رواية لست وحدي الفصل الثالث 3 بقلم ميرنا عصام

 

رواية لست وحدي الفصل الثالث بقلم ميرنا عصام


دخلت حور المكتبة بعد شغلها بخطوات هادية، الجو ساكن زي ما بتحبه. أول ما عينيها وقعت على مازن، شافته قاعد بيقرأ حاجة.
هو لمحها، وفضل لحظة كأنه بيتردد يبدأ كلام ولا يفضل ساكت، وبعدين أخد نفس قصير وتقدم ناحيتها.

بص لها وقال بنبرة هادية مترددة:
أنتى… ماجتيش امبارح. مش من عادتك تغيبي.

كلماته وقفتها لحظة، حست إنه مركز معاها أكتر مما توقعت. نزلت شنطتها على الطرابيزة وتنهدت، وعينيها لمعت بحزن خفيف:
 امبارح كانت ذكرى وفاة بابا وماما رحت لهم… قعدت أقرأ قرآن شوية، وبعدها فضلت في البيت. بحب اليوم ده يفضل هادي.

مازن سكت لحظة، كأنه بيفكر في كلامها، وبعدين قعد على الكرسي اللي قصادها وتنهد:
 أنا برضه فقدت والدي ووالدتي بدري.
بص بعيد للحظة وصوته اتغير:
 بس اللي كسرني بجد… وفاة أخويا. كنت متعلق بيه من وأنا صغير، حتى بعد ما اتجوز. كان ضهري وسندي… ولما راح، حسيت الدنيا وقفت.

عينيه ارتعشت وهو بيكمل:
 يمكن علشان كده بحاول أكون مع معاذ على قد ما أقدر. الولد ده مش ناقصه فقد تاني… وأنا بحاول أملاله حتة من اللي ناقصاه… زي ما هو بيملالي فراغ كبير جوايا.

حور فضلت تبص له في صمت، قلبها بيتقبض على وجعه. لأول مرة حور تحس إن مازن هو كمان شايل جواه حزن زيها ....نفس الثقل ،نفس الفراغ،بس بيخفيه ورا هدوء عينيه.

قالت بهدوء، وصوتها مليان صدق:
 ربنا يرحمهم جميعًا… بس اللي أنت بتعمله مع معاذ مش قليل أبدًا. هو محتاجك… وأكيد فخور بيك من جواه حتى لو مش بيعرف يقول.

نظرات طويلة اتبدلت بينهم، ما بين حزن مشترك وراحة غريبة، وكأن اللحظة دي كانت أول خيط حقيقي بيربط قلبين متشابهين.

كان الجو في المكتبة هادي بعد كلام حور ومازن عن الفقد. فجأة الباب اتفتح، ودخل معاذ بخطوات سريعة وصوته بيرن بفرحة:

 عمو مااازن!

ابتسم مازن وهو شايفه:
 يا بطل… كل سنة وانت طيب، النهارده عيد ميلادك.

معاذ جري وحضنه بقوة:
 أنت وعدتني إننا نخرج ناكل آيس كريم ونلعب… ما تنساش.

وقبل ما مازن يرد، عين معاذ وقعت على حور اللي قاعدة بهدوء. ابتسامته وسعت أكتر:
مس حور! أنتي هنا!

اتسعت عيون حور وابتسمت بخفة:
 كل سنة وانت طيب يا ميزو.

قرب منها بخطوات مليانة براءة وقال:
 لازم تيجي معانا يا مس… يومى مش هيكمل من غيرك.

حور بصت لمازن مرتبكة، لكن معاذ مسك إيدها الصغيرة بإصرار طفولي:
– أرجوكي! عمو مازن مش هيزعل… صح يا عمو؟

مازن وقف ساكت لحظة، وعينيه ثابتة على حور. حس قلبه بيتفتح وهو شايف الولد بيصر إنها تكون معاهم، كأنه بيقول بالنيابة عنه اللي مش قادر يعبر بيه.
ابتسم أخيرًا وقال بهدوء:
– لو مس حور تحب… هيشرفنا وجودها.

سكتت حور ثواني، قلبها بيدق بسرعة، وبعدين قالت بابتسامة صغيرة:
– خلاص… مش هزعل ميزو حبيبى ، أنا هاجي.

ضحك معاذ بعلو صوته وقفز من الفرحة:
 ييييييييييه أحلى عيد ميلاد في الدنيا.

