رواية عشق لا يضاهي الفصل المائتان والتاسع والثمانون
تساقط الخبر كالمطر البارد على المدينة؛ عندما انتـ,ـشرت أنباء الحادث الذي أفقد ظافر بصره كالنـ,ـار في الهشـ,ـيم، تتسابق القنوات إلى بثّ صورٍ باهتة لشابٍ كان حتى الأمس القريب رمزًا للسطوة والنجاح.
تحت عناوين متلاحقة تهاـ,ـوت أسهم شركة **نصـ,ـران** في البورصة وتحوّل قلق المسراهمين إلى ذعـ,ـرٍ صـ,ـاخب أما عدنان والده العجوز وجد نفسه فجأة في مواجهة عاصفة لا مهرب منها فاضطـ,ـر أن يمسـ,ـك بزمام الإدارة بيدٍ مرتعـ,ـشة كبحّارٍ يحاول النجاة بسفينته في خـ,ـضمّ الإعـ,ـصار.
في تلك الأثناء كانت شقـ,ـة كوثر تعجّ برائحة قهوةٍ دافئة تخالطها برودة القلق بينما جلست سيرين أمام صديقتها تقطّع الفاكهة بهدوء يشوبه ارتجاف حالما ارتفع صوت مذيعة الأخبار معلنةً خبر فقدان ظافر لبصره.
وضعت كوثر الكوب أرضًا وحدّقت في الشاشة بعينين دامعتين تقول بصوت يختنق بالعبرات:
«لم أتخيّل يومًا أن يحدث هذا… كان قويًا منذ أيام فقط والآن أعمى… من سيتولّى شركته بعده؟»
دفعت سيرين الطبق نحوها برفق تحاول إخـ,ـفاء ارتجـ,ـاف أصـ,ـابعها:
«كوثر هل أعددتِ مسـ,ـودة الدعوى الجديدة؟»
ترددت كوثر وأطالت الصمت تبحث عن مخـ,ـرج ثم تنهدت بعينين منـ,ـكسرتين:
«سيرين… أنا آسـ,ـفة».
رفعت سيرين رأسها بدهـ,ـشةٍ حادّة:
«آسفة؟ ما الذي حدث؟»
أطرقت كوثر وكأن الكلمات تكاد تخنقها:
«دعوى الطلاق التي رفعتها ضد ظافر سابقاً خرجت عن السيطرة… وتحوّلت إلى حديث المدينة ورآها والدي».
ابتلعت كوثر ريقها بصعوبة وأكملت بصوتٍ يختنق:
«كما اكتشف أيضًا أنني حصلت على وظيفة من دون إذنه فاستغلّ نفوذه وسحب رخصة مزاولة المحاماة مني ليجبرني على الطاعة».
شهقت سيرين وانقبض صدرها وهي تهمس بذهول:
«كيف يجرؤ…؟»
انهارت كوثر على أقرب مقعد تتكئ إلى مسنده كمن يفرغ حملًا أثقل من الجبال:
«وما هذا إلا القليل… إنه يريد تزويجي من طارق بالقوة… بل قال لي صراحةً إنه سيضعني في صندوقٍ ويرسلني إلى قصر طارق إن لزم الأمر».
كانت عائلة كوثر تعرف الغنى حديثًا فوالدها مايكل ذاق طعم الفقر حتى نخاعه في شبابه وظلّ هاجس الخسارة يطارده كظلٍّ لا يزول
لذلك تشبث الآن بثروةٍ هشة، كما يخطط لتزويج ابنته من رجلٍ ثريّ كي يضمن لها حياة مستقرة، ويقيه رعب العودة إلى العدم الذي فرّ منه منذ عقود.
في زاوية الغرفة جلست سيرين صامتة تتأمل صديقتها المحاصرة بخوفها، تشعر أن القيود التي تكبل كليهما ليست من حديد بل من دماء العائلة والماضي، قيودٌ تُحكم قبضتها عليهما كلما حاولتا الهرب.
ارتفعت أنفاس سيرين في هدوءٍ متوتر، وهي تمسح على خصلات شعرها المبللة بضوء المساء تسألها بصوتٍ متردد يتسلّل كنسيمٍ خائف:
«إذن… ماذا تنوين الآن يا كوثر؟»
رفعت كوثر رأسها ووميض عنادٍ يتألق في عينيها العسليتين كشرارةٍ وسط ظـ,ـلام:
