رواية بحر ثائر الجزء الثانى الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم اية العربي


 رواية بحر ثائر الجزء الثانى الفصل الثالث والثلاثون 

أغلق الخط منذ دقائق وتركها تواجه مخاوفها من تهديده ، نعم نبرته مخيفة ، تحمل تهديدا ساري التنفيذ ، لذا أسرعت تتواصل مع إرتوا عبر الإنترنت ، ليجيبها الآخر بعد ثوان متسائلا وعلى محياه ابتسامة خبيثة :

- ما الذي حدث ؟

أجابته بتوتر :

- ثائر علم أنني الفاعلة ، وهددني إن لم أحذف المنشور خلال ساعة فإنه سوف ينتقم ، وإن لم أحذفه فسوف ينتقم أيضا ، ماذا أفعل ، يجب أن تساعدني كما ساعدتك .

اتسعت ابتسامته الخبيثة ، إذا هو بالفعل يعمل لصالح المخاب. رات ، لم يعد هناك مجالاً للشك ، كل الشبل تؤدي إلى هذه الحقيقة .

شرد يفكر قليلا ، يمكنه استخدامها في انتقام أوسع ، فذلك القصي لا يزال صغيرا ، وهو لن ينتظر كل هذه السنوات دون أن يفعل شيء ، خاصة بعد هذه الخيانة له ولابنته على مدار سنوات ، ليصطاد عصفورا الآن ، وعشرة في الغد .

زفر دخان سيجارته ولاحت في أفقه فكرة خبيثة لذا نطق بترقب :

- حسنًا لقد حققنا هدفنا من المنشور لذا فيمكنك حذفه ثم اجمعي أغراضك واذهبي على الفور إلى المطار ، يجب أن تعودي إلى دبي في الحال قبل أن يصل إليك ثائر ، ومن هناك ستأتين إلى هنا ، ستبدئين معي حياة جديدة ، هيا الآن انهضي وأسرعي قبل أن تنتهي الساعة

لم تفكر كثيرًا بل نهضت وأسرعت بالفعل تجلب حقيبتها المعدة مسبقا والتقطت حقيبة يدها تضع بها أوراقها وهاتفها وأغراضًا شخصية ثم تحركت تغادر المنزل على الفور، لا يجب أن تبقى هنا بعد الآن

بعد ساعة

عاد إلى فيلته ليراها ، يتمنى ألا تكون قد قرأت الخبر قبل قطعه للإنترنت ، ولكن الغريب في الأمر أنها لم تهاتفه خلال هذه الساعة ، ألم تلاحظ انقطاعه ؟

دلف فيلته ينادي فأسرعت إليه رؤية تعانقه فحملها يعانقها بحب وعاطفة ثم قبل وجنتها وأنزلها يتساءل وعينيه تبحث عنها :

- ماما فين يا روءة ؟

التفتت الصغيرة نحو غرفة المكتب وأشارت له تردف :

- ماما جوة هنا بقالها كتير ، دخلت شوفتها من شوية كانت بتصلي بس لسة ما خرجتش .

أوماً لها ووخزه قلبه وازداد شكه في معرفتها لذا أسرع يتحرك نحو غرفة المكتب ليراها ، فتح الباب ودلف يبحث عنها ليجدها تقف عند النافذة ، تواليه ظهرها .

استمعت إليه وهو يغلق الباب ولم تلتفت ليزفر بضيق ويتحرك نحوها في أمل ضئيل منه ألا تكون قد علمت .

وصل إليها وناداها وهو يلفها إليها حيث حاوط خصرها :

- ديما ؟

لم تكن تريده أن يرى وجهها ولكنه فعل ، ملامح حزينة ، دموعا معلقة تبدو للتو حاولت تجفيفها ولكنها تأبى الجفاف ، نظرة شاكية استهدفت قلبه قبل عينيه ، لتبتسم بألم وتجيبه وهي تتكتف وتهز كتفيها :

- المرة دي ما لحقتش تقطع الإنترنت عن البيت ، المنشور وصلني قبلها بلحظات .

دقق نظراته عليها لثوان ثم أردف معتذرا :

- أنا آسف ، المنشور اتحذف ، وأوعدك أني مصلح كل حاجة ، وكل كلمة اتقالت في حقك هيترد عليها .

أجابته بثقة لا حدود لها برغم دموعها المتساقطة :

- ماهو ده اللي مخليني واقفة هنا ومستنياك ، أنا عارفة إنك هتلاقي حل ، بس الكلام وجعني أوي يا ثائر ، مين هيصدق أي منشور لينا بعد كدة ؟ مين هيثق فينا ؟ والأهم من ده كله لو أولادنا عرفو أو حد ضايقهم بكلمة ، أنا عقلي هيقف .

