رواية للهوى رأي اخر الفصل الثلاثون 30 بقلم سارة حسن


 رواية للهوى رأي اخر الفصل الثلاثون 

بعينين جامدتين، وجسد متخشب، كانت فيروز الجالسة على إحدى مقاعد المستشفى المقابلة لغرفة العمليات المتواجد بها قاسم.
لا تعرف فيروز كم استغرقت من الوقت لتصل إلى هنا، بعد ما طلب أحد الحراس مقابلتها، وقابلته باستغراب، وبتردد كبير كان ظاهر عليه وقلق وخوف، أخبرها بحادثة السيد قاسم، وأنه بالمستشفى في حالة خطرة، وبآلية تحركت معه تحت حماية الحراسة المتبقية، ينفذون أوامر سيدهم حتى في غيابه، مدركين أهمية تلك الفتاة لديه.
شعرت بجلوس أحدهم بجوارها، كانت فتاة مقاربة لعمرها أو أكبر بقليل، وجهها خالٍ من أي مستحضرات تجميل، فبدت أكثر رقة وهشاشة، التقت بعينيها وبابتسامة لا ترى وقالت الفتاة:
_عمري ما فكرت أتقدم خطوة واحدة بس إليه، لكني اتفاجأت بنفسي بجري لهنا أطمن عليه
ثم نظرت إليها قليلاً وبتعاطف أكملت:
_شكلك برئ أوي، لكنك مش ضعيفة، حتى لو وقعتي بتحاولي تقفي، مش أي ست هاتعرف تحرك قلب قاسم عمران
التمعت عينَي فيروز، شعرت بهويتها، بشيء مشترك بينها وبين قاسم، بحزن مرتسم على ملامحها، بقلق حتى لو استطاعت أن تخفيه، وبخفوت تساءلت فيروز بحيرة:
_ليه أنا مش عارفة أعيط، مخنوقة أوي
_قلبك وجعك؟!
_قلبي بيبكي وعيوني لا
بألم مرتسم على ملامحها وبرنة صوتها قالت دهب:
_وهو العشق إيه غير بُكا
خرجت أنفاس فيروز ثقيلة وهي تهتف لها:
_مش عايزة أخسره، عمري ما قولتها، كنت مجروحة

_حاسّة بالجواكي، إن شاء الله يبقى كويس
_أنتي دهب؟!
كان تأكيد أكثر من سؤال، وكانت جوابها قبل أن تغادر:
_ياريت ده يكون أول سر بينا

