رواية مع وقف التنفيذ الفصل الثلاثون
في مساء اليوم التالي دخل فارس مكتب الدكتور حمدى بعد أن هاتفه وطلب منه الحضور على الفور لأن والدهاني قد جاء إلى المكتب وينتظره هناك .... طرق فارس باب حجرة مكتب الدكتور حمدى ودلف إليه وهو ينقل بصره بين الدكتور حمدي ووالدهاتي الذي كان يقبع أمام حمدى وقد ظهر حول عينيه السواد من شدة الإرهاق والاكتئاب الذي يعانيه منذ أن حكم على ولده بأحالة أوراقه للمفتى ....
جلس الرجل يستمع إلى فارس وهو يقص عليه ما حدث معه منذ أن دخل مكتبه أول مرة.
وطلب منه الدفاع عن ابنه هالي في قضية القتل كان يستمع إليه وهو محدق به تتسع عينيه
شيئاً فشيئاً غير مصدق ما تسمعه الله حتى انتهى فارس قائلا:
يعنى من ابنك لوحدة اللي اترمى في السجن بسبب القضية دي ... أنا كمان الرميت ظلم وده
الفرق بيني وبين ابنك
ضافت عيني الرجل وهو يقول بدهول :
يعني مراتك هي التي عملت كل ده لوحدها بعد ما رميتك في السجن هي و وائل
اوما فارس براسه وقال باسی :
- أبوا مراتي ووائل
صاح الرجل بانهيار :
يعنى مراتك تتمتع بالفلوس وانا ابني يتقدم واخسره
رفع فارس رأسه إليه وقال بجدية :
ومين قالك انها هتتمتع بالفلوس ... دى زورت أوراق رسمية يعنى هتتحبس هي واللي ساعدها
دفن وجهه بين كفيه وهو يبكي هاتفاً :
وابتی يا ناس .. ابنى هيروح مني
مال فارس للأمام وقال بهدوء:
الحكم ده من نهائي ... ده غير أن المحكمة هتراعي انه اعترف على نفسه
رفع رأسه ونظر إليه وهو يضرب كفيه بحسرة :
یعنى كل التعب اللي تعبت فيه ده كله وانا يربيه وبكبره وصرف عليه وبعمله اللي هو يريدة وفي الاخر ياخد مؤبد ولا اعدام ... ليه كده يا هاني انا قصرت معاك فایه یابنی
تبادل فارس مع الدكتور حمدى النظرات المشفقة على الرجل وانحنى فارس باتجاهه وريت على
كتفه قائلا:
التربية مش معناها انك تديله فلوس وتخليه مش عاوز حاجة ... انت كنت مخصصله شقة بتاعته من غير رقيب ولا حسيب على تصرفاته .. أنت اديته في أيده الأداه اللي دمر بيها نفسه
وانت فاكر انك يتسعده
مسح الرجل دموعه وهو يقول بحزن
أنا كنت بقول ده راجل مش بنت علشان أخاف عليه
ريت فارس على كتفه وقال :
الحلال والحرام مفيهوش راجل وست ... كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.. أنت لو كنت ربيته على الحلال والحرام كنت كسيت راجل في ظهرك دلوقتي يقف جنبك ويساندك...
نهض الرجل بتثاقل وقد شعر أن جبلاً قد وضع على ظهره فلم يعد يحتمله وقال بوهن :
متشکر یا دكتور فارس ... پس انا فوقت متاخر اوى بعد ما ابني ضاع مني وماليش حيلة خلاص
وقبل أن يخرج من حجرة المكتب تبعه الدكتور حمدى مريداً على كتفه مطمئناً له وقال :
متقلقش زي ما قالك فارس الحكم مشر نهائي
أوما الرجل برأسه حزناً وهو يشعر بالضياع .. لم تنفعه أمواله في أن ينشيء رجلا حقيقياً يعتمد عليه في مراحل عمره المتقدمة ومرضه الذي بدأ يزحف إليه رويداً رويدا .
