رواية بحر ثائر الجزء الثانى الفصل الواحد والثلاثون 31 بقلم اية العربي


 رواية بحر ثائر الجزء الثانى الفصل الواحد والثلاثون 

بعد عدة أيام

يجلسان على ضفة النيل المضيئة والمؤنسة ، من خلفهما مياه النيل والمركبة الحافلة ومن أمامهما عربة بائع البطاطا الحلوة المبهجة والمضيئة لتلي عدة ذلك البائع أسمر البشرة يحمل ملامح جدوده المصريين ، يصدح صوت أغنية كوكب الشرق في المكان في جذب المارة نحوه ليتذوقون بطاطته اللذيذة.

) إلا عيونك إنت ، دول بس اللي خدوني ، وبحبك أمروني )

كانا يرددانها بأعينهما لبعضهما دون حديث ، يتناولان الحلوى باستمتاع بعدما قرر ثائر أن يحضرها إلى هنا بعد زيارة الطبيبة التي طمأنتهما على جنينهما ..

تنفست تنشيط وارتياحا ، وظلت تحدق به وتسرد له قصة طويلة تخبره بها كل شيء يشعر به نحوه ، بينما هو قرر أن ينطق وسط هذه الأجواء فقال :

غيرتي كل حاجة في عيوني ، حولتيني من راجل بارد عايش لمهمته وبس الراجل تاني خالص ماكنتش مصدق إنه هيخرج من جوايا ، اخدتي قلبي اللي كان عبارة عن كتلة تلج وحضنتيه ورجعتيه ينبض تاني يا ديما ، كل حاجة معاكي ليها طعم حلو ، حتى زعلك مني مريح كإنك بتخافي عليا من نفسك ، من يوم ما قابلتك وما بقتش شايل هم بكرة ، مطمن من ناحية كل حاجة ، أولادنا عارف ومتأكد إنك هتربيهم صح .

التفت ينظر للنهر ملاحظة يستطرد :

- زي ما ربنا وهب النيل ده لمصر إنت ربنا وهبك ليا ، زي ما النيل ده هو شريان الحياة للمصريين إنت شريان حياة وقلب ثائر ، بحبك يا ديما ، بحبك أوي

قالها تزامنا مع المقطع

( فات من عمري سنين وسنين شفت كتير كتير وقليل عاشقين ، اللي بيشكي حاله لحاله واللي بيبكي على مواله )

التمعت عيناها بالدموع ونطقت بارتعاشة استحوذت على شفتيها تأثرًا

بكلماته :

- ينفع كدة ؟ ده كلام تقوله قدام الناس ؟ المفروض أرد عليك ازاي دلوقتي ؟ اخدك في حضني إزاي طيب ؟ حتى الحضن قليل أوي عليك ، إنت كل حاجة في حياتي يا ثائر ، أنا رد فعل لحبك وحنيتك وخوفك عليا ، انا مش بعمل أي حاجة غير إني بدفعلك تمن السعادة والأمان والاحترام اللي إنت اديتهم لي ، وصدقني أنا لسة مديونة ليك لإني أنا دوقت طعم المعاناة والوجع كويس أوي ، ربنا يخليك ليا ويحفظك لقلبي وتفضل طول العمر معايا ومع أولادنا يا حبيب عيوني وقلبي كله .

يعود قلبه لصباه حينما تهديه كلماتها فيقفز فرحًا مهللا بسعادة ويتجلى ذلك في نظراته ، يحدق بها ممتنا على ما يشعر به الآن ، لذا رفع كفها الخالي يلتمه فشعرت بالخجل والتفتت تنظر حولها في مال نحوها يردف بخبث سعادته :

ده مؤقتا بس لما نروح ، وسيبك من الناس وبصيلي أنا .

التفتت تعود له لتجده يغمز لها ثم نظر لطبق الحلوى وتساءل :

ايه رأيك في البطاطا بتاعة عم عبده ؟ عرفته من أسبوع وبقيت كل يوم وانا معدي لازم أكل من عنده وقلت لازم اجيب ديما هنا ، القعدة هنا ملهاش حل .

ابتسمت تبدي إعجابها وهي تتناول قطعة بالشوكة البلاستيكية وتردف بثقة وتباه قبل أن تضعها في فمها :

جميلة جدا ، بس اللي أنا بعملها في البيت أحلى .

ابتسم ولكزها بخفة يردف بسعادة :

- عارف، بس ما تبقيش من قطاعين الأرزاق .

ضحكت تومئ ثم عادت تحدق به وأردفت بترقب وتوتر بعدما هجمت عليها تلك الفكرة التي تديرها في عقلها منذ أن رحل ذلك الصغير مع إرتوا :

ثائر أنا كنت بفكر في حاجة كدة مش عارفة ممكن تظبط ولا لاء ، هو الأكيد تنفيذها صعب ومحتاج وقت ومجهود وتمويل بس عندي رغبة كبيرة وأمل إني أحققه في يوم من الأيام ، ينفع تسمعني وتقولي رأيك ؟

تأهب واعتدل يشجعها على الاسترسال قائلا :

- قولي يا ديما سامعك .