قالتها وهي ترفع كفيها تحاوط عقلها وتلتتفت عائدة للنافذة ، تثق به ولكن هناك ثغرات تتوغل من اقتراحات الأفكار السيئة ، التي كانت تخبرها بحلول ذلك الوقت لذا عاد يلفها إليه ويطالعها بنظرات قوة وثبات مردفا :

- لو ديما الصابر ما بقتش قدوة للناس كلها قبل أولادها ما بقاش ثائر ذو الفقار ، اهدي وهتشوفي .

تستمد منه القوة ، وهذا هو الشعور الذي راودها الآن ، كانت تنتظره منذ أن قرأت الخبر لذا حاوطت ذراعيه المعانقان لخصرها بكفيها وتساءلت بترقب :

اللي عمل كدة إرتوا صح ؟

أجابها مكملا :

- وسها

كانت تشعر بذلك لذا لم تتفاجأ كثيرًا بل أومأت بشكل متال وقررت أن تستريح فمالت تضع رأسها على صدره وتعانقه وتغمض عينيها بسلام ، ربما كان عليها أن تثور أو تغضب أو تحتد في حديثها معه كما أخبرها شيطانها ولكن دوما تجد نفسها أمامه لا ترتبط سوى بالسلام

بادلها العناق وبالفعل توغل سلامها إليه فطمأنه وجعله يتنفس بارتياح بعد ساعة قضاها في تأكل عقله واشتعال جسده غضبا.

لمح حبات المطر تتساقط في الخارج عبر النافذة ، وعلى الفور تذكر لقاءهم
الأول فابتسم وتملكه حنينا قويا لهذه الذكرى لذا أبعدها عنه وأمسك بكفها وسحبها معه يفتح الباب المطل على الحديقة ويخرجان معا ليقفان في منتصفها ، طالعته مفاجأ ونظرت حولها تمدقت لتلتقط هذه الحبات ورفعت رأسها للسماء لتجد غيوما تخيم على المكان ، لا تعلم كيف أمطرت هكذا فجأة ولكن ربما هذا المطر كان جوابا على مخاوفها.

ابتسم لها وعاد يهاوطها ويتشرب تفاصيلها مردفا بحبه :

- عارف إنك بتحبي المطر ، وبتحبي ترقصي تحته.

أمسك بكفها الأيسر وحاوط خصرها الأيمن وبدأ يتمايل بها بشدة مما جعلها تبتسم وتشعر بالخجل.

نظرت حولها لترى هل زوجما أحدًا أم لا ، وحينما لمحت شمس تقف في

النافذة نهش الخجل ملامحها أكثر واقتربت منه تهمس :

شمس شيفانا يا ثائر

رفع نظره يطالع ابنة شقيقه ليجدها تتأملهما من نافذتها لذا رفع يده يحييها فأومأت له مبتسمة فعاد يكمل رقصته مع ديما ويهمس لها وهي تخفي وجهها فيه :

ما هو ده علاج نفسي ليها ، إحنا بنثبت لها إن لسة فيه حب حقيقي ، ولا إيه يا حب عمري كله ؟

رفعت رأسها تناظره وهامت عشقا به لتجده يدندن كلمات أغنية ما وهو مستمر في الدوران بها في أنحاء الحديقة وتحت حبات المطر الجسدية

مستمر في الدوران بها في أنحاء الحديقة وتحت حبات المطر الهادئة

تسير متخبطة بين المارة داخل المطار الدولي لتفر هاربة إلى دبي ، طوال طريقها تفكر ، كيف علم ثائر أنها الفاعلة ؟ وكيف سيعا قبها ؟ وهل سفرها إلى دبي أو إلى فرنسا سينقذها منه ؟

هل سينجح إرتوا في حمايتها بالفعل ؟ أم أن هناك أياد خفية لثائر تمكنه من الوصول إليها ؟

دب الخوف في أوصالها وجلست على جمرات تنتظر دورها ، مر على عقلها ابنتها لتفكر لثوان فيها بملامح متجهمة ، باعتها ابنتها أيضًا كما فعل ابنها ، لم يهتما لأمرها بمقدار ذرة ، لم يعيراها اهتمامًا ، وكأنهما كانا ينتظران الخلاص منها وهي التي قضت سنينها في تربيتهما ورعايتهما ، ربما فعلتها من أجل نفسها ولكن مهما يكن كان عليهما أن يتخذان صفها ، لذا ستتخلى عنهما مثلما فعلا ، ستنظر لنفسها ولمستقبلها فقط ، وستصعد على الجميع وأولهم ذلك الأحمد ، لن تهدأ إن لم تنتقم منه وتحطم سمعته في مجاله ، فصبرا يا عائلة ذو الفقار .