بعد خروج الرجل من مكتبه أخرج فارس جواب استدعاء من النيابة وقدمه للدكتور حمدى قائلا:
الاستدعاء ده جالي النهاردة الصبح عنشان قضية التزوير قرأ الدكتور حمدى جواب الاستدعاء وهو يومي، براسه ثم قال :
ده كان متوقع يا فارس طبعا ... متنساش أن أسمك في التوكيل أول أسم ....
من شفتيه قائلا:
عموما متقلقش في أكثر من اثبات أنك مكنتش شغال القضية دي
تشهد فارس بعمق وقال :
أنا مش قلقان يا دكتور ... أنا عارف الى هطلع منها بسهولة ان شاء الله .. أنا هروح بكره واحط
أقوالى وربنا ييسر الأمر والموضوع يخلص على كده
نظر له الدكتور حمدي بإشفاق قائلا:
معلش يا فارس أنا عارف أن اللي حصل من سهل عليك وصدمتك في مراتك مش قليلة بس انت قدها ومنتجاوز الأزمة دى بسرعة في عادتك دايما ...
تم ابتسم قائلا :
وبعدين عندي ليك خير حلو هينسيك كل ده
نظر فارس إليه بفضول فقال حمدى على الفور يمرح :
هو انت يا بني مش معاك الدكتوراة ولا أيه
أوما فارس برأسه وهو ينظر إليه بفضول كبير فأردف الدكتور حمدي قائلا:
طب استعد بقى علشان تستلم شغلك في الجامعة يا دكتور
حدق فارس به غیر مصدق وعلى وجهه ابتسامة وقال بسرعة
بجد يا دكتور
أبتسم الدكتور حمدي وقال بخشوع
ربنا كبير أوى يا فارس
كانت عبير تضع الأطباق على المائدة وقد ارتسمت ابتسامة رضى على شفتيها تم ضحكت
ضحكة صغيرة وهي ترى بلال يمرح مع الأولاد ويداعبهم ويقوم بتعليمهم الملاكمة وهم يتدربون فيه, فمنهم من يلكمه في معدته ومنهم يلكمه في وجهه ومنهم من يقفز على ظهره
ويلكمه في ساعديه وهو يصرح بمرح ويصيح :
الحقيلي يا عبير ولادك هيموتوني
ضحكت وهي تقول :
أحسن .. أنت اللي علمتهم
تم صفقت بيدها وهي تقول للأولاد
بالا يا ولاد أدخلوا صحوا تينة علشان تتعدى سوا
ولكنهم لم يعبأوا ظلوا يتكمونه ويضربونه ولكنه استطاع أن يقلت منهم جميعاً ويهرول بأتجاه
عبير وهو يصيح بمرح
-الحقوني هيموتوني
وهم يهرولون خلفه ويضحكون بشدة ... جرى بلال حتى وصل إلى عبير ولف خلفها وأحاط خصرها من الخلف وهو يحتمى يجسدها منهم وكلما جاؤه عن يمينه أدارها ناحية اليمين واذا جاؤه عن شماله أدارها باتجاههم وكأنها دمية يلعب بها وهي تضحك ولا تستطيع الفكاك من
ذراعيه المحيطة بها ... خرجت أم بلال من غرفتها على أصوات الضحك ونظرت إلى بلال محدقة به وهو يحيط عبير من الخلف ويضمها إلى صدره والأولاد يضحكون وهي تضحك ....