ثم تركتها بمفردها، ولحظات وخرج قاسم من غرفة العمليات، شهقة فيروز واضعة يدها على فمها، وقد ارتعش جسدها دفعة واحدة، رأسه مضمدة بالشاش الطبي، يده في جبيرة ليتلئم كسرها، صدره أيضاً يحاوطه الضاغط الطبي، ومحلول معلق بيده، يحركونه بالناقل الطبي لإحدى غرف الرعاية المركزة، تتبعتَه حتى تحرك من أمامها، وقد تحررت عبراتها أخيراً، وشهقة كانت تخرج من فمها ولكن كتمتها بيدها، استدارت لصوت الطبيب من خلفها الذي تحدث عن العملية:
_الحادثة مش بسيطة أبداً، ارتجاج في المخ مع كسر باليد اليمنى، وكسر بأحد ضلوع صدره، غير الكدمات المتفرقة، حالياً هايدخل العناية للاطمئنان عليه أكثر ويكون تحت الملاحظة.
لم تتحملها قدماها فاستندت على الحائط من خلفها، وبخوف لأول مرة تشعر به اتجاه، ورعب من الفقد، شعرت أن الأرض تهتز من تحتها.
.......
رآته يخرج من سيارته مهرولآ لداخل المشفي،فااستدارت دهب عنه، ومر بمسافه قريبه حدا منها، لكنه لم ينتبه لشئ سوي لصديقه الذي علم منذ دقائق بحادثته،توقفت دهب تنظر اليه وهو متجها للاستعلامات، وبصوتا قلق كان يستائل عن غرفة قاسم، وبخطوات واسعه اتجه المصعد وضغط علي الزر بصبر نافذ، حتي اغلق باب المصعد وحجب رؤيته عن عينيها. 
اشتاقت ولاتنكر،قلبها يتألم دون مكابره،دهب التي لم تخطو خطوة واحده دون ان تدرسها وتخطط اليها،كان اولي تعثراتها هو حبها لذلك الرجل،لا يشبه اي من الرجال، هو يشبه نفسه فحسب،قد عاشت معه فترة قصيرة للغايه، ورغم ماحدث بينهما والمشاحنات، كان دائما الطرف المبادر والمسيطر علي انفعالاته،كلماته الرقيقه مازالت تتردد بأذنيها، مواقفه معها، لمسته،وعبثه.
اخفضت عينيها ارضآ،وتلك الضربه القاتلة التي انهت ذلك الصراع،وكانت الفاصلة بتلك العلاقه، إمرأه،في حياة والدته وحياتها،والدتها وعلاقتها الغير مشرفه بوالده، و زوجته، الزوجه الاخري لموسي رشيد، ربما تكون هي الاولي او الثانيه، لكنها ابدا لن تقبل ان تكون في وضع كهذا، لن تتحمل، ولن ترضي،كيف تتقبل خيانته هذه المرة، ياللسخريه، دهب تكون لرجل مناصفة مع إمرأه أخري! 
...................... 
_ميسون انتي هنا من امتي 
ابتسمت له ميسون قائله :
_من نص ساعه تقريبًا
تحدث ياسين وهو يشير اليه بالدخول لمكتبه:
_ليه ماتصلتيش بيا
بابتسامه رقيقه اجابته:
_من أولها كده هاستخدم واسطه،معلش انا بحب امشي قانوني
ضحك ياسين علي دعابتها،جلس خلف مكتبه، فاتأملته مرة أخري، كان وسيم جدًا بحلته الرسميه،يليق بمكتبه،يشبه هؤلاء الشاب التي تظهر صورهم علي مجلات الاعلانات، ذقنه طالت قليلا عن آخر مقابله بينهما، والتي من وقتها لم تستطع ان تتوقف عن التفكير به، رغم انها لم تحبذ ان تتخذ الكذب وسيله للتقرب منه، وانها بالفعل  لا تحتاج لعمل،لكنها كانت الوسيلة الأقرب لتكون بقربه بسبب وجيهًا ، دون ان يلاحظ ذلك الإعجاب الواضح من طرفها.
_معاكي لغات مش كده
أومأت برأسها بالإيجاب،فقال ياسين:
_خلاص هاتكوني المترجمة بتاعتي، عندي شغل مع شركات في أوكرانيا وكنت بالفعل هاطلب مترجم،صحيح بتعرفي اوكراني ولالا؟ 
_(انت اوسم رجل قابلته في حياتي) 
قالتها ميسون باللغه الاوكرانية،انتبه اليها ياسين للحظه، ثم قهقة ضاحكاً قائلا:
_اه بتستغلي اني مش بعرف اوكراني يعني،ماشي ياستي اطمنت انا كده 
اشاحت بوجهها ببحرج،وحمدت الله علي انه لم يفهم كلماتها. 
تسائل ياسين:
_ها تحبي تبدئي من امتي
_من دلوقتي لو ينفع
مد يده اليها بملف قائلا :
_وأنا مش هاكسفك، انا فعلا محتاج ترجمة الملف ده ضروري، وبما ان لسه مالكيش مكتب، هاتشتغلي هنا لو مش هايضايقك

ارتفع حاجبيها باستغراب من تدابير القدر اليها،اي مضايقه تلك،ستكون هنا وتقضي معه اليوم،اي حظ تملكه اليوم ميسون
قالت مسرعا بلهفه::
_لاطبعا مش هاضايق ياريت
عضت علي شفتيها بحرج لاعنه غباء كلماتها المندفعة، لكن ياسين تظاهر بأنه لم يستمع لشئ،وقال بعمليه:
_تمام، يالا ابدئي ولو احتجتي تسالي عن حاجه انا موجود
اومات براسها دون ان تنطق بحرف،وبداخلها قلبها يقفز بجنون. 
..................... 
مدام فيروز
ببطئ وآليه نظرت فيروز لموسي الذي بقلق كبير قال:
_انتي كويسه، انا لسه جاي من عند الدكتور وقالي ان قاسم حالته مستقرة
اومات براسها دون ان تجيبه بشئ، هي لا تعرفه،ولاتعرف مكانته لدي قاسم، ومن بعد ماتركها الطبيب وهي ثابته في مكانها بتيه، لا تعلم لاي مكان تذهب. 
برفق تحدث موسي مرة أخري مقدرا حالتها:
_أنا موسى رشيد، قاسم صاحبي واكتر من اخويا، لو محتاجه اي حاجه قوليلي انا هافضل هنا لحد ما قاسم يفوق
_ينفع اشوفه
اومأ موسي براسه، مدركا انها ايضا ستكون رغبة صديقه، ربما لو شعر بها او استمع اليها لاستعاد جزء من قوته من جديد:
_اكيد،لو احتجتي أي حاجة بلغيني أو بلغي المستشفي وهاتتنفذ فورا. 