كانت مندمجة في أفكارها ، تصول وتجول بعقلها الخبيث معتقدة أنها ستحظى بحريتها قبل أن يأتيها فردان من الشرطة يقفان أمامها ليتحدث أحدهما إليها قائلا :

ممكن نشوف جواز سفرك ؟

تطلعت عليهما ببغض وعاد الخوف من تهديد ثائر يتردد على عقلها ، ولكنها اضطرت أن تستل جواز سفرها من حقيبتها وتناوله لهما بحذر .
التقطه الضابط يفحصه ليتأكد من هويتها ثم عاد إليها يردف بنبرة رسمية :

- اتفضلي معانا .

ارتعبت و از دردت ريقها تتساءل بقوة ظاهرية :

اتفضل معاكو على فين ؟

دس الشرطي يده في جيبه وأخرج ورقة يعرضها أمامها ويردف بنظرة ثاقبة :

- معانا أمر بالقبض عليكي ، اتفضلي معانا بدون شوشرة .

تطلعت عليه بحسرة ولكنها ادعت الثبات ونطقت باعتراض :

- يعني إيه تقبضو عليا وبأي تهمة ، أنا مش متحركة من هنا خطوة .

نظر لها الظابط بنظرة ثاقبة ونطق بحدة مبطنة :

يافندم بنقولك إحنا مش عايزين شوشرة ليكي ، كدة كدة مش هتعرفي تكملي رحلتك ولا تطلعي برا المطار ، الأفضل ليكي تيجي معانا بهدوء أحسن من القوة .

نظرت في عينيه مباشرة لتجدهما تحملان تهديدًا واضحًا وتحديًا لتوقن أن ثائر قد نفذ تهديده ، ولكن يا ترى بأي تهمة يتهمها ؟ هل يظن أنها ستعتقل من أجل ذلك المنشور ؟

نهضت ترفع رأسها باعتلاء ثم تحركت تسحب حقيبتها وتتحرك بجوارهما نحو غرفة التحقيق

دلفا عائدان إلى الفيلا بعدما ابتلت ملابسهما بقطرات المطر ، الابتسامة مرتسمة على محيهما تكافح تعرف جيدا كيف ستثبت في قلبيهما رغم تواجد بعض الصعاب ..

وقف في غرفة المكتب يطالعها ويردف بنظرات رجل عاشق حد النخاع :

بعد كل اللي اتقال وعرفتيه وقفتي هنا واستنتيني ووثقتي فيا إني هلاقي حل ، علشان كدة بوعدك إني هكون دايما أد ثقتك دي ، ومش هسمح لأي مخلوق يقول عنك نص كلمة وهاخد حقك منه ، اسم ديما الصابر لازم يبقى نجمة في السما الكل يبصلها بانبهار ومحدش يقدر يمسها .

الحب الذي في عينيها له يفيض ويتناثر من حولهما لتردف برتابة بعدما توغلها الارتياح :

- واسم ثائر ذو الفقار قبل اسمي ، إنت عارف إن أهم حاجة في شغلنا هي المصداقية ، وأنا فاهمة إن هيبقى عندنا تحديات كتير جدا بس الأهم ما حدش يقدر يقعنا

تنهد بارتياح بعد كلماتها ونظر لهيئتها ثم أردف بمكر يغلفه الاشتياق وهو يشير نحو غرفتهما المميزة :

- طب ندخل نغير هدومنا وآخد رأيك في حاجة مهمة جدا نسيت اقولك عليها .

قالها وهو يهاوط خسرها ويسحبها معه فابتسمت وفهمت مقصده لتردف بحرج ممن في الخارج :

- على فكرة مقررة حاجتك المهمة دي تتقال بالليل ، شمس والولاد أكيد جاو وكانو مستنيينك

لم يسمعها بل سد أذنه وصمم على ما يريد فعله بل انحنى يحملها ويتقدم بها نحو فراشهما يمدها بلطف ثم انحنى عليها يهمس معاتبا باشتياق

وشوق :

- مالكيش حقيي وقت اشتياقي ليكي يا ديما هانم ، وبعدين كفاية أوي إني مراعي الحمل ومجبر اتعامل بحذر وده مش طبعي ، واعملي حسابك هما 40 يوم بعد الولادة وهنرجع نحني كعب الغزال تاني ، أنا مش ناسي .