نظر بلال إلى والدته وقال :
لا أرجوكي يا أمي متفهمنيش غلط
حاولت عبير فكاك يده من حولها وهي تشعر بالخجل وهو مازال مطبقاً عليها بقوة لا يريد تركها
فصاحت في والدته :
الحقيني يا ماما خاليه يسيبني
جلست والدته على الأريكة وهي تهتف به :
سيبها وبطل استعباط
نظر الأولاد إلى بعضهم البعض وكأنهم يقررون خطة ما لفك أسر والدتهم ... الدفعوا بقوة نحوهما وسقط السنة أرضا وسط ضحكات عالية ... استطاعت عبير أن تتحرر وتنهض مسرعة تجرى باتجاه المطبخ وهي تصبح :
حرام عليكوا الأكل هيتحرق
دخل بلال خلفها بعد أن أعطى والدته دوائها ووقف خلفها ينظر إليها وهي تعد الطعام والعرق يثبت على جبينها من الأبخرة المتصاعدة في وجهها وهي نزيل غطاء القدر ونقلب فيه بهمة وتتذوقه لتشعر بالرضا تجاهه .. وضعت الغطاء مرة أخرى والتفتت لتجده واقفا بشاهدها قالت
وهي تضيق عينيها :
نعم يا فندم جای تكمل هزار هنا ولا آیه
ضحك وهو يقول :
لا والله مش قصدي
ثم تقدم منها ومسح حبات العرق التي تجمعت على جبينها وقال :
أنت بتتعبي أوى يا عبير .. أنا مش عارف من غيرك كنت هعيش ازاي
نظرت له يحب وقد تناست تعبها تماماً على أثر كلماته العذبة المقدرة المجهودها وقالت :
أنت كمان ينتعب في شغلك
هز رأسه نفياً وقال :
لا انا لازم أساعدك قوليلي اعمل ايه و هتلاقيني فوريره على طول
قالت يخجل :
ممكن تحضر الأكل معايا بس
رفع حاجبيه قائلا بدهشة :
پس کده
أومأت برأسها فانحنى يخفة أمامها وهو يقول باحترام مرح :
- تحت امرك يا مولاتی
ضحكت وضربته بخفة على كيفه تم أعطت أحد الأطباق في يده قائلة :
- أتفضل بقى للخلف دور
التقوا جميعاً حول المائدة وشرعوا في تناول الطعام ولكنه فجأة ترك الملعقة من يده لتصدر صوتا عاليا وهي ترتطم بالطبق أمامه وعقد جبينه هاتفاً :
ايه ده يا عبير ايه الأكل ده
نظر الجميع إلي وقالت عبير بتوتر :
أيه ماله
عقد جبينه أكثر وقال بصرامة
طبيخ ده ولا بسبوسة
تذوقت والدته الطعام وقالت :
ما هو كويس أهو يابني
بينما قالت عبير باضطراب :
- بسبوسة ازاى يعنى
التفت إليها بنفس الصرامة وقال :
المعلقة يا هانم اللي دوقتي بيها الأكل ولمست بوقك .. حطتيها في الحلة ثاني علشان كده
الطبيخ بقى مسكر
رفعت عبير حاجبيها بينما نظرت له والدته ثم ضحكت وقالت :
والله انت عاوز علقة
ثم نظرت تعبير وقالت :
الله يعينك عليه يا بنتي .. أنت مستحملة رخامته دی ازای
زفرت عبير وهي تقول :
الله يسامحك يا بلال خضتني أنا قلت حطيت سكر بدل الفتح
ضحك وهو يمسك بيدها ويقبلها وهو يقول :
مش انا قلتلك قبل كده أي حاجة بتمسكيها بتبقى مسكره
قاطعه أحد الأولاد قائلا:
أبي أنا عاوز حته من الفرخه دى
نظر له بلال وقال العبير :
الواد ده طالعلي .. بياكل بضمير أوى
بعدما هدأت الضحكات قالت عبير وقد تبادلت النظرات مع أم بلال :
بقولك ايه يا بلال أنا عندي فكرة كده يارب توافق عليها
ابتلع الطعام وقال :
- خير يا حبيبتي
أيه رأيك تعلمني الحجامة زى ماما كده ... وتعمل جزء في المركز الستات ... الحجامة ابتدت تنتشر والسنات مش لاقية واحدة ست تعمل عندها .
فكر بلال قليلا ثم قال :
طب والبيت والولاد
تدخلت والدته قائلة :
أنا مساعدها وهنتبادل الشغل وبعدين يعنى مش هتبقى زحمة .... الناس لسه لحد دلوقتي
ميعرفوش فوايدها ومش هيبقى فيه أقبال كثير وخصوصا في الاول كده ....