التقطت أنفاسها وبدأت تخبره :

- إيه رأيك في مشروع مؤسسة الأطفال الشوارع والأيتام ، بس مش مؤسسة لتأهيلهم بس ، أنا بتمنى تكون شاملة كذا قسم من بداية التأهيل والتربية والرعاية مروزا بالتعليم وصولا بالاستفادة منهم فيما بعد ، هنعلمهم تعليم صحي وسليم ، نعلمهم الإسلام المعتدل ، حب الوطن ، الانتماء له ، نعلملهم البرمجة والذكاء الصناعي في كذا مجال ، نفتح لهم خط إنتاجي خاص بيهم يشتغلو ويصرفو بيه على نفسهم بدل ممارسة التسول ، نأسسهم صح نفسيا وعقليا علشان يكبرو وهما بنفسهم اللي يحاربو الفساد والجهل والعادات السلبية ويقدرو يخدمو دينهم ووطنهم صح .


وجدته صامتا يستمع إليها بتركيز فتابعت بحماس :

مش شرط يبقى عدد أطفال كبير ، بس ممكن نشجع غيرنا يعمل زينا ، ناس كثير جدا بتحب تعمر وتستثمر في الأطفال وتبني الحياة ، أنا عارفة إن مشروع زي ده هيكون مكلف جدا بس أنا بفكر أتكلم مع يسرا وبسمة وداغر ودينا وصالح ، كلنا ممكن نشارك باللي نقدر عليه ونبدأ بتأجير مكان صغير ، وطبعًا هنحتاج لموافقة حكومية وأوراق معينة وده ممكن يساعدنا فيه المحامي ، والدعاية والإعلان عن المؤسسة دي هتتكفل بيها مجلتنا وفيما بعد لو حبينا نفتح باب التبرعات ونكبر المؤسسة ونضم عدد أطفال أكبر بس واحدة واحدة ، إيه رأيك ؟

راقت له الفكرة كثيرا وأحبها ولكنه عبس يردف وهو يهز منكبيه :

- رأي إيه بقى ما إنت جهزتي كل حاجة وحطيتي الخطة من الألف للياء أهو ، وجبتي اخواتك واصحابك وانا ولا عبريني .

مهما بلغ حبه لها ولكنه في نهاية المطاف زوجًا مصريا أصيلا لذا فإنها

ستتعامل معه كما يريد ، ابتسمت وربتت على كفه تردف مدللة :

إزاي بقى الكلام ده ؟ أومال مين اللي هيمسك الإدارة كلها ؟ مكان زي ده محتاج إدارة صح وشخص يكون حنين بس حازم في نفس الوقت ، ومافيش حد يقدر يعمل كدة غيرك ، قلت إيه ؟

نجحت في بث التفخيم به فهو يعشقه مادام نابعا منها لذا ارتضى وأردف مرحبا :

- هي فكرة ممتازة وانا ماعنديش أي اعتراض عليها ، بس تنفيذها زي ما قولتي مش سهل ، هي مش هتقتصر علينا بس ، دي محتاجة موظفين ومعلمين وناس أصحاب خبرة ، الموضوع محتاج دراسة صح علشان ينجح .

أومأت مؤيدة تجيبه بحماس بعدما وجدت ترحيبه بالفكرة :

- طبعا إنت صح بس كفاية إننا نهتم ونسأل ونسعى ، وانا أول ما دينا وصالحيرجعو من العمرة هطلبهم واجمعهم كلهم عندنا واقترح عليهم الفكرة ونشوف هيقولو إيه ، لو فعلا الكل وافق هيبقى استثمار بشري ممتاز وساعتها هبقى مرتاحة ومطمنة على أولادي

أومأ لها بعيون ممتلئة بالفخر ، وأردف وهو يستعد للنهوض بعدما انتهيا من تناول الحلوى :

طب يالا نروح علشان الجو برد ، اسبقيني ع العربية هشتري بطاطا للأولاد واجيلك .

تبدلت معها 180 درجة ، لم تعد تهتم بها ولا بمتطلباتها بل تهتم بنفسها فقط ، كأنها نزعت قناعا ارتدته معها لسنوات ..

لذا فهي تشعر بالضيق والوحدة ، تختلي بنفسها في غرفتها ، فقدت شهيتها ، وذبلت ملامحها و رغم ذلك لم تهتم سها بها ولو بمقدار ذرة ، كل ما يشغلها هو الانتقام من تلك العائلة وأولهم أحمد وديما

اتخذتهما عدوان أساسيان ، فالأول صفعها وطلقها أمام الجميع ، والثانية سلبت منها الحياة التي كانت تحلم بها ، كلاهما يجب أن يدفعا الثمن ، ولكن كيف ؟

رن هاتف شمس فوجدته شقيقها لذا نهضت تلتقطه وتقف عند النافذة لتجيبه بنبرة باكية مجهدة :

ليل ، تعالى خدني يا ليل أنا ما بقتش مستحملة ، مامي تحولت وبقت واحدة تانية ماعرفهاش و .

