رواية صدمة تليها ضمادة الفصل الثاني 2 بقلم هاجر نور الدين

 

رواية صدمة تليها ضمادة الفصل الثاني بقلم هاجر نور الدين

_ إنتِ كويسة يا حبيبتي؟

سألني السؤال دا بابا وهو عيونهُ مليانة حزن ونبرة صوتهُ كلها حنان.

حاولت أتعدل وأقعد وقولت بتساؤل وقلق:

= إي اللي حصل يابابا، الكلام اللي حصل دا كان بجد ولا كنت بحلم؟

سكت ثوانٍ وقال بتنهيدة:

_ حبيبتي أنا عايزك تنسيه خالص وهو ميستاهلكيش وبجد مينفعناش خالص.

دموعي نزلت بهدوء وبُطئ وقولت بحزن رهيب:

= يعني اللي حصل كان بجد،
بابا إنت مش مصدق كلامهُ صح؟

إتكلم بابا بعتاب وحزن عليا وقال:

_ أكيد لأ يا حبيبتي دا سؤال تسأليه ليا؟

إتكلمت بقهرة وقولت:

= والجيران اللي إتكلم قدامهم دول إي الوضع معاهم إي اللي حصل؟

إتنهد للمرة التانية بهم واضح وقال:

_ ميهمكيش آي حاجة من دي ولا تفكري،
الناي كلها عارفاكي وعارفة إنتِ بنت مين وتربيتك عاملة إزاي،
غير كدا أنا إتخانقت معاه جامد وكنت همسك فيه لولا الناس بعده عني ومشوه وكانت دماغي مشوشة عليكِ وأتطمن عليكِ،
المهم دلوقتي مش عايزك تفكري في آي حاجة أهم حاجة عندي إنتِ.

كان بابا بيتكلم بكل حنية ودي عادتهُ من زمان،
بابا مالهوش غيري أنا وأختي ولا إحنا لينا غيرهُ.

وخصوصًا بعد وفاة ماما وهو بيحاول ميخليناش نحس بحاجة ناقصة في حياتنا.

حضنتهُ وأنا بعيط ومقدرتش أمسك نفسي أكتر من كدا،
كنت بطلع كل الطاقة السلبية اللي جوايا ونفسي أنسى اللي عيشتهُ.

بعد ساعات مش عارفة قد إي كنت طالعة من تلحمام بعد ما خدت شاور.

كانت أختي رهف لسة راجعة من الشغل وكان الوقت المغرب،
إتكلمت وقالت بإبتسامة:

_ أخيرًا صحيتي يا غيبوبة دا أنا لحد ما مشيت مكنتيش صحيتي ولا إنتِ إستغليتي الفرصة؟

إبتسمت عشان متحسش إني لسة متضايقة وقولت:

= تقدري تقولي حاجة زي كدا.

إتكلمت وهي بتقلع شنطتها وبتحطها على الشوفينيرة:

_ هدخل أحضر الأكل دلوقتي لينا قبل ما بابا يرجع من الشغل،
وإنتِ شوفي لو عايزة حاجة معينة قوليلي عليها.

بصيتلها وقولت بإبتسامة:

= دا لو كنت أعرف إن الحنية دي هتظهر كدا كنت فشكلت من زمان، تسلميلي بجد يا رهف.

إبتسمت وقالت وهي بتحدفني بمخدة الكنبة:

_ بس يابت يا عبيطة إنتِ.

ضحكت وبعد شوية كنت قاعدة زهقانة،
فتحت التلاجة أشوف فيها تسالي إي ودي كانت الطريقة الوحيدة للتعبير أو لإفراغ كل الطاقة السلبية من جوايا وهي الأكل.

ولكن لما فتحتها إندهشت وإبتسمت لإني لقيت علبة الآيس كريم والشيكولاتة بنفس شنطتهم في التلاجة.

طلعتهم وإفتكرت الموقف المحرج وقعدت قدام التليفزيون بحاول أفصل من العالم بفيلم كوميدي.

بدأت أكل فيهم وأنا بفتكر كلامهُ وبركز أكتر في حلاوة وسكريات طعمهم.

بدأت أركز أكتر في الحاجات الحلوة اللي في حياتي،
أهلي ودماغي وشغلي وشخصيتي وأنا وحتى النعم والصحة اللي لازم نحمد ربنا عليها.

إبتسمت بهدوء وأنا مقتنعة إن اللي حصلي مع عمر دا خير ليا مش العكس.

بحر الحياة موجهُ عالي معايا أيوا ولكن بيعلمني وبياخدني لمحطة تانية بناس تانية بعد ما بيخليني لازم أقابل وأتخطى ناس المحطة الأولى بـ حلوهم ومُرهم.