اردفت عبير قائلة :
حتى لو بقت زحمة ممكن لجيب ممرضة تساعدنا
نظر بلال إليهما وقال :
شكلكوا متفقين وانا آخر من يعلم
اتبادلت مع أم بلال النظرات الفلقة فقال بهدوء :
بصى يا عبير أنا مش ضد شغل الستات بالعكس ... الست ممكن تفيد الست اللي زيها ... علشان كده أنا نفسى الدكاترة الستات يبقوا أكثر من كده ويبقوا في كل التخصصات
قالت بفرحة :
يعنى موافق
أشار بيده قائلا:
موافق بشرط ... آن ده ميأترش على بيتك وولادك
أومأت برأسها بفرحة وهي تنظر إلى والدته التي ابتسمت بسعادة وهي تنظر إلى عبير بامتنان . فلقد كانت هذه رغبتها هي ولكنها خشيت من رفض بلال الفكرة خوفا على صحتها وسنها المتقدم كانت تشعر أنها لابد أن تفعل شيء تخدم به الناس من حولها، لن تظل هكذا حبيسة الجدران تهتم بأحفادها وفقط لابد أن يكون لها دور في المجتمع مفيد وهي وسط النساء بجوار زوجة ولدها التي تعتبرها ابنتها منذ أن رأتها في بيت والدها، فهناك أناس يموتون منشعر بعد موتهم يفقد الكثير والكثير وهناك أناس يموتون فتتفاجيء بأنهم كانوا لا يزالون أحياء.
وقت فارس ماثلاً أمام النيابة يدلى بأقواله في القضية وهو يذكر كل تفصيلة مرت به في هذه الأثناء، وبعد أدلاء سكرتير النيابة باعترافاته وأنه فعل ذلك بعد تحريض من وائل وأنه استلم المال من دنيا يداً بيد بشكل مباشر وأنه لم يتقابل مع فارس ولم يراه من قبل .. خرج فارس من
وهو في طريقه في الرواق امام مكتب النيابة تقابل مع دنيا ووائل وهم في حالة مدربة ومن
الواضح أنهم قد تم حبسهم على ذمة التحقيق .. نظر لها فارس بازدراء و اطرقت هي برأسها أرضا تخشى من مواجهته حته الدكتور حمدى على عدم التوقف والحديث معها ولكنه لم يفعل
وقف أمامها قائلا :
أنا عمري ما عملت فيكي حاجة وحشة, ومغصبتكيش علشان تتجوزيني، ليه وافقني على كتب الكتاب وانت رافضائي بدل ما كنت تهربي من امك كنت كلميني وقوليلي مش عاوزاك صدقيني كنت محترم ده وانسحب من حياتك بهدوء كنت وفرتي علينا سنين ضاعت في
لا شيء .
صمتت واطرقت إلى الأرض تريد أن تبتلعها الأرض في أحشائها ولا تقف أمامه مثل هذا الموقف
سمعت صوتا من الخلف يقول :
حمد لله على سلامتك يا دكتور
التفت فارس ودنيا ليجدا حسن الذي اقترب منها وقال :
من كنت وقرتى على نفسك البهدلة دي
حدقت به وقالت صارخة :
يعني أنت ليله مش کده أو ندل
أبتسم حسن وقال لها :
على المحامين
مش انت اللى مسمعتيش الكلام وكنت عاوزه تاخدى نص الفلوس لوحدك .. اديكي متصرفيها
ثم نظر إلى فارس وقال يزهو :
انا اللي بعتلك الجواب مع دکتور فارس علشان اعرفك الحقيقة
أحتقن وجه فارس وهو يسمتع الحديث الذي يدور بين حسن ودنيا وشعر أنه سيتقياً ما في
معدته من فرط التقزز الذي يشعر به تجاهمها وتجاه ما يقولان ...
