رواية بحر ثائر الجزء الثانى الفصل الثاني والثلاثون
الحياة سريعة، أسرع مما تتخيل، لن تنتظرك.
لذا قاوم، حاول ألا يخادع، وإن سقطت حاول أن تنهض سريعًا، لا تركض لإن الركوض أحد أسباب السقوط، بل سر على خطى
لا تنتظر الشغف بل اصنع شغفك بنفسك، كلما انحنى بالملل والكسل يداهمانك حاربهما بكل ما أوتيت من قوة، أنت في معركة لا يجب أن تخرج منها خاسر لأن الندم ينتظرك في الخارج ليعانقك دوما. (بقلم آية العربي)
إنها تشعر بشيء من الغربة، صقيعًا يتوجِل إليها مصطحبا معه خوفًا وقلقًا لا ينفكان عن عنقها.
سنوات بعددها وهي تظن أن بنفسك مثالاً يحتذى به في الأمومة، بل كانت تدعم فكرة أن المهمل هو والده، كانت تصدقها في كل شيء، كانت تكره جديها و حاولت علياء السؤال عنها وعن شقيقها انحنى بالنفور ، كانت تخشى أن تعيش تلك الجدة على قرارات والدها كما تفعلها بنفسك
لذا حلت بالقوة والمجابهة وسلحت شقيقها ليواجهان هذا الأب الذي تحركه كلمات الآخرين، شكلا سلاح ردع من صنع والدتي لمواجهة كل من يحاول المساس بأمنهما القومي والذي اعتقدت أنه يلتزم في المال والابتعاد عن بلدهم وعائلتهم وهويتهم الحقيقية
وثقت بوالدتها ثقة عمياء، وهل يجب على الإنسان أن يتحرى خلف والدتي ؟
سؤالا سألته لنفسها، إن لم تثق في نفسه فيمن تتق ؟ هي الآن فاقدة للثقة، آلت أمورها لدرب مسدود شعور مؤحش يحتل داخلها خاصة بعد ما سمعته للتو
بأنهما تتآمران مع رجل فرنسي لا يتعلمان هويته، يتحدثان معه عبر الهاتف ويخبرانه بمرتكب فعلتها عمها، ووكيل رغبة قاتلة في الانتقام، كذلك يطلبان مساعدته لتهاجر إلى فرنسا، وماذا عنها ؟ هل ستظل تعاملها كالدمية التابعة لها ؟
لتوقن أنها طوال خمسة عشر عامًا كانت داخل بالون ممتلئًا بغاز الخداع ، وظنت أنها حرة، وفكرت حولها وجدت سماء من الاختيارات، ولكن انفجرت سماءها بشكل مفاجيء وصادم لتجد نفسها خلف قضبان من صنع ذلك.
جلست على فراشها، عقلها يدور في فلك اليأس والخذلان، شقيقها ابتعد عنها لا إراديًا، يعيش حالة من التيه والتخبط واستنكار الواقع، ووالدها يبدو أنه ظنها لا تريده، وبات وحده مع تلك الخادعة.
تتمسك بشفرة حادة تستخدمها عادة لتنظيف بشرتها ، تقبض على معصمها، والأفكار تشبه دابة وتألقليها شيطان، يقودها كيفما يريد
كلما حاولت مقاومة هذه الفكرة السيئة احكم منها شيطانها، يوسوس لها أن هذا هو الخيار الأفضل، ربما بعد ما ستفعله ستعود بنفسها إلى رشدها، لذا لم تعد تنتظر لحظة، بل أغمضت عينيها، وضعت الشفرة على معصمها ونحرته، لتندفع منه الدماء في مشهد جعلها ترتعب وتتجمد بعينيها الجاحظة التي تسلطت على الجرح لثوان حتى تصبغ ملابسها وملاءة السرير البيضاء بدمائها، وشعرت أنها تختنق وهناك يد خفية تسحبها للمجهول فنادت قبل أن تخشاها:
- ماما .
سمعتها سها التي كانت تجلس في الخارج في كلمات إرتوا لها، عباً الملل تقاسيم وجهها وصاحت بتهكم وهي تقبض على مسندي المقعد:
عايزة إيه يا شمس؟
لم تتلقى إجابة، ولهذا تملكها غضبًا مضاعفًا ونهضت متجهة نحو غرفة ابنتها لتعنفها، ولكنها حين دلفت وحضرتها ملقية على فراشها وسط دمائها المهدرة جحظت ووقفت للحظات تستوعب ما تراه قبل أن تندفع نحوها صارخة باسمها ولكن شمس كانت قد غابت عن وعيها إن لم يكن بسبب الجرحفبسبب الخذلان والقهر والحجز دون رعاية أو اهتمام.
انتفضت تقف وتحركت نحو الخارج ترتعش وعقلها لا يستوعب أن ابنتها قد انتحرت بسببها ستزج في السجن، ستعاقب، وهي لم تفعل شيئًا، وستفقد ابنتها حياتها.
التقطت هاتفها ولم تفكر مرتين بل طلبت رقم أحمد على الفور، لا بد أن تتحمل معها هذا الذنب.
أجابها متعجبًا من اتصالها في هذا الوقت حتى أنه لم يكن ليجيب ولكن شيئًا ما داخله أرغمه أن يفعل :
- خير؟
أجابته تصيح وترتعش بتخبط :
- شمس، شمس قطعت شرايينها الحقها بسرعة يا أحمد
جحظ وانتفض من الفراش يغلق الهاتف معها وعقله لا يستوعب ما قالته لذا قرر ألا يذهب إليها وحده، لم يعد يثق بها وبكل ذرة
التقط هاتفه وطلب المساعدة من شقيقه والذهاب معه
جلسا سويًا يؤديان صلاة الفجر في المسجد الحرام، تحديدًا أمام الكعبة المشرفة.
ختما صلاتهما وجلس كل منهما يناجي ربه بما يريد كل منهما رافعا يقتلع إلى ربه ويهمس مغمضًا عينيه في خشوع ورجاء ، هو يدعو لبلده وشعبه ويردد داخله
) اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.