باقي اليوم عدا طبيعي جدًا وهادي مفيهوش أحداث تُذكر،
دخلت نمت عشان الشغل الصبح ولإني إمبارح خدت أجازة بدون علمهم.

تاني يوم الصبح كعادتي اللذيذة وعكسها صحيت متأخر،
ومتأخر هنا بمعنى متأخر يعني ميعادي 10 الصبح أنا صاحية 10 ونص ولسة هلبس وأنزل.

فضلت أجري في الشقة يمين وشمال وأنا بجهز،
لحد ما خلصت الساعة 11 وربع ودا وقت قياسي بالنسبالي.

نزلت جري وطلعت على الطريق برا اللي هركب منهُ،
كان المدير بيرن عليا ولكن مش برد عليه لحد ما صاحبتي رنت عليا.

كنت مقلقة أرد عليها ليكون المدير جنبها ولكن رديت وخلاص،
جالي صوتها الواطي وهي بتقول بزعيق منخفض:

_ إنتِ فين يا زفتة المدير قالب الدنيا عليكِ؟

شاورت لعربية جاية بسرعة عشان تُقف وقولت لصاحبتي بتوتر:

= أنا خلاص أهو جاية، متوترنيش أنا متوترة خلقة عندي أسباب قوية لإمبارح والنهاردا لما آجي هقولهُ عليها.

خلصت كلامي وركبت من غير تركيز وبسرعة وسمعتها بتقول بإنفعال واطي:

_ طيب إنجزي بسرعة.

رديت عليها بضيق وقولت:

= خلاص ما أنا ركبت أوبر أهو بدل المواصلات وهتغرموني على الصبح إقفلي يلا سلام.

خلصت كلام وقفلت في وشها على طول وقولت ببرطمة وضيق:

_ هركب أوبر بسعر يومي في الشغل عشان أروح الشغل بجد ربنا يحرسني.

لاحظت إن العربية مش بتتحرك أو يمكن أنا مقولتلهوش أنا رايحة فين.

بصيت للسواق بسرعة وإنتباه وقولت:

_ معلش حقك عليا ممكن نروح لـ…

قطعت كلامي بصدمة وأنا بشهق وقولت:

_ هو إنت؟
تاني أنا أسفة والله هنزل حالًا.

قبل ما أفتح الباب إتكلم بضحك وقال:

= إنتِ اللي تاني، مش ناوية تركزي؟
قوليلي عنوان شغلك بسرعة عشان شكلك متأهرة خلقة أصلًا وبعدين نتفاهم مادام الصدف بيننا كتير.

كنن في تردد وحيرة ولكن المدير رن والتوتر زاد تاني وقولت العنوان وطار بينا فعلًا.

بعد شوية وقت مش كتير لإنهُ كان سايق بسرعة جدًا لدرجة خوفت يعمل بينا حادثة وكان واضح إنهُ ماهر جدًا في القيادة وصلنا وقال وهو بيغمز ومبتسم وأنا نازلة:

_ آي خدمة.

نزلت وأنا شِبه دايخة من كتر المرجحة اللي عملها في العربية وقولت بإبتسامة:

= شكرًا جدًا بس حضرتك لازم أحاسبك المرة دي.

إتكلم وقال بضحك وسخرية:

_ على أساس إن دا شغلي عشان تحاسبيني عليه يعني؟

إتكلمت وقولت بإعتراض:

= بس أنا لازم أقدملك مقابل!

سكت شوية بيفكر وبعدين قال بإبتسامة:

_ خلاص ماشي ممكن تعزميني على قهوة عندكم في الشركة ممكن أبقى عميل فيها قريب.

إتكلمت بإبتسامة وقولت:

= تمام موافقة جدًا هتيجي إمتى؟

إتكلم بهدوء وقال بنفس الإبتسامة وهو بيستعد عشان يمشي:

_ لما أقابلك تاني هقولك، يلا سلام.

خلص كلامهُ ومشي حتى مستناش إني أرد عليه،
كنت مذهولة شوية ومش مصدقة الصدف دي.

ولكني إبتسمت ودخلت الشركة وأنا باخد نفس عميق،
كنت داخلة بتسحب زي الحرامية بالمعنى الحرفي.

رميت شطنتي عند أول مكتب شوفتهُ وشاورت لزميلي اللي قاعد عليه ميتكلمش.

بعدين روحت جري قريب من مكتبي وكنت خلاص هقعد ولكن لقيت المدير في نفس الطريق رجعت الناحية التانية وعملت نفسي بتكلم في الموبايل بعصبية وقولت:

_ خلاص يابابا إرميلهُ حاجتهُ كلها مش عايزين واحد مريض وخليه يطلق عادي.

كنت بتكلم وعاملة بملامح وشي فيا اللي مكفيني عشان ميتكلمش معايا.