دفعها أمين الشرطة تجاه مكتب وكيل النيابة لتدخل إليه تستكمل التحقيقات بينما التفت إليها فارس وناداها قائلا :
العالم
التفتت إليه بنظرات متسائلة وعيون باكية .. فقال بهدوء :
أنت طالق
واستدار يجسده إلى حسن الذي كان ينظر إليها بشماتة .. فأمسك بتلابيبه ودفعه بالاتجاه الآخر
وهو يصيح به :
أمشى من هنا يا ديل الكلب انت
نظر الدكتور حمدى إليه متسائلا وهو يقول :
أيه علاقة حسن باللي بيحصل يا فارس
أطرق فارس برأسه وهو يحركها يمينا ويسارا قائلا بأسف
- معلش يا دكتور أنا تعبان ومحتاج أروح دلوقتي
وضع حمدي يده على كتف فارس وقال متفهماً :
روح أنت أرتاح .....
ثم أبتسم وهو يقول :
بس أعمل حسابك بعد كتب كتابك على طول هتنزل الشغل ... ماني
ماشی یا دكتور
وقبل عقد القرآن بيوم واحد كانت عزة وعبير في زيارة مهرة التي كانت كانت تظن أن شمس اليوم التالي ستشرق من أجلها وأن القمر سينتصف السماء من أجلها، لا لينير الأرض كما يفعل
كالعادة ولكن سيحذو حذو الشمس وسيفعل ذلك لها وحدها .
قبلتهما فهرة وهي ترحب بهما في منزلها بسعادة وجلست أمامهم وهي تلاعب الأطفال وعزة تنظر إليها بدهشة بينما قالت عبير بمرح :
علشان تعرفي بس أن قلبي كان حاسس ها
ضحكت مهرة بخجل وهي تدفن وجهها بين الاطفال حياءا منها وقالت عزة متسائلة :
- بصراحة يا مهرة انا مستغربة أوى ... محدش كان يفكر أبدا أن العلاقة بينك وبين فارس تبقى أكثر من علاقة بنت باخوها الكبير
نظرت لها عبير معاتبة بينما قالت مهرة بخفوت :
أنا عمرى ما شوفت فارس اخويا .. كنت دايما بشوفه قدوتي واني نفسي ابقى زيه... حتى ساعات كنت بتمنى ابقى شبهه في الشكل من كتر منا كنت بحب اقلده في كل حاجة .. عارفة العلامات اللي يتبقى مرسومة على الطريق علشان ترشد الناس .. أهو كان بالنسبالي كده ... لاء ده انا كنت بحس انه هو الطريق نفسه اللي من غيره أضيع واتوه .
تبادلت عزة مع عبير النظرات وهما ينظران إلى شهرة وهي تتحدث بعيون حالمة وهائمة فقالت عبير على الفور :
أنا بكره إن شاء الله هبقى عندك من أول اليوم.. وهجيبلك الكوافيرة هنا في البيت وهجيبلك البنات اللي هيعملولك فرح في فرحى بالظبط مش انت فاكراه ولا نسيتي
نظر إلى سترته في المرأة متمماً عليها بقلق ثم خرج إلى والدته التي كانت تنتظره بالخارج ودار حول نفسه ببطء مستعرضاً حلته أمامها وقال متسائلاً:
ها ايه رايك يا ست الكل
أبتسمت والدته وأقبلت عليه وقبلته بعينين دامعتين وقالت :
- زي القمر يا حبيبي
قال على الفور :
تفتكري معجبها كده
ضحكت وهي ترفع كتفيها وتنزلهما قائلة :
أنت عاجبها من زمان ... من ساعة ما كانت في اللغة
قبل يد والدته ولف ذراعه حولها قائلا:
تصدقي يا أمي مشوفتهاش من ساعة ما رجعت غير مرة واحده لما كانت في البلكونة.. ومن ساعتها مش عارف اشوفها ولا حتى صدفة .. مش عارف مكسوفة مني كده ليه.. كأني غريب عنها .. كأنها متعرفتيش ... مش عارف اخاليها تاخد على الوضع الجديد ده ازاى
أجلسته والدته على الأريكة وجلست بجواره وقالت بجدية :
أنا عاوزة اقولك كلمتين يا فارس تحطهم حلقة في ودنك .
