رواية لست وحدي الفصل الثاني بقلم ميرنا عصام
حور قاعدة على الطرابيزة تقرأ، وفجأة دخل شاب للمكتبة و لما شافها، ابتسم وقال:
ايه ده… حور!!
حور رفعت راسها وابتسمت له:
محمد! عامل ايه؟
ابتسم وقال:
– أنا الحمد لله… وانتي عاملة ايه يا بنتي؟
حور ردت عليه:
– الحمد لله… بخير والله.
محمد اندهش بخفة وقال:
– انتي لسه بعد السنين دي لسه متمسكة وبتيجى المكتبة هنا؟
حور هزت راسها وقالت:
خلاص دي بقيت جزء من يومي… بعد ما بخلص شغل في المدرسة باجي أقعد هنا كل يوم.
محمد ابتسم وقال:
فرحت والله بالصدفة الحلوة اللي خلتني أشوفك… كان نفسي واللع أقعد معاكي شوية بس مشغول … جاى آخد كتاب وماشي، بس أكيد هنتقابل تانى قريب.
ردت عليه بأبتسامة صغيرة:
بإذن الله.
وبعدها ودعها ومشى.
الموقف كله وقع تحت نظرات مازن اللي كلها فضول، عينه مركزة على حور وعلى الشاب، يحاول يعرف مين ده وإيه علاقته بيها.
بعد ما محمد ودعها ومشى، حور بصت لقيت مازن واقف بعيد عنها، عينيه مركزة عليها بنظرات مش مفهومة… مليانة فضول واهتمام، كأن كل حاجة حواليها اختفت وما فضلش غيره.
حور شعرت بشيء غريب، ابتسمت له ابتسامة صغيرة وخجولة، لكنها فضلت ساكتة.
بعد شوية، جمعت حور حاجتها، ورجعت الرواية مكانها، ومشت بخطوات هادئة ناحية البيت، تاركة الجو في المكتبة هادي لكن مليان فضول وتوتر .
الليلة عدت على حور بشكل مختلف.
وهي قاعدة في شقتها الصغيرة، كانت بتفتكر تفاصيل اليوم… ابتسامة معاذ البريئة، ونظرات مازن اللي لسه مش عارفة تفسرها.
حست إن الأيام اللي جاية مش هتكون عادية زي قبل كده.
فيه حاجة جديدة بتتكون حواليها، حاجة ممكن تغير روتين الوحدة اللي متعودة عليه.
-------ميرنا عصام-------------
صحيت حور تاني يوم على صوت المنبه، فتحت عينيها ببطء، والشمس داخلة من الشباك تنور أوضتها. قامت بخطوات هادية، اتوضت وصلت، نفس الروتين اليومي، لكن جواها كان فيه إحساس مختلف..، حتى لو لسه مش فاهمة ده إيه.
خلصت ونزلت على المدرسة.
----------
بدأ اليوم عادي وسط الأطفال، لكن بعد شوية عين حور وقعت على معاذ. كان قاعد على الكرسي ساكت، وشه باين عليه التعب.
قربت منه بخطوات سريعة:
مالك يا حبيبي تعبان؟وحطت ايدها على رأسه لقيته سخن.
هز راسه وقال بصوت واطي:
اه يا ميس… بطني بتوجعني.
احساس القلق اتجمع في قلبها، قعدت على ركبتها قصاده، تفكر تعمل إيه. مش عارفة تكلم مين من أهله. سألت بهدوء:
معاك رقم ماما أو أي حد من أهلك يا معاذ؟
رفع عينيه عليها وقال:
أنا حافظ رقم عمو مازن .
اتسعت عينيها شوية من المفاجأة، لكن بسرعة قالت بلطف:
طب قولهولي يا حبيبي.
قاله بصوت متقطع وهي كتبته على ورقة بسرعة.
قلبها كان بيدق أسرع وهي بتطلع الموبايل وتتصل.
ألو… أستاذ مازن؟
رد عليها بصوت رجولى هادى:
أيوة مين معايا
صوتها كان متردد:
أنا مس حور، مدرسة معاذ، هو تعبان شوية، وملانى رقم حضرتك علشان حافظه ،وقولت أبلغك علشان حد يجى ياخده .
جاء صوته هادي، فيه جدية:
حاضر، أنا جاي حالًا. شكرًا إنك كلمتيني.
قفلت المكالمة وحست بحرارة في وشها من الخجل، وبعدها رجعت تبص لمعاذ وتطبطب على كتفه.
بعد حوالي تلت ساعة، شافت مازن داخل من باب الفصل. طويل، ملامحه هادية بس عينيه باين فيها قلق على الولد.
قرب بسرعة وسأل:
معاذ عامل إيه يا بطل؟
معاذ جري عليه وحضنه، وقال له بصوت ضعيف:
بطني وجعاني يا عمو.
مازن بص لحور وقال بهدوء:
متشكر جدًا انك اهتميتي وكلمتيني.
هزت راسها بابتسامة بسيطة، وفضلت ساكتة.
مازن شال معاذ ومسك شنطته، وبإشارة خفيفة بإيده ودّعها ومشي.