وفي اللحظة دي، حست حور ومازن مع بعض إن اليوم العادي اتغير… وباب جديد اتفتح بينهم من غير ما يخططوا.

خرجوا التلاتة سوا من المكتبة، ومازن ماسك إيد معاذ، و حور ماشية من الناحية التانية. معاذ كان بيتنطط بينهم بحماس، صوته بيرن في الشارع:
 آيس كريييم! أنا عايز الكبير اللي فيه شوكولاتة وفانيليا مع بعض.

ضحكت حور وقالت بخفة:
 ياااه، ده أنت مخطط تاكل أنهى طعم كمان.

بص لها معاذ ببراءة:
 طب وانتي يا مس، هتاكلي إيه؟

ردت وهي مبتسمة:
 أنا بحب الفانيليا بس.

معاذ فرح وقال:
وعمو زيك كمان، خلاص يبقى أنتى وعمو هتطلبوا نفس الحاجة.

مازن كان ماشي جنبهم، يتفرج على الموقف وعينيه بتلمع براحة غريبة. حس إن وجودها جنبهم مكمل الصورة اللي كان ناقصها.

بعد شوية كانوا قاعدين على ترابيزة صغيرة جنب محل آيس كريم. معاذ ماسك الكوباية بتاعته ووشه مليان شوكولاتة. حور ضحكت ومدت منديل تمسحله:
 يا خبر… كل ده في ثانية؟

ضحك معاذ بصوت عالي:
 كده أحلى!

مازن كان بيتفرج عليهم، ابتسم ابتسامة صافية من قلبه، وقال وهو بيبص لحور:
إنتي عرفتي تعملي معاه اللي محدش بيقدر يعمله… خليتيه يضحك من قلبه.

حور بصت له للحظة، عينها لمعت وابتسامتها فضلت ثابتة، بس قلبها اتحرك بطريقة غريبة.

بعد ما خلصوا، معاذ شد إيدهم هما الاتنين:
يلا نلعب!

وبدأ يجرهم معاه ناحية الملاهي الصغيرة في آخر الشارع. مازن بص لحور وهما بيتحركوا، وقال بصوت منخفض يكاد ما يتسمعش:
يمكن اللي جاي… يكون مختلف.

حور سمعت كلماته، وسكتت. بس جواها، لأول مرة من زمان، حست إن فيه بداية جديدة بتتكون قدامها.

دخلوا الملاهي الصغيرة، ومعاذ أول ما شاف العربيات التصادمية عيونه نورت:
عمو! مس حور! يلا نركب!

مازن ضحك:
هو انت ناوي تكسرنا ولا إيه؟

معاذ اتحمس أكتر:
 لأ، أنا هكسبكم!

حور ترددت لحظة، لكن مع إصرار معاذ لقيت نفسها راكبة عربية صغيرة، ومازن جنبها في عربية تانية. ومعاذ قاعد قدامهم متحمس.

بدأت العربيات تتحرك، ومعاذ فضل يلف حوالين عربية حور ويضحك:
 هههه مس حور هتتخبط دلوقتي!

خبطها خبطة خفيفة، حور صرخت بخضة وبعدين انفجرت ضحك. مازن استغل اللحظة وراح خبط معاذ:
 هااا، كده العدل!

المكان كله اتملأ ضحكهم، وحور كانت مش مصدقة إن الضحكة اللي خرجت منها حقيقية بالشكل ده بعد أيام الحزن اللي عاشت فيها.

بعد ما خلصوا اللعبة، قعدوا على جنب شوية يرتاحوا. معاذ لسه متحمس وبيقول:
 أنا اللي كسبت في الآخر!

مازن هز راسه وهو بيبص لحور:
هو أصلًا دايمًا كده… عايز يثبت نفسه حتى في اللعب.

حور ابتسمت وقالت وهي تبص لمعاذ بحنان:
دي حاجة حلوة، بيبين قد إيه شخصيته قوية.

مازن اتنهد بخفة وقال بصوت أقرب للهمس:
 يمكن وجودك في حياته… هيخليه أقوى.

عين حور اتقابلت مع عينه في لحظة صامتة، كلها كلام ما اتقالش.

معاذ قطع اللحظة وهو يجري ويقول:
يلااا نركب المرجيحة!