اللهم إنا نستودعك أهل غزة، فاحفظهم بعينك التي لا تنام، واحرسهم بركنك الذي لا بالحق، أنهم جياع فأطعمهم، وظماء فأسقهم، وحفة فاحملهم، وغرة فاكسهم، ومكلومون فاجبرهم، وخائفون فأمنهم، واربط على قلوبهم، وثبت أقدامهم، وانصرهم على القوم الظالمين
اللهم صب على أهل غزة رضًا وصبرا ونصرًا وفرجا. اللهم اجبر كسرهم وارحم ضعفهم، فلا ناصر لهم إلا أنت ولا مولى لهم سواك، اللهم وأبدل خوفهم أمنا، وحزنهم فرحا، وضيقهم فرجا.
اللهم كن لهم عونًا ونصيرًا ، وكن لهم وليا وظهيرا نسألك، اللهم أن تكشف عنهم البلاء وأن تمدهم بعدد من عندك. اللهم انصرهم نصرًا مؤزرا يا رب العالمين.
اللهم سخر لهم ملائكة السماء وجنود الأرض.
اللهم بردا وسلاما عليهم.
اللهم بحق عينك التي لا تنام وعزك الذي لا يضام أرنا عجائب قدرتك في نصرهم
اللهم نسألك النصر على من عاداهم عاجلاً غير آجل يا رب العالمين هم وسائر بلاد المسلمين.)
ظل يؤمن على دعائه وبكت عيناه بحرقة فوجدها تربت على ساقه وقربت نفسها منه تردف مازرة حيث تشعر به وبما يعشيه :
- بإذن الله ربنا هيستجيب، أنا كمان دعيت لهم.
تحركت يده تربت على كفها بحب ومسح بيده الأخرى على وجهه ثم نطق بتحشرج وهو ينظر نحو الكعبة :
- تسلمي يا عمري إنت.
أرادت أن تعرب له عما تشعر فأوضحت بصدق :
عارف يا صالح، أنا كان ليا أمنيات كتير نفسي احققها بس دلوقتي أنا بتمنى حاجة واحدة بس هي اللي تحصل، إن الحرب تقف وترجع غزة زي الأول وأحسن، حقيقي قلوبنا مش هتطيب ومش هنرتاح كلنا غير لما هما يرتاحوا، هي دي أمنيتي دلوقتي.
التفتت ينظر لها تنشيط ومحبة صافية ثم ابتسم ونطق بترو :
- الله يخليلي إياكي، وان شالله أملنا بربنا كبير وما بيخيب أبداً.
أومأت له ليستطرد وهو يستعد للنهوض :
يالا خلينا نرجع ع الفندق الصبح بدنا نروح ع المدينة، وانت لازم تنامي كويس.
نهضت معه يتشابكان ويتحركان نحو الخارج ليتوجها نحو الفندق وكل منهما يساند الآخر في أصغر أموره قبل أكبرها
طوال طريقهما خلف سيارة الإسعاف وهو يؤنب نفسه ويرتعش مرددًا بحزن سافر :
- أنا السبب، انا اللي سيبتها معاها، لو جرالها حاجة مش مسامح نفسي
كان ثائر يقود بصمت، لا يريد أن يزيدها عليه، ربما كان عليه بالفعل ألا يتركها معها ولكن كيف يلومه وهو فعلها قبله، لقد ترك معاذ يكبر في حضن إرتوا ومارتينا، نعم هو كان على تواصل دائم معه، كان يؤمنه كان يراقبه من خلال هاتفه، كان يحيطه ويصاحبه، ولكن أحمد لم يفعل لذا زفر ثائر بقوة ونطق بعد وقت وعينيه على سيارة الإسعاف يناظرها بغضب لو تجسد لأحرقها خاصة وأنها تحمل على متنها تلك الأفعى:
اهدی یا احمد الكلام ده مش هيفيد دلوقتي خلينا الأول نطمن على شمس وبعدين نشوف هنعمل إيه.
بعد وقت توقفت السيارة أمام المشفى وأسرعوا يترجلون ويحملونها للداخل ويتبعهم أحمد مهرولا.
أما سها فكادت أن تخطو داخل المشفى ولكن اعترضها ثائر فوقفت تطالعه
بغضب ونظرات متبجحة لتجده يردف بهيمنة :
لفي وارجعي تاني ...... يالا.
تصلبت ورفعت رأسها تجابهه بتجهم وغضب يستتر خلفهما حماسها المجابهته :
- مش همشي طبعا ده بنتي ابعد من قدامي.
حاولت أن تمر ولكنه قبض على رسغها ثم دفعها نحو الخارج مجددًا يردف بتوعد مرتديا وجهه الآخر :
ده آخر تحذير ليكي، ابعدي عن أخويا واولاده وإلا هتزعلي.
عادت تحاول الدخول متعمدة أن تواجهه بل مستمتعة بمحاولاته معها تردف بقناع حاد :
ولا يهمني وابعد عني بدل ما اطلب لك الأمن.
لم يعد يطيق وجودها أمامه ولا سماع صوتها ولن يسمح لها أن تمر وتقف أمامهما كأنها أما صالحة لذا توقف عن مهاجمتها فوقفت تطالعه كأنه أحبطها ليردف بنبرة متوعدة خافتة :
- أنا ما عنديش أي مشكلة مع الفضايح، وصدقيني لو مالفتيش ورجعتي حالا هتلاقي الفيديو إياه نازل بكرة في الأخبار، ومش أنا اللي هعملها، لفي وارجعي احسنلك .
نطق الأخيرة ببطيء مخيف فطالعته بشك وظنت أنه يهدد ولكنه برع في رسم نظرة صارمة جعلتها تتوتر لثوان وتفكر، إن فعل حينها لن يفلح انتقامها في شيء، يجب أن تسبقه بخطوة وتحرز هي هدفًا في مرماه لذا تراجعت خطوة وشبح ابتسامة ارتسم على وجهها تردف بنظرات أفعوانية :
- ماشي يا ثائر، بما إنك ما عندكش أي مشكلة مع الفضايح، هتشوف.
تحركت تغادر بتعال ولا مبالاة كأن من في الداخل لا تعني لها شيء، لقد تخطى غرورها وشرها حدود أمومتها.