----
بعد انتهاء اليوم الدراسي، دخلت حور المكتبة كعادتها. الجو فيها دايمًا مريح، لكن أول ما بصت حوالينها دورت بعينيها على عمو محمود… مكانه كان فاضي لسه.
راحت ناحية المكتب وشافت مازن قاعد بيرتب شوية أوراق.
وقفت لحظة، وبعدين قالت بهدوء:
هو… عمو محمود عامل إيه؟ خف شوية؟
رفع مازن راسه، وعينيه قابلت عينيها:
الحمد لله أحسن، بس لسه محتاج كام يوم راحة.
ابتسمت ابتسامة صغيرة فيها راحة:
ربنا يقومه بالسلامة… عمو محمود بالنسبة لي مش مجرد حد في المكتبة، هو يعتبر زي والدي ، كان دايمًا بيسأل عني حتى لو ماجيتش.
سكت مازن لحظة وهو ماسك كتاب في إيده، وبعدين قال:
باين من كلامك إنك قريبة منه جدًا… نادر تلاقي حد يسيب أثر كده.
نزلت عينيها للأرض وقالت بصوت هادي:
يمكن علشان عندي فراغ كبير جوايا… وعمو محمود عرف يملأ حتة منه.
مازن اكتفى بابتسامة خفيفة، وقال وهو بيرجع الكتاب مكانه:
ساعات أبسط الناس هما اللي بيكونوا السند الحقيقي.
الكلمات لمست قلبها بطريقة غريبة، فاختارت تسكت وتروح تدور على الرواية اللي عايزاها.
لكن طول ما هي قاعدة تقرأ، كانت عينيها تتسحب كل شوية ناحية مازن… وهو في نفس الوقت، من وقت للتاني، كان يبص لها بسرعة قبل ما يرجع يكمل ترتيب الكتب.
وبين اللحظة والتانية، اتجمعت نظرات قصيرة بينهم كأنها بتفتح حوار صامت من غير كلام.
قبل ما تمشي، قفلت الكتاب وحطته في شنطتها، ووقفت قدام المكتب:
أنا همشي دلوقتي…ممكن تسلملي على عمو محمود.
مازن رفع راسه وقال بهدوء:
حاضر… هيفرح إنك سألتي عليه.
هزت راسها بابتسامة بسيطة وخرجت.
الهواء البارد لمس وشها، بس المرة دي حسّت بدفا غريب جواها.
---------ميرنا عصام--------------
اليوم اللى بعده
بدأ اليوم الدراسي من جديد. أول ما دخلت حور الفصل، عينها راحت تدور على معاذ.
كان قاعد في مكانه، شكله أحسن من امبارح.
قربت منه بابتسامة وسألت:
عامل إيه يا بطل؟ بقيت كويس؟
ابتسم وقال بثقة طفولية:
أيوه يا ميس، الحمد لله بقيت كويس.
ارتاحت وابتسمت، وربتت على كتفه:
طيب يلا نكمل يومنا بقى.
اليوم عدى وسط ضحك مع الأطفال وأسئلة، ومعاذ كان أكثر نشاطًا من امبارح، وده خلى قلبها يهدى.
---
بعد ما خلص اليوم وبدأ الأطفال يخرجوا، لقت ست واقفة تستنى. ست وقورة، ملامحها هادية وعينيها فيها حنية.
أول ما حور خرجت وجنبها معاذ، الست ابتسمت:
حضرتك ميس حور؟
ردت حور:
أيوه أنا.
مدت الست إيدها تسلم:
أنا أم معاذ… من يوم ما دخل المدرسة وهو مش بيتكلم غير عن حضرتك.
اتسعت عيون حور بابتسامة خفيفة:
ربنا يخليهولك… معاذ طفل ذكي وطيب جدًا.
الست ردت بنبرة امتنان:
ربنا يباركلك يا بنتي… أنا بحاول على قد ما أقدر أسد مكان أبوه وأعوضه، بس شكله ارتاحلك بسرعة وحبك جدا.
الكلام دخل قلب حور، حست بحرارة في صدرها ومقدرتش ترد غير بابتسامة صافية.
ودعت أم معاذ ومشت بخطوات هادية.
--
في المساء، كان مازن قاعد مع معاذ في شقة أخوه.
الولد فرحان جدًا وهو بيلعب معاه باللعب الصغيرة والعربيات. ضحكته مالية الشقة.
أم معاذ كانت قاعدة على الكنبة، تبص عليهم وهي بترتب شوية هدوم.
وبعد شوية رفعت عينيها وقالت:
عارف يا مازن… معاذ مش بيتعلق بأي حد بسهولة، لكن مع مس حور الوضع غير. من أول يوم وهو بيحكي عنها.
مازن بص لها لحظة، وبعدين رجع ينشغل باللعب مع معاذ.
كملت هي بابتسامة:
– وأنا النهارده شفتها بنفسي، بنت مؤدبة وذوق ومحترمة… حظ معاذ كويس إنها مدرسته.
مازن اكتفى بابتسامة صغيرة، لكن جواه كان في دوشة.
حس إن صورة حور مش عايزة تفارقه من أول ما شافها، وفكر مع نفسه:
يا ترى ليه النهارده ماجتش المكتبة زي عادتها؟
الأسئلة فضلت معلقة في دماغه… والليلة خلصت على فضول جديد جوه قلبه.