فقاموا وراه، لكن جوه كل واحد فيهم، كان في شعور صغير بيتكون.....

بعد ما خلصوا من الملاهي، معاذ كان لسه مليان طاقة.
 عمو، أنا جعان… عايزين ناكل حاجة؟

مازن بص لحور وقال بابتسامة:
 إيه رأيك نكمل اليوم بعشا خفيف؟

حور اترددت، لكن مع نظرة معاذ البريئة وابتسامته اللي مستني موافقتها، قالت:
 ماشي… بس حاجة بسيطة.

دخلوا مطعم صغير قريب، جوه دافي وهادي. قعدوا على طرابيزة، معاذ قاعد في النص بين مازن وحور. بدأ يحكي نكت صغيرة من المدرسة ويقلد أصحابه بطريقة تضحكهم.

حور كانت تضحك بصدق، ومازن كان يراقب ضحكتها أكتر من كلام معاذ.
وبين الضحك، لمح في عينيها لمعة مختلفة، حاجة بتمس قلبه من غير ما يتكلم.

لما خلصوا، مازن قام يجيب الحساب. حور حاولت تعترض:
لأ ما يصحش، أنا كمان لازم أدفع.
هو رد بهدوء وحزم:
 المرة دي عليا… اعتبريها تعويض عن يوم كان صعب عليكي امبارح.

سكتت، قلبها اتقبض للحظة، لكنه لمس جرحها بكلمة بسيطة خلتها تحس إنه شايفها بجد.

بعد العشا، خرجوا يتمشوا شوية. الشارع كان هادي، والنسمة الباردة خلت الخطوات أخف.
معاذ ماسك إيد حور بإيد، وإيد عمه بالإيد التانية، وماشي مبسوط.

وفجأة وقف قدام محل صغير فيه ألعاب وزينة.
عمو، ميس حور… تعالوا نتصور هنا...

مازن ضحك:
انت اللي هتصورنا ولا إيه؟

معاذ أصر:
 لأ، أحنا التلاتة مع بعض..

وبالفعل وقفوا قدام المحل وصاحب المحل صورهم بالموبايل.
معاذ أول ما شاف الصورة،ابتسم بعفوية وقال بصوت مليان براءة:
أحنا شكلنا زى العيلة الصغيرة

الكلمة نزلت فجأة وسطهم… حور بصلت لمازن، ومازن بصلها، ونظرتهم اتقابلت للحظة طويلة، محدش فيهم عارف يرد، لكن قلوبهم اتكلمت.

كملوا مشي شوية في هدوء، الشارع فاضي والهواء بارد، ومعاذ بدأ يبطأ خطواته، يفرك عينيه بتعب:
أنا عايز أنام…

مازن ضحك بخفة، وانحنى علشان يشيله، حطه على كتفه براحة:
 يلا يا بطل، نكمل الطريق.

حور اتفرجت على المنظر بابتسامة دافية، وقالت:
 هو واضح إنه اتبسط جدًا النهارده.

مازن وهو ماشي جنبيها، صوته جه أهدى:
أيوة… وأنتى السبب. وجودك النهارده كان فارق معاه… ومعايا أنا كمان.

حور حست قلبها يتقل، وابتسمت ابتسامة خفيفة مليانة صدق:
وأنا كمان كنت محتاجة اليوم ده.

وقفوا قدام الطريق اللي هيفرقهم، مازن وقف لحظة وقال وهو بيبص لها:
شكرًا يا حور… على الضحكة، وعلى وجودك.

ردت بخجل:
 العفو يا مازن.

اتبادلوا نظرة قصيرة، وبعدين هي خطت للناحية التانية، وهو كمل طريقه بالطفل اللي نايم على كتفه.
لكن الاتنين كانوا ماشيين بنفس الإحساس… إن فيه حاجة مختلفة ابتدت بينهم النهارده.

..............ميرنا عصام....................

تاني يوم في المدرسة، دخلت حور الفصل والكل كان مشغول بالألوان والرسومات.
قربت من معاذ، لقت عينيه تلمع وهو ساكت شوية.

قعدت جنبه وسألته بهدوء:
عامل إيه النهاردة يا بطل؟

بص لها بابتسامة خجولة وقال:
 مس… امبارح كان أحلى يوم في حياتي.