لم يهتم بما قالته أو ربما شغل عقله للحظات ولكنه تجاوزه والتفت يدلف ويتجه لشقيقه ليراه ويطمئن على ابنته حيث أنه أوقف المسعف يسأله عنها قبل أن ينطلقا وطمأنه بأن الجرح لم يصل إلى الشريانين الرئيسيين ، فقط ما قطعت هي أوردة سطحية.
في اليوم التالي صباحًا
استيقظ داغر متحمسا لتنفيذ خطته التي كان يفكر بها طوال الليل بعدما غفت بسمة ، نهض يغتسل سريعًا ثم خرج يلتقط حقيبة متوسطة يضع بها بعض الملابس الخاصة به وبها.
ما يميز شخصيته أنه ذو ضمير ، لا يرتدي قناع الصرامة والعناد، يعاتب نفسه إن اخطأ، لا يحب الخصومة خاصة معها، لذا فكان لحديثها ليلا واقعا حزينا على قلبه وسأل نفسه ) هل يخنقها بأفعاله ؟) ، وحينما كانت الإجابة نعم كان عليه أن يعيد حساباته، برغم أن قلبه يوخزه لفكرة ابتعادها عنه، برغم أن مخاوفه تتوغل إلى عقله من جهة عمها وزوجته، برغم أن عينيه تعلقت بها وبرؤيتها دوما أمامه ، إلا أنه قرر أن يتنازل ويكبت مشاعره لأجلها.
فإن وضعت هي في كفة ومشاعره وأحاسيسه وأفكاره في كفة فهو على استعداد ترك كل شيء والذهاب معها في كفتها ، يكفي ألا تفارقه قط، ويمكن ستظل هذه أولى مخاوفه.
اتجه نحو السرير ليوقظها حيث كانت نائمة تنشيط انحنى يقبل وجنتها ولف يده حولها وسهرها وينادي مشددًا عليها :
بسوم، يالا فوقي، محضر لك مفاجأة.
تململت في نومها فعاد يقبل كل إنش في وجهها فانكمشت ملامحها بانزعاج وأردفت بنبرة متحشرجة وهي تحاول الحصول عليه :
يا داغر بقى بطل رخامة.
ضحك ولم يحل وثاقه بل تعمد استفزازها أكثر بقبلاته الفجة فتأفأفت فابتعد ينهض ووقف يطالعها بعيون متوعدة ويردف محذرًا بتوعد زائف :
- ولا كلمة ولا اعتراض ولا حرف من هنا ورايح هعمل اللي أنا عايزه، دانا واخدك افسحك يا ماما وجهزت الشنطة كمان.
اعتدلت وجلست على الفراش تجمع خصلاتها جنبًا وتطالعه باستفهام ثم تطلعت على الحقيبة الذي يشير نحوها ثم عادت إليه وتساءلت:
- شنطة ليه ؟ إحنا مسافرين ولا إيه؟
تكتف يبتسم ونطق متباهيا:
أيوة يا ستي رايحين اسكندرية، يومين وهنرجع تاني.
ابتسمت تهز رأسها بقلة حيلة وتكرر ساخرة وهي تترجل وتخطو من أمامه نحو الحمام :
- اسكندرية !
تفاجأت بصفعة منه أسفل ظهرها فقفزت تلتفت وتطالعه باستنكار مردفة بتحذير وهي تدلك مكانها :
داغر -
اتسعت أعينهم بتهديد زائف ورفع سبابته يصيح بهيمنة كاذبة :
هش ولا كلمة مالها اسكندرية؟
طالعته بغيظ ثم التفتت لتكمل طريقها فعاد يصفعها مجددًا فالتفتت تدبدب بقدميها وتصيح بغيظ مهددة :
- داغر بجد بتوجعني لو عملتها تاني مش رايحة معاك في مكان وهنزل اقعد مع خالتو وسافر إنت لوحدك.
ابتسم بثقة واتجه يرتد على السرير وطالعها يردف باستفزاز متعمد :
ومالو اسافر لوحدي، مسافرش ليه يعني ياما عملها وانا أعزب، كنت اخد بعضي واروح الفجر وقع على الشط وعلى الساعة التاسعة كدة انزل الميه ويا سلام بقى على المزز اللي كانت بتتلم عليا ده في مرة واحدة عملت نفسها بتغرق علشان انقذها
التهمتها الغيرة فهي تعلم أنه وسيم وذو جاذبية لذا وقفت تتكتف وتساءلت بترقب وعينين ثاقبتين :
- وأنقذتها ؟
نهض يتجه نحوها حتى وقف أمامها وطالعها متباهيا وغطت السعادة ملامحه وهو يجيبها بحب ويسافر على تفاصيل وجهها الغيور :
لاء، وقفتلها دولفين كان معدي.
ضحكت عليه فابتسم لضحكتها وأدف بسعادة :
- اللهم صلي على النبي، أيوة كدة خلي نهارنا أبيض.
تنفست تنشيط وطالعته بحب كبير ثم أردفت باستسلام :
- تمام، أنا هدخل آخد شاور واجهز
أومأ لها فالتفتت فحرك يده كخدعة لذا أسرعت تتسلح بيديها ووضعتهما في مكان الصفعة والتفتت له لتجده يرفع يده ويدلك خصلاته بمكر فزفرت تردف بتوعد :
ماشي يا داغر، انت اللي بدأت
تحركت وهي تتخذ تسيطر كدرع واق لهذه المنطقة فضحك عليها وكاد أن يتركها تدلف الحمام ولكن قلبه أرغمه على الركض نحوها فأسرعت تلتفت مجددًا بحذر ولكنه حاوط وجهها بكفيه ونحنى يقبلها بسيطرة ناعمة ثم ابتعد يردف بمشاعر جياشة ومازال يهاوط وجنتيها ويشدد عليهما بحب :
- ااااااخ مش عارف اسيبها يا نااااااس .
يقود سيارته متجها إلى منزله، ياوره شقيقه وتقطن شمس في الخلف تتطلع على الخارج بشرود.