كنت شبفاه بجنب عيني وهو باصص عليا، 
مشيت لحد مكتبي وقعدت وأنا بتنهد وسندت جبهة راسي على إيدي وقولت:

_ تمام يا بابا، كل شيء قسمة ونصيب عادي.

عملت نفسي قفلت المكالمة ومسحت على وشي بتعب،
بدأت شغل على طول والمدير متكلمش معايا.

فهم إني بتطلق لإنهُ عارف إني كنت عروسة وإتكتب كتابي،
الخطة نجحت ومتكلمش معايا.

بصراحة حسيت براحة رهيبة جدًا،
هتقولولي المفروض متتاجريش بحزنك لأ في الأوقات اللي زي دي بتاجر عادي.

بدأت شغل واليوم مِشي طبيعي وكان خلاص فاضل ساعة ونخلص شغل ونمشي.

ولكن قبل ما دا يحصل دخل عمر المكتب وقال بزعيق:

_ إنتِ إزاي أبوكي بيقولي مفيش دهب يعني وقايمة إي اللي عايزني أدفعها؟

بصيت حواليا بإحراج وقومت بعصبية من الكرسي وقولت بغضب:

= إنت محنون ولا إي ومين اللي إدالك الحق تيجي تتكلم معايا هنا ولا تتكلم معايا أصلًا!

خبط على المكتب بإيديه مرتين وقال بزعيق:

_ لأ ما إنتوا متنسوش نفسكم ومتنسيش أنا سيبتك قبل الفرح ليه وعايز كل حاجتي وأقولك؟
حتى الهدايا عايزها ولو فضلتوا تقولوا إدفع ومش عارف إي أنا مش هدفع وهفضحك في كل حتة ولو روحتوا فين هجيلكم!

كنت بترعش من كتر الضغط والإحراج اللي أنا فيه،
كان هيجرالي حاجة وأنا ببص حواليا وشايفة كل زمايلي بيتفرجوا عليا.

إتكلمت بزعيق وأنا بمنع نفسي أعيط بالعافية:

_ إنت حيوان أنا أشرف منك ومن عيلتك كلها،
دلوقتي فهمت إنت بتعمل الشويتين دول عشان تاكل حقي وتاخد كل حاجة بدون ما تخسر مليم ولكن دا بعينك وطول ما أنا مش غلطانم ميهمنيش ومتفكرش إن الضغط عليا بالكلام والسمعة هيخليني أتنازل بالعكس أنا مش هسيب حقي وحق الكلام اللي بتقولهُ عليا دلوقتي دا.

زعق من تاني وقال وهو بيبتسم بشر وعصبية:

= طيب هنشوف يا سيرين، وطلاق مش هطلق غير لما آخد حاجتي وخليكِ زي البيت الوقف كدا وأنا هعيش حياتي عادي وأتجوز مش فارقلي.

قبل ما أرد عليه كان المدير خرج على الزعيق وطردهُ من المكان،
قعدت مكاني وأنا بترعش وبدأت أعيط وأنا صعبان عليا نفسي.

عمري ما كنت أتخيل أتحط في مواقف زي دي أبدًا،
بس فعلًا كدا نواياه ظهرت وفهمت ليه بيعمل كدا وبيقول كدا.

مكنتش عارفة هعمل إي وزمايلي البنات قربوا مني بيحاولوا يهدوني.

مقدرتش أستحمل نظرات الشفقة والشك من البعض والهمزات واللمزات وطلبت من المدير أروح وروحت فعلًا.

كنت راكبة مواصلات وكنت في عالم تاني،
في عالم مليان سواد وأحزان كل ما بحاول أطلع منهُ حاجة تغطسني من تاني بدون إرادة مني.

كان السواق مشغل أغنية أم كلثوم ولفت نظري ومشاعري تحديدًا كوبليه بيقطعني في اللحظة دي وهي بتقول:

"كنت بخلصلك في حبي من كل قلبي، 
وإنت بتخون الوداد من كل قلبك، 
بيعت ودي ليه، بيعت حبي ليه، بيعت قلبي ليه؟
بيعتني وفاكرني ليه هشتاق لقُربك ليه؟."

من غير ما أحس دموعي كانت نازلة زي الشلال،
نزلت من العربية وفضلت ماشية لحد ما وصلت للبيت بتاعنا.

قبل ما أطلع لقيت إتنين ستات معرفهومش ضخمين البنية بيوقفوني بعُنف وواحدة منهم كتمت بُقي وكتفتني بإيديها وهي بتسحبني لحتة مفيهاش ناس خالص بعد البيت بشوية.

وأنا مش فاهمة إي اللي بيحصل ولكن محسيتش غير بضربة قوية جدًا في معدتي وتليها ضربات تانية كتير وسامعة صوت عضمي وهو بيتكسر.


شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم
تعليقات