ميلت برأسها شوية بابتسامة حنونة:
 ليه يا معاذ؟

رد بسرعة :
 علشان كنتي معايا أنا وعمو مازن… كنت مبسوط أوي.

الكلمات نزلت جواها زي النسمة، بسيطة لكن صادقة، خلت قلبها يلين أكتر.
ابتسمت له وطبطبت على كتفه:
 وأنا كمان انبسطت إنك كنت مبسوط.

عيونه فرحت، ورجع يمسك ألوانه بحماس، لكن حور فضلت لحظة ساكتة، بتفكر في كلمته اللي لامست جواها حاجة كانت فاقداها من زمان.

بعد يومين من خروجهم سوا، حور خلصت شغلها في المدرسة، وقررت تروح المكتبة كعادتها. الجو كان هادي، والشمس في آخر اليوم عاملة لمعة دافية للمكان.

أول ما وصلت عند الباب، لقت مازن واقف بره، ماسك إيد معاذ.
معاذ أول ما شافها، وشه نور:
مس حوووور

جري عليها بسرعة، وفضل يشد إيدها:
 تعالي معانا! عمو قاللي هياخدني أتمشى شوية.

حور بصت لمازن بابتسامة مترددة:
– لا يا معاذ، خليكم انتوا تنبسطوا.

لكن مازن قال بهدوء، وصوته فيه صدق:
 لو عندك وقت… ياريت تيجي.

سكتت لحظة، وبعدين وافقت وهي بتحاول تخفي ارتباكها:
طيب، بس منتأخرش.

مشوا التلاتة جنب بعض. معاذ ماسك إيدها في ناحية، وإيد عمه في الناحية التانية، كأنهم فعلاً عيلة صغيرة.
وقفوا عند محل لعب صغير، ومعاذ فضل يبص للعب بعيون منبهرة.

حور ضحكت:
هو مش محتاج لعب جديدة، شكله عنده كفاية.

مازن ابتسم بخفة وهو بيتابع عيون معاذ:
الأطفال عمرهم ما بيشبعوا من اللعب.

دخلوا المحل، ومعاذ اختار عربية صغيرة. وهو طالع، مسك إيد حور وقال:
 شكراًا يا مس أنك جيتى معانا. النهارده هيبقى أحلى تاني يوم .

الكلمة نزلت في قلبها زي النسمة، وسابت ابتسامة على وشها غصب عنها.

بعد شوية، قعدوا على كرسي في جنينة قريبة. معاذ كان لسه منبهر بلعبته، وبعدها بدأ يغمض عينه شوية من التعب.

بصت له حور بحنية:
 شكله نام.

مازن ضحك بخفة، وشاله على كتفه بسهولة:
اتعود ينام كده وأنا شايله.

فضلوا يتمشوا مع بعض، وصوت خطواتهم هو اللي مالي الجو. بعد لحظة صمت، مازن قال:
عايز أشكرك… وجودك معانا اليومين اللي فاتوا فرح معاذ جدًا. وأنا كمان… حسيت إن الدنيا أبسط اللي متخيلها.

حور رفعت عينيها ليه، وابتسمت ابتسامة صغيرة:
 وأنا كمان انبسطت. وجودكم جنبي حسسني إني مش لوحدي.

نظروا لبعض لحظة أطول من الطبيعي، نظرة فيها كلام كتير ما اتقالش.
لكن قبل ما اللحظة تكمل، وقفت حور وقالت بخجل:
 أنا لازم أروح دلوقتي… بيتي بعيد شوية.

مازن هز راسه بتفهم:
تمام… أوصلك لحد أول الشارع.

مشي معاها مسافة قصيرة، ولما وقفت، قالت بابتسامة هادية:
 مع السلامة يا مازن… وسلملي على معاذ لما يصحى.

ابتسم هو كمان، عينيه مثبتة عليها:
 مع السلامة يا حور.

سارت بخطواتها للبيت، والهواء بارد لمس وشها… لكن جواها كان في دفء مختلف

-----------------------ميرنا عصام---------------------

عدت الأيام 
الشمس في نص النهار داخلة من شبابيك الفصل، والأطفال قاعدين حوالين الطرابيزة الكبيرة يرسموا فانوس وزينة رمضان.
حور واقفة وسطهم، صوتها دافي وهي بتشرح:
 رمضان شهر جميل جدًا… بنصوم فيه ونصلي ونقرأ قرآن، ونزين بيوتنا بالفوانيس والزينة.