كان يتحدث إلى ديما عبر الهاتف ويطمئنها مردفا
- إحنا جايين في الطريق أهو، وشمس معانا وكويسة ماتقلقيش
زفرت بارتياح وأجابته :
تمام يا ثائر، أنا مستنياكو
أغلقت معه ونهضت تنادي المساعدة لتجهز غرفة تستريح بها شمس، فهم لا يريدون أن يعلم أحد عن انتحارها شيء، خاصة شقيقها ليل
نظر من خلال المرأة على ابنه شقيقه الشاردة ملامحها مجهدة، ودموعها معلقة لا تخمد ولا تجف نجات من الموت وتحررت من قيودها ولكن هل نجو خاطرها ؟ هل تطيب جراح روحها ؟ هل تلتئم ندباتها الداخلية ؟
حاول أن يكسر هذا الصمت لذا سألها بترقب :
- إيه يا شمس؟ أحسن شوية ؟ لو محتاجة حاجة نشتريها قولي؟
نظرت له من خلال المرآة وهزت رأسها بلا ثم عادت لموضعها فالتفت أحمد ينظر إلى شقيقه بعجز طالبا منه الدعم ليوميء ثائر له مطمئنًا ومؤكدًا من خلال نظره بأن كل شيء سيكون على ما يرام .
بعد وقت
وصل أمام فيلته، دلف بالسيارة وتوقف يترجل وتبعه أحمد الذي فتح الباب الخلفي يمد يده لابنته وبالفعل ناولته كفها السليم وترجلت فأسندها وخطى بها نحو الفيلا ويتقدمه ثائر الذي فتح له ديما تستقبلهم بابتسامة فبادلها ثائر ثم دلف ووقفت ترحب بشمس مردفة بلطف :
- حمد الله على السلامة يا شمس
أومأت لها ودلفت تستند على والدها وتنكس رأسها بخزي منها ومن ثائر الذي وقف يتساءل :
أوضة شمس جاهزة يا ديما؟
أومأت له وأشارت نحو غرفة صغيرة فتحركوا نحوها وفتح ثائر الباب ليدلف أحمد بابنته ويريحها على الفراش بحنان ثم وقف يتطلع عليها ويردف :
عاملة إيه دلوقتي ؟
أومأت له بصمت ولم تواجهه، لا يسعها هذا المكان تشعر بالضيق ولكنها مجبرة على التحمل ليسترسل بقلة حيلة :
- حاولي ترتاحي شوية، ولو احتاجتي حاجة أنا قاعد برا .
انتظرها تتحدث ولكنها لم تفعل لذا زفر وتحرك نحو الخارج ليقابل شقيقه ويطالعه بأسف مردفا :
أنا مش عارف اقولك إيه؟ الدنيا اتلغبطت وعملتلك دوشة، بس أول ما شمس تفوق وتبقى تمام هاخدها ونرجع، أنا بس عــ
قاطعه ثائر يوضح بجدية مطلقة :
ما تكملش وانسى اللي حصل المهم اللي جاي، ولازم علاقتك مع أولادك تتصلح الأول يا احمد خلينا نأجل موضوع أسما شوية .
أوما أحمد مؤيدا والحزن يلتهمه والكره والغضب يتفاقمان داخله تجاه سها لذا ربت ثائر على كتفه واستطرد بنبرة مراعية :
ادخل خد شاور وأنا هجبلك هدوم وهقول لديما تجهز الأكل، وسيبها على الله
أوماً وتحرك بالفعل نحو الغرفة المخصصة له بينما تحرك ثائر خلف ديما التي اتجهت نحو المطبخ ليراها ويخبرها بما لديه
عند غروب الشمس
جلسا سويا على شاطيء خاص في مدينة الأسكندرية، كل منهما يرتدي نظارته الشمسية ويتسطح على مقعده أمام البحر أسفل المظلة التي تحجب عنهما أشعة الشمس .
ترتدي ملابس فضفاضة بناءً على إصراره، فقد رفض ما اختارته من بنطال جينز وتيشيرت وصمم على ارتدائها عباءة بيضاء بتصميم فراشة متطايرة تناسب الأجواء، وكم ندم على اختياره بعدما انتهت وعصجت خصلاتها على شكل كعكة وارتدت نظارتها، فبدت فاتنة وملفتة للأنظار، لذا أرادها أن تبدلها ولكنها رفضت فاضطر للقبول على مضض.
عينيه تدور هنا وهناك من أسفل نظارته وكأنه يستعد لدخول معركة ما إن لمح أحدهم ينظر نحوها.
اعتدلت حينما لمحت حصان يمر من الجوار وطالعته تردف بترقب :
داغر ما تيجي نركب خيل؟
اعتدل يطالعها باستنكار ويتساءل ويوضح :
- خيل إيه؟ ما ينفعش يا بسوم علشان العباية
طالعته بتهكم تقضي على حجته قائلة :
- الشاليه ورانا اهو هروح اغير هدومي واجيلك
كاد أن يعترض ولكنها نهضت تلتفت وتتحرك متجهة نحو الشاليه الخاص بهما لذا بلغ الكلمات ونظر لأثرها بتوعد ولكنه رضخ لرغبتها فقد تعهد ألا يحزنها في هذه النزهة وسيلبي جميع طلباتها .
عاد يجلس ويستجم وينتظرها ولكنه شعر بالحنين للسباحة، خاصة بعدما غادرت فهو أجبر على البقاء بجانبها حتى لا تتعرض للمضايقة، والآن هي ليست هنا فما المانع من أن يأخذ جولة سريعة في هذه المياة الرائعة والمغرية !
خلع التيشيرت الخاص به وألقاه على الكرسي ونهض ينظر خلفه بترقب ثم زفر وتقدم نحو المياة وحينما لمسها شعر بسعادة وعاد بذاكرته لطفولته حينما كان يبلغ من العمر خمس سنوات، وكان قد أتى مع والديه وشقيقته ديما، يتذكر هذا اليوم جيدًا حينما كاد أن يغرق وأنقذه والده ومنعه من نزول المياه بعدها وتعكرت الأجواء مع والدته وشقيقته بسبب هذا الحادث لن ينسى حينما حاولت منال تهدأة محسن ولكنه احتد عليها أمام المارة فالتزمت الصمت ومنذ ذلك الحين وهو لا يكررها ثانية
بدأ يعوم ويغطس في المياة باستمتاع ثم تسطح على ظهره وانشغل عقله بعدة أمور تتمحور حول بسمة وعمله وشركته وحياته المستقبلية
خانه الوقت ولم ينتبه إلا حينما استمع إلى صوت فتيات من حوله فاعتدل يلتفت ليجد بالفعل ثلاث فتيات تسبحن على مقربة منه.