ضحكت عليه فقطم ضحكتها بق. بلة بث فيها شوقه اللا متناهي لها فباد لته بشوق متجدد يبدع في استخراجه من مخبئه
جلست في غرفة التحقيق تنتظر والقلق والغضب يتناحران داخلها ، إلى الآن لم يظهر أحد وهي لم تعتد الصبر لذا نهضت تتجه نحو الباب وتطرقه بحدة قائلة بنبرة أقرب للصراخ :

- انتو يللي برا ، أنا عايزة الموبايل أكلم المحامي بتاعي ، افتحو الزفت ده

لم يمر لحظات حتى فتح الباب لتبتعد وتنظر وإذا برجل في الستين من عمره المنحدر الهيب يحدجها بنظرات حادة وملامح متجهمة أثارت في نفسها الذعر

رفع رشدي يده ملاحظة بعينيه نحو المقعد يردف بنبرة صلدة :

- اقعدي يا سها

تردد نبضاتها وتحركت بالفعل تجلس ثم تساءلت بنبرة خافتة :

- أنا عايزة اعرف انا هنا ليه ؟ ممكن تفهمني ؟

جلس رشدي قبالتها يطالعها بنظراته الثاقبة مستخدما حيله النفسية ثم تساءل مباشرة :

- إيه علاقتك بإرتوا غيس ؟
انقلبت ملامحها عليها حيث أظهرت التوتر والخوف وهي تردف بنبرة تجاهد

لتبدو ثابتة :

مين ده ؟

زفر رشدي يدعي الضيق ثم دس يده يخرج هاتفه من جيبه ويعيد تشغيل المكالمة الصوتية بينها وبين إرتوا وهي تطلب منه مساعدتها في السفر إلى فرنسا ، ليظهر لها بعد ذلك الصور التي أرسلها لها إرتوا من منزل ثائر ، ليردف رشدي بمكر مخابراتي :

تواصلتي معاه وطالبة منه يساعدك تسافري فرنسا وهو وافق طبعا وبعتلك صور البيت اللي هتعيشي فيه ومش عرفاه ؟ طيب خليني أعرفك مين هو إرتوا

فرد رشدي كتفيه واعتدل يطالع خوفها بانتشاء ويردف بترقب :

إرتوا غيس عق. يد في الجيش الفرنسي ، معروف بعد. داوته لمصر ، صاحبه المقرب وشريكه هو توماس أورليان اللي انت حر بعد محاولاته تنفيذ عمل يات اغتيال على أرض مصر وفشل ، وبعدها قرر يضحك على بنت مصرية ويستغلها علشان ينفذ باقي خططه بأريحية وبردو فشل بسبب قد ارته وعلاقته بمارتينا بنت إرتوا اللي كانت سبب إن مراته تفكر تسم. مهم هما الاتنين ، وده اللي خلاه ينت حر وهو في المستشفى ، يعني بالمختصر علشان ماطولش عليكي توماس أور ليان ومارتينا كانو جو اس يس ، وإرتوا هو الراس الكبيرة ، وإنت متهمة بالت خابر معاه ، عندك حاجة تقوليها ؟

جحظت ولم تصدق ما سمعته وانعقد لسانها فباتت تصيح بانفعال وتلعثم وكلمات متشابكة :
- لاء ، انا ، مش ، هو ، مش ، لاء ، لاااااء أنا ما عملتش أي حاجة ، أنا ما عرفوش ، أنا ما عرفش كل ده .

تكتف يطالع انهيارها ببرود وتساءل مستفسرا :

أومال تفسري بإيه تواصلك معاه ، تفسري بايه كلامه ليكي ؟

هزت رأسها مرارًا وتكرارًا بحسرة وباتت تنتفض بهستيرية وتخبط لذا حاولت أن تلقي بالتهمة على ديما وائر فنطقت :

- أنا ما عرفوش ، أنا بس طلبت مساعدته لإن بنته كانت متجوزة أخو جوزي

- طليقك

مالت باستفسار كأنها تجردت من الفهم والنطق ليسترسل باستفزاز :

ثائر ذو الفقار ، أخو طليقك مش جوزك ، إحنا عارفين كل حاجة ، علشان كدة وفري على نفسك كل الدوشة دي .

نهض من مكانه وتحرك خطوة ثم عاد يطالعها ويستطرد بهيمنة :

- فكري كويس واهدي ولينا كلام تاني بس مش هنا ، في أمن الدولة ، علشان الوضع اللي إنت فيه مش سهل ، وخروجك من التهمة دي شبه

مستحيل ، وأظن إنت فاهمة كويس يعني إيه التعاون مع شخص عدو لبلدك

تركها وتحرك يغادر فأسرعت تنهض وتلحق به ولكنه أغلق الباب فوقفت تصرخ وتصفعه بجنون وتردف بتخبط :

افتحو وخرجوني حالاً ، أنا ما عملتش حاجة ، أنا مش هسكت ، أنا سها أبو المجد مستحيل اعمل كدة، ومش هسكت

ليلا تجمعت العائلة على طاولة العشاء ، حضر أمجد وعلياء وليل أيضًا.