اعتدل وبدا عليه الاهتمام وهو يستمع لها وهي تقول :
- قهرة يابتي بالنسبالك مش هتبقى مراتك وبس .. دي كمان هتبقى بنتك ولازم الاخد بالك من كده وانت بتتعامل معاها .... أنا عارفة ان فارق السن بينكوا مش كبير ولا حاجة .. أنا بيني وبين ابولا الله يرحمه 15 سنه وطول عمره واحدا متفقين الحمد لله لحد آخر لحظة .. عارف ليه يا فارس ... علشان ابوك طول عمره كان حنين ومكنتش بحس أنه جوزي وبس كنت يحس اني بنته بیدینی حنان الأب زي ما بيديني حب الزوج ... فاهمني يا فارس
اوما برأسه وهو يحاول استيعاب نصائحها فقالت متابعة:
لو عملت كده مراتك هتحبك أكثر واكثر.. وهتبقى أغلى حاجة في حياتها ومش هتقدر تزعلك أبداً
ابتسم ونهض يقبل رأسها قائلا:
ربنا يخليكي ليا يا أمي... ممكن بقى تطلع أحسن من ساعة ما قولتليلي كلمة مراتك دي وأنا عاوز اطلع مش عارف ليه
ضحكت والدته بشدة وهي تضع يدها على قلبها وتقول :
سبحان الله كأني أول مرة اشوفك يتتجوز فيها كأنك واحد تاني خالص
أخذ بيديها يساعدها على النهوض واتجه بها نحو الباب وقد فاضت نظرات الحب من عينيه
وهو يقول :
صدقيني يا ماما .. أنا كمان حاسس انى أول مرة بتجوز وأول مرة بحب
تزينت مهرة حتى أصبحت تبدو أكبر من عمرها الحقيقي ووقفت تنظر لزينتها بالمرأة وهي تستغرب شكلها الجديد وهيئتها شردت بعقلها بعيداً وتذكرت يوم عقد قرانها على علاء ذلك اليوم الذي لم تنظر لنفسها فيه في مرأتها أبدا, ولا تعرف كيف كان يبدو شكلها وقتها .
لم ترى إلا فستانها وهي تنظر إليه عندما كانت مطرقة برأسها حتى لا تراه وهي تجلس بجواره مطرقة يرأسها حزناً .. تذكرت كيف أبدت موافقتها على الزواج منه بدون عقل واعي رغم النفور الذي شعرت به تجاهه عندما تقدم لخطبتها ...
نطق لسانها بالموافقة رفض عقلها وقلبها ... حدقت بوجهها في المرأة أكثر وقد تذكرت الطريقة التي كانت تتعامل بها مع علاء, لم تعتبره يوما زوجها حتى أنها لم تظهر أمامه الا بالملابس المحشمة وبالحجاب ...
له برى شعرها رغم الحاجة الدائم، كانت ترفض دائما لشعورها أنه غريب عليها لا تعرفه ولا تطيقه ... كانت تعتبر رفض قلبها له دليل على عدم صحة زواجهما، لذلك هو ليس زوج ولا حتى خطيب .. كان طلاقها تحصيل حاصل سيحدث في أي وقت ولكن في أي حال من الأحوال ما كانت ستكمل معه مشوار حياتها ابدا .
كانت تراه مختطف قد اختطفها من بيئتها التي نشأت بها يريد أن يقذف بها في مجتمع آخر غريب عليها خالي من دفىء المشاعر التي اعتادت عليه في مجتمعها الصغير مجمتعها التي
تربت ونشأت فيه وأحبته بكل ذرة فيها .