تجاهلهن وقرر أن ييتوغل للداخل أكثر فوقفن الثلاثة تتهامسن وتضحكن ثم قرر إحداهن أن تغامر وتتجه نحوه لربما تثنى لها الحديث معه
وجدها تقترب، وهذا الأمر لم يرق له، هو يحب في البنت حياتها وحفاظها على أنوثتها، وهذا ما تربى عليه هو وشقيقتيه، لا يجب أن تبادر الأنثى بالتعارف مطلقا، ويمكن هذا أحد أسبابه في حبه وتعلقه ببسمة، وهو ثقلها
أرادتها أن تبتعد، فتوغل للداخل أكثر ولكنها لم تبتعد بل أعماها التحدي عن حقيقة أن الأرض لم تعد متاحة من تحت قدميها تقع فارق طول بينهما لذا وجدت نفسها تنزلق وتختنق فحاولت أن تطفو فلم تفكر بنسبة لعلو الموج فصرخت وهذا جعلها تشعر بالاختناق أكثر فباتت تتلوى وتنتفض بيديها ليجد نفسه مرغمًا على إنقاذها.
توجه نحوها وبالفعل ساعدها وتقدم بها نحو صديقتيها اللتان كانتا تصرخان وقد تجمع بعض أقاربهم والمنقذ فتركها لهم وتحرك خارج البحر ليجد أمامه بسمة تتكتف وتطالعه بتجهم وضيق بعدما رأته ينقذها
زفر ووصل إليها وأناى يلتقط التيشيرت الخاص به ويرتديه ثم طالعها وتحدث متملقا:
- البنت كانت هتغرق
غيرتها جعلتها تتخبط لذا نطقت مندفعة تتذكر كلماته سريعة:
- طبعا إنت اتفقت معاها علشان تعملوا كدة قدامي.
طالعها مندهشا ونطق بنبرة معاتبة :
- إنت شيفاني عقلي صغير للدرجادي ؟
حاولت أن تهدأ فباتت تتنفس مرازا ثم التفتت تنظر لليمين فوقف أمامها يتأملها، ترتدي إيشارب حول خصلاتها المصبوغة وقد هربت منهن خصلة على جبينها فباتت ساحرة بملامح فاتنة ، بل هي دوما فاتنة تحتفظ بدرجات الخسن لها ، مد يديه يحاوط ذراعيها واسترسل موضحًا :
- أنا عمري ما اعمل كدة، ولا عمري ألمس واحدة تانية غير مراتي حبيبتي، أنا بس قلت انزل اعوم شوية لأن مش عارف انزل واسيبك قاعدة لوحدك ولقيت البنت دي جاية هي واصحابها وشكلهم كدة عاملين تحدي مين اللي تدخل جوة أكثر وهما قصيرين ، واهي كانت هتغرق المتخلفة.
التفتت طالعه وتردف ببقايا غيرة :
وكمان عرفت طولهم ! وما وقفتلهاش دولفين ليه المرة دي ؟
نطقتها ساخرة ليضحك ويحاوط كتفها ويخطو معها مبتعدا يردف بمرحبعدما أدرك غيرتها :
ماكنش معايا فكة وعيب اسيبها تحاسب، سيبك منهم بقى وتعالي نشوف الخيل دي فين.
تحركا سويا نحو مقر الخيول ووقف داغر يتحدث مع السايس الخاص بهم ثم اتجه لها يسألها مشيرًا على الخيول المصطفة :
- تحبي تركبي أنه هو واحد؟
لاحظت على حصان رمادي اللون بشعر كثيف منسدلة عليه بشكل رائع، واختار هو حصان بني.
ساعدها في الصعود على ظهر حصانها واتجه يصعد على حصانه واستمعا إلى تعليمات السايس لهما وبالفعل بدأ منعان معا على الشاطيء بتمهل ولم يتركهما السايس بل كان يتقدمهما على بعد مناسب ..
مساءً
دلفت ديما إلى غرفة شمس بعدما سمحت لها بالدخول ظنا منها أنه والدها ولكنها تفاجأت بيديما لذا حاولت النهوض حيث كانت تتمدد على الفراش وتبكي وتتذكر مافعله بحق نفسها.
كفكفت دموعها وجلست تربع قدميها ثم نظرت لها بصمت فاقتربت ديما وجلست قبالتها تطالعها وتردف بحذر :
- أنا عارفة إن ممكن ماتكونيش حبة تتكلمي معايا، أو تتكلمي عمومًا، بس أنا لقيت نفسي عايزة اتكلم معاكي، فيه عوامل مشتركة بينا وأنا حابة احكيلك عن حاجة خاصة في حياتي، يمكن ما قولتش لحد عنها، حتى ثائر، بس حبة أشاركها معاكي إنت، وبتمنى تسمعيني، لو عجبك كلامي هفرح جذا، ولو مش
عجبك اعتبريني ما قولتش أي حاجة.
لم تجد منها ردا ولكنها استطاعت أن تثير فضولها نحو ما ستقوله، لذا تأهبت شمس داخليا ونظرت لها في تواصل بصري دليل على موافقتها.
تنفست ديما مطولاً ثم بدأت تسرد حزنا دفنه ثائر، ولكنها عادت تنبش في ثراه لأجل هذه الصبية التي كانت على وشك الضياع فقالت :
- أنا كمان كنت زيك، كنت عايشة حياة طبيعية، أنا البنت الكبيرة لعيلتي كانت ماما دايما تحكيلي عن قصة حبها هي وبابا، وأد إيه هو حارب علشانها وصمم يتجوزها واتحدى أهله وهي كمان لما شافت تصميمه اتحدت أهلها واتجوزوا، يمكن كلام ماما عن بابا هو اللي كان بيخليني أغفر له عصبيته وأسلوبه معانا، هو كان بيتعامل معايا كويس، يمكن أنا أكثر واحدة في أخواتي كنت بحس إنه بيعاملني كويس .