نزعت الهاتف من يدها فجأة فانتفت شمس والتفت تحدق بها وهي تصرخ في ابنها عبر الهاتف قائلة :

- إنت بتتصل ليه دلوقتي ؟ مش اخترت تمشي ورا باباك ؟ خليك معاه ومالكش دعوة ببنتي ، انت سامع

أغلقت الهاتف ورحمته فجأة في الحائط فسقط منكسرا إلى قطعتين ونظرت لابنتها فوجدتها خائفة تنكمش لذا ارتدت قناع المسكنة وأردفت تستعطفها :

- عايزة تسبيني إنت كمان ؟ عايزة بعيدة وتروحي تعيشي مع اللي حطموني واتسببو في كل اللي بعيشه دلوقتي ؟

وجدتها متجمدة تطالعها بغضب فتابعت وهي تصرخ بجنون :

- ما تبصليش كدة، أيوة كنت بحب عمك ، وكنت بقرب منه وهو كان سامح لي بده ، ولما ابوكي طلب ايدي ولقيت عمك مبسوط انقهرت ، حطي نفسك مكاني ، هنتقهري زيي ، كان لازم انتقم منه ومن أبوكي اللي سمحلنفسه يتجوز واحدة قلبها مع اخوه .

رفعت شمس كفاها تغطي أذنيها فلم تعد قادرة على الاستماع ولكن سها لم تهتم بل تابعت :

هي دي الحقيقة اللي كلهم ​​رافضينها وعاملين نفسهم عيلة الشرف والفخر ، وبعدين أنا ما تهمتوش غير لما لقيت واحدة تانية قايلة عليه كدة ، يعني هو مكانش بريء ، اللي اتظلم في الحكاية دي هو انا ، وانا ما تعودتش أكون مظلومة ، علشان كدة وقع بينهم ومش ندمانة ولو رجع بيا الزمن هعمل

كدة تاني ، وانت هتفضلي معايا يا شمس وهتساعديني ارجع حقي ومش هتبعدي عني مش هتسبيني يا شمس

اندفعت خارج الغرفة وتركتها تقف عاجزة عن استيعاب ما قالته ، هل هذه المرأة هي نفسها والدتها ؟

نظرت للهاتف وانحنت تلتقطه ثم حاولت إعادة تشغيله وطلب المساعدة من شقيقها ولكنه لم يعمل ، تحركت نحو حاسوبها لتراسله عبر الانترنت فهي لم تعد قادرة على التحمل

بعد وقت في فيلا ثائر .

وقفت تودع والدتها التي جمعت أغراضها لتعود لمنزلها ، كانت ديما حزينة لمغادرتها فقط اعتادت عليها كثيرًا ولكن منال لها رأي آخر .

وقفت تجاور ثائر وتردف بعبوس :

- كنت خليتك للصبح يا ماما ، ليه مصممة تروحي دلوقتي ؟

نظرت لها منال بعاطفة ونطقت بحرج مستتر :

ما فرقتش يا ديما ، وبعدين داغر هو اللي صمم ومعاه حق ، انا بقالي هنا كتير اوي كتر خيركو يابنتي .

نطق ثائر معترضا يردف بصدق :

- كدة يبقى انا مش زي داغر عندك يا ​​ست الكل ، هنا بيتك وهناك بيتك والمكان اللي تحبي تقعدي فيه مفتوح لك في أي وقت .

مدت يدها تربت على كتفه بامتنان وطالعته بحنين تردف بنبرة صادقة :

- انت أحسن من الابن ، أنا عندك ماحستش إني برا بيتي لحظة ، ربنا يرضيك في أولادك .

ابتسم لها بلطف وأسعدته دعوتها الصادقة قبل أن يأتي داغر ويترجل من السيارة التي تركها أمام الفيلا ودفلف يخطو نحوهم ثم سلم على ثائر بحفاوة وعنق ديما التي لم يزها منذ زفافه ، على ملامحه وسامة العريس الخاصة وفي عينيه لمعانا بالبهجة ، التقط كف والدته ونحنى يقبله ثم عانقها يردف بحنين :

وحشتيني يا ست الكل ، أول مرة بعيدة عني المدة دي كلها ..

بادلته باشتياق ونطقت بعدما ابتعدت وهي تحدق بملامحه :

- ما انا سيباك في إيد أمينة ، وبعدين مش إنت عريس سيبك مني بقى ، بسمة عاملة ايه ؟

أوما يجيبها بحب و بنبرته المرحة :

- حلوة الحمد لله ، بس أنا وهي حسينا النص ولا عارفين ناكل لقمة حلوة من يوم الفرح ، مقضيينها دلفري ولا ليه طعم ، مش أنا قلتلك يا ماما أول ما جت تقعد معانا علميها الطبيخ ، عاجبك كدة يعني لا انا ولا هي بنعرف نطبخ

ضحك ثائر عليه وابتسمت ديما التي أردفت بترقب وشك نسبة لمعرفتها

بشقيقها :

- لاء بسمة شاطرة وأكيد حاولت بس تلاقيك مش مديها فرصتها يا داغر أنا عارفاك .

استنكر جاحظا يشير نحوه ويردف :

- أنا ؟ حرام عليكي يا شيخة ، دانا قاعد في البيت زي النسمة ماحدش سامع لي حس ، واسألها كمان

أردف ثائر بنظرة ثاقبة وهو يضع كفيه في جيبيه :

يابني مصدقينك مهو باين عليك اهو ، كلنا عارفين ومتوقعين داغر بعد الجواز هيكون عامل إزاي

ابتسمتا منال وديما على كلمات ثائر وعلى هيئة داغر ردا عليه ثم تحمحم ونطق مهربا :

- يالا يا ماما نروح أحسن بدل الظلم ده

ودعاهما وتحركا نحو السيارة يغادران عائدان إلى المنزل بينما نظر ثائر إلى ديما ونطق متساءلا :

- ماتيجي نعزمهم هنا يوم الجمعة ؟

ابتسمت تطالعه بحب متبادل ونطقت بترقب :

- خليها الأسبوع الجاي يكونو صالح ودينا رجعو ، ونعزم كمان بابا أمجد وماما علياء ، ونقول لاحمد وابنه ولا إيه ؟

قالتها بقلق ولكنها وقفت أمامه تضع كفيها على صدره كأنها تستلينه ليقبل فهي تلاحظ أنه بات على شفا لهفة من مسامحة شقيقه .

از درد ريقه وقبل أن يجيبها سمع صوت سيارة تقف أمام الفيلا وترجل منها رجل تقدم من البوابة ينظر نحو الحارس وقبل أن يتحدث وجد ثائر وديما يطالعانه بتعجب فنطق بعلو وهدوء مبهم :

أنا جاي اتكلم معاك يا ثائر

انتعشت ديما سعادة لمجيئه بينما أشار ثائر للحارس ليفتح قائلا بنبرة عالية :

افتح يا محمد ده اخويا

كلمته ردت السكينة المهاجرة إلى قلب أحمد فدلف منشرحا مستعدا للحديث معه ووقف يرحب بهما

أشارت له ديما نحو الداخل قائلة :

اتفضل يا احمد نورتنا

ابتسم لها بامتنان ثم نظر لثائر الذي تجلى الحنين في عينيه ونطق :

مش هاخد من وقتك كتير ، بس خلينا نتكلم يا ثائر ، خليني ارتاح لإني مش عارف ارتاح بقالي 14 سنة

نظرت ديما لثائر تومئ له فتنفس وسحبه معه نحو الداخل واضعا كفه خلف ظهره ومنع به نحو غرفة المكتب يردف :

- تعالى ندخل المكتب .

كان أحمد يسير معه بطاعة ولهفة للحديث معه بينما نطقت ديما بترقب قبل أن يدلفا :

- طيب اعمل قهوة ولا استنى شوية نتعشى مع بعض ؟

التفت ثائر ينظر لها بغمزة لمحت فيها السعادة ونطق قبل أن يختفي داخل الغرفة :

- استني شوية يا ديما

غابا عنها ووقفت تتنفس بارتياح وتدعو ربها أن تتم الأمور بصلاح الأحوال جميعها وإعادة الحقوق إلى أصحابها

جلسا للتو في منزلهما الجديد ، يستريحان بعد عمل شاق تحمله دياب الأيام كي ينتقلا.

ساعده يسرا بمقدرتها المستطاع فقد باتت منهكة في الآونة الأخيرة ولولا مساندته ودعمه لكان في حالة أسوء من هذه.

مد يده يلتقط جهاز التحكم يحضر التلفاز وسأل بترقب :

- يريد أن تتفرج على حاجة معينة ؟

تنفست من ثقب إبرة ونطقت وهي تريح رأسها على ارتفاع :

لا يا حبيبي هات اللي انت عايزه

أوماً وعبث بالجهاز يردف بحماس :

يريد أن يتفرج على الماتش ..

أومأت له وأغمضت عينيها تستريح ليعلن هاتفها عن اتصال لذا التقطه دياب ليرى المتصل فوجدها ديما نظر نحو يسرا التي رفعت رأسها تطالعه بترقب فناولها يردف :

- ديما .

اعتدلت حضرت الخط تجيب بتنهيدة مجهدة :

سلام عليكم ، ازيك يا ديما ، عاملة إيه ؟
أجابتها ديما التي تجلس مع ابنتها في الغرفة وتلعب بصلاتها والصغيرة في طريقها إلى النوم :

- الحمد لله يا يسرا ، إنت عاملة إيه ؟ خلصتو ولا لسة ، أنا قلت اطمن عليكي

أجابتها يسرا موضحة وهي تشير نحو دياب كي يخفض الصوت قليلا :

- أيوة الحمد لله خلصنا وسلمنا مفتاح الشقة النهاردة ، بصراحة يا ديما نفسيتي ارتاحت هنا أكثر ، اللي حصل هناك كان صعب أوي ، هو قصي خلاص كدة سافر فرنسا ؟

انزعج دياب من سؤالها عن ذلك الصغير وتنهد ديما تنشيط تتذكر ملامحه ونظرته لها لتجيبها بوضوح مبهم :

- أيوة يا يسرا ، ربنا معاه بقى و يتولاه .

أجابتها بعاطفة ولم تلحظ عبوس دياب :

- تعرفي يا ديما لو كان ينفع كنت اخدته ربيته ، أنا بحبه وهو مالوش أي ذنب في اللي رحمة عمله

التفت دياب يطالعها بنظرة عتاب ونطق بجدية :

هي اللي كان لازم تفكر في مستقبل ابنها يا يسرا ، هي ضربت نفسها ودمرته ، وبعدين تربية إزاي دا انت يا دوب رصيتي هدومنا في الدولاب ما بقتيش قادر تاخدي نفسك ، ياستي أحسن حل إنه يروح لأهل أبوه هناك.

تم تنهيدة بقلة حيلة لتجيبها ديما مؤكدة على بعض كلمات دياب :

أنا كمان ماكنتش حابة إن إرتوا ياخده أبداً، بس دياب معاه حق ، إنت مش هتقدري على تربيتة ، ودياب مش هيتقبله، ولا ثائر اتقبله.

أومأت يسرا ثم غيرت دفة الحديث تتساءل :

- الحمل عامل معاكي إيه ؟ أنا تعبانة أوي يا ديما ، ولحد دلوقتي لسة بدوخ جامد وبهبط بسرعة

أجابتها بمعرفة مسبقة :

طبيعي يا يسرا ده طفل بيتكون وبيكبر جواكي وبيستمد غذاؤه منك ، ربنا يكملك على خير يا حبيبتي ويقر عينكو بيه.

أمنت يسرا وتنفست مجددًا لتسترسل ديما :

- انا هقفل معاكي، سلميلي على دياب وهبقى اكلك تاني الصبح

ودعتها وأغلقت معها ونحنت تقبل صغيرتها التي عانقتها وغفت لتتسلل وتترجل من فراشها متجهة إلى غرفة التي لتراهما قبل أن تنزل إلى ثائر ربما انتهى من حديثه مع شقيقه

في ذلك الوقت

كانا يجلسان أمام بعضهما ، يسرد أحمد مشاعره لشقيقه ويعبر عن أسفه قائلا بحزن وانكسار :

- خلينا نفتح صفحة جديدة يا ثائر ، أنا عرفت غلطتي الكبيرة في حقك وصدقني أنا دفعت تمنها غالي أوي ، طول الوقت كان فيه صوت جوايا بيعاتبني وبيقولي انت غلطان وانت ظلمت أخوك ، بس كبريائي رفض يسمعه وفي النهاية أنا واولادي اللي دفعتنا التمن .

كان يحدق به بعمق ويطالعه وهو يعترف بذنبه وعلى ملامحه الخجل ليعاتبه ثائر بقلب منفطر :

- إنت عارف إنت كنت إيه بالنسبالي يا أحمد ؟ أنا ماليش أصحاب ، انا كنت بعتبرك إنت صاحبي وقدوتي وسندي اللي لو حد حاول يوقعني هسند عليه

بشيء من الاستنكار والغضب استرسل :

- بعد كل ده ألاقي الضربة جيالي منك إنت ؟ إنت وصلتني لمرحلة إني خايف اتعرف على حد أو اقرب من حد أو يبقالي صاحب ، عشت 14 سنة وحيد يا احمد ومكتوم وماحدش بيسمعني ولا حاسس بوجعي ، هونت عليك يا خويا قدرت لمدة 14 سنة تنام كل يوم وانت كاسرني كدة ؟

كلماته تسقط على روح شقيقه فتجلدها وتجردها من السكينة ، يتألم ويعترف أنه مذنب ولم يعد يعلم ماذا عليه أن يفعل كي يسامحه شقيقه لذا نهض يردف بروح مستنزفة ويأس تملك منه :

- صدقني لو ينفع اعوضك عن كل اللي عيشته مش هتأخر ، قولي اعمل إيه

وانا اعمله ، انا بس نفسي تسامحني وتديني فرصة ، نفسي نرجع إيدنا في إيد بعض زي زمان

نهض ثائر شاعرًا أن مشاعره تتجدد نحو شقيقه ، والضغينة التي كان يحملها نحوه تتلاشى شيئا فشيئا ، ولم يعد يريد أن يحمله فوق طاقته لذا وبدون سابق إنذار فتح ذراعيه له يحثه على عناقه فهذا الحديث آخر ما تبقى لديه من عتاب .

وقف أحمد للحظات كأنه يتأكد ثم أسرع يلقي بنفسه داخل شقيقه ، يتعانقان بقوة وعذاب وعاطفة أخوية جياشة ، يعبر كل منهما للآخر عن اشتياقه . دموعهما لم تستطع الاختباء أكثر من ذلك فانهمرت على كتفي كل منهما ليربت ثائر على ظهره بقوة ويردف :

هنفتح صفح جديدة، وانت كمان لازم تبدأ حياة جديدة.

هز أحمد رأسه بالموافقة وحلقت أسما على عقله لينطق ثائر محذرا بنبرة مبطنة بالخبث كأنه شعر به :

- اختار صح بقى المرة دي ، يا اما تسيبني انا اختارلك ، أنا بعرف اختار صحعنك .

ضحك أحمد من بين دموعه وابتعد يطالعه ويردف بنبرة مماثلة :

- ما تبقاش واثق أوي كدة ، انا وانت اختيارتنا الأولى كانت هم ، بس اختياراتنا التانية زي الفل إن شاء الله .

ابتسم ثائر بخبث وتساءل بشك يخفي علمه المسبق بأمر شقيقه :

- يعني إيه ؟ إنت بتلعب بديلك من ورايا ولا إيه ؟

لم يستطع أحمد أن يصبر أو يخفي عنه فقال بنبرة متلهفة يستدعي مساعدته :

- فيه إنسانة بنت حلال ومحترمة ، سألت عنها ولقيت كل خير ، بس للاسف هي حسمت الأمر لما عرفت إني متجوز

قطب ثائر جبينه وأجابه بترقب :

- بس انت طلقت .

أوما أحمد يردف بتيه وحيرة :

- أيوة بس فيه الأولاد ، وبردو مش عارف افاتحها تاني إزاي في الموضوع ، خصوصا إنها في المرة الأولى حذرتني من إني أحاول اتواصل معاها تاني

تنهد ثائر ووضع يده على كتف شقيقه وعادا يجلسان على الأريكة وقص له أحمد حكايته مع أسما ليردف ثائر بخبرة مسبقة بعدما سمعه :

لاء بص بقى إحنا في المسائل دي مش بمنشي دوغري ، قالتلك ما تحاولش يبقى نشوف طريقة تانية ، انا لو حيكتلك انا عملت إيه علشان اخلي ديما تجيلي فرنسا هتقول عني مجنون .

ضحك أحمد وتحمس وانشرح فؤاده بأمل يردف باستفزاز :

انت طول عمرك مجنون أساسًا

ابتسم بفخر وتباه ونهض يردف بثقة وهو يمنع نحو الباب :

- استنى بقى لما ننادي على مرات أخوك ، هي اللي هتحللنا المسألة دي من الأساس

ناداها فلم تسمعه حيث نزلت إلى المطبخ تعد لها سندويشة بعدما انحنى بالجوع ولكنها خجلت حينما تفاجأت به فوق رأسها التي كانت من مغموسة داخل الثلاجة .

نظر لها متعجبا وتساءل :

- بتعملي إيه جوة التلاجة يا ديما ؟

اعتدلت تبتسم وبسرعة بديهة أدارت دفة الحوار نحوه قائلة :

- إنت اللي بتعمل إيه هنا وسايب أخوك جوة ؟ طمني اتراضيتو ؟

ابتسم وانشغل بسؤالها عما كانت تفعل وتنهد بارتياح يخبرها :

ايوا يا ديما الحمد لله ، حاسس إن صدري خفيف وقادر أخد نفسي بحرية ، كان فيه غصة هنا طول الوقت من ناحيته ، بس خلاص اللي فات رميناه . زي ما قولتيلي قبل كدة وفعلا حصل ، وجه اليوم اللي بقيت قادر اسامحه

واحذف له كل الأذى اللي عشته بسببه .

سعدت من أجله وأغلقت باب الثلاجة واتجهت تعانقه وتضع رأسها على صدره كداعمة أبدية له فبادلها يشدد عليها ثم ابتعد يردف بترقب :

كان فيه موضوع كدة عايزينك فيه ، تعالي معايا نتكلم مع احمد وهتفهمي

أومأت له وكادت أن تتحرك ولكنها أوقفها يعدل من وضعية حجابها ويخفي خصلاتها التي تمردت ثم نظر لها برضا وتحرك سوا نحو المكتب .

تحمحم أحمد يبتسم لها فجلست وجاورها ثائر الذي أردف موضحًا :

- بصي يا ديما ، دلوقتي فيه واحدة معينة عايزين منك تكلميها وتحاولي تتواصلي معاها وتطلبي تقابليها بحجة شغل أو أي حوار بينكم ، هي مذيعة وأكيد تعرفك وتعرف المجلة وهترحب بمقابلتك ليها .

قطبت جبينها وبدأت مستشعر الأمر فتساءلت :

- أيوة بس ليه ؟ ومين دي ؟

نظر أحمد إلى ثائر وهجم التوتر على ملامحه ليستطرد الثاني بنبرة ثاقبة :

- دي يا ستي مذيعة اسمها أسما عبد الهادي ، ليها برنامج على قناة **** وبتقدم محتوى عن التنمية البشرية ونصايح إنسانية وكدة يعني ، أحمد بقالو فترة متابعها وأعجب بيها وعايز يدخل في الموضوع بشكل رسمي ، حاول مرة واتقابل بس أول ما عرفت إنه متجوز بعدت عنه ، وده شيء يحسبلها ، بس دلوقتي الوضع اختلف ، محتاجين منك مساعدة وتمهيد إنه يقدر يقابلها

ويتكلم معاها تاني.

توترت ديما ونظرت إلى أحمد الذي شعر بالحرج لذا از دردت ريقها تردف :

- تمام ، ما عنديش مشكلة نتقابل واتكلم معاها ، بس لو ترفض مقابلة مش هقدر اعمل حاجة .

التفت ثائر ينظر إلى زوجته بلوم ونطق بثقة :

- هترفض إزاي بس بعد كلامك معاها ؟ أنا متأكد إنك هتعرفي تقنعها .

حفزها فتنفست وتنشيط وأومأت ثم ابتسمت تردف موجهة حديثها إلى أحمد :

- ماشي ، هحاول علشان خاطرك يا احمد ، وبإذن الله ربنا يقدم اللي فيه الخير

شعر ثائر بالغيرة فتحدث يجذب انتباهها له :

- أحم هي الساعة كام دلوقتي يا ديما ؟

نظرت في ساعة الحائط المعلقة ثم عادت تطالعه بتعجب ولكنها أجابته :

- اتناشر إلا عشرة أهي

أومأ لها مع نظرات معنية بينما نهض أحمد يردف بحرج :

- معلش بقى أنا سهرتكو النهاردة ، هستأذن أنا ونتقابل بكرة إن شاء الله

خطا خطوة فأوقفه ثائر يردف بثبات :

- لاء إنت مش هتروح ، إنت هتبات معانا هنا وبعدين أنا وديما بنسهر عادي ، ولسة هنتعشى ، تعالى لما اشغلك فيلم لتوم هاردي انا عارف إنك بتحبه ، اتفرج عليه لحد ما نجهز العشا انا وديما

التفت ينظر لديما التي أومأت مؤيدة تردف بلطف :

- خليك مع احمد يا ثائر وانا هجهز العشا

شعر أحمد بالألفة والسكينة بينهما ولم يستطع رفض هذا العرض لذا تحرك معهما نحو الخارج وثائر يؤكد :

لاء هساعدك ، علشان اعمل لاحمد الشكشوكة اللي بيحبها بس لما اشغله الفيلم الأول .

تحرك مع شقيقه نحو غرفة المعيشة بينما ابتسمت ديما واتجهت نحو المطبخ تفكر في زوجها ، كأنه عاد لصباه ، مرخا وسعيدا بعودته لشقيقه ، كان يفتقده كثيرا ، كان حزينا منه بقدر محبته له ، ولهذا فهو الآن يتصرف بتلقائية نابعة من شدة سعادته بالصلح معه

صعدت شقتها للتو

كانت تشتاق للحديث مع منال لذا ما إن نهض داغر ينوي الصعود لشقته معها أخبرته أن يسبقها وأنها ستتبعه ، ولكنها كانت تراوغ ، فهي تشعر بالكثير من الملل خاصة وأنه يرفض خروجهما منذ الزواج ، لذا قررت أن تعاقبه وتجلس مع منال التي سردت لها الكثير والكثير واخذهما الوقت ولم تشعرا به .

دلفت غرفتها تتنفس بعمق وتنتظر عبوسه لها، وبالفعل كان جالسا على الفراش يتصفح هاتفه بوجه عابس ، لمحته ولكنها تجاهلته وتحركت نحو الخزانة تخرج منامة قطنية ثم تحركت نحو الحمام وأغلقت خلفها

زفر وتململ في جلسته يفكر ، يبدو أنها منزعجة ، هل يستمر في عبوسه أم يحاول التملق معها ؟ ولكنها وعدته أن تأتي خلفه ولم تفعل وظل هنا ينتظرها ولم تأت ، ألم تعد تتلهف عليه وترغبه كما يشعر هو نحوها دوما ؟

خرجت بعد دقائق من التفكير بها لتجده يحدق بها بقوة، تعمدت أن ترتدي ملابس مثيرة وخطت نحو مرآة زينتها تضع مستحضرات التجميل وعطرها ثم تحركت نحوه وتمددت على الفراش تجاوره ثم نظرت له وتساءلت بترقب :

- طبعا كالعادة مقموص ، بس أنا المرة دي مش هراضيك يا داغر لإن انت اللي مزعلني

سحبت نفسها لتنام وولته ظهرها فجن جنونه وانسحب بقلبه ومشاعره نحوها وتساءل بلهفة وهو يحاوط ذراعها ويتلمسه :

- أنا زعلتك ؟ انا اقدر ازعلك ؟

التفتت تواجه ونطقت بانزعاج تخفيه أسفل قناع الدلال :

- أيوة ، نفسي اخرج انا وانت نروح أي مكان مش راضي، حتى النهاردة بقولك خدني معاك وانت بتجيب خاليتو بردو رفض ، داغر أنا اتخنقت بجد وشيفاك مش حاسس بيا ، الأهم عندك مشاعرك وبس ، ولو سمحت يا داغر ما تحاولش تبرر لإن اللي بقوله ده هو اللي حصل فعلا .

عادت تلتفت للجهة الأخرى وأسرعت تلتقط دمعتها التي خانتها وسقطت ، لم تكن تنوي عتابا جادًا معه ولكنها بالفعل مضغوطة تشعر بتسلطه وتحكمه بها

جلس يطالعها ولا يعلم ماذا يفعل ، كلامها كان صادمًا بالنسبو له فليس هذا مقصده، هل بالفعل ضغط عليها وأحزنها بسبب حبه المبالغ فيه لها ؟ هل تطالبه بأن وزن منسوب شوقه نحوها ؟

از درد ريقه ونحنى يقبل كتفها ثم همس بنبرة حزينة وهو يعانقها بحب :

- أنا مش قصدي اضغط عليكي ولا اقيد حريتك يا بسمة ، ولو ده اللي وصلك يبقى انت مش فهماني ، ولو يا ستي يريحك أخف حبة من حبي ليكي ماشي هحاول ، بس انت ماتدنيش ظهرك تاني ، مش إحنا تكررنا مانزعلش من بعض ولو أي حاجة مضيقانا نتكلم فيها علطول ؟