عشاء جمع بين الود والحنين والشوق والحزن ، النفوس مازالت جراحها لم تندمل بعد ولكنها تقاوم ، خاصة شمس التي ارتدت بلوزة بأكمام طويلة حتى لا يروا جرحها ، وليل الصامت منذ أن جلس ، وأحمد المغلوب على أمره ، وأمجد وعلياء اللذان أتيا لمساندة ديما وثائر فيما نشر عنهما .

لينقلب الأمر ويجدان أن ثائر وديما هما من يساندان الجميع ويؤكدان أن الأمور ستسير في مسارها الصحيح عما قريب .

لم يمر مشهدهما تحت المطر على شمس مرور الكرام ، حبهما، نظراتهما لبعضهما ، مساندتهما ، وبالطبع هذا سينعكس على أولادهما ، لذا تمنت لو أنها ابنتهما ، لو أنها حظيت بحياة هكذه ، هل يمكن أن تحظى بعائلة مثل هذه أو أن حياتها ستسير على نفس وتيرة حياة ديما ؟
هي ليست بهذه القوة التي تجعلها تتحمل وتتجاوز الصعاب لتصل إلى طريق آمن.

تنهد بقوة وعيناها تتعلقت على والدها الحزين لذا تحمحمت تردف بترقب :

بابي ، ممكن اتكلم معاك ؟

تطلع الجميع عليها بصمت بينما نظر أحمد لها يردف :

- أيوة طبعًا ، تعالي

نهضا سويًا يستأذنان من الجميع وتحركا نحو غرفته، دلفا واتجها يجلسان على الكراسي ليتطلع أحمد على ابنته ويتساءل بترقب :

- عايزة تتكلمي في إيه يا شمس؟

از دردت ريقها ونظرت له تفعيل تردف بحذر وحزن :

- بابي أنا سمعت مامي بتتكلم مع واحد فرنسي وعايزه يساعدها تسافر فرنسا ، كلامها معاه كان واضح إنها تعرفه قبل كدة ، أنا مش عارفة ليه هي بتعمل كدة ولا قادر أصدق ولا عارفة مين الشخص ده ، هو ده السبب اللي خلاني عملت اللي عملته ده ، تفتكر ده ليه علاقة بالكلام اللي اتنشر النهاردة عن أونكل ثائر ومراته ؟

- تعرفي اسمه إيه ؟

سألها أحمد على الفور ودمه يغلي داخله غضبا واشمئزازا من تلك السها لتتشرف شمس لثوان كأنها تتذكر ثم أومأت تجيبه :

كان اسمه إرتوا ، تعرفه يا بابي !

أوماً لها وشرد يردف بتجهم :

- أيوا ، ده يبقى ابو طليقة عمك ثائر ، وبينهم عداوة من زمان .

أومأت بتفهم وقليل من الراحة حيث كانت تخشى ويتوغلها الشك أن تكون بنفسها على علاقة بذلك الرجل أيضًا ، ولكن يبدو أنه مجرد شريك لانتقامها

بعد وقت

دلف مالك غرفة المكتب حيث ينتظره ثائر ، يجلس على الأريكة ويستقبله بابتسامة هادئة ليتحرك مالك نحو المقعد المقابل ويجلس عليه لذا اعترض ثائر يرتبت على الجهة

لاء قوم تعالى جنبي هنا

ابتسم مالك وشعر بالألفة وقام بالفعل، أبدل مجاوزا له ليسترسل ثائر بنبرة هادئة عاطفية :

معلش حقك عليا أنا عارف إنك كنت مستنيني نتكلم بعد الغدا بس علشان العيلة كانت هنا ماكنتش هعرف أخد راحتى معاك في الكلام ، بس دلوقتي فضيت لك أهو ، قول بقى كل اللي إنت عايز تقوله .

هدأ الصبي داخليًا ، بالفعل كان منزعجًا وظن أن ثائر يتجاهله ولكنه الآن راضيا لذا رفع نظره يطالعه لبرهة ثم تساءل بتأكيد :

- هو حضرتك بتحبنا بجد ، يعني مش بتكلم عن ماما علشان أنا عارف إنك بتحبها جدا ، أنا قصدي عليا أنا ورؤية ، بتحبنا زي معاذ ؟

نظر له ثائر بثقب وأدرك أن مالكًا ما زال يخشى تسكن قلبه، يشبه ديما إلى حد كبير، حتى أنه يصبح النسخة الذكورية منها، لذا هو أكثرهم دراية بكيفية التعامل معه، وهذا ما حدث حينما أجابه بسؤال :

- إنت شايف إيه ؟ أنا عارف إنك ذكي جدًا وقادر تميز التمثيل من الحقيقة ، قولي إنت متوقع إيه ؟

شرد مالك لثوان يحلل كلمات ثائر حيث أنه يضع على عاتقه مسؤولية التفكير بذكاء ويجب عليه أن يكون على قدر ثقته لذا أجابه :

- أنا قرأت الكتب اللي قولتلي عليها ، وهي خليتني اعمل مقارنة بينك وبين بابا ، هو كمان كان بيقول إنه بيحبنا جدا، كان بيجبلنا اللي إحنا عايزينه ، بس أنا كنت بخاف منه أوي ، بخاف أول ما بسمع صوته ع السلم ، وأول ما يصحى من النوم ، هو علطول كان متعصب ، لما كنت بعمل حاجة غلط كان بيعاقبني ولما أعمل حاجة صح ماكنش بيشجعني ، كنت لما ازل واعيط

يزعق فيا جامد ويقولي الراجل ما يعيطش ، علشان كدة بطلت اعيط بس يبقى زعلان أوي منه وبطلت اتكلم معاه أو أوريله رسوماتي أو أي حاجة بعملها ، وكنت علطول بدافع عن ماما ، بس إنت بقى بتعمل عكس ده كله ، أنا أصلا مش محتاج أدافع عن ماما خالص قدامك لإن إنت مش بتخلي أي حاجة تزعلها ، ولا بتخلينا محتاجين أي حاجة ، رؤية دلوقتي لما بتسمع صوت عربيتك بتجري علشان تشوفك وهي الأول كانت بتستخبى من بابا ، أنا كمان امبارح لما سمعتك جاي لقيت نفسي ببص عليك من الشباك وانا مبسوط، وكلام معاذ عنك كمان وان انت عمرك ما زعقتله ولا اتعصبت عليه ودايما بتشجعه ، يعني انت كدة بتحبنا بجد ، صح ؟

ابتسم ثائر ومد يديه يحتوي كفه ثم رفعه يقبله وعاد ينظر إليه بعمق ويومئ

مؤكدًا :

- صح ، انت فعلا ابني زي ما معاذ ابني ، وانا مش بمثل محبتي ليكو ، أنا فعلا بحبكو واتعلقت بيكو جدا ، ومن هنا ورايح أنا عايزك تنسى خالص كل اللي حصل قبل كدة ونركز بقى في اللي جاي ، ورانا مذاكرة ومدرسة ونجاحوتفوق وتمارين لازم نفكر فيها ، غير كدة كل اللي فات ده اعتبره غلطة مكتوبة بالرصاص وانت مسحتها ، ولا استيكتك ضايعة ؟

ضحك مالك وهز رأسه بلا يجيبه :

لاء ، معايا اتنين .

لكزه ثائر بخفة واسترسل :

- طب يا بابا يبقى تمسح براحتك أي حاجة تزعلك ، وابدأ سطر جديد ولا تزعل نفسك ، اتفقنا ؟

أوماً مالك وصمت لبرهة يفكر ثم رفع نظره يطالعه ويتساءل بتوتر ونبضات قلب صغير يشعر بالحب والحنان :

- يعني ممكن اقولك يا بابا ؟

التمعت عينا ثائر ، فهذا ما تمناه وسعى له منذ أن دلف حياته ، والآن تحققت أمنيته تجاه هذا الصبي ومن ثم من المؤكد ستقلده شقيقته الجميلة لذا ابتسم ثائر يجيبه بنبرة عتاب مرحة :

- أنا أصلا مستغرب إنت ليه بتقول أونكل ، المفروض أن أنا بابا فعلا .

انفرجت أسارير مالك ونهض يمد يده بالسلام وعلى محياه ارتسمت السعادة ليصافحه ثائر ثم دفعه نحو صدره يعانقه بحنان أبوي صادق ويربت على ظهره فأسرع مالك يلف يديه حول ظهره كتر حاب واضح منه بهذا العناق

في اليوم التالي داخل المجلة

تحديدا في مكتب ثائر

جلس بهيبته ووقاره خلف مكتبه ، يتحلى بقدر عال من الثبات والوسامة الدالان على الثقة العالية بالنفس .

يستعد للخروج إلى الناس عن طريق بث مباشر حيث جلس أمامه محرر من المجلة يوثق ما سيقوله بكاميرة هاتفه .