كانت تسمعها بتركيز وترقب للقادم كأنها تتوقع الأسوأ، وبالفعل استرسلت ديما بشرود تستعيد ذكرياتها :
- لحد ما فجأة كل ده اتغير، وبقى يتعامل مع الكل بطريقة متعبة، وأكثر حد كان تعبان هي ماما ، وكنت كل ما ابص في عيونها ألاقيها كاتمة جواها وجع ودموع ومش عارفة تتكلم ولا تشتكي، ولما نحاول نفهم منها في إيه كانت بتقولنا معلش بابا مخنوق شوية من الظروف والشغل، بس أنا كنت كبرت وما بقاش ينفع معايا الأسباب دي، خلصت ثانوية عامة وكنت جايبة مجموع كويس وكنت ناوية أدخل كلية أداب لأني كنت بحب الأدب وبحب القراءة جدا ، بس هو رفض من غير أي أسباب رفض.
سقطت منها دمعة التقطتها بكفها واستطردت بعد تنهيدة حارة :
- أخويا اتدخل وكان هيحصل بينهم مشكلة كبيرة بسببي، بس داغر كان صغير أوى وماكنتش هقبل يتهور مع بابا علشانى ده مهما كان ابونا علشان كدة اخدت قرار وقلتلهم إني خلاص مش عايزة ادخل جامعة ، واتخليت عن حلمي فعلا بس ما يأستش، قلت هذاكر من وراه علشان في يوم من الأيام هكمل تعليمي، وكنت بحلم إني اتجوز انسان طيب يخليني أحقق حلمي.
اندمجت شمس كلنا معها بل أنها مالت تلتقط منديلا ورقيا من فوق الكومود وتمده لها كي تجفف دمعة أخرى لم تنتبه لها ديما فالتقطته منها وشكرتها ثم تابعت :
اتفاجئت بعدها إن فيه واحد متقدم لي وطلب إيدي من بابا وهو وافق وجاي يبلغنا طبعًا ماما رفضت بس رفضها قدام تصميم بابا لا يعني شيء حصل خناقة بينهم تاني والمرة دي ماما صممت على موقفها، علشان كدة بابا ساب البيت ومشي وغاب اسبوع في الأسبوع ده كنت بنزل أجيب طلبات البيت بنفسي ولقيت الشاب اللي طلب إيدي بيحاول يتقرب مني ويتكلم معايا، أنا دايما كنت بصده، بس مانكرش إنه شغل عقلي، دخل لي من نقطة الاهتمام والحماية اللي أنا مفتقداهم، قدر يلعب على عقلي، كان شكله وسيم مقتدر ماديًا، يبان جنتل مان وكلامه معسول جدًا، وللأسف صدقته، وقلت يمكن هو ده فارس أحلامي اللي حلمت بيه، وقولت لماما إني موافقة وطلبت منها تبلغ بابا، وفعلا هي جت على نفسها وكلمته علشاني، هي كمان كان عندها أمل إن الشخص ده يعوضني، واتخطبت له، ومامته اشترطت إن الخطوبة تطول لإنها ماكنتش موافقة تناسب بابا علشان نتفاجيء بعد كدة إن بابا متجوز على ماما، ودي كانت الصدمة اللي قسمت ظهرها، ودخلت في صدمة نفسية الأسابيع، خصوصًا لما عرفت إنه كان على علاقة بالست دي قبل ما يتجوزها ، يعني كان بيخونها .
كانت شمس في حالة صدمة مما تسمعه، فرغ فاهها ووضعت كفها عليه في ذهول تستمع لديما التي استرسلت بعيون لامعة وإرهاق نفسي مما تسرده :
بابا بعد ، ماما دخلت في صدمة، وأنا كنت قليلة الحيلة، وداغر كمان زبي ودينا كانت صغيرة أوي، البيت شبه اتدمر، ومامت كمال اللي هو خطيبي طلبت منه يفسخ الخطوبة، بس الغريب إن ما وفقش صمم يكمل معايا ووقف جنبي وجنب ماما في الوقت ده، اتحدى مامته علشاني لدرجة إني صدقت إنه بيحبني جدا ورميت ثقتي عليه هو.
التقطت نفسًا بعدما شعرت بالاختناق واستطردت بغصة :
- خطوبتنا طولت شوية لحد ما هو قعد مع بابا وحاول يصلح بينه وبين ماما وقالها تفتح صفحة جديدة معاه وإن هو ما عملش حاجة حرام ومعلش وتتحمل علشان خاطرنا وللأسف ماما وافقت، كان عندها نوع من أنواع التعلق المرضي، كإنها رافضة تصدق إنه خاين، أو عايزة تسمعه وتعرف منه ليه عمل كدة، وبعد كام سنة اتجوزت صحيح في فترة الخطوبة بدأت تظهر بعض عيوب كمال بس لاااااااا، عيوبه قبل الجواز شكل، وبعد الجواز كانت شكل تاني خالص، كأنه كان مستني اللحظة اللي هكون فيها زوجته علشان يطلع كل عقده في الحياة عليا، الحياة القاسية اللي هو ومامته عاشوها بسبب باباه حولته لشخص نرجسي رمى شبكته علشان يصيد ضحية يطلع عليها كل اللي عقده ، لدرجة إني عرفت إن هو اللي طلب من بابا ما كملش تعليمي في مقابل فلوس، للأسف بابا باعني ليه، عشت معاه 9 سنين جواز ممدش إيده عليا فيهم، بس كان بيبدع في أسلوب الإهانة والتقليل مني والاستهزاء بيا وبحالتي وبشكلي وبجسمي وبتفكيري ، بكل شيء كنت بعمله كان بيستهزأ بيه هو ومامته، خلفت منه مالك ورؤية واعتبرت إن هما دول سر قوتي ونجاحي في الحياة، أنا بحكيلك دلوقتي ومش عارفة أنا عشت الحياة دي إزاي أنا فعلا لما بفتكر قلبي بيوجعني أوي على نفسي ، وبعد كل ده هو كمان عمل زي بابا، واتجوز عليا، بس من رحمة ربنا عليا إني ما حبتوش، ماحبتوش أبدا.
