا به يجد ظافر واقفا هناك برداء حمام أسود يلتف حوله كستار مظلم يزيده هيبة وغموضا.
حدق ظافر في رامي وأخذت عيناه تضيقان كمن يقيم خصما متطفلا على أرضه لكن رامي وقد عرفه على الفور أرخى قبضتيه على السلاح وأخذ نفسا عميقا ليلجم توتره ثم الټفت نحو سيرين بصوت مهذب يؤشر بعينيه في اتجاه ظافر
آنسة تهامي.
أما سيرين التي لم تتوقع ظهوره شهقت بدهشة وارتسمت على ملامحها صدمة عابرة للحظة ظنت أن الضجيج الذي أقلقها لم يكن سوى إحدى
ألاعيبه فقالت بخجل ممهور بالارتباك
آسفة على الإزعاج رامي أنا بخير الآن يمكنك أن تذهب وتستريح.
أومأ رامي برأسه وعينيه تتفحصان ظافر ببرود مكتوم قبل أن يغادر تاركا الغرفة مشحونة بنظرات متقاطعة كأن الهواء صار حلبة لصراع صامت.
أغلق ظافر الباب خلفه فاهتز المكان بصدى صوته كأن الجدران شهقت من وقع الاصطدام ومن ثم رمقها بعينين متقدتين وسأل بحدة مشوبة بالريبة
من يكون ذاك
ارتفع صوتها يحمل في نبراته مرارة الكبرياء وصرامة المقاومة
ليس من شأنك!
تشنجت عضلاته وبدت على قسمات وجهه عاصفة لا يمكن كبحها اقترب خطوة وصوته خرج بزمجرة مكتومة
ستعودين غدا معي إلى المدينة... شئت أم أبيت.
ارتجفت عيناها لحظة كمن اصطدم بريح باردة تسللت إلى أعماقه ثم ردت بتحد مرتجف لكنه صلب
لن أعود.
.. ليس لك أن تقرر مصيري.
تقدم منها والعزيمة في خطواته أشبه بجموح وحش يتخطى الفريسة تجاهل اعتراضاتها وأزاح الرداء عنه كمن يلقي عن نفسه عباءة الصبر الثقيلة.
استدارت سيرين بسرعة وقلبها يطرق صدرها پعنف يكاد يمزقه
ما الذي تفعله!
مد يده من خلفها يقبض عليها ومن ثم جذبها
انحنى نحو أذنها يقول وصوته ېنزف غموضا
ألم تنادي باسمي منذ

قليل قبل أن آتي إلى هنا لأنك كنت بحاجة إلي الآن
انسكب الډم في وجهها كالڼار وها قد توردت وجنتاها حتى شعرت أنها تشتعل إذ لم تكن تتوقع هذا الجنون الذي اجتاحه فظلت تحاول التملص من قبضته الحديدية لكن ظافر لم يترك لها مجالا للهرب بل رفعها بين ذراعيه كما تحمل أمانة لا يمكن التفريط فيها وهمس بصوت متهدج يختبئ فيه ليال من الكتمان
هل تدركين
كم من الوقت وأنا أحجم عن ذلك


تعليقات