بدأ البث ملاحظة له المحرر أن يبدأ وبالفعل بدأ ثائر يتحدث برباطة ونكة

قال :

- مساء الخير ع الجميع ، اعذروني المرة دي مش طالع أحلل حدث معين ولا طالع اتناقش مع زميل مهنة ولا الكلام اللي انتو اتعودتو عليه ده خالص ، أنا طالع النهاردة أرد على الخبر الكاذب اللي اتنشر عني وعن زوجتى امبارح ، والحقيقة لو كان الكلام يخصني لوحدي ماكنتش رديت ولا أديت أهمية للموضوع لإني متعود على الهجوم والإشاعات دي من زمان جدا وعارف أعدائي واحد واحد وبعرف اتعامل معاهم ، بس المرة دي الكلام مس زوجتي ودي حاجة مش هقبلها ، لإن ببساطة ديما الصابر هي نموذج فخر وقدوة حسنة للمرأة العربية على وجه العموم ، وبرغم إني مش مجبر أبرر لحد أي شيء لإنها بالفعل زوجتي إلا إني وعدتها إني هردلها حقها ، وده علشان فيه ناس مش نظيفة بيحاولو يشوهو صورتها لإنها نجحت تغير كل قناعاتي وتفكيري عن الغرب وتصلح علاقتي ببلدي اللي دامت ل 14 سنة بعد وخصومة ، ومش بس علاقتي ببلدي ، هي كمان كانت سبب قوى في إصلاحعلاقتي مع ربنا ، باختصار شديد ديما أخدتني من عالم كان مجرد خدعة ووهم كبير، أنقذتني من حياة المراهنات والسهر والغربة والوحدة ، رتبت كل الفوضى اللي جوايا ، وفيه ناس كارهة التغيير ده ، فيه ناسنفسها أرجع اخاصم بلدي تاني ، ناس مش عاجبهم كلامي عن مصر وبيحاولو يكموني علشان كدة الإشاعة ده نزل في التوقيت ده تحديدا لإن ديما مهتمة جدا ببلدها وبتساهم في توعية فئة كبيرة عن التحديات اللي بنواجهها

زفر قليلا وصمت لهنيهة ثم استرسل بهيمنة ونظرة ثاقبة :

- اللي لازم تعرفوه إن الصور اللي ظهرت مع المنشور دي ملهاش أي أساس من الصحة، الصور دي. فعلا من بيتي بس الباب ده اتعمل بعد ما سبته علشان يثبتوا بيه اللي كاتبينه قبل جوازي بديما هي كانت محررة معايا فقط زيها زي محررين كتير ساكنين في نفس المنطقة، وكل عارف الكلام ده، والدليل إن ابني كان عايش معايا ، العلاقة بيني وبين ديما كانت احترام متبادل وحدود هي حطتها من أول ما دخلت فرنسا لحد ما اتجوزنا، وهو ده السبب الأول والأهم أني أصمم على الارتباط بإنسانية زيها، وبال للعبث اللي اتقال عن التح. ريض لق. تل توماس ومارتينا ده كلام لا يستحق الالتفات له والقضاء المصري لو كان أثبت صحة اللي اتقال ماكنتش هبقى قدامم دلوقتي ، ونصيحة لأعد اني ما تحاولوش، أنا رجعت لبلدي تاني ومش

هخرج عن طوعها تاني، وكل محاولاتكوا هتفشل واوعدكم الأيام الجاية هيكون فيه مفاجآت للكل، واستنوا ثائر ذو الفقار

عدد كبير شاهد هذا البث ومن لم يشاهده حين عرضه شاهده بعد ذلك ، ومن ضمنهم أسما .

جالسة على سريرها تحمل حاسوبها وتستمع إلى كلمات ثائر بتمعن ، تستطيع أن تميز بين الجيد والسيء ، لقد مرت التجربة وجعلتها لا تثق في الأشخاص بسهولة لذا فهي ترى أمامها رجلا يدافع عن قارب نجاته الذي وجده حينما كان على وشك الغرق ، لذا فهو يبدو شرشا وله الحق ، ومن ذا الذي يجد قارب نجاة يقوده إلى بر آمن ويتركه ؟

انتهى بث ثائر وأغلقت حاسوبها وجلست تتذكر ما مرت به زوجها الخاذ .ن مع صديقتها المقربة ، اللذان لقيا مصرعهما حينما كانا في عطلة مع بعضهما دون علمها في إحدى المدن الساحلية

هذا الجرح الذي لم يندم قط، مهما حاولت النسيان والتهاء في العمل تجد نفسها أمام تلك الذكريات عند أي حدث صغير.

لذا فهي ترفض مقابلة أحمد ذو الفقار مرة أخرى جملة وتفصيلا، حتى أنها استحقته، كيف لها أن تتحدث في إيذاء مشاعر غيرها ؟ كيف لها أن تذيق امرأة أخرى ما تذوقته من مرارة وخيانة ؟

تنفست تنشيط وانسدلت قليلا لتنام وعقلها منشغل بوحدتها ووحدة قلبها المجروح، هل ستظل هكذا ؟ ألن تجد رجلاً مناسبا يطيب خاطرها ويعوضها عما عاشته ؟

فذلك الثائر على ما يبدو مثال أمل لكل سيدة تذوقت طعم الانكسار والألم والفقد والخيانة ، فهي قرأت قصة ديما الصابر وتعلم ما مرت به جيدا بل وتتمنى أن ترى والتحدث معها عن قرب .