أطلقت سراح تنهيدة قوية كأنها تحررت للتو وامتدت يدها تربت على كف شمس التي تطالعها بصدمة وعقلها يفكر كيف لها أن تتحمل كل هذا؟
لتبتسم لها ديما وتتابع بحنان :
مع كل العذاب ده ولا مرة فكرت إني انهي حياتي، وده مش لإني شاطرة وانتي لاء، خالص بس علشان أنا كان عندي دايما أمل في بكرة، دايما عندي ثقة في ربنا إنه شايل لي عنده الأحسن، إنه هيعوضني بالخير، كنت دايما متفاءلة وبصة على نص الكوباية المليان، ولو بصيتي على حياتي دلوقتي ولو حكيتلك عن ثائر واللي عمله معايا وعلشاني أنا وأولادي، هتحسديني على حظي وهتفكري إن ديما الصابر دي ماشفتش يوم وحش في حياتها .
تابعت نصيحتها لها بنبرة مؤثرة وصدق :
- إنت قدامك الحياة طويلة يا شمس ولازم يبقى ليكي نصيب من اسمك تنامي وتصحي تاني يوم مشرقة، اوعي اليأس يتملك منك، حصل مشكلة وأزمة بين مامتك وباباكي، أيوة هي حاجة صعبة جدا ومؤلمة جدا بس مش النهاية، ومش إنت الوحيدة اللي كدة لازم تثبتي لنفسك وليهم إنك هتنجحي وهتكملي والغلط اللي هما وقعوا فيه إنت مستحيل تقعي فيه أبدا، صدقيني نجاحك وصمودك قدام العواصف هو ده اللي هيحسسك بالانتصار في أي معركة نفسية، قوي إيمانك مع ربنا واكسري اليأس وحطي لنفسك قواعد وأحلام وسيري على بركة الله لازم كل ما تبصي في المراية تشوفي أنك بطلة
انهت حديثها وتنفست بعمق تطالعها لتجدها تبادلها النظرات بصمت لا تمتلك كلمات تناسب ما قالته ديما ، لذا ابتسمت لها ونهضت لتغادر وتتركها تفكر في كلماتها وهي على قناعة أن شمس تقبلت ما قالته بل وستتعافى
صباحًا
تقف في مطبخها تعد الفطور حيث اعتذرت المساعدة عن المجيء اليوم.
وقفت تتفحص المثلج لتتفاجأ به لا يعمل لذا حاولت تشغيله لتجديد تلكزها فانتفضت تعتدل لتجده ثائر يطالعها بحب حيث ترتدي إسدالها الأورجواني ابتسم وتطلع على المثلج متسائلا بمرح :
- بتعملي إيه ؟ مرة ألاقيكي جوة التلاجة ومرة جوة الديب فريزر؟
ابتسمت عليه وهزت رأسها تجيبه بتنهيدة :
لاء بس لقيته فاصل وكنت بحاول اشغله ، تقريبا كدة ممكن تكون رؤية لعبت في التايمر بتاعه.
أبعدها قليلا ونحنى ليراه ليجد بالفعل يد صغيرة عبثت بالمؤشر الخاص به لذا أعاد تشغيله ووقف يطالعها فأردفت وهي تحاول إبعاده لترى محتوياته :
يارب بس اللحوم ماتكونش فكت لان التلج داب خالص.
استغل قربها منه وعانقها يقضم أذنها من فوق الحجاب ويردف بهمس :
- مش التلج هو اللي داب، أنا وقلبي اللي دوبنا يا دومتي، ولما ارجع هعرفك إزاي تتأخري عليا بليل لحد ما انام.
ابتسمت عليه وتركت المثلج برمته والتفتت تواجه وتضع كفيها على صدره قائلة بدلال وحب
- تؤ، ما تأخرتش على فكرة إنت اللي نمت بدري، وحاولت اصحيك ولا عبرتني.
نطق بهيام ومرح :
- اخص عليا ماليش حق، لاء لو كدة بقى يبقى الغلط عندي بس كنت تعبان أوي يا ديما، إنت عارفة الليلة اللي فاتت قضيناها في المستشفى وما نمتش كويس.
مسحت على قلبه بحنان وعاطفة توميء له وكادت أن تتحدث لولا أنها سمعت صوت مالك يتحمحم فابتعدا عن بعضهما والتفتت ثائر ليراه فوجده يبتسم لهما، ينظر لوالدته بسعادة ويخبرها بنظراته ألا تخاف عليه فهو لم يعد يشعر نحو ثائر سوا بالحب فقط لذا تقدم منهما وأردف :
أونكل أحمد مستنيك برا .
أوماً ثائر ومد يده يربت على صدغه بحنو والتفت يوجه حديثه لديما قائلا
أنا هروح مع أحمد نشوف فرع الشركة بتاعته وهعدى على المجلة وعلى الغدا نتجمع إن شاء الله.
أومات له فالتفت ليغادر ولكن أوقفه مالك يردف بترقب :
- أونكل ثائر.
توقف ثائر يطالعه بانتباه فاسترسل الصبي بتوتر وهو يتعمق في عينيه :
- أنا خلصت قراءة الكتب، ممكن لما ترجع ابقى اتكلم معاك ؟
صمت ثائر لبرهة وانفرجت أساريره فعلى ما يبدو أن الصبي سيفتح له قلبه أخيرا لذا انحنى يطبع قبلة على صدغه واعتدل يردف بعاطفة أبوية ونبرة مرحة :
استناني
تحرك يغادر وهو يرفع يده في تحية موجهة إلى ديما ثم تحرك مع شقيقه نحو الخارج يستقلان السيارة ويتجهان إلى وجهتهما
وقفت ديما تتطلع على صغيرها بحب وسعادة وهو يبادلها بخجل لذا فتحت له ذراعيها لمستقبله في عناق حار أوضح به عن تأكدا في تحسن علاقته ببثائر
جلست سها تتفحص الصور التي أرسلها إليها إرتوا منذ قليل، وتقرأ المعلومات المرفقة، وعلى محيها ابتسامة تشفي وتوعد
لم تكن تتوقع أن يساعدها ذلك الفرنسي العجوز، ولكن يبدو أنه أيضًا يسعى للانتقام.
لن تدفع ثمن الخيانة وحدها، لن يبغضها أولادها وحدها، يجب أن يدفع الجميع ثمنًا وخاصة تلك الديما التي تظن أنها حصلت على كل شيء، ولكنها لن تكون سها إن لم تهدم فوق رأسها كل شيء.
فتحت حاسوبها وعبثت قليلاً حتى ظهرت أمامها الصفحة التي هيأها لها إرتوا حيث عدد متابعين يتجاوز الثلاث ملايين متابع.
دلفت على صفحة الكتابة وبدأت تكتب منشورها مستعينة بالمعلومات والصور التي باتت بحوزتها
بعد ساعتين
يجلس في مجلته يدون بعض المقالات، ليطرق بابه أحد المحررين فسمح له لذا اندفع يدلف ويطالعه بملامح متوترة وصدمة وغضب بنبرة متأهبة :
- أستاذ ثائر حضرتك شوفت المنشور اللي نزل؟
قطب ثائر جبينه وتساءل بترقب :
- منشور إيه ؟
از درد الشاب ريقه وتابع بتوتر :
فيه منشور نازل عنك وعن مدام ديما على صفحة باسم الكاتب (شارل بودلير كانت بتنشر مقولاته مترجمة بالعربية ، الصفحة دي بيتابعها ملايين ياريت حضرتك تبص ع المنشور ده بسرعة
خرج الشاب وتركه يعبث بحاسوبه ويفتح صفحة ذلك الكاتب ويقرأ المنشور الذي كتب فيه :
(أهلا بيكم متابعينا الكرام
النهاردة هنتكلم عن شخصيتين مشهورين جدا في عالم الكتابة والأدب ، ثائر ذو الفقار وزوجته ديما الصابر، أصحاب مجلة ***** ، فيه حقائق مهم جدا إنكم تعرفوها عنهم وتعرفوا انتو بتقرأو لمين الأول
ديما الصابر وائر ذو الفقار كانو على علاقة ببعض في فرنسا قبل جوازهم ، هما تعرفو على بعض في دبي وبعد كدة بدأ التواصل بينهم لحد ما ثائر اقنع
ديما تسافر له بعد ما اتهاجمت في مصر بسبب كتابها وافكارها ولما سافرت اختارت لها تسكن في بيت لازق في بيته وظاهريا كانت بتشتغل معاه في المجلة بس في الحقيقة كان فيه مدخل سري بينهم زي ما الصور موضحة ، كانت سايبة اولادها في مصر مع أهلها وعايشة حياتها زي ما هي عايزة في فرنسا وبتدعي الأخلاق والقيم وبتعمل مناظرات كلها وهم واللي كان بيساعدها هو ثائر ذو الفقار بس مارتينا طليقة ثائر عرفت وهددته إنها هتفضحهم علشان كدة ديما رجعت على مصر وثائر قرر يسكت مارتينا ورجع لها تاني شوية وضحك عليها لحد ما قدر ينقل شغله هنا في مصر وبعد استغلال سنين ليها ولاسم عيلتها رجع تاني شارك المجلة بتاعته واتجوز ديما وعملو هما الاتنين صرح كبير وسمعة كويسة والناس حبتهم واتفاعلت معاهم على حساب وجع وقهر ام ابنه اللي قررت تنزل مصر علشان ترجع حقها ولما راحت له بيت اهله طردها وحرمها من ابنها
بس هي ترفض تستسلم وطلبت مساعدة من صديق ليها زوجته مصرية وفعلا قعدت عنده على أساس تلاقي حل مع ثائر بس لإن ثائر ذو الفقار شيطان ومراته ديما الصابر أفعى قررو يوهمو زوجة توماس صديق مارتينا بأن فيه علاقة بين توماس ومارتينا وللأسف صدقتهم لحد ما ساعدوها تتخلص منهم وفعلا البنت دي حطتلهم سم في المأكولات والاتنين ماتو وهي دلوقتي في السجن
ثائر ذو الفقار وديما الصابر اتنين مجرمين لازم يتحاسبوا لانهم لابسين قناع بيضحكو بيه عن كل اللي بيحبوهم ومصدقينهم
ياريت كلنا نشارك البوست ده ونعرف الناس حقيقتهم علشان ماحدش يثق في ناس زي دي )
قرأ المنشور وتفحص الصور التي التقطتها من داخل منزله في فرنسا وجلس ينظر للحاسوب لهنيهة، ينظر للحقن المشاركات التي تجاوز الألوف، وينظر للحقن التعليقات، تجلى الغضب في عينيه وأضل البرود سبيله إليه، هدوء مريبا ظاهريا، وثورة عارمة في داخله، لا يهمه اسمه فهو قد تعرض للهجوم والشائعات على مدار سنوات، ولكن جل ما يهمه ويثير جنونه هي سمعة ديما التي تم العبث بها.
هناك احتمال لا ثالث لهما، إما إرتوا أو سها، لذاوه يمتلك المهارة الإلكترونية التي تؤهله لمعرفة موقع الناشر فقد عبث قليلا ليتضح له أن هذه الصفحة تم انشاؤها منذ خمس سنوات من فرنسا ولكنها بين متابعين عرب ويديرها عدة أشخاص، ما يهمه هو الشخص الذي قام بنشر هذا المنشور تحديدا، ولم يكن من المستحيل عليه أن يعرف من هو ومن أين تم نشر
المنشور ، لذلك بعدما حصل على العنوان حضرت شياطينه وعبأ الصهد المكان من حوله ، يقسم أنه سيقتلع رأس تلك الأفعى عاجلا غير آجلا.
غادر تلك الصفحة وعبث قليلا في حاسوبه ليتحكم في إشارة الانترنت الخاص بمنزله وبالفعل عطل الانترنت عن منزله بالكامل كي لا يرى ديما أو أولادهما نشر، ثم عاد يعبث في وسائل التواصل الخاصة بها حتى نجح في الحصول على رقمها واستل هاتفه يطلبها وينتظرها تجيب وغضبه وصل إلى الذروة لذا حينما فتح الخط تجيب ألقى تهديده ووعيده لها بنبرة بثت فيها الرعب حينما قال :
- قدامك ساعة واحدة تحذفي المنشور اللي نزلتيه وتنزلي اعتذار كامل عنه ساعة ودقيقة لو ما يميزيش اللي قال عليه هتندمي ندم عمرك، وفي الحالتين هتندمي، وهتشوفي الوش الثاني لثائر ذو الفقار