انتفض جسدها فجأة عندما هزتها أمها بقوة هاتفة بها :
مالك يا قهرة سرحانة فإيه كل ده
أنتبهت إلى والدتها بعيون شاردة ولكنها عادت إلى أرض الواقع سريعاً وهي ترى عبير وعزة ووالدة فارس يدخلون غرفتها وقد ملات الضحكات قسمات وجوههم وعبير تقول :
الفرقة داخلة با مهرة ... أجهزى ببدلة الرقص
ضحك الجميع وبدأت البنات في الدخول إليها وجلست هي كالملكة بين الجميع تنظر إليهم وتضحك ببراءة وهم ينشدون وعبير وعزة يرقصان ويرتطمان في بعضهما البعض ويضحكان في سعادة وبعد قليل أخذوا بيد والدة فارس الترقص معهم ولكنها خجلت واحتضنتهم وخرجت من حلية الرقص وجلست بجوار شهرة وهي تربط على قدمها بسعادة وحب, ضحكت شهرة أكثر بحجل عندما أخذت عبير الاف من أحدى الفتيات وبدأت تنشد و هم يرددون ورائها
فارس حلم بتتمنيه
واللي حلمتي في يوم تلاقيه
بیگون و صفه يا مسلمة ايبيه
يلا قوليلنا ... يلا قوليلنا .. يالا قوليلنا واحكى عليه
ما تشوف عينه الا حلاله
ولا غير ريه بيشغل باله
ويطاطى ويراضي الوالد
والوالدة بتبات داعياله
ومصلى والمولى هاديه
أدى اللي حلمت انى الاقيه
قولي کمان أو صبيه عليه
فارس حلم بالتملية.
بيكون وصفه يا مسلمة ايه
يلا قوليلنا .. يلا قوليلنا .. بالا قوليلنا واحكى عليه
يتعب جسده ويعرق أكثر
ليرتاح قلبه الاخضر
وبيرجعلي بيضه نضيفة
نفسه عقيقة وزي السكر
و طبابته بتيان في عينه
ادى اللى حلمت انى الاقيه
قولي كمان يا صبيه عليه
فارس حلم بتتمنيه
بيكون وصفه يا مسلمة ايه
يلا قوليلنا .. يلا قوليلنا .. يالا قوليلنا واحكى عليه
بتمناه انه يقدرني
يبقى ولى القلب وأمرى
والليل لو يتطول أوقاته
پيشي ونيسي و نجم و قمري
وانا عمري عمري ما اعصيه
ادى اللي حلمت انى الاقيه
قمر العاطي انك تلاقيه
زی ما كنت بتحلمي بيه
واهو جالك دلوقتي الفارس
يسعد قلبك ويهنيه
يسعد قلبك ويهنيه
قمر العاطي انك تلاقيه
زی ما كنت يتحلمي بيه
واهو جالك دلوقتي الفارس
يسعد قلبك ويهنيه
يسعد قلبك ويهنيه
أما في الخارج وعند الرجال جلس فارس أمام والد مهرة وبدأ المأذون في اجراءات عقد القرآن .. نظر فارس حوله نظرة سريعة فلم يجد أثر لـ عمرو رغم وجود والدته وزوجته بالداخل ولكنه
لم يأتي حتى الآن .
كان يريد أن يكون عمرو أحد الشهود على الزواج ولكنه تأخر للغاية عن الموعد المتفق عليه .... لاحظ بلال نظرات فارس فنهض من مكانه وذهب إلى فارس وانحنى يحدثه في أذنه
قائلا :
- يتدور على أيه
همس له فارس :
- عمرو ألاخر أوى
أخرج بلال هاتفه واتصل به ولكن الهاتف مغلق ... أنحنى مرة أخرى وقال الفارس:
التليفون مقفول .. بس متقلقش يمكن الشبكة واقعة ولا حاجة وبعدين ده جای من سفر یعنی
يمكن السوبر جيت اتأخر على ما طلع
أوما فارس براسه بقلق وانشغل مع الماذون في الأجراءات حتى انتهى العقد وبدأت رحلة الأمضاءات الطويلة, أنهى فارس آخر توقيع له وارتسمت على وجهه علامات السعادة والفرحة والشوق والحب قد عبرت تسللت و انطلقت مرتحلة أخيرا من بين قضياتها بداخل قلبه والتنطق بها قسمات وجهه معلنة عن شوقها البالغ لزوجة العمر وشريكة الطفولة والصبي .. خرجت والدة فارس وأخذت الدفتر الكبير ودخلت إلى مهرة لتوقع هي الأخرى موافقة على أهداء عمرها وقلبها وكيانها له بدون منازع ولا شريك كما كان دائما، ولكن هذه المرة يرتبطان برباط مقدس لا ينفك بينهما أبدا برغبتهما... كانت توقع على العقد وبديها ترتعش وجسدها ينتفض لا تستطيع
تفسير هذه الحالة ... ربما من الجائز أن تقول عنها .. حالة حب !