يجلس مكبلا في المقعد ، عيناه محاطتان بعصبة تحجب عنه الرؤية ، الغرفة من حوله تبدو مظلمة فلا يوجد أي أثر للنور ، كعقله تماما .

اسودت أفكاره وباتت فكرة اغت ياله تراوده بل تتجسد أمامه ولم يعد يشمل و بینه برزخا ، تعاظم الألم في قلبه على حبيبته وأولاده

كان يعلم منذ زمن أن هذه ستكون النهاية ، إن لم يفعلها إرتوا فيسفعلها أعوان توماس أور ليان ، خاصة بعد حواره الصحفي وتصريحاته التي شاهدها الجميع

هو لا يخشى الموت ، ولكنه تمنى لو عاش معها حياة أطول ، وقرت عيناه بأولاده ، ورؤية صغاره يكبرون أمامه حتى يوصلهم لبر آمن

يشعر أن إحداهن تقترب منه، هذه الرائحة مؤلوفة بالنسبة له، لا بل يعرفها جيدا، هناك لمسة يد تتحرك على وجهه، ويثقل عليه التقاط أنفاسه بشكل مريح، ماذا يحدث معه ؟ هل حقنوه بنوع معين من الس. م بطيء المفعول ليموت ببطئ ويعاني ؟ ولكنه الآن لا يعاني ، بل يشعر بلمسة يحبها ، ورائحة لا يود التوقف عن استنشاقها ، وصوت يأتي من هناك يحاول رؤية صاحبته بلهفة لينتفض فجأة حينما شعر بقضمة

:

كل ده نوم ؟ عمالة انادي عليك من بدري ؟ كان نومك خفيف إيه اللي حصل ؟

ظل محدقا بها لبرهة لا يصدق أنه كان يحلم ، ربما هذه مخاوفه بالفعل لذا بات عقله الباطن يجسدها له ، لقد ظن أنه لن ينجو ؟ خاصة حينما عاتبه رشدي على تهديده لأعدائه خوفا عليه .

رفع يده يتلمس وجنتها فتساءلت مسترسلة :

- إنت كويس ؟

ابتسم لها يومئ ثم تساءل بتحشرج ونعاس يداري كابوسه عنها :

- الساعة كام دلوقتي ، أنا نمت كتير ولا إيه ؟

تحمحمت تجيبه بحذر ونعومة مفرطة تستهدف قلبه :

لاء ما نمتش كتير ، الساعة لسة 12 ، يعني إنت نمت ساعتين بس ، وأنا لو عليا اسيبك تكمل نومك بس الأولاد مصممين إني أصحيك

قطب جبينه مستفسرا يتساءل وأثر النعاس يلتهم عيناه :

- ليه خير ؟ حصل حاجة ؟

أشارت برأسها ومدت يدها تحثه على النهوض قائلة وهي تعتدل وتنهض من على صدره :

قوم تعالى معايا وهتعرف

زفر بتعجب ونهض يمد لها يده فسحبته معها إلى الحمام تعامله كطفلها حيث وقفت أمام الحوض تفتح الصنبور وتبلل يدها ثم مررتها على وجهه قائلة بحماس مختلط بعاطفتها:

- علشان ماتبردش

ابتسم وتركها تعامله كيفما تحب ثم خرج سويًا يتجهان خارج الغرفة ومنها إلى الدرج ليصلا إلى غرفة المعيشة حيث

فقد غادرت شمس مع والدها إلى منزل أمجد بعدما تحسنت حالتها قليلاً لتبقى مع شقيقها وتسانده كما كانت تفعل دوما

نزلا الدرج وقد بدأ يستشعر أن هناك مفاجأة من نوع فريد وبالفعل حينما دلف بصحبتها قام معاذ بتفجير فتات الورق اللامع وصاحوا ثلاثتهم يرددون:

- كل سنة وانت طيب يا بابا

تسرب شعور رائع على الفور إلى قلبه ، ينافي تمامًا شعوره منذ قليل ، لتتبخر مخاوفه جميعها ويبقى في حضرة هذه اللحظة الرائعة التي لن ينساها قط ، لذا التفت ينظر إلى ديما بامتنان عظيم فوجدها تبتسم له وتبادله نظرة مشابهة تتبعها بجملة :

كل سنة وانت طيب يا أعظم زوج وأب في الدنيا ، والولاد حبو يكتشفوا بيك بعد الساعة اتناشر وقبل العيلة كلها ، وأنا بصراحة شجعتهم على ده

بحب بالغ وسعادة غلفت أركانه فتح ذراعيه لهم ليستقبل أربعتهم في عناقه الدافيء والحامي متمنيا وداعيا ربه ألا يفرق بينهما أحدًا مهما حدث


تعليقات