زفرت بتنهيدة ورأف قلبها له وقربت نفسها تلتفت لتقابله فلمحت نظرة احتياج في مقلتيه لذا أردفت بنبرة لينة خافتة :

- أنا مش عايزاك تخفف حبك ليا يا داغر، أنا بس عايزاك تفهمني وتحط نفسك مكاني ، أنا كمان يومين بالضبط وهنزل شغلي وانت كمان ، وبطريقتك دي هنتعب ومش هنوصل لحلول ، لازم نعمل كنترول ومشي عليه ، أنا بحبك جدا بس مش بحب فرض الرأي والتجاهل الغير متعمد منك المشاعري . لو سمحت يا داغر ما تخلنيش أحس إنك فعلا بتتغير بعد الجواز ، إنت كنت ومازلت بطلي وحب عمري ، وعايزة أفضل محافظة على الصورة دي طول حياتي ، لو سمحت ما اتخذتلنيش

أسرع يعانقها ويبث فيها حبه وتلهفه وأسفه ويردد على مسامعها :

- خلاص حقك عليا ، أنا فعلا غلطان ، ماتخيلتش إن ده اللي يوصلك ، قوليلي أراضيكي إزاي طيب ؟ تحبي نخرج بكرا انا وانت نقضي اليوم كله برا ؟

لهفته لمراضاتها راقت لها وجعلتها تتنفس بارتياح فهو يثبت لها حبه وأيضا يثبت تهوره في هذا الحب لذا أردفت وهي تربت عليه وتبادله العناق :

- تمام ، خلينا ننام دلوقتي وبكرة ان شاء الله تطلع سوا نتغدا برا ونتمشى شوية قبل ما نرجع الشغل

قالتها بمغزى لتؤكد على عودتها للعمل لذا زفر بقوة وأومأ يسحب تخبطه من حزنها ويهدأ رويدا رويدا ليبتعد عنها قليلا ولكنه حرص على تقارب أنفاسهما وأردف وهو يحدق بها :

- ماشي ، اللي نفسك فيه هعملهولك ، بس تعالي نتفق على حاجة .

ترقبت كلماته وسألته :

- حاجة إيه ؟

تنهد بحرارة يفكر لثوان ثم أجابها :

- لما ترجع الشغل تنظم وقتنا ، وناخد يومين أجازة ما نخرجش فيهم من البيت خالص ، ونرجع سوا كل يوم، ونكلم بعض فيديو كول علطول كدة يعني ما هو انا بردو مش هقدر أبعد عن بطتي .

تعمقت في عينيه فلمحت ترقبه فأومأت له مبتسمة لذا أسرع يقتنص شفتيها بسعادة ويسرق منها مشاعر تتنافى مع حزنها منه ليعطيها مشاعرا تتناسق مع حبه وتعلقه بها

في غرفة ثائر

يتمدد على فراشه بجذع عاري وترتكز ديما على صدره المكشوف تحدق بعينيه وتتحدث معه عن أحمد وعن أسما ، يتلاعب بصلتها المتمردة تارة ويتلمس وجنتها أو شفتيها تارة أخرى ويتشرب العشق من ملامحها.

زفرت بارتياح تخبره بابتسامة وحب :

- الحمد لله أنا كدة ارتحت ، برغم إني متأكدة إن سها مش هتسكت ، بس أنا واثقة فيك .

ابتسم وعيناه تستعدان للغفيان يردف بنبرة هامسة :

- ولا تحطيها في دماغك ، دي عبارة عن بالونة هوا وقريب أوي هتاخد جزاءها

ربتت على قلبه ونحنت تقبل موضعه ثم عادت تطالعه لتجده يسترسل متسائلا بمكر :

- قوليلي بقى لسة مدععة وعضلاتك وجعاني ، محتاجة تفكيهم صح ؟

ضحكت عليه وصفته بخفة على وشمه لتنطق معترضة :
- لاء أنا كدة كويسة ، وبعدين عايزين نشيل الوشم ده يا ثؤورتي ، مش حابة اللي يشوفوه .

أوماً مؤيدا يجيبها :

- أنا فعلا ناوي اشيله ، ما بقاش ليه لزوم بعد ما لقيتك خلاص ، ما تيجي نعمله حفلة وداع .

قهقهت بخفة وتساءلت وهي تدثر نفسها في حضنه :

- ودي بتتعمل إزاي ؟

ابتسم ومال يضم أرنبة أذنها ويهمس بحبه وهو يحتفلها إليه :

نودعه ونبوسه ونطبطب عليه ، ده مهما كان عشرة بردو ، يالا ودعيه

تنفست تنشيط تهديف من روع مشاعرها التي اقتحمت جسدها فجأة من هذا الرجل الذي لم يكف ثانية عن جعلها تحلق انتظر توديعها لوشمه بحماش ونشوى، وكادت أن تهمس له بشيء لولا رنين هاتفه الذي يعلن عن مكالمة .

تأفأف ثائر وعبست ملامحه والتقطه ينظر فيه ليجده شقيقه لذا تبخر نعاسه واعتدل يجيب بترقب :

- ايوة يا أحمد ؟

شمس حاولت تقطع شرايينها ، تعالى معايا يا ثائر بسرعة


تعليقات