الأطفال عيونهم منبهرة، كل واحد بيتكلم عن بيته وأهله.
وفجأة معاذ رفع راسه وقال ببراءة:
 أكيد يا مس… أنتي بتقضي رمضان جميل وسط بابا وماما، وبتعلقوا زينة كبيرة في البيت.

الكلمة نزلت على قلب حور تقيلة، بس ابتسمت ابتسامة حزينة وقالت بلطف:
 لا يا معاذ… أنا والدي ووالدتي اتوفوا من زمان. بقضي رمضان لوحدي.

معاذ بص لها بدهشة، وحزن ظهر في عينيه الصغيرة:
 لوحدك؟! ده حرام يا مس… رمضان من غير لمة مش حلو.

حور ربتت على كتفه بهدوء:
 ربنا معايا يا حبيبي، وأنا دايمًا بحاول أخليه حلو بالعبادة والقرآن.

اليوم عدى، لكن الكلمة فضلت محفورة جوا قلب معاذ.

في الليل، البيت كله مليان ريحة أكل أول يوم رمضان. أم معاذ بتحط الأطباق على السفرة، ومعاذ قاعد على الكرسي الصغير بيتأمل.
مازن قاعد جنبه، بيتكلم معاه ويحكيله حكايات زمان.

وفجأة معاذ قال بصوت عالي:
 ماما… أنا عايز مس حور تفطر معانا بكرة.

أم معاذ بصت له بدهشة:
 ليه يا معاذ؟!

معاذ رفع عينيه بجدية طفولية:
علشان سألتها النهارده عن رمضان مع بابا وماما… وقالتلي إنها لوحدها. وأنا مش عايزها تفضل لوحدها في رمضان.

الكلام خلى الصمت يسيطر للحظة.
مازن اتفاجئ، قلبه اتحرك من صدق ابن أخوه. بص لأم معاذ، لقاها هي كمان متأثرة.

أم معاذ ابتسمت بحنان وقالت:
 عنده حق… الوحدة في رمضان صعبة. لو تحب يا مازن، نوجهلها عزومة بكرة على الفطار.

مازن فضل ساكت لحظة، وبعدين قال بهدوء وهو عينه تلمع بحاجة مختلفة:
 فكرة حلوة.

----------ميرنا عصام----------------

تانى يوم بعد المدرسة

الجرس رن، والطلبة خرجوا يجريوا في ساحة المدرسة. حور وقفت عند الباب تودّع الأطفال بابتسامة متعبة لكنها دافية.
معاذ جري ناحية أمه اللي كانت واقفة تستناه بره، ماسك إيدها ومبسوط.

أم معاذ لمحت حور وقالت بابتسامة ودودة:
 السلام عليكم يا مس حور.

حور ابتسمت بخجل:
 وعليكم السلام يا أم معاذ إزي حضرتك؟

أم معاذ:
 بخير الحمد لله… كنت عايزة أقولك حاجة.

حور استغربت:
 اتفضلي.

أم معاذ بصت لها بجدية رقيقة:
معاذ حكالي إمبارح إنك بتقضي رمضان لوحدك. أنا عارفة إن الكلام ده شخصي، بس… رمضان من غير لمة صعب. إحنا نفسنا تشرفينا وتفطري معانا النهاردة .

حور اتفاجئت، وحاولت تضحك تهون:
 لا والله، مش عايزة أزعجكم… كفاية كرم الدعوة.

معاذ شد إيدها بحماس:
 لأ يا ميس، لازم تيجي! أنا قلت لماما إني مش عايزك تفضلي لوحدك.

حور بصت له بتأثر، قلبها داب من براءته:
 يا حبيبي… ربنا يخليك لمامتك.

لكنها رجعت تبص لأمه وقالت باعتذار:
 معلش… مش حابة أكون تقيلة.

أم معاذ قربت خطوة منها وقالت بإصرار رقيق:
 لا بالعكس. وجودك هيشرفنا. وإحنا عيلة صغيرة كده، بس اللمة بتكمل بيكي.

حور حست إن عينيها بترتعش من كتر التأثر. سكتت ثواني، وبعدين قالت بخجل:
 
مش عارفة أقولك ايه والله ومش بعرف ازعل معاذ خلاص هاجى بإذن الله

معاذ بقى فرحان وصوت ضحكته ملت المكان:
 يييه! بجد يا ميس؟! ده أحلى رمضان عدى عليا.