أغلق الماذون دفتره وهو يدعوا لهما بالبركة والرزق وبدأ الجميع في ترديد الدعاء لهم خلف
بلال الذي كان يردد ... بارك الله لهما وبارك عليهما وجميع بينهما في خير.....
غادر المأذون وبعد قليل وقف بلال في المنتصف بين الجميع وقال بصوت عالى :
و دلوقتى چه وقت الامتحان وده للكل ها
نظر له الجميع بتساؤل فقال :
انا هسأل سؤال واحد ولازم الكل يجاوب عليه
بدأت الابتسامات تعلو الوجوه وبلال يقول :
هو سؤال واحد .... كل واحد فيكوا أنجوز ليييييه ؟
نظر له الجميع وبدأوا بالضحك فاشار لهم أن يصمتوا وقال :
مبهزرش انا عاوز اجابة
بدأ الجميع في الهتاف يمرح :
ايه يا عم ده.. ينتجوز علشان تتجوز
ينتجوز علشان تخلف ويبقى عندنا عيال
بتتجوز علشان أهالينا برتاحوا
بتتجوز علشان أمهاتنا دعوا علينا في ساعة عصاري
ضحك الجميع من أجابات بعضهم البعض، فتوجه بلال إلى فارس وأخذ بيده يوقفه وقال :
وانت بقى يا عريس بالتجوز ليه
ابتسم بلال وقال :
علشان افتح بيت مسلم و اخلف عمال أربيهم تربية صحيحة.. أنفع بيهم الدنيا والدين من
الانسانة اللي اخترها قلبي
صفق بلال بيديه فاستجاب له الجميع وصفقوا وهم يضحكون بينما قال بلال :
دی اجابه نموذجية يا جماعة
ثم نظر إلى والد قهرة وقال متعجبا:
ينفع بقى البنت اللى اخترها قلبه تبقى قاعدة جوا وهو قاعد مع الشنابات دي
ضحك الجميع مرة أخرى ونهض والد مهرة مبتسماً وهو يقول :
طلب استنى لما ادخل اشوف الطريق
دخل والد مهرة وطرق على الباب فخرجت له أم يحيى فقال لها :
على البنات تلبس علشان العريس عاوز يقعد مع عروسته شويه
ابتسمت ودخلت على الفور وقالت بصوت مرتفع :
يالا البسوا يا بنات العريس عاوز يدخل
احتقن وجه ظهرة وهي تبحث عن ملابس أو حجاب أو أي شيء
فضحكت عزة وهي تقول لها :
پابنتی ده خلاص بقى جوزك يا هيلة
ارتدت النساء ملابسها ووضعت عبير نقابها على وجهها وقبلت مهرة وانصرفت ... بدأت النساء في الأنصراف ونهض فارس ليدخل لحبيبة قلبه ليراها لأول مرة دون محاذر أو قيود أو خجل . ولكن تأتي الرياح دائما بما لا تشتهي السفن ... دخل والد عمرو وأخيه محمود وهو يهتف موجها
حديثه الفارس :
أحلقنا يا فارس يابني عمرو الفيض عليه وهو جاي في السكة
حدق به فارس و ابتلاع ربقه وهو يصيح به :
انقبض عليه يعنى ايه وليه
صاح والد عمرو وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة :
وهو جاي في السكة طلعت حملة تفتش السوبر جيت ولقوا في شنطته حنة آثار فرعوني
تمتم فارس بذهول :
- اثار فرعوني !!