كانت رقيقه جدا وهشه،تتكلم ببطئ وخفوت، تتطلب منه بنبرة اقرب للرجاء ان تري زوجها،للحظه اصابته الدهشه،لو لم يكن يعلم بهويتها لكذبها،هذه من حطمت حصون قاسم، ماجعلته يضرب بالقواعد عرض الحائط ويجذبها في رقصه امام الجميع،من جعلته يجن جنونه في الوقيعه التي حدثت بينهما،حتي اصبح في اصعب حالاته و محاولاته المستميته لعودتها اليه، من جعلته يحب وينبض قلبه من جديد. 
تملك من الجمال ما لايمكن إنكاره، لكن جمالها الهادئ الرقيق الذي يحمل لمحه من البراء، تسر الناظرين برؤيتها، يحبها الاطفال ربما لتشابههم في لمحات مختلفه،حتي في حزنها، تشبه اللوحات القديمة لإمراه حزينة بشعر منسدل تسير حافية في غابه ومن أسفلها أوراق الشجر المتساقط في فصل الخريف. 
مناقضه تماما لدهب، ذات الجمال الشرس، والعينين المتلاعبتين، والسحر الذي يخضع له اي ما كان، مناقضة لجنونها،غيرتها، قوتها،ربما لو اجتمعوا بجلسه لعلمتها دهب فنون الاغواء والحب والسحر،الذي اوقعته به ثم فرت من بين اصابعه كالماء. 

امتلئت المشفي بالصحافه، لتغطيه خبر محاوله اغتيال رجل الاعمال قاسم عمران، وبصعوبة سيطر الأمن عليهم مع التنبيه لمكان وجودهم خارج اسوار المشفى، لخصوصيه المرضي وعدم ازعاجهم، ومن بينهم الذين حضر كان كمال، لم تراه فيروز فأتجه لموسي متسائلا عن حالة قاسم، فأخبره بإيجاز عن حالته، وبهدوء قال موسى:
_ماتوقعتش تكون هنا بالسرعه دي خصوصا بعد عدواتك الفتره الاخيرة مع قاسم 
التفت اليه كمال بقوة و اجابه:
_قاسم كنت بعتبره ابني،كان له مكانه في قلبي خسرها لما اتعدي علي عرضي
نفي موسي وقال:
_ماكنش يقصد ده، قاسم بيحب فيروز
جابهه كمال بضيق:
_قاسم ماعملش ليا أي حساب،حتي لو بيحبها يبقي يجي يطلبها وياخدها بالطريقه اللي تليق بيها وتخلي راسها مرفوعه، مش في الدرا، قاسم سرقها من بيتي يا موسى
صمت موسى ولم يجد الإجابة المناسبه،لكن من متي كان قاسم متعقل في شئ يخص فيروز، هو الذي يُعرف بحكمته وإدارته للامور،كان معها متخبطً ومتسرعًا، وايضا محب حد الجنون. 
فاتسائل موسي بحيره:
_امال جيت ليه ؟
_علشان بنت اخويا، وعدتها هاكون دايما جمبها، وعلشان للأسف اطمن عليه
شبح ابتسامه ارتسم علي وجه موسي، كمال شخصيه رائعه، بكل ما يملكه من نزاهه وضمير حي، إلا أنه  ايضا طيب القلب وصاحب مبدء، لم يتغير بالمال مثل النفوس الضعيفة، ويظهر ان قاسم عليه ان يحاول ارضاءه هو الاخر. 
تنهد موسي ورفع رأسه لأعلى، لم يصدق ماحدث لصديقه، بمجرد ماوصله الخبر أول سؤال خطر بباله، هل هو حي؟ 
يجب عليه أن يكون كذلك، من أجل نفسه ومن اجل زوجته وصديقه وحتى شقيقته التي ربما لم تعلم للان، كان بداخله يلح بالدعاء والقلق والخوف، متضرعًا لله ان ينقذ صديقه الوحيد وأخيه. 
،................... 
في غضون دقائق قليلة كانت فيروز علي أعتاب غرفة قاسم، اهتز جسدها وشحب وجهها اكثر من فرط الأجهزة المدسوسة بجسده، لم تكن يوما بالجريئة المقدامة لتواجه مشهد كهذا، لكنها ابدا لن تتراجع. 
دنت حتي اصبحت قريبة منه،لامست كفه بأصابعها المرتعشه،وتغلب عليها البكاء،ووجه شاحبًا، وعينيه الواسعتين الخضرواين الخطيرتين مغلقتين، وجسده ساكناً ،لا يصدر من الغرفة سوى أصوات الاجهزة، وتنفسها المضطرب،وجدت يده بين راحتي يديها، وبهمس شديد نطقت باسمه:
_قاسم
ثم تابعت همسها الباكي:
_أنا خايفة، إزاي تكون مصدر خوفي وأماني في نفس الوقت، في اللحظه دي، محتاجه إنك تكون موجود،من اول مادخلت حياتي وكل حاجه اتغيرت، مش بمزاجك تمشي وتسبيني دلوقتي بالذات،ماتسبنيش
ثم وضعت جبتها علي يديه واستمرت في بكائها للحظات، حتي شعرت بأصابعه تتحرك ببطئ علي يدها، فارفعت رأسها بسرعه أليه، رأته يجاهد لفتح عينيه لكنه لم يستطع، ثم همس بمجهود شاق عليه
_متخافيش
ولم تكن المرة الاولي يقولها، لكنها كانت اكثرهم املآ لها، انحنت عليه اكثر حتي اقتربت من وجهه هاتفه بأسمه بلهفه وأمل، فكان آخر شئ همس به قبل غيابه عن الوعي مرة اخري كان اسمها. 


تعليقات