وأم معاذ ابتسمت وهي تبص على حور بنظرة كلها احترام ودفا.

بعد ما وافقت حور بخجل، ابتسمت أم معاذ وقالت:
– كده تمام… بس لازم تاخدي عنوان البيت عشان متتعبيش.

مدت إيدها وطلعت ورقة من شنطتها وكتبت عليه العنوان:

حور خدت الورقة وشكرتهم بابتسامة خفيفة:
 حاضر، إن شاء الله.

معاذ وهو ماسك إيد أمه متحمس:
 وأنا هستناكي يا مس على الفطار، ما تتأخريش!

ضحكت حور بخفة:
 حاضر يا معاذ، هحاول أجي بدري.

وأم معاذ وهي بتودعها:
 شرف كبير لينا إنك قبلتي الدعوة.

حور رجعت بيتها وهي ماسكة الورقة الصغيرة، قلبها بيدق بإحساس غريب… مزيج من الترقب والخوف، لكن في نفس الوقت لأول مرة من زمان حست إنها داخلة على يوم رمضان مختلف.

الشمس كانت بتغيب ببطء، والشارع مليان بأجواء رمضاان:صوت أغانى رمضان من كل حتة، ريحة مشروبات رمضان من المحلات، وزينة رمضان معلقة على البلكونات.

حور وقفت قدام العمارة اللي مكتوب عنوانها في الورقة، ماسكة في إيدها علبة كبيرة فيها حلويات رمضان، وفي التانية دبدوب ضخم لونه بني فاتح، شكله يضحك وهو لابس كوفية صغيرة حمرا.

طلعت السلم وهي بتحس بقلبها بيدق بسرعة. أول مرة تدخل بيت حد من تلاميذها، وأول مرة هتشارك لمة عيلة بعد غياب طويل.

وصلت قدام الباب، خدت نفس عميق، وضغطت على زر الجرس.

فتح الباب معاذ باندفاعه المعتاد، ولما شافها اتسعت عيناه بفرحة طفولية:
مس حوووور! إيه ده؟! ده كله ليا؟!

ضحكت حور وهي بتناوله الدبدوب:
 ده عشان عيد ميلادك اللي فات من قريب… قلت أعوضك.

معاذ حضن الدبدوب بفرحة:
 ياااه! شكرًا يا مس! أنا هسميه حمبوزو.

جت أمه بسرعة تستقبلها بابتسامة واسعة:
 أهلًا وسهلًا… نورتي البيت يا مس حور.

حور مدت لها الحلويات بخجل:
 كل سنة وحضرتك طيبة… دي حاجة بسيطة.

أم معاذ:
 ليه كده ! ده إنتي مكلفة نفسك أوي.

دخلتها جوه وهي بتحسسها بالراحة. 

من بعيد، مازن كان واقف في الصالة، لاحظها وهي داخلة. نظرة سريعة منهم لبعض… نظرة قصيرة لكنها قالت كتير سلموا على بعض ودخلت الصالة.

حور دخلت لقت السفرة متجهزة بشكل يفتح النفس: شوربة سخنة، أطباق محشي، فراخ، سمبوسة، والقطايف مستنياها في طبق كبير. الزينة البسيطة معلقة بشكل جميل، ولمبة على شكل هلال منورة في الركن.

أم معاذ:
 اتفضلي يا مس حور،البيت بيتك أنتى زى أختى الصغيرة.

ردت حور بأبتسامة:
طيب يبقى نادينى حور بس.

جلست حور وهي حاسة بدفء غريب، آخر مرة أكلت وسط عيلة كان من سنين. قلبها اتقبض شوية لكنها حاولت تخفي ده بابتسامة.

معاذ قعد جنبها على طول، والدبدوب محطوط على كرسي صغير جنبه، وهو مبسوط جدًا:
بصي يا مس… هو كمان هيقعد يفطر معانا!

الكل ضحك بخفة، حتى مازن اللي كان قاعد قصادهم. رفع عينه على حور وقال بابتسامة رقيقة:
 واضح إنك كسبتي قلبه جدًا.

حور ردت بخجل:
 الأطفال قلوبهم صافية، بيحبوا اللي يحس بيهم.

ابتسم مازن ابتسامة فيها شوية امتنان وسكت.

بدأوا الفطار، ومع كل طبق تقدمه أم معاذ لحور، تقول لها:
 لازم تدوقي دي، ده أنا عاملاهولك مخصوص.

وحور ترد:
 تسلمي إيدك، والله الأكل ريحته تفتح النفس.

معاذ وهو بيلعب بالدبدوب وبيبص لها:
ده أحلى يوم في حياتي، عشان مس حور قاعدة معانا.

الكلمة دي سكتت الكل لحظة، وخلت مازن يبص لحور بنظرة أعمق من أي كلام، نظرة كلها تقدير وحاجة هو نفسه مش عارف يفسرها.

بعد الأكل، قعدوا يشربوا عصير قمر الدين وسوبيا، ومعاذ نام في نص الكنبة وهو محتضن الدبدوب. الجو بقى هادي، وأم معاذ دخلت المطبخ .

مازن استغل اللحظة، وبص لحور بهدوء وقال:
 شكراً إنك قبلتي الدعوة. وجودك النهارده فرق كتير… لينا كلنا.

حور ابتسمت ابتسامة صغيرة، وعينيها فيها لمعة دمعة محبوسة:
وأنا كمان مبسوطة… حسيت نفسي وسط عيلة تاني.

سكتوا شوية، بس الصمت ماكانش تقيل… كان مليان احساس.

 حور قامت تساعد مرات أم معاذ في المطبخ، لكن هي أصرت تخليها تقعد ترتاح وتستمتع بالسهرة.

لما الساعة قربت على العشرة، حور قامت وقالت :

 أنا هقوم بقى، كفاية كده تعبتكم معايا.

معاذ وهو ماسك الدبدوب الكبير:
 لأ يا مس… كنت عايزك تقعدي معانا كمان.

حور ابتسمت ونزلت لمستواه:
 بكرة هتشوفني في المدرسة يا بطل، ما تقلقش.

أم معاذ قالت بلطف:
– نورتينا يا حور، البيت كان مليان فرحة بوجودك.

حور ردت بخجل:
 أنا اللي اتبسطت والله… حسيت إني وسط عيلتي.

مازن تدخل بهدوء:
 خليني أوصلك.

حور بسرعة هزت راسها:
–لا والله مالوش داعي… أنا عارفة الطريق كويس.

مازن بابتسامة خفيفة:
 مش موضوع طريق، لكن مش هسيبك تمشي لوحدك في الوقت ده.

ترددت لحظة، ثم وافقت 

الأنوار والزينة الرمضانية كانت منوّرة الشوارع، وصوت قرآن بيتذاع من جامع قريب. مازن كان ماشي جنبها بخطوات هادية، ماسك في إيده كيس صغير فيه شوية حلويات رمضان.

مده لها وهو بيقول:
 دي من مرات أخويا… كانت مصممة تاخديه معاكى.

حور ابتسمت بخجل وهي تاخده:
 ربنا يخليها… حسيت نفسي وسط عيلة بجد.

مازن بص لها بهدوء وقال:
 وده حقك… إنك تلاقي ناس جنبك.

سكتوا بعدها، لكن الصمت كان مريح، مليان دفء.

عند باب العمارة بتاعت حور، وقفت حور بابتسامة خفيفة وقالت:
متشكرة على اليوم الجميل… بجد كنت محتاجة الجو ده.

مازن رد بهدوء وصوت دافئ:
 ده أقل واجب… وجودك فرح معاذ وخلى البيت منور.

ابتسمت بخجل:
 ربنا يحفظهولكم. تصبح على خير.

ابتسم وقال:
 وأنتى من أهله.

لحظة صافية في العيون جمعتهم قبل ما تدخل العمارة، وهو فضل واقف يتابعها لحد ما دخلت وركبت السلم… 

حور جواها كان فيه احساس غريب… إحساس إن لأول مرة من سنين طويلة بترجع بيتها وقلبها مش تقيل زي العادة. ابتسامة صغيرة فضلت على وشها من غير ما تحس.

مازن وهو راجع بخطواته الهادية، ابتسامتها لسه قدام عينه وصوتها بيرن في ودانه.

ساعتها خطر في باله سؤال واحد بس…

يا ترى… هي فعلًا بداية جديدة في حياتي؟


شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم
تعليقات